Haneen
2013-01-07, 11:38 AM
أقلام وآراء اسرائيلي
اسرائيل والزعزعات الاقليمية
سيصعب على اسرائيل ان تمنع تدهور علاقاتها مع المجتمع الدولي الا اذا حدث اختراق حقيقي في المسيرة السياسية
بقلم: شلومو بروم وعنات كورتس،عن معهد بحوث الامن القومي ـ جامعة تل ابيب
في السنين القريبة حينما ستجابه اسرائيل الحاجة الى اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية في الموضوعات المركزية للامن القومي، ستفعل ذلك في واقع يزيد تعقيده على ما اعتادته في العقود الاخيرة، كثيرا. وهذا التعقيد هو نتاج الزعزعات الحادة في الشرق الاوسط التي حظيت بعنوان 'الربيع العربي'، والتي حدثت وبين يديها مساران ميزا العقد الاخير وهما انهيار مسيرة السلام الاسرائيلية العربية وضعف القوة الامريكية العظمى. وهذه التطورات الثلاثة معا وكل واحد على حدة تهدد باحداث ازمات جديدة وجعل حلها صعبا أو الاثقال على ادارة ازمات معروفة ومستمرة.
ان الانتفاضات الشعبية على النظم الاستبدادية في العالم العربي، التي أغرقت الشرق الاوسط منذ مطلع 2011 لم تفتر بعد وما تزال تؤثر في جميع دول المنطقة بقدر كبير أو بقدر محدود، وقد سقطت نظم ثلاثة في تونس ومصر وليبيا. وفي دول اخرى كاليمن وسوريا يهدد الصراع العنيف بين المنتفضين ونظام الحكم بأن يتحول الى حرب أهلية طويلة. وقُمع في البحرين الاحتجاج بقوة الذراع وبمساعدة دول الخليج الجارة. وفي الدول الاخرى ما يزال الضغط على نظم الحكم لتبني اصلاحات لطريقة الحكم. وفي دولة واحدة هي المغرب تتوقع تغييرات شاملة تمنح طريقة النظام خصائص ملكية دستورية. ربما كان لهذه الأحداث تأثير حتى في الجمهور الاسرائيلي وأنها أُضيفت الى سائر العوامل التي استحثت 'احتجاج الخيام' الذي نشأ في تموز 2011 لمجابهة النظام الاجتماعي الاقتصادي في اسرائيل.
برنامج اسلامي
وفي تلك الاماكن التي نجحت فيها 'الثورة' في ظاهر الامر ليس واضحا الى الآن أي سلطة وأي طريقة ستحلان محل النظام القديم: الديمقراطية الليبرالية بالاسلوب الغربي على حسب الطراز الذي يطلبه المتظاهرون الذين أحدثوا الأحداث الثورية أم ينشأ 'زعماء أقوياء' جدد يؤيدهم الجيش؟ وقد يحدث ايضا ما حدث في ثورات سابقة كثيرة وان يفتح ضعف النظام بازاء الهبة الشعبية الباب لتولي قوى لم تبادر الى الأحداث لكنها رأتها فرصة للدفع قُدما ببرنامج عملها، لزمام السلطة. سيكون هذا البرنامج اسلاميا كما يبدو في العالم العربي، وقد تكون نتيجة عدم الاستقرار في دول مختلفة تولي نظام يكون خليطا بين امكانات من النوع الذي ذكرناه. وعلى كل حال فان الشرق الاوسط تنتظره فترة عدم استقرار طويلة. وفي الاماكن التي حُسم فيها الامر ايضا مصر وتونس لن يكون الانتقال من نظام استبداد الى ديمقراطية سهلا ومباشرا. تتحول المجتمعات التي حدثت فيها زعزعات من وضع عدم وجود حركات سياسية واحزاب مبلورة سوى الجهات الاسلامية الى وضع تعدد احزاب وحركات. ويزداد في هذه الظروف احتمال ألا تحسم انتخابات حرة اذا أُجريت الامر بين احزاب كبيرة وان تؤلف مجالس الشعب التي تنشأ على نتائجها من شظايا احزاب. ويميز حكومات الائتلاف هذه عدم استقرار.
ان القاسم المشترك بين النظم الجديدة والقديمة التي ستنجح في الحفاظ على زمام السلطة هو الاعتراف بالحاجة الى الاصغاء الى صوت الشعب باعتباره شرطا للبقاء. ويمكن ان نرى بهذا العامل من عوامل موجة الهبات الشعبية وجها ايجابيا هو زيادة الوعي لأحد العناصر الأساسية للسلطة الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، وفي الواقع الاجتماعي الاقتصادي الذي يغلب على الدول العربية، يكمن ايضا خطر الانجرار الى سياسة غوغائية تعبر عن طموح الى إرضاء الجمهور بتلبية رغباته المباشرة. ويتوقع ان يجعل السير في هذا الطريق مواجهة المشكلات الراهنة صعبة وهي المشكلات التي حثت الاحتجاج الجماعي والتي تقتضي احيانا خطوات ضبط شديدة وتقشفا. وفشل مجابهة هذه المشكلات قد يزيد دافع الحكومات الى صرف انتباه الجمهور الى 'أعداء' من الخارج.
تلوح تطورات في هذا الاتجاه في واقع ضعفت فيه الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى الرئيسة، وتُظهر صعوبة تزداد في مواجهة مشكلاتها الداخلية وكذلك ايضا أكثر حليفاتها الغربيات. والمرشحات الاخرى لدور القوى العظمى، كالصين مثلا، توجهها رؤية عامة أنانية ولهذا فانها غير مستعدة لتتحمل مسؤولية ان تكون 'الشرطي العالمي' أو 'المرمم العالمي'. والمعنى المشتق من هذا الحراك العالمي هو أنه لا يوجد اليوم جهة خارجية تستطيع جعل الوضع في الشرق الاوسط مستقرا وان تساعد دول المنطقة على التغلب على الازمة الاجتماعية الاقتصادية الشديدة التي هي في أساس 'الربيع العربي' سواء باستعمال العصا العسكرية أو الجزرة الاقتصادية. وعلى ذلك ستضطر الدول العربية الى ان تجابه بقواها الذاتية مسار الانتقال الذي يصعب التنبؤ بمدته واتجاهات تطوره. وقد يستطيع العالم الغربي ان يساعد بتصريحات دعم، لكن سيصعب عليه ان يعززها بمساعدة حقيقية. وتستطيع تعبيرات الدعم المعلنة ان تساعد على إقرار السلطة في تونس التي تعتبر حالة يسهل نسبيا احتواؤها لأن عدد سكانها قليل ولأنها مثقفة نسبيا ولأن وضعها الاقتصادي ليس سيئا. لكن يُشك في ان يستطيع تشجيع لا تصاحبه مساعدة حقيقية إقرار السلطة والوضع الداخلي في مصر التي مشكلاتها الاجتماعية الاقتصادية متفاقمة. وقدرة التدخل العسكري الخارجي على حسم مصير السلطة محدودة ايضا. لقد سقط نظام القذافي حقا في آخر طريق عذاب طويل كثير المصابين، لكن ليبيا ما تزال بعيدة عن الاستقرار. وافتراض ان التدخل العسكري في سوريا قد يُجدي لاحتواء الوضع فيها لا يُمتحن امتحانا عمليا بسبب عدم القدرة على تجنيد حلف دولي من اجل عملية عسكرية لاسقاط سلطة بشار الاسد.
انهيار عملية السلام
يبدو هذا الوضع المعقد في الوقت الذي بلغت فيه العلاقات بين اسرائيل ومحيطها العربي أسفل أسفلين ولا سيما في أعقاب ما يبدو انه انهيار لمسيرة السلام، وفي الوقت الذي أصبح فيه التصور الغالب في العالم العربي وفي الساحة الدولية ايضا هو ان سياسة اسرائيل 'الرافضة' مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود.
سُجل في السنتين الاخيرتين في العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين تدهور جوهري قياسا باختراق الطريق في مطلع التسعينيات حينما بدأ حوار مباشر بين الطرفين وتم التوقيع على اتفاقات بينهما، وكان يبدو ان الطرفين يتحرران من تصور الحراك بينهما على أنه 'لعبة حاصلها صفر'. لا تستطيع اسرائيل والفلسطينيون اليوم اجراء حوار مباشر بينهما بسبب عدم الثقة المتبادل العميق بينهما. وعاد تصور العلاقات بينهما على أنه 'لعبة حاصلها صفر' ليكون هو السائد. واسرائيل والفلسطينيون يشاركون في لعبة منافسة في حين توجه سياستهما نية منع الطرف الثاني مكاسب حتى لو أفضى ذلك في نهاية الامر الى إضرار كبير بالذات. ولا يُظهر أي واحد من الطرفين استعدادا أو قدرة على مساعدة الطرف الثاني على الرجوع عن مواقف متشددة لا تُمكّن من تجديد الحوار، على أساس تقدير ان انجازا محتملا للطرف الثاني يعني خسارته. وهكذا لا تستطيع اسرائيل ان تعرض على السلطة الفلسطينية أدنى حد تحتاجه لمساعدتها على الرجوع عن المطالب التي اشترطتها لتجديد التفاوض، أي الاستعداد الاسرائيلي المبدئي لتسوية مناطقية على أساس خطوط 1967 مع تبادل اراض. ولا تستطيع السلطة الفلسطينية من جهتها ان تستجيب لمطلب حكومة اسرائيل ان تعترف باسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي ـ وهي خطوة ستساعدها على مباشرة التفاوض على أساس خطوط 1967. ولهذا نشأ طريق مسدود لا يُجدي على الطرفين. فالسلطة لا تستطيع التقدم نحو انشاء دولة فلسطينية، واسرائيل نفسها تتقدم نحو وضع سيصعب فيه عليها أكثر فأكثر ان تحقق حلم الدولة اليهودية الديمقراطية، وفي ظروف عدم الثقة هذه وقبل ان يغير الطرفان توجههما نحو برنامج العمل وهدف التحادث بينهما يُشك كثيرا في ان يفضي تجديد التفاوض بسبب ضغط دولي ثقيل يُستعمل عليهما، الى صياغة تفاهمات والى التوقيع على اتفاقات قابلة للتحقيق.
بازاء عدم قدرة مسار التفاوض على البقاء تبنى الفلسطينيون استراتيجية توجه الى المجتمع الدولي بطلب الاعتراف باستقلالهم السياسي. الجمعية العامة للامم المتحدة اقرت الطلب الفلسطيني الاعتراف بدولة فلسطين وهذا الموعد علامة على الازمة التالية بين الطرفين في حين ان السبل التي يريد الطرفان مواجهة هذه الازمة بها قد تزيد نتائجها وآثارها شدة في الأمد البعيد.
من الممكن جدا ان تُثبت الازمة التي قد تحدث بسبب الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية التشابك بين مسارات الازمة الثلاثة في محيط اسرائيل الاستراتيجي وهي: انهيار مسيرة السلام وضعف الولايات المتحدة و'الربيع العربي'. ان تدويل القضية الفلسطينية في حد ذاته هو نتيجة مباشرة لعدم القدرة على تجديد الحوار الاسرائيلي الفلسطيني وعدم قدرة الولايات المتحدة على فرض ارادتها واعادة الطرفين الى طاولة التفاوض. ان الخطاب السياسي العام في اسرائيل المتعلق باعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطينية محصور في المعاني القانونية المحتملة لهذا التطور. فالذين يخافون من امكانية ان يمنح الاعتراف بدولة فلسطين الفلسطينيين حقا في اثارة دعاوى قضائية على اسرائيل وعلى مواطنين اسرائيليين في المحكمة الدولية في لاهاي، يُعزون أنفسهم بأن اعتراف مجلس الامن وحده سيجعل هذا ممكنا وبأن الولايات المتحدة تنوي نقض هذا القرار. لكن اعترافا بدولة فلسطينية في الجمعية العامة حتى لو تلخص معناه رسميا بتطوير مكانة الممثلية الفلسطينية في الامم المتحدة، سيؤكد المسار الذي تُحشر فيه اسرائيل في زاوية سياسية دبلوماسية.
عزل اسرائيل
ان تأثيرات الربيع العربي في سياسة الدول العربية الاقليمية حينما تضاف الى مسار عزل اسرائيل المعجل في الساحة الدولية والى عدم قدرة الولايات المتحدة المبرهن عليه على إحياء الحوار الاسرائيلي الفلسطيني بسبب عدم قدرتها على تغيير توجه حكومة اسرائيل من شروط التفاوض القصوى، سيُعرض اسرائيل لتحديات أشد من تلك التي جابهتها في السنين الاخيرة.
أصاب تأثير الربيع العربي المجتمع الفلسطيني ايضا. ان نسبة الشباب في المجتمع الفلسطيني أكبر كثيرا من نسبتهم في مجتمعات غربية. وقد زادت التقلبات ونتائجها لدى الشباب الفلسطينيين الايمان بأنهم يستطيعون بنفس الوسائل التي استعملها شباب في دول جارة ولا سيما المظاهرات غير العنيفة، تحقيق الأهداف السياسية التي توجههم. وشعور القوة هذا مع خيبة الأمل التي ستنشأ بعد التصويت في الامم المتحدة حينما يتبين ان الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية ايضا لن يكون كافيا لتحقيق حلم السيادة، قد يتم التعبير عنه بمظاهرات جماعية في الشارع الفلسطيني واحتكاك يزداد مع اسرائيل بصورة لا يمكن منعها. ان تجربة الماضي الاسرائيلية الفلسطينية ودروس الهبة الشعبية في العالم العربي ايضا تدل على ان طريق التصادم بين اسرائيل والمتظاهرين الفلسطينيين سيكون قصيرا. والقطيعة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وتأثير الولايات المتحدة المحدود في الطرفين سيجعلان من الصعب احتواء ازمات تنشأ لهذا السبب وتفتيرها.
ان أنصار السياسة الأحادية في اسرائيل قد يرون انهيار المسيرة السياسية فرصة لتحقيق خيارات من طرف واحد وفي مقدمتها رسم حدود اسرائيل مع الدولة الفلسطينية من غير مفاوضة طرف فلسطيني. وقد يكون الاقتراح الذي أثاره في اسرائيل جهات يمينية وهو الرد على التوجه الفلسطيني الى الاعتراف من قبل الجمعية العامة بضم اراض، قد يكون صدى لهذا التصور. بيد أنه يُشك كثيرا في ان تستطيع اسرائيل تحقيق هذا العزم بازاء معارضة وانتقاد يتوقع ان تثيرهما في الساحة الدولية.
ان ضعف تأثير الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وتأثيرها المحدود في اسرائيل ايضا، كما يعبر عنه عدم قدرة الادارة على حث حكومة اسرائيل على تغيير سياستها من قضية تجديد الحوار مع السلطة الفلسطينية، لا يتيحان فرصا لاسرائيل بل بالعكس. فتحسن علاقات اسرائيل بروسيا وبدول امريكا اللاتينية أو بالصين لن يعوض اسرائيل مما ستفقده اذا ساءت علاقاتها مع الولايات المتحدة. وحتى لو كان صعود هذه القوى مهما لاسرائيل في الأمد البعيد فلن تستطيع أي واحدة منها في الأمدين القصير والمتوسط ان تمنحها التأييد الاستراتيجي الذي تمنحها الولايات المتحدة إياه في جميع المجالات. هذا الى كون الكلام في نية اسرائيل ان تفحص عن حليفات بديلات لا يسهم سوى في اساءة ازمة العلاقات بين حكومة اسرائيل وادارة الرئيس اوباما وهي ازمة قد تفضي الى إضرار بمصالح مركزية لاسرائيل اذا استمرت وخصوصا اذا انتخب اوباما لولاية ثانية.
