Haneen
2013-01-07, 11:44 AM
أقلام وآراء اسرائيلي
لعبة حرب
فوضى في الشرق الاوسط.. ايران تواصل التخصيب.. والكيماوي السوري قد يقع في اياد متطرفة.. والضفة هائجة.. وحماس تتسلح.. ومصر غير مستقرة
بقلم:عمير ربابورت،عن معاريف
2013 يعتبر في الجيش الاسرائيلي بانه 'عام الحسم'، ولكن يوجد احتمال معقول أن يتدحرج ليصبح عام الحرب. وحتى لو انتهى العام دون حرب في أي جبهة، فانه يمكن القول انه لم يسبق للجيش الاسرائيلي ان دخل عام عمل مع كل هذا القدر من علامات الاستفهام مثلما يبدأ العام الميلادي الجديد.
الفرضية في أساس خطة الجيش الاسرائيلي للعام 2013 هي أن الشرق الاوسط يوجد في فترة تغير. الهزة مستمرة. سياقات ذات معنى تاريخي، كانت في الماضي تستغرق سنوات طويلة، تجري اليوم في غضون اسابيع بل وبضعة أيام. وليس الشرق الاوسط وحده يتغير: الساحة الدولية كلها أيضا. الولايات المتحدة لم تعد القوة العالمية الوحيدة. روسيا، الصين والدول النامية تتحداها.
كما أن ما يحصل عندنا سيؤثر جدا على الواقع في 2013، مثل مسألة كم تلميذ مدرسة دينية سيتجند للجيش الاسرائيلي، اذا كان سيتجند اصلا. ولكن في هذا الموضوع الحساس يمتنع الجيش الاسرائيلي عن نشر اي فرضية عمل، وبالتأكيد ليس في فترة الانتخابات.
ايران تتسلح:
مع بداية العام 2013 يفهم الجيش الاسرائيلي بانه حتى لو اجتذبت حماس الانتباه في شهر تشرين الثاني الماضي (حملة عمود السحاب) فان الجبهة الايرانية هي المصيرية حقا. كما أنها هي التي ستسخن اولا، وقريبا جدا.
الجدول الزمني لعودة المسألة الايرانية الى رأس العناوين العالمية معروف مسبقا. في 21 كانون الثاني، قبل يوم من الانتخابات عندنا، ستدخل حيز التنفيذ الولاية الثانية لبراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة. وفي نهاية ولايته الاولى تعهد اوباما بمنع ايران من الوصول الى سلاح نووي. ليس مؤكدا أنه يعتزم الوقوف بكل ثمن خلف هذا التصريح ولا سيما عندما تكون الولايات المتحدة مستنزفة من سنوات قتال طويلة في العراق ولا تزال لم تستكمل انسحابها من افغانستان (آخر الجنود سيغادرون الدولة في 2014)، ولكنه سيبذل جهدا حقيقيا لتشديد الضغط على نظام آيات الله.
بعد اقامة الادارة الجديدة ستستأنف أيضا المحادثات بين القوى العظمى وايران. وستطالب القوى العظمى ايران بان تنزع عنها اليورانيوم الذي خصب الى مستوى عسكري فوق 20 في المائة، وقف عمل اجهزة الطرد المركزي وحل المنشأة النووية في قم. وستنتهي المحادثات مرة اخرى بلا نتائج.
ومع حلول الربيع القادم سيبدأ الامريكيون بحشد القوات في الشرق الاوسط ومقابل الخليج الفارسي. وبالتوازي مع تصاعد التهديد العسكري ستعمل الولايات المتحدة على تشديد الضغط الاقتصادي مرة اخرى. في شهر حزيران القادم ستجري في ايران انتخابات للرئاسة. ويمكن لتفاقم الوضع الاقتصادي أن يخرج ملايين الايرانيين الى الشوارع ويضعضع استقرار النظام. ولهذا فان نافذة فرص الولايات المتحدة والغرب لممارسة الضغط الناجع على ايران هي بين شهر اذار وشهر حزيران.
ولكن هل ستنفذ الولايات المتحدة التهديد العسكري فتهاجم ايران. الكثير منوط ايضا بالايرانيين أنفسهم. ومثلما تبدو الامور الان، فهم سيحاولون الحفاظ على 240كم من اليورانيوم المخصب الى مستوى 20 في المائة فأكثر لتكون لهم حتى الربيع، فيعلنون عن وقف التخصيب. واذا كان الضغط عليهم شديدا بما يكفي فانهم سيستبدلون قسما من اليورانيوم المخصب بقضبان نووية لا يمكن استخدامها عسكريا، مثلما فعلوا ايضا في اثناء السنة الاخيرة، وذلك لتقليص الضغط الدولي الذي يتعرضون له.
ومثلما تبدو الامور الان، فان الولايات المتحدة لن تسارع الى الهجوم. والايرانيون ايضا لن يسارعوا ايضا الى هجر البرنامج النووي وسيبحثون عن السبل لمواصلته في الخفاء. عمليا، ستصبح ايران في الربيع القادم 'دولة حافة' تقرر متى تنتقل الى المرحلة القادمة في برنامجها النووي في التوقيت المريح لها من ناحية دولية. لقد أعلنت اسرائيل في الماضي غير مرة بانها لن تسلم لتحول ايران الى 'دولة حافة' ولكن هل ستهاجم المنشآت النووية في ايران بعملية جوية وحدها؟ هذا لا يبدو هكذا.
امكانية الهجوم كانت تبدو اكثر واقعية بكثير في شهر تشرين الاول 2012، قبل الانتخابات في الولايات المتحدة. فقد بنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك برجا من التوقعات لمثل هذا الهجوم. وفي مرحلة معينة نزل ايهود باراك عن الشجرة وابقى نتنياهو وحده بين فروعها. وسافر باراك الى الولايات المتحدة في اطار رحلة خاصة، التقى بوزير الدفاع ليئون بانيتا وعرض نفسه بصفته 'الكبير المسؤول'. وبعد ذلك رفع لنتنياهو الحاجب عندما تعاون مع البرنامج التلفزيوني 'الدليل' عني بالازمة بين القيادة السياسية والعسكرية في مسألة الهجوم المحتمل في ايران في بداية العقد. ويشك نتنياهو الان بان باراك خلط بين الاعتبارات الموضوعية والانتخابية في المسألة الايرانية عندما فكر بالتنافس في الانتخابات على رأس حزب 'الاستقلال'.
وستؤثر المسألة الايرانية في كل الاحوال على المسألة الاكثر إثارة للاهتمام اليوم في جهاز الامن: من سيكون وزير الدفاع القادم؟ من جهة يمكن لفترة الحسم في المسألة الايرانية أن تكون ذريعة لمواصلة ولاية باراك كوزير دفاع في الحكومة القادمة حتى دون أن يتنافس في الانتخابات؛ من جهة اخرى، فان أزمة الثقة بين نتنياهو وباراك عميقة واساسية. فقد كف باراك عن الوصول في الاسابيع الاخيرة الى محادثات ثنائية في مكتب رئيس الوزراء كما أنه لا يصل مثلا كان ذات مرة الى منزل نتنياهو الخاص في قيسارية. بل انه لم يصل الى جلسة الحكومة يوم الاحد الماضي، وان كان رافق نتنياهو في زيارة قيادة المنطقة الوسطى في سياق الاسبوع. ان لم يكن باراك، فرئيس الاركان الاسبق، الفريق موشيه بوغي يعلون سيكون صاحب الفرص الاكثر واقعية في ان يعين وزير الدفاع التالي.
ومثلما تبدو الامور في نهاية هذا الاسبوع، فان احتمالات السلام بين نتنياهو وباراك متوسطة، اما احتمالات الحرب مع ايران في أعقاب هجوم اسرائيلي أو امريكي فمنخفضة حتى متوسطة.
حزب الله ضعف
احتمال الحرب مع حزب الله في لبنان في اثناء العام 2013 يستمد بشكل مباشر من احتمال الحرب مع ايران. فقد ضعف حزب الله في أعقاب مشاكل بشار الاسد في سوريا. وقوات حزب الله تقاتل في سوريا في محاولة للحفاظ على النظام بل وتتكبد خسائر غير قليلة.
كما ان حقيقة أن حزب الله اصبح جزء لا يتجزأ من حكومة لبنان تقيد حريته في العمل العسكري حيال اسرائيل بشكل يتجاوز اطلاق الطائرات بدون طيار. ولكن اذا ما تعرضت ايران للهجوم، فسيطلق حزب الله نحونا ترسانة السلاح الهائلة التي بنتها له ايران بالضبط من أجل هذا اليوم. وفي كل الاحوال، صحيح حتى الان، فان احتمال الحرب مع حزب الله في 2013 يبدو منخفضا حتى متوسطا.
سوريا تشتعل:
القصة السورية واضحة بقدر أقل بكثير ومتفجرة اكثر بكثير. مع حلول 2013 يفقد الاسد المزيد فالمزيد من مناطق السيطرة. وفي الجانب السوري من هضبة الجولان يسيطر منذ الان الثوار بشكل كامل. يوجد لبشار الاسد امكانيتان: ان يتمترس في جيب علوي تدعمه ايران وحزب الله، ويواصل خوض حرب أهلية يمكن أن تستمر لسنوات أيضا، او ان يهاجر الى دولة لجوء. مفهوم أن امكانية أن يصل الثوار اليه ويسرعوا نهايته ليست امكانية مستبعدة.
اليوم الذي يفقد فيه الاسد كرسيه قد يكون الاخطر من ناحية اسرائيل. فكخطوة يائسة تدخله الى التاريخ العربي، يمكن لبشار أن يأمر آخر الموالين له بأن يهاجمونا نحن بالذات مثلما أطلق صواريخ سكاد على المناطق التي تحت سيطرة الثوار في الاسابيع الاخيرة.
ويدل اطلاق الصواريخ كم هو وضع الاسد يائس. بالمقابل، فان التقارير التي نشرت هذا الاسبوع عن استخدام السلاح الكيميائي لسوريا تبدو مبكرة لزمنها. فحسب آخر التقديرات فان المناطق السورية التي ظهرت في صور الاعلام لم تصب بمواد قتالية سورية بالمواصفات الرسمية (غاز سرين او مادة في.اكس)، بل قنابل غاز تستخدم لتفريق المظاهرات.
ومع ذلك، فان الخوف في اسرائيل من السقوط القريب لمخزونات السلاح الكيميائي في اياد 'غير مسؤولة' في سوريا أو في أيدي حزب الله في لبنان هو خوف حقيقي.
للجيش الامريكي توجد مخططات حول كيفية الهجوم على مخزونات السلاح هذه في اليوم التالي للاسد بل وربما السيطرة عليها، الامر الذي سيتطلب عشرات الاف المقاتلين الامريكيين. ولكن امكانية منع الاستخدام غير المسؤول لهذا السلاح بشكل عسكري تبدو ذات احتمالات طفيفة. في هذه الاثناء فان مخزون سلاح كيميائي واحد وقع في يد الجيش السوري الحر لم ينهب أو يسلب، بل انهم حافظوا عليه بعناية. الثوار لا يستخدمون هذا السلاح. أما الاسد فجمع باقي المخزونات في المناطق التي لا تزال توجد تحت سيطرته.
