المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 281



Haneen
2013-01-07, 01:24 PM
اقلام واراء عربي

في هذا الملف:
عيون وآذان («حتى إشعار آخر»)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
الغاء «اوسلو»
رشيد حسن عن الدستور
سقوط «الممانعة» في مخيم اليرموك
عبد الوهاب بدرخان (كاتب ومحلل سياسي لبناني) عن الشرق القطرية
النزوح الفلسطيني من سوريا
صالح عوض عن الشروق الجزائرية
فلسطينيو "الكنيست" شر لا بد منه
مأمون كيوان عن دار الخليج
الفلسطينيون ومحنة الشتات
الحسين الزاوي عن دار الخليج
أكذوبة الديمقراطية "الإسرائيلية"
بركات شلاتوة عن دار الخليج
الإخوان وأمريكـا
د. حسن حنفى عن الزمان العراقية
قنبلة الشيخ ياسر برهامى
حسن نافعة عن المصري اليوم
حجة دستور الجمهورية الرابعة فى فرنسا
إبراهيم عوض عن الشروق المصرية
كيف تكذب وتحتفظ بوضوئك؟
علاء الاسواني عن السفير اللبنانية والمصري اليوم

عيون وآذان («حتى إشعار آخر»)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
حتى إشعار آخر، الولايات المتحدة شريكة في كل جريمة ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، شريكة في قتل كل طفل فلسطيني وامرأة ورجل، شريكة في بناء كل مستوطنة على أراضي الفلسطينيين، وإسرائيل كلها مستوطنة، شريكة في تمكين إسرائيل من ارتكاب الجريمة التالية.
قلت «حتى إشعار آخر» لأنني لم أفقد الأمل بعد بأن ينتهج باراك أوباما في ولايته الثانية سياسة تخدم مصالح أميركا لا إسرائيل، ولعل ما سمعنا عن اختياره جون كيري وتشك هاغل للخارجية والدفاع، مؤشر على هذا الاتجاه، فهما لا يُعتبران من «أصدقاء» إسرائيل، أي عملائها. وهكذا، ننتظر التغيير ونرجو أن نراه.
في غضون ذلك، الولايات المتحدة عوضت إسرائيل عن الذخيرة التي استهلكتها في الهجوم على قطاع غزة الشهر الماضي، الذي أدى إلى قتل 180 فلسطينياً غالبيتهم من المدنيين، وجرح ألف آخرين، مقابل ستة قتلى إسرائيليين، مع تدمير 120 مبنى تدميراً كاملاً وتخريب ثمانية آلاف مبنى آخر.
صحيفة «هاآرتز» قالت إن الولايات المتحدة ستبيع إسرائيل ذخيرة ثمنها 647 مليون دولار للتعويض عما استهلكت في قصف قطاع غزة في عملية الشهر الماضي، والذخيرة تشمل 6900 قنبلة دقيقة التوجيه، وعشرة آلاف قنبلة أخرى من مختلف الأنواع، و3450 قنبلة وزن الواحدة منها طن أو أكثر، و1725 قنبلة يزن كل منها 250 كيلوغراماً، و1725 قنبلة من نوع «ب ل يو-109» المخصصة لتدمير التحصينات، و3450 قنبلة من نوع «ج ب يو-39» المخصصة أيضاً لتدمير التحصينات. ونعرف أن مبيعات السلاح إلى إسرائيل تتحول دائماً بما يشبه السحر إلى هبات.
إذا كان الدعم العسكري لمجرمي الحرب الإسرائيليين قتلة الأطفال لا يكفي، فإن الدعم السياسي سارٍ بموازاته، وفي الأمم المتحدة يوم الأربعاء 19 الجاري، عارضت الولايات المتحدة وحدها من بين دول العالم، صدورَ مشروع قرار مُلزِم يأمر إسرائيل بعدم بناء مستوطنات في أراضي الفلسطينيين، فكان أن دان مجلس الأمن بغالبية 14 دولة البناء في القدس الشرقية. وأسجل أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت بياناً يدين البناء في أراضي الفلسطينيين، إلا أنه كان مجرد كلام يشجع إسرائيل على الاستمرار في البناء.