واقع عربي جديد
ومع ذلك، وفي مقابل الطريق السياسي المسدود في الحوار الاسرائيلي الفلسطيني والصعوبات التي ثارت في العلاقات بين حكومة اسرائيل وادارة اوباما التي هي مشحونة بالأخطار والأخطار فقط، فان الربيع العربي تكمن فيه تغييرات ايضا تُضاف على الأخطار تستطيع اسرائيل ان تحولها الى فرص لها. ان الأحداث الداخلية في الدول العربية وتغيير نظم الحكم قد يؤثران في السياسة الداخلية في الدول العربية ويحثان على تغييرات في سياستها الخارجية وعلى إحداث تغييرات في العلاقات بينها، فاذا سقط نظام الاسد مثلا في سوريا واستُبدل به نظام ترأسه الأكثرية السنية التي تحقد على ايران وحزب الله لتأييدهما نظام الاسد، فقد يتغير توجه سوريا السياسي وقد ينتقض بقدر كبير المحور الذي تقوده ايران. وكذلك تهييء التقلبات لتركيا فرصة ان تدفع الى الأمام بمكانتها الاقليمية وبطريقة نظام الحكم فيها باعتبارها نموذجا يحتذى لأن النموذج التركي للتغيير الديمقراطي والعكوف على الحاجات الاجتماعية الاقتصادية للجمهور تلائم التصور العام لمُحدثي الهبات الشعبية في العالم العربي أكثر من طريق المقاومة والممانعة الذي تمثله ايران. واسرائيل برغم المحاكة بينها وبين حكومة تركيا الحالية قد تستخلص في الأساس مزايا من تبني العالم العربي للنموذج التركي.
ان خروج الدول العربية ايضا من الجمود والفساد اللذين ميزاها في العقود الاخيرة قد يسهم في انشاء شرق اوسط يتميز بالتوازن بين قوى سياسية مختلفة وتلبية للاحتياجات العامة مع مضاءلة الفراغ بين النظام والجمهور الذي تطمح عناصر متطرفة الى استغلاله. وان الازدياد الملحوظ السريع لتأثير ايران الاقليمي في تلك العقود قد كان نتيجة ذلك الفراغ الذي أحدثه العجز وتهاوي نظم الحكم العربية لا قوة ايران، فهذه الدولة لا تعوزها نقاط الضعف الواضحة. وينبغي ان نفترض ان الشرق الاوسط الذي سيمتاز بقيادة مصر النشيطة سيكون عاملا يوازن ايران وتركيا ويكون مريحا لاسرائيل أكثر من شرق اوسط تكون فيه ايران هي القوة المهيمنة. وهناك تغيير آخر ينشأ أمام أعيننا على أثر العاصفة في العالم العربي هو استيقاظ العربية السعودية. فبعد ان أثبت العصيان في البحرين اقتراب الخطر من العربية السعودية أظهرت تصميما على استعمال سياسة فعالة في مواجهة الجهات التي تهدد مصالحها وعلى رأسها ايران.
تتعلق قدرة اسرائيل على المداورة داخل الشرق الاوسط المتغير سريعا وعلى مجابهة الازمات المتوقعة لها، تعلقا حاسما بقدرتها على ان تغير بصورة جوهرية خطوطا أساسية في سياستها في عدد من الموضوعات المركزية وعلى رأسها التحدي الايراني والتحدي الفلسطيني.
قدرات ايران محدودة
برهنت أحداث الربيع العربي على أنه بخلاف الميل الذي ساد الجهاز السياسي في اسرائيل الى ان ينسب الى ايران مسؤولية عن جزء كبير من التطورات في الشرق الاوسط التي تؤثر في اسرائيل ـ وهو التأثير الذي سيزداد حينما تحرز ايران قدرة ذرية عسكرية ـ فان قدرة ايران على توجيه الأحداث في الشرق الاوسط العربي محدودة جدا.
وستضطر ايران ايضا الى مواجهة الزعزعات التي حدثت في المنطقة والى ان تعمل على تقليل الأخطار التي تصاحب ذلك على مصالحها، هذا الى كون ايران لاعبة واحدة من كثيرات في المنطقة.
ولهذا هناك مكان للتساؤل هل سيكون لحصولها على القدرة الذرية اذا استكمل البرنامج الذري الذي تدفع به الى الأمام في تصميم، تأثير حاسم في الواقع الاستراتيجي في الشرق الاوسط. ويضاف الى هذا ان من المحتمل ان تظل قدرة اسرائيل الذرية وطموح الدول العربية وعلى رأسها مصر الى إبطالها بالتقدم في تحقيق حلم الشرق الاوسط الخالي من سلاح الابادة الجماعية، ذات دور مهم في سياسة دول كمصر نحو اسرائيل.
وسيكون التعبير الرئيس عن ذلك استمرار الجهود لعقد المؤتمر الذي يتناول انشاء منطقة حرة من سلاح الابادة الجماعية في الشرق الاوسط والذي يفترض ان يعقد في 2012 بحسب ما اتفق عليه مؤتمر استطلاع منع نشر السلاح الذري.
وفي مقابل هذا اذا استطاعت اسرائيل ان تعترف بالتغييرات التي حدثت في الشرق الاوسط وأن تأخذها في حسابها في اطار تفكير من جديد في سياستها نحو محيطها المباشر ومحيط أبعد في المنطقة، فربما تستطيع ان تُبطل قدرا لا يستهان به من التهديد الايراني الذي تتعرض له، ويشمل هذا عملا نشيطا من اسرائيل على إحياء مسيرة السلام الاقليمية يساعد الحكام العرب على ان يزيلوا عن برنامج العمل العام في دولهم القضية الاسرائيلية الفلسطينية، وتحسين العلاقات مع اسرائيل.
ينبع التحدي الفلسطيني من جملة ما ينبع منه، من السعي الاسرائيلي الى توسيع حدود اسرائيل السياسية على أساس فكرة ان هذا سيوجد تلبية لمصلحة استراتيجية جوهرية.
وحتى لو كانت توجد قيمة عسكرية للاراضي وللعمق الاستراتيجي فان عنصر العمق الاستراتيجي في واقع اسرائيل الجغرافي محدود على كل حال ـ فالصواريخ التي يطلقها حزب الله وحماس على داخل اسرائيل تشهد بأنها برغم مداها القصير تكاد تبلغ كل هدف في اسرائيل. وفي مقابل هذا فان التحدي المركزي الذي تتعرض له اسرائيل هو تثبيت مكانتها في المنطقة التي هي في أساسها عربية ومسلمة مع الحفاظ على تأييد المجتمع الدولي لها. وهذا التأييد ضمان حيوي لوجود اسرائيل ونمائها.
لكن ما بقي الصراع مع الفلسطينيين فوارا يهدد بالتصعيد على أثر النقاش في الجمعية العامة للامم المتحدة في شأن الاعتراف بدولة فلسطينية، فلن تستطيع اسرائيل ان تدفع الى الأمام بعلاقات صادقة مستقرة مع الدول العربية. وفي الجو الحالي لا تستطيع حتى الدول العربية الراغبة في تعاون استراتيجي سياسي وعسكري واقتصادي مع اسرائيل ان تحقق نواياها.
غضب عربي
كان أحد اتجاهات التفكير التي نشأت في اسرائيل في أعقاب التطورات الحادة في العالم العربي هو التصور الذي يقول ان دول العالم العربي ستكون في السنين القريبة مشغولة بشؤونها الداخلية، ولهذا لن تفرغ لاشتغالها بعلاقة العالم العربي مع اسرائيل. لكن نشك في ان يكون لهذا التقدير أساس صلب. ان التمرد في العالم العربي قد نبع من جملة اسباب منها شعور الجماهير العربية بالمذلة العميقة. وقد كان هذا الشعور في الحقيقة بقدر كبير نتاج شكل نظم الحكم العربية والوضع الاجتماعي الاقتصادي في المنطقة العربية، لكن علاقات العالم العربي بالعالم الخارجي كان لها دور مهم في تأجيج الاحتجاج.
وان علاقة الغرب بالعالم العربي طوال سنين قد غذت الشعور بالظلم وفي هذا السياق كان للتقارب بين اسرائيل والعالم الغربي دور مركزي. ان ضرورة الحكومات العربية التي أخذت تزداد الى ان تصغي الى صوت الشعب ستقوي فيها الباعث على الاشتغال بشؤون اسرائيل مع العرب مع تأكيد القضية الاسرائيلية الفلسطينية. فلا عجب اذا من ان أحد الاجراءات الاولى التي أخذت بها الحكومة المصرية الجديدة كان جهدا مركزا لصوغ اتفاق مصالحة بين فتح وحماس، ولم يكن صدفة ان اصطبغت أحداث النكبة في 2011 خصوصا والنكسة في العالم العربي بصبغة أقوى مما كانت في الماضي واشتملت على محاولات متظاهرين اجتياز حدود اسرائيل.
قد تصبح اسرائيل مركزا لغضب الجموع في الشارع العربي على أثر أحداث وتصعيد العنف الاسرائيلي الفلسطيني في ساحة غزة، وقد تترجم التطورات في هذا الاتجاه ايضا الى تضاعف الأخطار الامنية على حدود اسرائيل الاخرى، وكل ذلك بسبب تنكر دولي أخذ يزداد لسياسة اسرائيل.
وسيصعب على اسرائيل ان تصد اتجاه تدهور علاقاتها مع الفلسطينيين ومكانتها في المجتمع الدولي إلا اذا استعملت مبادرة لاحداث اختراق طريق حقيقي في المسيرة السياسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الدين والمجتمع في المغرب المعاصر
تتبلور في المغرب مواقف تتعلق في الدين ترى الاسلام عاملا عقائديا واساسيا لانشاء بنية اجتماعية وسياسية مختلفة
بقلم: دانيال زيسنوين ،عن مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الاوسط وافريقيا
ان المغرب هو ميدان بحث سهل من جهة منهجية للفحص عن اسئلة في شأن مكانة الدين في المجتمع في الدول العربية. والمغرب بخلاف دول عربية اخرى في الشرق الاوسط لا يحتاج الى مواجهة وجود أقليات عرقية ودينية داخله لأن كل سكانه تقريبا مسلمون سنيون. وهو يتمتع ايضا باتصال سياسي ذي عمر طويل لأن المغرب لم يكن جزءا من الدولة العثمانية والسلالة الحاكمة فيه تولت السلطة منذ أواخر القرن السابع عشر. والمغرب مثل سائر دول المغرب، مقطوع عن الصراع الاسرائيلي العربي، ويسهم هذا الابتعاد ايضا في كونه جذابا باعتباره موضوع بحث. وينبغي ان نضيف الى ذلك حقيقة ان المجتمع المغربي حافظ ويحافظ على صلة قوية بالتراث الديني. فالاسلام أساس مركزي في تعريف الهوية المغربية، ولهذا فان الفحص عن اسئلة تتعلق بمكانة الدين في المجتمع آسر بصورة مميزة.
والمغرب فوق ذلك ايضا وربما أكثر من دول عربية ومسلمة اخرى، يواجه التحديات التي تجابهه بها الحضارة الغربية القريبة منه جدا، ويُمكّن هذا الباحثين من تفحص مجتمع عربي 'خالص' يتخبط في مشكلات هوية وبحث عن الذات في عالم القرن الواحد والعشرين المتغير. والمغرب أقرب من ناحية جغرافية الى اوروبا من المراكز الاسلامية التاريخية في شبه الجزيرة العربية. وكثير من سكان المغرب يمكثون في الدول الغربية فترات طويلة. وهم ايضا يشاهدون بلدهم في قنوات تلفزيونية غربية ويستعملون وسائل اتصال اخرى للغرب. وهذا الانكشاف يجعل علاقتهم بالدين والحضارة الاسلامية مركبة جدا. وقياسا بدول عربية اخرى يعتبر المجتمع المغربي منفتحا جدا، ويجري فيه نقاش يقظ جدي في قضايا مكانة الدين في المجتمع وعلاقة الفرد بالاسلام كما يُعبر عن ذلك في الحياة اليومية، ويتم هذا النقاش علنا ويُمكّن هذا الباحثين من متابعته.
من اجل جميع هذه المزايا البحثية يستطيع المغرب ان يقترح وجهات نظر تغنينا بادراكات يصعب التوصل اليها في البحث في دول اخرى. وهذه المزايا معروفة لجميع باحثي المغرب، لكنني أستصوب الاشارة اليها قبل ان أفحص فحصا عميقا عن قضية الدين والمجتمع في المغرب اليوم. ان قضية مكانة الدين وأهميته في المجتمع المغربي في ظاهر الامر ليست معقدة بصورة خاصة. فالاسلام ركن أساسي في تعريف الهوية المغربية. وتتحدد مكانة الملك في المغرب بجملة عوامل منها كونه زعيما دينيا 'أمير المؤمنين'، وأنه من سلالة النبي ويتمتع بالبركة. وقد جعلت القومية المغربية في القرن العشرين الدين مبدأ مركزيا موحِّدا. ولم تثبت عقيدة القومية العربية العلمانية (اذا أمكن ان نسميها كذلك) ثباتا قويا في المغرب، ولم تُتبنَ فيه ايضا افكار اصلاحية كأفكار الحبيب بورقيبة في تونس. ولم تكن الحركة القومية في المغرب التي ناضلت ضد السلطة الاستعمارية الاجنبية، لم تكن حركة اجتماعية جذرية طمحت الى التأليف بين افكار ثورية والنضال من اجل الاستقلال كما كانت حركة الـ اف.إل.ان في الجزائر. فكانت في أساسها حركة محافظة أرادت ان تنهي الحكم الاجنبي للمغرب وان تعيد المجد كما كان. ولهذا لم تنشأ في المغرب قوى اجتماعية ضعضعت مكانة الدين في الحياة العامة، وأصبح واضحا في الفترة التي تلت نيل الاستقلال ان الاسلام سيظل عنصرا مركزيا في حياة المجتمع والدولة في المغرب بل سيقوى. وتجلت هذه المكانة بصورة رسمية في نظام الاحكام الشخصية الذي أُقر في المغرب في 1959 وهو طائفة من القوانين قامت على المذهب المالكي. وبصورة أقل رسمية تم التعبير عن مكانة الدين في الجهود التي بذلها في حينه الملك الحسن لتثبيت شرعيته الدينية حينما ترأس 'المحاضرات الحَسَنية' وهي دروس دينية على الملأ في شهر رمضان تمت بمشاركة فقهاء كبار وبُثت بثا مباشرا في قنوات الاذاعة.
خوف من التغيير
وفي الصعيد العام حافظ المجتمع المغربي في حياته اليومية على صورة حياة دينية من غير جعل الدين فأسا يحفر بها. وأصبح الاسلام جزءا طبيعيا يكاد يكون مفهوما من ذاته بالنسبة لأكثر الجمهور المغربي. وتمت اقامة أركان الاسلام الصلاة والصوم وغيرهما كاملة. ولم يفحص الجمهور عن سلوكه الديني ولم ينسبه الى ايديولوجية ما. وحتى لو وجدت عناصر دينية في حياة الدولة أثارت عدم رضى أو وجه انتقاد اليها (مثل قانون الحالة الشخصية الذي اشتمل على مواد ميزت النساء أو فرضت عليهن قيودا شديدة)، فقد فضل أكثر الجمهور إبقاء الوضع على حاله وخشي زعزعة الوضع الراهن. وتم التعبير عن المعارضة اذا وجدت من قبل مجموعات متمغربة كان يُنظر اليها على أنها مقطوعة عن أكثر المجتمع. وبرغم ان هذه المجموعات نجحت في نهاية الامر في التأثير في برنامج العمل العام الذي أُثيرت فيه الحاجة الى اصلاح قوانين الاحوال الشخصية، لم تنجح في ان تستوطن القلوب.
