Haneen
2013-01-07, 01:15 PM
اقلام واراء عربي
تهدئة في اليرموك .. ماذا بعد؟
بقلم عريب الرنتاوي عن الدستور
يعيد “اتفاق التهدئة” في اليرموك، الاعتبار لسياسة “النأي بالمخيم” عن الصراع الداخلي في سوريا...هذه السياسة، تبنتها التيارات الرئيسة في الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، لكن “نفراً” من المتطرفين هنا وهناك، أصر على “جر” المخيم إلى “أتون المواجهة الأهلية” في البلد المُضيف، وقد نجح في ذلك للأسف، مستفيداً من جنوح” بعض تيارات السلطة والمعارضة في سوريا، لإغراق المخيم في دهاليز الأزمة السورية.
وأحسب أن الوقت قد حان، لرفع الصوت عالياً من جديد، لتكريس “انسحاب” الفلسطينيين من الأزمة السورية، وإذ كان لكل فريق فلسطيني “انحيازاته” السياسية والفكرية المعروفة، مع هذا الفريق أو ضد ذاك في سوريا، فإن من الأجدى والأجدر، أن يجري الاحتفاظ بهذه الانحيازات في الصدور، وألا يجري تحويلها إلى سياسات وممارسات “مقامرة”، لن يترتب عليها سوى الخراب العميم، الذي سيأتي على الشجر والبشر والحجر في مخيمات اللجوء والشتات.
على أن يقترن ذلك، بالحاجة أيضاَ لرفع الصوت عالياً، ضد الاتجاهات التي تسعى في إخراج المخيم عن “حياده الإيجابي”، وخصوصا الجبهة الشعبية - القيادة العامة، التي تبنت خطاباً فجّاً منذ بدء الأزمة، يجادل في ضرورة الانخراط في الحرب الأهلية السورية، ذوداً عن النظام، بذريعة درء “المؤامرة” التي يتعرض لها “معسكر الممانعة والمقاومة”.
ولقد نجحت الفصائل والقوى والمنظمة والسفارة و”الدائرة”، في تدارك ما يمكن تداركه، ولكن للأسف بعد سقوط قائمة طويلة من الشهداء الأبرياء...وها هو الإجماع الفلسطيني يتحقق اليوم، على إدانة الخارجين على الإجماع الفلسطيني وتجريمهم، عزلهم عن المخيم وإخراجهم منه، وتعليق عضويتهم في مؤسسات المنظمة، وفقاً لبيان المجلس الوطني الفلسطيني، ويجب أن يستمر هذا الموقف الحازم، وأن تخضع ممارسات هذه القوى الهامشية لرقابة شديدة، بالنظر للنتائج الكارثية التي قد تترتب عليها.
أما الفلسطينيون، فقد خاضوا واحدة من أروع تجارب “الاستفتاء العفوي”، غير المنظم، إذ ما أن سرت الأنباء عن التوصل للاتفاق بين النظام والمعارضة على إخراج المخيم من دائرة النار، حتى عاد للمخيم، دفعة واحدة، وعلى مسؤوليتهم، وسيراً على الأقدام، أكثر من عشرة آلاف لاجئ، جابوا شوارع المخيم، يرفعون رايات فلسطين وحدها (من دون رايات الفصائل)، ويهتفون لفلسطين وحدها (من دون الفصائل)، ويجددون العزم على “إزالة آثار العدوان على المخيم”.
على أية حال، لقد كشفت أحداث المخيم، أن بعض المحسوبين على العمل الوطني الفلسطيني، قد أصبحوا عبئاً ثقيلاً على شعبهم وقضيتهم وحركتهم الوطنية...هؤلاء الذين ارتضوا أن يكونوا “جهازاً أمنياً آخرَ” في يد النظام السوري، لم يأبهوا للنتائج الكارثية التي ستترتب على مواقفهم وممارساتهم العبثية المشبوهة... فاتهم “تخيّل” حجم الكارثة الإنسانية التي سيعانيها ما يقرب من 680 ألف فلسطيني في سوريا، لا ترغب بهم و لا تريدهم أية دولة من دول الجوار، بل وتتعامل مع النازحين منهم كما يجري التعامل مع “المصابين بالجذام والطاعون”...لا أدري بم كان يفكر هؤلاء، وهم يرون أزيد من مائة ألف فلسطيني، يهيمون على وجوههم في الساحات والميادين، بلا مأوى ولا ظهير، في ظل طقس شديد البرودة، وحالة فلتان أمني، غير مسبوقة في تاريخ سوريا القديم والحديث...بئست “المقاومة والممانعة”، إن كان ثمنها “نكبة ثانية” تُفرض على المنكوبين في مخيماتهم.
اتفاق التهدئة في اليرموك، ما زال هشاً، وهو عرضة للانتكاس، وهو بحاجة لشبكة أمان وتدعيم، تقوم بها المنظمة وحماس والجهاد، كلٌ في ميدان علاقاته وتحالفاته الخاصة، لضمان عدم تحول المخيم إلى كرة تتقاذفها الأقدام والأرجل، من خلال حشد الدعم والتأييد للاتفاق، وحشد الضغوط على الأطراف المصطرعة وداعميها العرب والإقليميين، من أجل تحييد المخيم وإخراج الفلسطينيين من دائرة الموت المجاني التي اتسعت لتشمل سوريا كلها...على أن لا ننسى أن المخيم الآمن والمستقر، هو ملاذ آمن للهاربين من جحيم النار في سوريا، ألم يتحول المخيم قبل أن يُزج به في الحريق، إلى قبلة للنازحين واللاجئين السوريين، ألم يفتح اللاجئون بيوتهم وصدورهم ومدارسهم وساحاتهم، لإخوانهم، السوريين، أصحاب الأرض والبلد المضيف...هذه هي الصورة التي نريدها للمخيم، إلى أن يرفع الله عن شعب سوريا الشقيق هذا البلاء والابتلاء.
من المسؤول عن مأساة مخيم اليرموك؟!
بقلم ياسر الزعاترةعن الدستور
قد يبدو السؤال أعلاه مقبولا بالنسبة لمراقبين دوليين، أو صحافيين أجانب جاؤوا يتفحصون معالم المأساة وأسبابها، لكنه ليس كذلك بالنسبة لصاحب ضمير حي يعرف حقيقة ما يجري في سوريا منذ قرابة عامين؛ حقيقة أن هناك 40 ألفا سقطوا ضحية الإجرام الأسدي، وأن هناك مئات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المعتقلين، فضلا عن أكثر من مليوني مشرد في الداخل والخارج. ثم يعرف إضافة إلى ذلك أن هناك أكثر من 700 فلسطيني قد قضوا نحبهم في الصراع الدائر في سوريا؛ كان نصيب مخيم اليرموك منهم وافرا إلى حد كبير.
كيف لمخيم يعيش وسط السوريين ويلتحم بهم وبأحيائهم أن يظل بمنأىً عما يجري في بلدهم؟! كيف له أن يمارس الحياد في معركة بين نظام مجرم وبين شعب يعيش معه وبين أبنائه؟! يثير الازدراء بالطبع أن يخرج عليك من يتحدث بلغة تحميل الجميل للفلسطيني، فيشير إلى وضعه الجيد في سوريا، لكأن بشار وأباه من قبله كانوا يدفعون للفلسطينيين من جيوبهم، أو لكأن اللجوء الفلسطيني قد تم في ظل حكم البعث (الأسدي)، ولم يبدأ في العام 48، ومعه طبيعة التعاطي الرسمي مع اللاجئين.
الأكثر سوءا من هذا وذاك، هو تجاهل حقيقة أن الذاكرة الفلسطينية لا تحتفظ لهذا النظام بالكثير من الود، لاسيما أنها ليست ذاكرة قصيرة يمكنها نسيان مجزرة تل الزعتر، أو حرب المخيمات مع قدر من التواطؤ على إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، حتى لو تحدثنا عن مرحلة جيدة من الدعم لقوى المقاومة خلال الألفية الجديدة.
مع ذلك، فقد حاولت المخيمات أن تنأى بنفسها عن المعركة الدائرة، أعني أن تنأى بنفسها ككتلة كاملة، وليس كأفراد، فبين الثوار هناك الكثير من الشبان الفلسطينيين الذي اقتنعوا بنبل الثورة ومطالبها المشروعة وانخرطوا فيها واستشهدوا مع إخوانهم السوريين، لاسيما أن الأعمى وحده هو من يعتقد أن هذه معركة ملتبسة (بعض اليساريين الذين يديرون الحملات لصالح بشار وضد “الإرهابيين” القادمين من الخارج، ينسون احتفالهم بجيفارا الذي كان يقاتل أنظمة ربما كان بعضها أفضل من نظام بشار بالنسبة لشعبه).
أيا يكن الأمر، فما جرى هو أن الثوار الذين سيطروا بشكل شبه جيد على الأحياء الملاصقة للمخيم (الحجر الأسود والتضامن والميدان)، لم يعملوا على احتلال المخيم، بل كانوا يعبرونه بشكل عادي نحو وجهتهم، فما كان من المليشيات المحسوبة على الجبهة الشعبية (القيادة العامة) وبعض المجموعات الأخرى إلا أن استهدفتهم، فقتلت بعضهم واعتقلت البعض الآخر، فكان طبيعيا والحالة هذه أن يردوا على ذلك.
في شهادة لأحد الفارين من المخيم أوردتها الغارديان تلخيص للحكاية. فقد قال الرجل إن النظام افتتح منذ الصيف مكتبين أمنيين تابعين للاستخبارات الجوية والسياسية لتجنيد أي راغب بالانضمام للجبهة الشعبية (القيادة العامة)، وأي شخص وافق على الانضمام أعطي بندقية. وأوضح أن المخيم لم يشهد أي معارك في داخله باستثناء مناوشات على مشارفه، ولم يدخله الجيش الحر إلا بعد تعرضه للقصف من قبل النظام.
رغم الجرائم التي ارتكبت بحق المخيم، وأفضت إلى نزوج جماعي لسكانه، إلا أننا لم نعدم “مقاومين وممانعين” يلقون بمسؤولية ما جرى على جبهة النصرة والإخوان والجيش الحر، مبرئين النظام من وزر الجريمة، مع أن قصف مسجد وقتل 25 إنسانا فيه، وجرح أكثر من 150 هو جريمة بشعة حتى لو كان المخيم كله يقاتل النظام.
خلاصة القول هي أن النظام هو الذي سعى إلى زج المخيم في الصراع، وليس الجيش الحر والثوار، بدليل أن الثوار اليوم لم يشترطوا شيئا للخروج من المخيم سوى إخراج كافة المقاتلين التابعين للنظام منه، وهم أحرص على دماء الناس فيه وفي سواه، مع أنهم لو استمروا داخله بحكم الاضطرار لأجل استكمال إسقاط نظام مجرم، لما كان في ذلك ما يدينهم أصلا.
أي منطق بائس هذا الذي يتبناه بعض أنصار النظام ومنهم فلسطينيون مع الأسف؟! إن ما يجري هو جريمة بحق الفلسطينيين، وقبل ذلك بحق السوريين، ودم الفلسطينيين ليس أغلى من دم إخوانهم السوريين، ومن يبرر لهذا النظام ما يفعله مجرم مثله مهما كان فكره، وأيا كان تاريخه.
عودة الصراعات لمصر
رأي القدس
خيمت أجواء الثرثرة بشدة على الأجواء في مدينتي الإسكندرية والقاهرة على وجه الخصوص بعد حدوث صدامات دموية بين أنصار التيار الإسلامي وأنصار المعارضة في محيط مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية أدت إلى سقوط أكثر من 50 جريحا حتى كتابة هذه السطور.
التيار الإسلامي نظم مظاهرات في المدينة لإظهار مساندته للاستفتاء على مشروع الدستور الذي عرضه الرئيس محمد مرسي على الشعب لكي يقول رأيه فيه بكل حرية ونزاهة.
نائب محافظ الإسكندرية اتهم مجموعات من البلطجية بالاعتداء على المتظاهرين بالحجارة والسكاكين بصورة مخطط لها مسبقا، وكشفت الاحصائيات الأولية أن الجرحى من الجانبين.