وهكذا، فنحن أمام مشروع إسرائيلي لبناء 1500 وحدة سكنية في القدس الشرقية تكاد تفصلها عن الضفة، و2612 وحدة سكنية في مستوطنة غيفات هاماتوس، لتكون أول ضاحية جديدة للقدس منذ 1996، أي عندما أصبح مجرم الحرب بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء أول مرة ودمر عملية السلام عمداً قبل أن يخسر انتخابات 1999.
هناك الآن 550 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وسكانها الفلسطينيون تحت حصار يومي لإرغامهم على الهجرة، ثم تطلب إسرائيل مفاوضات من دون شروط، وتؤيدها الولايات المتحدة.
على ماذا يفاوض الفلسطينيون؟ على انتفاضة ثالثة؟ فلسطين من البحر إلى النهر، وإسرائيل خرافة توراتية لا آثار لها على الإطلاق تدعم وجودها في بلادنا قبل ثلاثة آلاف سنة. كان هناك يهود، ولكن لا ممالك أو أي ملوك مزعومين، وإنما خرافة لسرقة بلاد من أهلها.
إسرائيل دولة عنصرية نازية جديدة، والولايات المتحدة تؤيد جرائمها عسكرياً وسياسياً، لذلك سمع نتانياهو انتقاد وزارة الخارجية الأميركية بناء المستوطنات، فعلق عليه بالقول إن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل وأن الإسرائيليين سيواصلون البناء فيها، أي سرقتها من أهلها، لأنهم يؤمنون بأنها يجب أن تبقى موحدة.
القدس لم تكن يوماً عاصمة إسرائيل، وهذه كدولة لم توجد في أي تاريخ أو جغرافيا، والدين اليهودي خرافة ولا آثار على الأرض إطلاقاً تؤيد الخرافة الدينية. والنتيجة جريمة مستمرة ضد أصحاب البلاد الوحيدين تُرتكب كل يوم منذ 64 سنة بمساعدة الولايات المتحدة.
وأقول «حتى إشعار آخر» تفاؤلاً، ومن دون أسباب منطقية تشجع على التفاؤل.


الغاء «اوسلو»
رشيد حسن عن الدستور
لماذا اقتصر تهديد الرئيس الفلسطيني على حل السلطة الفلسطينية، ولم يهدد بالغاء اتفاقية “اوسلو”.. علما أن السلطة هي من ثمار “اوسلو” ، ومن مخرجات الاتفاقية؟؟ فالاخيرة هي الأولى بالالغاء، لاسباب كثيرة، أهمها وأخطرها أن العدو لم يقم بتنفيذ بنودها ، علما انه هو المستفيد الاكبر منها، إذ اعطته الشرعية على أكثر من 78% من أرض فلسطين التاريخية، في حين التزم الجانب الفلسطيني في تنفيذ كل ما طلب منه.
وبشيء من التفصيل... فالعدو لم يلتزم باقامة الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات من توقيع الاتفاقية ، أي في عام 1998، وكان جوابه “التواريخ غير مقدسة”..!! ولم يقم بالانسحاب من كافة الارضي المحتلة، وتسليم الاشراف والسيادة عليها للسلطة ، بل عاد واحتل في عهد الارهابي شارون ، الأرض التي انسحب منها ، ردا على انتفاضة الاقصى، ولم يكتف بذلك ،بل قام باحتلال كافة المدن، وحاصر المقاطعة، مقر اقامة الرئيس عرفات، وقام بتدميرها ، واخيرا باغتياله بالسم ، كما يؤكد اللواء الطيراوي رئيس لجنة التحقيق الفلسطينية، استنادا الى جملة ادلة وقرائن تؤكد وقوع الجريمة.
واكثر من ذلك ، فان الاحداث والوقائع التي جرت وتجري على الارض منذ توقيع “اوسلو” تؤكد ان العدو اتخذ منها، ومن المفاوضات حصان طروادة لتكريس الامر الواقع ، وتنفيذ خططه ومخططاته التوسعية التهويدية ، فتضاعف عدد المستوطنات وعدد المستوطنين ، حتى تجاوز نصف مليون مستوطن، يعيشون في حوالي “140”مستعمرة ، والمئات من البؤر الاستيطانية ، وها هو العدو يتحدى العالم كله ، ويعلن بناء أكثر من عشرة الاف وحدة سكنية جديدة في القدس، وكافة المستعمرات بعد قبول فلسطين عضوا في الامم المتحدة، ضاربا عرض الحائط بالقانون الدولي ، وبكافة الاحتجاجات الدولية ،التي طالبته بوقف هذه الاعمال والممارسات العداونية.
