Haneen
2013-01-07, 11:37 AM
اقلام وآراء اسرائيلي
لم يوجد مثيل لهذه الانتفاضة
الظروف الميدانية في الضفة الغربية مهيأة جدا لنشوب انتفاضة ثالثة فالجيش الاسرائيلي والجهات الامنية الاسرائيلية تعرف ذلك جيدا وتستعد له
بقلم:اليكس فيشمان،عن يديعوت
قد تكون هذه أول مرة تجعل فيها الجهات الاستخبارية في اسرائيل، في الجيش وفي 'الشباك'، تصفح الشبكات الاجتماعية في مقدمة الانذار بالحرب. فمجسات الاجهزة الاستخبارية تصور في الضفة صورة مخيفة تُذكر بقدر كبير بالمسارات التي أفضت الى الانفجارات الثورية في مصر. فهناك مجموعات كثيرة من الشباب العاطلين ومن المثقفين وطلاب الجامعات واليساريين والليبراليين ومجرد 'شباب' بلا تنظيم تحت سقف واحد حتى الآن يخلقون جوا عنيفا بعضه تآمري على اسرائيل بالطبع، لكن على المؤسسة الفلسطينية في الضفة ايضا. وتبحث كل هذه المجموعات عن الفعل وهي ترى حتى لو لم يوجد الى الآن تسونامي على الارض ان الانتفاضة الثالثة قد أصبحت هنا، والشبكات الاجتماعية فوارة بحسب ذلك. ويقولون هناك العالم يعترف بنا وحشدنا انجازات في غزة والامم المتحدة واسرائيل معزولة لكن ما التالي؟.
ان متابعة الشبكات الاجتماعية موجودة منذ سنين في اطار اجراء جمع المعلومات المكشوف للجهات الاستخبارية. ويفعل ذلك في الاستخبارات العسكرية وحدة 'حتساف'، التي تشتغل بتحليل المعلومات الاستخبارية الظاهرة في اطار وحدة جمع المعلومات 8200. و'الشباك' ايضا قوي في هذا المجال. واذا كانوا في الماضي قد حصروا عنايتهم في الأساس في تعقب جهات ارهابية معروفة كحماس والجهاد الاسلامي وحزب الله فان هذا المجال قد حصل منذ كان الربيع العربي على زخم وتحول. وقد حول تجنيد القوى الثورية بواسطة الشبكات الاجتماعية هذه الشبكات الى هدف استخباري مركزي، يُمكّن من دراسة المزاج العام في الشارع العربي. يتبين انه يمكن بواسطة تحليل المعلومات المتراكمة في الشبكات تحديد التنظيمات والقادة والقيادات المتشكلة. ويمكن بالطبع ايضا ادخال 'تشويشات' على الشبكة.
في الفترة 'البدائية' في الانتفاضة الاولى نشرت 'القيادة الوطنية الموحدة' التي أقامها الفلسطينيون في قطاع غزة توجيهاتها بواسطة منشورات نشرت في الميدان. وتعلموا في اسرائيل الطريقة فزور رجال استخبارات ببساطة منشورات لبلبلة العدو. ويمكن اليوم التنكر والمشاركة في مجموعات نقاش من القاعدة والجهاد العالمي في الشبكة العنكبوتية.
ليس التغيير في الجو في الشارع الفلسطيني في الشبكات أو بين الشباب غير المنظمين فقط، بل عند رجال بارزين من فتح في صعيد نشطاء الميدان، ويوجد شعور بما يسمونه 'أخوة الخنادق' مع الاخوة في غزة. لا توجد في الحقيقة مصالحة في القيادة العليا بين فتح وحماس، لكن في مستويات الميدان ينتشر شعور بالتعاطف مع مقاتلي حماس وتصور الحل العنيف الذي تعرضه المنظمة. في المنشورات التي أعدتها فتح لاحتفالات مرور 45 سنة على تأسيسها والتي ستتم في الاول من كانون الثاني، يبدو محارب يمسك بسلاح. فلم يعد هذا هو النضال المدني الذي يدعو اليه أبو مازن بل عودة الى الكفاح المسلح الذي تحدث عنه واحد من رؤساء السلطة هو نبيل شعث الذي شارك في مؤتمر انتصار حماس في غزة الى جانب اسماعيل هنية.
أصبح قدماء الانتفاضتين يشمون الدخان. فمنذ كانت 'عمود السحاب' أصبح يوجد ارتفاع جوهري لعدد حالات الاخلال بالنظام ومقدار الانذارات بعمليات. ان مقدار الانذارات اليوم بعمليات ساخنة يراوح بين 6 8 كل اسبوع. وليست هذه في الحقيقة هي الاعداد التي عرفناها في سنوات الانتفاضة، لكن اذا قيست بالسنة التي سبقت 'عمود السحاب' فان الحديث عن ثورة تقريبا. في هذا الاسبوع فقط بين يومي الاثنين والاربعاء رُميت أهداف اسرائيلية بـ 13 زجاجة حارقة على الأقل وتم الكشف عن شحنة ناسفة واحدة. وهذا احصاء عرضي لم يبلغ الى العناوين الصحفية في اسرائيل لأنه لم يقع جرحى ولأنه لا أحد يريد ان يعلم في الحقيقة. لكن هذه الارقام لن تختفي. وهذه الأحداث هي الجمر المتوهج الذي يُنذر بالحريق.
يتحدثون في اسرائيل عن امكانية جولة عنف اخرى. ويتحدث الفلسطينيون بمصطلحات حرب وثورة عسكرية. ولم يعودوا في مباحثات الجهاز الامني في الاسابيع الاخيرة يحصرون عنايتهم في سؤال هل ستنشب مواجهة بل في أية ظروف ومتى. ويقول فرض العمل ان احتمال انفجار غير مخطط له على هيئة الانتفاضة الاولى قائم. وقد عرف قائد منطقة المركز، نتسان ألون، هذه المفاجأة وجربها على جلده. ففي التاسع من كانون الاول 1987 في يوم نشوب الانتفاضة الاولى، كان قائد فريق في دورية هيئة القيادة العامة واشتغل باعتقال سري لارهابي في جباليا. وفي اللحظة التي خرج فيها الفريق من مخيم اللاجئين لقي آلاف الناس محتشدين في مظاهرة صاخبة. ولم يخطر ببال أحد ان طاقات عنيفة من هذا النوع موجودة أصلا على الارض التي كانت تبدو ساكنة مستسلمة. وأصبحت تلك المظاهرة أول هبة عنيفة كبيرة في تلك الانتفاضة. ولا تُنسى مثل هذه الصدمة التي تضرب الوعي.
لا يشبه السيناريو المحتمل لانتفاضة ثالثة في الضفة والذي يستعدون في الجيش له الانتفاضة الاولى أو الثانية بالضرورة لأنه توجد ثلاثة عناصر مركزية ستجعل المواجهة اذا نشبت شيئا مختلفا. فجدار الفصل والأسوار حول القدس معطى لم يكن موجودا في الانتفاضتين السابقتين. وعدد الفلسطينيين الذين يعملون بتصاريح في اسرائيل أقل مما كان في السنين التي سبقت سنة 2000 بكثير. وجدار الفصل وقلة العمال المرخص لهم الدائمين الذين يمكثون في اسرائيل ينشئان صعوبة موضوعية أكبر مما كانت في الماضي، في دخول اسرائيل وهو شيء يضمن ألا تنحصر الانتفاضة الثالثة في المراحل الاولى على الأقل في القدس وفي داخل الخط الاخضر. وهناك احتمال أكبر لأن يحدث معظم المواجهات على الشوارع بازاء المستوطنات والمعسكرات العسكرية. ويصف سيناريو الانتفاضة الثالثة الأشد انتقال العنف الى داخل الخط الاخضر باتصال فلسطينيين من الضفة بعرب اسرائيليين.
والعنصر الثالث هو قيادة السلطة الفلسطينية التي لا تدعو الى مواجهة مسلحة. فأبو مازن لا يقف وراء الأحداث في شوارع الضفة. واسهامه في المواجهة هو في مجال الجو العام في الأساس. انه لا يعرض على الشباب الخائبي الآمال برنامج عمل جديدا ما عدا بضعة رموز سلطة مثل 'دولة فلسطين' على أوراق رسمية ونشر لافتات على الشوارع تعلن: 'يُمنع الدخول منطقة فلسطينية'. ولا توجد الى الآن جوازات سفر فلسطينية ولا يقول التغيير المتوقع في مكانة المفوضيات الفلسطينية في العالم وتعريفها بأنها سفارات شيئا كثيرا للفلسطيني العادي. ولا يعوق هذا أبو مازن عن السير منتشيا بسبب انجازه السياسي في الامم المتحدة. ويرى الاسرائيلييون انه يتصرف بعدم اكتراث في مواجهة الهبة العنيفة في الشارع. وهو يوحي علنا بالمصالحة مع حماس وإن كان يفعل كل شيء في الواقع لتعويق هذه المصالحة، وحديثه عن الاتحاد مع حماس يوحي الى قوات أمن السلطة انه لا حاجة الى تنفيذ عمليات احباط موجهة على المنظمة. واسهام أبو مازن هذا في الجو العام ينشيء حراكا: فحينما لا تعالج قوات أمن السلطة اخلالات صغيرة بالنظام ولا تحتجز جهات المعارضة يقوى العنف. لجهاز الامن الاسرائيلي ايضا اسهام ما في تدهور الوضع. لأنه يوجد ثمن لسياسة الجيش التي هي منع احتكاك لا داعي له، واستعمال أكبر قدر من التسامح وألا يوجد في اماكن ليس من الضروري ان يوجد فيها. ويترجم الطرف الثاني هذا ترجمة مختلفة وبرغم ذلك تقرر في قيادة المركز انه يُفضل دفع ثمن ما ومنع تلك 'الاختلالات العملياتية' التي تنبع من احتكاك لا داعي له أو من أوامر اطلاق نار حُرة جدا قد تشعل الارض في وقت يفاجيء الجيش. ويؤمن الجيش الاسرائيلي بأنه سيكون عنده في الظروف الموجودة انذار أفضل لنشوب انتفاضة يُمكّنه من احتوائها في أسرع وقت ممكن. ويرى الجيش و'الشباك' أنهما 'يوجدان' اليوم على ارض أفضل مما كانت قبل ولهذا فان بنى الارهاب التحتية برغم ارتفاع عدد الانذارات ما تزال محطمة. ومنذ كانت عملية 'عمود السحاب' زاد عدد الاعتقالات التي نفذها الجيش من ناس حماس وجهات معارضة اخرى في الضفة لاضعاف جهات تحريضية قدر المستطاع ولتخفيف الغرور في المناطق على خلفية ما يُرى انه انتصار حماس في العملية.
الرجل السيء، جبريل الرجوب
بدأوا في الجيش الاسرائيلي يستعدون لاحتمال تدهور الوضع في الضفة قبل ثلاثة أشهر. وقرر تقدير الوضع انه بسبب الجمود السياسي والازمة الاقتصادية والأحداث في العالم العربي أخذت تضعف مكانة السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن. وجددت قيادة المركز تدريبات الوحدات ولا سيما وحدات الاحتياط التي يفترض ان ترد على هبة عنيفة على الارض اذا ما فقدت السلطة الفلسطينية الرغبة أو القدرة على السيطرة على ارتفاع اللهب.
تم اكمال الخطط لحالة فوضى والتي سُميت في الجيش الاسرائيلي 'بذور الصيف' في صيف 2011 على خلفية الآثار المتوقعة لتوجه أبو مازن الى مجلس الامن. واليوم يُنعشون هذه الخطط بصورة مكثفة وقد بُنيت خطة تدريبات لنصف سنة لقوات قيادة المركز. وقد تم تنفيذ نصف الخطة وتشتمل على تكميلات معدات لتفريق المظاهرات. في خلال عملية 'عمود السحاب' حلت وحدات الاحتياط في القيادة محل الوحدات النظامية التي أُرسلت الى غزة. وكان ذلك بالنسبة لرجال الاحتياط الذين واجهوا موجة احتجاج شعبي اشتعلت بسبب العملية في غزة في اماكن مختلفة في الضفة، تدريبا كثيفا وحياً استعدادا لامكانية مواجهة كبيرة.
ان الوضع، وهذا صحيح الى الآن، لا يوجب تعزيز القوات في قيادة المركز. وحينما تقع أحداث غير عادية توجه القيادة قوات وتحشد جهدا في نقاط احتكاك. لكن الاستعداد المسبق يُمكّن من تحويل سريع لقوات كبيرة الى الميدان من اجل خنق اللهب وهو ما يزال ضئيلا.
في نقاشات داخلية في جهاز الامن تُعرض اليوم الجهات التي تُعرف بأنها 'تؤجج' النار في الضفة في مقابل تلك التي 'تكف' ذلك. وان عدد الجهات المؤججة يفوق كثيرا تلك التي تكف. وكذلك فان التحولات التي تقف وراء الجهات المؤججة أكثر أهمية وهي: الربيع العربي والجمود السياسي والمستوطنات وعمليات التسعير والاعلان في الامم المتحدة باعتراف بدولة فلسطينية مراقبة، وازدياد حماس والجهاد الاسلامي قوة بعد 'عمود السحاب' وسلوك اجهزة الامن الفلسطينية على خلفية الاعلان في الامم المتحدة، فهي لا تريد ان يتم تصويرها على أنها متعاونة مع اسرائيل. في مقابل ذلك فان مجموعة العناصر 'الكافّة' غير مقنعة جدا وتقوم في الأساس على عناصر نفسية مثل 'رغبة السكان في الاستمرار في نهج حياتهم الهاديء' و'الذكرى المُرة من الانتفاضة الثانية'. ولا يمكن الاعتماد على ذلك، هذا الى انه نشأ جيل جديد لا يذكر الانتفاضة الثانية. وفي الاثناء وعلى خلفية قوة الاحتجاج الشعبي في الضفة أصبحوا يشيرون الى 'الرجل السيء' في هذه الجولة وهو وزير الرياضة في السلطة الفلسطينية، معرفتنا جبريل الرجوب. وعلى حسب أمر من رئيس الوزراء نتنياهو سُلب الرجوب في المدة الاخيرة حقوقه الامتيازية. وبيّن اصدقاؤه السابقون في اسرائيل له انه غير مرغوب فيه هنا، فهو لم يعد يستطيع التجول عندنا بحرية ولا يستطيع ان يجتاز الحواجز في الضفة بغير تفتيش. وليس الرجوب هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي وضعت عليه اسرائيل علامة في المدة الاخيرة لكنه الأبرز والأشهر عند الجمهور الاسرائيلي. وقد لاحظوا في جهاز الامن ان هذا الرجل بدأ يحفر بئرا حول أبو مازن فهو يرى الحرب المقتربة على الوراثة ويطمع في كرسي في القيادة العليا، بل انه ربما يطمع في كرسي الرئيس.