في اسرائيل يقدرون بانه اذا فقد الاسد الحكم، فان الحرب الاهلية بين القوات التي يتشكل منها الائتلاف ضده يمكن أن تستمر. في المرحلة التالية من الحرب ستصطدم الميليشيات العلوية (التي يدربها حزب الله) مع قوات سلفية (تدعمها السعودية) ومع الاخوان المسلمين في سوريا (المدعومين من قطر والسعودية). اما الغرب من ناحيته فسيدعم القوات السنية المعتدلة والعلمانية في سوريا حتى وان لم يكونوا هم ايضا على ما ينبغي من الرقة. في السطر الاخير فان احتمال المواجهة مع اسرائيل في اي صيغة كانت في الجبهة السورية في اثناء العام القادم منخفض حتى متوسط.
الاردن مستقر:
في كل ما يتعلق بحدودنا الشرقية، يواصل الاردن كونه جزيرة استقرار في نهاية 2012 ايضا. في الاشهر الاخيرة تصدى الملك عبدالله غير قليل من المشاكل الداخلية، ولكن يبدو أنه اجتاز الفترة الصعبة بسلام. فقد هدأ غضب القبائل البدوية التي يتشكل منها جيشه من خلال رفع الرواتب، واستخدم يدا قاسية ضد شرارات الاضطرابات في قلب المملكة.
لقد ترك عبدالله لمصيره اقتصاديا من قبل دول الخليج وفقدَ العلاقة الاستراتيجية مع مصر بعد سقوط حسني مبارك.
المنشورات هذا الاسبوع عن زيارة نتنياهو الى الاردن مؤخرا هي صحيحة، حتى وان كان الدافع للكشف عنها هو دعاية انتخابية. وهاكم ايضا كشف آخر: اتفق بين الملك ونتنياهو على أن يقترح الاردنيون ان يستأنفوا عندهم في القصر المحادثات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة ابو مازن في شهر شباط في 2013. كل ذلك بالطبع، على فرض ان نتنياهو سيشكل الحكومة القادمة. اذا فقد الملك عبدالله كرسيه في 2013، فان الحدود الطويلة مع الاردن كفيلة بان تعود لتكون ساحة ارهاب مثلما في عهد 'بلاد المطاردات' في الستينيات من القرن الماضي. وعلى فرض ان مثل هذا السيناريو سيتحقق، كاستمرار لمظاهر عدم الاستقرار في العالم العربي، فان من شأن الامر أن يكون مصيبة استراتيجية من ناحية اسرائيل، ولكن احتمال هذا السيناريو الكابوس منخفض.
مصر تفاجأ:
في كل ما يتعلق بمصر، الرئيس مرسي، رجل الاخوان المسلمين لم يتوقف عن مفاجئة الاستخبارات الاسرائيلية في 2012.
فقد فاجأ مرسي في الشكل الذي أجرى فيه انقلابا في الجيش وعين فيه مقربيه، وكذا في البرغماتية التي ابداها في علاقاته مع الولايات المتحدة ومع اسرائيل.
لا مجال للخطأ: ايديولوجيا مرسي واضحة، وهي لا تخصص للكيان الصهيوني مكانا في الشرق الاوسط، ولكن الحاجة لاطعام 90 مليون فم، بما في ذلك من خلال مساعدة امريكية سنوية بمبلغ 1.3 مليار دولار، تدفعه حاليا نحو مطارح الاعتدال غير المتوقع.
مرسي لم يستطب المعركة التي تدحرجت اليها حماس حيال اسرائيل في شهر تشرين الثاني. من زاوية نظره، هذا عدم مسؤولية من جانب حماس في ضوء المصالح المنشودة من حركة الاخوان المسلمين التي ترسخ حكمها في مصر. في أعقاب ذلك لا يسارع مرسي الى فتح المعبر بين مصر وقطاع غزة في رفح بعد انتهاء القتال. وذلك في الوقت الذي نجد أن غير قليل من المحافل في اسرائيل معنية بفتح معبر رفح كي تعتبر مصر مسؤولة عما يجري في قطاع غزة، والا تتهم اسرائيل بالحصار.
من ناحية اسرائيل والولايات المتحدة، فان مرسي سيختبر من حيث الشكل الذي يعمل به كي يمنع اعادة تسلح حماس بالصواريخ بعيدة المدى التي تهدد تل أبيب. وحسب التقديرات، فان قسما من الصواريخ التي اطلقت نحو المركز في اثناء عمود السحاب وصلت من ايران واجتازت الاف الكيلومترات عبر السودان وطول مصر (بما في ذلك مقطع حرج داخل قناة السويس) دون أن تحرك السلطات المصرية اصبعا كي تمنع هذا النقل.
وتتوقع اسرائيل والولايات المتحدة الان من مصر ان تفعل كل شيء ضد نقل السلاح عبر اراضيها الى قطاع غزة. يبدو أنه منذ عمود السحاب احبطت القوات المصرية ما لا يقل عن ثلاث ارساليات سلاح بعضها وصل من ليبيا أو ايران ولكن ليس في ذلك ما يفيد في شيء عما سيكون لاحقا.
مهما يكن من امر، فان احتمال الغاء اتفاق السلام من جانب مصر وخلق مواجهة عسكرية أو سياسية مع اسرائيل في اثناء 2013 هو احتمال صفر. بالمقابل، فان المدى البعيد في كل ما يتعلق بمصر الاخوان المسلمين هو اقل تفاؤلا.
حماس راضية:
وماذا عن حماس؟ يمكنها أن تتباهى في 2013 فيما يعتبر في العالم العربي كأحد انجازاتها الاكبر المواجهة مع اسرائيل في عمود السحاب واستثمار الطاقة في تثبيت حكمها المدني وتسلحها العسكري استعدادا للمواجهة القادمة. وبالتوازي توجد لحماس امكانية العمل للمصالحة مع 'الاخوة' من فتح الذين يسيطرون في الضفة كمرحلة اخرى في الطريق الى السيطرة على الضفة الغربية ايضا. ولكن مع أن مصلحة حماس هي الحفاظ على الهدوء في الاشهر القادمة على الاقل، فتوجد سيناريوهات لا حصر لها بموجبها يتدهور قطاع غزة بسرعة ويتدحرج الى جولة قتال اخرى. احتمال جولة قتال اخرى مع حماس في 2013 متوسط.
الضفة تهيج:
بالنسبة للضفة، لا حاجة الى التوقعات للعام 2013. وكما كتب هنا في الاسابيع الاخيرة، فمنذ نهاية عمود السحاب، فان المنطقة هائجة منذ الان.
لا يدور الحديث عن تكرار للانتفاضة الاولى، ولا عن عودة الى العمليات الانتحارية للانتفاضة الثانية، ولكن الهدوء الذي ميز الضفة في سنوات 2008 2012 هو بالتأكيد من نصيب الماضي.
احتمال عودة موجة 'الارهاب الشعبي' الى الضفة هو احتمال عالٍ. فالجني الذي خرج من القمقم، بمساعدة أبو مازن، سيكون من الصعب اعادته اليه، حتى اذا استؤنفت المحادثات السياسية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية في عمان في شهر شباط.
في السطر الاخير: حتى لو لم يكن احتمال عالٍ لحرب في أي ساحة بحد ذاتها، فان العام 2013 سيكون عاما أمنيا غير مسبوق في تعقيداته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
السلفيون في مصر يعقدون الصفقات
بقلم:آريه غلوزمان،عن معاريف
في أحد الفنادق الفاخرة على ضفاف النيل في القاهرة اجتمع نحو 100 شخص يتماثلون مع الحركة السلفية في مصر. لم يتحدثوا عن الحرب في غزة، ولا عن تطبيق الشريعة في مصر.
في قاعة الفندق الفارهة اطلقت جمعية جديدة تدعى 'بادر' هدفها مساعدة الاعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة في مصر والتي تعمل بموجب مبادئ التيار السلفي.
وحضر المؤتمر في القاهرة رجال ملتحون في الغالب، بعضهم ببدلات على الموضة من أفضل الماركات الاوروبية، بعضهم في الجلابيب التقليدية.
كما أن اللغة المنطوقة كانت مختلطة وتضمنت العربية الفصحى والعامة وكذا اللغة التجارية التي تتضمن في الغالب الانجليزية. ولكن الرسالة كانت واحدة وتحدث الجميع في صالح المبادرة الحرة، تبعا لقيم الدين، بالطبع.
ويعد النشاط التجاري للسلفيين مثابة لغز بالنسبة لمعظم المصريين. فهذه حركة صغيرة نسبيا يعرف القليل عن رجالها، واقل من ذلك عن دورهم في الاقتصاد المحلي. احدى الشركات التي توجد في ملكية السلفيين هي شركة 'حدث'. وعنها أيضا لا يعرف الكثير. موقعها على الانترنت يوجد قيد البناء اما صفحتها على الفيسبوك فمليئة بخطابات زعماء 'بادر'.
أما ما هو معروف، وقد نشر في المؤتمر الافتتاحي في القاهرة فهو أن الشركة ستدفع 500 مليون جنيه مصري لشركات صغيرة ومتوسطة تتعاون مع 'حدث'. والشركات التى ستحظى بالتمويل ستكون مطالبة بان تلتزم بالرمز الاخلاقي لجمعية 'بادر' الذي يفترض التمسك 'بالايمان، الاخلاق والسلوك العربي'.
وشدد أحد مسؤولي 'بادر'، رجل الاعمال وليد السيد في المؤتمر على أن الجمعية تعتزم التركيز بالذات على القيم والمبادىء وليس على سن القوانين.
واشار السيد الى أن 'سياسة العمل الجماعي من جهة ومكافحة الاحتكارات من الجهة الاخرى هي من أهدافنا'.
وعندما سُئل السيد عندما يتحدث عن القيم هل يقصد القيم الاسلامية كان جوابه ان لا فرق بين الأمرين. ولمن كان لا يزال لديه شك عما يدور الحديث، فقد فصل فقال ان 'حدث' ستوفر وسائل تمويل بديلة تستند الى الشريعة. 'في نيتنا الاشراف على العملية بالتعاون مع البنوك الاسلامية، البنوك التقليدية ليست في قوائمنا'، أوضح السيد.
وستبدأ 'بادر' بالعمل بشكل رسمي ابتداء من كانون الثاني القادم وستمول باشتراكات الاعضاء والتبرعات. بين المتبرعين للجمعية يوجد عصام شرف الذي شغل لفترة قصيرة منصب رئيس الوزراء المصري، وبسام الزرقا، مستشار الرئيس المصري سابقا والذي كان في الماضي ايضا عضو في اللجنة العليا لحزب النور السلفي.