اليست هذه الاسباب وغيرها كافية لالغاء “اوسلو” والتي كانت وستبقى بمثابة الكارثة للشعب الفلسطيني، بعد ان اعترفت بشرعية العدو على ارض ابائه واجداده، وادت الى وقف أهم وأعظم الانتفاضات في التاريخ الفلسطيني “انتفاضة الحجارة”، وكانت السبب الرئيس للانقسام المدمر ، وتراجع مكانة القضية على اجندة الدول الشقيقة والصديقة.
ومن ناحية أخرى فان الاجماع الدولي على ادانة الاستيطان ، ودعوة اسرائيل الى التوقف عن هذه الاعمال العدوانية، التي تشكل انتهاكا فاضحا للقوانين والمعاهدات الدولية ،ومن شأنها ان تؤدي الى افشال حل الدولتين، وقيام الاتحاد الاوروبي وجنوب افريقيا ودول عدة في اميركا الجنوبية ، بمقاطعة المنتوجات الاسرئيلية ، وعدم التعاون مع جامعاتها، لانها لم تتخذ موقفا عمليا يدين عنصرية الدولة، كل ذلك يسهم في تهيئة المناخ المناسب ،ويحفز القيادة الفلسطينية لاتخاذ القرار الحاسم على هذه الاستباحة الصهيونية الممنهجة للارض والحقوق الفلسطينية، والمقدسات الاسلامية.
باختصار... نجزم أن القضية الفلسطينية تمر بمرحلة خطيرة جدا ، وقد تكون الاخطر في تاريخها، وأن فوز اليمين الصهيوني المتطرف بقيادة الثنائي نتنياهو- ليبرمان، ينذر بتصفية هذه القضية ، في ظل الدعم الاميركي ، والذي ظهر بابشع صوره في رفض واشنطن الانضمام الى المجتمع الدولي في ادانة الاستيطان ،ودعوة اسرائيل الى التوقف عن هذه الممارسات العدوانية، ما يفرض على القيادة الفلسطينية اتخاذ قرار حاسم ، يضع العدو وواشنطن والعالم كله أمام مسؤولياتهم في حماية الشعب الفلسطيني من العدوان والارهاب الصهيوني ، وذلك بالغاء “اوسلو” وحل السلطة ، والعودة بالصراع الى المربع الاول.


سقوط «الممانعة» في مخيم اليرموك
عبد الوهاب بدرخان (كاتب ومحلل سياسي لبناني) عن الشرق القطرية
كانت صدمة مروّعة لفلسطينيي مخيم اليرموك أن تُقصف «عاصمة الشتات» –كما كرّسوا مخيمهم– بطائرات «نظام الممانعة»، فيما كانوا يظنون أنهم، حيث هم، بمأمن حتى من طائرات العدو الإسرائيلي، بضعة أجيال توالت وتوالدت في هذا المخيم، وشهدت توسع العاصمة الذي ما لبث أن غزاها فجاء السوريون يشاركونهم العيش في شتاتهم، ثم فاقوهم عدداً، وتكاثرت من حولهم مدن «ريف دمشق»، ولم يكن أحداً يتوقع أن الشعب سيثور على النظام، وأن المخيم سيجد نفسه في قلب العاصفة، رغم أن الاحتقان الاجتماعي كان حقيقة يومية يعيشها الجميع.
أراد الفلسطينيون أن يحافظوا على حيادهم، لم ينسوا أنهم ضيوف ولاجئون، صحيح أن مساواتهم بالمواطنين السوريين أقرها قانون خاص منذ 1956، وأن الرعاية والالتحام الشعبيين تجاوزا هذا القانون وكانا أقوى منه، إلا أن الثورة ما لبثت أن فرضت حقائقها وواقعها.
