المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 277



Haneen
2013-01-07, 01:14 PM
اقلام واراء عربي

رأي القدس: قصف مخيم اليرموك في دمشق
بقلم: أسرة التحرير عن القدس العربي
تعود قضية اللاجئين الفلسطينيين لتتصدرالعناوين الرئيسية في نشرات الأخبار والصحف بعد القصف الجوي المستمر الذي تعرض له مخيم اليرموك في أطراف دمشق العاصمة من قبل طائرات النظام التي تحاول جاهدة منع قوات المعارضة المسلحة من التقدم باتجاه قلب العاصمة.
ومن المفارقة ان نواة العمل الفلسطيني المسلح انطلقت من هذا المخيم على وجه الخصوص، وبهدف عودة الفلسطينيين الى اراضيهم التي أبعدهم اليهود منها عام 1948، بعد الهزيمة الكبرى للجيوش العربية امام العصابات اليهودية المسلحة المدعومة من الغرب.
طرفا الازمة في سورية مارسا ضغوطا كبيرة على الفلسطينيين للانخراط في المواجهات، الامر الذي احدث انقساما كبيرا في صفوفهم، ولكن الغالبية العظمى فضلت الوقوف في الوسط الرمادي.
لا توجد احصاءات دقيقة حول اعداد الشهداء الذين سقطوا من جراء هذا القصف الوحشي، سواء من الفلسطينيين او اشقائهم السوريين الذين لجأوا الى المخيم وشاركوا اشقاءهم لقمة العيش والحرمان، ولكن من المؤكد انهم بالعشرات وربما المئات.
صواريخ الطائرات المغيرة وقذائفها لا تفرق بين فلسطيني او سوري، مقاتل اومحايد، فالموت والدمار هما العنوان الرئيسي للحرب المستمرة حاليا في سورية التي تقترب من عامها الثاني، ووصل عدد الشهداء فيها حوالي 45 الف انسان، علاوة على تشريد الملايين داخل سورية وخارجها.
انها ليست المرة الاولى التي يجد فيها اللاجئون الفلسطينيون انفسهم في مثل هذا الموقف الخطر، ولن تكون الاخيرة، فقد عايشوا المشهد نفسه في العراق، وفي لبنان، وفي ليبيا عندما زج بهم نظامها السابق الى العراء قرب الحدود مع مصر.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالب الامين العام للامم المتحدة بعودة اللاجئين في سورية الى الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، وهو طلب مشروع، ولكنه ليس الحل العادل، الحل العادل في رأينا، اذا كان هناك عدل في النظام الدولي الاكثر توحشا من القصف السوري، هو في عودة هؤلاء الى يافا وحيفا وعكا وصفد وكل المدن والقرى التي طردوا منها.
محنة الفلسطينيين في سورية او غيرها من الدول العربية تعيد التأكيد على حق العودة، وضرورة بل حتمية تطبيقه بكل الطرق والوسائل، فمن العار على المجتمع الدولي ان يظل هؤلاء يواجهون القتل والتشريد بين الحين والاخر.
صحيح ان محنة التشريد قد طالت ملايين السوريين، ومن قبلها ملايين العراقيين والكويتيين واللبنانيين والليبيين، ولكن الصحيح ايضا ان جميع هؤلاء اللاجئين ظلت معاناتهم مؤقتة، وسرعان ما عادوا او معظمهم الى بلدانهم، واستأنفوا حياتهم الطبيعية، الا اللاجىء الفلسطيني الذي انتقل من لجوء الى آخر، ومن معاناة الى اخرى، بل ان بعضهم وصل الى البرازيل وايسلندا عندما ضاقت بعض الدول العربية بهم، ورفضت فتح ابوابها امامهم.
اسرائيل التي قامت على حساب تشريد ملايين الفلسطينيين تفتح ابوابها لمئات الالاف من اليهود القادمين من اوطانهم في الغرب والشرق للاستيطان في فلسطين لاسباب سياسية وليس من منطلقات انسانية، بينما ممنوع على الفلسطيني الذي يتعرض للموت من العودة الى وطنه ومسقط رأس والديه واهله.
قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الامم المتحدة، يجب ان تعود الى قمة اولويات الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير وحركات المقاومة الفلسطينية مجددا، في اطار ميثاق وطني فلسطيني جديد يجدد مبادىء واحكام الميثاق السابق الذي تعرض للتعديل والتشويه، ودون ان يحصل الفلسطينيون جراء هذه الخديعة غير المزيد من القتل والدمار والمستوطنات.
إسرائيل لا تحتمل سوى هزيمة واحدة
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
كل الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب حرصت فيها على نقل المعارك إلى أراضي الغير، بعيداً عن جبهتها الداخلية والمناطق التي تحتلها في منطقة 48. ذلك ليس صدفةً بالطبع وإنما أصبح معروفاً للقاصي والداني. بالمعنى الاستراتيجي فإن الجبهة الداخلية الإسرائيلية لا تحتمل حرباً تُشن عليها.هي لم تتعود تحمل تداعيات الحرب لأسباب عديدة من أبرزها: أن ارتباط الإسرائيلي بالأرض الفلسطينية التي يعيش عليها هو ارتباط هش وغير عقائدي (حتى وإن بدا كذلك بالنسبة لمعسكر اليمين المتطرف). الإسرائيليون يدركون في صميمهم تاريخ وحقائق الولادة القسرية لهذه الدولة، ويعرفون أن أصحابها الأصليين كانوا، ما يزالوا وسيظلون يطالبون فيها ويناضلون من أجل تحريرها.