وروى الشيخ ياسر برهمي من الزعامة الروحية للحركة بان مقر 'بادر' سيكون في الاسكندرية حيث معقل السلفيين في مصر. ومع نهاية المؤتمر ناقض السيد نفسه بعض الشيء ووعد بتحويل الجمعية الى مجموعة للضغط السياسي ستعمل على تشريع ودي للاعمال التجارية، وذلك ضمن امور اخرى من خلال توسيع دائرة الاعفاءات من الضرائب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاردن.. مملكة في الافلاس
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
'لست واثقا على الاطلاق في ان تصل المساعدات من دول الخليج الينا بالفعل'، هكذا تحدث وزير المالية الاردني، سليمان الحافظ. اذا ما تحققت هذه النبوءة، فان صندوق الاردن الآخذ في النفاد سيتعرض لضربة شديدة اخرى، يقربه أكثر فأكثر من الافلاس الاقتصادي.
تقوم ميزانية الاردن، ضمن امور اخرى، على منحة بنحو مليار دولار، يفترض أن تغطي جزءا من العجز في الميزانية، الذي يقدر بـ 3.5 مليار دولار. وحولت السعودية في السنة الماضية لجارها الشمالي نحو 1.4 مليار دولار، غطت به جزءا من العجز. اما هذه السنة فان السعودية وباقي دول الخليج فتدير ظهرا باردة للملك عبدالله. ولا يفصل الناطقون الرسميون علنا السبب وراء ذلك، الا ان المحللين الاردنيين يقولون ان السعودية قررت معاقبة الاردن على خروجه عن الخطة السعودية ـ القطرية لاقامة منطقة آمنة جنوبي سوريا، من خلال قوة تصل من الاردن.
اذا كان خشي الاردن، الذي يستضيف نحو مائة الف لاجيء سوري من انتقال الثورة في سورية الى اراضيه، فان تخوفه تحقق، ولكن بالذات من جهة غير مرتقبة. ففي الاسبوع الماضي نشر المراسل السياسي لصحيفة 'الدستور' الحكومية مقالا لاذعا في حدته ضد السعودية، طلب منها فيه 'تغطية نفقات الاردن في الدفاع عن الحدود الشمالية للسعودية'. وكانت هذه المرة الاولى منذ سنوات عديدة تخرج فيه صحيفة حكومية اردنية بهجوم مباشر على السعودية. يبدو أنه عندما تشتد ربطة الخناق حول رقبة الاردن، يكون مسموحا ايضا مهاجمة من يحسن للمملكة ويحاول أن يفرض عليها شروطا سياسية مقابل المساعدة.
ولكن مقالا في الصحيفة وانتقادا ضد السعودية لن يحلا مشكلة الاردن الجسيمة. فاذا رغب الاردن في أن يحصل على حقنة اخرى من قروض المساعدة التي يتلقاها من صندوق النقد الدولي، فانه يتعين عليه ان يقلص بشكل كاسح خطة الدعم الحكومي التي تكلف نحو 2.5 مليار دولار، يقلص نفقات الحكومة على الرواتب، والتي تصل الى نحو 9.6 مليار دولار، ويرفع الضرائب كي يقلص العجز في الميزانية، والذي يصل الى نحو 5.5 مليار دولار. هذه المهمة، ولا سيما القرار برفع اسعار الوقود والغاز بمعدلات تتراوح بين 14 و 50 في المائة، تمزق النسيج السياسي في الدولة.
تنشر في الشبكات الاجتماعية منذ اسبوع كاريكاتورات ترسم فيها بالونات غاز وكأنها تعشق أصحاب البيت. يبدو فيها رجال ينامون مع بالونات غاز بينما العقيلة تجلس على كرسي خارج السرير، او بالونات غاز تلبس بدلة وربطة عنق وكأنها أسياد البيت. ولكن الاحاسيس القاسية لا تجد تعبيرها فقط في الدعابة السوداء. فقد تسببت في نهاية الاسبوع بمظاهرات جماهيرية، مع اطارات سيارات مشتعلة، حواجز في الميادين المركزية لعمان وهتافات لاسقاط الملك. وجرت هذه وراءها على الفور رد فعل قاسٍ من جانب قوات الامن، التي أغلقت الشوارع ومنعت مسيرة المتظاهرين نحو قصر الملك.
وفي نفس الوقت اقترح قادة الجيش والمخابرات الغاء الاجراءات المتشددة المتعلقة بالوقود خشية أن تتحول المظاهرات الى مظاهرات سياسية وتجر الاردن الى دائرة الربيع العربي التي نجح في تفاديها على مدى سنتين. ولكن الحكومة الاردنية، التي يترأسها عبدالله النسور، رئيس الحكومة الـ 14 منذ تسلم الملك عبدالله الحكم في 1999، أوضحت بانها لا تعتزم تبني توصية الجيش، وذلك لان معناها أن يصل الاردن الى افلاس حقيقي.
لب المشكلة هو الخسائر الهائلة التي لحقت بالاردن بسبب وقف ضخ الغاز من مصر، وحقيقة أنه لا تزال لا توجد مصادر بديلة لتوريد الغاز بسعر مخفض مثل ذاك الذي اشتراه الاردن من الغاز المصري. الاردن، الذي يستورد نحو 95 في المائة من مصادر الطاقة لديه، يدفع الان اسعار السوق، والخسارة التي لحقت به تقدر بـ 5 مليار دولار، تضاف الى الدين القومي الذي يقدر بـ 22 مليار دولار. وينبغي ان تضاف الى هذا البطالة العميقة، الارتفاع الشاهق في معدل التضخم المالي والهبوط في حجم الاستثمارات الاجنبية في المملكة. وحيال مئات مليارات الدولارات التي يدفع بها الاتحاد الاوروبي الى دول فاشلة في اوروبا، فان مشاكل الاردن تبدو هامشية. فما هي 5 ـ 6 مليار دولار عندما يكون مستقبل المملكة على كفة الميزان؟ ولكن يبدو أنه عندما تنشأ الحاجة الى مساعدة الدولة التي تعتبر احدى أكثر الدول تقدما في الشرق الاوسط، حيث نسبة الامية فيها صفر وامكانياتها المهنية هي الاعلى في المنطقة، تجد الدول المانحة صعوبة في استخراج أدوات النجاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاسد بدأ يفقد اواخر مؤيديه بعد استعماله سلاحا كيماويا
بقلم:بوعز بسموت،عن اسرائيل اليوم
'العالم مكان عيش خطير لا بسبب الناس الذين يسيئون بل بسبب الذين لا يفعلون شيئا للتغيير'. تذكرنا يوم الاحد هذا الاسبوع للمرة التي لا يعلم أحد كم هي منذ بدأت الأحداث في سورية في آذار 2011 مقتبسين من كلام ألبرت آينشتاين. في مركز محافظة حماة قتل عشرات المواطنين السوريين كانت جريمتهم كلها أنهم كانوا في الصف ينتظرون الفرن ساعات طويلة لشراء الخبز. وكان ذلك ايضا هو الاسبوع الذي أُبلغ فيه ان الرئيس السوري بشار الاسد بدأ يستعمل السلاح الكيميائي على المتمردين. ما تزال سورية تنزف والعالم مع البنادق والضمادات ما يزال يقعد متنحيا وينتظر.
أُضيفت بلدة حلفايا هذا الاسبوع الى سلسلة طويلة من بلدات في سورية تحدث فيها الفظاعة وكانت شهادة اخرى على السهولة التي لا تحتمل التي يقرر فيها زعماء عرب ذبح أبناء شعبهم. وتبرز الفظاعة في سورية بروزا خاصا لأن النظام وكل أبناء الطائفة العلوية الذين يؤيدونه قد استدخلوا في أنفسهم منذ زمن ان الحديث عندهم بخلاف تونس ومصر واليمن بل ليبيا، عن حرب حياة أو موت. وكان واضحا للجميع انه لا يؤخذ أسرى في 'الربيع' السوري. فليس عجبا ان بلغ عدد الضحايا 45 ألفا بحسب معطيات منظمات حقوق الانسان في سورية. ولا يتنازل أي طرف ولا يستسلم أي طرف.
'الانسان هو أكثر الحيوانات توحشا'، قال فريدريخ نيتشه، وقد قال هذا قبل ان يحظى بمعرفة عائلة الاسد. لم يعرف الأب ولا الابن ومن المؤكد انه لم يعرف روح القدس التي لا مكان لها في هذه العائلة البربرية. بعد الاسبوع الأخير لم يعد شك في ان الاسد سيمضي في هذه المرحلة أو غيرها الى الجحيم. لكن اذا كان يوجد شيء ما ايجابي مؤكد بالنسبة اليه فهو انه حينما سيلقى أباه حافظ، فانه سيستطيع ان يفخر أمامه بأفعاله ويتلقى منه نصائح جليلة.
اتهمت احدى المنظمات السورية الرائدة والأكثر نشاطا فيما يتعلق بحقوق الانسان النظام السوري هذا الاسبوع بأنه يستعمل السلاح الكيميائي. وقالت المنظمة المذكورة ان ستة مقاتلين على الأقل يتبعون قوى المتمردين قُتلوا في الليلة بين يوم الاحد ويوم الاثنين في حي الخالدية في مدينة حمص بعد ان استنشقوا غازا أطلقته عليهم قوات الجيش السوري.
ليس واضحا عن أي غاز يدور الحديث، لكن تُبين شهادات ميدانية ان 'سحابة دخان ارتفعت في الجو في اللحظة التي أصابت فيها القذائف المطلقة جدارا'. وتم الزعم في تقرير آخر ان اربعة متمردين آخرين يضافون الى الستة الذين قتلوا بسبب استنشاق غاز سام يعانون شللا وأصيب اربعة آخرون بعمى. وأبلغت جهات معارضة سورية أن الدخان المنبعث يسبب الدوار والصداع القوي ونوبات صرع.
لم يعرفوا في واشنطن كيف يُفسرون الأخبار التي وردت من سورية بل صعب على المتمردين في سورية أن يُعرفوا الهجمات بأنها كيميائية لأنه لم يتضح لهم ان الحديث عن سلاح محظور. ومهما يكن الأمر فان التقدير هو ان النظام السوري استعمل لأول مرة نوعا من السلاح الكيميائي، ويحاول المتمردون ان يُعظموا ذلك الأمر قدر المستطاع.
من جملة اسباب ذلك الرأي العام الدولي والرأي العام في روسيا خاصة ـ فقد بُيّن في موسكو برغم تأييد النظام السوري ان استعمال السلاح الكيميائي هو قضاء على نظام الاسد. ومع ذلك طلب وزير الخارجية الروسي لافروف ان يُبين هذا الاسبوع ان الخطر الأكبر هو ان يقع السلاح الكيميائي في أيدي المتمردين ومنهم منظمات تتبع القاعدة والجهاد العالمي.
ينتظرون السقوط:
ان الخوف في الغرب هو من ان يستعمل الاسد السلاح الكيميائي اذا شعر بأنه يفقد السيطرة على الدولة بصورة نهائية. ويعلم الاسد جيدا ان استعمال السلاح الكيميائي 'خط احمر' ستكون له تأثيرات دولية. وبيّنت واشنطن جيدا بوساطة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان استعمال السلاح الكيميائي سيوجب عملية امريكية.