في منتصف سبعينيات القرن الماضي وخلال الثمانينيات حدث تغيير لمكانة الدين في المجتمع المغربي. وتجلى التغيير بقدر أقل في الحياة العملية الدينية اقامة الفرائض ومركزية الاسلام في المجتمع، فكان التغيير في المعنى الذي منحته مجموعات مختلفة في المغرب لاقامة الفرائض. والقصد الى ظهور جماعات دينية لاسلام سياسي أو اسلام متطرف دفعت الى الأمام بالدين على أنه ايديولوجية سياسية وحضارية وبهذا منحت اقامة الفرائض وتعزيز مركزية الدين في المجتمع معنى جديدا. تغير النشاط الديني الذي كان طبيعيا عند المغاربة دونما حاجة الى تفسيره تقريبا، غير صورته. فأعطت الايديولوجية الاسلامية المتطرفة اقامة الفروض الدينية معنى مختلفا هو الاحتجاج السياسي والاجتماعي والتأليب على 'أعداء الاسلام'. وهذا المعنى زعزع مكانة الاسلام في المجتمع وأصبح الركن الأساسي للهوية المغربية سلاح معارضة موجها على النظام الاجتماعي والسياسي الموجود.
لا تتناول هذه المقالة قضية ظهور هذه المجموعات في المغرب. وسأذكر فقط مجموعتين مركزيتين، أقدمهما هي حركة العدل والاحسان بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين. وتحدت هذه الحركة النظام السياسي في المغرب وهاجمت 'النخب المتمغربة'، وكفرت في الأساس بالشرعية الدينية للملكية وهو كفر جعل الملك يعمل على مناهضة الحركة ويعتقل زعيمها. ويصعب ان نقف على مبلغ التأييد الذي تحظى به حركة العدل والاحسان اليوم. والحركة ترفض المشاركة في الجهاز السياسي لكنها تبرز في الساحة العامة بنشاطها في مجالي التربية والرفاه.
لا يوجد تطرف ديني
وعلى مر السنين ضعف شيئا ما وخز معارضة الحركة وأفرج الملك محمد السادس عن زعيمها، لكن لا شك في أنها تحظى بتأييد الجمهور. ويوجد تقدير يقول ان الحركة لو شاركت في الانتخابات لفازت بما يقرب من ثلث الاصوات. وللحركة دور مهم في صوغ الرأي العام في المغرب، فقد نجحت على مر السنين في التأثير في المزاج العام للجمهور في مسائل تتعلق بهوية المغرب الثقافية والدينية. وقادت الحركة معارضة التغييرات في قانون الاحوال الشخصية (الذي عُدل آخر الامر في 2003) وجعلت في رأس برنامج عملها الحفاظ على قيم الاسلام في الدولة. ومن جملة ما اعتاد عليه نشطاؤها ان يتجولوا في شواطيء البحر في اشهر الصيف فيحتجوا على اللباس غير المحتشم للمستحمين.
وهناك حركة مركزية اخرى هي حزب العدل والتطوير. ولهذا الحزب توجه ديني وهو نشيط في الجهاز السياسي وفي مجلس الشعب. ويحاول الحزب ان يوحي بالاعتدال والانفتاح وان يجد مكانه في الحياة العامة. وفي الجانب الأقصى من القوس جماعات تُنسب الى ما يمكن ان يسمى 'الجهاد العالمي' أو تشعر بصلة به، ويتأثر نشطاء هذه الجماعات بالأمزجة والافكار الدينية التي تأتي من خارج المغرب، ولهذا فانها ليست من مجال بحثنا.
وعلى كل حال فان ظهور هذه المجموعات في الساحة العامة في المغرب أثر في الأساس في العلاقة بالنظام الملكي الذي اتهمه منتقدوه الدينيون ولا سيما ناس ياسين بالكفر وتم الادعاء أنه ليست له شرعية دينية. وكان تأثير هذه المجموعات في الحياة اليومية ضئيلا جدا، فلم يجر على المغرب تطرف ديني واسع النطاق ولم يوجد فيه موجة توبة بين الشباب كما حدث في دول اخرى لأنه في الأساس وقبل كل شيء لم يكن فيه تصور عام علماني، فقد ظل أكثر الجمهور يُبدي ولاءا مطلقا للاسلام. ولم يكن السؤال المركزي كما قلنا آنفا عن مجرد اقامة الفروض أو مكانة الدين في المجتمع بل عن معنى اقامة الفروض.
تشهد هذه التطورات بأن مسألة مكان الدين ومكانته في المغرب أصبح أكثر تعقيدا مما كان في العقود الاولى بعد الاستقلال، وكان ذلك مما أثار أسى النظام. وبسبب التغييرات التي طرأت على العلاقة بالدين أصبحت للجمهور في المغرب اليوم صلات أكثر تعقيدا بالاسلام مما كانت في الماضي. ففي الجمهور المغربي فروق في السلوك الديني. وتعبر عن هذه الفروق المواقف والتوجهات المتعلقة بالمسائل المطروحة في برنامج العمل العام. وقد أراد استطلاع للرأي أُجري في المغرب في 2007 ان يفحص عن مواقف الجمهور من تلك المسائل. وقام بالبحث ثلاثة باحثين باحثان في علم السياسة ومختص بعلم الانسان مختصون ببحث المجتمع المغربي المعاصر. وقد فحص الثلاثة عن سؤال: 'أي مسلمين نحن؟'. وكان عدد العينة 1156 من المستطلعة آراؤهم. وقد سُئل هؤلاء عن اعتقاداتهم الدينية وعن سلوكهم الديني في الحياة اليومية. وتصور نتائج الاستطلاع التي نشرت في كتاب عنوانه 'الاسلام اليومي' صورة وضع حديثة جدا للجمهور في المغرب فيما يتعلق بهذه القضايا. وتدل النتائج على اتجاه الى التطرف الديني لقضايا تتعلق بالفضاء العام في المغرب. وفي رأيي ان هذا التوجه متأثر بموجة التطرف الديني التي تصاحب صعود جماعات اسلامية متطرفة. وهذا التطرف يُنحي الاسلام الموروث، 'الطبيعي'، 'المفهوم من تلقاء نفسه' ويدفع الى الأمام بدين أكثر فاعلية له وجه عقائدي أكثر مما كان في الماضي. وينبغي ان نؤكد مع ذلك ان هذا التطرف أشد بروزا في مستوى الفرد ولا يترجم الى رغبة حقيقية في اوساط واسعة من الجمهور لجعل الدين أداة ضغط سياسية ولتعزيز مكانة منظمات واحزاب دينية.
ما يزال الاسلام بوجه عام موضوعا للمشايعة المؤكزية عند الجمهور المغربي. فقد بين استطلاع الرأي ان الهوية المسلمة هي المهيمنة على المغاربة وتسبق كل تعريف آخر لهويتهم وهم يُعرّفون أنفسهم قبل كل شيء بأنهم مسلمون ويذكرون بعد ذلك فقط كونهم مغاربة. بعد ذلك ذُكرت الهوية العربية والهوية البربرية والهوية الافريقية. وليست هذه النتائج جديدة وهي تصور مكانة الاسلام المركزية في المغرب منذ حقب. ان مكانة الاسلام تعود لتثبت ضعف الهوية المغربية الوطنية التي لم تنجح حتى الآن في ان تُثبت نفسها باعتبارها موضوع موالاة مركزيا في الدولة. وقد عرض المستطلعة آراؤهم في استطلاع الرأي مواقف محافظة سافرة من مكانة الاسلام في الفضاء العام المغربي. وتشهد هذه المواقف مرة اخرى بأن المجتمع المغربي هو مجتمع تقليدي متمسك بالمباديء الدينية.
على سبيل المثال وجه 60 في المائة من المستطلعة آراؤهم انتقادا شديدا الى اولئك الذين لا يصومون في شهر رمضان وزعموا أنهم لا يمكن ان يُعتبروا مسلمين. واعتقد أكثر من 82 في المائة من المستطلعة آراؤهم أنه ينبغي عدم التمكين من فتح المقاهي والمطاعم خلال شهر رمضان لمن لا يصومون.
وأجاب 57.4 في المائة من المستطلعة آراؤهم عن سؤال هل ينبغي السماح بالاستحمام المختلط للرجال والنساء على سواحل البحر وهذه قضية أثارت المغرب في السنين الاخيرة بازاء اعمال احتجاج من منظمات اسلامية على هذه الظاهرة بأنهم يعارضون ذلك. ومع ذلك يوجد تأييد واسع لفصول دراسية مختلطة للبنين والبنات في المدارس، أي انه لا يمكن الحديث عن طموح الى فصل مطلق بين الجنسين. ويؤيد 83 في المائة ان ترتدي النساء الحجاب. مع ذلك أجاب 75 في المائة بأنه لا فرق في المكانة الدينية بين نساء محجبات ونساء غير محجبات. وتُبين أجوبة اخرى للمستطلعة آراؤهم ان تقاليد حياة المجتمع المغربي تقليدية. وقال 65.7 في المائة انهم مداومون على الصلاة.
الدين شأن خاص
برغم ان مواقف الجمهور تميل بوضوح الى المحافظة فان الدين ما زال يُرى شأنا خاصا أكثر من ان يكون شأنا عاما، فقد عبر 16 في المائة فقط عن رغبة في الانضمام الى منظمة دينية واعتقد 28 في المائة فقط أنه ينبغي إدماج الدين في الحياة السياسية. وعبر 47.6 في المائة عن معارضة وجود احزاب دينية يرأسها قادة متدينون. وعبر 84 في المائة عن معارضة فكرة التكفير كما حدث في الجزائر. وتشهد نتائج هذا البحث بأنه لا يوجد بين الجمهور في المغرب تأييد كبير لحركات اسلامية متطرفة تحث مثل هذه الأفكار الى الأمام. وعبر قليل من المستطلعة آراؤهم (17.6 في المائة) عن تأييد لا لبس فيه لحركات جهادية، وهذا يشهد على عدم تأييد الجمهور لحركات سياسية دينية متطرفة.
ومع ذلك يمكن ان تشير احدى النتائج الى تغير هذا التوجه وهي ان تأييد الشباب للحركات الجهادية أكبر كثيرا من تأييد الجيل الذي هو أكبر سناً (21.8 في المائة من المستطلعة آراؤهم بين 18 24 قياسا بـ 9.7 في المائة ممن هم في الستين فصاعدا). ويبدو ان هذه النتيجة تشهد بتحول الجيل الشاب الى الاسلام السياسي وأنه يتميز بمحافظة أكبر من محافظة سائر الجمهور، وهذه شهادة اخرى على ان الاسلام في المغرب أصبح أكثر تنوعا ولم يعد يتحدث بصوت واحد كما كان في الماضي.
الدين عامل عقائدي وسياسي
والسؤال الذي يثيره هذا التشخيص بشأن تنوع الدين في المغرب هو أهذا تطور ايجابي. ما يزال المغرب في الحقيقة دولة ومجتمعا محافظين محافظين برغم القرب الجغرافي من اوروبا، أي من الغرب. لكنه تتبلور في المغرب مواقف اخرى تتعلق بالدين ترى الاسلام عاملا عقائديا وسياسيا وأساسا لانشاء بنية اجتماعية وسياسية مختلفة. وتعتمد هذه البنية على احزاب ومنظمات جهادية يقودها قادة متدينون. ويبدو اليوم ان هذا البديل بعيد عن التحقق في المغرب لكن الاصوات التي تدعو الى تبنيه أخذت تعلو.
وهناك نقطة اخرى ينبغي ان نذكرها في سياق مكانة الاسلام في المغرب هي قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وايران. ففي آذار 2009 قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع ايران. وكانت تلك خطوة مفاجئة ليست من عادة المغرب الذي يُصرف سياسة خارجية حذرة ويمتنع عن خطوات متسرعة ويبتعد عن افعال متطرفة. ولم تكن العلاقات بين المغرب وايران متوترة بصورة خاصة قبل قطعها. وأثار المحللون عددا من الاسباب المحتملة لهذه الخطوة أحدها زعم المغرب انه يوجد نشاط تبشيري ايراني فيه يرمي الى تحويل مسلمين سنيين الى الشيعة (غير الموجودة كما قلنا في المغرب). والخشية من هذا النشاط موجودة ايضا في دول عربية اخرى. وقد تعمل حلقات ايرانية ما بهذه الطريقة لكن ينبغي ان أذكر أنني لم أجد شهادات على نشاط كهذا في المغرب برغم الادعاءات المغربية، ويثير هذا الامر مرة اخرى مسألة قطع العلاقات بين الدولتين. وتؤكد هذه الخطوة حساسية المغرب المميزة وحساسية الملك الذي هو زعيم ديني ايضا بالموضوعات الدينية.
ان الصراع بين المواقف والهويات الدينية في المغرب اليوم هو في بدايته فقط ويتوقع في رأيي ان يزداد شدة في المستقبل القريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فرصة عدل تاريخي
بقلم: دانيال بارنبويم ،عن هآرتس
ان التاسع والعشرين من تشرين الثاني موعد تاريخي. ففي التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 اتخذت في الامم المتحدة خطة تقسيم فلسطين التي قضت بأن تقسم البلاد الى دولتين، واحدة لليهود واخرى للعرب. فالى ذلك اليوم كنا جميعا «فلسطينيين»: مسلمين ومسيحيين ويهودا.
استقبل يهود العالم جميعا خطة التقسيم بفرح. ورفضت الدول العربية التي رأت ان فلسطين تنتمي اليها وحدها، رفضت الخطة وأفضى ذلك الى حرب نشبت في الخامس عشر من أيار 1948 من غد اعلان استقلال دولة اسرائيل.
بعد 65 سنة بالضبط، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 2012، توجه الفلسطينيون الى الامم المتحدة طالبين الحصول على مكانة دولة مراقبة. وتمت الموافقة على طلبهم بأكثرية كبيرة. هذه هي الحقائق.
يمكن ان نزعم ان الفلسطينيين احتاجوا الى 65 سنة ليهضموا ان وجود دولة اسرائيل واقع ينبغي عدم إنكاره، ولهذا أصبحوا مستعدين اليوم لقبول مبدأ تقسيم البلاد الذي رفضوه في 1947. وفي مقابل هذا الزعم، لا شك في ان قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة على منح الفلسطينيين مكانة دولة مراقبة يجب ان تستقبله دولة اسرائيل برضى ايضا.
لا أنوي ان أحاضر هنا في شؤون الاخلاق أو الاستراتيجية السياسية، لا على مسامع الاسرائيليين ولا على مسامع الفلسطينيين، لكنني أريد أن أذكر انه قد يكون سبب عدم حل الصراع مدة هذه السنوات الطويلة جدا حقيقة ان الطرفين، كالعالم ايضا، لم يفهما تماما ما الذي يقوم في أساسه.
ليس الصراع الاسرائيلي الفلسطيني تعبيرا عن عداء سياسي بين دولتين يمكن حله بوسائل دبلوماسية أو عسكرية: لأنه قد تنشأ اختلافات سياسية بين دولتين حول مشكلات كالحدود والسيطرة على مصادر المياه والنفط وما أشبه. لكنه صراع انساني قبل كل شيء بين شعبين كل واحد منهما على يقين لا يشوبه الشك في حقه وحده في ان يحيا في نفس قطعة الارض الصغيرة.
برغم الزمان الطويل الذي مر، حان الوقت لنعترف بحقيقة أنه لا مناص للاسرائيليين والفلسطينيين سوى ان يعيشوا جنبا الى جنب وألا ينكر بعضهما بعضا. والقرار الذي تم اتخاذه في الامم المتحدة بتأييد 138 دولة قد يكون آخر فرصة لنفخ الروح في حل الدولتين الذي ستنشأ في اطاره دولتان ذواتا حدود آمنة واتصال سيادي بين المناطق.
قد تكون يد القدر أو ربما نضج الشروط لصنع عدل تاريخي هما اللذان يمكنان الفلسطينيين من بدء مسار يفضي بهم الى الاستقلال بنفس الطريقة بالضبط التي أفضت الى انشاء دولة اسرائيل.