في آخر استطلاع للرأي الإسرائيلي أجرته صحيفة 'هآرتس' فإن 40% من الإسرائيليين يفضلون الهجرة منها.مهما جرى في تفسير أسباب ذلك ومنها الاقتصادي بالطبع، لكن أحد العوامل المستقرة في أذهانهم: أن إسرائيل تفتقد إلى عنصري: الأمان والاستقرار التاريخي. لذلك أيضاً فإن الإحصاء الذي جرى العام 2007 من قبل جامعة تل أبيب أظهر ارتفاع 100% للحاصلين على جنسية ثانية من الإسرائيليين. سامي ميخائيل الباحث الإسرائيلي في الشؤون الاستراتيجية والأديب (العراقي الأصل) الذي ترجمت بعض كتاباته إلى العربية، قال في مداخله له في مؤتمر الرابطة الدولية للدراسات الإسرائيلية، الذي تم عقده في حيفا أواخر أكتوبر الماضي:'بإمكان إسرائيل أن تتفاخر بلقب الدولة الأكثر عنصرية في العالم المتطور. يوجد خطر حقيقي على إسرائيل، إذا لم تدرك القيادة الحالية بحقيقة أن إسرائيل ليست موجودة في شمال أوروبا، وإنما في المركز النشط للشرق الأوسط المعذب، هذا الذي ليس لنا مكان فيه بعد أن جعلنا كل المحيط يكرهنا.وشددنا ليل نهار أن هذا المحيط مكروه علينا أيضاً.قد نفقد كل شيء، ودولة إسرائيل ستكون ظاهرة عابرة مثل الهيكل الأول والهيكل الثاني'.
أبراهام بورغ ابن الحاخام يوسف بورغ الذي كان مقرباً من ديفيد بن غوريون، رئيس الكنيست بين الأعوام 1999-2003 المنافس لإيهود باراك مراراً على زعامة حزب العمل، الذي تولى مناصب وزارية عديدة في إسرائيل ومنصب رئاسة الوكالة اليهودية في سنوات طويلة، قال لصـحـــيفة'يديعوت أحرونوت' في المقابلة التي أجراها معه الصحفي أري شاليط ونشرت يوم 8 يونيو 2007: 'إن يهودية دولة إسرائيل ستقرب نهايتها...إن إسرائيل دولة فاشية وهي قوة استعمارية شبيهة بألمانيا عشية صعود النازية إلى الحكم...إن أكثر من نصف النخب الإسرائيلية لا يريدون لأبنائهم العيش في دولة إسرائيل' وفي النهاية نصح الإسرائيليين باستصدار جوازات سفر أجنبية. تصريحاته أحدثت هزة في إسرائيل بأرقام حالية من مقياس ريختر.
كثيرون من الكتاب الإسرائيليين تطرقوا إلى الارتباط الهش بين الإسرائيلي ودولته منهم: إسرائيل شاحاك، إيلان بابيه، ومن الشخصيات العامة: المحامية التي اشتهرت بدفاعها عن المعتقلين الفلسطينيين في السبعينيات وبداية الثمانينيات فيليتسيا لانجر، التي هاجرت مع عائلتها فيما بعد إلى ألمانيا الغربية (آنذاك وقبل توحد شطري ألمانيا). معروف أن بابيه يقيم في لندن.
إن من الأسباب التي تجعل إسرائيل حريصة على خوض المعارك في أراضي الغير (العدو) هي افتقادها إلى المدى الجغرافي الاستراتيجي، فهي موجودة في ارض فلسطين التاريخية، في وسط من العداء الشعبي العربي لها بسبب من عداونيتها وعنصريتها وفاشيتها وجرائهما وقبل كل شيء اغتصابها لفلسطين. من ناحية ثانية: فإن المسافة بين شرق فلسطين المحتلة حيث نهر الأردن، والبحر الأبيض المتوسط ناحية الغرب (الخط الذي يمر من نابلس) لا تتجاوز 72 كم، وفي الجنوب 117 كم، وبالتالي فإن هذا يسهل من هزيمتها في موازين الحروب الرسمية إذا ما جرت (هذا وفقاً لآراء العسكريين الاستراتيجيين). صحيح أنه مع التقدم التكنولوجي العلمي فإن الحروب ابتعدت عن الأشكال التقليدية لها، ففي زمن الصواريخ الموجهة لم تعد الجغرافيا مهمة، لكن يظل العامل البشري هو العامل الحاسم في الحروب، وهذا أيضاً ما تفتقده إسرائيل لأنها في الحروب تستدعي الاحتياط العامل في أجهزة الدولة المدنية، وهؤلاء يحاربون على قاعدة الغياب الإنتاجي لهم.
من الأسباب التي تقف وراء الحرص الإسرائيلي على نقل المعارك إلى أرض الغير هو: أن إسرائيل بنت استراتيجيها على الحرب السريعة والخاطفة، فهي لا تحتمل الحروب الطويلة.وذلك حين تم توجيه الصواريخ في عدوانها على لبنان في عامي 2006، 2012 إلى جبهتها الداخلية، فإنها بادرت إلى طلب التهدئة أو الهدنة من خلال الوسطاء.
من الأسباب أيضاً: افتقاد الشارع الإسرائيلي إلى 'البنية المجتمعية' التي في الغالب تكون موحدة في تاريخها وتراثها وحضارتها. كل ذلك ينطبق على كافة دول العالم باستثناء إسرائيل التي جرى إنشاؤها قسراً واغتصاباً للأرض الفلسطينية بالتالي جرى تجميع لليهود من كافة دول العالم من أمريكا إلى أثيوبيا دون وجود روابط حقيقة مشتركة فيما بينهم سوى الانتماء للديانة اليهودية (التي كانت وهي كذلك وستظل ديانة بعيدة كل البعد عن مفاهيم الشعب، القومية، الأمة مثلما تحاول إسرائيل تسييد هذه الأوصاف على شارعها).