ولما كان الرأي العام في امريكا لا يتحمس تحمسا خاصا لمغامرة عسكرية اخرى في الشرق الاوسط فان واشنطن لا تسارع الى قبول المعلومات عن استعمال سلاح كيميائي باعتبارها معلومات صادقة. وربما من اجل ذلك دعت منظمات المعارضة السورية منظمة الصليب الاحمر الدولية الى ان ترسل فورا فريقا طبيا الى مدينة حمص حيث يحاصر الجيش بعض الأحياء منذ أشهر. واهداف ذلك هي علاج المصابين والفحص عن الغاز غير المعروف في الأساس.
'لا شك في انه استُعمل غاز وإن كان من الواضح ان ليس الحديث عن غاز السارين'، قال طبيب سوري طلب عدم الكشف عن اسمه. بل تتحدث تقارير مختلفة عن استعمال سلاح غير معروف على مواطنين لا في حمص وحدها بل في حماة وإدلب ايضا. 'الحديث في أكثر الحالات عن نوع جديد من غازات سامة لأنه يصعب على الاطباء ان يحددوا ما هي المادة السامة'، قال هذا الاسبوع متحدث جيش سورية الحر، لؤي المقداد.
أن مبعوثة القناة الفرنسية 'فرانس 2'، التي زارت مدينة حمص هذا الاسبوع لم تأت هي ايضا ببراهين على استعمال سلاح كيميائي، لكن صور السوق المدمرة في المدينة أدهشت المشاهدين. فالاسد لا يرحم حياة الناس ويضر بمواقع تاريخية محفوظة كتلك السوق المدهشة الجمال.
ينبغي ان نذكر ان وسائل الاعلام العربية عامة أبلغت هذا الاسبوع في توسع ان نظام الاسد يستعمل سلاحا كيميائيا. بل ان شبكة 'الجزيرة' كشفت عن ان طائرات في خدمة النظام ألقت قذائف تحتوي على مادة سامة على أحياء في مدينة حمص. وتريد نظم الحكم العربية على العموم التي توجد لها جميعا اليوم تقريبا صلة ما بالاخوان المسلمين ان ترى سقوط واحد من النظم العلمانية الاخيرة التي ما تزال باقية، أعني نظام الاسد.
ما تزال جزائر عبد العزيز بوتفليقة وحدها التي يساعد جيشها الرئيس في الحفاظ على السلطة وخفض رؤوس الاخوان المسلمين كلما رفعوها، ما تزال تؤيد الاسد في الحلقات الدولية وفي لقاءات الجامعة العربية. ان وزن الجزائر أقل كثيرا من وزن قطر أو من وزن العربية السعودية اللتين تصادم احداهما الاخرى على نحو عام لكنهما في الحالة السورية تتمنيان معا سقوط الطاغية من دمشق.
وفي خلال ذلك ما يزال بشار الاسد باقيا في قصره وإن كان التقدير ان نظامه المتضعضع بلغ مرحلته الاخيرة، بل تم الابلاغ هذا الاسبوع في صحيفة 'الغارديان' البريطانية ان المتحدث السابق عن نظام الاسد جهاد المقدسي يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية. والمقدسي بحسب ذلك البلاغ، الذي فر من الدولة في نهاية تشرين الثاني، يساعد الاستخبارات الامريكية على فهم كيف تتخذ القرارات في قدس أقداس النظام السوري.
لم تحب المعارضة السورية المصافحة المهذبة جدا بين ممثل الامم المتحدة والجامعة العربية الجزائري الاخضر الابراهيمي، والرئيس الاسد هذا الاسبوع في قصر الرئاسة في دمشق، فقد جاء الابراهيمي في زيارة ليومين للتباحث في وجود حل للصراع السوري العنيف ومحاولة التوصل الى مصالحة مع الاسد.
على حسب تقرير للصحيفة الفرنسية 'لافيغارو'، ستأتي المصالحة المحتملة برعاية الولايات المتحدة وروسيا، ولم يُحب المتمردون هذه الفكرة فالاسد عندهم لم يعد جزءا من المعادلة بل يجب عليه ان ينصرف.
سُمح لمبعوث الامم المتحدة ان يلتقي في دمشق مع جهات من المعارضة السورية لكنها جهات حصلت على شهادة احلال من السلطة. وقال هؤلاء بالطبع ان كل حل يمكن ان يوجد مع الاسد نفسِه فقط. وبالمناسبة وصل الابراهيمي الى موسكو في نهاية هذا الاسبوع.
لكننا لن نتذكر من الاسبوع الماضي تأميل الاسد مصالحة تنقذه بل الصدوع التي أخذت تتسع في القيادة العليا السورية الى حد أنها ستفضي آخر الامر الى نهاية النظام الوحشي. لم يحجم نائب الرئيس فاروق الشرع في المدة الاخيرة عن انتقاد معاملة رئيسه للمتمردين. وقد ذُكر الشرع وهو وزير الخارجية الاسطوري السني في حالات كثيرة باعتباره الشخص الذي يستطيع ان يقود سورية ـ مؤقتا على الأقل ـ بعد مغادرة الاسد، بل كانت اشاعات بأنه فر، بيد ان من كان راعي الاسد في البدء ما يزال قويا في الصورة.
يوجد في القيادة السورية العليا اليوم في واقع الامر تياران متشاحنان. الحرس القديم الذي ورثه بشار عن أبيه ويؤيد توجها مهادنا وتنازلات ما للمتمردين للحفاظ على جزء من السلطة على الأقل. ويعتقد الشرع والمشاركون في ذلك التوجه ان الرئيس الاسد يستطيع من موقع قوة ما يزال باقيا في يديه ان يداور بحيث يبقى للطائفة العلوية في سورية قدرة على تأثير ما.
وفي مقابلهم يؤيد الحرس الشاب استمرار الصراع مع المتمردين بلا هوادة وبلا تنازلات. ويبدو ان الاسد قد اختار في هذه الاثناء التوجه الهجومي. فلما كان الصراع في الدولة عنيفا بصورة خاصة أصبح الاسد يدرك ان هناك مكانا للجانب المنتصر فقط في سورية اليوم، فهو يرى ان المنتصر يأخذ كل شيء.
وهو الى ذلك يرى ان ربيع الشعوب العربي لم يُحسن الى الزعماء الذين فضلوا 'الاحسان' الى الشعب قُبيل النهاية.
ان التنازلات في العالم العربي تُرى ضعفا. فقد أنهى زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن عملهم في اللحظة التي حددوا فيها مدة حكمهم. وفي شأن معمر القذافي كان الامر يختلف شيئا ما لأنه لولا التدخل الدولي، أعني تدخل حلف شمال الاطلسي، لأمكن جدا ان يكون ما يزال باقيا معنا في 2013. ان وحشية الاسد تحظى اذا بتأييد الحرس الشاب من القيادة الذي لا يشتمل فقط على ممثلين من أبناء الطائفة العلوية، ففي هذا الجسم الحاكم سنيون ودروز ايضا. يمكن ان نجد بين المجموعة المؤثرة جدا في الرئيس أخاه العقيد ماهر الاسد (44 سنة) قائد الفرقة الرابعة المسؤولة عن أمن دمشق والقصر الرئاسي.
وينتمي أخوال الرئيس وأبناء أخواله رجلا الاعمال محمد مخلوف (80 سنة) ورامي مخلوف (44 سنة) ورجل الأمن الرفيع المستوى حافظ مخلوف (41 سنة) الى تلك المجموعة التي تطمح الى ان ترى صراعا لا هوادة فيه.
وفي النهاية وفي الليل حينما يمضي الاسد لينام يسمع كلاما مشابها من زوجته الحسناء أسماء ـ سنية ـ التي كانت الى زمن غير بعيد نجم المجلات الغربية وهي تدعو زوجها اليوم الى عدم وقف المعركة بأي ظرف.
يوجد في تلك المجموعة الضيقة كما قلنا من قبل درزيان ايضا هما منصور عزام (52 سنة)، وهو الوزير المسؤول عن الشؤون الرئاسية، ولونا الشبلي، وهي صحفية سابقة في 'الجزيرة'. ويمكن ان نضيف اليهما ايضا الجنرال علي مملوك (66 سنة) المسؤول عن الأمن الداخلي ورستم غزالة (59 سنة) مدير الأمن السياسي.
'هذه مجموعة الاشخاص التي يصغي اليها الاسد واليها فقط'، يقول خبير بشؤون سورية يفضل من اجل أمنه الشخصي ان يبقى مجهولا بسبب زياراته المتقاربة لدمشق والعلاقات التي ما تزال له بالقيادة السورية.
سيموت أو يفر:
في المقابل أدرك فاروق الشرع وجنرالات الجيش السوري انه لن يوجد في الوضع الحالي أي حسم للصراع الدامي، في الزمن القريب على الأقل وأنه يجب عليهم ان يُظهروا المسؤولية وان ينقذوا ما بقي من اجل الدولة ومن اجل النظام.
قال الشرع في مقابلة صحفية أجراها مع الصحيفة اللبنانية المؤيدة لسورية 'الأخبار' وهو الذي عمل وزيرا للخارجية السورية 22 سنة، قال ان الاسد 'لا يخفي رغبته في الانتصار بوسائل عسكرية'.
وقال الشرع في تلك المقابلة الصحفية ان الاسد يمسك بزمام السلطة وان جميع مواقع القوة تحت سيطرته لكنه تحفظ ايضا وقال انه 'توجد اليوم في النظام السوري عدة مواقف تعارض مواقف الرئيس الاسد'.
وفي اثناء ذلك، في اثناء كتابة هذه السطور تقريبا، ارتفع عدد الضحايا في سورية الى 45 ألفا. وتُبين معطيات منظمة حقوق الانسان 'أو.اس.دي.اتش' ان 31544 منهم مدنيون (منذ 15 آذار 2011)، أما سائر الضحايا فهم جنود يكملون العدد الذي لا يمكن تصوره والذي سيبقى في ارتفاع في نهاية الاسبوع القريب ايضا.
وبالمناسبة يضاف الى هذه المعطيات بحسب منظمة 'أو.اس.دي.اتش' المنشقون عن جيش الاسد الذين يبلغ عددهم 1511.
ان رئيس سورية هو أبغض شخص في سنة 2012 وقد كسب هذا باستحقاق لأن وحشيته وعدم جديته تجاوزا كل حد. واذا لم يبق في السنة القريبة فينبغي ايضا ان نفترض أننا لن ننساه سنين طويلة بعد. من كان يصدق ان الوريث سينجح في التفوق على أبيه؟ يصعب على سورية الى اليوم ان تهضم الـ 20 ألف قتيل في حماة في 1982 وها هو ذا بشار قد نجح في ايقاع ضعف ذلك من عدد الضحايا.
