Haneen
2013-01-07, 11:43 AM
أقلام وآراء اسرائيلي
في التحرير حلموا بشيء آخر
بقلم: عمانويل سيفان عن هآرتس
لا معنى للتردد في مسألة هل الاحداث الدراماتيكية التي وقعت في ميدان التحرير في كانون الثاني شباط 2011 هي مثابة ثورة، بداية الربيع العربي وما شابه. المهم هو أنه تحطم حاجز الخوف. فقد نهض الانسان المصري في الصباح وشعر بانه مواطن، يتحكم بمصير مجتمعه، ذو واجبات وحقوق. في هذا المجتمع المراتبي المتصلب، الذي يعود الى 4.500 سنة انتهت هيبة السلطة. ومثلما في كلمة هيبة عندنا يوجد هنا خليط من الخوف (المادي والمعنوي) والاحساس بالاحترام لشرعية السلطة. الخوف والاحترام هذان اختفيا في ميدان التحرير.
لقد أحدث الشعب المصري تحولا نادرا. فقد اسقط حاكم بحجم عنف غير كبير، واقتيد الى محكمة مدنية تقررت فيها المسؤولية عن افعاله والمساواة امام القانون. وما اختلف مصيره عن مصير الطغاة العرب الآخرين: القذافي الذي تعرض للفتك، صدام الذي شنق من قبل قوة عظمى محتلة، زين العابدين بن علي الذي فر من تونس وعلي عبدالله صالح الذي ارسل الى المنفى.
وعليه فان المسألة ذات الصلة هي ماذا يفكر الانسان المصري في نتائج هذه الاحداث وفي نظام مرسي الذي ولد منها. بطبيعة الحال، يتغير موقف الجمهور على نحو متواصل في سياق واقع مفعم بالنزاع وكثير التناقضات. وفي نظرة الى الوراء فقط ربما بعد 200 سنة، مثلما اقترح تشو آن لي سنعرف اذا كانت وقعت ثورة حقيقية. على كل حال كل شيء لم يعد مثلما كان، وعليه فمنذ هذه المرحلة مشوق أن نكتشف الواقع عبر عيون المصري المتوسط.
صورة الوضع توفرها لنا استطلاعات الرأي العام التي كثرت في مصر في اطار تحول اعلامي خلق صحفا جديدة، حرية كتابة حتى في الصحف القديمة، مجتمعات وهمية، مدونات تنبت كالفطر بعد المطر، ومحطات اذاعة وتلفزيون تجارية. بين معاهد بحوث الرأي العام يبرز في مصداقيته معهد 'بصيرة' بادارة د. ماجد عثمان. ويشارك المعهد في 'الاستطلاع الدولي' عن القيم، وهو الاستطلاع المعتبر وتوقعاته عن نتائج الانتخابات، بما فيها الجولة الاولى من الاستفتاء الشعبي على الدستور، ثبتت كدقيقة للغاية.
ويجري المعهد استطلاعات شهرية تطرح فيها منذ صعود مرسي ذات الاسئلة نفسها، في ذات الصياغة على عينة تمثيلية من المصريين ابناء 18 فما فوق، مع معدل خطأ يبلغ 3 في المائة. وقد اجري الاستطلاع الاخير في 28- 29 تشرين الثاني، أي بعد إنهاء الجمعية التأسيسية الاجراء العاجل لصياغة الدستور وتقديمه من خلال الرئيس مرسي الى الاستفتاء الشعبي.
وتبين معطيات الاستطلاعات من الاشهر الخمسة لولاية مرسي بان شعبيته التي بلغت في الماضي 70 في المائة تأييد تهبط باستمرار، ولا سيما في الشهرين الاخيرين، ووصلت الان الى درك اسفل بمعدل 43 في المائة. ويهبط معدل التأييد للرئيس كلما كان المستطلعين اكثر شبابا، اكثر ثقافة وذوي مكانة اقتصادية اعلى (لم يعثر على فوارق بين الرجال والنساء). المعطى الاكثر اقلاقا من ناحية الرئيس وحزبه هو أن فقط 62 في المائة من اولئك الذين صوتوا له في حزيران مستعدون لان يصوتوا له الان فقط. ولنتذكر أن حزبه سيواجه انتخابات برلمانية جديدة بعد ثلاثة اشهر.
أين خيب النظام أمل المصريين، وعلى رأسهم قسم من ناخبيه؟ فحصت الاستطلاعات الردود على خمسة وعود مرسي حول شؤون سيعالجها فورا: الامن والنظام العام، المواصلات، ازالة القمامة، الخبز ودعم الغذاء، الوقود وغاز الطبخ. في الموضوع الاول فقط التحسن في الامن والنظام العام كان معدل الرضى يفوق النصف (51 في المائة، مثل معدل التصويت له في الانتخابات). اما في كل المواضيع الاخرى فبلغ عن تحسن بنحو 40 في المائة فقط. والمعنى هو أن قسما من مؤيديه خائبو الامل. في كل المواضيع، باستثناء الاخير، عثر على انخفاض مستمر ولا سيما في الشهرين الاخيرين. ويشبه توزيع الرضى حسب العمر، التعليم والمكانة الاقتصادية الاجتماعية في اوساط مؤيدي مرسي ومعارضيه. وهو الامر في التوزيع بين المناطق القروية والمدينية. في معظم المدن يشكل خائبو الامل من مرسي أغلبية.
مصر منقسمة ومستقطبة، إذن، في تقديرها للنظام الذي ولده اسقاط الرئيس مبارك. وهذا بالطبع ليس سوى تقرير مرحلي. الى أين ستؤدي المسيرة؟ على ذلك لن يرد سوى الصغير والغبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
التفكير في اليوم التالي في سوريا
بقلم: زلمان شوفال عن اسرائيل اليوم
ان ايام حكم الاسد معدودة. ويعترف الروس بذلك بل قال نائب الرئيس فاروق الشرع انه سيصعب على الجيش ان يتغلب على المتمردين. وانتشرت في الاثناء اشاعات تقول ان الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على تنحي الاسد. ان الرئيس السوري من ألد أعداء اسرائيل وأخطرهم وهو لم يغفر لها الهزائم التي أوقعتها بأبيه حافظ الاسد، فعمل على احراز سلاح ذري وسيطر على واحد من أكبر المخزونات في العالم للصواريخ ذات الرؤوس الكيميائية، وساعد حماس ومنظمات الارهاب الفلسطينية الاخرى التي استقرت في دمشق وكان المساعد الرئيسي، مع ايران، لحزب الله في لبنان.
أعطت العداوة المتطرفة لاسرائيل الاسد من جملة ما أعطته شرعية لطلب سوريا قيادة المعسكر العربي القومي. وسيضر غياب عائلة الاسد عن السلطة السورية ضررا شديدا بحزب الله وبمصالح ايران، لكن نشك في ان يكون هذا سببا لدموع فرح اسرائيل. منذ كانت حرب الايام الستة كانت الحدود بين اسرائيل وسوريا هادئة (وكانت حقيقة ان الجيش الاسرائيلي موجود فوق دمشق السبب الرئيس في ذلك)، ولا يوجد يقين في ان يستمر هذا الوضع بعد سقوط الاسد.
وردت تقارير أكثر من مرة تقول ان رجال مخابرات كبارا في الاردن حذروا الدول الغربية واسرائيل ايضا من سيطرة الجهاديين والسلفيين على سوريا وجعلها رأس جسر لنشاط تآمري وارهابي في المنطقة كلها. وكما صادق مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في الاسبوع الماضي، يتدفق مئات أو ربما آلاف من رجال القاعدة ومنظمات متطرفة سنية اخرى من دول عربية مختلفة ومن شمال افريقية الى سوريا لا للمشاركة فقط في محاربة الجيش بل وفي الأساس لمحاولة ترك أثرها على الواقع السياسي الذي سينشأ هناك بعد ان يسقط النظام الحالي.
أحد الامثلة هو منظمة تسمى جبهة النصرة (تراها الاستخبارات الامريكية فرعا عن القاعدة) وغايتها جعل سوريا دولة اسلامية أصولية. وليست كل هذه الجهات بالطبع مصنوعة من جلد واحد وفي 'جيش سوريا الحر' عناصر اخرى ايضا، لكن يصعب ان نعلم اليوم من الذي ستكون يده هي العليا في 'اليوم التالي'. وعلى كل حال، قد يندم على ذلك من أعطوا ويُعطون المتمردين السوريين مالا ووسائل قتالية بلا تمييز صحيح احيانا. وتعتقد الجهات الاستخبارية الاردنية التي ذكرناها آنفا مثلا ان تركيا مكّنت عناصر ارهابية من حشد قوة والتسلح على حساب عناصر أكثر علمانية واعتدالا.