اعتبر الفلسطينيون على الدوام أنهم مدينون بأمنهم وأمانهم إلى الحكم القائم الذي عاملهم، قبل البعث ومعه بشيء من الخصوصية، لكن التعددية التي تميزوا بها، وتمثلت بتوزعهم على الفصائل المختلفة، لم تكن لتلقى قَبولاً من النظام البعثي إلا بمقدار ما تكون تلك الفصائل متكيفة ومنسجمة مع إرادة النظام وسياساته؛ أي إن «قاعدة المساواة» طبقت هنا أيضاً على أساس الولاء الكامل للسلطة، وعدم احترام ما تفترضه التعددية من حقوق وأعراف.
لذلك انعكست مصالحات النظام، أو بالأحرى خلافاته، مع قادة الفصائل على أنصارهم داخل المخيمات، ومنها خصوصاً مخيم اليرموك.
فالفتحاويون عانوا كثيراً بعد 1982 من الخصومة الحادة التي نشبت بين الراحلين حافظ الأسد وياسر عرفات، أغلقت مكاتبهم ومؤسساتهم، واعتقل كثيرون منهم، وأخيراً تعرض الحمساويون لمعاملة فظة بعد مغادرة قيادتهم، وجرى اغتيال المسؤول العسكري للحركة التي لم تشأ أن تلبي رغبات النظام بوجوب الجهر بالتأييد له، وفي المقابل ارتفعت أسهم «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» بزعامة أحمد جبريل، إذ أبدت انحيازاً كاملاً إلى النظام وتأييداً ناجزاً له. والواقع أن النموذج الذي وفره جبريل وعناصره هو ما يفهمه النظام بمناصرته ومؤازرته حتى لو اقتضى الأمر حمل السلاح ضد السوريين والفلسطينيين معاً، وقد برهنت الأحداث أخيراً أن المخيم لم يحتمل هذا النموذج، وما كان للنظام أن يعتمده أياً تكن مبرراته، ودلّت المساعي التي بذلت بعد القصف الجوي والنزوح الفلسطيني أن الوضع الخاص للمخيم ربما ساهم في إنقاذه من الدمار وبتسهيل عودة النازحين تباعاً.
لعل هذا النزوح وضع نقطة النهاية لقصة «الممانعة» التي تنكر النظام السوري بها لفترة طويلة جداً، ولم يكن يصدقها سوى أولئك المقيمون في مخيمات اللجوء، خصوصاً في سوريا؛ لأنهم محكومون بالتشبث بأي أمل، وهناك أيضاً من يرفدهم في المجتمع الفلسطيني، كما في بعض المجتمعات العربية، تحديداً في البيئات القومية وبعض اليسار، وقد شكل هؤلاء المصدقون لـ»الممانعة» فئة مساندة للنظام، ولم يلفتهم أن الشعب السوري نفسه لم يبد آخذا «الممانعة» في الاعتبار في موقفه من النظام وعنفه الدموي، تحرر السوريون من هذه الكذبة، ويبقى أن يتحرر الآخرون الذين يفاجئون محاوريهم بترديد روايات النظام عن «العصابات المسلحة الإرهابية»، أو بالقول إن سوريا تتعرض لمؤامرة، وإن النظام وحده يستطيع إحباطها، وصولاً حتى إلى القول إن ما حصل أيضاً في تونس ومصر وليبيا واليمن هو من نسيج هذه المؤامرة.
للأسف، كان يجب أن يبلغ النزاع السوري مخيم اليرموك لينهار هذا الوهم، رغم أن الفلسطينيين هناك لم يرتكبوا أي خطأ في النأي بالنفس عن القتال الدائر، ولو أخذت الأمور بطبائعها ومنطقها السوّي لأمكن تخيلهم في صفوف الشعب الثائر، لكن تحييدهم أنفسهم كان الموقف السليم الذي وإن تفهمه هذا الطرف وذاك، إلا أن احتدام المعركة وبلوغها نهاياتها يحولان دون ترجمة هذا التفهم على أرض الواقع، وينبغي الاعتراف أن الوضع الذي وجد الفلسطينيون فيه أوقعهم في اختبار صعب، وقد يغدو أكثر صعوبة في المرحلة المقبلة إذا انفتح سقوط النظام على مرحلة فوضى عارمة واقتتال أهلي، كان محزناً التعرف إلى بعض حالات النازحين إلى لبنان، إذ قال بعضهم إنه يحمل مفتاحين؛ واحداً لبيته الذي استولى عليه الإسرائيليون، وآخر لبيته الذي تركه وراءه في مخيم اليرموك، والأكثر مضاضة أن بعض الأصوات في لبنان لم تكن مرحباً، بل استعاد النعرات العنصرية التي استشرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية، مع فارق أن هذه الأصوات تغيرت وجاء كلامها انطلاقاً من تبعيتها للنظام السوري، وكأن الفلسطينيين هم الذين سعوا إلى هذا النزوح!