من الواضح أن هناك طابورا ً خامسا ً في مصر يؤيد زعزعة استقرار البلاد ونشر الفوضى في مختلف أنحائها لعرقلة ذهاب المواطنين، أو من يريد منهم، الذهاب اليوم إلى صناديق الاقتراع للتصويت سلبا أو إيجابا على مشروع الدستور في الجولة الثانية.
أنصار النظام الديكتاتوري السابق يريدون بذر بذور الفتنة، وتفجير الأوضاع الأمنية، والانتقام من الثورة ورجالاتها التي فجروها، ولحرمانهم من ثمارها في الرخاء والعدالة وحل الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد.
رفض المعارضة الاعتراف بنتائج الدورة الأولى من الاستفتاء، بسبب حدوث بعض التجاوزات، ومقاطعة فريق من القضاة لأي أشراف عليه، كلها عوامل ساعدت على اندساس بعض الفلول في وسط المحتجين بهدف التخريب.
الطعن في التجاوزات، وبعض عمليات التزوير، أمر مشروع، لا يختلف عليه أحد، لكن هذا لا يعني رفض نتائج الجولة الأولى من الاستفتاء رفضا كليا، فالمعارضة شاركت فيه، واوحت لأنصارها بالتصويت بـ 'لا' وهذا يعطي الكثير من المشروعية للاستفتاء.
السؤال المطروح اليوم ليس ما إذا كان هذا الاستفتاء على مشروع الدستور سيفوز بأصوات الأغلبية، وإنما السؤال هو حجم هذه الأغلبية، أي حجم الأغلبية، سيكون مقياسا لقوة التيار الإسلامي في الشارع المصري.
وظيفة المعارضة أن تعارض، وأن تبحث عن السلبيات والإخفاقات، ولكن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع هو قمة الديمقراطية، وهو الفيصل النهائي والنتائج يجب أن تحظى باحترام الجميع.
مصر تحتاج إلى الاستقرار، مثلما تحتاج ديمقراطيتها إلى أكبر قدر ممكن من الحرص من قبل الجميع، لأن استمرار الأزمة، ولجوء جميع الأطراف إلى التصفيق واستعراض القوة من خلال المظاهرات والاحتجاج قد يقود إلى الصدام الدموي الذي لا يتمناه أي محب لمصر وشعبها وثورتها.
اليوم ينتهي العمل بالإعلان الدستوري المثير للجدل والخلاف، ومن المفترض أن تبدأ مصر مرحلة جديدة لاستكمال مسيرتها الديمقراطية بالاستعداد لانتخابات مجلس الشعب، وهي مسيرة نأمل أن تكون سلسلة عنوانها الحوار والتنافس الديمقراطي الشريف.
تخويفنا من نقد "الإخوان"!
بقلم عبد الرحمن الراشد عن الشرق الاوسط
الآن بصعودهم إلى سلم الحكم في مصر صار «الإخوان» في نظر البعض مثل البقرة المقدسة، لا يجوز لأحد نقدها، لأنه نقد للإسلام! وهذا حكم لن نقبل به، فـ«الإخوان» حركة سياسية لها ما لبقية الأحزاب وعليها ما عليها.
وحماية للجماعة بدأت تدار حملة شعواء على ناقدي ممارسات «الإخوان» في مصر، تسعى لجعل النظام فوق النقد، وتحصين الجماعة بقدسية لا تستحقها، فقط لأنها سمت نفسها إسلامية، وطبع أعضاؤها زبيبة الصلاة على جباههم. بالنسبة لنا «الإخوان» جماعة سياسية تخطئ وتصيب، وتستحق التقدير والنقد وفقا لأفعالها. وأنا أقول للمرجفين من أتباعها في المنطقة: لقد عايشنا هذا الإرهاب الإعلامي سنين، ووجه ضدنا مرات من قبل ولم ينجح، ولن يفلح، وسيأتي يوم يكتشف المغرر بهم ما اكتشفوه في حملات سابقة. خبرنا هذا الإرهاب مرات ضدنا باسم حزب الله، حيث كنا نُخوّن فقط لمجرد نقاشنا أفعاله، ونُتهم بأننا عملاء للصهاينة. هؤلاء الذين كانوا يحاربوننا ظلما بالأمس انقلبوا اليوم على حزب الله، يذمونه بلغة نحن نخجل من استخدامها. والشيء نفسه قيل لنا وضدنا بسبب إيران، التي زعموا أنها نصيرة الإسلام وعدو إسرائيل، اليوم هم أنفسهم بدلوا موقفهم إلى الضد، ويقولون ضدها بأكثر مما نعلق.
وكذلك كانوا يدافعون عن نظام بشار الأسد الذين صدقوا أحاديثه عن العروبة وفلسطين ومحاربة الخارج، مغمضين أعينهم عن جرائمه التي لم تبدأ فقط في مارس (آذار) من العام الماضي عندما بدأت ثورة الشعب السوري ضده، حتى عندما قتل عشرات القيادات اللبنانية، كانوا يسمونه ورفاقه بـ«جبهة الممانعة»، ويؤكدون أن من ينتقده هو في خندق إسرائيل، تحت هذا العنوان كنتم تدافعون عن جرائمه وجرائم رفاقه. ونذكر هؤلاء الذين يشهرون ألسنتهم في وجوهنا بما قالوه في زمن صعود «القاعدة»، والدفاع عن أسوأ جماعة عرفها الإسلام في تاريخه، حيث كانوا يذبون عنها كما لو كانت لواء خالد بن الوليد بعث من قبره!
أقول لكل من قدسوا حسن نصر الله، وهاجمونا بسبب إيران، وبن لادن، والأسد.. أقول: على رسلكم، لا تستعجلوا الحكم على من ينتقد «الإخوان» في مصر أو غيرها، فهذه سياسة وهم سياسيون ليسوا منزهين. وبكل أسف انظروا بعد بضعة أسابيع من توليهم الحكم في مصر، لم يتورع بعض «الإخوان» عن الافتراء والكذب. فما قالوه عن منافسهم الدكتور محمد البرادعي نموذج بسيط من أسلوبهم في تشويه سمعة الخصوم، من تكفير وتخوين. زعموا أنه باع العراق ودمره، وغيره، في حين يعرف المتابعون أنه كان أكثر العرب الذين أداروا منظمات دولية نزاهة وأخلاقا، وكان رافضا توريط المنظمة الدولية في النزاع على العراق. كل هذا مسحوه بجرة قلم وكتبوا تاريخا مختلفا للرجل، فقط من باب الاستفراد بالساحة واغتيال شخصية الخصوم.
أدرك أنه من الصعب على البعض التفريق بين المشتغلين بالإسلام كدين والمشتغلين بالسياسة ممن يرفعون شعارات دينية، وهذا سبب استخدام الانتهازيين للدين. انتقاد «الإخوان» في الحكم، لا يعني أننا ننتقد الصحابة، بل جماعة سياسية عادية. وعندما ننتقد حركة اشتراكية فلا يعني هذا أننا ضد قيم العدالة الاجتماعية، وعندما كنا ننتقد البعثيين والقوميين لم يكن ذلك يعني رفضنا لمفهوم الوحدة العربية. لهذا لا يفترض أن ننحني لحملة الشعارات، سواء دينية كانت أو وطنية، ولا حصانة لهم، فهؤلاء ساسة وهذه أحزاب سياسية، فلا الوقوف ضد حزب العدالة يعني أننا مع الظلم، ولا الوقوف ضد الحرية معناه أننا ندعو للعبودية، إنها أسماء مثل أسماء الأفراد، سماها أصحابها تيمنا بها أو إغواء للعامة.
المؤسف أن الجمهور نفسه الذي لا يقوم من كبوة فكرية حتى يسقط في أخرى مثلها. الأخطاء نفسها تعود بلباس وسمات وأسماء جديدة، لهذا فقط على الذين يقدسون الأبقار الدينية، إخوانا أو غيرهم، أن يفسحوا لها الطريق، أما نحن فلا يعنينا أمرها!
الاستفتاء على الدستور أم على الشريعة؟
بقلم عصام نعمان عن الخليج الاماراتية
أخطأ الإخوان المسلمون كثيراً، ولعل أفدح أخطائهم أنهم، بإصرارهم على عرض مسودة دستور “إخوانية” على الاستفتاء، أوحوا للمصريين بأن الاستفتاء ليس على الدستور، بل على الشريعة . ذلك أن المسودة “الإخوانية” تحتوي من المواد ما يؤكد أن الإخوان المسلمين جادون في إقامة نظام حكم إسلامي على أساس الشريعة . بل ثمة بين المفكرين والعلماء المصريين مَنْ يعتقد أن المسودة تنطوي على أسس لإقامة نظام “ولاية الفقيه السنّية” . رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة مصطفى اللباد يقول صراحةً في مقالةٍ: “لم نقبل ولاية الفقيه الشيعية، فمن باب أولى الآن أن نرفض ولاية الفقيه السنيّة التي تحاول جماعة الإخوان المسلمين فرضها على عموم المصريين” .
المتظاهرون والمحتجّون على مسودة الدستور “الإخوانية” لديهم الارتياب نفسه في اعتزام “الإخوان” إقامة “ولاية فقيه سنية” . ذلك يتبدّى في لافتاتهم وهتافاتهم الاحتجاجية: “مدنية مدنية . . مش ح نسيبها إخوانية”، “من شبرا للميدان . . ح نسقّط الإخوان” و”يسقط يسقط حكم المرشد” .
لا يتأخر خصوم “الإخوان” في الإشارة إلى مواد في مسودة الدستور تشكّل أدلة وقرائن لدعم ارتيابهم المشروع . يقولون: صحيح أن المادة الثانية في مسودة الدستور نصّت على أن مبادئ الشريعة مصدر رئيس للتشريع، لكن المادة 219 التي جرى إقحامها على المسودة تضمنت نصاً مغايراً لما جرى عليه العرف الدستوري المصري بإسناد مبادئ الشريعة إلى القيم الثلاث الكبرى: الحرية والمساواة والعدالة القابلة للتأويل في إطار مدني . فقد نصّت المادة 219 على أن “مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذهب أهل السنّة والجماعة” .
يقول خصوم “الإخوان”، وفي مقدمهم مصطفى اللباد، “إن نص المادة 219 يفتح الباب على مصراعيه أمام تأويلات للشريعة مغرقة في تشدّدها، ويُسند البنية الدستورية والحقوقية بكاملها بالتالي إلى الشريعة” . صحيح أن إيراد نص المادة 219 بهذا الشكل يُراد منه إرضاء التيار السلفي، إلاّ أن الأمر يتعدى، في نظر خصوم “الإخوان”، مسألة استمالة السلفيين إلى محاولة تكريس هوية دستورية جديدة للمصريين تختلف عن تلك السائدة في دساتير مصر منذ القرن العشرين بغرض تثبيت العمود الأول لولاية الفقيه السنيّة التي تريد جماعة الإخوان المسلمين تمريريها في الاستفتاء على مسودة الدستور .
يشيرون بارتياب إلى المادة الرابعة من المسودة التي تنص على الآتي: “الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كل شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه . وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء . وكل ذلك على النحو الذي ينظمه القانون” .
من يضع القانون أو يقترحه؟ إنه السلطة التنفيذية، أي رئاسة الجمهورية المعقودة اللواء حالياً لمحمد مرسي الإخواني . ماذا يبقى من استقلالية الأزهر الشريف وشيخه وهيئة كبار العلماء فيه عندما يكون تنظيمه وتعيين كبار مسؤوليه من صلاحية السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها “الإخوان”؟
لا يكتفي خصوم الإخوان بهذا النقد لمسودة الدستور، فاللباد يحرص على عقد مقارنة بين “هيئة كبار العلماء” المنصوص عليها في المادة الرابعة آنفة الذكر، ومقابلها في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران المعروف باسم “مجلس مراقبة الدستور - شوراي نكهبان” المختص، شأن هيئة كبار العلماء المقترحة، بالموافقة على القوانين أو ردها، فيقول “إن أعضاء المجلس الإيراني اثنا عشر نصفهم من الفقهاء يعيّنهم المرشد، والنصف الآخر من الحقوقيين ينتخبهم البرلمان (مجلس الشورى) نفسه، وتقضي المادة الرابعة من مسودة الدستور الإخواني بأن يكونوا كلهم من الفقهاء دون تحديد عددهم لفتح الطريق أمام الجماعة (“الإخوان”) للنفاذ إلى هذه الهيئة والتأثير في تركيبتها في المرحلة المقبلة” .