وهذه هي اللحظة المناسبة لمصالحة داخلية ايضا هي حيوية جدا لحل الصراع وللمصالحة أولا بين حماس وفتح. ان هذه المصالحة ضرورية للفلسطينيين الذين يحتاجون الى قيادة سياسية موحدة متكتلة، ولاسرائيل ايضا التي ستكسب اذا كان للفلسطينيين قيادة موحدة. أما التوجه المعتاد الذي يرى وجود أفضلية في مواجهة عدو منقسم مختلف فهو خطأ.
من الواضح لي تماما ان الفلسطينيين لن يوافقوا أبدا على قبول حل أيديولوجي للصراع لأن روايتهم التاريخية مختلفة، واسرائيل هي التي يجب عليها ان تجد حلا براغماتيا. أنا أومن بالحق التاريخي – الديني لليهود في العيش في المنطقة لكنني لا أومن بحقهم الأوحد.
مقابل الفظاعات التي عاناها الشعب اليهودي على أيدي شعوب اوروبا في القرن العشرين، فمن المناسب ان يجند هؤلاء لمساعدته على حل المشكلات المتعلقة بمستقبله وألا يكتفوا بالاعتراف بمسؤوليتهم عما حدث في الماضي.
أثر في العدد الكبير من الدول التي صوتت تؤيد القرار في الامم المتحدة. أما موقف حكومة اسرائيل في المقابل فانه يحزنني. فهي مصابة بقصر نظر لأنها لا تأخذ في حسابها احتمال مستقبل أفضل كامن في الوضع الجديد. ولا يقل عن ذلك إحزانا لي موقف الولايات المتحدة التي هي الدولة الوحيدة القادرة على التأثير في المسيرة تأثيرا جوهريا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جون كيري واسرائيل.. احتمالات وأخطار
بقلم: يعقوب أحمئير،عن اسرائيل اليوم
لا شك في ان السناتور الديمقراطي جون كيري سيدخل رجليه بسهولة في حذاء أسلافه من وزراء ووزيرات خارجية الولايات المتحدة. ان كيري وهو اليوم رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، هو اختيار طبيعي جدا لهذا المنصب الرفيع. فقد اختص حقا بالمجال المهم من علاقات الولايات المتحدة بباقي العالم. ولن يحتاج كيري تقريبا الى فترة استكمال أو مطابقة بعد دخوله الى مكتب وزير الخارجية في الطابق السابع من مبنى وزارة الخارجية. وستجيز جلسة مجلس الشيوخ العامة وقبلها لجنة الخارجية تعيين كيري وريثا لهيلاري كلينتون.
قد تكون حكومة نتنياهو عندنا تفضل مرشحا آخر يرث كلينتون، لكن اذا نظرنا في بروتوكول تصويتات كيري في شؤون اسرائيل والمنطقة، فانه لم يضع أي تصويت «مؤيد» لقرار يوافق هوى اسرائيل. وينبغي ان نؤكد أنه في هذه الايام التي تشتد فيها الولايات المتحدة في تصريحاتها المعارضة لنية توسيع البناء وراء الخط الاخضر، قد يتشدد كيري باعتباره وزير الخارجية في لغته الانتقادية على هذا الجانب من سياسة حكومة نتنياهو. هذا ما يقدره العالمون في منطقتنا.
يؤيد كيري اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها في حدود معدلة من سنة 1967. ولم تتغير سياسة الولايات المتحدة في مجال الاستيطان تغيرا جوهريا، وبقي سائر ذلك في المجال المعلن الذي قد تزداد اللغة حدة فيه. والى ذلك يشيرون في القدس الى ما كان يبدو مراودة كيري للرئيس الاسد قبل بدء الهبة الشعبية في سوريا. وقد حرص كيري على لقاء الاسد على الدوام وأثنى عليه ونعته بأنه «سخي» وأثنى على أهمية مكانة سوريا في المنطقة، الى درجة انه وجد من قالوا ان السناتور من واشنطن الذي يزور على الدوام مكتب الرئيس في دمشق قد «تملق» الاسد حقا. ويبدو الاسد اليوم في ذروة سفالته باعتباره مستبدا متعطشا للدم.
فيما يتعلق بسياسة ايران الذرية، يوقع كيري على كل صيغة للرئيس اوباما: فهو يفضل أولا استنفاد نظام العقوبات وأقل من ذلك بكثير تفضيله لعملية عسكرية على المنشآت الذرية. أي ان كيري يعارض معارضة شديدة «ايران الذرية» لكنه يفضل قبل ذلك سياسة خطوات سياسية قبل عملية عسكرية تبقى أولا «على المائدة». اذا تم تعيين السناتور السابق تشاك هيغل وأجيز تعيينه لمنصب وزير الدفاع فسيؤدي اوباما عمله في حضرة مسؤولين كبيرين من ادارته لن يسارعا الى اطلاق صواريخ للقضاء على المنشآت الذرية في ايران. ولم يعلن اوباما بعد رسميا من هو مرشحه لمنصب وزير الدفاع برغم ان الجميع يعتقدون ان هيغل هو المرشح المتقدم. هل يراجع اوباما النظر في ترشيح هيغل، ربما في أعقاب النقد الذي وجه الى ترشيحه؟ لسنا نعلم. لكن اوباما استقر رأيه الى الآن على تعيين كيري في منصب وزير الخارجية – وهو كاثوليكي ذو جذور عائلية يهودية.
ان كيري الذي عمل مبعوثا لاوباما الى افغانستان وباكستان ونقاط احتكاك اخرى للولايات المتحدة ليس مرشحا مفاجئا: انه لا يعتبر في الحلقة الحميمة المغلقة لاوباما لكن الرئيس لا ينسى التأييد الذي منحه له كيري في منافسته للبيت الابيض. وقد خسر كيري نفسه في هذه المنافسة لبوش في سنة 2004.
اذا انتخب نتنياهو مرة اخرى رئيسا للوزراء فيبدو انه سيكون عند كيري، وزير الخارجية الجديد، ما يقوله لاسرائيل والكثير مما يقوله في مجال البناء وراء الخط الاخضر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جنون يميني شامل
بقلم: مزال معلم ،عن معاريف
حتى نهاية الاسبوع الماضي نجح نفتالي بينيت بان يتمتع بكل العوالم – أن يكون الرمز اليميني الرائج والاكثر صحة وأصالة، وأن يجعل البيت اليهودي حزب المستوطنين، وأن يغمز نحو الجمهور في الوسط، كله في آن معا. وقد جر وراءه جمهورا انتخابيا شابا بل وضم الى حضنه معجبين في العشرينيات من عمرهم حتى في الكيبوتسات التي حرص على أن يصل اليها كل اسبوع.
شدد بينيت على أنه أمسك بالعلم السليم. وهو حقا أمسك. ففي الاستطلاعات الاخيرة بات حزبه منذ الان الحزب الثالث في حجمه مع 12 مقعدا، وقد لاحق بثبات الليكود وأثار جنون بنيامين نتنياهو، الذي بقي كل اسبوع خائب الامل في عدم نجاحه في العثور على البطن الطرية لبينيت. الى أن انكشف بينيت كمن يؤيد رفض الخدمة ايديولوجيا.
سيكون من الخطأ التعاطي مع عاصفة الرفض لدى بينيت كحدث موضعي تهجم فيه تقريبا كل الساحة السياسية وعلى رأسها رئيس الوزراء على بينيت. فتأييد بينيت للرفض في ذروة حملة الانتخابات تكشف الجنون اليميني الذي ألم بالساحة السياسية. عندما يخاف حزب العمل أن يقول بصوت عال كلمة «سلام» ويدحر جانبا كل خطاب سياسي في محاولة لان ينقل اليه مقترعين يمينيين ومتدينين، فثمة في ذلك تبطل باسم الغمز لليمين. وعندما يفهمون في الليكود بيتنا بان المعركة الحقيقية هي مع بينيت، وبالتالي تجدهم يتطرفون أكثر فأكثر في المواقف.
نزعة البناء في المستوطنات التي ألمت ببنيامين نتنياهو هي جزء من حملة الانتخابات ترمي الى وقف التسرب الى بينيت الذي أوقع منذ الان في حضنه نحو ثلاثة حتى أربعة مقاعد من الليكود. وفي الطريق تسحق العلاقات الخارجية لدولة اسرائيل ولكن من يهمه هذا. بينيت نفسه أيضا في نهاية المطاف أسقط نفسه باسم التطرف الى اليمين الذي لا يعرف الشبع.
يعرف بينيت جيدا بان هذا ما يريده جمهوره – فالدعوة الى الرفض تقال علنا في ايام الجمعة في الكنس في المستوطنات منذ فك الارتباط. ولم يعتزم بينيت للحظة السماح لنتنياهو بان يوقف الزخم الايجابي من خلال بهجة البناء في المستوطنات فتوجه الى الناحية الاقصى المتوفرة – الاكثر فايغلينية.
وبصفته أيضا ضابطًا في وحدة «سييرت متكال» الخاصة فان هذه الصفة لا يمكنها أن تخفف من خطورة القول. هذا قول جارف وغير قابل للتفسير معناه واحد: دعوة للرفض، وهي خطيرة بالذات لان بينيت محبوب جدا في أوساط المقترعين الشباب، بعضهم جنود في النظامي او يخدمون في الاحتياط. وأخطر من ذلك هي حقيقة أن بينيت لم يعتذر في أي مرحلة من المراحل عن قوله بل حاول فقط أن يشرح وأن يهاجم نتنياهو كون فهم بانه اذا تراجع فسيلحق بنفسه ضررا انتخابيا قبل شهر من الانتخابات. هو الاخر اسير في ايدي اليمين المتطرف.
وبالنسبة لنتنياهو. أخيرا سقطت في حضنه فرصة لضرب رئيس مكتبه السابق بينيت. فيضعضع ثقته المبالغة فيها بالنفس ويهدده بالجلوس في المعارضة. المقابلات التي منحها لقنوات التلفزيون الثلاثة يوم الجمعة (مع التشديد على أنها قبل دخول السبت) دفعت قفزة الى الامام بالانشغال في هذه القضية. ولم يتبقَ الان غير انتظار الاستطلاعات القريبة كي نعرف كم مقعدا هو ثمن تأييد الرفض، هذا اذا كان له اي ثمن على الاطلاق؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
العالم حولنا يغلي.. واسرائيل مشغولة بالتفاهات
بقلم: جدعون ليفي ،عن هآرتس
إليكم فضيحة: قال نفتالي بينيت انه سيرفض أن يجلي «يهوديا عن بيته». وبوغي يعلون «مزعزع»، وبنيامين نتنياهو يعبس ويقول ان الرافضين للأوامر لن يتولوا أعمالا في حكومته، وتراجع بينيت عن ذلك، وقد وبخه موشيه فايغلين – واحتفلت العناوين الرئيسة في الصحف. لا يخطر ببال أحد ان يجلي ولو يهوديا واحدا، فهم يبنون فقط أكثر فأكثر – لكن تصريحا غير ذي صلة لواحد هو بينيت يثير هنا فضيحة ضخمة.
لأن معركة الانتخابات المتعمقة هذه هي على هذا النحو فهي تتناول الشؤون الأساسية وتثير أفكارا جديدة وتنعش العقائد وتواجه المشكلات الحقيقية. انها لذة. ان رئيس الحكومة بمشورة من مستشار انتخاباته الامريكي، يبني (ويتحدى) على الورق؛ وشيلي يحيموفيتش ترأس حزبا متهالكا من اجل عمال المقاول؛ ويئير لبيد يتجه في يأسه الى سلاح يوم القيامة عند أبيه (كراهية الحريديين)؛ وأقسم عضو كنيست جديد من قبل العمل يمين الولاء لنتنياهو؛ ويرأس مقدم برامج تلفاز روسي يميني «الاسرائيليين»؛ وترقص عضو كنيست من الحزب الحاكم وهي تحمل علما؛ ويرفض ترشح عضو كنيست عربية ممتازة من غير ان يهب أحد للدفاع عنها.
النتائج معروفة سلفا. والامور الوحيدة التي بقيت مفتوحة في معركة الانتخابات هذه هي التالية: هل سينجح كاتي شتريت (المكان 38 في الليكود بيتنا)، ويوسي يونا (المكان 20، العمل)، وشولي معلم (المكان 12، البيت اليهودي)، وأوريت زفارتس (المكان 10، «الحركة»)، وكارين الهرار (المكان 10، يوجد مستقبل)، وعيساوي فريج (المكان 5، ميرتس) ويوحنان بلسنر (المكان 3، كديما)، وباروخ مرزيل (المكان 3، «قوة لاسرائيل»)، أن يتولوا أعمالا في الكنيست. يا له من توتر.
ان مصر وهي الجارة الجاهلة تناضل في شجاعة وتصميم عن صورتها المدنية والديمقراطية. وهناك تخرج الجماهير الى الشوارع بسبب الدستور. وهنا لا يوجد لا دستور ولا جماهير ولا شوارع. بل مهرجون فقط. تخيلوا ان تقترح أحزاب اليمين والاحزاب المتدينة دستورا على حسب الشريعة اليهودية لاسرائيل. وتنشر جمعية حقوق المواطن عريضة مع توقيعات 24 من الفائزين بجوائز اسرائيل؛ وقلة من حملة المشاعل يكون عددهم 24 ايضا، يتظاهرون في حديقة الورود؛ وتنشر صحيفة «هآرتس» مقالة افتتاحية شديدة اللهجة – لا غير. كان دستور الشريعة اليهودية سيسن ولا يصده أحد. وتعرفون أننا الديمقراطية الوحيدة.
اتجهت امريكا الى الانتخاب بين طريقين واضحين وقالت قولها في حزم. وفي اوروبا يختارون بين اليمين واليسار لا «بين بيبي وشيلي». والسؤال الوحيد هنا هو هل سيزداد «بينيت» الذي يعرف قليلون فقط اسم حزبه ومن في المكان الثاني فيه، هل سيزداد نائبين اثنين آخرين أم لا. ولا يستطيع أحد ان يبين ما الذي يفعله فايغلين في الليكود، واليعيزر شتيرن في «الحركة»، ونحمان شاي في العمل، وجودوكا ألموني في «يوجد مستقبل». أيمين ويسار؟ لا يوجد سوى الرمل. وهو الرمل الذي يذر في عيون المصوتين لئلا يخطر ببال أحد ان يواجه الاسئلة الحقيقية، وهي مصيرية جدا.
كذاك هي معركة الانتخابات الأكثر فتورا مما كان هنا قط، وكذاك هي معركة التضليل الكبرى في اسرائيل. وقد انتهت قبل ان تبدأ: فان آخر قضية أثيرت فيها ذوت مع اغلاق القوائم الحزبية. أين هي أيام البندورة العاصفة في حديقة ساكر، ومن كان يصدق ان نشتاق اليها.
لكن ليس الحديث فقط عن ملل معرض للزوال. في اسرائيل جهاز ناجع خطير للتنويم والطمس على الاحساس والكبت والانكار، يولد عدم صلة مطلقا بالواقع الداخلي والدولي. وهو يوجد برعاية الساسة ووسائل الاعلام في جميع أيام السنة، لكن أيام الانتخابات هي أفضل وقت مناسب للتحلل منه لأن الحديث آنذاك عن مرض حقيقي. ان الديمقراطية تتضعضع والاعلام يذوي والاقتصاد يعوج ومعاملة المهاجرين تزداد قسوة وحل الدولتين يلفظ أنفاسه، والسلطة الفلسطينية تنهار، وايران تحصل على القدرة الذرية، والعالم العربي يغلي، وبدأ الغرب يستيقظ في نهاية الامر لمواجهة الاحتلال – وينشغلون هنا بسؤال هل سيجلي بينيت يهوديا عن بيته أم لا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>
اسرائيل والزعزعات الاقليمية
سيصعب على اسرائيل ان تمنع تدهور علاقاتها مع المجتمع الدولي الا اذا حدث اختراق حقيقي في المسيرة السياسية
بقلم: شلومو بروم وعنات كورتس،عن معهد بحوث الامن القومي ـ جامعة تل ابيب
في السنين القريبة حينما ستجابه اسرائيل الحاجة الى اتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية في الموضوعات المركزية للامن القومي، ستفعل ذلك في واقع يزيد تعقيده على ما اعتادته في العقود الاخيرة، كثيرا. وهذا التعقيد هو نتاج الزعزعات الحادة في الشرق الاوسط التي حظيت بعنوان 'الربيع العربي'، والتي حدثت وبين يديها مساران ميزا العقد الاخير وهما انهيار مسيرة السلام الاسرائيلية العربية وضعف القوة الامريكية العظمى. وهذه التطورات الثلاثة معا وكل واحد على حدة تهدد باحداث ازمات جديدة وجعل حلها صعبا أو الاثقال على ادارة ازمات معروفة ومستمرة.