بأي قدر تستطيع القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا (بالتعاون مع جهات عربية معتدلة)، ان تعمل كي لا يتفشى الدُمل السوري وراء حدود سوريا وللدفع قدما ببديل مختلف في السلطة عن النظام السابق وعن الذي يسعى اليه الأصوليون؟ اذا أخذنا في الحسبان واقع الشرق الاوسط على أثر الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا صعب ان نتكهن، ومع ذلك وبازاء الوضع بعد سنتين من حرب أهلية وحشية وعقوبات دولية وسياسة اقتصادية فاشلة، ستكون سوريا محتاجة الى مساعدة متعددة الأبعاد تُمكّن الجهات الدولية المختلفة من التأثير في التطورات فيها. وينبغي ان نتذكر أنه سيكون من الممكن التأثير في عدد من المجالات في المراحل الاولى بعد تنحية الاسد قبل ان يصبح ذلك متأخرا جدا، والقصد قبل كل شيء الى القضاء على مخزونات السلاح الكيميائي واحتياطي الصواريخ السورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لن يكون 'ربيعا عربيا' في سوريا
بقلم: دان مرغليت ،عن اسرائيل اليوم
يصف مراسل صحيفة 'نيويورك تايمز' في الشرق الاوسط، توم فريدمان، في كتابه 'من بيروت الى القدس' زيارة تثير القشعريرة لسوريا حافظ الاسد. فقد وصل الى مدينة تمردت على السلطة المركزية وقتل الاسد كثيرا من أعدائه وطرحهم وهم أحياء في القبور. ان الوحشية جينية تنتقل من جيل الى جيل. فأمس كان الابن بشار الاسد هو الذي أمر بقصف وحشي انتهى الى موت عشرات المواطنين الأبرياء. وإن أحداثا كهذه في الأساس أضيق تحدث في كل بضعة أيام.
ان الميل الطبيعي المفهوم من تلقاء نفسه هو ان نقول ان ايام الاسد في قصر الرئاسة في دمشق معدودة. فكم من الوقت يستطيع البقاء في السلطة واستعمال الجيش الذي يسيطر على ربع مساحة الدولة فقط؟ صحيح ان النهاية حتمية لا يمكن منعها. ويقول أحد الأنباء انه تم احراز اتفاق امريكي روسي على ان يفر الاسد الى بلد يلجأ اليه. وعلى حسب اقتراح فاروق الشرع الذي يخضع لسلطته، ينبغي اجراء تفاوض لأن الاسد ايضا يدرك انه لن يكون منتصرون في هذه الحرب.
بيد انه يوجد فرق زمني ملحوظ بين التصريح عن ان الاسد قد قُضي عليه وبين النهاية بالفعل، وفي هذه المدة قد تحدث أحداث مصيرية لسوريا والشرق الاوسط. لن يكون ربيع عربي في سوريا وكل نتيجة ستكون مثل شتاء عاصف مظلم. ان الغرب يساعد الثوار الآن أكثر مما كان يفعل في الماضي. وهو ينقل سلاحا وذخيرة من غير ان يرسل وحدات عسكرية ومن غير ان يعترف بما يفعل وذلك في الأساس كي لا يتصادم مع روسيا التي ما تزال لها مصالح كثيرة مع النظام القائم والتي تمنع سقوطه ما لم يتم تحقيق مطالبها أم تُضمن.
لم تتدخل اسرائيل حتى الآن في مذبحة الشعب في سوريا. ولم تهب الدول العربية ايضا لانقاذ مواطنيها.
ان سقوط عائلة الاسد يُستقبل في اسرائيل مشاعر مختلطة. فمن جهة هناك احتمال كبير لسقوط حلقة حيوية لا بديل عنها اذا سقط الاسد من المحور الذي يربط طهران بحزب الله. وكل ضربة كهذه لايران تعزز أمن اسرائيل تعزيزا كبيرا. ومن جهة اخرى حرص الجيلاني من حكام عائلة الاسد منذ حزيران 1974 على حفظ وقف اطلاق النار في جبهة الجولان. ولا ضمان لحفظ هذا الهدوء مع تغير النظام حتى لو ضعفت السلطة المركزية في دمشق وقُسمت الدولة بالفعل الى أقاليم قبلية ذات طبيعة شبه إقطاعية.
يُحسن خبراء بشؤون سوريا تحليل الوضع، لكنهم لا يستطيعون ان يعطوا الحكومة في القدس جوابا يوثق به يُبين أي احتمال من الاحتمالين هو الأقل ضررا بالنسبة اليها. ان من سيسيطر على دمشق ويقود الجيش سيسيطر على مستودع سلاح كيميائي ضخم.
انه ما كان الاسد يُدبر أمور بلاده في تسلط كان هناك أساس لافتراض انه لن يستعمله استعمالا متسرعا، لكن هوية وارثه غير معروفة الى الآن. ومهما يكن الامر فمن الواضح ان اسرائيل ستضطر الى شد عضلاتها أكثر مما فعلت في الماضي في سنة سيزداد فيها الضغط لتقليص ميزانية الدفاع ايضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ولادة الجمهور العربي
القرارات التي يمكن ان تتخذ بالغمز بين رئيس امريكي وأي رئيس عربي يجب ان تستند من الان فصاعدا الى الشرعية الجماهيرية
بقلم: تسفي بارئيل ،عن هآرتس
أقل من مائتي متر تفصل بين فرع 'كنتاكي فرايد تشكن' في القاهرة وبين مبنى مجلس الشورى المصري الذي يقع في شارع قصر العيني. هذا مسار يقطع ميدان التحرير، يمر بمبنى الجامعة الامريكية في القاهرة ويطل على مبنى المجمع، وزارة الداخلية الرهيبة التي مثلت نظام الخوف لمبارك.
وفي يوم حار ومخيف ما في آب 2008، يوم عادي ومليء بالسيارات والمشاة ممن لم يأبهوا بالاشارات الضوئية، امتلأت فجأة الارصفة بجمهور كبير احتشد قرب مبنى البرلمان. وامتشق الكثيرون هواتفهم الخلوية وبدأوا يصورون اللهيب والدخان الكثيف الذي تصاعد من المبنى. وببطء وصلت ايضا بضع سيارات اطفاء صغيرة بدأت ترش الماء دون جدوى.
'خلل كهربائي'، قالت السلطات للصحفيين الذين سجلوا بعناية. 'كيف يحتمل الا تتمكن الحكومة من اطفاء حريق لمبنى يعود لها؟'، عجب أحد المارة. 'ليست الحكومة هي التي لا تستطيع ان تطفىء النار، بل هي التي اشعلتها'، اضاف. 'خلل كهربائي، آه؟'. وفي الغداة اعلن عن لجنة تحقيق وتعهد مبارك بترميم المبنى في عهد ولايته.
قبل أربعة اشهر من الحريق، في مدينة المحلة الكبرى الصناعية جرت مظاهرة جماهيرية لعمال المصانع، احتجوا على أرباب عملهم الذين لم يفوا بتعهداتهم لاشراك العمال في الارباح. في 6 ابريل حظي العمال بتأييد كبير من مجموعة من الشباب دعوا كل سكان مصر الى الاضراب تضامنا مع العمال.
وكان هذا اضرابا اصيلا في نوعه. 'البسوا السواد ولا تخرجوا الى العمل'، هذه كانت رسالة الشباب عبر مواقع الانترنت والعديد من المدونات. وفعلوا هذا بسبب الفهم بان لا معنى للخروج الى الشوارع للصدام مع الجيش، الذي هو بالتأكيد اقوى منهم.
ووضع النداء، الذي حظي باستجابة كبيرة نسبيا، حجر الزاوية لحركة 6 ابريل. وهذه الحركة ستبادر بعد ثلاث سنوات من ذلك الى المظاهرة الكبرى في 25 كانون الثاني 2011 في ميدان التحرير، لتسجل بداية الثورة.
قبل اسبوع من الحريق نشرت صحيفة 'المصري' اليوم المستقلة، مقالا بقلم محررها الرئيس في حينه مجدي الجلاد حمل عنوان 'مشكلة أمن قومي'.
وروى الكاتب عن لقاء كان له مع ثلاثة شبان مثقفين: احدهم خريج كلية الصيدلة، الثاني خريج قانون والثالث يتعلم التجارة. وفي الحديث بينهم طرح السؤال: 'ماذا يحصل اذا ما احتلت اسرائيل سيناء مرة اخرى، فهل ستخرجون للقتال دفاعا عن الوطن؟' فأجاب أحدهم على الفور: 'نعم بالتأكيد'. والثاني، بذات السرعة، اجاب بالسلب، والثالث قال: 'عليّ أن افكر، يحتمل أن لا'. 'طلبت من الاخير ان يشرح قوله'، كتب الجلاد، 'فأجاب بان الانسان يخرج الى الحرب للدفاع عن الوطن الذي يشعر انه له. عن دولة تمنحه الدفء والامن. عن حكومة تحقق العدالة والمساواة'.