يتضح من نقد اللباد أن عملية اختيار أعضاء “مجلس مراقبة الدستور” الإيراني أكثر ديمقراطية من تعيين أعضاء “هيئة كبار العلماء” بحسب مسودة الدستور الإخواني، وأن صلاحية “المرشد المصري”، في هذا المجال، أوسع من صلاحية المرشد الإيراني!
كيف كانت ردة فعل المصريين في الاستفتاء على مسودة الدستور؟
ظاهر الحال يشير إلى أن أغلبية المصريين عارضت إجراء الاستفتاء، وبالتالي مسودة الدستور . تجلّت المعارضة في حشود المتظاهرين أمام قصر الاتحادية في القاهرة وفي معظم المدن المصرية، وفي اللافتات والهتافات المرفوعة ضد “حكم المرشد”، وفي مواقف النقابات والاتحادات المهنية، وفي موقف الكنيسة القبطية، وفي امتناع أغلبية القضاة عن مراقبة اللجان الانتخابية، وفي اضطرار النائب العام طلعت عبدالله إلى الاستقالة بعد تعيينه من قبل الرئيس مرسي، وأخيراً وليس آخراً، في النتيجة الهزيلة لجولة التصويت الأولى في الاستفتاء . فقد أقرّت مصادر الإخوان المسلمين بأن نسبة الموافقة بلغت 56 في المئة فقط، وهي نسبة هزيلة للغاية قياساً إلى أهمية الوثيقة المستفتى بشأنها التي تقضي الأعراف الدستورية بأن تنال نسبة عالية من أصوات الناخبين، لكون الدستور قانوناً أساسياً ناظماً لسائر القوانين والأنظمة وعموداً فقرياً للهيكلية القانونية للدولة .
الأخطر من ذلك كله أن أغلبية الجماهير تعدّ مسودة الدستور محاولة إخوانية لإرساء حكم الشريعة، أي حكم الإسلام، الأمر الذي يؤدي إلى تفسير معارضة الأغلبية للمسودة الإخوانية بأنها معارضة للشريعة نفسها وربما للإسلام، لاسمح الله .
إلى ذلك، يتضح من المخالفات والانتهاكات التي رافقت الجولة الأولى للاستفتاء أن طعوناً عدّة ستقدّم لإبطاله، وأن المحكمة الدستورية العليا (التي يحاصرها الإخوان المسلمون لمنع قضاتها من العمل)، ستحكم غالباً بإبطاله . فماذا سيكون وضع مصر، شعباً ودولة، في هذه الحال؟ وهل يتحمّل البلد فوضى عارمة واشتباكات أهلية في قابل الأيام؟
المنطق السليم يدعو الإخوان المسلمين إلى تحكيم العقل والمصلحة الوطنية العليا، وبالتالي إلى إلغاء الإعلان الدستوري، بما في ذلك الاستفتاء على مسودة الدستور، والقبول بحوار وطني مع جميع القوى السياسية الرئيسة من أجل إنقاذ ثورة 25 يناير على النحو الآتي:
* أولاً، التوافق على تأليف حكومة وطنية جامعة بصلاحيات استثنائية تضم، مناصفةً، وزراء يمثلون التيارين الإسلامي الشوري والعروبي الديمقراطي لإدارة البلاد في فترة انتقالية أقصاها ستة أشهر .
* ثانياً، التوافق على أسس الدستور الجديد وصياغة مسودته من قبل لجنة دستورية متوازنة تؤلفها الحكومة الانتقالية لهذه الغاية، أو تضع الحكومة نفسها، بالتوافق، مسودة الدستور المراد عرضها على الاستفتاء العام .
* ثالثاً، تضع الحكومة قانون الانتخابات وتقره بموجب صلاحياتها الاستثنائية .
* رابعاً، تجري الحكومة الانتقالية انتخابات رئاسة الجمهورية خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ إقرار الدستور في استفتاء عام .
* خامساً، يجري رئيس الجمهورية بالتعاون مع الحكومة الانتقالية انتخابات مجلسي الشعب والشورى خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية الجديد . هل هذا السيناريو فوق قدرة الأطراف المتصارعين في مصر على التحقيق؟
الأطراف الخارجية ومستقبل سوريا
بقلم فايز سارة عن السفير
لعل من بين اهم نتائج اطالة عمر الازمة في سوريا، انها اتاحت للعديد من الدول والقوى، ان يصير لها نفوذ في سوريا طالما رغبت تلك الدول والقوى في هذا، ذلك أن الانقسام الحاد وما رافقه وأعقبه من صراع عنيف ودموي، فرض على القوى المتصارعة، فتح الابواب امام قوى دولية واقليمية للدخول على الخط السوري، وكان الأمر ملحاً بل ومطلوباً من جانب قوى لها موقف من النظام وسياساته سواء كانت دول لها علاقات قوية ووثيقة بالنظام كما هو حال روسيا والصين وايران، او اخرى طالما كانت علاقاتها مع دمشق في حركة نوسان وعدم استقرار على ما هو عليه الموقف الاميركي ـ الاوربي، وفي بعض الاحيان، ادت الازمة السورية وتطوراتها الى تبدلات دراماتيكية في مواقف بعض القوى كما حصل في موقفي كل من تركيا وقطر، فانتقلتا من موقع الحليف والصديق للنظام في دمشق الى موقف المناهض، ان لم نقل العدو على نحو ما تظهر بعض السياسات والمواقف التي اتخذها البلدان في فترة الازمة، وما كان للنظام في دمشق من مواقف وسياسات في مواجهة تركيا وقطر في الفترة ذاتها.
لقد انقسمت الدول والقوى من الناحية السياسية ازاء الوضع في سوريا. ورغم ان مؤيدي النظام كانوا قلة بين الدول، مقابل كثرة من وقفوا ضده مؤيدين للثورة، فان فاعلية مناصري النظام، كانت أقوى وأشد حضوراً في المجالات كافة. وعلى سبيل المثال فان روسيا والصين منعت مرات اية ادانة او قرار دولي بإكراه النظام وإجباره بوقف الحل الامني العسكري والذهاب مؤكداً الى حل سياسي، وزاد مؤيدو النظام على ما سبق تقديم امكانات عززت استمراره في مقاومة ثورة مواطنيه لأكثر من واحد وعشرين شهراً متواصلة، بما في ذلك دعمه بالاسلحة والذخائر والخبرات اللوجستية العالية، وهو ما ترافق بأوسع حملة دعاوية ضد معارضي النظام والتشهير بهم وبأهدافهم المعلنة.
اما القوى الدولية والاقليمية التي بدت مؤيدة للثورة ورغم كثرتها وأهميتها، فقد غلبت الضبابية على مواقفها، وأغلبها تأخر في إعلان موقفه ربما حذراً، أو ان الصورة لم تكن واضحة لديه. وهكذا جاءت المواقف في مواجهة النظام لفظية وضعيفة ومترددة ومحسوبة، يقابلها ضعف وتردد في تأييد المعارضة، وشح في المساعدات، وتحديد لمجالات صرف المقدم منها للمعارضة وتنظيماتها، وغالباً، فان سياسات ومواقف القوى المؤيدة للثورة على ضعفها وهشاشتها، أحيطت بإثارة ثلاث نقاط، اولها وحدة المعارضة بالقول، لأن المعارضة مقسمة، والثاني موضوع الاقليات والتخوف من طغيان الاكثرية، والثالث موضوع التطرف الديني وتسلل «القاعدة» واخواتها الى سوريا.
لقد تسلل نفوذ القوى الاقليمية والدولية الى بنى الدولة والمجتمع في سوريا، وان كان ذلك تم برضا النظام في علاقاته مع داعميه، ولاسيما ايران وروسيا، فإنه تم أيضاً بغياب او سكوت معارضي النظام وقبول بعضهم بما يتعلق بتسلل الداعمين والاقليميين وعلى سبيل المثال، لم يكن بإمكان قوى المعارضة وقف أو الحدّ من التدخل التركي في الشأن السوري، والأمر ينطبق على دول أخرى، بدا وان ثورة السوريين بحاجة الى دعمها ومساندتها السياسية والمادية.
خلاصة القول، إن ما تمّ من تدخلات دولية وإقليمية في الشأن السوري في فترة الصراع بين النظام والمعارضة، سيكون له حضوره وتأثيره في الفترة التالية سواء كانت فترة انتقالية قريباً من النموذج اليمني او فترة تغيير عاصف وفق النموذج الليبي، وفي كل واحدة من الحالتين سوف يكون الحضور مختلف للقوى الدولية والاقليمية في مستقبل سوريا مع ارجحية خاصة للقوى المناصرة للثورة، لأن النظام على ما هو عليه الآن، لن يكون موجوداً، اذ سيتغير كلياً او بنسبة كبيرة على الاقل.
ان ولوج سوريا في مرحلة انتقالية ناتجة عن حل سياسي رغم ما يحيط بهذا السيناريو من صعوبات، سوف يسمح لكل من روسيا وايران اللتين سوف تشاركان في صنع حل سياسي، بالحضور في السياسة السورية في المرحلة الانتقالية، وقد يتطور ذلك، اذا احسن البلدان تجديد سياستهما السورية وتقديم المساعدة الجدية في إعادة إعمار البلاد وتطبيع حياة السوريين، ليس انطلاقاً من واجبهما الانساني والاخلاقي، بل من جانب كونهما مسؤولين بدرجة ما، عما حلّ بسوريا والسوريين من دمار وقتل في الفترة الماضية، وهذا سيعطيهما دوراً نسبياً الى جانب القوى التي وقفت الى جانب الثورة وخاصة في الفترة الاخيرة للمشاركة في إعادة بناء المستقبل السوري.
اما في حالة ذهاب سوريا للتغيير وفق النموذج الليبي، فإن القوى الخارجية المؤيدة للنظام، لن يكون لها دور في مستقبل سوريا المنظور، وهي ستحتاج الى فترة وجهود مكثفة، لإعادة تطبيع علاقاتها مع السوريين، وسيكون الباب مفتوحاً للمساعدة في مستقبل السوريين امام كتلة الدول التي ناصرت ودعمت أهداف السوريين من اجل التغيير وإعادة بناء دولتهم الديموقراطية التعددية، دولة العدالة والمساواة وحقوق الانسان.
غير انه وفي الحالتين، فان دور الاطراف الخارجية في رسم المستقبل مرهون بوضع المعارضة السورية ووحدة قواها السياسية والعسكرية والشعبية، وقدرتها على التحول الى قوة جامعة وموحدة لكل السوريين ومسؤولة عن مصيرهم المشترك ومصير بلدهم، ليس في المفاوضات الصعبة، التي ستجري مع الأطراف الخارجية لرسم ملامح التعاون المشترك فقط، بل في الحد من تدخلاتها التي قد لا تتوافق مع محتوى السياسة السورية المطلوبة في المرحلة المقبلة.
سوريا.. الآن المخرج الروسي!
بقلم طارق الحميد عن الشرق الاوسط
الواضح أننا وصلنا الآن إلى مرحلة إيجاد مخرج للروس في الأزمة السورية، وليس مخرجا لبشار الأسد من سوريا، فالتصريحات الروسية الأخيرة، ومنها تصريحات الرئيس الروسي نفسه، تقول إن موسكو بدأت عملية النزول من السلم السوري، كما قال لي أحد المطلعين على هذا الملف.
الروس يحاولون الآن الظهور بأنهم يقدمون ما بوسعهم، دبلوماسيا، لتقديم حلول في الأزمة السورية، بينما يظل الرافض لكل ذلك هو الأسد نفسه. وعليه، يكون بمقدور الروس حينها الإعلان عن تحول جذري في موقفهم تجاه الأزمة السورية، وهذا تقريبا رأي من تحدثت إليهم من المتابعين للملف السوري، وخصوصا العلاقة مع روسيا. فهناك إجماع بين من تحدثت معهم على أن هناك موقفا روسيا متطورا، خصوصا أن الأوضاع على الأرض باتت تسير بسرعة كبيرة ضد النظام الأسدي.