ان الانتفاضات الشعبية على النظم الاستبدادية في العالم العربي، التي أغرقت الشرق الاوسط منذ مطلع 2011 لم تفتر بعد وما تزال تؤثر في جميع دول المنطقة بقدر كبير أو بقدر محدود، وقد سقطت نظم ثلاثة في تونس ومصر وليبيا. وفي دول اخرى كاليمن وسوريا يهدد الصراع العنيف بين المنتفضين ونظام الحكم بأن يتحول الى حرب أهلية طويلة. وقُمع في البحرين الاحتجاج بقوة الذراع وبمساعدة دول الخليج الجارة. وفي الدول الاخرى ما يزال الضغط على نظم الحكم لتبني اصلاحات لطريقة الحكم. وفي دولة واحدة هي المغرب تتوقع تغييرات شاملة تمنح طريقة النظام خصائص ملكية دستورية. ربما كان لهذه الأحداث تأثير حتى في الجمهور الاسرائيلي وأنها أُضيفت الى سائر العوامل التي استحثت 'احتجاج الخيام' الذي نشأ في تموز 2011 لمجابهة النظام الاجتماعي الاقتصادي في اسرائيل.
برنامج اسلامي
وفي تلك الاماكن التي نجحت فيها 'الثورة' في ظاهر الامر ليس واضحا الى الآن أي سلطة وأي طريقة ستحلان محل النظام القديم: الديمقراطية الليبرالية بالاسلوب الغربي على حسب الطراز الذي يطلبه المتظاهرون الذين أحدثوا الأحداث الثورية أم ينشأ 'زعماء أقوياء' جدد يؤيدهم الجيش؟ وقد يحدث ايضا ما حدث في ثورات سابقة كثيرة وان يفتح ضعف النظام بازاء الهبة الشعبية الباب لتولي قوى لم تبادر الى الأحداث لكنها رأتها فرصة للدفع قُدما ببرنامج عملها، لزمام السلطة. سيكون هذا البرنامج اسلاميا كما يبدو في العالم العربي، وقد تكون نتيجة عدم الاستقرار في دول مختلفة تولي نظام يكون خليطا بين امكانات من النوع الذي ذكرناه. وعلى كل حال فان الشرق الاوسط تنتظره فترة عدم استقرار طويلة. وفي الاماكن التي حُسم فيها الامر ايضا مصر وتونس لن يكون الانتقال من نظام استبداد الى ديمقراطية سهلا ومباشرا. تتحول المجتمعات التي حدثت فيها زعزعات من وضع عدم وجود حركات سياسية واحزاب مبلورة سوى الجهات الاسلامية الى وضع تعدد احزاب وحركات. ويزداد في هذه الظروف احتمال ألا تحسم انتخابات حرة اذا أُجريت الامر بين احزاب كبيرة وان تؤلف مجالس الشعب التي تنشأ على نتائجها من شظايا احزاب. ويميز حكومات الائتلاف هذه عدم استقرار.
ان القاسم المشترك بين النظم الجديدة والقديمة التي ستنجح في الحفاظ على زمام السلطة هو الاعتراف بالحاجة الى الاصغاء الى صوت الشعب باعتباره شرطا للبقاء. ويمكن ان نرى بهذا العامل من عوامل موجة الهبات الشعبية وجها ايجابيا هو زيادة الوعي لأحد العناصر الأساسية للسلطة الديمقراطية. وفي الوقت نفسه، وفي الواقع الاجتماعي الاقتصادي الذي يغلب على الدول العربية، يكمن ايضا خطر الانجرار الى سياسة غوغائية تعبر عن طموح الى إرضاء الجمهور بتلبية رغباته المباشرة. ويتوقع ان يجعل السير في هذا الطريق مواجهة المشكلات الراهنة صعبة وهي المشكلات التي حثت الاحتجاج الجماعي والتي تقتضي احيانا خطوات ضبط شديدة وتقشفا. وفشل مجابهة هذه المشكلات قد يزيد دافع الحكومات الى صرف انتباه الجمهور الى 'أعداء' من الخارج.
تلوح تطورات في هذا الاتجاه في واقع ضعفت فيه الولايات المتحدة، وهي القوة العظمى الرئيسة، وتُظهر صعوبة تزداد في مواجهة مشكلاتها الداخلية وكذلك ايضا أكثر حليفاتها الغربيات. والمرشحات الاخرى لدور القوى العظمى، كالصين مثلا، توجهها رؤية عامة أنانية ولهذا فانها غير مستعدة لتتحمل مسؤولية ان تكون 'الشرطي العالمي' أو 'المرمم العالمي'. والمعنى المشتق من هذا الحراك العالمي هو أنه لا يوجد اليوم جهة خارجية تستطيع جعل الوضع في الشرق الاوسط مستقرا وان تساعد دول المنطقة على التغلب على الازمة الاجتماعية الاقتصادية الشديدة التي هي في أساس 'الربيع العربي' سواء باستعمال العصا العسكرية أو الجزرة الاقتصادية. وعلى ذلك ستضطر الدول العربية الى ان تجابه بقواها الذاتية مسار الانتقال الذي يصعب التنبؤ بمدته واتجاهات تطوره. وقد يستطيع العالم الغربي ان يساعد بتصريحات دعم، لكن سيصعب عليه ان يعززها بمساعدة حقيقية. وتستطيع تعبيرات الدعم المعلنة ان تساعد على إقرار السلطة في تونس التي تعتبر حالة يسهل نسبيا احتواؤها لأن عدد سكانها قليل ولأنها مثقفة نسبيا ولأن وضعها الاقتصادي ليس سيئا. لكن يُشك في ان يستطيع تشجيع لا تصاحبه مساعدة حقيقية إقرار السلطة والوضع الداخلي في مصر التي مشكلاتها الاجتماعية الاقتصادية متفاقمة. وقدرة التدخل العسكري الخارجي على حسم مصير السلطة محدودة ايضا. لقد سقط نظام القذافي حقا في آخر طريق عذاب طويل كثير المصابين، لكن ليبيا ما تزال بعيدة عن الاستقرار. وافتراض ان التدخل العسكري في سوريا قد يُجدي لاحتواء الوضع فيها لا يُمتحن امتحانا عمليا بسبب عدم القدرة على تجنيد حلف دولي من اجل عملية عسكرية لاسقاط سلطة بشار الاسد.
انهيار عملية السلام
يبدو هذا الوضع المعقد في الوقت الذي بلغت فيه العلاقات بين اسرائيل ومحيطها العربي أسفل أسفلين ولا سيما في أعقاب ما يبدو انه انهيار لمسيرة السلام، وفي الوقت الذي أصبح فيه التصور الغالب في العالم العربي وفي الساحة الدولية ايضا هو ان سياسة اسرائيل 'الرافضة' مسؤولة بقدر حاسم عن الطريق المسدود.
سُجل في السنتين الاخيرتين في العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين تدهور جوهري قياسا باختراق الطريق في مطلع التسعينيات حينما بدأ حوار مباشر بين الطرفين وتم التوقيع على اتفاقات بينهما، وكان يبدو ان الطرفين يتحرران من تصور الحراك بينهما على أنه 'لعبة حاصلها صفر'. لا تستطيع اسرائيل والفلسطينيون اليوم اجراء حوار مباشر بينهما بسبب عدم الثقة المتبادل العميق بينهما. وعاد تصور العلاقات بينهما على أنه 'لعبة حاصلها صفر' ليكون هو السائد. واسرائيل والفلسطينيون يشاركون في لعبة منافسة في حين توجه سياستهما نية منع الطرف الثاني مكاسب حتى لو أفضى ذلك في نهاية الامر الى إضرار كبير بالذات. ولا يُظهر أي واحد من الطرفين استعدادا أو قدرة على مساعدة الطرف الثاني على الرجوع عن مواقف متشددة لا تُمكّن من تجديد الحوار، على أساس تقدير ان انجازا محتملا للطرف الثاني يعني خسارته. وهكذا لا تستطيع اسرائيل ان تعرض على السلطة الفلسطينية أدنى حد تحتاجه لمساعدتها على الرجوع عن المطالب التي اشترطتها لتجديد التفاوض، أي الاستعداد الاسرائيلي المبدئي لتسوية مناطقية على أساس خطوط 1967 مع تبادل اراض. ولا تستطيع السلطة الفلسطينية من جهتها ان تستجيب لمطلب حكومة اسرائيل ان تعترف باسرائيل على أنها دولة الشعب اليهودي ـ وهي خطوة ستساعدها على مباشرة التفاوض على أساس خطوط 1967. ولهذا نشأ طريق مسدود لا يُجدي على الطرفين. فالسلطة لا تستطيع التقدم نحو انشاء دولة فلسطينية، واسرائيل نفسها تتقدم نحو وضع سيصعب فيه عليها أكثر فأكثر ان تحقق حلم الدولة اليهودية الديمقراطية، وفي ظروف عدم الثقة هذه وقبل ان يغير الطرفان توجههما نحو برنامج العمل وهدف التحادث بينهما يُشك كثيرا في ان يفضي تجديد التفاوض بسبب ضغط دولي ثقيل يُستعمل عليهما، الى صياغة تفاهمات والى التوقيع على اتفاقات قابلة للتحقيق.
بازاء عدم قدرة مسار التفاوض على البقاء تبنى الفلسطينيون استراتيجية توجه الى المجتمع الدولي بطلب الاعتراف باستقلالهم السياسي. الجمعية العامة للامم المتحدة اقرت الطلب الفلسطيني الاعتراف بدولة فلسطين وهذا الموعد علامة على الازمة التالية بين الطرفين في حين ان السبل التي يريد الطرفان مواجهة هذه الازمة بها قد تزيد نتائجها وآثارها شدة في الأمد البعيد.
من الممكن جدا ان تُثبت الازمة التي قد تحدث بسبب الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية التشابك بين مسارات الازمة الثلاثة في محيط اسرائيل الاستراتيجي وهي: انهيار مسيرة السلام وضعف الولايات المتحدة و'الربيع العربي'. ان تدويل القضية الفلسطينية في حد ذاته هو نتيجة مباشرة لعدم القدرة على تجديد الحوار الاسرائيلي الفلسطيني وعدم قدرة الولايات المتحدة على فرض ارادتها واعادة الطرفين الى طاولة التفاوض. ان الخطاب السياسي العام في اسرائيل المتعلق باعتراف الجمعية العامة بدولة فلسطينية محصور في المعاني القانونية المحتملة لهذا التطور. فالذين يخافون من امكانية ان يمنح الاعتراف بدولة فلسطين الفلسطينيين حقا في اثارة دعاوى قضائية على اسرائيل وعلى مواطنين اسرائيليين في المحكمة الدولية في لاهاي، يُعزون أنفسهم بأن اعتراف مجلس الامن وحده سيجعل هذا ممكنا وبأن الولايات المتحدة تنوي نقض هذا القرار. لكن اعترافا بدولة فلسطينية في الجمعية العامة حتى لو تلخص معناه رسميا بتطوير مكانة الممثلية الفلسطينية في الامم المتحدة، سيؤكد المسار الذي تُحشر فيه اسرائيل في زاوية سياسية دبلوماسية.
عزل اسرائيل
ان تأثيرات الربيع العربي في سياسة الدول العربية الاقليمية حينما تضاف الى مسار عزل اسرائيل المعجل في الساحة الدولية والى عدم قدرة الولايات المتحدة المبرهن عليه على إحياء الحوار الاسرائيلي الفلسطيني بسبب عدم قدرتها على تغيير توجه حكومة اسرائيل من شروط التفاوض القصوى، سيُعرض اسرائيل لتحديات أشد من تلك التي جابهتها في السنين الاخيرة.
أصاب تأثير الربيع العربي المجتمع الفلسطيني ايضا. ان نسبة الشباب في المجتمع الفلسطيني أكبر كثيرا من نسبتهم في مجتمعات غربية. وقد زادت التقلبات ونتائجها لدى الشباب الفلسطينيين الايمان بأنهم يستطيعون بنفس الوسائل التي استعملها شباب في دول جارة ولا سيما المظاهرات غير العنيفة، تحقيق الأهداف السياسية التي توجههم. وشعور القوة هذا مع خيبة الأمل التي ستنشأ بعد التصويت في الامم المتحدة حينما يتبين ان الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية ايضا لن يكون كافيا لتحقيق حلم السيادة، قد يتم التعبير عنه بمظاهرات جماعية في الشارع الفلسطيني واحتكاك يزداد مع اسرائيل بصورة لا يمكن منعها. ان تجربة الماضي الاسرائيلية الفلسطينية ودروس الهبة الشعبية في العالم العربي ايضا تدل على ان طريق التصادم بين اسرائيل والمتظاهرين الفلسطينيين سيكون قصيرا. والقطيعة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وتأثير الولايات المتحدة المحدود في الطرفين سيجعلان من الصعب احتواء ازمات تنشأ لهذا السبب وتفتيرها.
ان أنصار السياسة الأحادية في اسرائيل قد يرون انهيار المسيرة السياسية فرصة لتحقيق خيارات من طرف واحد وفي مقدمتها رسم حدود اسرائيل مع الدولة الفلسطينية من غير مفاوضة طرف فلسطيني. وقد يكون الاقتراح الذي أثاره في اسرائيل جهات يمينية وهو الرد على التوجه الفلسطيني الى الاعتراف من قبل الجمعية العامة بضم اراض، قد يكون صدى لهذا التصور. بيد أنه يُشك كثيرا في ان تستطيع اسرائيل تحقيق هذا العزم بازاء معارضة وانتقاد يتوقع ان تثيرهما في الساحة الدولية.
ان ضعف تأثير الولايات المتحدة في الشرق الاوسط وتأثيرها المحدود في اسرائيل ايضا، كما يعبر عنه عدم قدرة الادارة على حث حكومة اسرائيل على تغيير سياستها من قضية تجديد الحوار مع السلطة الفلسطينية، لا يتيحان فرصا لاسرائيل بل بالعكس. فتحسن علاقات اسرائيل بروسيا وبدول امريكا اللاتينية أو بالصين لن يعوض اسرائيل مما ستفقده اذا ساءت علاقاتها مع الولايات المتحدة. وحتى لو كان صعود هذه القوى مهما لاسرائيل في الأمد البعيد فلن تستطيع أي واحدة منها في الأمدين القصير والمتوسط ان تمنحها التأييد الاستراتيجي الذي تمنحها الولايات المتحدة إياه في جميع المجالات. هذا الى كون الكلام في نية اسرائيل ان تفحص عن حليفات بديلات لا يسهم سوى في اساءة ازمة العلاقات بين حكومة اسرائيل وادارة الرئيس اوباما وهي ازمة قد تفضي الى إضرار بمصالح مركزية لاسرائيل اذا استمرت وخصوصا اذا انتخب اوباما لولاية ثانية.