اختار طبيب العيون السوري ان يطفيء الحريق الكبير الذي شب في بلده بالزيت. فليس عجبا ان أخذ اللهب يزداد اتساعا، وليس عجبا ايضا انه مع استراتيجية كهذه سيبلغ بعض ذلك اللهب الينا ايضا. والسؤال الكبير هو هل يموت الاسد في بلده أم يفر منها. وكل سؤال آخر حول الاسد اليوم غير ذي صلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>
لعبة حرب
فوضى في الشرق الاوسط.. ايران تواصل التخصيب.. والكيماوي السوري قد يقع في اياد متطرفة.. والضفة هائجة.. وحماس تتسلح.. ومصر غير مستقرة
بقلم:عمير ربابورت،عن معاريف
2013 يعتبر في الجيش الاسرائيلي بانه 'عام الحسم'، ولكن يوجد احتمال معقول أن يتدحرج ليصبح عام الحرب. وحتى لو انتهى العام دون حرب في أي جبهة، فانه يمكن القول انه لم يسبق للجيش الاسرائيلي ان دخل عام عمل مع كل هذا القدر من علامات الاستفهام مثلما يبدأ العام الميلادي الجديد.
الفرضية في أساس خطة الجيش الاسرائيلي للعام 2013 هي أن الشرق الاوسط يوجد في فترة تغير. الهزة مستمرة. سياقات ذات معنى تاريخي، كانت في الماضي تستغرق سنوات طويلة، تجري اليوم في غضون اسابيع بل وبضعة أيام. وليس الشرق الاوسط وحده يتغير: الساحة الدولية كلها أيضا. الولايات المتحدة لم تعد القوة العالمية الوحيدة. روسيا، الصين والدول النامية تتحداها.
كما أن ما يحصل عندنا سيؤثر جدا على الواقع في 2013، مثل مسألة كم تلميذ مدرسة دينية سيتجند للجيش الاسرائيلي، اذا كان سيتجند اصلا. ولكن في هذا الموضوع الحساس يمتنع الجيش الاسرائيلي عن نشر اي فرضية عمل، وبالتأكيد ليس في فترة الانتخابات.
ايران تتسلح:
مع بداية العام 2013 يفهم الجيش الاسرائيلي بانه حتى لو اجتذبت حماس الانتباه في شهر تشرين الثاني الماضي (حملة عمود السحاب) فان الجبهة الايرانية هي المصيرية حقا. كما أنها هي التي ستسخن اولا، وقريبا جدا.
الجدول الزمني لعودة المسألة الايرانية الى رأس العناوين العالمية معروف مسبقا. في 21 كانون الثاني، قبل يوم من الانتخابات عندنا، ستدخل حيز التنفيذ الولاية الثانية لبراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة. وفي نهاية ولايته الاولى تعهد اوباما بمنع ايران من الوصول الى سلاح نووي. ليس مؤكدا أنه يعتزم الوقوف بكل ثمن خلف هذا التصريح ولا سيما عندما تكون الولايات المتحدة مستنزفة من سنوات قتال طويلة في العراق ولا تزال لم تستكمل انسحابها من افغانستان (آخر الجنود سيغادرون الدولة في 2014)، ولكنه سيبذل جهدا حقيقيا لتشديد الضغط على نظام آيات الله.
بعد اقامة الادارة الجديدة ستستأنف أيضا المحادثات بين القوى العظمى وايران. وستطالب القوى العظمى ايران بان تنزع عنها اليورانيوم الذي خصب الى مستوى عسكري فوق 20 في المائة، وقف عمل اجهزة الطرد المركزي وحل المنشأة النووية في قم. وستنتهي المحادثات مرة اخرى بلا نتائج.
ومع حلول الربيع القادم سيبدأ الامريكيون بحشد القوات في الشرق الاوسط ومقابل الخليج الفارسي. وبالتوازي مع تصاعد التهديد العسكري ستعمل الولايات المتحدة على تشديد الضغط الاقتصادي مرة اخرى. في شهر حزيران القادم ستجري في ايران انتخابات للرئاسة. ويمكن لتفاقم الوضع الاقتصادي أن يخرج ملايين الايرانيين الى الشوارع ويضعضع استقرار النظام. ولهذا فان نافذة فرص الولايات المتحدة والغرب لممارسة الضغط الناجع على ايران هي بين شهر اذار وشهر حزيران.
ولكن هل ستنفذ الولايات المتحدة التهديد العسكري فتهاجم ايران. الكثير منوط ايضا بالايرانيين أنفسهم. ومثلما تبدو الامور الان، فهم سيحاولون الحفاظ على 240كم من اليورانيوم المخصب الى مستوى 20 في المائة فأكثر لتكون لهم حتى الربيع، فيعلنون عن وقف التخصيب. واذا كان الضغط عليهم شديدا بما يكفي فانهم سيستبدلون قسما من اليورانيوم المخصب بقضبان نووية لا يمكن استخدامها عسكريا، مثلما فعلوا ايضا في اثناء السنة الاخيرة، وذلك لتقليص الضغط الدولي الذي يتعرضون له.
ومثلما تبدو الامور الان، فان الولايات المتحدة لن تسارع الى الهجوم. والايرانيون ايضا لن يسارعوا ايضا الى هجر البرنامج النووي وسيبحثون عن السبل لمواصلته في الخفاء. عمليا، ستصبح ايران في الربيع القادم 'دولة حافة' تقرر متى تنتقل الى المرحلة القادمة في برنامجها النووي في التوقيت المريح لها من ناحية دولية. لقد أعلنت اسرائيل في الماضي غير مرة بانها لن تسلم لتحول ايران الى 'دولة حافة' ولكن هل ستهاجم المنشآت النووية في ايران بعملية جوية وحدها؟ هذا لا يبدو هكذا.
امكانية الهجوم كانت تبدو اكثر واقعية بكثير في شهر تشرين الاول 2012، قبل الانتخابات في الولايات المتحدة. فقد بنى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك برجا من التوقعات لمثل هذا الهجوم. وفي مرحلة معينة نزل ايهود باراك عن الشجرة وابقى نتنياهو وحده بين فروعها. وسافر باراك الى الولايات المتحدة في اطار رحلة خاصة، التقى بوزير الدفاع ليئون بانيتا وعرض نفسه بصفته 'الكبير المسؤول'. وبعد ذلك رفع لنتنياهو الحاجب عندما تعاون مع البرنامج التلفزيوني 'الدليل' عني بالازمة بين القيادة السياسية والعسكرية في مسألة الهجوم المحتمل في ايران في بداية العقد. ويشك نتنياهو الان بان باراك خلط بين الاعتبارات الموضوعية والانتخابية في المسألة الايرانية عندما فكر بالتنافس في الانتخابات على رأس حزب 'الاستقلال'.
وستؤثر المسألة الايرانية في كل الاحوال على المسألة الاكثر إثارة للاهتمام اليوم في جهاز الامن: من سيكون وزير الدفاع القادم؟ من جهة يمكن لفترة الحسم في المسألة الايرانية أن تكون ذريعة لمواصلة ولاية باراك كوزير دفاع في الحكومة القادمة حتى دون أن يتنافس في الانتخابات؛ من جهة اخرى، فان أزمة الثقة بين نتنياهو وباراك عميقة واساسية. فقد كف باراك عن الوصول في الاسابيع الاخيرة الى محادثات ثنائية في مكتب رئيس الوزراء كما أنه لا يصل مثلا كان ذات مرة الى منزل نتنياهو الخاص في قيسارية. بل انه لم يصل الى جلسة الحكومة يوم الاحد الماضي، وان كان رافق نتنياهو في زيارة قيادة المنطقة الوسطى في سياق الاسبوع. ان لم يكن باراك، فرئيس الاركان الاسبق، الفريق موشيه بوغي يعلون سيكون صاحب الفرص الاكثر واقعية في ان يعين وزير الدفاع التالي.
ومثلما تبدو الامور في نهاية هذا الاسبوع، فان احتمالات السلام بين نتنياهو وباراك متوسطة، اما احتمالات الحرب مع ايران في أعقاب هجوم اسرائيلي أو امريكي فمنخفضة حتى متوسطة.
حزب الله ضعف
احتمال الحرب مع حزب الله في لبنان في اثناء العام 2013 يستمد بشكل مباشر من احتمال الحرب مع ايران. فقد ضعف حزب الله في أعقاب مشاكل بشار الاسد في سوريا. وقوات حزب الله تقاتل في سوريا في محاولة للحفاظ على النظام بل وتتكبد خسائر غير قليلة.
كما ان حقيقة أن حزب الله اصبح جزء لا يتجزأ من حكومة لبنان تقيد حريته في العمل العسكري حيال اسرائيل بشكل يتجاوز اطلاق الطائرات بدون طيار. ولكن اذا ما تعرضت ايران للهجوم، فسيطلق حزب الله نحونا ترسانة السلاح الهائلة التي بنتها له ايران بالضبط من أجل هذا اليوم. وفي كل الاحوال، صحيح حتى الان، فان احتمال الحرب مع حزب الله في 2013 يبدو منخفضا حتى متوسطا.
سوريا تشتعل:
القصة السورية واضحة بقدر أقل بكثير ومتفجرة اكثر بكثير. مع حلول 2013 يفقد الاسد المزيد فالمزيد من مناطق السيطرة. وفي الجانب السوري من هضبة الجولان يسيطر منذ الان الثوار بشكل كامل. يوجد لبشار الاسد امكانيتان: ان يتمترس في جيب علوي تدعمه ايران وحزب الله، ويواصل خوض حرب أهلية يمكن أن تستمر لسنوات أيضا، او ان يهاجر الى دولة لجوء. مفهوم أن امكانية أن يصل الثوار اليه ويسرعوا نهايته ليست امكانية مستبعدة.
اليوم الذي يفقد فيه الاسد كرسيه قد يكون الاخطر من ناحية اسرائيل. فكخطوة يائسة تدخله الى التاريخ العربي، يمكن لبشار أن يأمر آخر الموالين له بأن يهاجمونا نحن بالذات مثلما أطلق صواريخ سكاد على المناطق التي تحت سيطرة الثوار في الاسابيع الاخيرة.
ويدل اطلاق الصواريخ كم هو وضع الاسد يائس. بالمقابل، فان التقارير التي نشرت هذا الاسبوع عن استخدام السلاح الكيميائي لسوريا تبدو مبكرة لزمنها. فحسب آخر التقديرات فان المناطق السورية التي ظهرت في صور الاعلام لم تصب بمواد قتالية سورية بالمواصفات الرسمية (غاز سرين او مادة في.اكس)، بل قنابل غاز تستخدم لتفريق المظاهرات.
ومع ذلك، فان الخوف في اسرائيل من السقوط القريب لمخزونات السلاح الكيميائي في اياد 'غير مسؤولة' في سوريا أو في أيدي حزب الله في لبنان هو خوف حقيقي.
للجيش الامريكي توجد مخططات حول كيفية الهجوم على مخزونات السلاح هذه في اليوم التالي للاسد بل وربما السيطرة عليها، الامر الذي سيتطلب عشرات الاف المقاتلين الامريكيين. ولكن امكانية منع الاستخدام غير المسؤول لهذا السلاح بشكل عسكري تبدو ذات احتمالات طفيفة. في هذه الاثناء فان مخزون سلاح كيميائي واحد وقع في يد الجيش السوري الحر لم ينهب أو يسلب، بل انهم حافظوا عليه بعناية. الثوار لا يستخدمون هذا السلاح. أما الاسد فجمع باقي المخزونات في المناطق التي لا تزال توجد تحت سيطرته.