في الذكرى الثانية للثورة المصرية وإن كانت ستحيا بعد شهر فقط، سبقتها الثورة في تونس التي يوم اندلاعها هو 17 كانون الاول، اليوم الذي أحرق فيه نفسه محمد بوعزيزي، الشاب خريج الجامعة الذي صادر افراد الشرطة بسطته لبيع الخضار. وبعدها ستأتي الثورات الطويلة والدامية.
في 27 كانون الاول، بعد يومين من المظاهرة الكبرى في القاهرة، بدأت المظاهرات الجماعية في اليمن؛ في 15 شباط سجلت مظاهرة جماهيرية بداية الحرب الاهلية في ليبيا؛ وفقط في اذار انضمت سوريا الى دول الثورة. ولكن للتواريخ الدقيقة للثورات توجد قيمة رمزية فقط. لم تبدأ اي من الثورات حقا في تاريخ واحد.
لقد نضجت القطيعة والاغتراب بين الجمهور وحكامه على مدى سنوات طويلة قبل أن يتغلب الاحساس بعدم وجود ما يمكن للمرء أن يخسره على الخوف من النظام. 'الان فهمت ما تريدون'، وعد الجمهور الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، في احد خطاباته الاخيرة قبل أن يفر مع أبناء عائلته. وكان هذا فهما متأخرا وكاذبا. فقد عرف بن علي جيدا ما يريده الجمهور، ولهذا فقد فرض على مدى السنين رقابة متشددة على الصحف وعلى الانترنت، قمع بالقوة كل محاولة للتظاهر وهندس الانتخابات.
يد مبارك كانت اكثر رقة. في عهده ولا سيما في العقد الاخير من بين العقود الثلاثة لحكمه، ازدهرت الصحافة، وان كانت غير قانونية، وشكلت الانترنت منصة لخطاب جماهيري متطور. واساس كفاحه وجهه مبارك ضد الاخوان المسلمين. ولكن بينما تخفت الدكتاتورية في مصر في نظام دستوري، فان ليبيا، اليمن وسوريا، لم تجتهد على الاطلاق. وهكذا، اذا كان في مصر وفي تونس مطلب اسقاط النظام موجها ايضا لرئيس الدولة ولطريقة الحكم والاجهزة التي انشأتها، ففي اليمن وفي ليبيا كان الصراع شخصيا اكثر بكثير.
فمطلب الديمقراطية فسر بشكل مختلف في كل دولة، فيما أن تركيبة السكان الخاصة حددت النتيجة المنشودة: الفارق بين سكان بنغازي وطرابلس وفي غربي الدولة (في حالة ليبيا) والنزاع بين الجنوبيين والشماليين وبين القبائل المختلفة (في حالة اليمن).
في هذه الفوارق يكمن احباط من وضعوا مفهوم 'الربيع العربي' في الغرب الثورات، كما يجدر بالذكر، بدأت في الشتاء (باستثناء الثورة السورية) الذين رأوا امام ناظريهم ثورة عموم عربية ستنتج ديمقراطية على النمط الامريكي. اما طموحات ثوريي الدول العربية، الذين يعرفون اكثر من الجميع ما هي الديمقراطية التي تلائمهم، فاكثر دقة.
يستند تعبير الربيع العربي الى الذاكرة الجماعية الغربية التي تتذكر ربيع الشعوب حيث بدأت تترتب وتتعرف المفاهيم القومية في اوروبا. وكان تواصله في الشتاء الاستعماري القاتم الذي احتلت فيه الدول العربية ايضا. الدول العربية في 2011 لم تستيقظ الى ثورة قومية. فقد تحققت هذه في القرن الماضي. ويحتمل أن يكون من الاصوب تعريف هذه الثورات كمرحلة انتقالية حرجة من الاغتراب الى تماثل المواطنين مع دولهم. ليست حرب استقلال ضد محتل استعماري بل تنفيذ الملكية على الدول التي ابقاها المستعمرون ورثتهم، اولئك الدكتاتوريين الذين اسقطوا.
كما أن تعبير العربي في عبارة الربيع العربي بعيد عن الحقيقة. أربع دول عربية: تونس، مصر، ليبيا واليمن شهدت اسقاطا للحكم؛ دولة واحدة، سوريا، لا تزال تكافح ضد النظام؛ في البحرين وان كانت مظاهرات، فان النظام لم يتغير. والعراق اجتاز ثورة سلطوية بفضل الاحتلال الامريكي. اما باقي الدول العربية فبقيت في موقف المتفرج.
ولكن سيكون من الخطأ فحص تأثير الثورات فقط عبر المنظور الضيق للتغييرات او عدم التغييرات، في كل دولة ودولة. وعي 'خلود الانظمة' كما رسخ في معظم الدول العربية هو الذي تبدد.
وحتى الانظمة العائلية، مثلما في السعودية، الكويت أو قطر، تعترف بالامكانية الخطيرة من ناحيتهم الكامنة في قوة الجمهور. وقد سارع بعضهم الى تبنى اصلاحات أو شراء الهدوء بمال كثير. وقد ارتدت الديمقراطية في هذه الدول صيغة اخرى، بموجبها الحلول لا يمكن أن تكتفي فقط بضمان الدخل وبالتوزيع الافضل لاموال النفط. مفهوم تمثيل الجمهور دخل أكثر فأكثر الى الخطاب الجماهيري.
وبالتالي فان الثورات لا يمكنها أن تختبر فقط في جودة الديمقراطية التي انتجتها ولا حتى بتحطيم نظام الخوف فقط. هذه أزمة هوية، ومن هنا أزمة تضامن مع دولتك. الممثل المصري القديم، حمدي احمد، أوضح بان غياب الهوية جعل الدولة سوبرماركت. فهل يمكن أن نتوقع من أحد ما ان يضحي بحياته من أجل سوبرماركت؟ كل علاقاتك مع السوبرماركت هي أنك تشتري فيه بضعة منتجات يمكن أن تحصل عليها في كل مكان آخر'.
تجري المرحلة الثانية من الاستفتاء المصري على الدستور الجديد. ويشهد الصراع الحاد واحيانا العنيف بين معارضي صيغة الدستور المقترح ومؤيديه على الاهمية الشديدة التي يوليها معظم الجمهور لشكل الدولة التي يعيش فيها.
وخلافا لعدم المبالاة بل والكرهية التي احس بها الجمهور المصري تجاه البرلمان قبل اربع سنوات فقط، هذه المرة يرى الجمهور في هذه المؤسسة جزء لا يتجزأ منه. فليس الاحساس فقط بان لصوت الناخب يوجد هذه المرة معنى حقيقي يرسم الفرق بين الستين سنة الماضية وبين السنتين الاخيرتين، بل الاحساس بالانتماء والتماثل مع الدولة، هو الذي نشأ وازدهر في هاتين السنتين.
ولا ريب أنه سيكون للثورة في الوعي ايضا آثار كثيرة على السياسة الخارجية لهذه الدول، على العلاقات العربية وعلى شبكة العلاقات مع الغرب بشكل عام ومع الولايات المتحدة بشكل خاص. ويجري التغيير في هذا الوعي منذ الان في الغرب ايضا، الذي بدأ بالاعتراف بان التحالفات بين الانظمة الغربية والحكام العرب يجب أن تستند من الان فصاعدا الى ذاك المجهول الهائل الذي يسمى الرأي العام.
فالقرارات التي يمكن أن تتخذ باللغمز بين رئيس أمريكي ورئيس مصري او تونسي يجب أن تستند من الان فصاعدا الى الشرعية الجماهيرية.
وهذا ليس فقط في الدول التي شهدت الثورات بل وايضا في الدول التي تخاف من انتقال الثورات اليها، مثل الاردن، السعودية أو الكويت.