واقع عربي جديد
ومع ذلك، وفي مقابل الطريق السياسي المسدود في الحوار الاسرائيلي الفلسطيني والصعوبات التي ثارت في العلاقات بين حكومة اسرائيل وادارة اوباما التي هي مشحونة بالأخطار والأخطار فقط، فان الربيع العربي تكمن فيه تغييرات ايضا تُضاف على الأخطار تستطيع اسرائيل ان تحولها الى فرص لها. ان الأحداث الداخلية في الدول العربية وتغيير نظم الحكم قد يؤثران في السياسة الداخلية في الدول العربية ويحثان على تغييرات في سياستها الخارجية وعلى إحداث تغييرات في العلاقات بينها، فاذا سقط نظام الاسد مثلا في سوريا واستُبدل به نظام ترأسه الأكثرية السنية التي تحقد على ايران وحزب الله لتأييدهما نظام الاسد، فقد يتغير توجه سوريا السياسي وقد ينتقض بقدر كبير المحور الذي تقوده ايران. وكذلك تهييء التقلبات لتركيا فرصة ان تدفع الى الأمام بمكانتها الاقليمية وبطريقة نظام الحكم فيها باعتبارها نموذجا يحتذى لأن النموذج التركي للتغيير الديمقراطي والعكوف على الحاجات الاجتماعية الاقتصادية للجمهور تلائم التصور العام لمُحدثي الهبات الشعبية في العالم العربي أكثر من طريق المقاومة والممانعة الذي تمثله ايران. واسرائيل برغم المحاكة بينها وبين حكومة تركيا الحالية قد تستخلص في الأساس مزايا من تبني العالم العربي للنموذج التركي.
ان خروج الدول العربية ايضا من الجمود والفساد اللذين ميزاها في العقود الاخيرة قد يسهم في انشاء شرق اوسط يتميز بالتوازن بين قوى سياسية مختلفة وتلبية للاحتياجات العامة مع مضاءلة الفراغ بين النظام والجمهور الذي تطمح عناصر متطرفة الى استغلاله. وان الازدياد الملحوظ السريع لتأثير ايران الاقليمي في تلك العقود قد كان نتيجة ذلك الفراغ الذي أحدثه العجز وتهاوي نظم الحكم العربية لا قوة ايران، فهذه الدولة لا تعوزها نقاط الضعف الواضحة. وينبغي ان نفترض ان الشرق الاوسط الذي سيمتاز بقيادة مصر النشيطة سيكون عاملا يوازن ايران وتركيا ويكون مريحا لاسرائيل أكثر من شرق اوسط تكون فيه ايران هي القوة المهيمنة. وهناك تغيير آخر ينشأ أمام أعيننا على أثر العاصفة في العالم العربي هو استيقاظ العربية السعودية. فبعد ان أثبت العصيان في البحرين اقتراب الخطر من العربية السعودية أظهرت تصميما على استعمال سياسة فعالة في مواجهة الجهات التي تهدد مصالحها وعلى رأسها ايران.
تتعلق قدرة اسرائيل على المداورة داخل الشرق الاوسط المتغير سريعا وعلى مجابهة الازمات المتوقعة لها، تعلقا حاسما بقدرتها على ان تغير بصورة جوهرية خطوطا أساسية في سياستها في عدد من الموضوعات المركزية وعلى رأسها التحدي الايراني والتحدي الفلسطيني.
قدرات ايران محدودة
برهنت أحداث الربيع العربي على أنه بخلاف الميل الذي ساد الجهاز السياسي في اسرائيل الى ان ينسب الى ايران مسؤولية عن جزء كبير من التطورات في الشرق الاوسط التي تؤثر في اسرائيل ـ وهو التأثير الذي سيزداد حينما تحرز ايران قدرة ذرية عسكرية ـ فان قدرة ايران على توجيه الأحداث في الشرق الاوسط العربي محدودة جدا.
وستضطر ايران ايضا الى مواجهة الزعزعات التي حدثت في المنطقة والى ان تعمل على تقليل الأخطار التي تصاحب ذلك على مصالحها، هذا الى كون ايران لاعبة واحدة من كثيرات في المنطقة.
ولهذا هناك مكان للتساؤل هل سيكون لحصولها على القدرة الذرية اذا استكمل البرنامج الذري الذي تدفع به الى الأمام في تصميم، تأثير حاسم في الواقع الاستراتيجي في الشرق الاوسط. ويضاف الى هذا ان من المحتمل ان تظل قدرة اسرائيل الذرية وطموح الدول العربية وعلى رأسها مصر الى إبطالها بالتقدم في تحقيق حلم الشرق الاوسط الخالي من سلاح الابادة الجماعية، ذات دور مهم في سياسة دول كمصر نحو اسرائيل.
وسيكون التعبير الرئيس عن ذلك استمرار الجهود لعقد المؤتمر الذي يتناول انشاء منطقة حرة من سلاح الابادة الجماعية في الشرق الاوسط والذي يفترض ان يعقد في 2012 بحسب ما اتفق عليه مؤتمر استطلاع منع نشر السلاح الذري.
وفي مقابل هذا اذا استطاعت اسرائيل ان تعترف بالتغييرات التي حدثت في الشرق الاوسط وأن تأخذها في حسابها في اطار تفكير من جديد في سياستها نحو محيطها المباشر ومحيط أبعد في المنطقة، فربما تستطيع ان تُبطل قدرا لا يستهان به من التهديد الايراني الذي تتعرض له، ويشمل هذا عملا نشيطا من اسرائيل على إحياء مسيرة السلام الاقليمية يساعد الحكام العرب على ان يزيلوا عن برنامج العمل العام في دولهم القضية الاسرائيلية الفلسطينية، وتحسين العلاقات مع اسرائيل.
ينبع التحدي الفلسطيني من جملة ما ينبع منه، من السعي الاسرائيلي الى توسيع حدود اسرائيل السياسية على أساس فكرة ان هذا سيوجد تلبية لمصلحة استراتيجية جوهرية.
وحتى لو كانت توجد قيمة عسكرية للاراضي وللعمق الاستراتيجي فان عنصر العمق الاستراتيجي في واقع اسرائيل الجغرافي محدود على كل حال ـ فالصواريخ التي يطلقها حزب الله وحماس على داخل اسرائيل تشهد بأنها برغم مداها القصير تكاد تبلغ كل هدف في اسرائيل. وفي مقابل هذا فان التحدي المركزي الذي تتعرض له اسرائيل هو تثبيت مكانتها في المنطقة التي هي في أساسها عربية ومسلمة مع الحفاظ على تأييد المجتمع الدولي لها. وهذا التأييد ضمان حيوي لوجود اسرائيل ونمائها.
لكن ما بقي الصراع مع الفلسطينيين فوارا يهدد بالتصعيد على أثر النقاش في الجمعية العامة للامم المتحدة في شأن الاعتراف بدولة فلسطينية، فلن تستطيع اسرائيل ان تدفع الى الأمام بعلاقات صادقة مستقرة مع الدول العربية. وفي الجو الحالي لا تستطيع حتى الدول العربية الراغبة في تعاون استراتيجي سياسي وعسكري واقتصادي مع اسرائيل ان تحقق نواياها.
غضب عربي
كان أحد اتجاهات التفكير التي نشأت في اسرائيل في أعقاب التطورات الحادة في العالم العربي هو التصور الذي يقول ان دول العالم العربي ستكون في السنين القريبة مشغولة بشؤونها الداخلية، ولهذا لن تفرغ لاشتغالها بعلاقة العالم العربي مع اسرائيل. لكن نشك في ان يكون لهذا التقدير أساس صلب. ان التمرد في العالم العربي قد نبع من جملة اسباب منها شعور الجماهير العربية بالمذلة العميقة. وقد كان هذا الشعور في الحقيقة بقدر كبير نتاج شكل نظم الحكم العربية والوضع الاجتماعي الاقتصادي في المنطقة العربية، لكن علاقات العالم العربي بالعالم الخارجي كان لها دور مهم في تأجيج الاحتجاج.
وان علاقة الغرب بالعالم العربي طوال سنين قد غذت الشعور بالظلم وفي هذا السياق كان للتقارب بين اسرائيل والعالم الغربي دور مركزي. ان ضرورة الحكومات العربية التي أخذت تزداد الى ان تصغي الى صوت الشعب ستقوي فيها الباعث على الاشتغال بشؤون اسرائيل مع العرب مع تأكيد القضية الاسرائيلية الفلسطينية. فلا عجب اذا من ان أحد الاجراءات الاولى التي أخذت بها الحكومة المصرية الجديدة كان جهدا مركزا لصوغ اتفاق مصالحة بين فتح وحماس، ولم يكن صدفة ان اصطبغت أحداث النكبة في 2011 خصوصا والنكسة في العالم العربي بصبغة أقوى مما كانت في الماضي واشتملت على محاولات متظاهرين اجتياز حدود اسرائيل.
قد تصبح اسرائيل مركزا لغضب الجموع في الشارع العربي على أثر أحداث وتصعيد العنف الاسرائيلي الفلسطيني في ساحة غزة، وقد تترجم التطورات في هذا الاتجاه ايضا الى تضاعف الأخطار الامنية على حدود اسرائيل الاخرى، وكل ذلك بسبب تنكر دولي أخذ يزداد لسياسة اسرائيل.
وسيصعب على اسرائيل ان تصد اتجاه تدهور علاقاتها مع الفلسطينيين ومكانتها في المجتمع الدولي إلا اذا استعملت مبادرة لاحداث اختراق طريق حقيقي في المسيرة السياسية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الدين والمجتمع في المغرب المعاصر
تتبلور في المغرب مواقف تتعلق في الدين ترى الاسلام عاملا عقائديا واساسيا لانشاء بنية اجتماعية وسياسية مختلفة
بقلم: دانيال زيسنوين ،عن مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الاوسط وافريقيا
ان المغرب هو ميدان بحث سهل من جهة منهجية للفحص عن اسئلة في شأن مكانة الدين في المجتمع في الدول العربية. والمغرب بخلاف دول عربية اخرى في الشرق الاوسط لا يحتاج الى مواجهة وجود أقليات عرقية ودينية داخله لأن كل سكانه تقريبا مسلمون سنيون. وهو يتمتع ايضا باتصال سياسي ذي عمر طويل لأن المغرب لم يكن جزءا من الدولة العثمانية والسلالة الحاكمة فيه تولت السلطة منذ أواخر القرن السابع عشر. والمغرب مثل سائر دول المغرب، مقطوع عن الصراع الاسرائيلي العربي، ويسهم هذا الابتعاد ايضا في كونه جذابا باعتباره موضوع بحث. وينبغي ان نضيف الى ذلك حقيقة ان المجتمع المغربي حافظ ويحافظ على صلة قوية بالتراث الديني. فالاسلام أساس مركزي في تعريف الهوية المغربية، ولهذا فان الفحص عن اسئلة تتعلق بمكانة الدين في المجتمع آسر بصورة مميزة.
والمغرب فوق ذلك ايضا وربما أكثر من دول عربية ومسلمة اخرى، يواجه التحديات التي تجابهه بها الحضارة الغربية القريبة منه جدا، ويُمكّن هذا الباحثين من تفحص مجتمع عربي 'خالص' يتخبط في مشكلات هوية وبحث عن الذات في عالم القرن الواحد والعشرين المتغير. والمغرب أقرب من ناحية جغرافية الى اوروبا من المراكز الاسلامية التاريخية في شبه الجزيرة العربية. وكثير من سكان المغرب يمكثون في الدول الغربية فترات طويلة. وهم ايضا يشاهدون بلدهم في قنوات تلفزيونية غربية ويستعملون وسائل اتصال اخرى للغرب. وهذا الانكشاف يجعل علاقتهم بالدين والحضارة الاسلامية مركبة جدا. وقياسا بدول عربية اخرى يعتبر المجتمع المغربي منفتحا جدا، ويجري فيه نقاش يقظ جدي في قضايا مكانة الدين في المجتمع وعلاقة الفرد بالاسلام كما يُعبر عن ذلك في الحياة اليومية، ويتم هذا النقاش علنا ويُمكّن هذا الباحثين من متابعته.
من اجل جميع هذه المزايا البحثية يستطيع المغرب ان يقترح وجهات نظر تغنينا بادراكات يصعب التوصل اليها في البحث في دول اخرى. وهذه المزايا معروفة لجميع باحثي المغرب، لكنني أستصوب الاشارة اليها قبل ان أفحص فحصا عميقا عن قضية الدين والمجتمع في المغرب اليوم. ان قضية مكانة الدين وأهميته في المجتمع المغربي في ظاهر الامر ليست معقدة بصورة خاصة. فالاسلام ركن أساسي في تعريف الهوية المغربية. وتتحدد مكانة الملك في المغرب بجملة عوامل منها كونه زعيما دينيا 'أمير المؤمنين'، وأنه من سلالة النبي ويتمتع بالبركة. وقد جعلت القومية المغربية في القرن العشرين الدين مبدأ مركزيا موحِّدا. ولم تثبت عقيدة القومية العربية العلمانية (اذا أمكن ان نسميها كذلك) ثباتا قويا في المغرب، ولم تُتبنَ فيه ايضا افكار اصلاحية كأفكار الحبيب بورقيبة في تونس. ولم تكن الحركة القومية في المغرب التي ناضلت ضد السلطة الاستعمارية الاجنبية، لم تكن حركة اجتماعية جذرية طمحت الى التأليف بين افكار ثورية والنضال من اجل الاستقلال كما كانت حركة الـ اف.إل.ان في الجزائر. فكانت في أساسها حركة محافظة أرادت ان تنهي الحكم الاجنبي للمغرب وان تعيد المجد كما كان. ولهذا لم تنشأ في المغرب قوى اجتماعية ضعضعت مكانة الدين في الحياة العامة، وأصبح واضحا في الفترة التي تلت نيل الاستقلال ان الاسلام سيظل عنصرا مركزيا في حياة المجتمع والدولة في المغرب بل سيقوى. وتجلت هذه المكانة بصورة رسمية في نظام الاحكام الشخصية الذي أُقر في المغرب في 1959 وهو طائفة من القوانين قامت على المذهب المالكي. وبصورة أقل رسمية تم التعبير عن مكانة الدين في الجهود التي بذلها في حينه الملك الحسن لتثبيت شرعيته الدينية حينما ترأس 'المحاضرات الحَسَنية' وهي دروس دينية على الملأ في شهر رمضان تمت بمشاركة فقهاء كبار وبُثت بثا مباشرا في قنوات الاذاعة.
خوف من التغيير
وفي الصعيد العام حافظ المجتمع المغربي في حياته اليومية على صورة حياة دينية من غير جعل الدين فأسا يحفر بها. وأصبح الاسلام جزءا طبيعيا يكاد يكون مفهوما من ذاته بالنسبة لأكثر الجمهور المغربي. وتمت اقامة أركان الاسلام الصلاة والصوم وغيرهما كاملة. ولم يفحص الجمهور عن سلوكه الديني ولم ينسبه الى ايديولوجية ما. وحتى لو وجدت عناصر دينية في حياة الدولة أثارت عدم رضى أو وجه انتقاد اليها (مثل قانون الحالة الشخصية الذي اشتمل على مواد ميزت النساء أو فرضت عليهن قيودا شديدة)، فقد فضل أكثر الجمهور إبقاء الوضع على حاله وخشي زعزعة الوضع الراهن. وتم التعبير عن المعارضة اذا وجدت من قبل مجموعات متمغربة كان يُنظر اليها على أنها مقطوعة عن أكثر المجتمع. وبرغم ان هذه المجموعات نجحت في نهاية الامر في التأثير في برنامج العمل العام الذي أُثيرت فيه الحاجة الى اصلاح قوانين الاحوال الشخصية، لم تنجح في ان تستوطن القلوب.