بخلاف موقف رئيس السلطة الذي يتحدث عن مقاومة مدنية، يتحدث هو عن انتفاضة عنيفة. ويتجول رجاله بين الشباب ويحثون على تصعيد. والرجوب على نحو يشبه جدا مروان البرغوثي الموجود في السجن الاسرائيلي بسبب اعمال ارهاب، يحاول ان يبني نفسه باعتباره رأس الجسر الذي يصل فتح بحماس وبسائر قوى المعارضة باعتبار ذلك جزءا من مسار طويل المدى يفترض ان يعيده الى صورة القيادة السياسية بل ربما باعتباره وريثا لأبو مازن.
يستعمل خصوم الرجوب في الداخل ولا سيما القادة الكبار لاجهزة الامن في الضفة سياسة مختلفة أو هذا ما يقولونه على الأقل لنظرائهم الاسرائيليين. فهم يقولون لن نساعد على انتفاضة ثالثة. وعندهم بالطبع دعاوى شديدة على اسرائيل بسبب المستوطنات والقيود الاقتصادية وعمليات التسعير والجمود السياسي لكنهم يقولون: لن نصل الى عنف باسلوب الانتفاضتين السابقتين. وقد مكّنت السلطة الفلسطينية في اطار اشارات المصالحة، مكّنت حماس لأول مرة منذ سنين من ان تنظم مؤتمرات احتفاءا بمرور 25 سنة على انشاء المنظمة. لكن في مؤتمر في نابلس حينما بدأ الشارع يشاغب، كفت اجهزة أمن السلطة الهياج. وفي نقاط شعروا بأنهم لن يقدروا فيها على الصد في الخليل مثلا لم يعوقوا الجيش الاسرائيلي عن القيام بعمله. وفي تلك المظاهرة في الخليل جرح نحو من 40 شخصا باطلاق غار مسيل للدموع ورصاص مطاطي. وأطلق الجيش نارا حية في واقعة واحدة رُميت فيها زجاجة حارقة.
أبو مازن باعتباره لاعبا رئيسا
ان التشابه بين ما حدث قُبيل الثورة في مصر وما يحدث اليوم في الضفة ليس تشابها متطابقا لكنه مقلق. لم تكن لمجموعات الشباب التي أحدثت الثورة في مصر كتلك المجموعات التي تشارك اليوم في الاخلال بالنظام في الضفة، منظمة سقف ولا يد موجهة ولا برنامج عمل واحد ايضا. وكان الاخوان المسلمون هم الذين نظموا لهم برنامج عمل وركبوا الحماسة والنجاح وهم الذين سرقوا حلمهم. وفي الضفة ايضا ينتظر سارق أحلام، أعني منظمة حماس.
ان رئيس حكومة حماس اسماعيل هنية أقل قلقا مما يجري في الضفة. وهو يحاول ان يقوي انجازاته في 'عمود السحاب' من اجل تقوية سلطة الاخوان المسلمين في غزة. وفي المقابل يرفع خالد مشعل ونائبه أبو مرزوق ورجال حماس في الخارج علم احتلال الضفة والسيطرة على السلطة وعلى م.ت.ف. واولئك الشباب الخائبو الآمال في الضفة هم النمر الذي ينوون ركوبه وتحريك عربة الانتفاضة الثالثة.
وهنا يوجد دور لأبو مازن وهو تعجيل مجيء هذه الانتفاضة أو تبطئتها. وينتج فجأة ان هذا الرجل غير ذي الصلة هو لاعب رئيس. يضغط خالد مشعل من اجل مصالحة مع فتح. ويؤخر أبو مازن ذلك ويضع عوائق أمام تلك المصالحة التي ستفتح لحماس الباب الى الضفة. وقد حاولت حماس منذ كانت عملية 'عمود السحاب' ان تدعوه مرتين باعتباره رئيسا للسلطة الفلسطينية ليحل ضيفا في غزة ورفض لأنه عرف ان ثمن ذلك سيكون رد الزيارة. انه يدع حماس تتظاهر في الضفة احتفالا بمرور ذكراها الـ 25 لكن هذا كل شيء الى الآن.
قد ينقلب كل ذلك في أقل من ثلاثة أشهر. فما بقي يوجد تفاوض مع اسرائيل بواسطة المصريين في شأن التسويات التي تقررت في نهاية عملية 'عمود السحاب'، يجب على حماس ان تحافظ على هدوء مطلق. وتعلم حماس ان كل سلوك متعجل لها قد يمحو كل انجاز تتوقعه مثل اتفاقات تتعلق بالجانب الأمني كذلك الشريط الغربي من جدار القطاع الذي مُنع الفلسطينيون من الدخول اليه. واذا حصلوا على ما يطلبون فان معنى ذلك 40 كم اخرى يمكن استعمالها لحاجات زراعية في القطاع. وتطلب حماس ايضا توسيع منطقة صيد السمك في غزة الى عمق 20 كم وما زالوا يتباحثون في هذه الموضوعات.
وستتفجر المباحثات مع كل اخلال بالهدوء. ولهذا حينما تشتكي اسرائيل للمصريين من نشاط عسكري ما لحماس يتعلق بتطوير وسائل قتالية أو تهريبها يعالج المصريون ذلك فورا وتكف حماس. ويتابع الجيش الاسرائيلي كما كانت الحال في الماضي دخول القطاع، غربي الجدار الحدودي لازالة ألغام ولا يصدر أدنى صوت عن حماس. وسيكون كل ذلك صحيحا الى يوم تنتهي فيه الأشهر الثلاثة. فاذا تبين لحماس ان الاتفاق الذي سيتم توقيعه مع المصريين لا يلبي توقعاتها من انجازات 'عمود السحاب' فان غزة قد تشتعل مرة اخرى مع كل ما لذلك من تأثير في الضفة.
ان هذه الفترة حساسة بصورة خاصة لكن حكومة اسرائيل استقر رأيها على اشعال سيجارة قرب مخزن ذخيرة على هيئة اعلان بناء واسع في المناطق. ان الاوروبيين لا يؤمنون للحظة بأن نتنياهو سيبني حقا في e1 وعندهم كما يبدو سبب جيد، بخلاف ناخبي اليمين، كي لا يصدقوه. فقد اجتهد شخص ما في ان يهمس بالحقيقة في آذانهم وهي انه لن يُبنى هناك بيت واحد وان كل ذلك يرمي الى حاجات انتخابية. فلماذا يُهدم هذا المبنى اللطيف للسلطة الفلسطينية والهدوء النسبي في الضفة بسبب تكتيك حملة دعاية انتخابية؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
استبعاد مرفوض
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
قرار لجنة الانتخابات المركزية استبعاد النائبة حنين الزعبي من التجمع الديمقراطي عن التنافس في الانتخابات هو قرار مرفوض وتعسفي.
لقد كانت الزعبي نائب نشيطة وناجحة، وحتى انضمامها الى اسطول الاحتجاج على مرمرة ليس مبررا لاستبعادها. فهي تمثل اراءً سادة في الجمهور العربي في اسرائيل، حتى وإن بدت هذه الاراء لبعض من الجمهور اليهودي متطرفة. ينبغي اعطاء هذه الاراء تعبيرا في الكنيست.
فالديمقراطية تختبر في موقفها من اراء الاقلية، واستبعاد الزعبي هو استبعاد فكر مشروع ويبشر بمزاج خطير لاقصاء الصوت العربي عن الخطاب الجماهيري في اسرائيل.
لشدة الاسف، ثمة كثيرون، في الكنيست وخارجها، لا يريدون أن يمثل هذا الصوت في مجلس النواب. كما يوجد ايضا غير قليلين يتطلعون الى منع حق الانتخاب عن عرب اسرائيل. فاسرائيل لا يمكنها أن تواصل التباهي بانها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، والتي هي أحد ذخائرها الاكبر، اذا ما استبعدت ترشيح الزعبي.
لقد سارع أعضاء كتلة التجمع الى الاعلان عن أنه اذا استبعدت فان قائمتهم لن تتنافس في الانتخابات.
وهكذا ينشأ حاجز خطير آخر من الاغتراب بين عرب اسرائيل والدولة.
قرار لجنة الانتخابات سيقف في الايام القريبة القادمة امام اختبار المحكمة العليا. وقد قال المستشار القانوني للحكومية منذ الان قولته ضد الاستبعاد. ينبغي الامل في أنه مثلما في المرات السابقة، هذه المرة ايضا ستستبعد المحكمة الاستبعاد وتمنع الضرر لصورة اسرائيل.
ولكن طقوس الاستبعاد في كل معركة انتخابية يجب أن تتوقف. لجنة الانتخابات، التي تتشكل في معظمها من سياسيين، جعلت مداولات اللجنة مداولات سياسية ومتزلفة للجمهور.
شطب قائمة أو مرشح للكنيست يجب أن يبقى لحالات نادرة ومتطرفة للغاية. يجب النظر في نقل صلاحيات الاستبعاد من ايدي اللجنة الى المحكمة العليا، حيث ستنحى كل الاعتبارات السياسية جانبا.
للنائبة الزعبي محفوظ الحق في ان تعبر بالطريقة التي تراها مناسبة عن مواقفها في الكنيست، حتى لو لم تكن هذه تروق لآذان اسرائيليين كثيرين. ان المحكمة العليا ملزمة الان بان تضمن ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
أضرار يحيموفيتش
بقلم: أبيرما غولان،عن هآرتس
كلما اقترب موعد الانتخابات تبين ان رئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش تتفوق على اهود باراك. فهي بمساعدة مجموعة مغلقة مصممة من النشطاء ووهم نجاح يُدير الرؤوس في صناديق الاقتراع، تجر الحزب الى زقاق لا مخرج له. ان حديثها أول أمس في مقابلة مع "واي نت" حينما قالت "يجب على الحكومة ما لم توجد تسوية أن تهتم بالاولاد في المستوطنات" لأنه "لا يمكن محو بشر"، وهذا الحديث يكشف عن مبلغ خطر هذا الزقاق لا على الحزب فقط بل على المجتمع كله.
ليست حقيقة تكرارها لشعار "حزب العمل ليس يسارا" هي المهمة. حسن، لنفترض ان حزب العمل ليس يسارا بل مركزا. بل قد يكون يمين مركز. أو قد يكون يمين مركز اشتراكيا ديمقراطيا، أو اشتراكيا ديمقراطيا مركزيا يمينيا. ان المهم هو الخطابة الكاذبة التي تتلاعب يحيموفيتش بها. فطريقة يحيموفيتش بسيطة الى حد المهانة. وهي تنشيء صورة للواقع أحادية البعد وتهاجمها بنفس السطحية. وتُقسم السياسة الاسرائيلية في زعمها بصورة متكلفة الى يمين ويسار وتجادل فقط في الاحتلال والفلسطينيين، وتحطم هي هذا التقسيم لمصلحة "ما يهمنا جميعا"، أي وضعنا الاقتصادي الاجتماعي.
هذا وصف مضلل. صحيح ان الصراع والأمن موضوعان رئيسان. لكن ليس صحيحا ان الساسة الرواد تجاهلوا شؤون المجتمع والاقتصاد. تغلب اسحق رابين في 1992 على اسحق شمير بفضل وعده بتغيير ترتيب الأفضليات، وحصل بنيامين نتنياهو على المجد باعتباره "سيد الاقتصاد". يمكن ويجب ان نجادله لكن يصعب ان نتهمه بالاشتغال بالأمن وحده. بالعكس، انه هو الأشبه بيحيموفيتش من بين الجميع. فهو على يقين ايضا من انه لا توجد أية صلة بين الاقتصاد والوضع السياسي.
تزعم يحيموفيتش ان اليسار خان لأنه اشتغل فقط بالاحتلال وأظهر بلادة حس نحو المجتمع. وتوجد قاعدة بالطبع لهذا الكلام مثل شعارات اخرى تطلقها. ان البلبلة القيمية العميقة التي تستمد من مزيج الصراع – الاحتلال – الليبرالية الجديدة – مجتمع مهاجرين والخلط بين الدين والدولة، تُعرف في اسرائيل كل ليبرالي يؤيد حقوق الانسان بأنه "يسار"، وترى كل "اجتماعي" و"شعبي" ليكوديا، أي يمينا.
كلما انحل المجتمع الى فئات ازدادت هذه الصور المتعادية حدة: فاليساريون هم اشكنازيون تل ابيبيون يحبون الفلسطينيين ويكرهون إخوتهم اليهود، والحريديون متهربون من الخدمة العسكرية ومستغلون، والعرب عبء اقتصادي من الواجب عليهم ان يبرهنوا على الولاء، والمستوطنون طلائعيون صهاينة أو كارثة وطنية.
تحت غطاء كسر هذا التقسيم تعززه يحيموفيتش أكثر من كل سياسي آخر. فقولها ان المستوطنين بشر لا يمكن محوهم يتهم معارضي الاحتلال اتهاما شديدا ويُعرفهم بصورة آلية بأنهم كارهون للمستوطنين جدا، كما ان الوصف الهاذي الذي يقول ان حزب العمل هو الذي انشأ المستوطنات يصبغ اليسار بصبغة النفاق. ويعتمد هذان الوصفان على عالم أوصاف ضحل يُثبت الكراهية والانتماء الاجتماعي – الاقتصادي والثقافي.