ويتعين على طيف العلاقات الدولية أن يغير تعاريفه للزعماء المؤيدين للغرب والمناهضين للغرب؛ ستكون حاجة الى التعاطي مع الزعماء وفقا لمدى استجابتهم لجمهورهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جون كيري جاء ليجد حلولا
بقلم: يوسي بيلين ،عن اسرائيل اليوم
لا يتولى جون كيري منصب وزير الخارجية الامريكية ليتقدم في حياته المهنية من ناحية شخصية. فهذا الرجل الذي كان مرشحا حقيقيا لمنصب رئيس الولايات المتحدة في 2004، والذي يتولى عملا منذ عشرات السنين في مجلس الشيوخ (يتولى منصب رئيس لجنة الخارجية الجليلة الشأن في المدة الاخيرة)، حصل على هذا المنصب لأنه يؤمن بقدرته على المساعدة على ايجاد حلول لعدة تحديات صعبة تواجهها بلاده. ان كيري شخص نادر أضاعت امريكا قبل ثماني سنوات قيادته لها رئيسا والذي يبلغ آخر منصب سياسي له في حياته كما يبدو مع تجربة نادرة للعلاقات الخارجية وحب كبير للدبلوماسية.
في أحاديث كانت بيننا على مر السنين أثر فيّ جدا معرفته بشؤون الشرق الاوسط لكنه أظهر معرفة مشابهة حينما انتقل الحديث الى مناطق اخرى في العالم. وهو يبلغ الى المنصب المهم في وزارة الخارجية ناضجا للجلوس في مقعد سلفه هيلاري كلينتون، مع عِلم غير قليل وشعور بأنه قادر على حل مشكلات حتى مما بقي مفتوحا وانتقل بالوراثة من ادارة الى اخرى. وقد تنقل مع والديه في العالم لأنه ولد لدبلوماسي، وتعرض للتربية في دول مختلفة وهو يتكلم بخمس لغات، وسيكون التعيين الجديد بمنزلة تحقيق حلم ما عند كيري وإن كان حلمه الحقيقي قد طمح الى أكثر من ذلك.
كانت تجربة حياة كيري الشعورية في فيتنام. في نهاية ستينيات القرن الماضي وبدء سبعينياته صيغ تصوره العام حينما خدم ضابطا في اسطول الجيش الامريكي ونال أوسمة بطولة. وهو من جهة جندي مطيع جريء لا يحاول الفرار من المعركة ويُعرض حياته للخطر في جنوب شرقي آسيا، وهو من جهة اخرى جندي مُسرح ينضم الى دُعاة إنهاء الحرب ويناضل ما كان يبدو له اجراءا سياسيا وعسكريا خطأ لا حاجة اليه. وكانت معارضته لاستمرار الحرب تختلف عن معارضة كثيرين من رفاقه لأنه قضى هناك بضع سنين. وما كان أحد يستطيع ان يقول لهذا الضابط ذي الأوسمة إن معارضته تنبع من خوف أو من ضعف. وكانت هذه آخر الامر هي المعارضة التي أدت به الى السياسة في سن صغيرة.
ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الطويل يثير اهتمامه جدا بسبب الأهمية الاستراتيجية للشرق الاوسط عند الولايات المتحدة وبسبب الصلة الخاصة بين القوة الكبرى الوحيدة في العالم ودولة اليهود والتي يؤمن بها من أعماق قلبه، وربما ايضا بسبب موضوع آخر أعترف بأننا لم نتحدث عنه قط ألا وهو أصله اليهودي. فكيري يستحق جنسية اسرائيلية بحسب قانون العودة لأن والديه كانا يهوديين (تهود أخوه). وبسبب قربه من اسرائيل واليهودية خاصة فانه شديد الاهتمام ولا يمتنع عن انتقادها. أما مزاعم انه معادٍ لاسرائيل فتجعله يبتسم. وهو قلق من سياسة الحكومات الاسرائيلية ويخشى على مستقبل الدولة، ولا يفهم ما هي خطة معارضي تقسيم البلاد في الوقت الذي ستسيطر فيه أقلية يهودية على أكثرية فلسطينية، ويؤمن بأن الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين له حل. ويعلم ايضا في رأيه ما هو الحل الضروري.
ان كيري بصفته وزير الخارجية لن يسحب يديه من الشرق الاوسط بل سيحاول كما يبدو ان يعمل بنفسه وان يفحص ما هي الخطوة السياسية العملية في هذه المرحلة. وقد يصبح نقطة ضوء آسرة في ادارة امريكية رفعت يديها في ظاهر الامر عن الحل في منطقتنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
السباق نحو القنبلة
بقلم: أفنير غولوب ،عن معاريف
احدى الحجج المركزية لاسرائيل والولايات المتحدة ضد البرنامج النووي العسكري الايراني هي أن قنبلة نووية ايرانية ستؤدي الى تسلح السعودية، تركيا ومصر. ورغم تصريحات المسؤولين السعوديين، وأقوال المسؤولين الاتراك والمصريين، هناك مهنيون يعتقدون بان قنبلة ايرانية لن تؤدي الى سباق تسلح اقليمي بالسلاح النووي، ويعتمدون على التأثير الامريكي وعلى قوة نظام عدم نشر أسلحة الدمار الشامل. هذه الادعاءات تعبر عن فهم كان مناسبا للشرق الاوسط القديم: قبل أن تطور ايران قنبلة نووية، قبل صعود الاسلام السياسي السني، وقبل ان تفقد الولايات المتحدة نفوذها الاقليمي.
بالنسبة للحالة السعودية لا تفسير كافٍ لماذا ستعمل السعودية السنية في خلاف مع تصريحاتها عندما تكون ايران بالذات، خصمها الشيعي يمتلك السلاح الذي يتيح له العمل ضد المصالح السعودية في المنطقة. الملك السعودي، اقتبس يقول: 'اذا كان لهم سلاح نووي، فسيكون لنا سلاح نووي'. هذا التهديد يضاف الى تصريحات مسؤولين سعوديين كبار مختلفين في السنوات الاخيرة. فلماذا لا تحقق السعودية تهديداتها عندما تضعف المصلحة والروافع الامريكية لمنع انتشار السلاح ونظام عدم نشر السلاح يوشك على التآكل الذي يهدد مستقبله في المنطقة؟ من المهم أن نتذكر بأن للسعودية دوافع ومقدرات تتيح لها اقتناء قنبلة نووية في غضون وقت قصير. وعليه، يبدو أن السعودية تشكل تهديدا فوريا وحقيقيا لسباق التسلح النووي اذا ما حازت ايران على قبنلة نووية.
تركيا هي الاخرى، التي ترى نفسها قوة عظمى اقليمية وتنافس على القيادة السنية في المنطقة لا يمكن ان تبقى غير مبالية في حالة سلاح نووي ايراني. فالمنافسة مع ايران على الهيمنة والنفوذ في الشرق الاوسط وفي العالم الاسلامي، الى جانب قدراتها الاقتصادية، ستسمح لتركيا التغلب على انعدام البنية التحتية النووية، والتفكير بالمنفعة الاستراتيجية في بناء قوة نووية حيال خصمها من الشرق. لقد وقعت تركيا على ميثاق الـ npt وعلى 'البروتوكول الاضافي' وهي تخضع للرقابة الدائمة، ولكن المحفز الاساس لقرارها سيكون الضمانات التي تتلقاها من واشنطن. في ضوء الاستراتيجية الامريكية الجديدة التي ترى في شرق آسيا الهدف الاستراتيجي المركزي، فان الشك تجاه سياسة واشنطن في المنطقة، الاغتراب المعاظم عن اوروبا والانتقاد على الناتو، لا ينبغي الاستبعاد في أنه في ظل استمرار الميل في العلاقات التركية الامريكية، ستقرر الحكومة التركية بانه لا يمكنها أن تعتمد على المساعدة الخارجية في تصديها لايران نووية.
مصر هي الاخرى ترى في ايران تهديدا على مصالحها الاقليمية وعلى تطلعها لقيادة العالم الاسلامي. ومع أن التعلق المصري بالمال الامريكي عالٍ، الا أن البرود في العلاقات مع حكومة الاخوان المسلمين قد تقلص النفوذ الامريكي في القاهرة. كما أنه لان مصر تولي لاسرائيل قدرات في المجال النووي، فان تصاعد التوتر بين الدولتين كفيل بان يشكل حافزا لنيل قدرات نووية لغرض توازن القوى مع اسرائيل ومع ايران على حد سواء خصميها المركزيين في المنطقة. الادعاء بان مصر لن تهجر سياستها الحالية في المجال النووي في أعقاب وضعها الاقتصادي والاقليمي الصعب لا يتناول امكانية أن بالذات عندما تكون قوة النظام المصري تهتز داخل مصر وخارجيها، فان احتمالات ان تأخذ المخاطر لدرجة العودة الى مكانة القوة العظمى الاقليمية تكون أعلى من الماضي.