هناك مقولة تحتاج إلى نوع من التوضيح وهي: أن الإسرائيليين يتوحدون في عدائهم للعرب أثناء الأزمات.هذا صحيح في الأزمات أو في أوقات الحروب السريعة، التي يكون موقعها خارج إسرائيل. أما في الحروب الطويلة والتي تصبح الجبهة الداخلية الإسرائيلية جزءاً منها، فإن التناقضات داخل إسرائيل تتفاقم ليس بالضرورة أن يكون عنوانها: العداء للعرب لأن هذه المسألة مفروغ منها، وإنما التناقضات التي تكون واجهتها: التناقض بين مفهومين: الأمن والأستقرار الموعودين وحقيقة الواقع المتمثل في حروب مستمرة تخوضها اسرائيل . في عام 1973 وفي الساعات الأولى لحرب تشرين حين اقتحمت القوات المصرية خط بارليف بعد عبور القناة، والقوات السورية تقدمت في هضبة الجولان وكادت أن تصل إلى مشارف بحيرة طبريا، جن جنون وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشيه ديان، ووفقاً لمصادر صحيفة ومذكرات لقادة إسرائيليين فإن دايان أصيب بحالة من الانهيار ودخل على رئيسة الوزراء غولده مائير ليعلن هزيمة إسرائيل لكن الأخيرة منعته. وكان الجسر الجوي الأمريكي لأسرائيل.
إن المعتقدين بإمكانية هزيمة إسرائيل من الفلسطينيين والعرب، لا يبنون وجهة نظرهم هذه على أوهام بل حقائق موضوعية وليست عاطفية أو غيبية. لذا فان هزيمة اسرائيل لمرة واحدة تعني نهايتها.

مخيم اليرموك .. النكبة الثانية
بقلم: عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
وفقاً للمعلومات المحدثة العام 2011، فقد بلغ عدد سكان مخيم اليرموك 680 ألفا، نزح معظمهم إلى خارج المخيم..مخيم خان الشيح الصغير وحده، استقبل ثلاثة عشر ألف عائلة، وكذا الحال بالنسبة لبقية المخيمات الفلسطينية والتجمعات الشعبية السورية، فضلاً عن عشرات الألوف الذي لجأوا إلى لبنان، وعشرات أخرى منهم لجأت للأردن.
في قراءة لما يحصل من عدوان على المخيم، ثمة وجهتي نظر رائجتين...الأولى، وتتبناها أقلية من الفصائل والشخصيات والمثقفين الفلسطينيين، وترى أن المخيم كان عرضة لعدوان من المعارضات المسلحة التي سعت في السيطرة على المخيم لضمان التواصل الجغرافي بيد التقدم والحجر الأسود ويلدا وحي التضامن، ليكون بذلك “خاصرة” دمشق الضعيفة.
ووجهة النظر الثانية، وتدعمها الفصائل الرئيسة وكثرة كاثرة من الفلسطينيين، وتُحمل مسؤولية ما تعرض ويتعرض له المخيم للنظام، الذي أراد بإدخاله المخيم في أتون الحرب الأهلية السورية، الدفع بكرة النار الفلسطينية إلى الملعب الأردني واللبناني، من ضمن استراتيجية تقول: الاستقرار في سوريا استقرار للمنطقة، والخراب في سوريا خراب على المنطقة.
أين الحقيقة فيما يجري في المخيم؟
لا شك أن سياسة “النأي بالمخيم”، لم تقع بصورة طيبة على مسامع الطرفين المصطرعين في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، النظام أراد للمخيم أن يكون “خندقاً” متقدماً في معركة الدفاع عن وجوده..والمعارضة أرادت للمخيم أن ينضم إلى صفوفها، وأن يتقدم لائحة “الضحايا” لاستدراج العطف والتأييد العربي والإسلامي والدولي، وقد جرّب الفريقان على مدى العامين الفائتين، الزج بالمخيم في أتون المواجهة، وقد نجحا أخيراً.
سياسة النأي بالمخيم، لا تعني أن الفلسطينيين فيه، يقفون “سياسياً وضميرياً” على الحياد في هذه المعركة..معظم الفصائل الفلسطينية لا تبدي وداً ظاهراً حيال النظام القائم في دمشق...فتح دفعت أثماناً باهظة في معركتها للحفاظ على استقلالية القرار الفلسطيني في مواجهة محاولات الهيمنة السورية..حماس تبدي تعاطفاً مع المعارضة المسلحة، سيما الإسلامية منها...بقية الفصائل وعموم اللاجئين، يختزنون ذاكرة مؤلمة من المعارك والمواجهات مع النظام، في سوريا وبالأخص على الأرض اللبنانية.
ثمة فئة قليلة من الفصائل والشخصيات المرتبطة وجودياً بالنظام السوري، وضعت نفسها في يد النظام وأجهزته، وأحالت نفسها إلى كتيبة من “كتائب الشبيحة”..هذه الفئة التي تحيط مواقفها بهالة من الحديث عن “المقاومة والممانعة”، تدافع عن ارتباطاتها وتسدد فواتيرها، لنظام لطالما استخدمها في حروبه ضد المنظمة والحركة الوطنية، من التدخل السوري في لبنان العام 1976 إلى معركة القرار المستقل في العام 1983، وصولاً إلى حروب المخيمات في بيروت بعد ذلك.
المخيم ليس على “عهد الولاء” للنظام السوري، هو على عهد الولاء والحب والامتنان للشعب السوري، الذي أظهر من التسامح والوفاء والدعم للشعب الفلسطيني، ما لا يمكن أن يُمحى من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين.
مخيم اليرموك يعيش هذه الأيام، نكبة ثانية..مظاهر التشرد واللجوء والقتل الجماعي والتدمير المنهجي، تستدعي الإدانة والاستنكار...ومسؤولية النظام عن هذه الجريمة، ليست خافية إلا على كل أعمى وبصير ومتواطئ، ومن دون أن نعفي بعض الجماعات المسلحة من المسؤولية عن استدراج المخيم، وتعريض حيوات أبنائه وبناته للخطر.