في اسرائيل يقدرون بانه اذا فقد الاسد الحكم، فان الحرب الاهلية بين القوات التي يتشكل منها الائتلاف ضده يمكن أن تستمر. في المرحلة التالية من الحرب ستصطدم الميليشيات العلوية (التي يدربها حزب الله) مع قوات سلفية (تدعمها السعودية) ومع الاخوان المسلمين في سوريا (المدعومين من قطر والسعودية). اما الغرب من ناحيته فسيدعم القوات السنية المعتدلة والعلمانية في سوريا حتى وان لم يكونوا هم ايضا على ما ينبغي من الرقة. في السطر الاخير فان احتمال المواجهة مع اسرائيل في اي صيغة كانت في الجبهة السورية في اثناء العام القادم منخفض حتى متوسط.
الاردن مستقر:
في كل ما يتعلق بحدودنا الشرقية، يواصل الاردن كونه جزيرة استقرار في نهاية 2012 ايضا. في الاشهر الاخيرة تصدى الملك عبدالله غير قليل من المشاكل الداخلية، ولكن يبدو أنه اجتاز الفترة الصعبة بسلام. فقد هدأ غضب القبائل البدوية التي يتشكل منها جيشه من خلال رفع الرواتب، واستخدم يدا قاسية ضد شرارات الاضطرابات في قلب المملكة.
لقد ترك عبدالله لمصيره اقتصاديا من قبل دول الخليج وفقدَ العلاقة الاستراتيجية مع مصر بعد سقوط حسني مبارك.
المنشورات هذا الاسبوع عن زيارة نتنياهو الى الاردن مؤخرا هي صحيحة، حتى وان كان الدافع للكشف عنها هو دعاية انتخابية. وهاكم ايضا كشف آخر: اتفق بين الملك ونتنياهو على أن يقترح الاردنيون ان يستأنفوا عندهم في القصر المحادثات بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية برئاسة ابو مازن في شهر شباط في 2013. كل ذلك بالطبع، على فرض ان نتنياهو سيشكل الحكومة القادمة. اذا فقد الملك عبدالله كرسيه في 2013، فان الحدود الطويلة مع الاردن كفيلة بان تعود لتكون ساحة ارهاب مثلما في عهد 'بلاد المطاردات' في الستينيات من القرن الماضي. وعلى فرض ان مثل هذا السيناريو سيتحقق، كاستمرار لمظاهر عدم الاستقرار في العالم العربي، فان من شأن الامر أن يكون مصيبة استراتيجية من ناحية اسرائيل، ولكن احتمال هذا السيناريو الكابوس منخفض.
مصر تفاجأ:
في كل ما يتعلق بمصر، الرئيس مرسي، رجل الاخوان المسلمين لم يتوقف عن مفاجئة الاستخبارات الاسرائيلية في 2012.
فقد فاجأ مرسي في الشكل الذي أجرى فيه انقلابا في الجيش وعين فيه مقربيه، وكذا في البرغماتية التي ابداها في علاقاته مع الولايات المتحدة ومع اسرائيل.
لا مجال للخطأ: ايديولوجيا مرسي واضحة، وهي لا تخصص للكيان الصهيوني مكانا في الشرق الاوسط، ولكن الحاجة لاطعام 90 مليون فم، بما في ذلك من خلال مساعدة امريكية سنوية بمبلغ 1.3 مليار دولار، تدفعه حاليا نحو مطارح الاعتدال غير المتوقع.
مرسي لم يستطب المعركة التي تدحرجت اليها حماس حيال اسرائيل في شهر تشرين الثاني. من زاوية نظره، هذا عدم مسؤولية من جانب حماس في ضوء المصالح المنشودة من حركة الاخوان المسلمين التي ترسخ حكمها في مصر. في أعقاب ذلك لا يسارع مرسي الى فتح المعبر بين مصر وقطاع غزة في رفح بعد انتهاء القتال. وذلك في الوقت الذي نجد أن غير قليل من المحافل في اسرائيل معنية بفتح معبر رفح كي تعتبر مصر مسؤولة عما يجري في قطاع غزة، والا تتهم اسرائيل بالحصار.
من ناحية اسرائيل والولايات المتحدة، فان مرسي سيختبر من حيث الشكل الذي يعمل به كي يمنع اعادة تسلح حماس بالصواريخ بعيدة المدى التي تهدد تل أبيب. وحسب التقديرات، فان قسما من الصواريخ التي اطلقت نحو المركز في اثناء عمود السحاب وصلت من ايران واجتازت الاف الكيلومترات عبر السودان وطول مصر (بما في ذلك مقطع حرج داخل قناة السويس) دون أن تحرك السلطات المصرية اصبعا كي تمنع هذا النقل.
وتتوقع اسرائيل والولايات المتحدة الان من مصر ان تفعل كل شيء ضد نقل السلاح عبر اراضيها الى قطاع غزة. يبدو أنه منذ عمود السحاب احبطت القوات المصرية ما لا يقل عن ثلاث ارساليات سلاح بعضها وصل من ليبيا أو ايران ولكن ليس في ذلك ما يفيد في شيء عما سيكون لاحقا.
مهما يكن من امر، فان احتمال الغاء اتفاق السلام من جانب مصر وخلق مواجهة عسكرية أو سياسية مع اسرائيل في اثناء 2013 هو احتمال صفر. بالمقابل، فان المدى البعيد في كل ما يتعلق بمصر الاخوان المسلمين هو اقل تفاؤلا.
حماس راضية:
وماذا عن حماس؟ يمكنها أن تتباهى في 2013 فيما يعتبر في العالم العربي كأحد انجازاتها الاكبر المواجهة مع اسرائيل في عمود السحاب واستثمار الطاقة في تثبيت حكمها المدني وتسلحها العسكري استعدادا للمواجهة القادمة. وبالتوازي توجد لحماس امكانية العمل للمصالحة مع 'الاخوة' من فتح الذين يسيطرون في الضفة كمرحلة اخرى في الطريق الى السيطرة على الضفة الغربية ايضا. ولكن مع أن مصلحة حماس هي الحفاظ على الهدوء في الاشهر القادمة على الاقل، فتوجد سيناريوهات لا حصر لها بموجبها يتدهور قطاع غزة بسرعة ويتدحرج الى جولة قتال اخرى. احتمال جولة قتال اخرى مع حماس في 2013 متوسط.
الضفة تهيج:
بالنسبة للضفة، لا حاجة الى التوقعات للعام 2013. وكما كتب هنا في الاسابيع الاخيرة، فمنذ نهاية عمود السحاب، فان المنطقة هائجة منذ الان.
لا يدور الحديث عن تكرار للانتفاضة الاولى، ولا عن عودة الى العمليات الانتحارية للانتفاضة الثانية، ولكن الهدوء الذي ميز الضفة في سنوات 2008 2012 هو بالتأكيد من نصيب الماضي.
احتمال عودة موجة 'الارهاب الشعبي' الى الضفة هو احتمال عالٍ. فالجني الذي خرج من القمقم، بمساعدة أبو مازن، سيكون من الصعب اعادته اليه، حتى اذا استؤنفت المحادثات السياسية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية في عمان في شهر شباط.
في السطر الاخير: حتى لو لم يكن احتمال عالٍ لحرب في أي ساحة بحد ذاتها، فان العام 2013 سيكون عاما أمنيا غير مسبوق في تعقيداته.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
السلفيون في مصر يعقدون الصفقات
بقلم:آريه غلوزمان،عن معاريف
في أحد الفنادق الفاخرة على ضفاف النيل في القاهرة اجتمع نحو 100 شخص يتماثلون مع الحركة السلفية في مصر. لم يتحدثوا عن الحرب في غزة، ولا عن تطبيق الشريعة في مصر.
في قاعة الفندق الفارهة اطلقت جمعية جديدة تدعى 'بادر' هدفها مساعدة الاعمال التجارية الصغيرة والمتوسطة في مصر والتي تعمل بموجب مبادئ التيار السلفي.
وحضر المؤتمر في القاهرة رجال ملتحون في الغالب، بعضهم ببدلات على الموضة من أفضل الماركات الاوروبية، بعضهم في الجلابيب التقليدية.
كما أن اللغة المنطوقة كانت مختلطة وتضمنت العربية الفصحى والعامة وكذا اللغة التجارية التي تتضمن في الغالب الانجليزية. ولكن الرسالة كانت واحدة وتحدث الجميع في صالح المبادرة الحرة، تبعا لقيم الدين، بالطبع.
ويعد النشاط التجاري للسلفيين مثابة لغز بالنسبة لمعظم المصريين. فهذه حركة صغيرة نسبيا يعرف القليل عن رجالها، واقل من ذلك عن دورهم في الاقتصاد المحلي. احدى الشركات التي توجد في ملكية السلفيين هي شركة 'حدث'. وعنها أيضا لا يعرف الكثير. موقعها على الانترنت يوجد قيد البناء اما صفحتها على الفيسبوك فمليئة بخطابات زعماء 'بادر'.
أما ما هو معروف، وقد نشر في المؤتمر الافتتاحي في القاهرة فهو أن الشركة ستدفع 500 مليون جنيه مصري لشركات صغيرة ومتوسطة تتعاون مع 'حدث'. والشركات التى ستحظى بالتمويل ستكون مطالبة بان تلتزم بالرمز الاخلاقي لجمعية 'بادر' الذي يفترض التمسك 'بالايمان، الاخلاق والسلوك العربي'.
وشدد أحد مسؤولي 'بادر'، رجل الاعمال وليد السيد في المؤتمر على أن الجمعية تعتزم التركيز بالذات على القيم والمبادىء وليس على سن القوانين.
واشار السيد الى أن 'سياسة العمل الجماعي من جهة ومكافحة الاحتكارات من الجهة الاخرى هي من أهدافنا'.
وعندما سُئل السيد عندما يتحدث عن القيم هل يقصد القيم الاسلامية كان جوابه ان لا فرق بين الأمرين. ولمن كان لا يزال لديه شك عما يدور الحديث، فقد فصل فقال ان 'حدث' ستوفر وسائل تمويل بديلة تستند الى الشريعة. 'في نيتنا الاشراف على العملية بالتعاون مع البنوك الاسلامية، البنوك التقليدية ليست في قوائمنا'، أوضح السيد.
وستبدأ 'بادر' بالعمل بشكل رسمي ابتداء من كانون الثاني القادم وستمول باشتراكات الاعضاء والتبرعات. بين المتبرعين للجمعية يوجد عصام شرف الذي شغل لفترة قصيرة منصب رئيس الوزراء المصري، وبسام الزرقا، مستشار الرئيس المصري سابقا والذي كان في الماضي ايضا عضو في اللجنة العليا لحزب النور السلفي.