يؤمل رغم كل شيء أن تفلح المساعي في إعادة النازحين إلى مساكنهم، وألا تكون التفاهمات على مخيم اليرموك مشابهة لتلك التي تمت سابقاً في الزبداني ومناطق أخرى حين تنسحب قوات النظام وفقاً لاتفاق موضعي ثم تعود فتجدد هجماتها، خصوصاً أن موقع المخيم مهم للطرفين في صراعهما على قطع منطقة مطار دمشق عن التجمعات الأخرى لقوات النظام، لذلك لا يبدي النازحون استعجالاً للعودة قبل أن تنجلي الأوضاع، ولا شك في أن النظام يحاول رصد ما يمكن أن يستفيده من نزوحهم الذي يعني بالنسبة إليه إذكاء لتداخل أزمته مع المحيط الإقليمي، لكن مثل هذه الحسابات البائسة لم تعد لتفيده شيئاً طالما أنه يخسر في الداخل، ولم يعد يقاتل لاستعادة سيطرته، وإنما لتأكيد نيته تدمير المدن، كان بإمكانه أن يكون مبادراً لرعاية خصوصية الفلسطينيين ومخيماتهم طالما أنهم منضبطون، ولو فعل لكانت المعارضة التزمت ذلك أيضاً، أما اللجوء إلى «جماعة جبريل»، فكان إشارة عبثية أسقطت قناعاً آخر من أقنعة النظام.

النزوح الفلسطيني من سوريا
صالح عوض عن الشروق الجزائرية
أكثر من ألف قتيل فلسطيني وآلاف الجرحى ومئات البيوت المهدمة وتهجير الآلاف في اتجاهات عديدة ولايزال المجهول من الاحتمالات قائما ويدق بعنف على باب المخيمات المنتشرة عبر التراب السوري.
عاش الفلسطينيون اللاجئون في سوريا عشرات السنين حياة كريمة ولم ينظر إليهم في حال من الأحوال الا باعتبارهم إخوة لهم كامل الحقوق على التضاد تماما مماا يحصل مع إخوانهم اللاجئين في لبنان.. الا انهم ومنذ اشهر عدة دخلوا في الدوامة التي تهدد أمنهم، بل ووجودهم في سوريا.
وبعيدا عن تفصيلات ما يحصل على ارض مخيم اليرموك في دمشق وسواه من المخيمات الفلسطينية الأخرى في سوريا كان لابد ان يحفظ الفلسطينيون الدرس كاملا بأنه في حين اندلاع صراع محلي او اقليمي على الفلسطينيين، بالذات السياسيين، ان يتجنبوا ساحة التصارع وان لا يبدو اي انحياز لأي قوة اقليمية او محلية.. فلقد كانت تجربتهم في لبنان والعراق وسواهما مأساوية.
سياسيا من الواضح ان هناك التزاما وضبط نفس فلسطيني في التعامل مع ما يحدث في سوريا ويكبت الفلسطينيون السياسيون رأيهم ولا يبدون من مواقفهم شيئا لعلهم يجنبون اهلهم في سوريا الزج بهم في معركة مجنونة.
صحيح ان هناك مواقف خرجت عن السياق الفلسطيني بقدر او بآخر، فلا يمكن اعتبار موقف احمد جبريل أمين عام الجبهة الشعبية القيادة العامة الا انحيازا سياسيا وعمليا جليا للنظام السوري، كما كان على الجبهة الأخرى مواقف سياسية لبعض قيادات في حماس لا سيما رئيس مكتبها السياسي الموجود بقطر تظهر تضادا مع النظام السوري.. دون ذلك لم يتورط الفلسطينيون في الأزمة السورية.