ومن ضمن التحركات الروسية حديث عن مقترح روسي لتشكيل مجموعة مكونة من الدول الإسلامية، ودول ذات علاقة بالملف السوري، لمباشرة تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، مع تشديد روسي على أن موسكو لن تقبل باستضافة الأسد! كما أن موسكو تتواصل الآن مع الأميركيين، من خلال اجتماعات جنيف، وأيضا مع الأتراك، مع الدفع بضرورة إعطاء فرصة للممثل الأممي السيد الأخضر الإبراهيمي، الذي سيلتقي الأسد، رغم اقتناع موسكو بأن الأسد سيرفض كل الحلول. وبحسب من تحدثت معهم، فإن الهدف الروسي هو من أجل أن يتسنى لهم القول بأنهم قد فعلوا كل ما بوسعهم مع الأسد، ثم تقوم موسكو بتغيير موقفها علنا. ويقول لي مسؤول مطلع على الملف، وعلى تواصل مع الروس إن «الروس يريدون النزول من السلم بكل هدوء، لكن بعد أن يقولوا، ويظهروا فعليا، بأنهم قد استنفذوا كل ما بوسعهم لإقناع الأسد»، مضيفا: «يجب عدم إغفال أن لدى الروس حلفاء آخرين، ولا بد أن يكون التحول بالموقف الروسي مقنعا لهؤلاء الحلفاء، وليس تحولا وحسب».
وبالطبع فإن هناك أسئلة مستحقة ستواجه الروس، في الداخل والخارج، وهو لماذا أطالت روسيا في الوقوف مع الأسد؟ وما الثمن لذلك؟ ولماذا تتخلى عنه الآن؟ وما الثمن لذلك أيضا، أي ما هي معايير الربح والخسارة في هذا الأمر؟
ولذا، فمن الواضح اليوم أن الروس هم الذين في حاجة إلى مخرج من الورطة السورية، وليس البحث عن مخرج للأسد من سوريا، خصوصا أن طاغية دمشق بات أقرب من أي وقت مضى للسقوط، سواء بوساطة روسية، أو من خلال فتح روسيا الطريق لقرار بمجلس الأمن، أو من خلال الثوار السوريين على الأرض، والذين يحققون تقدما مذهلا على قوات طاغية دمشق.
محصلة القول إنه من الواضح، وكل المؤشرات تقول ذلك، أن الروس هم من بحاجة لمن يوجد لهم مخرجا، وليس الأسد، في الأزمة السورية، ونحن هنا لا نتكلم عن ثمن، بل عن مخرج يحفظ ماء الوجه لموسكو، ويبرر إعلان تغير الموقف الروسي في سوريا بشكل جذري. وعليه، فمن الذي سيقوم بتوفير هذا المخرج للروس، هل هم الأميركيون، أم العرب، وتحديدا الخليجيين، أو قل السعوديين؟
مرحلة كل المخاطر عشية سقوط النظام
بقلم عبدالوهاب بدرخان عن الحياة
سقوط النظام مؤكد، لكن انتصار المعارضة يحتاج الى تحـــصين وتأمين، إلا أن القوى الـــدولية لا تزال تفضــّل محاربة النظام بدماء السوريين. اللحظة الآن بالغة الصعــوبة، فالسقوط لم يعد مجرد «رهان»، وفق توصيف الأمين العام لـ «حزب الله» الذي يعتــبره «رهاناً خاطئاً»، بل أصبح واقعاً مجسّداً على الأرض. لم يعد استمرار القدرة على القتل وتدمير المخابز ومحــطات الوقود مؤشراً على تمتع النظام بالقوة والعافية. ولا يشكّل انحسار الدولة بوظائفها الأساسية المعهودة دليل بقاء للنظام. ولا يشير البحث الاميركي - الروسي عن سيناريو نهاية منسّقة للأزمة الى أن النظام سيكون جزءاً من المرحلة المقبلة. ولا تفسير لترحيب الرئيس الروسي بالمبادرة التركية «المبتكرة» سوى أن موسكو تبحث عن مخرج.
في هذا السياق لا يعني الظهور المفاجئ والحديث المبرمج لنائب الرئيس فاروق الشرع أن النظام محتفظ بصلابته. وهو ما ينعكس بقوله إن أياً من النظام أو المعارضة لا يمكنه حسم النزاع. فهذه معادلة يعترف بها النظام للمرة الأولى، وإنْ كان استخدمها أمام المبعوثين الدوليين للمحاججة بأن الحل يجب أن يكون سياسياً، لكن وفقاً لـ «رؤيته». كان الشرع يرد على نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي صرّح بأن المعارضة «يمكن أن تنتصر»، كما ردّ عليه حسن نصرالله. هذا التقويم/ الإنذار الروسي هو ما دفع النظام الى الترخيص للشرع بالخروج الى الضوء وبتقديم نسخة منقحة لـ «الحل» الذي «يجب أن يكون سورياً» لكن بصياغة جديدة عبّر عنها بـ «نحن يجب أن نكون في موقع الدفاع عن وجود سورية، ولسنا في معركة وجود لفردٍ أو نظام». لكنّ هناك شيئاً آخر، هو أن محادثات دبلن (كلينتون - لافروف - الابراهيمي) ثم جنيف (بيرنز - بوغدانوف - الابراهيمي) تطرقت الى إحياء «سيناريو الشرع» للمرحلة الانتقالية من خلال تشكيل «حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة»، أي العودة الى «السيناريو اليمني المعدّل» الذي كانت موسكو طرحته تسريباً منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 ثم أعاد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو طرحه تصريحاً في تشرين الأول (اكتوبر) 2012.
كان النظام أطاح هذا الاقتراح الذي شكّل أساس المبادرة العربية ثم «اتفاق جنيف»، كما بدّد سواه، اذ كان مقتنعاً بأن الحسم العسكري في متناوله. لكن يبدو أن وصول الثوار الى محيط القصر الرئاسي ومثول النهاية أمام الأنظار أجبراه على شيء من البراغماتية، فهل إن اعادة الشرع الى الواجهة بداية موافقة على «نقل السلطة»، خصوصاً أن «كل يوم يمرّ يبتعد معه الحل عسكرياً وسياسياً»، كما قال؟ لا شيء مؤكداً، فالصياغة الجديدة لـ «الحل السوري» تريده «من خلال تسوية تاريخية تشمل الدول الاقليمية الأساسية والدول الأعضاء في مجلس الأمن». ماذا يعني ذلك؟ عدا أن النظام يعيد طرح نفسه لاعباً ومديراً لـ «الحل»، فإنه يعتزم توظيف الشرع على نحوٍ مختلف عما تتصوّره القوى الدولية. وعدا أن الحديث عن «تسوية تاريخية» اقليمية - دولية يشير طبعاً الى اشراك ايران، فإنه لا يناقض مفهوم «الحل السوري» فحسب، بل يُراد منه فتح خرائط «سايكس – بيكو» بحثاً عن صيغة جديدة لحماية الاقليات وإرضائها.
لكن، أين «الدفاع عن وجود سورية» هنا؟ وهل خطّط الشرع أو شارك في تخطيط الدور الذي يمكن أن يُدفع اليه، وهل يستطيع رفضه اذا خالف قناعاته؟ لا معنى للدفاع عن «وجود سورية» اذا لم يكن دفاعاً عن وحدتها، والحال أن نظاماً يهجس بوحدة البلد شعباً ودولةً وأرضاً لا يمكن أن يقدم على هذا التدمير المنهجي للمدن والبلدات وللتراث والثروات، بل هو نظام ينفذ شعار «شبيحته» (الاسد أو لا أحد) أو قولهم «لن يبقى حجر على حجر»، ما يشي بأن هذا ما يفهمه النظام في شأن الإطار الاقليمي - الدولي لـ «الحل»... أي أنه ينطوي على خيارين: التهديد بتصدير الأزمة اقليمياً، أو الشروع في مساومة كبرى.
ما يقلق النظام أن أحداً - ولا حتى روسيا - لا يحادثه في ما يُطبخ من سيناريوات، لذلك فإن حديث الشرع ومضمونه يفيدان بأن «رسائله» الاخرى عبر المجازر والقصف الجوي والتصعيد الجنوني، بما فيها التلويح بالسلاح الكيماوي، لم تكن مجدية، لذلك رأى أن يرفع ورقة فاروق الشرع ليقول إنه جاهز للمساومة. ومن الواضح أن هذه الخطوة جاءت منسّقة مع الحليف الايراني الذي استقبل الاعتراف الدولي بـ «الائتلاف الوطني السوري» بإعلان أنه لن يسمح بإسقاط النظام السوري، ثم أوعز لنصرالله بأن يقول ما قاله الشرع، لكن بلهجة متشددة وهجومية، ما أوحى بأن «الخط السوري – الايراني» لم يقل كلمته الاخيرة اذ لا يزال لديه «سيناريو يوم القيامة» لتدمير دمشق وإيصال أهلها، كأهل حلب، الى حافة المجاعة. وقد بلغت به الحقارة حدّ قصف المخابز في حلب أو شاحنات التموين الآتية اليها، ومن ثمَّ ارسال آلاف ربطات الخبز الموسومة بصورة الاسد وشعار «منحبّك».
بالتزامن مع ذلك، عمدت طهران الى كشف تفاصيل «خطة الخروج من الأزمة» التي كانت قدّمتها الى الأخضر الابراهيمي. والأكيد أنها كشفتها بعدما أيقنت أن القوى الدولية لم تعرها أي قيمة، ولتقول أيضاً إن أي حل خارج هذه الخطة، التي تمثل وجهة نظر النظام السوري، لن يُكتب له النجاح. كانت «الخطّة» بُنيت على أساسين تخطّتهما الأحداث (وقف أعمال العنف، وحوار وطني) وأمعن النظام نفسه في إفشالهما، لأنه لا يستطيع وقف النار ويريد حواراً تحت سيطرته. وإذ يقول الشرع إن الاسد أراد أن يحسم عسكرياً قبل أن يذهب الى حل سياسي، فمن الواضح الآن أنه خسر الأمرين معاً، ولم يعد أمامه سوى خيارين: الرحيل، أو الانكفاء الى منطقته على الساحل.
تجدّد الحديث عن «الرحيل» في إطار محاولة التقارب الاميركية - الروسية للحؤول دون السقوط المفاجئ أو الانهيار السريع للنظام، وبالتالي لإعداد نهاية متفاوض عليها. لا يبدو أن «المبادرة التركية» بعيدة من هذه الهواجس، فهي تلحظ ضرورة تنحي الرئيس لتصبح المرحلة الانتقالية متاحة، والتنحي يعني هنا الرحيل، بل ان هناك مَن يهتم بوضع قائمة بما لا يقل عن خمسين عسكرياً يمكن أن يغادروا مع الاسد، وقيل إن عدداً من هؤلاء سبق لهم أن هرّبوا أموالهم كما رحّلوا عائلاتهم أو معظمها، إمّا الى لبنان أو الى الإمارات. ويعني الرحيل أيضاً خسارة فعلية للنظام ولحليفه الايراني وأن «التسوية التاريخية» وفقاً للتخطيط الايراني – الاسدي ليست واردة، على رغم أن القوى الدولية ترغب في ايجاد أي وسيلة متفق عليها لضمان عدم التعرّض للأقليات وبالأخص العلوية.
قد تكون الورقة الأخيرة في يد النظام أن ينكفئ مع «شبّيحته» الى الساحل، على أن يستبقه بالحصول على ضمانات دولية لـ «الكيان العلوي» الذي بات يطمح الى جعله «موطن الأقليات» الموصول جغرافياً بلبنان. ومن أجل تلك الضمانات قد يعمد الى تأجيج المواجهات الطائفية في سورية كما في لبنان، ما يوجب إقحام «حزب الله» أكثر فأكثر في القتال. ويبدو «الكيان العلوي» كذلك ورقة أخيرة لإيران لتفادي خسارة كاملة في سورية، قد تتبعها استطراداً خسارة في لبنان. الأسابيع المقبلة حتى آذار (مارس) ستكون بلا شك مرحلة كل المخاطر في سورية.<hr>
تهدئة في اليرموك .. ماذا بعد؟
بقلم عريب الرنتاوي عن الدستور
يعيد “اتفاق التهدئة” في اليرموك، الاعتبار لسياسة “النأي بالمخيم” عن الصراع الداخلي في سوريا...هذه السياسة، تبنتها التيارات الرئيسة في الحركة الوطنية والإسلامية الفلسطينية، لكن “نفراً” من المتطرفين هنا وهناك، أصر على “جر” المخيم إلى “أتون المواجهة الأهلية” في البلد المُضيف، وقد نجح في ذلك للأسف، مستفيداً من جنوح” بعض تيارات السلطة والمعارضة في سوريا، لإغراق المخيم في دهاليز الأزمة السورية.