وروى الشيخ ياسر برهمي من الزعامة الروحية للحركة بان مقر 'بادر' سيكون في الاسكندرية حيث معقل السلفيين في مصر. ومع نهاية المؤتمر ناقض السيد نفسه بعض الشيء ووعد بتحويل الجمعية الى مجموعة للضغط السياسي ستعمل على تشريع ودي للاعمال التجارية، وذلك ضمن امور اخرى من خلال توسيع دائرة الاعفاءات من الضرائب.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاردن.. مملكة في الافلاس
بقلم:تسفي بارئيل،عن هآرتس
'لست واثقا على الاطلاق في ان تصل المساعدات من دول الخليج الينا بالفعل'، هكذا تحدث وزير المالية الاردني، سليمان الحافظ. اذا ما تحققت هذه النبوءة، فان صندوق الاردن الآخذ في النفاد سيتعرض لضربة شديدة اخرى، يقربه أكثر فأكثر من الافلاس الاقتصادي.
تقوم ميزانية الاردن، ضمن امور اخرى، على منحة بنحو مليار دولار، يفترض أن تغطي جزءا من العجز في الميزانية، الذي يقدر بـ 3.5 مليار دولار. وحولت السعودية في السنة الماضية لجارها الشمالي نحو 1.4 مليار دولار، غطت به جزءا من العجز. اما هذه السنة فان السعودية وباقي دول الخليج فتدير ظهرا باردة للملك عبدالله. ولا يفصل الناطقون الرسميون علنا السبب وراء ذلك، الا ان المحللين الاردنيين يقولون ان السعودية قررت معاقبة الاردن على خروجه عن الخطة السعودية ـ القطرية لاقامة منطقة آمنة جنوبي سوريا، من خلال قوة تصل من الاردن.
اذا كان خشي الاردن، الذي يستضيف نحو مائة الف لاجيء سوري من انتقال الثورة في سورية الى اراضيه، فان تخوفه تحقق، ولكن بالذات من جهة غير مرتقبة. ففي الاسبوع الماضي نشر المراسل السياسي لصحيفة 'الدستور' الحكومية مقالا لاذعا في حدته ضد السعودية، طلب منها فيه 'تغطية نفقات الاردن في الدفاع عن الحدود الشمالية للسعودية'. وكانت هذه المرة الاولى منذ سنوات عديدة تخرج فيه صحيفة حكومية اردنية بهجوم مباشر على السعودية. يبدو أنه عندما تشتد ربطة الخناق حول رقبة الاردن، يكون مسموحا ايضا مهاجمة من يحسن للمملكة ويحاول أن يفرض عليها شروطا سياسية مقابل المساعدة.
ولكن مقالا في الصحيفة وانتقادا ضد السعودية لن يحلا مشكلة الاردن الجسيمة. فاذا رغب الاردن في أن يحصل على حقنة اخرى من قروض المساعدة التي يتلقاها من صندوق النقد الدولي، فانه يتعين عليه ان يقلص بشكل كاسح خطة الدعم الحكومي التي تكلف نحو 2.5 مليار دولار، يقلص نفقات الحكومة على الرواتب، والتي تصل الى نحو 9.6 مليار دولار، ويرفع الضرائب كي يقلص العجز في الميزانية، والذي يصل الى نحو 5.5 مليار دولار. هذه المهمة، ولا سيما القرار برفع اسعار الوقود والغاز بمعدلات تتراوح بين 14 و 50 في المائة، تمزق النسيج السياسي في الدولة.
تنشر في الشبكات الاجتماعية منذ اسبوع كاريكاتورات ترسم فيها بالونات غاز وكأنها تعشق أصحاب البيت. يبدو فيها رجال ينامون مع بالونات غاز بينما العقيلة تجلس على كرسي خارج السرير، او بالونات غاز تلبس بدلة وربطة عنق وكأنها أسياد البيت. ولكن الاحاسيس القاسية لا تجد تعبيرها فقط في الدعابة السوداء. فقد تسببت في نهاية الاسبوع بمظاهرات جماهيرية، مع اطارات سيارات مشتعلة، حواجز في الميادين المركزية لعمان وهتافات لاسقاط الملك. وجرت هذه وراءها على الفور رد فعل قاسٍ من جانب قوات الامن، التي أغلقت الشوارع ومنعت مسيرة المتظاهرين نحو قصر الملك.
وفي نفس الوقت اقترح قادة الجيش والمخابرات الغاء الاجراءات المتشددة المتعلقة بالوقود خشية أن تتحول المظاهرات الى مظاهرات سياسية وتجر الاردن الى دائرة الربيع العربي التي نجح في تفاديها على مدى سنتين. ولكن الحكومة الاردنية، التي يترأسها عبدالله النسور، رئيس الحكومة الـ 14 منذ تسلم الملك عبدالله الحكم في 1999، أوضحت بانها لا تعتزم تبني توصية الجيش، وذلك لان معناها أن يصل الاردن الى افلاس حقيقي.
لب المشكلة هو الخسائر الهائلة التي لحقت بالاردن بسبب وقف ضخ الغاز من مصر، وحقيقة أنه لا تزال لا توجد مصادر بديلة لتوريد الغاز بسعر مخفض مثل ذاك الذي اشتراه الاردن من الغاز المصري. الاردن، الذي يستورد نحو 95 في المائة من مصادر الطاقة لديه، يدفع الان اسعار السوق، والخسارة التي لحقت به تقدر بـ 5 مليار دولار، تضاف الى الدين القومي الذي يقدر بـ 22 مليار دولار. وينبغي ان تضاف الى هذا البطالة العميقة، الارتفاع الشاهق في معدل التضخم المالي والهبوط في حجم الاستثمارات الاجنبية في المملكة. وحيال مئات مليارات الدولارات التي يدفع بها الاتحاد الاوروبي الى دول فاشلة في اوروبا، فان مشاكل الاردن تبدو هامشية. فما هي 5 ـ 6 مليار دولار عندما يكون مستقبل المملكة على كفة الميزان؟ ولكن يبدو أنه عندما تنشأ الحاجة الى مساعدة الدولة التي تعتبر احدى أكثر الدول تقدما في الشرق الاوسط، حيث نسبة الامية فيها صفر وامكانياتها المهنية هي الاعلى في المنطقة، تجد الدول المانحة صعوبة في استخراج أدوات النجاة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاسد بدأ يفقد اواخر مؤيديه بعد استعماله سلاحا كيماويا
بقلم:بوعز بسموت،عن اسرائيل اليوم
'العالم مكان عيش خطير لا بسبب الناس الذين يسيئون بل بسبب الذين لا يفعلون شيئا للتغيير'. تذكرنا يوم الاحد هذا الاسبوع للمرة التي لا يعلم أحد كم هي منذ بدأت الأحداث في سورية في آذار 2011 مقتبسين من كلام ألبرت آينشتاين. في مركز محافظة حماة قتل عشرات المواطنين السوريين كانت جريمتهم كلها أنهم كانوا في الصف ينتظرون الفرن ساعات طويلة لشراء الخبز. وكان ذلك ايضا هو الاسبوع الذي أُبلغ فيه ان الرئيس السوري بشار الاسد بدأ يستعمل السلاح الكيميائي على المتمردين. ما تزال سورية تنزف والعالم مع البنادق والضمادات ما يزال يقعد متنحيا وينتظر.
أُضيفت بلدة حلفايا هذا الاسبوع الى سلسلة طويلة من بلدات في سورية تحدث فيها الفظاعة وكانت شهادة اخرى على السهولة التي لا تحتمل التي يقرر فيها زعماء عرب ذبح أبناء شعبهم. وتبرز الفظاعة في سورية بروزا خاصا لأن النظام وكل أبناء الطائفة العلوية الذين يؤيدونه قد استدخلوا في أنفسهم منذ زمن ان الحديث عندهم بخلاف تونس ومصر واليمن بل ليبيا، عن حرب حياة أو موت. وكان واضحا للجميع انه لا يؤخذ أسرى في 'الربيع' السوري. فليس عجبا ان بلغ عدد الضحايا 45 ألفا بحسب معطيات منظمات حقوق الانسان في سورية. ولا يتنازل أي طرف ولا يستسلم أي طرف.
'الانسان هو أكثر الحيوانات توحشا'، قال فريدريخ نيتشه، وقد قال هذا قبل ان يحظى بمعرفة عائلة الاسد. لم يعرف الأب ولا الابن ومن المؤكد انه لم يعرف روح القدس التي لا مكان لها في هذه العائلة البربرية. بعد الاسبوع الأخير لم يعد شك في ان الاسد سيمضي في هذه المرحلة أو غيرها الى الجحيم. لكن اذا كان يوجد شيء ما ايجابي مؤكد بالنسبة اليه فهو انه حينما سيلقى أباه حافظ، فانه سيستطيع ان يفخر أمامه بأفعاله ويتلقى منه نصائح جليلة.
اتهمت احدى المنظمات السورية الرائدة والأكثر نشاطا فيما يتعلق بحقوق الانسان النظام السوري هذا الاسبوع بأنه يستعمل السلاح الكيميائي. وقالت المنظمة المذكورة ان ستة مقاتلين على الأقل يتبعون قوى المتمردين قُتلوا في الليلة بين يوم الاحد ويوم الاثنين في حي الخالدية في مدينة حمص بعد ان استنشقوا غازا أطلقته عليهم قوات الجيش السوري.
ليس واضحا عن أي غاز يدور الحديث، لكن تُبين شهادات ميدانية ان 'سحابة دخان ارتفعت في الجو في اللحظة التي أصابت فيها القذائف المطلقة جدارا'. وتم الزعم في تقرير آخر ان اربعة متمردين آخرين يضافون الى الستة الذين قتلوا بسبب استنشاق غاز سام يعانون شللا وأصيب اربعة آخرون بعمى. وأبلغت جهات معارضة سورية أن الدخان المنبعث يسبب الدوار والصداع القوي ونوبات صرع.
لم يعرفوا في واشنطن كيف يُفسرون الأخبار التي وردت من سورية بل صعب على المتمردين في سورية أن يُعرفوا الهجمات بأنها كيميائية لأنه لم يتضح لهم ان الحديث عن سلاح محظور. ومهما يكن الأمر فان التقدير هو ان النظام السوري استعمل لأول مرة نوعا من السلاح الكيميائي، ويحاول المتمردون ان يُعظموا ذلك الأمر قدر المستطاع.
من جملة اسباب ذلك الرأي العام الدولي والرأي العام في روسيا خاصة ـ فقد بُيّن في موسكو برغم تأييد النظام السوري ان استعمال السلاح الكيميائي هو قضاء على نظام الاسد. ومع ذلك طلب وزير الخارجية الروسي لافروف ان يُبين هذا الاسبوع ان الخطر الأكبر هو ان يقع السلاح الكيميائي في أيدي المتمردين ومنهم منظمات تتبع القاعدة والجهاد العالمي.
ينتظرون السقوط:
ان الخوف في الغرب هو من ان يستعمل الاسد السلاح الكيميائي اذا شعر بأنه يفقد السيطرة على الدولة بصورة نهائية. ويعلم الاسد جيدا ان استعمال السلاح الكيميائي 'خط احمر' ستكون له تأثيرات دولية. وبيّنت واشنطن جيدا بوساطة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان استعمال السلاح الكيميائي سيوجب عملية امريكية.