والاستنتاج هو أن الاحتمال لتحقق سيناريو سباق تسلح نووي نتيجة لتطوير سلاح نووي لدى ايران ليس منخفضا، ويجب أن يدرج في اطار اعتبارات اولئك الذين ينشغلون في المسألة الايرانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>
في التحرير حلموا بشيء آخر
بقلم: عمانويل سيفان عن هآرتس
لا معنى للتردد في مسألة هل الاحداث الدراماتيكية التي وقعت في ميدان التحرير في كانون الثاني شباط 2011 هي مثابة ثورة، بداية الربيع العربي وما شابه. المهم هو أنه تحطم حاجز الخوف. فقد نهض الانسان المصري في الصباح وشعر بانه مواطن، يتحكم بمصير مجتمعه، ذو واجبات وحقوق. في هذا المجتمع المراتبي المتصلب، الذي يعود الى 4.500 سنة انتهت هيبة السلطة. ومثلما في كلمة هيبة عندنا يوجد هنا خليط من الخوف (المادي والمعنوي) والاحساس بالاحترام لشرعية السلطة. الخوف والاحترام هذان اختفيا في ميدان التحرير.
لقد أحدث الشعب المصري تحولا نادرا. فقد اسقط حاكم بحجم عنف غير كبير، واقتيد الى محكمة مدنية تقررت فيها المسؤولية عن افعاله والمساواة امام القانون. وما اختلف مصيره عن مصير الطغاة العرب الآخرين: القذافي الذي تعرض للفتك، صدام الذي شنق من قبل قوة عظمى محتلة، زين العابدين بن علي الذي فر من تونس وعلي عبدالله صالح الذي ارسل الى المنفى.
وعليه فان المسألة ذات الصلة هي ماذا يفكر الانسان المصري في نتائج هذه الاحداث وفي نظام مرسي الذي ولد منها. بطبيعة الحال، يتغير موقف الجمهور على نحو متواصل في سياق واقع مفعم بالنزاع وكثير التناقضات. وفي نظرة الى الوراء فقط ربما بعد 200 سنة، مثلما اقترح تشو آن لي سنعرف اذا كانت وقعت ثورة حقيقية. على كل حال كل شيء لم يعد مثلما كان، وعليه فمنذ هذه المرحلة مشوق أن نكتشف الواقع عبر عيون المصري المتوسط.
صورة الوضع توفرها لنا استطلاعات الرأي العام التي كثرت في مصر في اطار تحول اعلامي خلق صحفا جديدة، حرية كتابة حتى في الصحف القديمة، مجتمعات وهمية، مدونات تنبت كالفطر بعد المطر، ومحطات اذاعة وتلفزيون تجارية. بين معاهد بحوث الرأي العام يبرز في مصداقيته معهد 'بصيرة' بادارة د. ماجد عثمان. ويشارك المعهد في 'الاستطلاع الدولي' عن القيم، وهو الاستطلاع المعتبر وتوقعاته عن نتائج الانتخابات، بما فيها الجولة الاولى من الاستفتاء الشعبي على الدستور، ثبتت كدقيقة للغاية.
ويجري المعهد استطلاعات شهرية تطرح فيها منذ صعود مرسي ذات الاسئلة نفسها، في ذات الصياغة على عينة تمثيلية من المصريين ابناء 18 فما فوق، مع معدل خطأ يبلغ 3 في المائة. وقد اجري الاستطلاع الاخير في 28- 29 تشرين الثاني، أي بعد إنهاء الجمعية التأسيسية الاجراء العاجل لصياغة الدستور وتقديمه من خلال الرئيس مرسي الى الاستفتاء الشعبي.
وتبين معطيات الاستطلاعات من الاشهر الخمسة لولاية مرسي بان شعبيته التي بلغت في الماضي 70 في المائة تأييد تهبط باستمرار، ولا سيما في الشهرين الاخيرين، ووصلت الان الى درك اسفل بمعدل 43 في المائة. ويهبط معدل التأييد للرئيس كلما كان المستطلعين اكثر شبابا، اكثر ثقافة وذوي مكانة اقتصادية اعلى (لم يعثر على فوارق بين الرجال والنساء). المعطى الاكثر اقلاقا من ناحية الرئيس وحزبه هو أن فقط 62 في المائة من اولئك الذين صوتوا له في حزيران مستعدون لان يصوتوا له الان فقط. ولنتذكر أن حزبه سيواجه انتخابات برلمانية جديدة بعد ثلاثة اشهر.
أين خيب النظام أمل المصريين، وعلى رأسهم قسم من ناخبيه؟ فحصت الاستطلاعات الردود على خمسة وعود مرسي حول شؤون سيعالجها فورا: الامن والنظام العام، المواصلات، ازالة القمامة، الخبز ودعم الغذاء، الوقود وغاز الطبخ. في الموضوع الاول فقط التحسن في الامن والنظام العام كان معدل الرضى يفوق النصف (51 في المائة، مثل معدل التصويت له في الانتخابات). اما في كل المواضيع الاخرى فبلغ عن تحسن بنحو 40 في المائة فقط. والمعنى هو أن قسما من مؤيديه خائبو الامل. في كل المواضيع، باستثناء الاخير، عثر على انخفاض مستمر ولا سيما في الشهرين الاخيرين. ويشبه توزيع الرضى حسب العمر، التعليم والمكانة الاقتصادية الاجتماعية في اوساط مؤيدي مرسي ومعارضيه. وهو الامر في التوزيع بين المناطق القروية والمدينية. في معظم المدن يشكل خائبو الامل من مرسي أغلبية.
مصر منقسمة ومستقطبة، إذن، في تقديرها للنظام الذي ولده اسقاط الرئيس مبارك. وهذا بالطبع ليس سوى تقرير مرحلي. الى أين ستؤدي المسيرة؟ على ذلك لن يرد سوى الصغير والغبي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
التفكير في اليوم التالي في سوريا
بقلم: زلمان شوفال عن اسرائيل اليوم
ان ايام حكم الاسد معدودة. ويعترف الروس بذلك بل قال نائب الرئيس فاروق الشرع انه سيصعب على الجيش ان يتغلب على المتمردين. وانتشرت في الاثناء اشاعات تقول ان الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على تنحي الاسد. ان الرئيس السوري من ألد أعداء اسرائيل وأخطرهم وهو لم يغفر لها الهزائم التي أوقعتها بأبيه حافظ الاسد، فعمل على احراز سلاح ذري وسيطر على واحد من أكبر المخزونات في العالم للصواريخ ذات الرؤوس الكيميائية، وساعد حماس ومنظمات الارهاب الفلسطينية الاخرى التي استقرت في دمشق وكان المساعد الرئيسي، مع ايران، لحزب الله في لبنان.
أعطت العداوة المتطرفة لاسرائيل الاسد من جملة ما أعطته شرعية لطلب سوريا قيادة المعسكر العربي القومي. وسيضر غياب عائلة الاسد عن السلطة السورية ضررا شديدا بحزب الله وبمصالح ايران، لكن نشك في ان يكون هذا سببا لدموع فرح اسرائيل. منذ كانت حرب الايام الستة كانت الحدود بين اسرائيل وسوريا هادئة (وكانت حقيقة ان الجيش الاسرائيلي موجود فوق دمشق السبب الرئيس في ذلك)، ولا يوجد يقين في ان يستمر هذا الوضع بعد سقوط الاسد.
وردت تقارير أكثر من مرة تقول ان رجال مخابرات كبارا في الاردن حذروا الدول الغربية واسرائيل ايضا من سيطرة الجهاديين والسلفيين على سوريا وجعلها رأس جسر لنشاط تآمري وارهابي في المنطقة كلها. وكما صادق مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة في الاسبوع الماضي، يتدفق مئات أو ربما آلاف من رجال القاعدة ومنظمات متطرفة سنية اخرى من دول عربية مختلفة ومن شمال افريقية الى سوريا لا للمشاركة فقط في محاربة الجيش بل وفي الأساس لمحاولة ترك أثرها على الواقع السياسي الذي سينشأ هناك بعد ان يسقط النظام الحالي.
أحد الامثلة هو منظمة تسمى جبهة النصرة (تراها الاستخبارات الامريكية فرعا عن القاعدة) وغايتها جعل سوريا دولة اسلامية أصولية. وليست كل هذه الجهات بالطبع مصنوعة من جلد واحد وفي 'جيش سوريا الحر' عناصر اخرى ايضا، لكن يصعب ان نعلم اليوم من الذي ستكون يده هي العليا في 'اليوم التالي'. وعلى كل حال، قد يندم على ذلك من أعطوا ويُعطون المتمردين السوريين مالا ووسائل قتالية بلا تمييز صحيح احيانا. وتعتقد الجهات الاستخبارية الاردنية التي ذكرناها آنفا مثلا ان تركيا مكّنت عناصر ارهابية من حشد قوة والتسلح على حساب عناصر أكثر علمانية واعتدالا.