لكن من قامر بحياة أكثر من أربعين ألف سوري، ومن دمر المدن والقرى، ومن مارس القتل الجماعي والعشوائي، ومن قارف جرائم الحرب بشهادة المنظمات الدولية، من هانت عليه أرواح أبناء وبنات شعبه، لن يضيره كثيراً التحاق مخيم اليرموك بـ”مدن الحرب العالمية الثانية” المنكوبة في سوريا...ولن يزعجه التحاق بضع مئات من الفلسطينيين بعشرات ألوف الشهداء من السوريين...إنها الحرب الأهلية الضروس، لا تبقي ولا تذر، ولن ينجو منها مواطن أو مُقيم.

من اللجوء إلى اللجوء!
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
الكاريكاتور مقسوم إلى نصفين .. النصف الأول لطائرات النظام الإسرائيلي وهي تقصف مخيم جباليا في قطاع غزة، والنصف الثاني لطائرات النظام السوري وهي تقصف مخيم اليرموك في دمشق.
وليس من الخطأ اعتبار ضرب المخيمات الفلسطينية في سوريا نقطة تحول نحو الأسوأ، لأن أغلبية الفلسطينيين هناك أعلنوا حيادهم في الحرب المشتعلة بين جيشي النظام والسوري الحر، ولكن المحزن في ذلك الكاريكاتور المأساوي أنه يضع قوات الأسد وقوات نتانياهو في مربع مشترك عنوانه ملاحقة الفلسطينيين في لجوئهم، سواء كان اللجوء هو الأول أو العاشر.
وإذا كانت الحكومات السورية المتعاقبة قد تباهت على مر السنين أنها ساوت بين اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين السوريين في الحقوق والواجبات، فإن الحكومة الحالية تستطيع التباهي بأنها لم تتخلّ عن تلك المساواة حتى لو كانت اليوم هي مساواة الدم بالدم والدمار بالدمار بين شعبين أعزلين استخدمت ضدهما الميغ والسوخوي.
ليس هناك إذن تفضيل للسوريين على الفلسطينيين أو العكس، لأن الأرض التي يستولي عليها الجيش الحر تصبح أرضاً محتلة ولأن المقيمين على هذه الأرض يصبحون أهدافاً مشروعة لنظام فاقد للشرعية، وهذا بالضبط ما حدث لمخيم اليرموك الذي سقط جميعه في أيدي الثوار فاستهدفته الطائرات والمدفعية الثقيلة التابعة للنظام ليتحول مئات الفلسطينيين إلى قتلى وينزح عشرات الآلاف منهم إلى لبنان والأردن.
ولا يملك المرء إلا أن يستدعي من الذاكرة حالات تعرض خلالها اللاجئون الفلسطينيون للقصف العشوائي السوري النظامي في لبنان وخاصة في مخيم تل الزعتر ومخيمات طرابلس في سبعينيات القرن الماضي. كما تقفز إلى الأذهان صور مؤلمة حاولنا كثيراً تناسيها للهدوء المزمن الذي عاشه الجولان المحتل على مر العقود دون أن تخرق ذلك الهدوء رصاصة واحدة مقاومة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه قوات النظام السوري إلى الإطباق على مخيم اليرموك الذي يشكل نقطة الانطلاق نحو قلب دمشق وربما تدميره إذا لزم الأمر، فإن النزوح الفلسطيني مرشح للتصاعد خلال الساعات القادمة ومع اشتداد هجمة النظام الجوية لاسترداد أرض المخيم من «عصابات الإرهابيين»، تماماً كما كانت تفعل قوات الأسد في حماة وحمص وحلب وإدلب ودرعا وغيرها من المدن الثائرة.

ارتياح أميركي لنتائج "ضرب" غزة!
بقلم: سركيس نعوم عن النهار البيروتية
الفلسطينيون والعرب والمسلمون وخصوصاً "الممانعون" منهم مقتنعون بأن اسرائيل خرجت خاسرة من مواجهتها العسكرية الاخيرة مع "حماس" في قطاع غزة. فالصواريخ "الحمساوية" طاولت عمق اسرائيل وأطرافها البعيدة رغم قصفها الجوي والبري والبحري. لكن حكومة اسرائيل لم تحاول الذهاب ابعد من ذلك لأنها تعرف عجزها عن احتمال الكلفة البشرية والدولية.
إلا أن لعدد من المتابعين الاميركيين ومعهم مسؤولون رأياً آخر في هذا الموضوع يفيد ان اسرائيل ربحت الجولة الاولى من المواجهة مع متطرفي غزة، وانها اظهرت ان في استطاعتها ازالة "اثر التهديد الصاروخي لـ"حزب الله". ويفيد ايضاً ان الاميركيين تأثروا ايجاباً باداء "القبة الحديد" المضادة للصواريخ. ودفع ذلك ادارتهم الى زيادة الاستثمار المالي في مشروعها وذلك بغية تطوير ما تحتاج اليه اسرائيل منها لتغطية اجوائها على نحو تام. ويفيد الرأي نفسه ثالثاً ان الادارة في واشنطن حرّكت في اتجاه الشواطئ الاسرائيلية سفناً حربية ذات قدرات مضادة للصواريخ فاعلة جداً وذلك استعداداً للتعامل مع تهديد الصواريخ الايرانية. علماً ان هذه القدرات موجودة ايضاً في منطقة الخليج. ويفيد اخيراً ان على ايران ان تعيد حساباتها ومعها "حزب الله" لأن ترسانتهما النووية قد لا تكون فاعلة بالقدر الذي تؤكده طهران.