وهناك مشكلة حقيقية لدى الأحزاب والأنظمة في المشرق العربي تكمن في اصرارها على الزج بالفلسطينيين في قضايا اختلافاتها الإقليمية والمحلية.. وذلك إدراكا منهم بالمستوى السياسي الذي يحققه انحياز الموقف الفلسطيني.. ولا يقبل طرف من الأطراف حيادا فلسطينيا في الصراعات لمحلية، ويكون هذا محل ابتزاز ومساومة مستمرة.
الآن وبعد ان وقع في المخيمات الفلسطينية في سوريا ما وقع يصبح على الجميع تثبيت صيغة حيادية وتقع المسؤولية هنا بداية على قيادات العمل الفصائلي الفلسطيني، كما على النظام السوري والمجموعات المسلحة.. ويستدعى لذلك ايضا الموقف العربي الرسمي والأمم المتحدة ووكالة غوث اللاجئين.
ان الموقف الرسمي الفلسطيني يتحلى بالمسؤولية اللازمة تجاه الأزمة الفلسطينية وينبغي ان لا تنتظر الأطراف السورية موقفا غير منحاز وان تترك الفلسطينيين في مأساتهم ونكبتهم ومخيماتهم.. فمن غير المقبول ان تختبئ المجموعات المسلحة في بيوت المخيم وبين المدنيين من اهله.. كما انه غير مقبول ان تقصف الطائرات السورية العسكرية المخيمات موقعة ضحايا ومتسببة في تهجيرهم.



فلسطينيو "الكنيست" شر لا بد منه
مأمون كيوان عن دار الخليج
أثارت مسألة تمثيل فلسطينيي 1948 في الكنيست عبر أعضاء منهم ينتمون إلى أحزاب فلسطينية خالصة أو قوائم عربية - يهودية أو أحزاب صهيونية، جدلاً عن جدواها لدى كل من فلسطينيي 1948 و”الإسرائيليين”، وعلى نحو خاص لدى النخبة السياسية “الإسرائيلية” .
وقد جردت حملات معادية لأعضاء الكنيست العرب الفلسطينيين لم تقتصر على الحد من إمكانات ممارسة واجبهم بشكل كامل، ووضع العراقيل أمام محاولاتهم لتحصيل مطالب السكان العرب، بل طالت، حقهم في التّعبير عن موقف سياسي .
وتمثلت بداية الحملة الجديدة في اتخاذ لجنة الانتخابات “الإسرائيلية”، بموافقة 19 عضواً من أعضائها ومعارضة 9 أعضاء وامتناع عضو واحد، قراراً منعت بموجبه عضوة الكنيست عن حزب التجمع الوطني الديمقراطي حنين زعبي من المنافسة في انتخابات الكنيست المقررة في 22 يناير/ كانون الثاني المقبل . وذلك بحجة عدم الأهلية ولتطرف تصريحاتها وأفعالها المنحازة ضد “إسرائيل”، ومنها مشاركتها في سفينة مرمرة لفك الحصار عن قطاع غزة .
وسيعرض قرار لجنة الانتخابات المركزية على محكمة العدل العليا للمصادقة عليه أو إلغاؤه . وكانت اللجنة المذكورة قد رفضت بأغلبية 17 عضواً مقابل ،3 وامتناع اثنين، شطب قائمة “عوتسما ليسرائيل” للكنيست ال19 لكون أعضائها يحرضون على العنصرية، حسب ما تضمنه طلب شطبها الذي قدم من قبل التجمع الوطني الديمقراطي والجبهة الديمقراطية وهيئة مكافحة العنصرية . كما رفضت لجنة الانتخابات المركزية شطب القوائم اليهودية الحريدية بسبب استبعاد النساء من قوائم المرشحين فيها .
يذكر أنه في سجل الحملات السابقة ضد أعضاء الكنيست العرب الفلسطينيين رفض طلب أحمد الطيبي الدخول إلى لجنة الدفاع في الكنيست من قبل أعضاء الكنيست اليمينيين الذين اتهموا الطيبي بالعمل على دخول هذه اللجنة ليكون ممثلاً لرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات . كما مُنع الطيبي من متابعة كلمته في إحدى جلسات الكنيست، لأنه قال احتجاجاً على القمع “الإسرائيلي” للانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة وقتل خمسة من رجال الشرطة الفلسطينية عند حاجز بيتونيا: “إن رئيس الأركان شاؤول موفاز فاشي وقاتل أطفال ومسؤول عن قتل رجال الشرطة الفلسطينيين الخمسة بدم بارد” .