ان يحيموفيتش التي قالت في 2005 "في الوقت الذي مُحيت فيه هنا دولة الرفاه، وأوقفت فيه الاستثمارات في مدن التطوير، نشأت دولة رفاه بديلة وراء الخط الاخضر"، و"أضر مشروع الاحتلال الضخم بالاقتصاد وشبكة الدولة الاجتماعية"، تعلم جيدا ان ليس الحديث عن حقوق الولد بل عن الواقع الذي يعرض للخطر منعة المجتمع وترتيب الأفضليات القومي. وتفضل برغم ذلك ان تتطرق الى واقع "لا تسوية" وكأنه ظاهرة طبيعية لا مسألة يحتاج زعيم سياسي الى علاجها، والتنديد بالاخلاقية الاجتماعية والوطنية الواضحة المجسدة في معارضة الاحتلال والاستثمار في المستوطنات. ولما كان التنديد موجها أولا الى مصوتي العمل التقليديين فانه يبدو أنهم بدأوا يفهمون ان انتخاب يحيموفيتش تشويه سياسي. ان رئيسة العمل لكثرة اجتهادها من اجل "التوحيد" تحطم المعسكر الذي ترأسه وتُثبت مكانته باعتباره فئة مستبعدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاردنيون يهتفون.. الاردن.. الله.. وكفى..
بقلم:أنشل بابر،عن هآرتس
في نظرة اولى، ذكّرت قافلة سيارات الشرطة التي تقف على طول ميدان الملك فيصل في وسط البلدة القديمة في عمان صباح يوم الجمعة الماضي بمشاهد مشابهة قبل نحو سنتين في تونس وفي القاهرة. هناك أيضا وقف مئات أفراد الشرطة في بزاتهم ورجال المخابرات باللباس المدني امام المظاهرات ضد النظام، التي بدأت فور الصلوات في المساجد. ولكن هنا هذا مختلف: أفراد الشرطة الاردنيون لا يحملون عصي، دروع وبنادق غاز مسيل للدموع، وباستثناء بضعة ضباط يتحزمون بالمسدسات، فانهم غير مسلحين على الاطلاق. وهم مبتسمون ويبدون مرتاحين وهم يحملون وجبات الغداء الساخنة المغلفة. بضع سيارات دورية تنتشر في الشوارع المؤدية الى الميدان الصغير خارج مسجد الحسيني القديم والمكتظ، جاهزة لاغلاق الطريق اليه اذا كانت حاجة، ولكن لا يبدو توتر في الهواء. الباعة المتجولون يقفون في كل زاوية مع أكوام الكراتين التي تستخدم كابسطة للصلاة وعلى سطح المنشأة للوضوء، تقف طواقم التلفزيون. وفي الساعة 12:00 تجمع بضع عشرات من الرجال فقط في المسجد. ويسير ضباط شرطة كبار رويدا في الشارع المجاور، يبتسمون للمارة.
بعد سنتين من اندلاع موجة الثورات في العالم العربي، بعد اسقاط النظام في مصر، تونس وليبيا، في الوقت الذي لا تزال في سوريا المجاورة تعربد حرب أهلية، في المملكة الاردنية الهاشمية تعلموا كيف يتعايشوا مع المظاهرة الاسبوعية ضد النظام. وقبل شهر فقط كان يبدو أن المقاومة بدأت ترتدي طابعا عنيفا: فقد خرج عشرات الالاف الى الشوارع في أعقاب رفع اسعار الوقود والغاز واصطدموا بقوات الامن. واعتقل المئات، وقتل اثنان. واتجه الانتباه العالمي للحظة الى الاردن ومعه التساؤل عن قدرة بقاء الملك عبدالله الثاني. اما الان فافراد الشرطة هادئون، ربما بفضل تفوقهم العددي: مئات الشرطة يقفون استعدادا.
في الساعة 12:15، تغلق الشوارع حول المسجد، ولكن الشرطة لا تمنع مئات الرجال من التدفق نحو الميدان والانضمام الى الصلاة. سيارة واحدة يسمح لها مع ذلك بالدخول: شاحنة محملة بالاعلام الاردنية وبمكبرات الصوت. التنسيق الكامل مع الشرطة يدل ظاهرا على أن هذه سيارة ستكون تحت تصرف المتظاهرين من مؤيدي النظام. في الميدان وفي شارع الملك طلال المجاور للمسجد يقف نحو الف شخص، يستعدون للصلاة والمظاهرة.
أحد المنظمين، اسامة عبادي، يعرض نفسه كناطق بلسان حركة الشبيبة من الحركة الاسلامية: 'نحن نحتج ضد استمرار اعتقال النشطاء ومن أجل حرية التعبير ونقل السلطة الى الشعب'. فهل هذا يتضمن الاطاحة بالملك عبدالله؟ عبادي يبتسم. 'نحن بالذات نريد للملك أن يبقى'، يقول، 'ولكن على الا يحكم. يمكنه أن يكون ملكا مثلما في انجلترا'. هل سيستخدمون العنف لتحقيق أهدافهم؟ 'ولا باي حال من الاحوال. رأينا الدم الذي يسفك في سوريا. نحن نريد اصلاحا عقلانيا، بثمن متدنٍ ودون اخطاء'.
في 12:45 يقف الرجال في صفوف طويلة في عرض الشارع. بعض من افراد الشرطة ينضمون اليهم للصلاة. والان يمكن ان نلاحظ قوة شرطة اخرى في اقصى الشارع 6 سيارات دورية طويلة بزجاج غامق، محملة بلابسي البزات الغامقة. وهؤلاء هم رجال الدرك، بستراتهم الواقية وخوذاتهم ويحملون قنابل الغاز المسيلة للدموع. وهم سيحافظون على مسافة، ولكن في حالة التصعيد سيدخلون الى العمل.
في الواحدة ظهرا يسجد المئات. وفور الصلاة تبدأ المظاهرة. ويتبين الان بان سيارة مكبرات الصوت التي سمحت الشرطة لها بالوصول حتى الميدان يستخدمها المتظاهرون. والواحد تلو الاخر يصعد اليها الخطباء الذين يطلقون شعارات مثل 'بالروح بالدم نفديك يا اردن'، و 'لا لعبدالله السنور (رئيس الوزراء)'. وبالتدريج تصبح الهتافات اكثر جرأة: 'الشعب يعيش بكرامة أو يموت' و 'الشعب جائع والحكومة تسرق'. ويحمل بعض المتظاهرين يافطات مع صور المعتقلين التسعة من الشهر الماضي الذين لم يفرج عنهم بعد.
المتظاهرون لم يذكروا بعد اسم الملك، ولكنه حاضر في غيابه. 'الاردن، الله وكفى' يهتفون، مسقطين عبدالله من الثلاثي المقدس القائم في أنظمة الطغيان العربية. وها هو خطيب يوجه حديثه للملك مباشرة ويهدد: 'غير النظام وإلا فنهايتك كنهاية زين العابدين بن علي'، وكذا: 'الحرية من الله، لا من عبدالله'. ولكن مع أن التوجه الى الملك مباشرة، دون استخدام لقبه، محظور حسب القانون الاردني وقد يؤدي الى الاعتقال، فان الشرطة يقفون جانبا. الوحيدون الذين يتدخلون، يفصلون بين المظاهرة وبين مجموعة صغيرة من نحو 30 مؤيدا للنظام يهتفون نحو مؤيدي الاصلاح 'الدولارات من ايران، الدولارات من ايران' تلميح بان الاحتجاج تموله محافل اسلامية من طهران.
لا يوجد للمظاهرة انتماء حزبي او رمز سياسي واضح ما، ولكن الخطيب الاخير هو رجل الاخوان المسلمين، حسن ديابوت، الذي يعد بمواصلة الكفاح حتى تحقيق التغيير. وهو ينهي كلامه في الساعة الثانية، ويتفرق مئات المتظاهرين بسرعة وفي غضون دقائق تعود الحركة الى الشارع الذي يعج بالناس. فعلى مدى ستين دقيقة بالضبط منح المتظاهرون الوهم وكأن بوسعهم أن يتجرأوا في وجه السلطة. بعد ذلك ينتهي هذا، حتى الاسبوع القادم.
الرائد سعيد، قائد قوة الدرك، بابتسامة رضى على وجهه، يقول ان 'هذه مجموعة صغيرة وغير ضارة'. وهو لا يخاف من ان ينشأ عن هذه المظاهرات احتجاج مثلما في مصر. 'الاردن كله أسرة واحدة وتوجد هنا ديمقراطية اجمالا'، يقول، 'الاغلبية لن تسمح للاسلاميين بتدميرنا'. ومع أنه قبل شهر استخدم رجاله الغاز المسيل للدموع والنار الحية، 'ولكن هذا انتهى بسرعة والان أنت ترى بان الجميع يريدون فقط الوصول الى بيوتهم بسلام'.
هل في الاردن بالذات نجح الحكم في وقف الثورة العربية؟ حسب المظاهرة الاسبوعية في عمان يبدو أن نعم. مسجد الحسيني ليس ميدان التحرير. ولكن من قال ان على الثورة ان تولد بالذات في العاصمة. في تونس وفي مصر ايضا بدأ الاضطراب في المدن البعيدة قبل أن يصل الى المركز. وبالفعل، في الاردن ايضا المظاهرات الاعنف هي في المدن الجنوبية المصابة بالبطالة مثلما في الطفيلة والكرك. ومع ذلك، بعد نحو سنتين من اندلاع المظاهرات في الاردن، يبدو أن الشرطة تحسن فقط الاحتواء والتهدئة للمظاهرات دون عنف.
في أحاديث مع المسؤولين والمقربين من الاسرة المالكة، يوصف المتظاهرون باستخفاف، 'يصخبون ولكن لا يؤثرون'. وبالفعل، حتى في ذروة المظاهرات لم يشارك اكثر من 5 الاف شخص. ولكن حتى لو لم تكن الاغلبية الساحقة تخرج الى الشوارع، فانه خارج الفقاعة المحمية من القصر والاحياء الفاخرة غربي المدينة يصعب على المرء ان يجد في عمان مؤيدين حقيقيين للملك وحكومته. ومن جهة اخرى، ما أن تتفرق المظاهرة يوم الجمعة، يصعب ايضا ايجاد اردني يعترف بأنه يشارك باستمرار في المظاهرات. كما أن هناك من يدعي حتى بان المتظاهرين يخدمون عمليا الحكم في أنهم يتيحون التظاهر الوهمي بوجود حرية تعبير في الاردن. ورغم'الاعتقالات وحقيقة أنه في الاشهر الاخيرة يتم اقتياد المعتقلين لعرضهم امام محكمة خاصة لامن الدولة، فان مسؤولين في الحكومة الاردنية يدعون بان الملك عبدالله بالفعل يسمح بحرية تعبير كاملة. رسميا، قد يكون هذا صحيحا، ولكن عمليا قلة يستغلونها.
في الاسبوع الماضي جرى في عمان مهرجان أفلام من أجل حقوق الانسان. المهرجان، الذي جرى برعاية مركز الثقافة الملكي، عني بالنزاعات في كل العالم، الا في الاردن. ومحل عماد الشوا في شارع رينبو جادة المطاعم والبارات في وسط عمان مليء بالقمصان التي تحمل رسائل ثورية. ولكن هذه رموز الثورة في مصر، تونس وحتى فلسطين. ولا كلمة عن الاردن. ويقدم الشوا نفسه كشخص شجاع يوجد 'في الهامش السياسي' ولكنه يعترف بان في كل الاحوال لا أحد يشتري القمصان السياسية وهي فقط هنا لتعطي المحل صورة شابة وثائرة.
قبل اسبوعين دعا الملك ستة من المتظاهرين الذين اعتقلوا واحتجزوا في العزل على مدى ايام الى الغداء في قصره بعد الافراج عنهم. ووعدهم بان يعمل على تغيير الوضع. توجد خلافات كثيرة بين الاردنيين حول دور الملك: هناك من يرى فيه جهة منقطعة، يعيش معظم حياته خارج الاردن ويسمح لمحافل القوة الاخرى بان تدير الدولة.
في 23 كانون الثاني، غداة الانتخابات في اسرائيل، سيتوجه الاردنيون ايضا الى صناديق الاقتراع. ولا توجد في شوارع عمان اعلانات انتخابية بعد وأحد لا يعرف من هم المرشحون في المحافظات المختلفة، ولكن توجد نقطة شبه واحدة مع الوضع في اسرائيل: لا يهم كيف تتوزع المقاعد في البرلمان، معروف مسبقا من سيواصل الاحتفاظ بالسلطة.
في الاشهر الاولى من الربيع العربي، أعلن عبدالله في المقابلات الصحفية عن أنه ينوي ان ينفذ في الاردن ثورة دستورية في نهايتها تكون المملكة ديمقراطية برلمانية والاسرة المالكة يبقى لها دور تشريفي بمعظمه، مثلما في قسم من الديمقراطيات في غرب اوروبا. اما في الفترة الاخيرة فهو يجري مقابلات صحفية اقل ومقربوه يقولون انه لم يهجر التطلعات الديمقراطية ولكن 'الحديث يدور عن مسيرة يجب أن تنفذ بحذر شديد وهي ستستغرق اجيالا'.
ولكن، في السنة والنصف الاخيرتين عقد عبدالله حوارا مع جهات سياسية مختلفة، وادخلت عشرات التعديلات على الدستور الاردني بهدف زيادة قوة البرلمان. كما اجريت تعديلات طفيفة على عملية الانتخابات تضمنت ضمن امور اخرى انتخاب 20 في المائة من اعضاء البرلمان في قائمة قطرية، ومع ذلك، فان 80 في المائة من المقاعد لا تزال تنتخب بالطريقة اللوائية، التي تعطي اولوية واضحة للمناطق القروية قليلة السكان حيث تسكن اساسا القبائل البدوية، قاعدة الدعم التقليدي للاسرة المالكة.