ولما كان الرأي العام في امريكا لا يتحمس تحمسا خاصا لمغامرة عسكرية اخرى في الشرق الاوسط فان واشنطن لا تسارع الى قبول المعلومات عن استعمال سلاح كيميائي باعتبارها معلومات صادقة. وربما من اجل ذلك دعت منظمات المعارضة السورية منظمة الصليب الاحمر الدولية الى ان ترسل فورا فريقا طبيا الى مدينة حمص حيث يحاصر الجيش بعض الأحياء منذ أشهر. واهداف ذلك هي علاج المصابين والفحص عن الغاز غير المعروف في الأساس.
'لا شك في انه استُعمل غاز وإن كان من الواضح ان ليس الحديث عن غاز السارين'، قال طبيب سوري طلب عدم الكشف عن اسمه. بل تتحدث تقارير مختلفة عن استعمال سلاح غير معروف على مواطنين لا في حمص وحدها بل في حماة وإدلب ايضا. 'الحديث في أكثر الحالات عن نوع جديد من غازات سامة لأنه يصعب على الاطباء ان يحددوا ما هي المادة السامة'، قال هذا الاسبوع متحدث جيش سورية الحر، لؤي المقداد.
أن مبعوثة القناة الفرنسية 'فرانس 2'، التي زارت مدينة حمص هذا الاسبوع لم تأت هي ايضا ببراهين على استعمال سلاح كيميائي، لكن صور السوق المدمرة في المدينة أدهشت المشاهدين. فالاسد لا يرحم حياة الناس ويضر بمواقع تاريخية محفوظة كتلك السوق المدهشة الجمال.
ينبغي ان نذكر ان وسائل الاعلام العربية عامة أبلغت هذا الاسبوع في توسع ان نظام الاسد يستعمل سلاحا كيميائيا. بل ان شبكة 'الجزيرة' كشفت عن ان طائرات في خدمة النظام ألقت قذائف تحتوي على مادة سامة على أحياء في مدينة حمص. وتريد نظم الحكم العربية على العموم التي توجد لها جميعا اليوم تقريبا صلة ما بالاخوان المسلمين ان ترى سقوط واحد من النظم العلمانية الاخيرة التي ما تزال باقية، أعني نظام الاسد.
ما تزال جزائر عبد العزيز بوتفليقة وحدها التي يساعد جيشها الرئيس في الحفاظ على السلطة وخفض رؤوس الاخوان المسلمين كلما رفعوها، ما تزال تؤيد الاسد في الحلقات الدولية وفي لقاءات الجامعة العربية. ان وزن الجزائر أقل كثيرا من وزن قطر أو من وزن العربية السعودية اللتين تصادم احداهما الاخرى على نحو عام لكنهما في الحالة السورية تتمنيان معا سقوط الطاغية من دمشق.
وفي خلال ذلك ما يزال بشار الاسد باقيا في قصره وإن كان التقدير ان نظامه المتضعضع بلغ مرحلته الاخيرة، بل تم الابلاغ هذا الاسبوع في صحيفة 'الغارديان' البريطانية ان المتحدث السابق عن نظام الاسد جهاد المقدسي يتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية. والمقدسي بحسب ذلك البلاغ، الذي فر من الدولة في نهاية تشرين الثاني، يساعد الاستخبارات الامريكية على فهم كيف تتخذ القرارات في قدس أقداس النظام السوري.
لم تحب المعارضة السورية المصافحة المهذبة جدا بين ممثل الامم المتحدة والجامعة العربية الجزائري الاخضر الابراهيمي، والرئيس الاسد هذا الاسبوع في قصر الرئاسة في دمشق، فقد جاء الابراهيمي في زيارة ليومين للتباحث في وجود حل للصراع السوري العنيف ومحاولة التوصل الى مصالحة مع الاسد.
على حسب تقرير للصحيفة الفرنسية 'لافيغارو'، ستأتي المصالحة المحتملة برعاية الولايات المتحدة وروسيا، ولم يُحب المتمردون هذه الفكرة فالاسد عندهم لم يعد جزءا من المعادلة بل يجب عليه ان ينصرف.
سُمح لمبعوث الامم المتحدة ان يلتقي في دمشق مع جهات من المعارضة السورية لكنها جهات حصلت على شهادة احلال من السلطة. وقال هؤلاء بالطبع ان كل حل يمكن ان يوجد مع الاسد نفسِه فقط. وبالمناسبة وصل الابراهيمي الى موسكو في نهاية هذا الاسبوع.
لكننا لن نتذكر من الاسبوع الماضي تأميل الاسد مصالحة تنقذه بل الصدوع التي أخذت تتسع في القيادة العليا السورية الى حد أنها ستفضي آخر الامر الى نهاية النظام الوحشي. لم يحجم نائب الرئيس فاروق الشرع في المدة الاخيرة عن انتقاد معاملة رئيسه للمتمردين. وقد ذُكر الشرع وهو وزير الخارجية الاسطوري السني في حالات كثيرة باعتباره الشخص الذي يستطيع ان يقود سورية ـ مؤقتا على الأقل ـ بعد مغادرة الاسد، بل كانت اشاعات بأنه فر، بيد ان من كان راعي الاسد في البدء ما يزال قويا في الصورة.
يوجد في القيادة السورية العليا اليوم في واقع الامر تياران متشاحنان. الحرس القديم الذي ورثه بشار عن أبيه ويؤيد توجها مهادنا وتنازلات ما للمتمردين للحفاظ على جزء من السلطة على الأقل. ويعتقد الشرع والمشاركون في ذلك التوجه ان الرئيس الاسد يستطيع من موقع قوة ما يزال باقيا في يديه ان يداور بحيث يبقى للطائفة العلوية في سورية قدرة على تأثير ما.
وفي مقابلهم يؤيد الحرس الشاب استمرار الصراع مع المتمردين بلا هوادة وبلا تنازلات. ويبدو ان الاسد قد اختار في هذه الاثناء التوجه الهجومي. فلما كان الصراع في الدولة عنيفا بصورة خاصة أصبح الاسد يدرك ان هناك مكانا للجانب المنتصر فقط في سورية اليوم، فهو يرى ان المنتصر يأخذ كل شيء.
وهو الى ذلك يرى ان ربيع الشعوب العربي لم يُحسن الى الزعماء الذين فضلوا 'الاحسان' الى الشعب قُبيل النهاية.
ان التنازلات في العالم العربي تُرى ضعفا. فقد أنهى زين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وعلي عبد الله صالح في اليمن عملهم في اللحظة التي حددوا فيها مدة حكمهم. وفي شأن معمر القذافي كان الامر يختلف شيئا ما لأنه لولا التدخل الدولي، أعني تدخل حلف شمال الاطلسي، لأمكن جدا ان يكون ما يزال باقيا معنا في 2013. ان وحشية الاسد تحظى اذا بتأييد الحرس الشاب من القيادة الذي لا يشتمل فقط على ممثلين من أبناء الطائفة العلوية، ففي هذا الجسم الحاكم سنيون ودروز ايضا. يمكن ان نجد بين المجموعة المؤثرة جدا في الرئيس أخاه العقيد ماهر الاسد (44 سنة) قائد الفرقة الرابعة المسؤولة عن أمن دمشق والقصر الرئاسي.
وينتمي أخوال الرئيس وأبناء أخواله رجلا الاعمال محمد مخلوف (80 سنة) ورامي مخلوف (44 سنة) ورجل الأمن الرفيع المستوى حافظ مخلوف (41 سنة) الى تلك المجموعة التي تطمح الى ان ترى صراعا لا هوادة فيه.
وفي النهاية وفي الليل حينما يمضي الاسد لينام يسمع كلاما مشابها من زوجته الحسناء أسماء ـ سنية ـ التي كانت الى زمن غير بعيد نجم المجلات الغربية وهي تدعو زوجها اليوم الى عدم وقف المعركة بأي ظرف.
يوجد في تلك المجموعة الضيقة كما قلنا من قبل درزيان ايضا هما منصور عزام (52 سنة)، وهو الوزير المسؤول عن الشؤون الرئاسية، ولونا الشبلي، وهي صحفية سابقة في 'الجزيرة'. ويمكن ان نضيف اليهما ايضا الجنرال علي مملوك (66 سنة) المسؤول عن الأمن الداخلي ورستم غزالة (59 سنة) مدير الأمن السياسي.
'هذه مجموعة الاشخاص التي يصغي اليها الاسد واليها فقط'، يقول خبير بشؤون سورية يفضل من اجل أمنه الشخصي ان يبقى مجهولا بسبب زياراته المتقاربة لدمشق والعلاقات التي ما تزال له بالقيادة السورية.
سيموت أو يفر:
في المقابل أدرك فاروق الشرع وجنرالات الجيش السوري انه لن يوجد في الوضع الحالي أي حسم للصراع الدامي، في الزمن القريب على الأقل وأنه يجب عليهم ان يُظهروا المسؤولية وان ينقذوا ما بقي من اجل الدولة ومن اجل النظام.
قال الشرع في مقابلة صحفية أجراها مع الصحيفة اللبنانية المؤيدة لسورية 'الأخبار' وهو الذي عمل وزيرا للخارجية السورية 22 سنة، قال ان الاسد 'لا يخفي رغبته في الانتصار بوسائل عسكرية'.
وقال الشرع في تلك المقابلة الصحفية ان الاسد يمسك بزمام السلطة وان جميع مواقع القوة تحت سيطرته لكنه تحفظ ايضا وقال انه 'توجد اليوم في النظام السوري عدة مواقف تعارض مواقف الرئيس الاسد'.
وفي اثناء ذلك، في اثناء كتابة هذه السطور تقريبا، ارتفع عدد الضحايا في سورية الى 45 ألفا. وتُبين معطيات منظمة حقوق الانسان 'أو.اس.دي.اتش' ان 31544 منهم مدنيون (منذ 15 آذار 2011)، أما سائر الضحايا فهم جنود يكملون العدد الذي لا يمكن تصوره والذي سيبقى في ارتفاع في نهاية الاسبوع القريب ايضا.
وبالمناسبة يضاف الى هذه المعطيات بحسب منظمة 'أو.اس.دي.اتش' المنشقون عن جيش الاسد الذين يبلغ عددهم 1511.
ان رئيس سورية هو أبغض شخص في سنة 2012 وقد كسب هذا باستحقاق لأن وحشيته وعدم جديته تجاوزا كل حد. واذا لم يبق في السنة القريبة فينبغي ايضا ان نفترض أننا لن ننساه سنين طويلة بعد. من كان يصدق ان الوريث سينجح في التفوق على أبيه؟ يصعب على سورية الى اليوم ان تهضم الـ 20 ألف قتيل في حماة في 1982 وها هو ذا بشار قد نجح في ايقاع ضعف ذلك من عدد الضحايا.
اختار طبيب العيون السوري ان يطفيء الحريق الكبير الذي شب في بلده بالزيت. فليس عجبا ان أخذ اللهب يزداد اتساعا، وليس عجبا ايضا انه مع استراتيجية كهذه سيبلغ بعض ذلك اللهب الينا ايضا. والسؤال الكبير هو هل يموت الاسد في بلده أم يفر منها. وكل سؤال آخر حول الاسد اليوم غير ذي صلة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ<hr>