بأي قدر تستطيع القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا (بالتعاون مع جهات عربية معتدلة)، ان تعمل كي لا يتفشى الدُمل السوري وراء حدود سوريا وللدفع قدما ببديل مختلف في السلطة عن النظام السابق وعن الذي يسعى اليه الأصوليون؟ اذا أخذنا في الحسبان واقع الشرق الاوسط على أثر الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا صعب ان نتكهن، ومع ذلك وبازاء الوضع بعد سنتين من حرب أهلية وحشية وعقوبات دولية وسياسة اقتصادية فاشلة، ستكون سوريا محتاجة الى مساعدة متعددة الأبعاد تُمكّن الجهات الدولية المختلفة من التأثير في التطورات فيها. وينبغي ان نتذكر أنه سيكون من الممكن التأثير في عدد من المجالات في المراحل الاولى بعد تنحية الاسد قبل ان يصبح ذلك متأخرا جدا، والقصد قبل كل شيء الى القضاء على مخزونات السلاح الكيميائي واحتياطي الصواريخ السورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
لن يكون 'ربيعا عربيا' في سوريا
بقلم: دان مرغليت ،عن اسرائيل اليوم
يصف مراسل صحيفة 'نيويورك تايمز' في الشرق الاوسط، توم فريدمان، في كتابه 'من بيروت الى القدس' زيارة تثير القشعريرة لسوريا حافظ الاسد. فقد وصل الى مدينة تمردت على السلطة المركزية وقتل الاسد كثيرا من أعدائه وطرحهم وهم أحياء في القبور. ان الوحشية جينية تنتقل من جيل الى جيل. فأمس كان الابن بشار الاسد هو الذي أمر بقصف وحشي انتهى الى موت عشرات المواطنين الأبرياء. وإن أحداثا كهذه في الأساس أضيق تحدث في كل بضعة أيام.
ان الميل الطبيعي المفهوم من تلقاء نفسه هو ان نقول ان ايام الاسد في قصر الرئاسة في دمشق معدودة. فكم من الوقت يستطيع البقاء في السلطة واستعمال الجيش الذي يسيطر على ربع مساحة الدولة فقط؟ صحيح ان النهاية حتمية لا يمكن منعها. ويقول أحد الأنباء انه تم احراز اتفاق امريكي روسي على ان يفر الاسد الى بلد يلجأ اليه. وعلى حسب اقتراح فاروق الشرع الذي يخضع لسلطته، ينبغي اجراء تفاوض لأن الاسد ايضا يدرك انه لن يكون منتصرون في هذه الحرب.
بيد انه يوجد فرق زمني ملحوظ بين التصريح عن ان الاسد قد قُضي عليه وبين النهاية بالفعل، وفي هذه المدة قد تحدث أحداث مصيرية لسوريا والشرق الاوسط. لن يكون ربيع عربي في سوريا وكل نتيجة ستكون مثل شتاء عاصف مظلم. ان الغرب يساعد الثوار الآن أكثر مما كان يفعل في الماضي. وهو ينقل سلاحا وذخيرة من غير ان يرسل وحدات عسكرية ومن غير ان يعترف بما يفعل وذلك في الأساس كي لا يتصادم مع روسيا التي ما تزال لها مصالح كثيرة مع النظام القائم والتي تمنع سقوطه ما لم يتم تحقيق مطالبها أم تُضمن.
لم تتدخل اسرائيل حتى الآن في مذبحة الشعب في سوريا. ولم تهب الدول العربية ايضا لانقاذ مواطنيها.
ان سقوط عائلة الاسد يُستقبل في اسرائيل مشاعر مختلطة. فمن جهة هناك احتمال كبير لسقوط حلقة حيوية لا بديل عنها اذا سقط الاسد من المحور الذي يربط طهران بحزب الله. وكل ضربة كهذه لايران تعزز أمن اسرائيل تعزيزا كبيرا. ومن جهة اخرى حرص الجيلاني من حكام عائلة الاسد منذ حزيران 1974 على حفظ وقف اطلاق النار في جبهة الجولان. ولا ضمان لحفظ هذا الهدوء مع تغير النظام حتى لو ضعفت السلطة المركزية في دمشق وقُسمت الدولة بالفعل الى أقاليم قبلية ذات طبيعة شبه إقطاعية.
يُحسن خبراء بشؤون سوريا تحليل الوضع، لكنهم لا يستطيعون ان يعطوا الحكومة في القدس جوابا يوثق به يُبين أي احتمال من الاحتمالين هو الأقل ضررا بالنسبة اليها. ان من سيسيطر على دمشق ويقود الجيش سيسيطر على مستودع سلاح كيميائي ضخم.
انه ما كان الاسد يُدبر أمور بلاده في تسلط كان هناك أساس لافتراض انه لن يستعمله استعمالا متسرعا، لكن هوية وارثه غير معروفة الى الآن. ومهما يكن الامر فمن الواضح ان اسرائيل ستضطر الى شد عضلاتها أكثر مما فعلت في الماضي في سنة سيزداد فيها الضغط لتقليص ميزانية الدفاع ايضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
ولادة الجمهور العربي
القرارات التي يمكن ان تتخذ بالغمز بين رئيس امريكي وأي رئيس عربي يجب ان تستند من الان فصاعدا الى الشرعية الجماهيرية
بقلم: تسفي بارئيل ،عن هآرتس
أقل من مائتي متر تفصل بين فرع 'كنتاكي فرايد تشكن' في القاهرة وبين مبنى مجلس الشورى المصري الذي يقع في شارع قصر العيني. هذا مسار يقطع ميدان التحرير، يمر بمبنى الجامعة الامريكية في القاهرة ويطل على مبنى المجمع، وزارة الداخلية الرهيبة التي مثلت نظام الخوف لمبارك.
وفي يوم حار ومخيف ما في آب 2008، يوم عادي ومليء بالسيارات والمشاة ممن لم يأبهوا بالاشارات الضوئية، امتلأت فجأة الارصفة بجمهور كبير احتشد قرب مبنى البرلمان. وامتشق الكثيرون هواتفهم الخلوية وبدأوا يصورون اللهيب والدخان الكثيف الذي تصاعد من المبنى. وببطء وصلت ايضا بضع سيارات اطفاء صغيرة بدأت ترش الماء دون جدوى.
'خلل كهربائي'، قالت السلطات للصحفيين الذين سجلوا بعناية. 'كيف يحتمل الا تتمكن الحكومة من اطفاء حريق لمبنى يعود لها؟'، عجب أحد المارة. 'ليست الحكومة هي التي لا تستطيع ان تطفىء النار، بل هي التي اشعلتها'، اضاف. 'خلل كهربائي، آه؟'. وفي الغداة اعلن عن لجنة تحقيق وتعهد مبارك بترميم المبنى في عهد ولايته.
قبل أربعة اشهر من الحريق، في مدينة المحلة الكبرى الصناعية جرت مظاهرة جماهيرية لعمال المصانع، احتجوا على أرباب عملهم الذين لم يفوا بتعهداتهم لاشراك العمال في الارباح. في 6 ابريل حظي العمال بتأييد كبير من مجموعة من الشباب دعوا كل سكان مصر الى الاضراب تضامنا مع العمال.
وكان هذا اضرابا اصيلا في نوعه. 'البسوا السواد ولا تخرجوا الى العمل'، هذه كانت رسالة الشباب عبر مواقع الانترنت والعديد من المدونات. وفعلوا هذا بسبب الفهم بان لا معنى للخروج الى الشوارع للصدام مع الجيش، الذي هو بالتأكيد اقوى منهم.
ووضع النداء، الذي حظي باستجابة كبيرة نسبيا، حجر الزاوية لحركة 6 ابريل. وهذه الحركة ستبادر بعد ثلاث سنوات من ذلك الى المظاهرة الكبرى في 25 كانون الثاني 2011 في ميدان التحرير، لتسجل بداية الثورة.
قبل اسبوع من الحريق نشرت صحيفة 'المصري' اليوم المستقلة، مقالا بقلم محررها الرئيس في حينه مجدي الجلاد حمل عنوان 'مشكلة أمن قومي'.
وروى الكاتب عن لقاء كان له مع ثلاثة شبان مثقفين: احدهم خريج كلية الصيدلة، الثاني خريج قانون والثالث يتعلم التجارة. وفي الحديث بينهم طرح السؤال: 'ماذا يحصل اذا ما احتلت اسرائيل سيناء مرة اخرى، فهل ستخرجون للقتال دفاعا عن الوطن؟' فأجاب أحدهم على الفور: 'نعم بالتأكيد'. والثاني، بذات السرعة، اجاب بالسلب، والثالث قال: 'عليّ أن افكر، يحتمل أن لا'. 'طلبت من الاخير ان يشرح قوله'، كتب الجلاد، 'فأجاب بان الانسان يخرج الى الحرب للدفاع عن الوطن الذي يشعر انه له. عن دولة تمنحه الدفء والامن. عن حكومة تحقق العدالة والمساواة'.