ويشرح رجال الملك بانه لو جرى تغيير فوري لطريقة الانتخابات بأسرها، لمس الامر بكل الاحزاب الديمقراطية واتاح للاخوان المسلمين، الحزب الوحيد ذو البنية التنظيمية، تحقيق أغلبية في البرلمان. ولهذا فانهم يدعون بانه يجب اجراء التغييرات بالتدريج. فعبدالله يخشى ليس فقط من صعود الاسلاميين. بل ان عليه أن يوازن ايضا بين مطالب واحتياجات القبائل البدوية، السكان الفلسطينيين، الذين يشكلون عمليا اغلبية في الدولة، وسكان الاردن الاصليين.
البث الاذاعي للثورة
نائل العتبة، عامل في شركة بناء من اصل بدوي، يقول ان 'الملك هو رجل طيب يحاول أن يفعل امورا طيبة، ولكنه محوط باناس فاسدين. أنا، كنصف اردني، لا أعتزم المشاركة في هذه الانتخابات لاني لا اعرف لمن اصوت. لننتظر الى ما بعد الانتخابات وسنرى اذا كان سيفعل احد ما شيئا نافعا فنصوت له في المرة التالية'. في نظر العديد من الاردنيين فان الفساد اخطر بكثير من غياب الديمقراطية.
ايهاب مقصد، مدير شركة سياحة يقول ان 'رجلا مسكينا يسرق عشرين دينارا يدخل الى السجن ولكن من يسرق الملايين من الاموال العامة لا يمسك ابدا وهو بنفسه جزء من السلطة'. فلماذا لا تجري ثورة في الاردن؟ 'لانه لا توجد قيادة ولاننا رأينا ما يحصل في سوريا وهذا غير مغري ابدا'، يقول.
حتى دون الثورة من الداخل، فالثورات لدى الجيران أضرت جدا بالاردن. فالتخريبات المتواصلة في خط الغاز الطبيعي من مصر، قطعت التوريد لاسرائيل ولكنها قطعته ايضا للاردن الذي يضطر الان لان يدفع خمسة اضعاف مقابل الوقود لمحطة توليد الطاقة لديه، ويرفع بعشرات في المائة السعر للمستهلك. وفقط من قطع الغاز فقد اقتصاد المملكة 5 مليار دولار وينبغي أن يضاف الى ذلك الضرر الذي لحق بالسياحة وبالاف الاعمال التجارية، الكبيرة والصغيرة، التي كانت تعيش على التجارة بين الاردن وسوريا. في الحكم الاردني يدعون بان التعاظم الآني للمظاهرات في الاشهر الاخيرة لم ينبع من مطلب الديمقراطية بل من جملة عوامل تضمنت رفع الاسعار والحملة الاسرائيلية في غزة.
وكان مخيم الزعتري للاجئين فتح قبل أقل من نصف سنة في شمالي الاردن للاجئين من سوريا. وتقوم فيه الان الاف الخيام والمقطورات الجديدة لاستيعاب اللاجئين المتدفقين من مناطق القتال في سوريا. 'القدامى' في وسط المخيم اعتادوا على حياة الاقتلاع وفي الطريق المركزي في المخيم يوجد سوق يعج بالحياة يمكن الحصول فيه على كل شيء، من المنتجات الغذائية الاساسية وحتى اجهزة التلفزيون.
ويواصل لاجئو الحرب الاهلية في سوريا الحفاظ على اتصال مع الوطن ويطلعون على الاخبار من خلال الشبكات الاجتماعية. معظم الهواتف النقالة تلتقط سوريا وفي سوق المخيم اقيم ايضا 'مقهى' يمكن فيه مشاهدة قناة التلفزيون للجيش السوري الحر.
ليس كل اللاجئين عالقون في المخيم. فنصف ساعة سفر من الزعتري ، في بلدة الرمثا الاردنية، يقف محمد قرب سيارته التجارية ويشاهد محطة الجمرك على مسافة مائة متر. في المرة الاخيرة مر فيها قبل اسبوعين عندما فر الى الاردن مع زوجته وثلاثة اطفاله. وهو يقول ان 'الجيش لا يزال يسيطر على الطريق الى دمشق. وهم يوقفون السواقين على الطريق، يخرجونهم ويطلقون النار على بعض منهم. يبدو أنه توجد قوائم وأخشى أن يكون اسمي في القائمة'.
ولكن في معبر الحدود التجارية يقظة. في سوريا، العديد من المصانع تواصل الانتاج وفي القرى يزرعون الفواكه والخضار والاردن هو السوق الاقرب. سائق يجلب البضاعة حتى الرمثا سيجد من يشتري ويدفع الثمن. محمد يلقي نظرة مرة اخرى الى حفنة الاوراق النقدية السورية المتقلصة. منذ بداية الثورة في سوريا في شباط 2011 فقدت الليرة السورية 60 في المائة من قيمتها. من جهة اخرى لما كان لا يمكن الدفع بعملة اخرى، لا تزال لها قيمة ما. ومع هذا المال يمكن لمحمد ان يعود الى الداخل، يعبىء الوقود ويحمل البضائ على السيارة. وسيكون له ما يعيل به عائلته بحيث لا يضطر الى أخذهم الى مخيم لاجئين.
ومثل الجميع، يتمنى محمد ايضا سقوط النظام في سوريا، ولكن اذا انتظر ذلك في الطرف الاردني من الحدود، فقد يجد نفسه مع كومة من الاوراق النقدية السورية عديمة القيمة تعلوها صورة حافظ الاسد. لعل الابن بشار يصمد بضعة ايام اخرى، ما يكفي من الوقت لعقد صفقة أخيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لا توجد تسويات بالمجان
بقلم:يوسي بيلين،عن اسرائيل اليوم
أنظر الى الاعلام الخضراء في مدن الضفة الغربية. أهذا ما تشعر به انتفاضة؟ مهما يكن الامر فان الهدوء الذي ساد هنا سنين غير قليلة قد انتقض. ومن المؤكد انه توجد كلمة ما ملائمة في العربية لما يحدث الآن ايضا ربما تكون انتفاضة على نار هادئة.
يقول اليمينيون عندنا: 'كيف استطعنا الاعتماد على أبو مازن، فانه لا فرق بين فتح وحماس'، أما اليساريون فيقولون: 'هل آمنتم حقا بأنكم أوجدتم جيش جنوب لبنان جديدا وشرطة تستطيع ان تكافح من يرفع يده على اسرائيل حتى حينما لا تمكن الاشارة الى أي أفق سياسي؟'.
وماذا عن الجمهور؟ انه لا يُهيجه الصواريخ على مدننا ولا عودة ارهاب المنتحرين. كان يريد ان يضمن الهدوء وهو مستعد لحرب يحتاج فيها الى التضحية وبذل ثمن باهظ في ظروف تضع حدا للعنف الفلسطيني. الاخضر في الضفة. والعنف في الضفة. والانباء القديمة تعود. واعمال شغب في الخليل واخرى في نابلس، وفتى فلسطيني قتيل. وجنود يمتنعون عن المواجهة ويستغل الفلسطينيون ذلك ليُظهروا أنهم أبطال كبار. ونحن على حق والجيش يفحص عن كل واقعة ويؤكد ان الجنود يعملون بحسب الأوامر العسكرية، والعالم لا يتفهمنا وهو يؤيد دائما من يرمي الحجارة أو يُقتل وفي يده مسدس دُمية.
يقول اليمين انه لما كان العالم سيكون ضدنا دائما، ولأنه ذو اخلاق مزدوجة فانه مستعد لتجاهل الفظاعات التي تجري في اماكن اخرى في العالم في حين يحصر عنايته خاصة في خطايا الجيش الأكثر اخلاقية في العالم فانه يجوز لنا ان نستعمل القبضة الحديدية. أما اليسار فيقول اننا اذا لم نُحادث من هو مستعد لمحادثتنا فستتحدث البنادق وستكون انتصاراتنا أشد ايلاما.
لكن توجد حقائق تتجاوز الجدل المستمر. فقد تبين للعالم ان اليهود أقلية غربي الاردن. والفلسطينيون أقلية ايضا لكنهم أقلية توشك ان تصبح أكثرية في غضون زمن قصير جدا. ولن يكون ممكنا ان تستطيع اسرائيل عرض نفسها دولة يهودية وديمقراطية وتحكم أكثرية فلسطينية مباشرة أو مباشرة.
يتحدثون في اليمين المعتدل عن انسحاب من طرف واحد الى الجدار الامني. وسيكون هذا خطأ. يمكن قبل ان تتحول الضفة الى غزة، التوصل الى اتفاق مع م.ت.ف وتغيير مكانة اسرائيل في العالم وان تحظى باعتراف العالم العربي بواسطة المبادرة العربية في سنة 2002. ليست مشكلتنا الجوهرية مع الفلسطينيين هي المسألة الامنية بل المشكلة السكانية، لكن من المنطق ان نفترض ان يمكن علاج تهديد العنف بسهولة أكبر اذا تم الاتفاق على ترتيبات امنية بين الطرفين.
الضفة تشتعل من جديد، وهذا تذكير بأنه لا توجد تسويات بالمجان. سيكون من الممكن العودة الى تنسيق امني وثيق اذا وجدت في الجانب الثاني من الحدود دولة فلسطينية تتحمل مسؤولية امنية وتسقط عنا خطر فقدان الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة اسرائيل.
علينا ان نفهم ان هذا هو الوقت للتوصل الى اتفاق مع أعداء حماس الذين يريدون تسوية معنا. فاذا لم نفعل هذا واذا أضعنا الفرصة واذا تحولت الضفة الى غزة، واذا منح فشل فتح حماس سيطرة هناك ايضا فسيكون الانسحاب من جهة واحدة خطرا أمنيا كما حدث في غزة تماما.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لسنا في مقدمة اهتمامات اوباما
بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
تسود الاعلام الامريكي في المدة الاخيرة "نظريات مؤامرة" مختلفة عجيبة، تعرض ادارة اوباما على أنها تشجع وتحث من وراء ستار المجتمع الدولي (ولا سيما اوروبا) على اجراءات تنديد وعقاب لاسرائيل بسبب الموافقة على خطط البناء في المنطقة e1. وترمي هذه الاجراءات التي تنفذ بتحكم من بعيد، بحسب نظرية المؤامرة هذه، الى عزل اسرائيل وحثها على جعل مواقفها مرنة عن موقف ضعف سافر، وان تمنح البيت الابيض بذلك هامشا أوسع للمداورة والتأثير حينما يقف مرة اخرى في مقدمة المسرح ليحث المسيرة السياسية الى الأمام.
برغم ان مواقف واشنطن الانتقادية من قضية البناء في المناطق معروفة جيدا (وتم التعبير عنها في الازمة الاخيرة ايضا)، فان تصوير السيد الامريكي بأنه يحجم عن مواجهة مباشرة لتحديات الميدان ويفضل استعمال الضغط على اسرائيل في الخفاء، سخيف ويثير السخرية. صحيح ان الرئيس يرى ان من المستحسن العمل في نطاق حلقة متعددة الأطراف مؤيِّدة معزِّزة. لكن المسافة من هنا الى استعداده في ظاهر الامر للانفصال ولو جزئيا عن التدخل المباشر الظاهر، بعيدة.
والى ذلك عبر اوباما في اثناء عملية "عمود السحاب" وبشأن مكانة السلطة الفلسطينية عن موقفه المؤيد لاسرائيل بصورة سافرة وواضحة وظاهرة. ويمكن لذلك ان نُقدر ان النغمة الفظة نسبيا التي استعملها متحدثو الادارة في تناولهم لـ "ازمة البناء" مُدمجة في مسار التعلم واستخلاص الدروس التي مر بها الرئيس في أعقاب سلوكه الأولي في هذا المجموع، ولا يشهد على مؤامرة ما تُدبر في مطبخه السياسي.
ان حقيقة ان استراتيجية "الكتف الباردة" والضغط الذي استعملته الادارة في ربيع 2010 لاقناع اسرائيل بالموافقة على ان تبقى سياسة تجميد البناء في المناطق نافذة حتى بعد انقضاء اشهر التجميد العشرة الأصلية، فشلت فشلا ذريعا وأدت دورا مركزيا في هذا التحول. لأنه لم تكن سياسة التجميد مصحوبة بخطوات ما تبني الثقة من قبل لاعبات عربيات مركزيات كالسعودية فقط بل ان المعاملة الباردة المتنكرة التي أظهرها اوباما لاسرائيل في هذه المدة انشأت انتقادا لاذعا له عند الرأي العام الامريكي (ولا سيما في وزارة الدفاع).