في منتصف سبعينيات القرن الماضي وخلال الثمانينيات حدث تغيير لمكانة الدين في المجتمع المغربي. وتجلى التغيير بقدر أقل في الحياة العملية الدينية اقامة الفرائض ومركزية الاسلام في المجتمع، فكان التغيير في المعنى الذي منحته مجموعات مختلفة في المغرب لاقامة الفرائض. والقصد الى ظهور جماعات دينية لاسلام سياسي أو اسلام متطرف دفعت الى الأمام بالدين على أنه ايديولوجية سياسية وحضارية وبهذا منحت اقامة الفرائض وتعزيز مركزية الدين في المجتمع معنى جديدا. تغير النشاط الديني الذي كان طبيعيا عند المغاربة دونما حاجة الى تفسيره تقريبا، غير صورته. فأعطت الايديولوجية الاسلامية المتطرفة اقامة الفروض الدينية معنى مختلفا هو الاحتجاج السياسي والاجتماعي والتأليب على 'أعداء الاسلام'. وهذا المعنى زعزع مكانة الاسلام في المجتمع وأصبح الركن الأساسي للهوية المغربية سلاح معارضة موجها على النظام الاجتماعي والسياسي الموجود.
لا تتناول هذه المقالة قضية ظهور هذه المجموعات في المغرب. وسأذكر فقط مجموعتين مركزيتين، أقدمهما هي حركة العدل والاحسان بزعامة الشيخ عبد السلام ياسين. وتحدت هذه الحركة النظام السياسي في المغرب وهاجمت 'النخب المتمغربة'، وكفرت في الأساس بالشرعية الدينية للملكية وهو كفر جعل الملك يعمل على مناهضة الحركة ويعتقل زعيمها. ويصعب ان نقف على مبلغ التأييد الذي تحظى به حركة العدل والاحسان اليوم. والحركة ترفض المشاركة في الجهاز السياسي لكنها تبرز في الساحة العامة بنشاطها في مجالي التربية والرفاه.
لا يوجد تطرف ديني
وعلى مر السنين ضعف شيئا ما وخز معارضة الحركة وأفرج الملك محمد السادس عن زعيمها، لكن لا شك في أنها تحظى بتأييد الجمهور. ويوجد تقدير يقول ان الحركة لو شاركت في الانتخابات لفازت بما يقرب من ثلث الاصوات. وللحركة دور مهم في صوغ الرأي العام في المغرب، فقد نجحت على مر السنين في التأثير في المزاج العام للجمهور في مسائل تتعلق بهوية المغرب الثقافية والدينية. وقادت الحركة معارضة التغييرات في قانون الاحوال الشخصية (الذي عُدل آخر الامر في 2003) وجعلت في رأس برنامج عملها الحفاظ على قيم الاسلام في الدولة. ومن جملة ما اعتاد عليه نشطاؤها ان يتجولوا في شواطيء البحر في اشهر الصيف فيحتجوا على اللباس غير المحتشم للمستحمين.
وهناك حركة مركزية اخرى هي حزب العدل والتطوير. ولهذا الحزب توجه ديني وهو نشيط في الجهاز السياسي وفي مجلس الشعب. ويحاول الحزب ان يوحي بالاعتدال والانفتاح وان يجد مكانه في الحياة العامة. وفي الجانب الأقصى من القوس جماعات تُنسب الى ما يمكن ان يسمى 'الجهاد العالمي' أو تشعر بصلة به، ويتأثر نشطاء هذه الجماعات بالأمزجة والافكار الدينية التي تأتي من خارج المغرب، ولهذا فانها ليست من مجال بحثنا.
وعلى كل حال فان ظهور هذه المجموعات في الساحة العامة في المغرب أثر في الأساس في العلاقة بالنظام الملكي الذي اتهمه منتقدوه الدينيون ولا سيما ناس ياسين بالكفر وتم الادعاء أنه ليست له شرعية دينية. وكان تأثير هذه المجموعات في الحياة اليومية ضئيلا جدا، فلم يجر على المغرب تطرف ديني واسع النطاق ولم يوجد فيه موجة توبة بين الشباب كما حدث في دول اخرى لأنه في الأساس وقبل كل شيء لم يكن فيه تصور عام علماني، فقد ظل أكثر الجمهور يُبدي ولاءا مطلقا للاسلام. ولم يكن السؤال المركزي كما قلنا آنفا عن مجرد اقامة الفروض أو مكانة الدين في المجتمع بل عن معنى اقامة الفروض.
تشهد هذه التطورات بأن مسألة مكان الدين ومكانته في المغرب أصبح أكثر تعقيدا مما كان في العقود الاولى بعد الاستقلال، وكان ذلك مما أثار أسى النظام. وبسبب التغييرات التي طرأت على العلاقة بالدين أصبحت للجمهور في المغرب اليوم صلات أكثر تعقيدا بالاسلام مما كانت في الماضي. ففي الجمهور المغربي فروق في السلوك الديني. وتعبر عن هذه الفروق المواقف والتوجهات المتعلقة بالمسائل المطروحة في برنامج العمل العام. وقد أراد استطلاع للرأي أُجري في المغرب في 2007 ان يفحص عن مواقف الجمهور من تلك المسائل. وقام بالبحث ثلاثة باحثين باحثان في علم السياسة ومختص بعلم الانسان مختصون ببحث المجتمع المغربي المعاصر. وقد فحص الثلاثة عن سؤال: 'أي مسلمين نحن؟'. وكان عدد العينة 1156 من المستطلعة آراؤهم. وقد سُئل هؤلاء عن اعتقاداتهم الدينية وعن سلوكهم الديني في الحياة اليومية. وتصور نتائج الاستطلاع التي نشرت في كتاب عنوانه 'الاسلام اليومي' صورة وضع حديثة جدا للجمهور في المغرب فيما يتعلق بهذه القضايا. وتدل النتائج على اتجاه الى التطرف الديني لقضايا تتعلق بالفضاء العام في المغرب. وفي رأيي ان هذا التوجه متأثر بموجة التطرف الديني التي تصاحب صعود جماعات اسلامية متطرفة. وهذا التطرف يُنحي الاسلام الموروث، 'الطبيعي'، 'المفهوم من تلقاء نفسه' ويدفع الى الأمام بدين أكثر فاعلية له وجه عقائدي أكثر مما كان في الماضي. وينبغي ان نؤكد مع ذلك ان هذا التطرف أشد بروزا في مستوى الفرد ولا يترجم الى رغبة حقيقية في اوساط واسعة من الجمهور لجعل الدين أداة ضغط سياسية ولتعزيز مكانة منظمات واحزاب دينية.
ما يزال الاسلام بوجه عام موضوعا للمشايعة المؤكزية عند الجمهور المغربي. فقد بين استطلاع الرأي ان الهوية المسلمة هي المهيمنة على المغاربة وتسبق كل تعريف آخر لهويتهم وهم يُعرّفون أنفسهم قبل كل شيء بأنهم مسلمون ويذكرون بعد ذلك فقط كونهم مغاربة. بعد ذلك ذُكرت الهوية العربية والهوية البربرية والهوية الافريقية. وليست هذه النتائج جديدة وهي تصور مكانة الاسلام المركزية في المغرب منذ حقب. ان مكانة الاسلام تعود لتثبت ضعف الهوية المغربية الوطنية التي لم تنجح حتى الآن في ان تُثبت نفسها باعتبارها موضوع موالاة مركزيا في الدولة. وقد عرض المستطلعة آراؤهم في استطلاع الرأي مواقف محافظة سافرة من مكانة الاسلام في الفضاء العام المغربي. وتشهد هذه المواقف مرة اخرى بأن المجتمع المغربي هو مجتمع تقليدي متمسك بالمباديء الدينية.
على سبيل المثال وجه 60 في المائة من المستطلعة آراؤهم انتقادا شديدا الى اولئك الذين لا يصومون في شهر رمضان وزعموا أنهم لا يمكن ان يُعتبروا مسلمين. واعتقد أكثر من 82 في المائة من المستطلعة آراؤهم أنه ينبغي عدم التمكين من فتح المقاهي والمطاعم خلال شهر رمضان لمن لا يصومون.
وأجاب 57.4 في المائة من المستطلعة آراؤهم عن سؤال هل ينبغي السماح بالاستحمام المختلط للرجال والنساء على سواحل البحر وهذه قضية أثارت المغرب في السنين الاخيرة بازاء اعمال احتجاج من منظمات اسلامية على هذه الظاهرة بأنهم يعارضون ذلك. ومع ذلك يوجد تأييد واسع لفصول دراسية مختلطة للبنين والبنات في المدارس، أي انه لا يمكن الحديث عن طموح الى فصل مطلق بين الجنسين. ويؤيد 83 في المائة ان ترتدي النساء الحجاب. مع ذلك أجاب 75 في المائة بأنه لا فرق في المكانة الدينية بين نساء محجبات ونساء غير محجبات. وتُبين أجوبة اخرى للمستطلعة آراؤهم ان تقاليد حياة المجتمع المغربي تقليدية. وقال 65.7 في المائة انهم مداومون على الصلاة.
الدين شأن خاص
برغم ان مواقف الجمهور تميل بوضوح الى المحافظة فان الدين ما زال يُرى شأنا خاصا أكثر من ان يكون شأنا عاما، فقد عبر 16 في المائة فقط عن رغبة في الانضمام الى منظمة دينية واعتقد 28 في المائة فقط أنه ينبغي إدماج الدين في الحياة السياسية. وعبر 47.6 في المائة عن معارضة وجود احزاب دينية يرأسها قادة متدينون. وعبر 84 في المائة عن معارضة فكرة التكفير كما حدث في الجزائر. وتشهد نتائج هذا البحث بأنه لا يوجد بين الجمهور في المغرب تأييد كبير لحركات اسلامية متطرفة تحث مثل هذه الأفكار الى الأمام. وعبر قليل من المستطلعة آراؤهم (17.6 في المائة) عن تأييد لا لبس فيه لحركات جهادية، وهذا يشهد على عدم تأييد الجمهور لحركات سياسية دينية متطرفة.
ومع ذلك يمكن ان تشير احدى النتائج الى تغير هذا التوجه وهي ان تأييد الشباب للحركات الجهادية أكبر كثيرا من تأييد الجيل الذي هو أكبر سناً (21.8 في المائة من المستطلعة آراؤهم بين 18 24 قياسا بـ 9.7 في المائة ممن هم في الستين فصاعدا). ويبدو ان هذه النتيجة تشهد بتحول الجيل الشاب الى الاسلام السياسي وأنه يتميز بمحافظة أكبر من محافظة سائر الجمهور، وهذه شهادة اخرى على ان الاسلام في المغرب أصبح أكثر تنوعا ولم يعد يتحدث بصوت واحد كما كان في الماضي.
الدين عامل عقائدي وسياسي
والسؤال الذي يثيره هذا التشخيص بشأن تنوع الدين في المغرب هو أهذا تطور ايجابي. ما يزال المغرب في الحقيقة دولة ومجتمعا محافظين محافظين برغم القرب الجغرافي من اوروبا، أي من الغرب. لكنه تتبلور في المغرب مواقف اخرى تتعلق بالدين ترى الاسلام عاملا عقائديا وسياسيا وأساسا لانشاء بنية اجتماعية وسياسية مختلفة. وتعتمد هذه البنية على احزاب ومنظمات جهادية يقودها قادة متدينون. ويبدو اليوم ان هذا البديل بعيد عن التحقق في المغرب لكن الاصوات التي تدعو الى تبنيه أخذت تعلو.
وهناك نقطة اخرى ينبغي ان نذكرها في سياق مكانة الاسلام في المغرب هي قطع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وايران. ففي آذار 2009 قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع ايران. وكانت تلك خطوة مفاجئة ليست من عادة المغرب الذي يُصرف سياسة خارجية حذرة ويمتنع عن خطوات متسرعة ويبتعد عن افعال متطرفة. ولم تكن العلاقات بين المغرب وايران متوترة بصورة خاصة قبل قطعها. وأثار المحللون عددا من الاسباب المحتملة لهذه الخطوة أحدها زعم المغرب انه يوجد نشاط تبشيري ايراني فيه يرمي الى تحويل مسلمين سنيين الى الشيعة (غير الموجودة كما قلنا في المغرب). والخشية من هذا النشاط موجودة ايضا في دول عربية اخرى. وقد تعمل حلقات ايرانية ما بهذه الطريقة لكن ينبغي ان أذكر أنني لم أجد شهادات على نشاط كهذا في المغرب برغم الادعاءات المغربية، ويثير هذا الامر مرة اخرى مسألة قطع العلاقات بين الدولتين. وتؤكد هذه الخطوة حساسية المغرب المميزة وحساسية الملك الذي هو زعيم ديني ايضا بالموضوعات الدينية.
ان الصراع بين المواقف والهويات الدينية في المغرب اليوم هو في بدايته فقط ويتوقع في رأيي ان يزداد شدة في المستقبل القريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فرصة عدل تاريخي
بقلم: دانيال بارنبويم ،عن هآرتس
ان التاسع والعشرين من تشرين الثاني موعد تاريخي. ففي التاسع والعشرين من تشرين الثاني 1947 اتخذت في الامم المتحدة خطة تقسيم فلسطين التي قضت بأن تقسم البلاد الى دولتين، واحدة لليهود واخرى للعرب. فالى ذلك اليوم كنا جميعا «فلسطينيين»: مسلمين ومسيحيين ويهودا.
استقبل يهود العالم جميعا خطة التقسيم بفرح. ورفضت الدول العربية التي رأت ان فلسطين تنتمي اليها وحدها، رفضت الخطة وأفضى ذلك الى حرب نشبت في الخامس عشر من أيار 1948 من غد اعلان استقلال دولة اسرائيل.
بعد 65 سنة بالضبط، في التاسع والعشرين من تشرين الثاني 2012، توجه الفلسطينيون الى الامم المتحدة طالبين الحصول على مكانة دولة مراقبة. وتمت الموافقة على طلبهم بأكثرية كبيرة. هذه هي الحقائق.
يمكن ان نزعم ان الفلسطينيين احتاجوا الى 65 سنة ليهضموا ان وجود دولة اسرائيل واقع ينبغي عدم إنكاره، ولهذا أصبحوا مستعدين اليوم لقبول مبدأ تقسيم البلاد الذي رفضوه في 1947. وفي مقابل هذا الزعم، لا شك في ان قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة على منح الفلسطينيين مكانة دولة مراقبة يجب ان تستقبله دولة اسرائيل برضى ايضا.
لا أنوي ان أحاضر هنا في شؤون الاخلاق أو الاستراتيجية السياسية، لا على مسامع الاسرائيليين ولا على مسامع الفلسطينيين، لكنني أريد أن أذكر انه قد يكون سبب عدم حل الصراع مدة هذه السنوات الطويلة جدا حقيقة ان الطرفين، كالعالم ايضا، لم يفهما تماما ما الذي يقوم في أساسه.
ليس الصراع الاسرائيلي الفلسطيني تعبيرا عن عداء سياسي بين دولتين يمكن حله بوسائل دبلوماسية أو عسكرية: لأنه قد تنشأ اختلافات سياسية بين دولتين حول مشكلات كالحدود والسيطرة على مصادر المياه والنفط وما أشبه. لكنه صراع انساني قبل كل شيء بين شعبين كل واحد منهما على يقين لا يشوبه الشك في حقه وحده في ان يحيا في نفس قطعة الارض الصغيرة.
برغم الزمان الطويل الذي مر، حان الوقت لنعترف بحقيقة أنه لا مناص للاسرائيليين والفلسطينيين سوى ان يعيشوا جنبا الى جنب وألا ينكر بعضهما بعضا. والقرار الذي تم اتخاذه في الامم المتحدة بتأييد 138 دولة قد يكون آخر فرصة لنفخ الروح في حل الدولتين الذي ستنشأ في اطاره دولتان ذواتا حدود آمنة واتصال سيادي بين المناطق.
قد تكون يد القدر أو ربما نضج الشروط لصنع عدل تاريخي هما اللذان يمكنان الفلسطينيين من بدء مسار يفضي بهم الى الاستقلال بنفس الطريقة بالضبط التي أفضت الى انشاء دولة اسرائيل.