وأحسب أن الوقت قد حان، لرفع الصوت عالياً من جديد، لتكريس “انسحاب” الفلسطينيين من الأزمة السورية، وإذ كان لكل فريق فلسطيني “انحيازاته” السياسية والفكرية المعروفة، مع هذا الفريق أو ضد ذاك في سوريا، فإن من الأجدى والأجدر، أن يجري الاحتفاظ بهذه الانحيازات في الصدور، وألا يجري تحويلها إلى سياسات وممارسات “مقامرة”، لن يترتب عليها سوى الخراب العميم، الذي سيأتي على الشجر والبشر والحجر في مخيمات اللجوء والشتات.
على أن يقترن ذلك، بالحاجة أيضاَ لرفع الصوت عالياً، ضد الاتجاهات التي تسعى في إخراج المخيم عن “حياده الإيجابي”، وخصوصا الجبهة الشعبية - القيادة العامة، التي تبنت خطاباً فجّاً منذ بدء الأزمة، يجادل في ضرورة الانخراط في الحرب الأهلية السورية، ذوداً عن النظام، بذريعة درء “المؤامرة” التي يتعرض لها “معسكر الممانعة والمقاومة”.
ولقد نجحت الفصائل والقوى والمنظمة والسفارة و”الدائرة”، في تدارك ما يمكن تداركه، ولكن للأسف بعد سقوط قائمة طويلة من الشهداء الأبرياء...وها هو الإجماع الفلسطيني يتحقق اليوم، على إدانة الخارجين على الإجماع الفلسطيني وتجريمهم، عزلهم عن المخيم وإخراجهم منه، وتعليق عضويتهم في مؤسسات المنظمة، وفقاً لبيان المجلس الوطني الفلسطيني، ويجب أن يستمر هذا الموقف الحازم، وأن تخضع ممارسات هذه القوى الهامشية لرقابة شديدة، بالنظر للنتائج الكارثية التي قد تترتب عليها.
أما الفلسطينيون، فقد خاضوا واحدة من أروع تجارب “الاستفتاء العفوي”، غير المنظم، إذ ما أن سرت الأنباء عن التوصل للاتفاق بين النظام والمعارضة على إخراج المخيم من دائرة النار، حتى عاد للمخيم، دفعة واحدة، وعلى مسؤوليتهم، وسيراً على الأقدام، أكثر من عشرة آلاف لاجئ، جابوا شوارع المخيم، يرفعون رايات فلسطين وحدها (من دون رايات الفصائل)، ويهتفون لفلسطين وحدها (من دون الفصائل)، ويجددون العزم على “إزالة آثار العدوان على المخيم”.
على أية حال، لقد كشفت أحداث المخيم، أن بعض المحسوبين على العمل الوطني الفلسطيني، قد أصبحوا عبئاً ثقيلاً على شعبهم وقضيتهم وحركتهم الوطنية...هؤلاء الذين ارتضوا أن يكونوا “جهازاً أمنياً آخرَ” في يد النظام السوري، لم يأبهوا للنتائج الكارثية التي ستترتب على مواقفهم وممارساتهم العبثية المشبوهة... فاتهم “تخيّل” حجم الكارثة الإنسانية التي سيعانيها ما يقرب من 680 ألف فلسطيني في سوريا، لا ترغب بهم و لا تريدهم أية دولة من دول الجوار، بل وتتعامل مع النازحين منهم كما يجري التعامل مع “المصابين بالجذام والطاعون”...لا أدري بم كان يفكر هؤلاء، وهم يرون أزيد من مائة ألف فلسطيني، يهيمون على وجوههم في الساحات والميادين، بلا مأوى ولا ظهير، في ظل طقس شديد البرودة، وحالة فلتان أمني، غير مسبوقة في تاريخ سوريا القديم والحديث...بئست “المقاومة والممانعة”، إن كان ثمنها “نكبة ثانية” تُفرض على المنكوبين في مخيماتهم.
اتفاق التهدئة في اليرموك، ما زال هشاً، وهو عرضة للانتكاس، وهو بحاجة لشبكة أمان وتدعيم، تقوم بها المنظمة وحماس والجهاد، كلٌ في ميدان علاقاته وتحالفاته الخاصة، لضمان عدم تحول المخيم إلى كرة تتقاذفها الأقدام والأرجل، من خلال حشد الدعم والتأييد للاتفاق، وحشد الضغوط على الأطراف المصطرعة وداعميها العرب والإقليميين، من أجل تحييد المخيم وإخراج الفلسطينيين من دائرة الموت المجاني التي اتسعت لتشمل سوريا كلها...على أن لا ننسى أن المخيم الآمن والمستقر، هو ملاذ آمن للهاربين من جحيم النار في سوريا، ألم يتحول المخيم قبل أن يُزج به في الحريق، إلى قبلة للنازحين واللاجئين السوريين، ألم يفتح اللاجئون بيوتهم وصدورهم ومدارسهم وساحاتهم، لإخوانهم، السوريين، أصحاب الأرض والبلد المضيف...هذه هي الصورة التي نريدها للمخيم، إلى أن يرفع الله عن شعب سوريا الشقيق هذا البلاء والابتلاء.
من المسؤول عن مأساة مخيم اليرموك؟!
بقلم ياسر الزعاترةعن الدستور
قد يبدو السؤال أعلاه مقبولا بالنسبة لمراقبين دوليين، أو صحافيين أجانب جاؤوا يتفحصون معالم المأساة وأسبابها، لكنه ليس كذلك بالنسبة لصاحب ضمير حي يعرف حقيقة ما يجري في سوريا منذ قرابة عامين؛ حقيقة أن هناك 40 ألفا سقطوا ضحية الإجرام الأسدي، وأن هناك مئات الآلاف من الجرحى ومثلهم من المعتقلين، فضلا عن أكثر من مليوني مشرد في الداخل والخارج. ثم يعرف إضافة إلى ذلك أن هناك أكثر من 700 فلسطيني قد قضوا نحبهم في الصراع الدائر في سوريا؛ كان نصيب مخيم اليرموك منهم وافرا إلى حد كبير.
كيف لمخيم يعيش وسط السوريين ويلتحم بهم وبأحيائهم أن يظل بمنأىً عما يجري في بلدهم؟! كيف له أن يمارس الحياد في معركة بين نظام مجرم وبين شعب يعيش معه وبين أبنائه؟! يثير الازدراء بالطبع أن يخرج عليك من يتحدث بلغة تحميل الجميل للفلسطيني، فيشير إلى وضعه الجيد في سوريا، لكأن بشار وأباه من قبله كانوا يدفعون للفلسطينيين من جيوبهم، أو لكأن اللجوء الفلسطيني قد تم في ظل حكم البعث (الأسدي)، ولم يبدأ في العام 48، ومعه طبيعة التعاطي الرسمي مع اللاجئين.
الأكثر سوءا من هذا وذاك، هو تجاهل حقيقة أن الذاكرة الفلسطينية لا تحتفظ لهذا النظام بالكثير من الود، لاسيما أنها ليست ذاكرة قصيرة يمكنها نسيان مجزرة تل الزعتر، أو حرب المخيمات مع قدر من التواطؤ على إخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، حتى لو تحدثنا عن مرحلة جيدة من الدعم لقوى المقاومة خلال الألفية الجديدة.
مع ذلك، فقد حاولت المخيمات أن تنأى بنفسها عن المعركة الدائرة، أعني أن تنأى بنفسها ككتلة كاملة، وليس كأفراد، فبين الثوار هناك الكثير من الشبان الفلسطينيين الذي اقتنعوا بنبل الثورة ومطالبها المشروعة وانخرطوا فيها واستشهدوا مع إخوانهم السوريين، لاسيما أن الأعمى وحده هو من يعتقد أن هذه معركة ملتبسة (بعض اليساريين الذين يديرون الحملات لصالح بشار وضد “الإرهابيين” القادمين من الخارج، ينسون احتفالهم بجيفارا الذي كان يقاتل أنظمة ربما كان بعضها أفضل من نظام بشار بالنسبة لشعبه).
أيا يكن الأمر، فما جرى هو أن الثوار الذين سيطروا بشكل شبه جيد على الأحياء الملاصقة للمخيم (الحجر الأسود والتضامن والميدان)، لم يعملوا على احتلال المخيم، بل كانوا يعبرونه بشكل عادي نحو وجهتهم، فما كان من المليشيات المحسوبة على الجبهة الشعبية (القيادة العامة) وبعض المجموعات الأخرى إلا أن استهدفتهم، فقتلت بعضهم واعتقلت البعض الآخر، فكان طبيعيا والحالة هذه أن يردوا على ذلك.
في شهادة لأحد الفارين من المخيم أوردتها الغارديان تلخيص للحكاية. فقد قال الرجل إن النظام افتتح منذ الصيف مكتبين أمنيين تابعين للاستخبارات الجوية والسياسية لتجنيد أي راغب بالانضمام للجبهة الشعبية (القيادة العامة)، وأي شخص وافق على الانضمام أعطي بندقية. وأوضح أن المخيم لم يشهد أي معارك في داخله باستثناء مناوشات على مشارفه، ولم يدخله الجيش الحر إلا بعد تعرضه للقصف من قبل النظام.
رغم الجرائم التي ارتكبت بحق المخيم، وأفضت إلى نزوج جماعي لسكانه، إلا أننا لم نعدم “مقاومين وممانعين” يلقون بمسؤولية ما جرى على جبهة النصرة والإخوان والجيش الحر، مبرئين النظام من وزر الجريمة، مع أن قصف مسجد وقتل 25 إنسانا فيه، وجرح أكثر من 150 هو جريمة بشعة حتى لو كان المخيم كله يقاتل النظام.
خلاصة القول هي أن النظام هو الذي سعى إلى زج المخيم في الصراع، وليس الجيش الحر والثوار، بدليل أن الثوار اليوم لم يشترطوا شيئا للخروج من المخيم سوى إخراج كافة المقاتلين التابعين للنظام منه، وهم أحرص على دماء الناس فيه وفي سواه، مع أنهم لو استمروا داخله بحكم الاضطرار لأجل استكمال إسقاط نظام مجرم، لما كان في ذلك ما يدينهم أصلا.
أي منطق بائس هذا الذي يتبناه بعض أنصار النظام ومنهم فلسطينيون مع الأسف؟! إن ما يجري هو جريمة بحق الفلسطينيين، وقبل ذلك بحق السوريين، ودم الفلسطينيين ليس أغلى من دم إخوانهم السوريين، ومن يبرر لهذا النظام ما يفعله مجرم مثله مهما كان فكره، وأيا كان تاريخه.
عودة الصراعات لمصر
رأي القدس
خيمت أجواء الثرثرة بشدة على الأجواء في مدينتي الإسكندرية والقاهرة على وجه الخصوص بعد حدوث صدامات دموية بين أنصار التيار الإسلامي وأنصار المعارضة في محيط مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية أدت إلى سقوط أكثر من 50 جريحا حتى كتابة هذه السطور.
التيار الإسلامي نظم مظاهرات في المدينة لإظهار مساندته للاستفتاء على مشروع الدستور الذي عرضه الرئيس محمد مرسي على الشعب لكي يقول رأيه فيه بكل حرية ونزاهة.
نائب محافظ الإسكندرية اتهم مجموعات من البلطجية بالاعتداء على المتظاهرين بالحجارة والسكاكين بصورة مخطط لها مسبقا، وكشفت الاحصائيات الأولية أن الجرحى من الجانبين.
من الواضح أن هناك طابورا ً خامسا ً في مصر يؤيد زعزعة استقرار البلاد ونشر الفوضى في مختلف أنحائها لعرقلة ذهاب المواطنين، أو من يريد منهم، الذهاب اليوم إلى صناديق الاقتراع للتصويت سلبا أو إيجابا على مشروع الدستور في الجولة الثانية.