هل سيتمسك الرئيس اوباما في اول ولايته الثانية بسياسته حيال الشرق الاوسط وتحديداً حيال ايران والصراع الفلسطيني – الاسرائيلي؟ المتابعون الاميركيون انفسهم يعتقدون ذلك، ما لم تستجد تطورات دراماتيكية تفرض تعديلها او تغييرها. ومن اسباب ذلك انشغاله منذ الآن بإعادة تركيب ادارته. ومنها ايضاً اضطراره الى متابعة العمل لايجاد حل للأزمة المالية في ظل الخلاف حولها بينه وبين جمهوريي مجلس النواب. علماً ان سياسته حيال ايران معروفة. وهي تقوم على استمرار محاولة استدراجها لحوار جدي حول ملفها النووي وحول كل القضايا الخلافية معها. وإذا تعذّر ذلك فان الضربة العسكرية ستكون "آخر الدواء". واواخر السنة المقبلة 2013 قد يكون موعد ذلك. اما بالنسبة الى اسرائيل و"فلسطين" فإن المتابعين الاميركيين اياهم يعتقدون ان متطرفي غزة بقيادة "حماس" تخلوا عن ايران "الشيعية" وانضموا الى المعسكر السنّي، وان الادارة الاميركية ستشجع القادرين على مصالحة هؤلاء والسلطة الوطنية و"فتح" ومنظمة التحرير. كما انها ستشجع قادة "حماس" على العمل الجدي لايجاد تسوية مع اسرائيل. وقد يكون لمصر الحالية دور في ذلك، هذا اذا نجحت في تأمين استقرار الاوضاع فيها. والانتخابات الاسرائيلية المرتقبة في شباط 2013 قد تساعد في ذلك، وخصوصاً إذا اسفرت عن مفاجآت مثل فوز ليفني القادرة على جمع الوسط واليسار في بلادها.
ألا ينطوي التوقّع المذكور اعلاه المتعلق بالصراع الفلسطيني – الاسرائيلي على ايجابية مبالغ فيها؟
نعم، يجيب باحث يهودي اميركي بارز آمن "بحل الدولتين" من زمان، وعَمِل له وشنَّ حملات عدة متنوعة على اليمين الاسرائيلي وزعيمه اليوم بنيامين نتنياهو بسبب رفضه له. فهذا الاخير وحلفاؤه وخلافاً لمشروع اوباما للحل لم يعودوا يعترفون بأن هناك أراضي عربية فلسطينية محتلة، إذ صاروا يسمونها أراضي متنازع عليها. وهم يكثفون الاستيطان فيها وذلك بغية الوصول في النهاية الى اسرائيل الكبرى أو معظمها. طبعاً استغل نتنياهو بعد عملية "عمود السحاب" العسكرية الاخيرة في غزة دعوة خالد مشعل احد ابرز قادة "حماس" الى تدمير اسرائيل او إزالتها فدفع حكومته الى اتخاذ قرار ببناء مستوطنات جديدة في القدس. لكنه نسي او تناسى ان مشعل عموماً كان قدّم في السابق وفي اثناء محادثات معه افكاراً أكثر اعتدالاً مثل قبول سلام على اساس دولتين فلسطينية واسرائيلية، يكون نتيجة مفاوضات بين "السلطة الوطنية" واسرائيل، ولكن بعد قبول شعب فلسطين اياه عبر الاستفتاء. كما انه دعم وقف كل اعمال العنف ضد اسرائيل إذا قبلت اسرائيل مبدأ قيام دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967. وهذا النسيان او التناسي قد يكون ساد الناخبين الاسرائيليين، وخصوصاً في ظل اتجاه غالبيتهم نحو اليمين الذي يحاول حالياً استغلال تصريحات مشعل و"حماس" لمنع ظهور كتلة نيابية وسطية ويسارية في "الكنيست" الاسرائيلي بعد الانتخابات العامة المقررة في شباط المقبل.

الاتحاد الأوروبي و«الضريبة الكلامية» حول الاستيطان!
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن القطرية
ما زال معظم وسائل الإعلام وعدد وافر من المحللين السياسيين يصرَون على اعتبار معارضة الاتحاد الأوروبي «الشديدة» للخطط الاستيطانية الإسرائيلية التي أشهرت بعد اعتراف الجمعية العامة الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية «غير العضو»، ولاسيما القرار المتعلق ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية في المنطقة المسماة «e- 1» التي تربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم»، وتشكل الرواق الأخير الذي يصل شمال الضفة الغربية بجنوبها. ما زالوا يصرَون على اعتبار ذلك بمنزلة منعطف نوعي من طراز جديد في موقف دول القارة العجوز حيال قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفي القلب منها قضية الاستيطان التي طالما اعتبرتها هذه الدول «مخالفة للقانون الدولي، وتمثل عقبة أمام السلام»، ولكن دون أن تلجأ إلى أي إجراءات ملموسة تترجم هذا الموقف.
الحيثيات التي يستند إليها هذا التقدير لا تتجاوز، في الواقع، ما جاء في بيان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي الصادر في العاشر من الشهر الجاري، الذي، وإن أعرب عن «الصدمة» من القرار الإسرائيلي، وشدد على رفض الاتحاد الاعتراف بأي تغيرات على حدود عام 67 بما في ذلك مدينة القدس ما لم تكن هذه التغيرات بالاتفاق بين الأطراف، لم يأت بجديد على صعيد الخطوات العملية التي يمكن اللجوء إليها في حال تنفيذ المخطط الاستيطاني في «e- 1»، أو إعلان المزيد من عطاءات الاستيطان، وهو ما حدث فعلاً بعد صدور البيان الأوروبي، اللهم باستثناء إعادة التأكيد أن دول الاتحاد ستعمل فوراً على تطبيق قانون منتجات المستوطنات، وتفعيل الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل بهذا الخصوص.