أما رئيس الحكومة الأسبق أرييل شارون فقاد حملة سياسية ضد أعضاء الكنيست العرب وطالب بكم أفواههم وتقييد حرية التعبير لديهم . وفي أثناء ذلك تلقى عضو الكنيست أحمد الطيبي عشرات التهديدات الطائفية بقتله، ما اضطر رئيس الكنيست أبراهام بورغ إلى تعيين حارسين مسلحين لا يفارقان الطيبي على مدار اليوم، بما في ذلك داخل الكنيست وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الحياة السياسية في “إسرائيل” .
وكانت الكنيست قد ناقشت بكامل هيئتها قضية لقاء أحمد الطيبي ومحمد بركة مع نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عبدالرحيم ملوح في سياق زيارة قاما بها إلى مدينة رام الله قابلا فيها رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، حيث هاجم وزراء الحكومة والأحزاب الصهيونية اليمينية أعضاء الكنيست العرب وشبههم الوزير عوزي لا نداو ب”النازيين” .
وثارت عاصفة كلامية في الكنيست في 14/11/2001 بعد أن اتهم وزير الأمن الداخلي عوزي لانداو خلال رده على اقتراح تقدم به عضو الكنيست هاشم محاميد بشأن حقوق المعتقلين الفلسطينيين ، عدداً من أعضاء الكنيست العرب بأنهم عملاء للسلطة الفلسطينية داخل الكنيست في حربها ضد “إسرائيل” . الأمر الذي استدعى من أعضاء الكنيست محمد بركة وعصام مخول وأحمد الطيبي وصف كلام لانداو بالتحريض العنصري وطالبوه بالتراجع عن أقواله، وطالب مكسيم ليفي من “غيشر” بطرد الأعضاء العرب من الكنيست بالقوة . وقبل حصوله للمرة الثانية على عضوية الكنيست أثار عزمي بشارة مسألتين في الوسط السياسي - الحزبي “الإسرائيلي”: الأولى تتعلق بمسألة جدوى استمرارية الطابع اليهودي للدولة في “إسرائيل”، الأمر الذي دفع بالوزير بلا وزارة ميخائيل إيتان إلى الدعوة إلى حظر حزب التجمع الديمقراطي الذي يقوده بشارة . وتمثلت المسألة الثانية بترشيح نفسه (عزمي بشارة) لانتخابات رئاسة الحكومة لمنافسة بنيامين نتانياهو وإيهود باراك بصفة رئيسة ومرشحين آخرين مثل: اسحق مردخاي وبنيامين بيغن .
وفي أعقاب استقالة عزمي بشارة من الكنيست شن أعضاء الكنيست اليهود وعلى اختلاف انتماءاتهم الحزبية، اليمينية واليسارية، حملة معادية لعموم الأعضاء العرب في الكنيست . وكان في مقدمة هذه الحملة عضو الكنيست عن حزب “كديما” أوثنيل شنيلر، الذي قال: “لم تتمنّ دولة “إسرائيل” هديّة أفضل من استقالة عزمي بشارة في عيد ميلادها ال 59”، وطالب النائب عن حزب “الليكود” يوفال شتاينتز “إسرائيل” أن تفكر في إلقاء القبض عليه وإحالته إلى القضاء بتهم مختلفة بما في ذلك خيانة الدولة . وعلق رئيس حزب المفدال، زفولون أورليف، بالقول “جيد أن بشارة أدرك أن مكانه في السجن لا في الكنيست” . ورأى باروخ مارزيل، رئيس “الجبهة اليهودية القومية”، وهي حركة يمينة متطرفة غير برلمانية، أن “استقالة بشارة من الكنيست قبل إقالته تمثّل شهادة تعاسة ل”إسرائيل”، ولو كنا دولة طبيعية، لما كان بشارة وزملاؤه يجلسون في الكنيست، بل يخضعون للمحاكمة” .