أنصار النظام الديكتاتوري السابق يريدون بذر بذور الفتنة، وتفجير الأوضاع الأمنية، والانتقام من الثورة ورجالاتها التي فجروها، ولحرمانهم من ثمارها في الرخاء والعدالة وحل الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد.
رفض المعارضة الاعتراف بنتائج الدورة الأولى من الاستفتاء، بسبب حدوث بعض التجاوزات، ومقاطعة فريق من القضاة لأي أشراف عليه، كلها عوامل ساعدت على اندساس بعض الفلول في وسط المحتجين بهدف التخريب.
الطعن في التجاوزات، وبعض عمليات التزوير، أمر مشروع، لا يختلف عليه أحد، لكن هذا لا يعني رفض نتائج الجولة الأولى من الاستفتاء رفضا كليا، فالمعارضة شاركت فيه، واوحت لأنصارها بالتصويت بـ 'لا' وهذا يعطي الكثير من المشروعية للاستفتاء.
السؤال المطروح اليوم ليس ما إذا كان هذا الاستفتاء على مشروع الدستور سيفوز بأصوات الأغلبية، وإنما السؤال هو حجم هذه الأغلبية، أي حجم الأغلبية، سيكون مقياسا لقوة التيار الإسلامي في الشارع المصري.
وظيفة المعارضة أن تعارض، وأن تبحث عن السلبيات والإخفاقات، ولكن الاحتكام إلى صناديق الاقتراع هو قمة الديمقراطية، وهو الفيصل النهائي والنتائج يجب أن تحظى باحترام الجميع.
مصر تحتاج إلى الاستقرار، مثلما تحتاج ديمقراطيتها إلى أكبر قدر ممكن من الحرص من قبل الجميع، لأن استمرار الأزمة، ولجوء جميع الأطراف إلى التصفيق واستعراض القوة من خلال المظاهرات والاحتجاج قد يقود إلى الصدام الدموي الذي لا يتمناه أي محب لمصر وشعبها وثورتها.
اليوم ينتهي العمل بالإعلان الدستوري المثير للجدل والخلاف، ومن المفترض أن تبدأ مصر مرحلة جديدة لاستكمال مسيرتها الديمقراطية بالاستعداد لانتخابات مجلس الشعب، وهي مسيرة نأمل أن تكون سلسلة عنوانها الحوار والتنافس الديمقراطي الشريف.
تخويفنا من نقد "الإخوان"!
بقلم عبد الرحمن الراشد عن الشرق الاوسط
الآن بصعودهم إلى سلم الحكم في مصر صار «الإخوان» في نظر البعض مثل البقرة المقدسة، لا يجوز لأحد نقدها، لأنه نقد للإسلام! وهذا حكم لن نقبل به، فـ«الإخوان» حركة سياسية لها ما لبقية الأحزاب وعليها ما عليها.
وحماية للجماعة بدأت تدار حملة شعواء على ناقدي ممارسات «الإخوان» في مصر، تسعى لجعل النظام فوق النقد، وتحصين الجماعة بقدسية لا تستحقها، فقط لأنها سمت نفسها إسلامية، وطبع أعضاؤها زبيبة الصلاة على جباههم. بالنسبة لنا «الإخوان» جماعة سياسية تخطئ وتصيب، وتستحق التقدير والنقد وفقا لأفعالها. وأنا أقول للمرجفين من أتباعها في المنطقة: لقد عايشنا هذا الإرهاب الإعلامي سنين، ووجه ضدنا مرات من قبل ولم ينجح، ولن يفلح، وسيأتي يوم يكتشف المغرر بهم ما اكتشفوه في حملات سابقة. خبرنا هذا الإرهاب مرات ضدنا باسم حزب الله، حيث كنا نُخوّن فقط لمجرد نقاشنا أفعاله، ونُتهم بأننا عملاء للصهاينة. هؤلاء الذين كانوا يحاربوننا ظلما بالأمس انقلبوا اليوم على حزب الله، يذمونه بلغة نحن نخجل من استخدامها. والشيء نفسه قيل لنا وضدنا بسبب إيران، التي زعموا أنها نصيرة الإسلام وعدو إسرائيل، اليوم هم أنفسهم بدلوا موقفهم إلى الضد، ويقولون ضدها بأكثر مما نعلق.
وكذلك كانوا يدافعون عن نظام بشار الأسد الذين صدقوا أحاديثه عن العروبة وفلسطين ومحاربة الخارج، مغمضين أعينهم عن جرائمه التي لم تبدأ فقط في مارس (آذار) من العام الماضي عندما بدأت ثورة الشعب السوري ضده، حتى عندما قتل عشرات القيادات اللبنانية، كانوا يسمونه ورفاقه بـ«جبهة الممانعة»، ويؤكدون أن من ينتقده هو في خندق إسرائيل، تحت هذا العنوان كنتم تدافعون عن جرائمه وجرائم رفاقه. ونذكر هؤلاء الذين يشهرون ألسنتهم في وجوهنا بما قالوه في زمن صعود «القاعدة»، والدفاع عن أسوأ جماعة عرفها الإسلام في تاريخه، حيث كانوا يذبون عنها كما لو كانت لواء خالد بن الوليد بعث من قبره!
أقول لكل من قدسوا حسن نصر الله، وهاجمونا بسبب إيران، وبن لادن، والأسد.. أقول: على رسلكم، لا تستعجلوا الحكم على من ينتقد «الإخوان» في مصر أو غيرها، فهذه سياسة وهم سياسيون ليسوا منزهين. وبكل أسف انظروا بعد بضعة أسابيع من توليهم الحكم في مصر، لم يتورع بعض «الإخوان» عن الافتراء والكذب. فما قالوه عن منافسهم الدكتور محمد البرادعي نموذج بسيط من أسلوبهم في تشويه سمعة الخصوم، من تكفير وتخوين. زعموا أنه باع العراق ودمره، وغيره، في حين يعرف المتابعون أنه كان أكثر العرب الذين أداروا منظمات دولية نزاهة وأخلاقا، وكان رافضا توريط المنظمة الدولية في النزاع على العراق. كل هذا مسحوه بجرة قلم وكتبوا تاريخا مختلفا للرجل، فقط من باب الاستفراد بالساحة واغتيال شخصية الخصوم.
أدرك أنه من الصعب على البعض التفريق بين المشتغلين بالإسلام كدين والمشتغلين بالسياسة ممن يرفعون شعارات دينية، وهذا سبب استخدام الانتهازيين للدين. انتقاد «الإخوان» في الحكم، لا يعني أننا ننتقد الصحابة، بل جماعة سياسية عادية. وعندما ننتقد حركة اشتراكية فلا يعني هذا أننا ضد قيم العدالة الاجتماعية، وعندما كنا ننتقد البعثيين والقوميين لم يكن ذلك يعني رفضنا لمفهوم الوحدة العربية. لهذا لا يفترض أن ننحني لحملة الشعارات، سواء دينية كانت أو وطنية، ولا حصانة لهم، فهؤلاء ساسة وهذه أحزاب سياسية، فلا الوقوف ضد حزب العدالة يعني أننا مع الظلم، ولا الوقوف ضد الحرية معناه أننا ندعو للعبودية، إنها أسماء مثل أسماء الأفراد، سماها أصحابها تيمنا بها أو إغواء للعامة.
المؤسف أن الجمهور نفسه الذي لا يقوم من كبوة فكرية حتى يسقط في أخرى مثلها. الأخطاء نفسها تعود بلباس وسمات وأسماء جديدة، لهذا فقط على الذين يقدسون الأبقار الدينية، إخوانا أو غيرهم، أن يفسحوا لها الطريق، أما نحن فلا يعنينا أمرها!
الاستفتاء على الدستور أم على الشريعة؟
بقلم عصام نعمان عن الخليج الاماراتية
أخطأ الإخوان المسلمون كثيراً، ولعل أفدح أخطائهم أنهم، بإصرارهم على عرض مسودة دستور “إخوانية” على الاستفتاء، أوحوا للمصريين بأن الاستفتاء ليس على الدستور، بل على الشريعة . ذلك أن المسودة “الإخوانية” تحتوي من المواد ما يؤكد أن الإخوان المسلمين جادون في إقامة نظام حكم إسلامي على أساس الشريعة . بل ثمة بين المفكرين والعلماء المصريين مَنْ يعتقد أن المسودة تنطوي على أسس لإقامة نظام “ولاية الفقيه السنّية” . رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة مصطفى اللباد يقول صراحةً في مقالةٍ: “لم نقبل ولاية الفقيه الشيعية، فمن باب أولى الآن أن نرفض ولاية الفقيه السنيّة التي تحاول جماعة الإخوان المسلمين فرضها على عموم المصريين” .
المتظاهرون والمحتجّون على مسودة الدستور “الإخوانية” لديهم الارتياب نفسه في اعتزام “الإخوان” إقامة “ولاية فقيه سنية” . ذلك يتبدّى في لافتاتهم وهتافاتهم الاحتجاجية: “مدنية مدنية . . مش ح نسيبها إخوانية”، “من شبرا للميدان . . ح نسقّط الإخوان” و”يسقط يسقط حكم المرشد” .
لا يتأخر خصوم “الإخوان” في الإشارة إلى مواد في مسودة الدستور تشكّل أدلة وقرائن لدعم ارتيابهم المشروع . يقولون: صحيح أن المادة الثانية في مسودة الدستور نصّت على أن مبادئ الشريعة مصدر رئيس للتشريع، لكن المادة 219 التي جرى إقحامها على المسودة تضمنت نصاً مغايراً لما جرى عليه العرف الدستوري المصري بإسناد مبادئ الشريعة إلى القيم الثلاث الكبرى: الحرية والمساواة والعدالة القابلة للتأويل في إطار مدني . فقد نصّت المادة 219 على أن “مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذهب أهل السنّة والجماعة” .
يقول خصوم “الإخوان”، وفي مقدمهم مصطفى اللباد، “إن نص المادة 219 يفتح الباب على مصراعيه أمام تأويلات للشريعة مغرقة في تشدّدها، ويُسند البنية الدستورية والحقوقية بكاملها بالتالي إلى الشريعة” . صحيح أن إيراد نص المادة 219 بهذا الشكل يُراد منه إرضاء التيار السلفي، إلاّ أن الأمر يتعدى، في نظر خصوم “الإخوان”، مسألة استمالة السلفيين إلى محاولة تكريس هوية دستورية جديدة للمصريين تختلف عن تلك السائدة في دساتير مصر منذ القرن العشرين بغرض تثبيت العمود الأول لولاية الفقيه السنيّة التي تريد جماعة الإخوان المسلمين تمريريها في الاستفتاء على مسودة الدستور .
يشيرون بارتياب إلى المادة الرابعة من المسودة التي تنص على الآتي: “الأزهر الشريف هيئة إسلامية مستقلة جامعة، يختص دون غيره بالقيام على كل شؤونه، ويتولى نشر الدعوة الإسلامية وعلوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، ويؤخذ رأي هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف في الشؤون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، وتكفل الدولة الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه . وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، يحدد القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء . وكل ذلك على النحو الذي ينظمه القانون” .
من يضع القانون أو يقترحه؟ إنه السلطة التنفيذية، أي رئاسة الجمهورية المعقودة اللواء حالياً لمحمد مرسي الإخواني . ماذا يبقى من استقلالية الأزهر الشريف وشيخه وهيئة كبار العلماء فيه عندما يكون تنظيمه وتعيين كبار مسؤوليه من صلاحية السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها “الإخوان”؟
لا يكتفي خصوم الإخوان بهذا النقد لمسودة الدستور، فاللباد يحرص على عقد مقارنة بين “هيئة كبار العلماء” المنصوص عليها في المادة الرابعة آنفة الذكر، ومقابلها في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران المعروف باسم “مجلس مراقبة الدستور - شوراي نكهبان” المختص، شأن هيئة كبار العلماء المقترحة، بالموافقة على القوانين أو ردها، فيقول “إن أعضاء المجلس الإيراني اثنا عشر نصفهم من الفقهاء يعيّنهم المرشد، والنصف الآخر من الحقوقيين ينتخبهم البرلمان (مجلس الشورى) نفسه، وتقضي المادة الرابعة من مسودة الدستور الإخواني بأن يكونوا كلهم من الفقهاء دون تحديد عددهم لفتح الطريق أمام الجماعة (“الإخوان”) للنفاذ إلى هذه الهيئة والتأثير في تركيبتها في المرحلة المقبلة” .