على خلفية فشل جهود الادارة في جعل القضية الفلسطينية خشبة قفز للدفع الى الأمام باستقرار اقليمي شامل، يسهل ان نفهم احجامها الحالي عن مبادرات اخرى وذلك خاصة بسبب تأييد مجلس النواب الامريكي الجاد المتواصل لاسرائيل. هذا الى انه على أثر الربيع العربي انهارت تماما الدعائم الأساسية التي قامت عليها رؤيا التعاون المأمول بين الولايات المتحدة والمعسكر السني. وهكذا حينما تكون اهتمامات الرئيس الرابع والاربعين أكثرها منصب في هذه الايام على جهد منع السقوط الكارثي عن "المنحدر المالي"، الى هاوية الركود والحضيض الاقتصادي (ولن نتحدث عن مواجهة آثار المذبحة في كونتيكت في الصعيد التشريعي والاجتماعي والنفسي)، فلا عجب من ان الدفع الى الأمام بتسوية اسرائيلية فلسطينية ليس في مركز اهتمامه واصغائه. وليس في هذا السلوك أدنى قدر من التآمر أو التدبير الخفي وهو يعبر تعبيرا نقيا خالصا عن اهتماماته الحالية وعن ضرورات الساعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>
لم يوجد مثيل لهذه الانتفاضة
الظروف الميدانية في الضفة الغربية مهيأة جدا لنشوب انتفاضة ثالثة فالجيش الاسرائيلي والجهات الامنية الاسرائيلية تعرف ذلك جيدا وتستعد له
بقلم:اليكس فيشمان،عن يديعوت
قد تكون هذه أول مرة تجعل فيها الجهات الاستخبارية في اسرائيل، في الجيش وفي 'الشباك'، تصفح الشبكات الاجتماعية في مقدمة الانذار بالحرب. فمجسات الاجهزة الاستخبارية تصور في الضفة صورة مخيفة تُذكر بقدر كبير بالمسارات التي أفضت الى الانفجارات الثورية في مصر. فهناك مجموعات كثيرة من الشباب العاطلين ومن المثقفين وطلاب الجامعات واليساريين والليبراليين ومجرد 'شباب' بلا تنظيم تحت سقف واحد حتى الآن يخلقون جوا عنيفا بعضه تآمري على اسرائيل بالطبع، لكن على المؤسسة الفلسطينية في الضفة ايضا. وتبحث كل هذه المجموعات عن الفعل وهي ترى حتى لو لم يوجد الى الآن تسونامي على الارض ان الانتفاضة الثالثة قد أصبحت هنا، والشبكات الاجتماعية فوارة بحسب ذلك. ويقولون هناك العالم يعترف بنا وحشدنا انجازات في غزة والامم المتحدة واسرائيل معزولة لكن ما التالي؟.
ان متابعة الشبكات الاجتماعية موجودة منذ سنين في اطار اجراء جمع المعلومات المكشوف للجهات الاستخبارية. ويفعل ذلك في الاستخبارات العسكرية وحدة 'حتساف'، التي تشتغل بتحليل المعلومات الاستخبارية الظاهرة في اطار وحدة جمع المعلومات 8200. و'الشباك' ايضا قوي في هذا المجال. واذا كانوا في الماضي قد حصروا عنايتهم في الأساس في تعقب جهات ارهابية معروفة كحماس والجهاد الاسلامي وحزب الله فان هذا المجال قد حصل منذ كان الربيع العربي على زخم وتحول. وقد حول تجنيد القوى الثورية بواسطة الشبكات الاجتماعية هذه الشبكات الى هدف استخباري مركزي، يُمكّن من دراسة المزاج العام في الشارع العربي. يتبين انه يمكن بواسطة تحليل المعلومات المتراكمة في الشبكات تحديد التنظيمات والقادة والقيادات المتشكلة. ويمكن بالطبع ايضا ادخال 'تشويشات' على الشبكة.
في الفترة 'البدائية' في الانتفاضة الاولى نشرت 'القيادة الوطنية الموحدة' التي أقامها الفلسطينيون في قطاع غزة توجيهاتها بواسطة منشورات نشرت في الميدان. وتعلموا في اسرائيل الطريقة فزور رجال استخبارات ببساطة منشورات لبلبلة العدو. ويمكن اليوم التنكر والمشاركة في مجموعات نقاش من القاعدة والجهاد العالمي في الشبكة العنكبوتية.
ليس التغيير في الجو في الشارع الفلسطيني في الشبكات أو بين الشباب غير المنظمين فقط، بل عند رجال بارزين من فتح في صعيد نشطاء الميدان، ويوجد شعور بما يسمونه 'أخوة الخنادق' مع الاخوة في غزة. لا توجد في الحقيقة مصالحة في القيادة العليا بين فتح وحماس، لكن في مستويات الميدان ينتشر شعور بالتعاطف مع مقاتلي حماس وتصور الحل العنيف الذي تعرضه المنظمة. في المنشورات التي أعدتها فتح لاحتفالات مرور 45 سنة على تأسيسها والتي ستتم في الاول من كانون الثاني، يبدو محارب يمسك بسلاح. فلم يعد هذا هو النضال المدني الذي يدعو اليه أبو مازن بل عودة الى الكفاح المسلح الذي تحدث عنه واحد من رؤساء السلطة هو نبيل شعث الذي شارك في مؤتمر انتصار حماس في غزة الى جانب اسماعيل هنية.
أصبح قدماء الانتفاضتين يشمون الدخان. فمنذ كانت 'عمود السحاب' أصبح يوجد ارتفاع جوهري لعدد حالات الاخلال بالنظام ومقدار الانذارات بعمليات. ان مقدار الانذارات اليوم بعمليات ساخنة يراوح بين 6 8 كل اسبوع. وليست هذه في الحقيقة هي الاعداد التي عرفناها في سنوات الانتفاضة، لكن اذا قيست بالسنة التي سبقت 'عمود السحاب' فان الحديث عن ثورة تقريبا. في هذا الاسبوع فقط بين يومي الاثنين والاربعاء رُميت أهداف اسرائيلية بـ 13 زجاجة حارقة على الأقل وتم الكشف عن شحنة ناسفة واحدة. وهذا احصاء عرضي لم يبلغ الى العناوين الصحفية في اسرائيل لأنه لم يقع جرحى ولأنه لا أحد يريد ان يعلم في الحقيقة. لكن هذه الارقام لن تختفي. وهذه الأحداث هي الجمر المتوهج الذي يُنذر بالحريق.
يتحدثون في اسرائيل عن امكانية جولة عنف اخرى. ويتحدث الفلسطينيون بمصطلحات حرب وثورة عسكرية. ولم يعودوا في مباحثات الجهاز الامني في الاسابيع الاخيرة يحصرون عنايتهم في سؤال هل ستنشب مواجهة بل في أية ظروف ومتى. ويقول فرض العمل ان احتمال انفجار غير مخطط له على هيئة الانتفاضة الاولى قائم. وقد عرف قائد منطقة المركز، نتسان ألون، هذه المفاجأة وجربها على جلده. ففي التاسع من كانون الاول 1987 في يوم نشوب الانتفاضة الاولى، كان قائد فريق في دورية هيئة القيادة العامة واشتغل باعتقال سري لارهابي في جباليا. وفي اللحظة التي خرج فيها الفريق من مخيم اللاجئين لقي آلاف الناس محتشدين في مظاهرة صاخبة. ولم يخطر ببال أحد ان طاقات عنيفة من هذا النوع موجودة أصلا على الارض التي كانت تبدو ساكنة مستسلمة. وأصبحت تلك المظاهرة أول هبة عنيفة كبيرة في تلك الانتفاضة. ولا تُنسى مثل هذه الصدمة التي تضرب الوعي.
لا يشبه السيناريو المحتمل لانتفاضة ثالثة في الضفة والذي يستعدون في الجيش له الانتفاضة الاولى أو الثانية بالضرورة لأنه توجد ثلاثة عناصر مركزية ستجعل المواجهة اذا نشبت شيئا مختلفا. فجدار الفصل والأسوار حول القدس معطى لم يكن موجودا في الانتفاضتين السابقتين. وعدد الفلسطينيين الذين يعملون بتصاريح في اسرائيل أقل مما كان في السنين التي سبقت سنة 2000 بكثير. وجدار الفصل وقلة العمال المرخص لهم الدائمين الذين يمكثون في اسرائيل ينشئان صعوبة موضوعية أكبر مما كانت في الماضي، في دخول اسرائيل وهو شيء يضمن ألا تنحصر الانتفاضة الثالثة في المراحل الاولى على الأقل في القدس وفي داخل الخط الاخضر. وهناك احتمال أكبر لأن يحدث معظم المواجهات على الشوارع بازاء المستوطنات والمعسكرات العسكرية. ويصف سيناريو الانتفاضة الثالثة الأشد انتقال العنف الى داخل الخط الاخضر باتصال فلسطينيين من الضفة بعرب اسرائيليين.
والعنصر الثالث هو قيادة السلطة الفلسطينية التي لا تدعو الى مواجهة مسلحة. فأبو مازن لا يقف وراء الأحداث في شوارع الضفة. واسهامه في المواجهة هو في مجال الجو العام في الأساس. انه لا يعرض على الشباب الخائبي الآمال برنامج عمل جديدا ما عدا بضعة رموز سلطة مثل 'دولة فلسطين' على أوراق رسمية ونشر لافتات على الشوارع تعلن: 'يُمنع الدخول منطقة فلسطينية'. ولا توجد الى الآن جوازات سفر فلسطينية ولا يقول التغيير المتوقع في مكانة المفوضيات الفلسطينية في العالم وتعريفها بأنها سفارات شيئا كثيرا للفلسطيني العادي. ولا يعوق هذا أبو مازن عن السير منتشيا بسبب انجازه السياسي في الامم المتحدة. ويرى الاسرائيلييون انه يتصرف بعدم اكتراث في مواجهة الهبة العنيفة في الشارع. وهو يوحي علنا بالمصالحة مع حماس وإن كان يفعل كل شيء في الواقع لتعويق هذه المصالحة، وحديثه عن الاتحاد مع حماس يوحي الى قوات أمن السلطة انه لا حاجة الى تنفيذ عمليات احباط موجهة على المنظمة. واسهام أبو مازن هذا في الجو العام ينشيء حراكا: فحينما لا تعالج قوات أمن السلطة اخلالات صغيرة بالنظام ولا تحتجز جهات المعارضة يقوى العنف. لجهاز الامن الاسرائيلي ايضا اسهام ما في تدهور الوضع. لأنه يوجد ثمن لسياسة الجيش التي هي منع احتكاك لا داعي له، واستعمال أكبر قدر من التسامح وألا يوجد في اماكن ليس من الضروري ان يوجد فيها. ويترجم الطرف الثاني هذا ترجمة مختلفة وبرغم ذلك تقرر في قيادة المركز انه يُفضل دفع ثمن ما ومنع تلك 'الاختلالات العملياتية' التي تنبع من احتكاك لا داعي له أو من أوامر اطلاق نار حُرة جدا قد تشعل الارض في وقت يفاجيء الجيش. ويؤمن الجيش الاسرائيلي بأنه سيكون عنده في الظروف الموجودة انذار أفضل لنشوب انتفاضة يُمكّنه من احتوائها في أسرع وقت ممكن. ويرى الجيش و'الشباك' أنهما 'يوجدان' اليوم على ارض أفضل مما كانت قبل ولهذا فان بنى الارهاب التحتية برغم ارتفاع عدد الانذارات ما تزال محطمة. ومنذ كانت عملية 'عمود السحاب' زاد عدد الاعتقالات التي نفذها الجيش من ناس حماس وجهات معارضة اخرى في الضفة لاضعاف جهات تحريضية قدر المستطاع ولتخفيف الغرور في المناطق على خلفية ما يُرى انه انتصار حماس في العملية.
الرجل السيء، جبريل الرجوب
بدأوا في الجيش الاسرائيلي يستعدون لاحتمال تدهور الوضع في الضفة قبل ثلاثة أشهر. وقرر تقدير الوضع انه بسبب الجمود السياسي والازمة الاقتصادية والأحداث في العالم العربي أخذت تضعف مكانة السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن. وجددت قيادة المركز تدريبات الوحدات ولا سيما وحدات الاحتياط التي يفترض ان ترد على هبة عنيفة على الارض اذا ما فقدت السلطة الفلسطينية الرغبة أو القدرة على السيطرة على ارتفاع اللهب.
تم اكمال الخطط لحالة فوضى والتي سُميت في الجيش الاسرائيلي 'بذور الصيف' في صيف 2011 على خلفية الآثار المتوقعة لتوجه أبو مازن الى مجلس الامن. واليوم يُنعشون هذه الخطط بصورة مكثفة وقد بُنيت خطة تدريبات لنصف سنة لقوات قيادة المركز. وقد تم تنفيذ نصف الخطة وتشتمل على تكميلات معدات لتفريق المظاهرات. في خلال عملية 'عمود السحاب' حلت وحدات الاحتياط في القيادة محل الوحدات النظامية التي أُرسلت الى غزة. وكان ذلك بالنسبة لرجال الاحتياط الذين واجهوا موجة احتجاج شعبي اشتعلت بسبب العملية في غزة في اماكن مختلفة في الضفة، تدريبا كثيفا وحياً استعدادا لامكانية مواجهة كبيرة.
ان الوضع، وهذا صحيح الى الآن، لا يوجب تعزيز القوات في قيادة المركز. وحينما تقع أحداث غير عادية توجه القيادة قوات وتحشد جهدا في نقاط احتكاك. لكن الاستعداد المسبق يُمكّن من تحويل سريع لقوات كبيرة الى الميدان من اجل خنق اللهب وهو ما يزال ضئيلا.
في نقاشات داخلية في جهاز الامن تُعرض اليوم الجهات التي تُعرف بأنها 'تؤجج' النار في الضفة في مقابل تلك التي 'تكف' ذلك. وان عدد الجهات المؤججة يفوق كثيرا تلك التي تكف. وكذلك فان التحولات التي تقف وراء الجهات المؤججة أكثر أهمية وهي: الربيع العربي والجمود السياسي والمستوطنات وعمليات التسعير والاعلان في الامم المتحدة باعتراف بدولة فلسطينية مراقبة، وازدياد حماس والجهاد الاسلامي قوة بعد 'عمود السحاب' وسلوك اجهزة الامن الفلسطينية على خلفية الاعلان في الامم المتحدة، فهي لا تريد ان يتم تصويرها على أنها متعاونة مع اسرائيل. في مقابل ذلك فان مجموعة العناصر 'الكافّة' غير مقنعة جدا وتقوم في الأساس على عناصر نفسية مثل 'رغبة السكان في الاستمرار في نهج حياتهم الهاديء' و'الذكرى المُرة من الانتفاضة الثانية'. ولا يمكن الاعتماد على ذلك، هذا الى انه نشأ جيل جديد لا يذكر الانتفاضة الثانية. وفي الاثناء وعلى خلفية قوة الاحتجاج الشعبي في الضفة أصبحوا يشيرون الى 'الرجل السيء' في هذه الجولة وهو وزير الرياضة في السلطة الفلسطينية، معرفتنا جبريل الرجوب. وعلى حسب أمر من رئيس الوزراء نتنياهو سُلب الرجوب في المدة الاخيرة حقوقه الامتيازية. وبيّن اصدقاؤه السابقون في اسرائيل له انه غير مرغوب فيه هنا، فهو لم يعد يستطيع التجول عندنا بحرية ولا يستطيع ان يجتاز الحواجز في الضفة بغير تفتيش. وليس الرجوب هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي وضعت عليه اسرائيل علامة في المدة الاخيرة لكنه الأبرز والأشهر عند الجمهور الاسرائيلي. وقد لاحظوا في جهاز الامن ان هذا الرجل بدأ يحفر بئرا حول أبو مازن فهو يرى الحرب المقتربة على الوراثة ويطمع في كرسي في القيادة العليا، بل انه ربما يطمع في كرسي الرئيس.