وعلى رغم وجود متغير أوروبي مهم له علاقة بارتفاع منسوب الامتعاض الشعبي في مختلف دول الاتحاد من الممارسات العدوانية الإسرائيلية، وفق مؤشرات عدة، إلا أن أنظمة هذه الدول التي تقدم نفسها كوسيط أمين ومخلص في الشرق الأوسط، تمارس، في الحقيقة، نوعاً من النفاق المغلف بـ«سوليفان» الحرص على الحقوق الفلسطينية والعربية المنتهكة من الكيان الإسرائيلي. إذ، ففي مقابل إدانة ممارسات الاحتلال العدوانية، وخاصة الاستيطانية منها، في التصريحات والبيانات كـ «ضريبة كلامية: لا تقدم ولا تؤخر، تواصل معظم هذه الأنظمة السياسية، وفي مقدمها بريطانيا التي مهَدت التربة لقيام كيان الاحتلال، وفرنسا التي تعتبر أن أي اعتداء على إسرائيل هو اعتداء عليها، وألمانيا التي تزعم أنها أمام مسؤولية تاريخية تجاه اليهود بسبب الهولوكوست، وإيطاليا التي تدعو لدعم إسرائيل واليهود بكل الأشكال. تواصل تطوير علاقاتها التحالفية مع هذا الكيان المارق في مختلف المجالات.
ويوضح التدقيق في بعض مناحي هذا «التحالف الآثم»، وفق تسمية الصحفي الأيرلندي ديفيد كرونين المتخصص في السياسة الأوروبية، بأن دول الاتحاد التي كانت تسوّغ، على الدوام، اعتداءات إسرائيل على العرب والفلسطينيين وتعتبرها «موقفاً دفاعياً»، ما زالت تستورد نحو 40% من كمية الناتج المحلي الإسرائيلي، كما تتمسك بالتعاون مع الكيان في مختلف المجالات، ولاسيما في حقل البحوث العلمية الذي يعتبر من أكبر حقول التعاون والتنسيق بين الجانبين، وذلك على رغم الخسائر التي تتكبدها لمصلحة إسرائيل التي أصبحت في عام 2007 من أولى الدول المجاورة للاتحاد الأوروبي التي تندمج في «برنامج الابتكار والتنافس» المخصص له 6.3 مليارات دولار بين 2007 و2013، الذي يسمح لـلدولة العبرية بالمشاركة في المشاريع المشتركة مع الشركات الأوروبية، إضافة إلى الانضمام إلى «برنامج أوروبا للمشروعات» الذي يساعد الشركات في الحصول على التمويل العام.
ولأن طيف التحالف الأوروبي الإسرائيلي يمتد إلى ما هو أوسع من القضايا الاقتصادية، بما في ذلك تراكم الآثار الجانبية الخاطئة للمساعدات المقدمة من الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين التي تجد 45% منها طريقها إلى اقتصاد إسرائيل، فإن التعاون المثمر والمؤثر والكثيف بين الجانبين جعل إسرائيل تعد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على جميع الصعد، ما عدا انتماءها الاسمي فقط. وتكفي الإشارة إلى ما كشفته صحيفة «يديعوت أحرنوت» العبرية حول التعاون الاستخباراتي بين الطرفين، وقيام رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي الميجر جنرال أفيف كوفاخي، مؤخراً، بزيارة سرية لعدد من الدول الأوروبية لبحث الأوضاع في سورية والأسلحة الكيماوية في البلاد، والسبل الكفيلة بـ«منع سقوط هذه الأسلحة في أيدي جهات عدائية»، بما فيها «حزب الله» اللبناني.

إخوان مصر.. راديكالية العنف.. وشهوة الثأر
بقلم: حصة بنت محمد آل الشيخ عن الرياض السعودية
خطاب مرسي بعيد عن إرادة الثورة، وبعيد عن الحس الديمقراطي الذي أوصله للرئاسة، فالديمقراطية لا ترضى أن يمثلها حزب بأبعاد دينية مفرغة من الهمّ الوطني والبعد المؤسساتي المدني وبدستور توافقي يتقبله الشعب بنسبة تفوق 70% ، فمرحلة تأسيس دولة المؤسسات وبناء قواعد الديمقراطية يحتكمان لمعيار التوافق.. لا لمنطق الأغلبية مقابل الأقلية الذي يكرره مرسي في خطاباته الشللية الحزبية
في كتابه (ما الثورة الدينية.. الحضارات التقليدية في مواجهة الحداثة) وبتوصيف دقيق لمظاهر الأزمة والتصدع التي هزت بنيان الحضارات الشرقية الكبرى والمختزنات الروحية والفكرية الكبيرة يصور داريوش شايغان المفكر الإيراني الحضارات التقليدية إزاء فشلها في مواجهة الحداثة بأنها تقف في مرحلة بين بين، بين ماض لن يعود كما تهوى وتشتهي، وبين مستقبل لا تستطيع اللحاق به"، وكأنه بهذا التوصيف يصقل لنا المرآة أمام تخبط الحكومات الدينية في البلدان العربية بعد وصولها للحكم جراء ثورات شعبية وبأداة الثورات المجيدة" الديمقراطية"..
مفهوم الديمقراطية يعد ألزم مفردات الحداثة، لكنه سجل في تلك البلدان ارتداداً غير مسبوق يوازيه عنف وهمجية وتسطيح وتغليف رجعي، وبين الديمقراطية وحقوق المواطنة تغيب مفاهيم الدولة المدنية لصالح الدولة الدينية الحزبية الضيقة بعد استخدام أهم منافذ الحداثة؛ "الديمقراطية"، ومن ثم انقلاب عليها وإنكارها!
ولا غرو فحتمية التاريخ تثبت أن رجعية البنى الذهنية المتشددة لايمكن أن تشكهل مواطنة مدنية حديثة تشاركية تؤمن بانطلاق الحقوق في رحاب الإنسانية؛ مفتوحة الآفاق..
جماعة الإخوان المسلمين يعرفون الدولة الدينية بشكلها المتطرف الذي يؤمن بأن شرعية الملك تأتي من الحق الإلهي المقدس في الحكم" الحاكمية" وحلم دولة الخلافة الإسلامية، كان ولا يزال، هدفا رئيساً لكافة تيارات الإسلام السياسي، بل إن جماعة الإخوان المسلمين قامت بالأساس عام 1928 كرد فعل لقيام كمال أتاتورك في عام 1924 بإعلان انتهاء الخلافة العثمانية، وشروعه في تأسيس الدولة التركية الحديثة على النمط الغربي.. وبذا فهي في خط عكسي لاتجاه بوصلة الحداثة ومفهوم المدنية.