يتضح من نقد اللباد أن عملية اختيار أعضاء “مجلس مراقبة الدستور” الإيراني أكثر ديمقراطية من تعيين أعضاء “هيئة كبار العلماء” بحسب مسودة الدستور الإخواني، وأن صلاحية “المرشد المصري”، في هذا المجال، أوسع من صلاحية المرشد الإيراني!
كيف كانت ردة فعل المصريين في الاستفتاء على مسودة الدستور؟
ظاهر الحال يشير إلى أن أغلبية المصريين عارضت إجراء الاستفتاء، وبالتالي مسودة الدستور . تجلّت المعارضة في حشود المتظاهرين أمام قصر الاتحادية في القاهرة وفي معظم المدن المصرية، وفي اللافتات والهتافات المرفوعة ضد “حكم المرشد”، وفي مواقف النقابات والاتحادات المهنية، وفي موقف الكنيسة القبطية، وفي امتناع أغلبية القضاة عن مراقبة اللجان الانتخابية، وفي اضطرار النائب العام طلعت عبدالله إلى الاستقالة بعد تعيينه من قبل الرئيس مرسي، وأخيراً وليس آخراً، في النتيجة الهزيلة لجولة التصويت الأولى في الاستفتاء . فقد أقرّت مصادر الإخوان المسلمين بأن نسبة الموافقة بلغت 56 في المئة فقط، وهي نسبة هزيلة للغاية قياساً إلى أهمية الوثيقة المستفتى بشأنها التي تقضي الأعراف الدستورية بأن تنال نسبة عالية من أصوات الناخبين، لكون الدستور قانوناً أساسياً ناظماً لسائر القوانين والأنظمة وعموداً فقرياً للهيكلية القانونية للدولة .
الأخطر من ذلك كله أن أغلبية الجماهير تعدّ مسودة الدستور محاولة إخوانية لإرساء حكم الشريعة، أي حكم الإسلام، الأمر الذي يؤدي إلى تفسير معارضة الأغلبية للمسودة الإخوانية بأنها معارضة للشريعة نفسها وربما للإسلام، لاسمح الله .
إلى ذلك، يتضح من المخالفات والانتهاكات التي رافقت الجولة الأولى للاستفتاء أن طعوناً عدّة ستقدّم لإبطاله، وأن المحكمة الدستورية العليا (التي يحاصرها الإخوان المسلمون لمنع قضاتها من العمل)، ستحكم غالباً بإبطاله . فماذا سيكون وضع مصر، شعباً ودولة، في هذه الحال؟ وهل يتحمّل البلد فوضى عارمة واشتباكات أهلية في قابل الأيام؟
المنطق السليم يدعو الإخوان المسلمين إلى تحكيم العقل والمصلحة الوطنية العليا، وبالتالي إلى إلغاء الإعلان الدستوري، بما في ذلك الاستفتاء على مسودة الدستور، والقبول بحوار وطني مع جميع القوى السياسية الرئيسة من أجل إنقاذ ثورة 25 يناير على النحو الآتي:
* أولاً، التوافق على تأليف حكومة وطنية جامعة بصلاحيات استثنائية تضم، مناصفةً، وزراء يمثلون التيارين الإسلامي الشوري والعروبي الديمقراطي لإدارة البلاد في فترة انتقالية أقصاها ستة أشهر .
* ثانياً، التوافق على أسس الدستور الجديد وصياغة مسودته من قبل لجنة دستورية متوازنة تؤلفها الحكومة الانتقالية لهذه الغاية، أو تضع الحكومة نفسها، بالتوافق، مسودة الدستور المراد عرضها على الاستفتاء العام .
* ثالثاً، تضع الحكومة قانون الانتخابات وتقره بموجب صلاحياتها الاستثنائية .
* رابعاً، تجري الحكومة الانتقالية انتخابات رئاسة الجمهورية خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ إقرار الدستور في استفتاء عام .
* خامساً، يجري رئيس الجمهورية بالتعاون مع الحكومة الانتقالية انتخابات مجلسي الشعب والشورى خلال مدة أقصاها شهران من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية الجديد . هل هذا السيناريو فوق قدرة الأطراف المتصارعين في مصر على التحقيق؟
الأطراف الخارجية ومستقبل سوريا
بقلم فايز سارة عن السفير
لعل من بين اهم نتائج اطالة عمر الازمة في سوريا، انها اتاحت للعديد من الدول والقوى، ان يصير لها نفوذ في سوريا طالما رغبت تلك الدول والقوى في هذا، ذلك أن الانقسام الحاد وما رافقه وأعقبه من صراع عنيف ودموي، فرض على القوى المتصارعة، فتح الابواب امام قوى دولية واقليمية للدخول على الخط السوري، وكان الأمر ملحاً بل ومطلوباً من جانب قوى لها موقف من النظام وسياساته سواء كانت دول لها علاقات قوية ووثيقة بالنظام كما هو حال روسيا والصين وايران، او اخرى طالما كانت علاقاتها مع دمشق في حركة نوسان وعدم استقرار على ما هو عليه الموقف الاميركي ـ الاوربي، وفي بعض الاحيان، ادت الازمة السورية وتطوراتها الى تبدلات دراماتيكية في مواقف بعض القوى كما حصل في موقفي كل من تركيا وقطر، فانتقلتا من موقع الحليف والصديق للنظام في دمشق الى موقف المناهض، ان لم نقل العدو على نحو ما تظهر بعض السياسات والمواقف التي اتخذها البلدان في فترة الازمة، وما كان للنظام في دمشق من مواقف وسياسات في مواجهة تركيا وقطر في الفترة ذاتها.
لقد انقسمت الدول والقوى من الناحية السياسية ازاء الوضع في سوريا. ورغم ان مؤيدي النظام كانوا قلة بين الدول، مقابل كثرة من وقفوا ضده مؤيدين للثورة، فان فاعلية مناصري النظام، كانت أقوى وأشد حضوراً في المجالات كافة. وعلى سبيل المثال فان روسيا والصين منعت مرات اية ادانة او قرار دولي بإكراه النظام وإجباره بوقف الحل الامني العسكري والذهاب مؤكداً الى حل سياسي، وزاد مؤيدو النظام على ما سبق تقديم امكانات عززت استمراره في مقاومة ثورة مواطنيه لأكثر من واحد وعشرين شهراً متواصلة، بما في ذلك دعمه بالاسلحة والذخائر والخبرات اللوجستية العالية، وهو ما ترافق بأوسع حملة دعاوية ضد معارضي النظام والتشهير بهم وبأهدافهم المعلنة.
اما القوى الدولية والاقليمية التي بدت مؤيدة للثورة ورغم كثرتها وأهميتها، فقد غلبت الضبابية على مواقفها، وأغلبها تأخر في إعلان موقفه ربما حذراً، أو ان الصورة لم تكن واضحة لديه. وهكذا جاءت المواقف في مواجهة النظام لفظية وضعيفة ومترددة ومحسوبة، يقابلها ضعف وتردد في تأييد المعارضة، وشح في المساعدات، وتحديد لمجالات صرف المقدم منها للمعارضة وتنظيماتها، وغالباً، فان سياسات ومواقف القوى المؤيدة للثورة على ضعفها وهشاشتها، أحيطت بإثارة ثلاث نقاط، اولها وحدة المعارضة بالقول، لأن المعارضة مقسمة، والثاني موضوع الاقليات والتخوف من طغيان الاكثرية، والثالث موضوع التطرف الديني وتسلل «القاعدة» واخواتها الى سوريا.
لقد تسلل نفوذ القوى الاقليمية والدولية الى بنى الدولة والمجتمع في سوريا، وان كان ذلك تم برضا النظام في علاقاته مع داعميه، ولاسيما ايران وروسيا، فإنه تم أيضاً بغياب او سكوت معارضي النظام وقبول بعضهم بما يتعلق بتسلل الداعمين والاقليميين وعلى سبيل المثال، لم يكن بإمكان قوى المعارضة وقف أو الحدّ من التدخل التركي في الشأن السوري، والأمر ينطبق على دول أخرى، بدا وان ثورة السوريين بحاجة الى دعمها ومساندتها السياسية والمادية.
خلاصة القول، إن ما تمّ من تدخلات دولية وإقليمية في الشأن السوري في فترة الصراع بين النظام والمعارضة، سيكون له حضوره وتأثيره في الفترة التالية سواء كانت فترة انتقالية قريباً من النموذج اليمني او فترة تغيير عاصف وفق النموذج الليبي، وفي كل واحدة من الحالتين سوف يكون الحضور مختلف للقوى الدولية والاقليمية في مستقبل سوريا مع ارجحية خاصة للقوى المناصرة للثورة، لأن النظام على ما هو عليه الآن، لن يكون موجوداً، اذ سيتغير كلياً او بنسبة كبيرة على الاقل.
ان ولوج سوريا في مرحلة انتقالية ناتجة عن حل سياسي رغم ما يحيط بهذا السيناريو من صعوبات، سوف يسمح لكل من روسيا وايران اللتين سوف تشاركان في صنع حل سياسي، بالحضور في السياسة السورية في المرحلة الانتقالية، وقد يتطور ذلك، اذا احسن البلدان تجديد سياستهما السورية وتقديم المساعدة الجدية في إعادة إعمار البلاد وتطبيع حياة السوريين، ليس انطلاقاً من واجبهما الانساني والاخلاقي، بل من جانب كونهما مسؤولين بدرجة ما، عما حلّ بسوريا والسوريين من دمار وقتل في الفترة الماضية، وهذا سيعطيهما دوراً نسبياً الى جانب القوى التي وقفت الى جانب الثورة وخاصة في الفترة الاخيرة للمشاركة في إعادة بناء المستقبل السوري.
اما في حالة ذهاب سوريا للتغيير وفق النموذج الليبي، فإن القوى الخارجية المؤيدة للنظام، لن يكون لها دور في مستقبل سوريا المنظور، وهي ستحتاج الى فترة وجهود مكثفة، لإعادة تطبيع علاقاتها مع السوريين، وسيكون الباب مفتوحاً للمساعدة في مستقبل السوريين امام كتلة الدول التي ناصرت ودعمت أهداف السوريين من اجل التغيير وإعادة بناء دولتهم الديموقراطية التعددية، دولة العدالة والمساواة وحقوق الانسان.
غير انه وفي الحالتين، فان دور الاطراف الخارجية في رسم المستقبل مرهون بوضع المعارضة السورية ووحدة قواها السياسية والعسكرية والشعبية، وقدرتها على التحول الى قوة جامعة وموحدة لكل السوريين ومسؤولة عن مصيرهم المشترك ومصير بلدهم، ليس في المفاوضات الصعبة، التي ستجري مع الأطراف الخارجية لرسم ملامح التعاون المشترك فقط، بل في الحد من تدخلاتها التي قد لا تتوافق مع محتوى السياسة السورية المطلوبة في المرحلة المقبلة.
سوريا.. الآن المخرج الروسي!
بقلم طارق الحميد عن الشرق الاوسط
الواضح أننا وصلنا الآن إلى مرحلة إيجاد مخرج للروس في الأزمة السورية، وليس مخرجا لبشار الأسد من سوريا، فالتصريحات الروسية الأخيرة، ومنها تصريحات الرئيس الروسي نفسه، تقول إن موسكو بدأت عملية النزول من السلم السوري، كما قال لي أحد المطلعين على هذا الملف.
الروس يحاولون الآن الظهور بأنهم يقدمون ما بوسعهم، دبلوماسيا، لتقديم حلول في الأزمة السورية، بينما يظل الرافض لكل ذلك هو الأسد نفسه. وعليه، يكون بمقدور الروس حينها الإعلان عن تحول جذري في موقفهم تجاه الأزمة السورية، وهذا تقريبا رأي من تحدثت إليهم من المتابعين للملف السوري، وخصوصا العلاقة مع روسيا. فهناك إجماع بين من تحدثت معهم على أن هناك موقفا روسيا متطورا، خصوصا أن الأوضاع على الأرض باتت تسير بسرعة كبيرة ضد النظام الأسدي.