بخلاف موقف رئيس السلطة الذي يتحدث عن مقاومة مدنية، يتحدث هو عن انتفاضة عنيفة. ويتجول رجاله بين الشباب ويحثون على تصعيد. والرجوب على نحو يشبه جدا مروان البرغوثي الموجود في السجن الاسرائيلي بسبب اعمال ارهاب، يحاول ان يبني نفسه باعتباره رأس الجسر الذي يصل فتح بحماس وبسائر قوى المعارضة باعتبار ذلك جزءا من مسار طويل المدى يفترض ان يعيده الى صورة القيادة السياسية بل ربما باعتباره وريثا لأبو مازن.
يستعمل خصوم الرجوب في الداخل ولا سيما القادة الكبار لاجهزة الامن في الضفة سياسة مختلفة أو هذا ما يقولونه على الأقل لنظرائهم الاسرائيليين. فهم يقولون لن نساعد على انتفاضة ثالثة. وعندهم بالطبع دعاوى شديدة على اسرائيل بسبب المستوطنات والقيود الاقتصادية وعمليات التسعير والجمود السياسي لكنهم يقولون: لن نصل الى عنف باسلوب الانتفاضتين السابقتين. وقد مكّنت السلطة الفلسطينية في اطار اشارات المصالحة، مكّنت حماس لأول مرة منذ سنين من ان تنظم مؤتمرات احتفاءا بمرور 25 سنة على انشاء المنظمة. لكن في مؤتمر في نابلس حينما بدأ الشارع يشاغب، كفت اجهزة أمن السلطة الهياج. وفي نقاط شعروا بأنهم لن يقدروا فيها على الصد في الخليل مثلا لم يعوقوا الجيش الاسرائيلي عن القيام بعمله. وفي تلك المظاهرة في الخليل جرح نحو من 40 شخصا باطلاق غار مسيل للدموع ورصاص مطاطي. وأطلق الجيش نارا حية في واقعة واحدة رُميت فيها زجاجة حارقة.
أبو مازن باعتباره لاعبا رئيسا
ان التشابه بين ما حدث قُبيل الثورة في مصر وما يحدث اليوم في الضفة ليس تشابها متطابقا لكنه مقلق. لم تكن لمجموعات الشباب التي أحدثت الثورة في مصر كتلك المجموعات التي تشارك اليوم في الاخلال بالنظام في الضفة، منظمة سقف ولا يد موجهة ولا برنامج عمل واحد ايضا. وكان الاخوان المسلمون هم الذين نظموا لهم برنامج عمل وركبوا الحماسة والنجاح وهم الذين سرقوا حلمهم. وفي الضفة ايضا ينتظر سارق أحلام، أعني منظمة حماس.
ان رئيس حكومة حماس اسماعيل هنية أقل قلقا مما يجري في الضفة. وهو يحاول ان يقوي انجازاته في 'عمود السحاب' من اجل تقوية سلطة الاخوان المسلمين في غزة. وفي المقابل يرفع خالد مشعل ونائبه أبو مرزوق ورجال حماس في الخارج علم احتلال الضفة والسيطرة على السلطة وعلى م.ت.ف. واولئك الشباب الخائبو الآمال في الضفة هم النمر الذي ينوون ركوبه وتحريك عربة الانتفاضة الثالثة.
وهنا يوجد دور لأبو مازن وهو تعجيل مجيء هذه الانتفاضة أو تبطئتها. وينتج فجأة ان هذا الرجل غير ذي الصلة هو لاعب رئيس. يضغط خالد مشعل من اجل مصالحة مع فتح. ويؤخر أبو مازن ذلك ويضع عوائق أمام تلك المصالحة التي ستفتح لحماس الباب الى الضفة. وقد حاولت حماس منذ كانت عملية 'عمود السحاب' ان تدعوه مرتين باعتباره رئيسا للسلطة الفلسطينية ليحل ضيفا في غزة ورفض لأنه عرف ان ثمن ذلك سيكون رد الزيارة. انه يدع حماس تتظاهر في الضفة احتفالا بمرور ذكراها الـ 25 لكن هذا كل شيء الى الآن.
قد ينقلب كل ذلك في أقل من ثلاثة أشهر. فما بقي يوجد تفاوض مع اسرائيل بواسطة المصريين في شأن التسويات التي تقررت في نهاية عملية 'عمود السحاب'، يجب على حماس ان تحافظ على هدوء مطلق. وتعلم حماس ان كل سلوك متعجل لها قد يمحو كل انجاز تتوقعه مثل اتفاقات تتعلق بالجانب الأمني كذلك الشريط الغربي من جدار القطاع الذي مُنع الفلسطينيون من الدخول اليه. واذا حصلوا على ما يطلبون فان معنى ذلك 40 كم اخرى يمكن استعمالها لحاجات زراعية في القطاع. وتطلب حماس ايضا توسيع منطقة صيد السمك في غزة الى عمق 20 كم وما زالوا يتباحثون في هذه الموضوعات.
وستتفجر المباحثات مع كل اخلال بالهدوء. ولهذا حينما تشتكي اسرائيل للمصريين من نشاط عسكري ما لحماس يتعلق بتطوير وسائل قتالية أو تهريبها يعالج المصريون ذلك فورا وتكف حماس. ويتابع الجيش الاسرائيلي كما كانت الحال في الماضي دخول القطاع، غربي الجدار الحدودي لازالة ألغام ولا يصدر أدنى صوت عن حماس. وسيكون كل ذلك صحيحا الى يوم تنتهي فيه الأشهر الثلاثة. فاذا تبين لحماس ان الاتفاق الذي سيتم توقيعه مع المصريين لا يلبي توقعاتها من انجازات 'عمود السحاب' فان غزة قد تشتعل مرة اخرى مع كل ما لذلك من تأثير في الضفة.
ان هذه الفترة حساسة بصورة خاصة لكن حكومة اسرائيل استقر رأيها على اشعال سيجارة قرب مخزن ذخيرة على هيئة اعلان بناء واسع في المناطق. ان الاوروبيين لا يؤمنون للحظة بأن نتنياهو سيبني حقا في e1 وعندهم كما يبدو سبب جيد، بخلاف ناخبي اليمين، كي لا يصدقوه. فقد اجتهد شخص ما في ان يهمس بالحقيقة في آذانهم وهي انه لن يُبنى هناك بيت واحد وان كل ذلك يرمي الى حاجات انتخابية. فلماذا يُهدم هذا المبنى اللطيف للسلطة الفلسطينية والهدوء النسبي في الضفة بسبب تكتيك حملة دعاية انتخابية؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
استبعاد مرفوض
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس
قرار لجنة الانتخابات المركزية استبعاد النائبة حنين الزعبي من التجمع الديمقراطي عن التنافس في الانتخابات هو قرار مرفوض وتعسفي.
لقد كانت الزعبي نائب نشيطة وناجحة، وحتى انضمامها الى اسطول الاحتجاج على مرمرة ليس مبررا لاستبعادها. فهي تمثل اراءً سادة في الجمهور العربي في اسرائيل، حتى وإن بدت هذه الاراء لبعض من الجمهور اليهودي متطرفة. ينبغي اعطاء هذه الاراء تعبيرا في الكنيست.
فالديمقراطية تختبر في موقفها من اراء الاقلية، واستبعاد الزعبي هو استبعاد فكر مشروع ويبشر بمزاج خطير لاقصاء الصوت العربي عن الخطاب الجماهيري في اسرائيل.
لشدة الاسف، ثمة كثيرون، في الكنيست وخارجها، لا يريدون أن يمثل هذا الصوت في مجلس النواب. كما يوجد ايضا غير قليلين يتطلعون الى منع حق الانتخاب عن عرب اسرائيل. فاسرائيل لا يمكنها أن تواصل التباهي بانها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط، والتي هي أحد ذخائرها الاكبر، اذا ما استبعدت ترشيح الزعبي.
لقد سارع أعضاء كتلة التجمع الى الاعلان عن أنه اذا استبعدت فان قائمتهم لن تتنافس في الانتخابات.
وهكذا ينشأ حاجز خطير آخر من الاغتراب بين عرب اسرائيل والدولة.
قرار لجنة الانتخابات سيقف في الايام القريبة القادمة امام اختبار المحكمة العليا. وقد قال المستشار القانوني للحكومية منذ الان قولته ضد الاستبعاد. ينبغي الامل في أنه مثلما في المرات السابقة، هذه المرة ايضا ستستبعد المحكمة الاستبعاد وتمنع الضرر لصورة اسرائيل.
ولكن طقوس الاستبعاد في كل معركة انتخابية يجب أن تتوقف. لجنة الانتخابات، التي تتشكل في معظمها من سياسيين، جعلت مداولات اللجنة مداولات سياسية ومتزلفة للجمهور.
شطب قائمة أو مرشح للكنيست يجب أن يبقى لحالات نادرة ومتطرفة للغاية. يجب النظر في نقل صلاحيات الاستبعاد من ايدي اللجنة الى المحكمة العليا، حيث ستنحى كل الاعتبارات السياسية جانبا.
للنائبة الزعبي محفوظ الحق في ان تعبر بالطريقة التي تراها مناسبة عن مواقفها في الكنيست، حتى لو لم تكن هذه تروق لآذان اسرائيليين كثيرين. ان المحكمة العليا ملزمة الان بان تضمن ذلك.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
أضرار يحيموفيتش
بقلم: أبيرما غولان،عن هآرتس
كلما اقترب موعد الانتخابات تبين ان رئيسة حزب العمل شيلي يحيموفيتش تتفوق على اهود باراك. فهي بمساعدة مجموعة مغلقة مصممة من النشطاء ووهم نجاح يُدير الرؤوس في صناديق الاقتراع، تجر الحزب الى زقاق لا مخرج له. ان حديثها أول أمس في مقابلة مع "واي نت" حينما قالت "يجب على الحكومة ما لم توجد تسوية أن تهتم بالاولاد في المستوطنات" لأنه "لا يمكن محو بشر"، وهذا الحديث يكشف عن مبلغ خطر هذا الزقاق لا على الحزب فقط بل على المجتمع كله.
ليست حقيقة تكرارها لشعار "حزب العمل ليس يسارا" هي المهمة. حسن، لنفترض ان حزب العمل ليس يسارا بل مركزا. بل قد يكون يمين مركز. أو قد يكون يمين مركز اشتراكيا ديمقراطيا، أو اشتراكيا ديمقراطيا مركزيا يمينيا. ان المهم هو الخطابة الكاذبة التي تتلاعب يحيموفيتش بها. فطريقة يحيموفيتش بسيطة الى حد المهانة. وهي تنشيء صورة للواقع أحادية البعد وتهاجمها بنفس السطحية. وتُقسم السياسة الاسرائيلية في زعمها بصورة متكلفة الى يمين ويسار وتجادل فقط في الاحتلال والفلسطينيين، وتحطم هي هذا التقسيم لمصلحة "ما يهمنا جميعا"، أي وضعنا الاقتصادي الاجتماعي.
هذا وصف مضلل. صحيح ان الصراع والأمن موضوعان رئيسان. لكن ليس صحيحا ان الساسة الرواد تجاهلوا شؤون المجتمع والاقتصاد. تغلب اسحق رابين في 1992 على اسحق شمير بفضل وعده بتغيير ترتيب الأفضليات، وحصل بنيامين نتنياهو على المجد باعتباره "سيد الاقتصاد". يمكن ويجب ان نجادله لكن يصعب ان نتهمه بالاشتغال بالأمن وحده. بالعكس، انه هو الأشبه بيحيموفيتش من بين الجميع. فهو على يقين ايضا من انه لا توجد أية صلة بين الاقتصاد والوضع السياسي.
تزعم يحيموفيتش ان اليسار خان لأنه اشتغل فقط بالاحتلال وأظهر بلادة حس نحو المجتمع. وتوجد قاعدة بالطبع لهذا الكلام مثل شعارات اخرى تطلقها. ان البلبلة القيمية العميقة التي تستمد من مزيج الصراع – الاحتلال – الليبرالية الجديدة – مجتمع مهاجرين والخلط بين الدين والدولة، تُعرف في اسرائيل كل ليبرالي يؤيد حقوق الانسان بأنه "يسار"، وترى كل "اجتماعي" و"شعبي" ليكوديا، أي يمينا.
كلما انحل المجتمع الى فئات ازدادت هذه الصور المتعادية حدة: فاليساريون هم اشكنازيون تل ابيبيون يحبون الفلسطينيين ويكرهون إخوتهم اليهود، والحريديون متهربون من الخدمة العسكرية ومستغلون، والعرب عبء اقتصادي من الواجب عليهم ان يبرهنوا على الولاء، والمستوطنون طلائعيون صهاينة أو كارثة وطنية.
تحت غطاء كسر هذا التقسيم تعززه يحيموفيتش أكثر من كل سياسي آخر. فقولها ان المستوطنين بشر لا يمكن محوهم يتهم معارضي الاحتلال اتهاما شديدا ويُعرفهم بصورة آلية بأنهم كارهون للمستوطنين جدا، كما ان الوصف الهاذي الذي يقول ان حزب العمل هو الذي انشأ المستوطنات يصبغ اليسار بصبغة النفاق. ويعتمد هذان الوصفان على عالم أوصاف ضحل يُثبت الكراهية والانتماء الاجتماعي – الاقتصادي والثقافي.