في الذكرى الثانية للثورة المصرية وإن كانت ستحيا بعد شهر فقط، سبقتها الثورة في تونس التي يوم اندلاعها هو 17 كانون الاول، اليوم الذي أحرق فيه نفسه محمد بوعزيزي، الشاب خريج الجامعة الذي صادر افراد الشرطة بسطته لبيع الخضار. وبعدها ستأتي الثورات الطويلة والدامية.
في 27 كانون الاول، بعد يومين من المظاهرة الكبرى في القاهرة، بدأت المظاهرات الجماعية في اليمن؛ في 15 شباط سجلت مظاهرة جماهيرية بداية الحرب الاهلية في ليبيا؛ وفقط في اذار انضمت سوريا الى دول الثورة. ولكن للتواريخ الدقيقة للثورات توجد قيمة رمزية فقط. لم تبدأ اي من الثورات حقا في تاريخ واحد.
لقد نضجت القطيعة والاغتراب بين الجمهور وحكامه على مدى سنوات طويلة قبل أن يتغلب الاحساس بعدم وجود ما يمكن للمرء أن يخسره على الخوف من النظام. 'الان فهمت ما تريدون'، وعد الجمهور الرئيس التونسي، زين العابدين بن علي، في احد خطاباته الاخيرة قبل أن يفر مع أبناء عائلته. وكان هذا فهما متأخرا وكاذبا. فقد عرف بن علي جيدا ما يريده الجمهور، ولهذا فقد فرض على مدى السنين رقابة متشددة على الصحف وعلى الانترنت، قمع بالقوة كل محاولة للتظاهر وهندس الانتخابات.
يد مبارك كانت اكثر رقة. في عهده ولا سيما في العقد الاخير من بين العقود الثلاثة لحكمه، ازدهرت الصحافة، وان كانت غير قانونية، وشكلت الانترنت منصة لخطاب جماهيري متطور. واساس كفاحه وجهه مبارك ضد الاخوان المسلمين. ولكن بينما تخفت الدكتاتورية في مصر في نظام دستوري، فان ليبيا، اليمن وسوريا، لم تجتهد على الاطلاق. وهكذا، اذا كان في مصر وفي تونس مطلب اسقاط النظام موجها ايضا لرئيس الدولة ولطريقة الحكم والاجهزة التي انشأتها، ففي اليمن وفي ليبيا كان الصراع شخصيا اكثر بكثير.
فمطلب الديمقراطية فسر بشكل مختلف في كل دولة، فيما أن تركيبة السكان الخاصة حددت النتيجة المنشودة: الفارق بين سكان بنغازي وطرابلس وفي غربي الدولة (في حالة ليبيا) والنزاع بين الجنوبيين والشماليين وبين القبائل المختلفة (في حالة اليمن).
في هذه الفوارق يكمن احباط من وضعوا مفهوم 'الربيع العربي' في الغرب الثورات، كما يجدر بالذكر، بدأت في الشتاء (باستثناء الثورة السورية) الذين رأوا امام ناظريهم ثورة عموم عربية ستنتج ديمقراطية على النمط الامريكي. اما طموحات ثوريي الدول العربية، الذين يعرفون اكثر من الجميع ما هي الديمقراطية التي تلائمهم، فاكثر دقة.
يستند تعبير الربيع العربي الى الذاكرة الجماعية الغربية التي تتذكر ربيع الشعوب حيث بدأت تترتب وتتعرف المفاهيم القومية في اوروبا. وكان تواصله في الشتاء الاستعماري القاتم الذي احتلت فيه الدول العربية ايضا. الدول العربية في 2011 لم تستيقظ الى ثورة قومية. فقد تحققت هذه في القرن الماضي. ويحتمل أن يكون من الاصوب تعريف هذه الثورات كمرحلة انتقالية حرجة من الاغتراب الى تماثل المواطنين مع دولهم. ليست حرب استقلال ضد محتل استعماري بل تنفيذ الملكية على الدول التي ابقاها المستعمرون ورثتهم، اولئك الدكتاتوريين الذين اسقطوا.
كما أن تعبير العربي في عبارة الربيع العربي بعيد عن الحقيقة. أربع دول عربية: تونس، مصر، ليبيا واليمن شهدت اسقاطا للحكم؛ دولة واحدة، سوريا، لا تزال تكافح ضد النظام؛ في البحرين وان كانت مظاهرات، فان النظام لم يتغير. والعراق اجتاز ثورة سلطوية بفضل الاحتلال الامريكي. اما باقي الدول العربية فبقيت في موقف المتفرج.
ولكن سيكون من الخطأ فحص تأثير الثورات فقط عبر المنظور الضيق للتغييرات او عدم التغييرات، في كل دولة ودولة. وعي 'خلود الانظمة' كما رسخ في معظم الدول العربية هو الذي تبدد.
وحتى الانظمة العائلية، مثلما في السعودية، الكويت أو قطر، تعترف بالامكانية الخطيرة من ناحيتهم الكامنة في قوة الجمهور. وقد سارع بعضهم الى تبنى اصلاحات أو شراء الهدوء بمال كثير. وقد ارتدت الديمقراطية في هذه الدول صيغة اخرى، بموجبها الحلول لا يمكن أن تكتفي فقط بضمان الدخل وبالتوزيع الافضل لاموال النفط. مفهوم تمثيل الجمهور دخل أكثر فأكثر الى الخطاب الجماهيري.
وبالتالي فان الثورات لا يمكنها أن تختبر فقط في جودة الديمقراطية التي انتجتها ولا حتى بتحطيم نظام الخوف فقط. هذه أزمة هوية، ومن هنا أزمة تضامن مع دولتك. الممثل المصري القديم، حمدي احمد، أوضح بان غياب الهوية جعل الدولة سوبرماركت. فهل يمكن أن نتوقع من أحد ما ان يضحي بحياته من أجل سوبرماركت؟ كل علاقاتك مع السوبرماركت هي أنك تشتري فيه بضعة منتجات يمكن أن تحصل عليها في كل مكان آخر'.
تجري المرحلة الثانية من الاستفتاء المصري على الدستور الجديد. ويشهد الصراع الحاد واحيانا العنيف بين معارضي صيغة الدستور المقترح ومؤيديه على الاهمية الشديدة التي يوليها معظم الجمهور لشكل الدولة التي يعيش فيها.
وخلافا لعدم المبالاة بل والكرهية التي احس بها الجمهور المصري تجاه البرلمان قبل اربع سنوات فقط، هذه المرة يرى الجمهور في هذه المؤسسة جزء لا يتجزأ منه. فليس الاحساس فقط بان لصوت الناخب يوجد هذه المرة معنى حقيقي يرسم الفرق بين الستين سنة الماضية وبين السنتين الاخيرتين، بل الاحساس بالانتماء والتماثل مع الدولة، هو الذي نشأ وازدهر في هاتين السنتين.
ولا ريب أنه سيكون للثورة في الوعي ايضا آثار كثيرة على السياسة الخارجية لهذه الدول، على العلاقات العربية وعلى شبكة العلاقات مع الغرب بشكل عام ومع الولايات المتحدة بشكل خاص. ويجري التغيير في هذا الوعي منذ الان في الغرب ايضا، الذي بدأ بالاعتراف بان التحالفات بين الانظمة الغربية والحكام العرب يجب أن تستند من الان فصاعدا الى ذاك المجهول الهائل الذي يسمى الرأي العام.
فالقرارات التي يمكن أن تتخذ باللغمز بين رئيس أمريكي ورئيس مصري او تونسي يجب أن تستند من الان فصاعدا الى الشرعية الجماهيرية.
وهذا ليس فقط في الدول التي شهدت الثورات بل وايضا في الدول التي تخاف من انتقال الثورات اليها، مثل الاردن، السعودية أو الكويت.