ومن ضمن التحركات الروسية حديث عن مقترح روسي لتشكيل مجموعة مكونة من الدول الإسلامية، ودول ذات علاقة بالملف السوري، لمباشرة تشكيل حكومة انتقالية في سوريا، مع تشديد روسي على أن موسكو لن تقبل باستضافة الأسد! كما أن موسكو تتواصل الآن مع الأميركيين، من خلال اجتماعات جنيف، وأيضا مع الأتراك، مع الدفع بضرورة إعطاء فرصة للممثل الأممي السيد الأخضر الإبراهيمي، الذي سيلتقي الأسد، رغم اقتناع موسكو بأن الأسد سيرفض كل الحلول. وبحسب من تحدثت معهم، فإن الهدف الروسي هو من أجل أن يتسنى لهم القول بأنهم قد فعلوا كل ما بوسعهم مع الأسد، ثم تقوم موسكو بتغيير موقفها علنا. ويقول لي مسؤول مطلع على الملف، وعلى تواصل مع الروس إن «الروس يريدون النزول من السلم بكل هدوء، لكن بعد أن يقولوا، ويظهروا فعليا، بأنهم قد استنفذوا كل ما بوسعهم لإقناع الأسد»، مضيفا: «يجب عدم إغفال أن لدى الروس حلفاء آخرين، ولا بد أن يكون التحول بالموقف الروسي مقنعا لهؤلاء الحلفاء، وليس تحولا وحسب».
وبالطبع فإن هناك أسئلة مستحقة ستواجه الروس، في الداخل والخارج، وهو لماذا أطالت روسيا في الوقوف مع الأسد؟ وما الثمن لذلك؟ ولماذا تتخلى عنه الآن؟ وما الثمن لذلك أيضا، أي ما هي معايير الربح والخسارة في هذا الأمر؟
ولذا، فمن الواضح اليوم أن الروس هم الذين في حاجة إلى مخرج من الورطة السورية، وليس البحث عن مخرج للأسد من سوريا، خصوصا أن طاغية دمشق بات أقرب من أي وقت مضى للسقوط، سواء بوساطة روسية، أو من خلال فتح روسيا الطريق لقرار بمجلس الأمن، أو من خلال الثوار السوريين على الأرض، والذين يحققون تقدما مذهلا على قوات طاغية دمشق.
محصلة القول إنه من الواضح، وكل المؤشرات تقول ذلك، أن الروس هم من بحاجة لمن يوجد لهم مخرجا، وليس الأسد، في الأزمة السورية، ونحن هنا لا نتكلم عن ثمن، بل عن مخرج يحفظ ماء الوجه لموسكو، ويبرر إعلان تغير الموقف الروسي في سوريا بشكل جذري. وعليه، فمن الذي سيقوم بتوفير هذا المخرج للروس، هل هم الأميركيون، أم العرب، وتحديدا الخليجيين، أو قل السعوديين؟
مرحلة كل المخاطر عشية سقوط النظام
بقلم عبدالوهاب بدرخان عن الحياة
سقوط النظام مؤكد، لكن انتصار المعارضة يحتاج الى تحـــصين وتأمين، إلا أن القوى الـــدولية لا تزال تفضــّل محاربة النظام بدماء السوريين. اللحظة الآن بالغة الصعــوبة، فالسقوط لم يعد مجرد «رهان»، وفق توصيف الأمين العام لـ «حزب الله» الذي يعتــبره «رهاناً خاطئاً»، بل أصبح واقعاً مجسّداً على الأرض. لم يعد استمرار القدرة على القتل وتدمير المخابز ومحــطات الوقود مؤشراً على تمتع النظام بالقوة والعافية. ولا يشكّل انحسار الدولة بوظائفها الأساسية المعهودة دليل بقاء للنظام. ولا يشير البحث الاميركي - الروسي عن سيناريو نهاية منسّقة للأزمة الى أن النظام سيكون جزءاً من المرحلة المقبلة. ولا تفسير لترحيب الرئيس الروسي بالمبادرة التركية «المبتكرة» سوى أن موسكو تبحث عن مخرج.
في هذا السياق لا يعني الظهور المفاجئ والحديث المبرمج لنائب الرئيس فاروق الشرع أن النظام محتفظ بصلابته. وهو ما ينعكس بقوله إن أياً من النظام أو المعارضة لا يمكنه حسم النزاع. فهذه معادلة يعترف بها النظام للمرة الأولى، وإنْ كان استخدمها أمام المبعوثين الدوليين للمحاججة بأن الحل يجب أن يكون سياسياً، لكن وفقاً لـ «رؤيته». كان الشرع يرد على نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي صرّح بأن المعارضة «يمكن أن تنتصر»، كما ردّ عليه حسن نصرالله. هذا التقويم/ الإنذار الروسي هو ما دفع النظام الى الترخيص للشرع بالخروج الى الضوء وبتقديم نسخة منقحة لـ «الحل» الذي «يجب أن يكون سورياً» لكن بصياغة جديدة عبّر عنها بـ «نحن يجب أن نكون في موقع الدفاع عن وجود سورية، ولسنا في معركة وجود لفردٍ أو نظام». لكنّ هناك شيئاً آخر، هو أن محادثات دبلن (كلينتون - لافروف - الابراهيمي) ثم جنيف (بيرنز - بوغدانوف - الابراهيمي) تطرقت الى إحياء «سيناريو الشرع» للمرحلة الانتقالية من خلال تشكيل «حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة»، أي العودة الى «السيناريو اليمني المعدّل» الذي كانت موسكو طرحته تسريباً منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2011 ثم أعاد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو طرحه تصريحاً في تشرين الأول (اكتوبر) 2012.
كان النظام أطاح هذا الاقتراح الذي شكّل أساس المبادرة العربية ثم «اتفاق جنيف»، كما بدّد سواه، اذ كان مقتنعاً بأن الحسم العسكري في متناوله. لكن يبدو أن وصول الثوار الى محيط القصر الرئاسي ومثول النهاية أمام الأنظار أجبراه على شيء من البراغماتية، فهل إن اعادة الشرع الى الواجهة بداية موافقة على «نقل السلطة»، خصوصاً أن «كل يوم يمرّ يبتعد معه الحل عسكرياً وسياسياً»، كما قال؟ لا شيء مؤكداً، فالصياغة الجديدة لـ «الحل السوري» تريده «من خلال تسوية تاريخية تشمل الدول الاقليمية الأساسية والدول الأعضاء في مجلس الأمن». ماذا يعني ذلك؟ عدا أن النظام يعيد طرح نفسه لاعباً ومديراً لـ «الحل»، فإنه يعتزم توظيف الشرع على نحوٍ مختلف عما تتصوّره القوى الدولية. وعدا أن الحديث عن «تسوية تاريخية» اقليمية - دولية يشير طبعاً الى اشراك ايران، فإنه لا يناقض مفهوم «الحل السوري» فحسب، بل يُراد منه فتح خرائط «سايكس – بيكو» بحثاً عن صيغة جديدة لحماية الاقليات وإرضائها.
لكن، أين «الدفاع عن وجود سورية» هنا؟ وهل خطّط الشرع أو شارك في تخطيط الدور الذي يمكن أن يُدفع اليه، وهل يستطيع رفضه اذا خالف قناعاته؟ لا معنى للدفاع عن «وجود سورية» اذا لم يكن دفاعاً عن وحدتها، والحال أن نظاماً يهجس بوحدة البلد شعباً ودولةً وأرضاً لا يمكن أن يقدم على هذا التدمير المنهجي للمدن والبلدات وللتراث والثروات، بل هو نظام ينفذ شعار «شبيحته» (الاسد أو لا أحد) أو قولهم «لن يبقى حجر على حجر»، ما يشي بأن هذا ما يفهمه النظام في شأن الإطار الاقليمي - الدولي لـ «الحل»... أي أنه ينطوي على خيارين: التهديد بتصدير الأزمة اقليمياً، أو الشروع في مساومة كبرى.
ما يقلق النظام أن أحداً - ولا حتى روسيا - لا يحادثه في ما يُطبخ من سيناريوات، لذلك فإن حديث الشرع ومضمونه يفيدان بأن «رسائله» الاخرى عبر المجازر والقصف الجوي والتصعيد الجنوني، بما فيها التلويح بالسلاح الكيماوي، لم تكن مجدية، لذلك رأى أن يرفع ورقة فاروق الشرع ليقول إنه جاهز للمساومة. ومن الواضح أن هذه الخطوة جاءت منسّقة مع الحليف الايراني الذي استقبل الاعتراف الدولي بـ «الائتلاف الوطني السوري» بإعلان أنه لن يسمح بإسقاط النظام السوري، ثم أوعز لنصرالله بأن يقول ما قاله الشرع، لكن بلهجة متشددة وهجومية، ما أوحى بأن «الخط السوري – الايراني» لم يقل كلمته الاخيرة اذ لا يزال لديه «سيناريو يوم القيامة» لتدمير دمشق وإيصال أهلها، كأهل حلب، الى حافة المجاعة. وقد بلغت به الحقارة حدّ قصف المخابز في حلب أو شاحنات التموين الآتية اليها، ومن ثمَّ ارسال آلاف ربطات الخبز الموسومة بصورة الاسد وشعار «منحبّك».
بالتزامن مع ذلك، عمدت طهران الى كشف تفاصيل «خطة الخروج من الأزمة» التي كانت قدّمتها الى الأخضر الابراهيمي. والأكيد أنها كشفتها بعدما أيقنت أن القوى الدولية لم تعرها أي قيمة، ولتقول أيضاً إن أي حل خارج هذه الخطة، التي تمثل وجهة نظر النظام السوري، لن يُكتب له النجاح. كانت «الخطّة» بُنيت على أساسين تخطّتهما الأحداث (وقف أعمال العنف، وحوار وطني) وأمعن النظام نفسه في إفشالهما، لأنه لا يستطيع وقف النار ويريد حواراً تحت سيطرته. وإذ يقول الشرع إن الاسد أراد أن يحسم عسكرياً قبل أن يذهب الى حل سياسي، فمن الواضح الآن أنه خسر الأمرين معاً، ولم يعد أمامه سوى خيارين: الرحيل، أو الانكفاء الى منطقته على الساحل.
تجدّد الحديث عن «الرحيل» في إطار محاولة التقارب الاميركية - الروسية للحؤول دون السقوط المفاجئ أو الانهيار السريع للنظام، وبالتالي لإعداد نهاية متفاوض عليها. لا يبدو أن «المبادرة التركية» بعيدة من هذه الهواجس، فهي تلحظ ضرورة تنحي الرئيس لتصبح المرحلة الانتقالية متاحة، والتنحي يعني هنا الرحيل، بل ان هناك مَن يهتم بوضع قائمة بما لا يقل عن خمسين عسكرياً يمكن أن يغادروا مع الاسد، وقيل إن عدداً من هؤلاء سبق لهم أن هرّبوا أموالهم كما رحّلوا عائلاتهم أو معظمها، إمّا الى لبنان أو الى الإمارات. ويعني الرحيل أيضاً خسارة فعلية للنظام ولحليفه الايراني وأن «التسوية التاريخية» وفقاً للتخطيط الايراني – الاسدي ليست واردة، على رغم أن القوى الدولية ترغب في ايجاد أي وسيلة متفق عليها لضمان عدم التعرّض للأقليات وبالأخص العلوية.
قد تكون الورقة الأخيرة في يد النظام أن ينكفئ مع «شبّيحته» الى الساحل، على أن يستبقه بالحصول على ضمانات دولية لـ «الكيان العلوي» الذي بات يطمح الى جعله «موطن الأقليات» الموصول جغرافياً بلبنان. ومن أجل تلك الضمانات قد يعمد الى تأجيج المواجهات الطائفية في سورية كما في لبنان، ما يوجب إقحام «حزب الله» أكثر فأكثر في القتال. ويبدو «الكيان العلوي» كذلك ورقة أخيرة لإيران لتفادي خسارة كاملة في سورية، قد تتبعها استطراداً خسارة في لبنان. الأسابيع المقبلة حتى آذار (مارس) ستكون بلا شك مرحلة كل المخاطر في سورية.<hr>