ان يحيموفيتش التي قالت في 2005 "في الوقت الذي مُحيت فيه هنا دولة الرفاه، وأوقفت فيه الاستثمارات في مدن التطوير، نشأت دولة رفاه بديلة وراء الخط الاخضر"، و"أضر مشروع الاحتلال الضخم بالاقتصاد وشبكة الدولة الاجتماعية"، تعلم جيدا ان ليس الحديث عن حقوق الولد بل عن الواقع الذي يعرض للخطر منعة المجتمع وترتيب الأفضليات القومي. وتفضل برغم ذلك ان تتطرق الى واقع "لا تسوية" وكأنه ظاهرة طبيعية لا مسألة يحتاج زعيم سياسي الى علاجها، والتنديد بالاخلاقية الاجتماعية والوطنية الواضحة المجسدة في معارضة الاحتلال والاستثمار في المستوطنات. ولما كان التنديد موجها أولا الى مصوتي العمل التقليديين فانه يبدو أنهم بدأوا يفهمون ان انتخاب يحيموفيتش تشويه سياسي. ان رئيسة العمل لكثرة اجتهادها من اجل "التوحيد" تحطم المعسكر الذي ترأسه وتُثبت مكانته باعتباره فئة مستبعدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاردنيون يهتفون.. الاردن.. الله.. وكفى..
بقلم:أنشل بابر،عن هآرتس
في نظرة اولى، ذكّرت قافلة سيارات الشرطة التي تقف على طول ميدان الملك فيصل في وسط البلدة القديمة في عمان صباح يوم الجمعة الماضي بمشاهد مشابهة قبل نحو سنتين في تونس وفي القاهرة. هناك أيضا وقف مئات أفراد الشرطة في بزاتهم ورجال المخابرات باللباس المدني امام المظاهرات ضد النظام، التي بدأت فور الصلوات في المساجد. ولكن هنا هذا مختلف: أفراد الشرطة الاردنيون لا يحملون عصي، دروع وبنادق غاز مسيل للدموع، وباستثناء بضعة ضباط يتحزمون بالمسدسات، فانهم غير مسلحين على الاطلاق. وهم مبتسمون ويبدون مرتاحين وهم يحملون وجبات الغداء الساخنة المغلفة. بضع سيارات دورية تنتشر في الشوارع المؤدية الى الميدان الصغير خارج مسجد الحسيني القديم والمكتظ، جاهزة لاغلاق الطريق اليه اذا كانت حاجة، ولكن لا يبدو توتر في الهواء. الباعة المتجولون يقفون في كل زاوية مع أكوام الكراتين التي تستخدم كابسطة للصلاة وعلى سطح المنشأة للوضوء، تقف طواقم التلفزيون. وفي الساعة 12:00 تجمع بضع عشرات من الرجال فقط في المسجد. ويسير ضباط شرطة كبار رويدا في الشارع المجاور، يبتسمون للمارة.
بعد سنتين من اندلاع موجة الثورات في العالم العربي، بعد اسقاط النظام في مصر، تونس وليبيا، في الوقت الذي لا تزال في سوريا المجاورة تعربد حرب أهلية، في المملكة الاردنية الهاشمية تعلموا كيف يتعايشوا مع المظاهرة الاسبوعية ضد النظام. وقبل شهر فقط كان يبدو أن المقاومة بدأت ترتدي طابعا عنيفا: فقد خرج عشرات الالاف الى الشوارع في أعقاب رفع اسعار الوقود والغاز واصطدموا بقوات الامن. واعتقل المئات، وقتل اثنان. واتجه الانتباه العالمي للحظة الى الاردن ومعه التساؤل عن قدرة بقاء الملك عبدالله الثاني. اما الان فافراد الشرطة هادئون، ربما بفضل تفوقهم العددي: مئات الشرطة يقفون استعدادا.
في الساعة 12:15، تغلق الشوارع حول المسجد، ولكن الشرطة لا تمنع مئات الرجال من التدفق نحو الميدان والانضمام الى الصلاة. سيارة واحدة يسمح لها مع ذلك بالدخول: شاحنة محملة بالاعلام الاردنية وبمكبرات الصوت. التنسيق الكامل مع الشرطة يدل ظاهرا على أن هذه سيارة ستكون تحت تصرف المتظاهرين من مؤيدي النظام. في الميدان وفي شارع الملك طلال المجاور للمسجد يقف نحو الف شخص، يستعدون للصلاة والمظاهرة.
أحد المنظمين، اسامة عبادي، يعرض نفسه كناطق بلسان حركة الشبيبة من الحركة الاسلامية: 'نحن نحتج ضد استمرار اعتقال النشطاء ومن أجل حرية التعبير ونقل السلطة الى الشعب'. فهل هذا يتضمن الاطاحة بالملك عبدالله؟ عبادي يبتسم. 'نحن بالذات نريد للملك أن يبقى'، يقول، 'ولكن على الا يحكم. يمكنه أن يكون ملكا مثلما في انجلترا'. هل سيستخدمون العنف لتحقيق أهدافهم؟ 'ولا باي حال من الاحوال. رأينا الدم الذي يسفك في سوريا. نحن نريد اصلاحا عقلانيا، بثمن متدنٍ ودون اخطاء'.
في 12:45 يقف الرجال في صفوف طويلة في عرض الشارع. بعض من افراد الشرطة ينضمون اليهم للصلاة. والان يمكن ان نلاحظ قوة شرطة اخرى في اقصى الشارع 6 سيارات دورية طويلة بزجاج غامق، محملة بلابسي البزات الغامقة. وهؤلاء هم رجال الدرك، بستراتهم الواقية وخوذاتهم ويحملون قنابل الغاز المسيلة للدموع. وهم سيحافظون على مسافة، ولكن في حالة التصعيد سيدخلون الى العمل.
في الواحدة ظهرا يسجد المئات. وفور الصلاة تبدأ المظاهرة. ويتبين الان بان سيارة مكبرات الصوت التي سمحت الشرطة لها بالوصول حتى الميدان يستخدمها المتظاهرون. والواحد تلو الاخر يصعد اليها الخطباء الذين يطلقون شعارات مثل 'بالروح بالدم نفديك يا اردن'، و 'لا لعبدالله السنور (رئيس الوزراء)'. وبالتدريج تصبح الهتافات اكثر جرأة: 'الشعب يعيش بكرامة أو يموت' و 'الشعب جائع والحكومة تسرق'. ويحمل بعض المتظاهرين يافطات مع صور المعتقلين التسعة من الشهر الماضي الذين لم يفرج عنهم بعد.
المتظاهرون لم يذكروا بعد اسم الملك، ولكنه حاضر في غيابه. 'الاردن، الله وكفى' يهتفون، مسقطين عبدالله من الثلاثي المقدس القائم في أنظمة الطغيان العربية. وها هو خطيب يوجه حديثه للملك مباشرة ويهدد: 'غير النظام وإلا فنهايتك كنهاية زين العابدين بن علي'، وكذا: 'الحرية من الله، لا من عبدالله'. ولكن مع أن التوجه الى الملك مباشرة، دون استخدام لقبه، محظور حسب القانون الاردني وقد يؤدي الى الاعتقال، فان الشرطة يقفون جانبا. الوحيدون الذين يتدخلون، يفصلون بين المظاهرة وبين مجموعة صغيرة من نحو 30 مؤيدا للنظام يهتفون نحو مؤيدي الاصلاح 'الدولارات من ايران، الدولارات من ايران' تلميح بان الاحتجاج تموله محافل اسلامية من طهران.
لا يوجد للمظاهرة انتماء حزبي او رمز سياسي واضح ما، ولكن الخطيب الاخير هو رجل الاخوان المسلمين، حسن ديابوت، الذي يعد بمواصلة الكفاح حتى تحقيق التغيير. وهو ينهي كلامه في الساعة الثانية، ويتفرق مئات المتظاهرين بسرعة وفي غضون دقائق تعود الحركة الى الشارع الذي يعج بالناس. فعلى مدى ستين دقيقة بالضبط منح المتظاهرون الوهم وكأن بوسعهم أن يتجرأوا في وجه السلطة. بعد ذلك ينتهي هذا، حتى الاسبوع القادم.
الرائد سعيد، قائد قوة الدرك، بابتسامة رضى على وجهه، يقول ان 'هذه مجموعة صغيرة وغير ضارة'. وهو لا يخاف من ان ينشأ عن هذه المظاهرات احتجاج مثلما في مصر. 'الاردن كله أسرة واحدة وتوجد هنا ديمقراطية اجمالا'، يقول، 'الاغلبية لن تسمح للاسلاميين بتدميرنا'. ومع أنه قبل شهر استخدم رجاله الغاز المسيل للدموع والنار الحية، 'ولكن هذا انتهى بسرعة والان أنت ترى بان الجميع يريدون فقط الوصول الى بيوتهم بسلام'.
هل في الاردن بالذات نجح الحكم في وقف الثورة العربية؟ حسب المظاهرة الاسبوعية في عمان يبدو أن نعم. مسجد الحسيني ليس ميدان التحرير. ولكن من قال ان على الثورة ان تولد بالذات في العاصمة. في تونس وفي مصر ايضا بدأ الاضطراب في المدن البعيدة قبل أن يصل الى المركز. وبالفعل، في الاردن ايضا المظاهرات الاعنف هي في المدن الجنوبية المصابة بالبطالة مثلما في الطفيلة والكرك. ومع ذلك، بعد نحو سنتين من اندلاع المظاهرات في الاردن، يبدو أن الشرطة تحسن فقط الاحتواء والتهدئة للمظاهرات دون عنف.
في أحاديث مع المسؤولين والمقربين من الاسرة المالكة، يوصف المتظاهرون باستخفاف، 'يصخبون ولكن لا يؤثرون'. وبالفعل، حتى في ذروة المظاهرات لم يشارك اكثر من 5 الاف شخص. ولكن حتى لو لم تكن الاغلبية الساحقة تخرج الى الشوارع، فانه خارج الفقاعة المحمية من القصر والاحياء الفاخرة غربي المدينة يصعب على المرء ان يجد في عمان مؤيدين حقيقيين للملك وحكومته. ومن جهة اخرى، ما أن تتفرق المظاهرة يوم الجمعة، يصعب ايضا ايجاد اردني يعترف بأنه يشارك باستمرار في المظاهرات. كما أن هناك من يدعي حتى بان المتظاهرين يخدمون عمليا الحكم في أنهم يتيحون التظاهر الوهمي بوجود حرية تعبير في الاردن. ورغم'الاعتقالات وحقيقة أنه في الاشهر الاخيرة يتم اقتياد المعتقلين لعرضهم امام محكمة خاصة لامن الدولة، فان مسؤولين في الحكومة الاردنية يدعون بان الملك عبدالله بالفعل يسمح بحرية تعبير كاملة. رسميا، قد يكون هذا صحيحا، ولكن عمليا قلة يستغلونها.
في الاسبوع الماضي جرى في عمان مهرجان أفلام من أجل حقوق الانسان. المهرجان، الذي جرى برعاية مركز الثقافة الملكي، عني بالنزاعات في كل العالم، الا في الاردن. ومحل عماد الشوا في شارع رينبو جادة المطاعم والبارات في وسط عمان مليء بالقمصان التي تحمل رسائل ثورية. ولكن هذه رموز الثورة في مصر، تونس وحتى فلسطين. ولا كلمة عن الاردن. ويقدم الشوا نفسه كشخص شجاع يوجد 'في الهامش السياسي' ولكنه يعترف بان في كل الاحوال لا أحد يشتري القمصان السياسية وهي فقط هنا لتعطي المحل صورة شابة وثائرة.
قبل اسبوعين دعا الملك ستة من المتظاهرين الذين اعتقلوا واحتجزوا في العزل على مدى ايام الى الغداء في قصره بعد الافراج عنهم. ووعدهم بان يعمل على تغيير الوضع. توجد خلافات كثيرة بين الاردنيين حول دور الملك: هناك من يرى فيه جهة منقطعة، يعيش معظم حياته خارج الاردن ويسمح لمحافل القوة الاخرى بان تدير الدولة.
في 23 كانون الثاني، غداة الانتخابات في اسرائيل، سيتوجه الاردنيون ايضا الى صناديق الاقتراع. ولا توجد في شوارع عمان اعلانات انتخابية بعد وأحد لا يعرف من هم المرشحون في المحافظات المختلفة، ولكن توجد نقطة شبه واحدة مع الوضع في اسرائيل: لا يهم كيف تتوزع المقاعد في البرلمان، معروف مسبقا من سيواصل الاحتفاظ بالسلطة.
في الاشهر الاولى من الربيع العربي، أعلن عبدالله في المقابلات الصحفية عن أنه ينوي ان ينفذ في الاردن ثورة دستورية في نهايتها تكون المملكة ديمقراطية برلمانية والاسرة المالكة يبقى لها دور تشريفي بمعظمه، مثلما في قسم من الديمقراطيات في غرب اوروبا. اما في الفترة الاخيرة فهو يجري مقابلات صحفية اقل ومقربوه يقولون انه لم يهجر التطلعات الديمقراطية ولكن 'الحديث يدور عن مسيرة يجب أن تنفذ بحذر شديد وهي ستستغرق اجيالا'.
ولكن، في السنة والنصف الاخيرتين عقد عبدالله حوارا مع جهات سياسية مختلفة، وادخلت عشرات التعديلات على الدستور الاردني بهدف زيادة قوة البرلمان. كما اجريت تعديلات طفيفة على عملية الانتخابات تضمنت ضمن امور اخرى انتخاب 20 في المائة من اعضاء البرلمان في قائمة قطرية، ومع ذلك، فان 80 في المائة من المقاعد لا تزال تنتخب بالطريقة اللوائية، التي تعطي اولوية واضحة للمناطق القروية قليلة السكان حيث تسكن اساسا القبائل البدوية، قاعدة الدعم التقليدي للاسرة المالكة.