وهذه هي اللحظة المناسبة لمصالحة داخلية ايضا هي حيوية جدا لحل الصراع وللمصالحة أولا بين حماس وفتح. ان هذه المصالحة ضرورية للفلسطينيين الذين يحتاجون الى قيادة سياسية موحدة متكتلة، ولاسرائيل ايضا التي ستكسب اذا كان للفلسطينيين قيادة موحدة. أما التوجه المعتاد الذي يرى وجود أفضلية في مواجهة عدو منقسم مختلف فهو خطأ.
من الواضح لي تماما ان الفلسطينيين لن يوافقوا أبدا على قبول حل أيديولوجي للصراع لأن روايتهم التاريخية مختلفة، واسرائيل هي التي يجب عليها ان تجد حلا براغماتيا. أنا أومن بالحق التاريخي – الديني لليهود في العيش في المنطقة لكنني لا أومن بحقهم الأوحد.
مقابل الفظاعات التي عاناها الشعب اليهودي على أيدي شعوب اوروبا في القرن العشرين، فمن المناسب ان يجند هؤلاء لمساعدته على حل المشكلات المتعلقة بمستقبله وألا يكتفوا بالاعتراف بمسؤوليتهم عما حدث في الماضي.
أثر في العدد الكبير من الدول التي صوتت تؤيد القرار في الامم المتحدة. أما موقف حكومة اسرائيل في المقابل فانه يحزنني. فهي مصابة بقصر نظر لأنها لا تأخذ في حسابها احتمال مستقبل أفضل كامن في الوضع الجديد. ولا يقل عن ذلك إحزانا لي موقف الولايات المتحدة التي هي الدولة الوحيدة القادرة على التأثير في المسيرة تأثيرا جوهريا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جون كيري واسرائيل.. احتمالات وأخطار
بقلم: يعقوب أحمئير،عن اسرائيل اليوم
لا شك في ان السناتور الديمقراطي جون كيري سيدخل رجليه بسهولة في حذاء أسلافه من وزراء ووزيرات خارجية الولايات المتحدة. ان كيري وهو اليوم رئيس لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ، هو اختيار طبيعي جدا لهذا المنصب الرفيع. فقد اختص حقا بالمجال المهم من علاقات الولايات المتحدة بباقي العالم. ولن يحتاج كيري تقريبا الى فترة استكمال أو مطابقة بعد دخوله الى مكتب وزير الخارجية في الطابق السابع من مبنى وزارة الخارجية. وستجيز جلسة مجلس الشيوخ العامة وقبلها لجنة الخارجية تعيين كيري وريثا لهيلاري كلينتون.
قد تكون حكومة نتنياهو عندنا تفضل مرشحا آخر يرث كلينتون، لكن اذا نظرنا في بروتوكول تصويتات كيري في شؤون اسرائيل والمنطقة، فانه لم يضع أي تصويت «مؤيد» لقرار يوافق هوى اسرائيل. وينبغي ان نؤكد أنه في هذه الايام التي تشتد فيها الولايات المتحدة في تصريحاتها المعارضة لنية توسيع البناء وراء الخط الاخضر، قد يتشدد كيري باعتباره وزير الخارجية في لغته الانتقادية على هذا الجانب من سياسة حكومة نتنياهو. هذا ما يقدره العالمون في منطقتنا.
يؤيد كيري اسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها في حدود معدلة من سنة 1967. ولم تتغير سياسة الولايات المتحدة في مجال الاستيطان تغيرا جوهريا، وبقي سائر ذلك في المجال المعلن الذي قد تزداد اللغة حدة فيه. والى ذلك يشيرون في القدس الى ما كان يبدو مراودة كيري للرئيس الاسد قبل بدء الهبة الشعبية في سوريا. وقد حرص كيري على لقاء الاسد على الدوام وأثنى عليه ونعته بأنه «سخي» وأثنى على أهمية مكانة سوريا في المنطقة، الى درجة انه وجد من قالوا ان السناتور من واشنطن الذي يزور على الدوام مكتب الرئيس في دمشق قد «تملق» الاسد حقا. ويبدو الاسد اليوم في ذروة سفالته باعتباره مستبدا متعطشا للدم.
فيما يتعلق بسياسة ايران الذرية، يوقع كيري على كل صيغة للرئيس اوباما: فهو يفضل أولا استنفاد نظام العقوبات وأقل من ذلك بكثير تفضيله لعملية عسكرية على المنشآت الذرية. أي ان كيري يعارض معارضة شديدة «ايران الذرية» لكنه يفضل قبل ذلك سياسة خطوات سياسية قبل عملية عسكرية تبقى أولا «على المائدة». اذا تم تعيين السناتور السابق تشاك هيغل وأجيز تعيينه لمنصب وزير الدفاع فسيؤدي اوباما عمله في حضرة مسؤولين كبيرين من ادارته لن يسارعا الى اطلاق صواريخ للقضاء على المنشآت الذرية في ايران. ولم يعلن اوباما بعد رسميا من هو مرشحه لمنصب وزير الدفاع برغم ان الجميع يعتقدون ان هيغل هو المرشح المتقدم. هل يراجع اوباما النظر في ترشيح هيغل، ربما في أعقاب النقد الذي وجه الى ترشيحه؟ لسنا نعلم. لكن اوباما استقر رأيه الى الآن على تعيين كيري في منصب وزير الخارجية – وهو كاثوليكي ذو جذور عائلية يهودية.
ان كيري الذي عمل مبعوثا لاوباما الى افغانستان وباكستان ونقاط احتكاك اخرى للولايات المتحدة ليس مرشحا مفاجئا: انه لا يعتبر في الحلقة الحميمة المغلقة لاوباما لكن الرئيس لا ينسى التأييد الذي منحه له كيري في منافسته للبيت الابيض. وقد خسر كيري نفسه في هذه المنافسة لبوش في سنة 2004.
اذا انتخب نتنياهو مرة اخرى رئيسا للوزراء فيبدو انه سيكون عند كيري، وزير الخارجية الجديد، ما يقوله لاسرائيل والكثير مما يقوله في مجال البناء وراء الخط الاخضر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جنون يميني شامل
بقلم: مزال معلم ،عن معاريف
حتى نهاية الاسبوع الماضي نجح نفتالي بينيت بان يتمتع بكل العوالم – أن يكون الرمز اليميني الرائج والاكثر صحة وأصالة، وأن يجعل البيت اليهودي حزب المستوطنين، وأن يغمز نحو الجمهور في الوسط، كله في آن معا. وقد جر وراءه جمهورا انتخابيا شابا بل وضم الى حضنه معجبين في العشرينيات من عمرهم حتى في الكيبوتسات التي حرص على أن يصل اليها كل اسبوع.
شدد بينيت على أنه أمسك بالعلم السليم. وهو حقا أمسك. ففي الاستطلاعات الاخيرة بات حزبه منذ الان الحزب الثالث في حجمه مع 12 مقعدا، وقد لاحق بثبات الليكود وأثار جنون بنيامين نتنياهو، الذي بقي كل اسبوع خائب الامل في عدم نجاحه في العثور على البطن الطرية لبينيت. الى أن انكشف بينيت كمن يؤيد رفض الخدمة ايديولوجيا.
سيكون من الخطأ التعاطي مع عاصفة الرفض لدى بينيت كحدث موضعي تهجم فيه تقريبا كل الساحة السياسية وعلى رأسها رئيس الوزراء على بينيت. فتأييد بينيت للرفض في ذروة حملة الانتخابات تكشف الجنون اليميني الذي ألم بالساحة السياسية. عندما يخاف حزب العمل أن يقول بصوت عال كلمة «سلام» ويدحر جانبا كل خطاب سياسي في محاولة لان ينقل اليه مقترعين يمينيين ومتدينين، فثمة في ذلك تبطل باسم الغمز لليمين. وعندما يفهمون في الليكود بيتنا بان المعركة الحقيقية هي مع بينيت، وبالتالي تجدهم يتطرفون أكثر فأكثر في المواقف.
نزعة البناء في المستوطنات التي ألمت ببنيامين نتنياهو هي جزء من حملة الانتخابات ترمي الى وقف التسرب الى بينيت الذي أوقع منذ الان في حضنه نحو ثلاثة حتى أربعة مقاعد من الليكود. وفي الطريق تسحق العلاقات الخارجية لدولة اسرائيل ولكن من يهمه هذا. بينيت نفسه أيضا في نهاية المطاف أسقط نفسه باسم التطرف الى اليمين الذي لا يعرف الشبع.
يعرف بينيت جيدا بان هذا ما يريده جمهوره – فالدعوة الى الرفض تقال علنا في ايام الجمعة في الكنس في المستوطنات منذ فك الارتباط. ولم يعتزم بينيت للحظة السماح لنتنياهو بان يوقف الزخم الايجابي من خلال بهجة البناء في المستوطنات فتوجه الى الناحية الاقصى المتوفرة – الاكثر فايغلينية.
وبصفته أيضا ضابطًا في وحدة «سييرت متكال» الخاصة فان هذه الصفة لا يمكنها أن تخفف من خطورة القول. هذا قول جارف وغير قابل للتفسير معناه واحد: دعوة للرفض، وهي خطيرة بالذات لان بينيت محبوب جدا في أوساط المقترعين الشباب، بعضهم جنود في النظامي او يخدمون في الاحتياط. وأخطر من ذلك هي حقيقة أن بينيت لم يعتذر في أي مرحلة من المراحل عن قوله بل حاول فقط أن يشرح وأن يهاجم نتنياهو كون فهم بانه اذا تراجع فسيلحق بنفسه ضررا انتخابيا قبل شهر من الانتخابات. هو الاخر اسير في ايدي اليمين المتطرف.
وبالنسبة لنتنياهو. أخيرا سقطت في حضنه فرصة لضرب رئيس مكتبه السابق بينيت. فيضعضع ثقته المبالغة فيها بالنفس ويهدده بالجلوس في المعارضة. المقابلات التي منحها لقنوات التلفزيون الثلاثة يوم الجمعة (مع التشديد على أنها قبل دخول السبت) دفعت قفزة الى الامام بالانشغال في هذه القضية. ولم يتبقَ الان غير انتظار الاستطلاعات القريبة كي نعرف كم مقعدا هو ثمن تأييد الرفض، هذا اذا كان له اي ثمن على الاطلاق؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
العالم حولنا يغلي.. واسرائيل مشغولة بالتفاهات
بقلم: جدعون ليفي ،عن هآرتس
إليكم فضيحة: قال نفتالي بينيت انه سيرفض أن يجلي «يهوديا عن بيته». وبوغي يعلون «مزعزع»، وبنيامين نتنياهو يعبس ويقول ان الرافضين للأوامر لن يتولوا أعمالا في حكومته، وتراجع بينيت عن ذلك، وقد وبخه موشيه فايغلين – واحتفلت العناوين الرئيسة في الصحف. لا يخطر ببال أحد ان يجلي ولو يهوديا واحدا، فهم يبنون فقط أكثر فأكثر – لكن تصريحا غير ذي صلة لواحد هو بينيت يثير هنا فضيحة ضخمة.
لأن معركة الانتخابات المتعمقة هذه هي على هذا النحو فهي تتناول الشؤون الأساسية وتثير أفكارا جديدة وتنعش العقائد وتواجه المشكلات الحقيقية. انها لذة. ان رئيس الحكومة بمشورة من مستشار انتخاباته الامريكي، يبني (ويتحدى) على الورق؛ وشيلي يحيموفيتش ترأس حزبا متهالكا من اجل عمال المقاول؛ ويئير لبيد يتجه في يأسه الى سلاح يوم القيامة عند أبيه (كراهية الحريديين)؛ وأقسم عضو كنيست جديد من قبل العمل يمين الولاء لنتنياهو؛ ويرأس مقدم برامج تلفاز روسي يميني «الاسرائيليين»؛ وترقص عضو كنيست من الحزب الحاكم وهي تحمل علما؛ ويرفض ترشح عضو كنيست عربية ممتازة من غير ان يهب أحد للدفاع عنها.
النتائج معروفة سلفا. والامور الوحيدة التي بقيت مفتوحة في معركة الانتخابات هذه هي التالية: هل سينجح كاتي شتريت (المكان 38 في الليكود بيتنا)، ويوسي يونا (المكان 20، العمل)، وشولي معلم (المكان 12، البيت اليهودي)، وأوريت زفارتس (المكان 10، «الحركة»)، وكارين الهرار (المكان 10، يوجد مستقبل)، وعيساوي فريج (المكان 5، ميرتس) ويوحنان بلسنر (المكان 3، كديما)، وباروخ مرزيل (المكان 3، «قوة لاسرائيل»)، أن يتولوا أعمالا في الكنيست. يا له من توتر.
ان مصر وهي الجارة الجاهلة تناضل في شجاعة وتصميم عن صورتها المدنية والديمقراطية. وهناك تخرج الجماهير الى الشوارع بسبب الدستور. وهنا لا يوجد لا دستور ولا جماهير ولا شوارع. بل مهرجون فقط. تخيلوا ان تقترح أحزاب اليمين والاحزاب المتدينة دستورا على حسب الشريعة اليهودية لاسرائيل. وتنشر جمعية حقوق المواطن عريضة مع توقيعات 24 من الفائزين بجوائز اسرائيل؛ وقلة من حملة المشاعل يكون عددهم 24 ايضا، يتظاهرون في حديقة الورود؛ وتنشر صحيفة «هآرتس» مقالة افتتاحية شديدة اللهجة – لا غير. كان دستور الشريعة اليهودية سيسن ولا يصده أحد. وتعرفون أننا الديمقراطية الوحيدة.
اتجهت امريكا الى الانتخاب بين طريقين واضحين وقالت قولها في حزم. وفي اوروبا يختارون بين اليمين واليسار لا «بين بيبي وشيلي». والسؤال الوحيد هنا هو هل سيزداد «بينيت» الذي يعرف قليلون فقط اسم حزبه ومن في المكان الثاني فيه، هل سيزداد نائبين اثنين آخرين أم لا. ولا يستطيع أحد ان يبين ما الذي يفعله فايغلين في الليكود، واليعيزر شتيرن في «الحركة»، ونحمان شاي في العمل، وجودوكا ألموني في «يوجد مستقبل». أيمين ويسار؟ لا يوجد سوى الرمل. وهو الرمل الذي يذر في عيون المصوتين لئلا يخطر ببال أحد ان يواجه الاسئلة الحقيقية، وهي مصيرية جدا.
كذاك هي معركة الانتخابات الأكثر فتورا مما كان هنا قط، وكذاك هي معركة التضليل الكبرى في اسرائيل. وقد انتهت قبل ان تبدأ: فان آخر قضية أثيرت فيها ذوت مع اغلاق القوائم الحزبية. أين هي أيام البندورة العاصفة في حديقة ساكر، ومن كان يصدق ان نشتاق اليها.
لكن ليس الحديث فقط عن ملل معرض للزوال. في اسرائيل جهاز ناجع خطير للتنويم والطمس على الاحساس والكبت والانكار، يولد عدم صلة مطلقا بالواقع الداخلي والدولي. وهو يوجد برعاية الساسة ووسائل الاعلام في جميع أيام السنة، لكن أيام الانتخابات هي أفضل وقت مناسب للتحلل منه لأن الحديث آنذاك عن مرض حقيقي. ان الديمقراطية تتضعضع والاعلام يذوي والاقتصاد يعوج ومعاملة المهاجرين تزداد قسوة وحل الدولتين يلفظ أنفاسه، والسلطة الفلسطينية تنهار، وايران تحصل على القدرة الذرية، والعالم العربي يغلي، وبدأ الغرب يستيقظ في نهاية الامر لمواجهة الاحتلال – وينشغلون هنا بسؤال هل سيجلي بينيت يهوديا عن بيته أم لا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>