وقد جاء أوضح وأقوى تعبير عن هذا الهدف بعد ثورة 25 يناير على لسان د. محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، الذي عبر في آخر رسائله عن أن إحياء الخلافة هو الهدف الأعظم لجماعة الإخوان المسلمين، التي تؤهل المسلمين ل "أستاذية العالم".
ورغم أن قيادات جماعة الإخوان تؤكد أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، وأن الدولة في الإسلام كانت وستظل دولة مدنية، إلا أن واقعها أكبر شاهد على كذب مزاعمها.
العالم اليوم يركز على مآلات الديمقراطية في مصر بالذات كون مصر تمثل ثقلاً سياسياً عربياً لا يشبهه غيرها، ولكن من يستطيع أن يستشرف المستقبل وسط التموجات الإخوانية الميكافيلية المهاترة ذات الحقيقة الزائفة للمبادئ والقيم التي تستبطن عكس ما تظهره؟
سؤال ربما لا ادعاء يشمل أبعاده..
موقف الإخوان من الثورة هو المناورة والحنكة والخوف من الخسارة. ولما انتصرت الثورة جاء الإخوان وقالوا نحن هنا وبدأوا المشاركة في الثورة، وللغتهم العاطفية الجياشة المتمسحة بالدين حشدوا الجماهير ففازوا في الانتخابات بفارق ضئيل لا يعدو ضربة حظ عاثر في زمانه.
جاء مرسي بعقلية تنظيم الجماعة فأراد من الشعب معاملته معاملة الجماعة لمرشدهم" مبدأ السمع والطاعة" فخرج بعد جمعة الإعلان الدستوري"الدكتاتوري" ليلقي خطاباً بين مؤيديه في مقر الاتحادية ينضح بفوقية تستهجن كل من عداه وعدا جماعته وحزبه وحلفائه، ليصور حقيقة أيديولوجيا الحزب الديني وماهية ارتباطه السياسي ليتجاوز تشويه الدين إلى الغلو بفرض السيطرة والاستبداد حيث لاسواه، وما دونه ففي دائرة المهيمن عليه ليفرض رؤيته الأحادية على مفاصل الدولة والقرار، بالعزم على أخونة الدولة ومؤسساتها.
لم، وأعتقد، لن يدرك الرئيس مرسي معنى كونه رئيسا لكل المصريين.. ففى اليوم التالى لإعلانه الدستوري" الدكتاتوري" وجّه خطابه إلى عشيرته التى تجمعت حوله فى الاتحادية، ودان معارضيه الذين تظاهروا فى مظاهرة سلمية، ودافع عن مشروعه الدكتاتوري بالزعم بأنه يريد إعادة الهيبة لمصر، فكيف يكون الاستبداد جالباً للهيبة إلا في عقول تشربت فكر التسلط والثأر والإكراه؟!
وعندما تبين حجم المعارضة لإعلانه الدكتاتوري الشمولي دعا لحوار وجّهه وجهة خاصة لا تقرأ الخلاف لتعالجه بل تنحو بالحوار وجهة لا طائل منها ولا فائدة.
في الخطاب الإخواني تتمظهر جدلية الدين والعنف والسياسة بمنطلقاتها الفكرية المعاكسة لمعطيات الواقع؛ فها هو مرشد الإخوان يتهم القوى السياسية المعارضة بممارسة الفساد والاستبداد والإجرام، ولا يرى الاحتجاجات سوى "باطل تجب مقاومته" وتقوم جماعة حازم أبو إسماعيل باعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي لتطهير الإعلام، ووقف ما سماه « الإعلام الفاسد»
استطاع الإخواني مرسي أن يقسم مصر إلى فسطاطين كما يذكر حمدي قنديل في مقال له"المشكلة لا تكمن فقط فى الإعلان الدستوري ولا فى الجمعية التأسيسية ولا في الدستور ولا في الاستفتاء. المشكلة أكبر من ذلك بكثير..المشكلة أننا تحققنا جميعا أن مصر انقسمت فعلا إلى فسطاطين: فسطاط من يتحدثون باسم الإسلام، وفسطاط المؤمنين بدولة ديمقراطية مدنية.. وطالما أن الفاشيين الجدد يعتبرون أنهم وحدهم قوى الحق، وحدهم القادرون على الحشد بالميليشيات، وأن غيرهم كارهون للإسلام، وغيرهم فى منزلة أدنى، فلن ينجح حوار بين الجانبين، بل لن يقوم الحوار أصلا"
اضطر الإخواني مرسي للحوار بعد أن استشعر موقف الضنك وبعد أن سال الدم وأغمضت الدولة عينيها عن الجناة الذين مارسوا عنفاً، وقاموا بتعذيب وحشي لم تعرفه مصر من قبل عشية مظاهرة لا للإعلان الدستوري، حيث سُجل بالفيديو العنف الذي مارسه أعوان الرئيس مرسي بكل وحشية أمام قصر سيادته وشوهد ميليشيا الإخوان وهم يمارسون التعذيب الوحشي العنيف ليجبروا المتظاهرين على القول بأنهم من فلول النظام السابق!!
يبرر سعد عمارة، عضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، ذلك العنف من جماعة الإخوان بأنه رد فعل منطقي ل«سفالة الألفاظ والإشارات من الطرف الآخر، وأن المتظاهرين تجاوزوا الشرعية في مظاهراتهم، ما استدعى نزول مؤيدي الرئيس، وهو تصريح يمرر العنف كدليل يثبت أبجديات منهجهم الفكري المتوحش.. ويتوالى العنف والهجوم الغاشم على مقرات أحزاب المعارضة خاصة حزب الوفد، والهجوم على الصحف والقنوات الخاصة وحصارها لمعارضتها السياسات المتخبطة للرئاسة التي ستودي بالبلاد إلى الهاوية.