ويتعين على طيف العلاقات الدولية أن يغير تعاريفه للزعماء المؤيدين للغرب والمناهضين للغرب؛ ستكون حاجة الى التعاطي مع الزعماء وفقا لمدى استجابتهم لجمهورهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
جون كيري جاء ليجد حلولا
بقلم: يوسي بيلين ،عن اسرائيل اليوم
لا يتولى جون كيري منصب وزير الخارجية الامريكية ليتقدم في حياته المهنية من ناحية شخصية. فهذا الرجل الذي كان مرشحا حقيقيا لمنصب رئيس الولايات المتحدة في 2004، والذي يتولى عملا منذ عشرات السنين في مجلس الشيوخ (يتولى منصب رئيس لجنة الخارجية الجليلة الشأن في المدة الاخيرة)، حصل على هذا المنصب لأنه يؤمن بقدرته على المساعدة على ايجاد حلول لعدة تحديات صعبة تواجهها بلاده. ان كيري شخص نادر أضاعت امريكا قبل ثماني سنوات قيادته لها رئيسا والذي يبلغ آخر منصب سياسي له في حياته كما يبدو مع تجربة نادرة للعلاقات الخارجية وحب كبير للدبلوماسية.
في أحاديث كانت بيننا على مر السنين أثر فيّ جدا معرفته بشؤون الشرق الاوسط لكنه أظهر معرفة مشابهة حينما انتقل الحديث الى مناطق اخرى في العالم. وهو يبلغ الى المنصب المهم في وزارة الخارجية ناضجا للجلوس في مقعد سلفه هيلاري كلينتون، مع عِلم غير قليل وشعور بأنه قادر على حل مشكلات حتى مما بقي مفتوحا وانتقل بالوراثة من ادارة الى اخرى. وقد تنقل مع والديه في العالم لأنه ولد لدبلوماسي، وتعرض للتربية في دول مختلفة وهو يتكلم بخمس لغات، وسيكون التعيين الجديد بمنزلة تحقيق حلم ما عند كيري وإن كان حلمه الحقيقي قد طمح الى أكثر من ذلك.
كانت تجربة حياة كيري الشعورية في فيتنام. في نهاية ستينيات القرن الماضي وبدء سبعينياته صيغ تصوره العام حينما خدم ضابطا في اسطول الجيش الامريكي ونال أوسمة بطولة. وهو من جهة جندي مطيع جريء لا يحاول الفرار من المعركة ويُعرض حياته للخطر في جنوب شرقي آسيا، وهو من جهة اخرى جندي مُسرح ينضم الى دُعاة إنهاء الحرب ويناضل ما كان يبدو له اجراءا سياسيا وعسكريا خطأ لا حاجة اليه. وكانت معارضته لاستمرار الحرب تختلف عن معارضة كثيرين من رفاقه لأنه قضى هناك بضع سنين. وما كان أحد يستطيع ان يقول لهذا الضابط ذي الأوسمة إن معارضته تنبع من خوف أو من ضعف. وكانت هذه آخر الامر هي المعارضة التي أدت به الى السياسة في سن صغيرة.
ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني الطويل يثير اهتمامه جدا بسبب الأهمية الاستراتيجية للشرق الاوسط عند الولايات المتحدة وبسبب الصلة الخاصة بين القوة الكبرى الوحيدة في العالم ودولة اليهود والتي يؤمن بها من أعماق قلبه، وربما ايضا بسبب موضوع آخر أعترف بأننا لم نتحدث عنه قط ألا وهو أصله اليهودي. فكيري يستحق جنسية اسرائيلية بحسب قانون العودة لأن والديه كانا يهوديين (تهود أخوه). وبسبب قربه من اسرائيل واليهودية خاصة فانه شديد الاهتمام ولا يمتنع عن انتقادها. أما مزاعم انه معادٍ لاسرائيل فتجعله يبتسم. وهو قلق من سياسة الحكومات الاسرائيلية ويخشى على مستقبل الدولة، ولا يفهم ما هي خطة معارضي تقسيم البلاد في الوقت الذي ستسيطر فيه أقلية يهودية على أكثرية فلسطينية، ويؤمن بأن الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين له حل. ويعلم ايضا في رأيه ما هو الحل الضروري.
ان كيري بصفته وزير الخارجية لن يسحب يديه من الشرق الاوسط بل سيحاول كما يبدو ان يعمل بنفسه وان يفحص ما هي الخطوة السياسية العملية في هذه المرحلة. وقد يصبح نقطة ضوء آسرة في ادارة امريكية رفعت يديها في ظاهر الامر عن الحل في منطقتنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
السباق نحو القنبلة
بقلم: أفنير غولوب ،عن معاريف
احدى الحجج المركزية لاسرائيل والولايات المتحدة ضد البرنامج النووي العسكري الايراني هي أن قنبلة نووية ايرانية ستؤدي الى تسلح السعودية، تركيا ومصر. ورغم تصريحات المسؤولين السعوديين، وأقوال المسؤولين الاتراك والمصريين، هناك مهنيون يعتقدون بان قنبلة ايرانية لن تؤدي الى سباق تسلح اقليمي بالسلاح النووي، ويعتمدون على التأثير الامريكي وعلى قوة نظام عدم نشر أسلحة الدمار الشامل. هذه الادعاءات تعبر عن فهم كان مناسبا للشرق الاوسط القديم: قبل أن تطور ايران قنبلة نووية، قبل صعود الاسلام السياسي السني، وقبل ان تفقد الولايات المتحدة نفوذها الاقليمي.
بالنسبة للحالة السعودية لا تفسير كافٍ لماذا ستعمل السعودية السنية في خلاف مع تصريحاتها عندما تكون ايران بالذات، خصمها الشيعي يمتلك السلاح الذي يتيح له العمل ضد المصالح السعودية في المنطقة. الملك السعودي، اقتبس يقول: 'اذا كان لهم سلاح نووي، فسيكون لنا سلاح نووي'. هذا التهديد يضاف الى تصريحات مسؤولين سعوديين كبار مختلفين في السنوات الاخيرة. فلماذا لا تحقق السعودية تهديداتها عندما تضعف المصلحة والروافع الامريكية لمنع انتشار السلاح ونظام عدم نشر السلاح يوشك على التآكل الذي يهدد مستقبله في المنطقة؟ من المهم أن نتذكر بأن للسعودية دوافع ومقدرات تتيح لها اقتناء قنبلة نووية في غضون وقت قصير. وعليه، يبدو أن السعودية تشكل تهديدا فوريا وحقيقيا لسباق التسلح النووي اذا ما حازت ايران على قبنلة نووية.
تركيا هي الاخرى، التي ترى نفسها قوة عظمى اقليمية وتنافس على القيادة السنية في المنطقة لا يمكن ان تبقى غير مبالية في حالة سلاح نووي ايراني. فالمنافسة مع ايران على الهيمنة والنفوذ في الشرق الاوسط وفي العالم الاسلامي، الى جانب قدراتها الاقتصادية، ستسمح لتركيا التغلب على انعدام البنية التحتية النووية، والتفكير بالمنفعة الاستراتيجية في بناء قوة نووية حيال خصمها من الشرق. لقد وقعت تركيا على ميثاق الـ npt وعلى 'البروتوكول الاضافي' وهي تخضع للرقابة الدائمة، ولكن المحفز الاساس لقرارها سيكون الضمانات التي تتلقاها من واشنطن. في ضوء الاستراتيجية الامريكية الجديدة التي ترى في شرق آسيا الهدف الاستراتيجي المركزي، فان الشك تجاه سياسة واشنطن في المنطقة، الاغتراب المعاظم عن اوروبا والانتقاد على الناتو، لا ينبغي الاستبعاد في أنه في ظل استمرار الميل في العلاقات التركية الامريكية، ستقرر الحكومة التركية بانه لا يمكنها أن تعتمد على المساعدة الخارجية في تصديها لايران نووية.
مصر هي الاخرى ترى في ايران تهديدا على مصالحها الاقليمية وعلى تطلعها لقيادة العالم الاسلامي. ومع أن التعلق المصري بالمال الامريكي عالٍ، الا أن البرود في العلاقات مع حكومة الاخوان المسلمين قد تقلص النفوذ الامريكي في القاهرة. كما أنه لان مصر تولي لاسرائيل قدرات في المجال النووي، فان تصاعد التوتر بين الدولتين كفيل بان يشكل حافزا لنيل قدرات نووية لغرض توازن القوى مع اسرائيل ومع ايران على حد سواء خصميها المركزيين في المنطقة. الادعاء بان مصر لن تهجر سياستها الحالية في المجال النووي في أعقاب وضعها الاقتصادي والاقليمي الصعب لا يتناول امكانية أن بالذات عندما تكون قوة النظام المصري تهتز داخل مصر وخارجيها، فان احتمالات ان تأخذ المخاطر لدرجة العودة الى مكانة القوة العظمى الاقليمية تكون أعلى من الماضي.
والاستنتاج هو أن الاحتمال لتحقق سيناريو سباق تسلح نووي نتيجة لتطوير سلاح نووي لدى ايران ليس منخفضا، ويجب أن يدرج في اطار اعتبارات اولئك الذين ينشغلون في المسألة الايرانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>