ويشرح رجال الملك بانه لو جرى تغيير فوري لطريقة الانتخابات بأسرها، لمس الامر بكل الاحزاب الديمقراطية واتاح للاخوان المسلمين، الحزب الوحيد ذو البنية التنظيمية، تحقيق أغلبية في البرلمان. ولهذا فانهم يدعون بانه يجب اجراء التغييرات بالتدريج. فعبدالله يخشى ليس فقط من صعود الاسلاميين. بل ان عليه أن يوازن ايضا بين مطالب واحتياجات القبائل البدوية، السكان الفلسطينيين، الذين يشكلون عمليا اغلبية في الدولة، وسكان الاردن الاصليين.
البث الاذاعي للثورة
نائل العتبة، عامل في شركة بناء من اصل بدوي، يقول ان 'الملك هو رجل طيب يحاول أن يفعل امورا طيبة، ولكنه محوط باناس فاسدين. أنا، كنصف اردني، لا أعتزم المشاركة في هذه الانتخابات لاني لا اعرف لمن اصوت. لننتظر الى ما بعد الانتخابات وسنرى اذا كان سيفعل احد ما شيئا نافعا فنصوت له في المرة التالية'. في نظر العديد من الاردنيين فان الفساد اخطر بكثير من غياب الديمقراطية.
ايهاب مقصد، مدير شركة سياحة يقول ان 'رجلا مسكينا يسرق عشرين دينارا يدخل الى السجن ولكن من يسرق الملايين من الاموال العامة لا يمسك ابدا وهو بنفسه جزء من السلطة'. فلماذا لا تجري ثورة في الاردن؟ 'لانه لا توجد قيادة ولاننا رأينا ما يحصل في سوريا وهذا غير مغري ابدا'، يقول.
حتى دون الثورة من الداخل، فالثورات لدى الجيران أضرت جدا بالاردن. فالتخريبات المتواصلة في خط الغاز الطبيعي من مصر، قطعت التوريد لاسرائيل ولكنها قطعته ايضا للاردن الذي يضطر الان لان يدفع خمسة اضعاف مقابل الوقود لمحطة توليد الطاقة لديه، ويرفع بعشرات في المائة السعر للمستهلك. وفقط من قطع الغاز فقد اقتصاد المملكة 5 مليار دولار وينبغي أن يضاف الى ذلك الضرر الذي لحق بالسياحة وبالاف الاعمال التجارية، الكبيرة والصغيرة، التي كانت تعيش على التجارة بين الاردن وسوريا. في الحكم الاردني يدعون بان التعاظم الآني للمظاهرات في الاشهر الاخيرة لم ينبع من مطلب الديمقراطية بل من جملة عوامل تضمنت رفع الاسعار والحملة الاسرائيلية في غزة.
وكان مخيم الزعتري للاجئين فتح قبل أقل من نصف سنة في شمالي الاردن للاجئين من سوريا. وتقوم فيه الان الاف الخيام والمقطورات الجديدة لاستيعاب اللاجئين المتدفقين من مناطق القتال في سوريا. 'القدامى' في وسط المخيم اعتادوا على حياة الاقتلاع وفي الطريق المركزي في المخيم يوجد سوق يعج بالحياة يمكن الحصول فيه على كل شيء، من المنتجات الغذائية الاساسية وحتى اجهزة التلفزيون.
ويواصل لاجئو الحرب الاهلية في سوريا الحفاظ على اتصال مع الوطن ويطلعون على الاخبار من خلال الشبكات الاجتماعية. معظم الهواتف النقالة تلتقط سوريا وفي سوق المخيم اقيم ايضا 'مقهى' يمكن فيه مشاهدة قناة التلفزيون للجيش السوري الحر.
ليس كل اللاجئين عالقون في المخيم. فنصف ساعة سفر من الزعتري ، في بلدة الرمثا الاردنية، يقف محمد قرب سيارته التجارية ويشاهد محطة الجمرك على مسافة مائة متر. في المرة الاخيرة مر فيها قبل اسبوعين عندما فر الى الاردن مع زوجته وثلاثة اطفاله. وهو يقول ان 'الجيش لا يزال يسيطر على الطريق الى دمشق. وهم يوقفون السواقين على الطريق، يخرجونهم ويطلقون النار على بعض منهم. يبدو أنه توجد قوائم وأخشى أن يكون اسمي في القائمة'.
ولكن في معبر الحدود التجارية يقظة. في سوريا، العديد من المصانع تواصل الانتاج وفي القرى يزرعون الفواكه والخضار والاردن هو السوق الاقرب. سائق يجلب البضاعة حتى الرمثا سيجد من يشتري ويدفع الثمن. محمد يلقي نظرة مرة اخرى الى حفنة الاوراق النقدية السورية المتقلصة. منذ بداية الثورة في سوريا في شباط 2011 فقدت الليرة السورية 60 في المائة من قيمتها. من جهة اخرى لما كان لا يمكن الدفع بعملة اخرى، لا تزال لها قيمة ما. ومع هذا المال يمكن لمحمد ان يعود الى الداخل، يعبىء الوقود ويحمل البضائ على السيارة. وسيكون له ما يعيل به عائلته بحيث لا يضطر الى أخذهم الى مخيم لاجئين.
ومثل الجميع، يتمنى محمد ايضا سقوط النظام في سوريا، ولكن اذا انتظر ذلك في الطرف الاردني من الحدود، فقد يجد نفسه مع كومة من الاوراق النقدية السورية عديمة القيمة تعلوها صورة حافظ الاسد. لعل الابن بشار يصمد بضعة ايام اخرى، ما يكفي من الوقت لعقد صفقة أخيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لا توجد تسويات بالمجان
بقلم:يوسي بيلين،عن اسرائيل اليوم
أنظر الى الاعلام الخضراء في مدن الضفة الغربية. أهذا ما تشعر به انتفاضة؟ مهما يكن الامر فان الهدوء الذي ساد هنا سنين غير قليلة قد انتقض. ومن المؤكد انه توجد كلمة ما ملائمة في العربية لما يحدث الآن ايضا ربما تكون انتفاضة على نار هادئة.
يقول اليمينيون عندنا: 'كيف استطعنا الاعتماد على أبو مازن، فانه لا فرق بين فتح وحماس'، أما اليساريون فيقولون: 'هل آمنتم حقا بأنكم أوجدتم جيش جنوب لبنان جديدا وشرطة تستطيع ان تكافح من يرفع يده على اسرائيل حتى حينما لا تمكن الاشارة الى أي أفق سياسي؟'.
وماذا عن الجمهور؟ انه لا يُهيجه الصواريخ على مدننا ولا عودة ارهاب المنتحرين. كان يريد ان يضمن الهدوء وهو مستعد لحرب يحتاج فيها الى التضحية وبذل ثمن باهظ في ظروف تضع حدا للعنف الفلسطيني. الاخضر في الضفة. والعنف في الضفة. والانباء القديمة تعود. واعمال شغب في الخليل واخرى في نابلس، وفتى فلسطيني قتيل. وجنود يمتنعون عن المواجهة ويستغل الفلسطينيون ذلك ليُظهروا أنهم أبطال كبار. ونحن على حق والجيش يفحص عن كل واقعة ويؤكد ان الجنود يعملون بحسب الأوامر العسكرية، والعالم لا يتفهمنا وهو يؤيد دائما من يرمي الحجارة أو يُقتل وفي يده مسدس دُمية.
يقول اليمين انه لما كان العالم سيكون ضدنا دائما، ولأنه ذو اخلاق مزدوجة فانه مستعد لتجاهل الفظاعات التي تجري في اماكن اخرى في العالم في حين يحصر عنايته خاصة في خطايا الجيش الأكثر اخلاقية في العالم فانه يجوز لنا ان نستعمل القبضة الحديدية. أما اليسار فيقول اننا اذا لم نُحادث من هو مستعد لمحادثتنا فستتحدث البنادق وستكون انتصاراتنا أشد ايلاما.
لكن توجد حقائق تتجاوز الجدل المستمر. فقد تبين للعالم ان اليهود أقلية غربي الاردن. والفلسطينيون أقلية ايضا لكنهم أقلية توشك ان تصبح أكثرية في غضون زمن قصير جدا. ولن يكون ممكنا ان تستطيع اسرائيل عرض نفسها دولة يهودية وديمقراطية وتحكم أكثرية فلسطينية مباشرة أو مباشرة.
يتحدثون في اليمين المعتدل عن انسحاب من طرف واحد الى الجدار الامني. وسيكون هذا خطأ. يمكن قبل ان تتحول الضفة الى غزة، التوصل الى اتفاق مع م.ت.ف وتغيير مكانة اسرائيل في العالم وان تحظى باعتراف العالم العربي بواسطة المبادرة العربية في سنة 2002. ليست مشكلتنا الجوهرية مع الفلسطينيين هي المسألة الامنية بل المشكلة السكانية، لكن من المنطق ان نفترض ان يمكن علاج تهديد العنف بسهولة أكبر اذا تم الاتفاق على ترتيبات امنية بين الطرفين.
الضفة تشتعل من جديد، وهذا تذكير بأنه لا توجد تسويات بالمجان. سيكون من الممكن العودة الى تنسيق امني وثيق اذا وجدت في الجانب الثاني من الحدود دولة فلسطينية تتحمل مسؤولية امنية وتسقط عنا خطر فقدان الطابع اليهودي والديمقراطي لدولة اسرائيل.
علينا ان نفهم ان هذا هو الوقت للتوصل الى اتفاق مع أعداء حماس الذين يريدون تسوية معنا. فاذا لم نفعل هذا واذا أضعنا الفرصة واذا تحولت الضفة الى غزة، واذا منح فشل فتح حماس سيطرة هناك ايضا فسيكون الانسحاب من جهة واحدة خطرا أمنيا كما حدث في غزة تماما.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لسنا في مقدمة اهتمامات اوباما
بقلم: البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم
تسود الاعلام الامريكي في المدة الاخيرة "نظريات مؤامرة" مختلفة عجيبة، تعرض ادارة اوباما على أنها تشجع وتحث من وراء ستار المجتمع الدولي (ولا سيما اوروبا) على اجراءات تنديد وعقاب لاسرائيل بسبب الموافقة على خطط البناء في المنطقة e1. وترمي هذه الاجراءات التي تنفذ بتحكم من بعيد، بحسب نظرية المؤامرة هذه، الى عزل اسرائيل وحثها على جعل مواقفها مرنة عن موقف ضعف سافر، وان تمنح البيت الابيض بذلك هامشا أوسع للمداورة والتأثير حينما يقف مرة اخرى في مقدمة المسرح ليحث المسيرة السياسية الى الأمام.
برغم ان مواقف واشنطن الانتقادية من قضية البناء في المناطق معروفة جيدا (وتم التعبير عنها في الازمة الاخيرة ايضا)، فان تصوير السيد الامريكي بأنه يحجم عن مواجهة مباشرة لتحديات الميدان ويفضل استعمال الضغط على اسرائيل في الخفاء، سخيف ويثير السخرية. صحيح ان الرئيس يرى ان من المستحسن العمل في نطاق حلقة متعددة الأطراف مؤيِّدة معزِّزة. لكن المسافة من هنا الى استعداده في ظاهر الامر للانفصال ولو جزئيا عن التدخل المباشر الظاهر، بعيدة.
والى ذلك عبر اوباما في اثناء عملية "عمود السحاب" وبشأن مكانة السلطة الفلسطينية عن موقفه المؤيد لاسرائيل بصورة سافرة وواضحة وظاهرة. ويمكن لذلك ان نُقدر ان النغمة الفظة نسبيا التي استعملها متحدثو الادارة في تناولهم لـ "ازمة البناء" مُدمجة في مسار التعلم واستخلاص الدروس التي مر بها الرئيس في أعقاب سلوكه الأولي في هذا المجموع، ولا يشهد على مؤامرة ما تُدبر في مطبخه السياسي.
ان حقيقة ان استراتيجية "الكتف الباردة" والضغط الذي استعملته الادارة في ربيع 2010 لاقناع اسرائيل بالموافقة على ان تبقى سياسة تجميد البناء في المناطق نافذة حتى بعد انقضاء اشهر التجميد العشرة الأصلية، فشلت فشلا ذريعا وأدت دورا مركزيا في هذا التحول. لأنه لم تكن سياسة التجميد مصحوبة بخطوات ما تبني الثقة من قبل لاعبات عربيات مركزيات كالسعودية فقط بل ان المعاملة الباردة المتنكرة التي أظهرها اوباما لاسرائيل في هذه المدة انشأت انتقادا لاذعا له عند الرأي العام الامريكي (ولا سيما في وزارة الدفاع).
على خلفية فشل جهود الادارة في جعل القضية الفلسطينية خشبة قفز للدفع الى الأمام باستقرار اقليمي شامل، يسهل ان نفهم احجامها الحالي عن مبادرات اخرى وذلك خاصة بسبب تأييد مجلس النواب الامريكي الجاد المتواصل لاسرائيل. هذا الى انه على أثر الربيع العربي انهارت تماما الدعائم الأساسية التي قامت عليها رؤيا التعاون المأمول بين الولايات المتحدة والمعسكر السني. وهكذا حينما تكون اهتمامات الرئيس الرابع والاربعين أكثرها منصب في هذه الايام على جهد منع السقوط الكارثي عن "المنحدر المالي"، الى هاوية الركود والحضيض الاقتصادي (ولن نتحدث عن مواجهة آثار المذبحة في كونتيكت في الصعيد التشريعي والاجتماعي والنفسي)، فلا عجب من ان الدفع الى الأمام بتسوية اسرائيلية فلسطينية ليس في مركز اهتمامه واصغائه. وليس في هذا السلوك أدنى قدر من التآمر أو التدبير الخفي وهو يعبر تعبيرا نقيا خالصا عن اهتماماته الحالية وعن ضرورات الساعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>