ويستمر هرج ومرج الإخوان بالخطابات والهتافات الرجعية التي ترى كل معارض للرئيس مجرماً وعدواً ومحارباً لله ورسوله.. وبالطبع لمرسي، ويعلنون الحرب على الإعلام، الذي طالما انتقد مبارك علانية كما لم يحدث بأي بلد عربي، لكنه اليوم يجب أن يطبل لمرسي وإلا عُدّ خائناً شريراً يهدف لإسقاط الشرعية؟!
خطاب مرسي بعيد عن إرادة الثورة، وبعيد عن الحس الديمقراطي الذي أوصله للرئاسة، فالديمقراطية لا ترضى أن يمثلها حزب بأبعاد دينية مفرغة من الهمّ الوطني والبعد المؤسساتي المدني وبدستور توافقي يتقبله الشعب بنسبة تفوق 70% ، فمرحلة تأسيس دولة المؤسسات وبناء قواعد الديمقراطية يحتكمان لمعيار التوافق.. لا لمنطق الأغلبية مقابل الأقلية الذي يكرره مرسي في خطاباته الشللية الحزبية.
وربما يكذّب كل مداهنة يحاولها مرسي أن غالبية الشعب بدأت تدرك مدى المفارقة بين نظام الرئاسة السابق، وتنظيم الإخوان، وأنها لاتعدو أكثر من مقاربة بين الفساد والاستبداد، أما تطبيقه للديمقراطية فلا أدل على بعده عنها من استهتاره بها في خطابه المتعالي بين جماعته"مش هيّا دي الديمقراطية اللي بيؤولوا عليها ؟؟!! "، وهو أمر بدهي، فقد انتهى مفعول الديمقراطية بعدما أوصلته للرئاسة ولتذهب بعد ذلك للجحيم، هذا تماماً ما يعبر عنه بجملته الساخرة من الديمقراطية.
الديمقراطية بفضائها المفتوح ومضامينها المرتكزة على احترام الحريات كافة أبعد ما تكون عن نظام لازال يحتكر الحق في جماعة من الناس بل وفي جماعة مخصوصة من ديانة خاصة، أما القرب بين المفهوم وممارسة النظام الديمقراطي فأبعد من حدود تفكير جماعة تقسم الناس إلى فريقين: أحدهما في الجنة، والآخر في السعير، وتحكم بنهايات مغلقة على تخلفها اليقيني الساذج للحياة والدولة والمصير.
في تاريخ الإخوان امتداد غاشم لصناعة الموت والجاسوسية، فهم أول من سن الاغتيال باسم الإسلام في العصر الحديث عندما اغتالت الجماعة القاضي الخازندار كونه ينظر في قضية " تفجيرات سينما مترو" المتهم فيها عدد من المنتمين لجماعة الإخوان، فعندما قال حسن البنا المرشد العام للجماعة في اجتماع مع جماعته" ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله" اعتبره أعضاء في التنظيم بمثابة "ضوء أخضر لاغتياله، فاغتالوه بتسع رصاصات سقط بها صريعاً في دمائه، لتتوالى الاغتيالات، فيقتل أحمد ماهر عام 1945، ثم النقراشي باشا 1948..
لقد طلب حسن البنا مؤسس الجماعة من أتباعه وبخط يده في رسائله" طاعة بلا تردد، وبلا حرج وبلا شك وبلا مراجعة"، وقال أيضاً: إن الإخوان سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها" وهم لا يترددون في تصفية أي عضو منهم يخرج عن قناعاتهم، كما حدث مع السيد فايز عندما عبر عن غضبه على التنظيم الخاص" السري" لقتلهم القاضي الخازندار، وبطريقة بشعة عن طريق خدعة بتمرير صندوق له بدعوى احتوائه على حلوى المولد، ولما فتحه انفجر في وجهه.
الطاعة المطلقة في الغرف المظلمة مع المصحف والمسدس والى تخريج القتلة من هذه الجماعة البدعية ليغتالوا الرئيس أنور السادات الذي لم يشفع له كل ما فعله لأجلهم.
أما الجاسوسية فيذكر مؤلف كتاب "مع الشهيد حسن البنا" محمود عساف أمين المعلومات في جماعة الإخوان "أن الجماعة تمارس جمع المعلومات عن جميع الزعماء والمشاهير من رجال السياسة والفكر والأدب والفن سواء أكانوا من أعداء الإخوان أم من أنصارهم، وكانت المعلومات ترد لي لأحفظها في الإرشيف"..
اليوم نحن بانتظار نتيجة الاستفتاء الرقم 17 في تاريخ مصر، فقد شهدت مصر منذ قيام ثورة يوليو 1952، التي أنهت حكم أسرة محمد علي وأقامت النظام الجمهوري 16 استفتاءً، تنوعت ما بين اختيار رئيس الجمهورية، وتعديلات دستورية وقضايا سياسية.
واللافت للنظر أنها جميعاً جاءت ب"نعم" وبنسب عالية جداً، فهل نشهد بفضل الديمقراطية نتيجة في الاتجاه المعاكس، أي بلا..؟!
الله أعلم.. لكنني لا أتمنى على أحبتنا في مصر أن يتذكروا وعد الرئيس السابق مبارك بانتقال سلمي! للسلطة وتنازل عن الحكم، وتعديل خمس مواد من الدستور بما فيها المادة 179 الممهدة لإلغاء قانون الطوارئ فيندمون على تفويت الفرصة.. فالفوضى الإخوانية المتناهية تنبئ عن مستقبل مخيف.. فهل هي إرهاصات الفوضى الخلاقة؟!
وأي خلق من الفوضى يا ترى سيكون؟! أم ملامح شرق أوسط جديد كما توعدت أمريكا أو وعدت به من زمن قريب؟!! وبين الوعد والوعيد ضباب كثيف عسى أن يهطل بالخير على شعب مصر الحبيب.<hr>