يذكر أنه اندلعت مواجهة صاخبة بين رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان ورئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي، جمال زحالقة، في أثناء جلسة لجنة المعارف في الكنيست، حيث واصل ليبرمان تحريضه على القادة الفلسطينيين في الداخل، وطالب بعدم الاعتراف بلجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية . وهاجم ليبرمان زحالقة بقوله: “سأخرج بحملة صليبية ضد من يتعاون مع حزب الله وحماس . وأنتم طابور خامس، أنتم تخونون دولة “إسرائيل” . سنعمل على أن تصل إلى مكانك الملائم” .
وما سبق تقديمه من أوضاع أعضاء الكنيست العرب يوضح أن “الديمقراطية الإسرائيلية” تحجب عن النواب العرب أدنى حقوقهم وتضعهم على سكة الطرد أو الترانسفير الإرادي أو القسري من الكنيست .


الفلسطينيون ومحنة الشتات
الحسين الزاوي عن دار الخليج
يعيش الفلسطينيون أوضاعاً إنسانية مزرية منذ إصدار الأمم المتحدة قرارها المشؤوم القاضي بتقسيم فلسطين التاريخية، حيث قامت قوات الاحتلال الصهيوني بقتل وتشريد آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في الأراضي المحتلة سنة 1948 التي شهدت أحداث النكبة مع إعلان قيام دولة “إسرائيل” . وتضاعفت معاناة الشعب الفلسطيني بعد هزيمة حزيران ،1967 التي أفرزت نتائج مدمرة بالنسبة إلى كل المواطنين الفلسطينيين بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وبات واقع الجاليات الفلسطينية منذ ما يقارب 50 سنة خلت، خاضعاً للحسابات القطرية والإقليمية الضيقة للدول العربية، حيث إن أوضاعها كانت تسوء كلما اندلعت صراعات داخلية في الدول التي تحتضن مخيماتهم، ووجد الفلسطينيون أنفسهم ضحية لصراعات وتوازنات سياسية هشة على مستوى محيطهم العربي الذي كان ومايزال خاضعاً لصراعات متناقضة تتحكم فيها قوى دولية كبرى .
وقد مثلت أحداث بيروت سنة 1982 منعطفاً مأساوياً في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، وأسهمت التداعيات المترتبة عن حصار الفلسطينيين في عاصمة الأرز إلى مزيد من المعاناة والقتل والتشريد، كما دفع الفلسطينيون من جراء التطورات اللاحقة على مستوى المشهد السياسي العربي، ثمناً باهظاً نتيجة لموقفهم السياسي من غزو صدام حسين الكويت . وأصبحوا بعد ذلك بفترة وجيزة فريسة سهلة للمجموعات الطائفية في العراق، بسبب الأوضاع الجديدة المترتبة عن الغزو الأمريكي لبلاد الرافدين . ونلاحظ أن هناك من يريد أن يزجّ بهم الآن، في تفاصيل الصراع الدامي الذي تشهده سوريا، فقد أدت الاشتباكات الأخيرة التي عرفها مخيم اليرموك بدمشق، إلى نزوح عدد كبير من الفلسطينيين الذين وجدوا أنفسهم يدفعون مرة أخرى ثمن حرب ليست حربهم . وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن تؤدي تطورات الأحداث في سوريا إلى التأثير بشكل سلبي في أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن على حد سواء، لأن الصراع السوري إذا ما قُدر له أن يمتد إلى دول الجوار، فسيمثل الفلسطينيون الحلقة الأضعف التي ستسعى كل القوى المتصارعة إلى النيل منها، وصولاً إلى تجريدها من حقها في الدفاع عن نفسها، وتحديداً في لبنان الذي مازالت الدولة فيه عاجزة عن تحصين أجهزتها الأمنية ضد الاختراقات المتعددة التي تقف وراءها بعض القوى الخارجية والداخلية .
ولأن الفلسطينيين أصبحوا يجسدون بتضحياتهم المتتالية، الجرح الغائر للزمن العربي الراهن، فإن معاناة ومحنة الشتات الفلسطيني لم تقف عند هذا الحد، فقد تقطعت السبل بآلاف الفلسطينيين في ليبيا نتيجة الصراع المسلح بين المجموعات التابعة لثوار 17 فبراير من جهة، وكتائب القذافي من جهة أخرى . ودفعت الجالية الفلسطينية في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ثمناً مضاعفاً بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر ،2001 بسبب افتقار الفلسطينيين إلى دولة مستقلة وذات سيادة، قادرة على الدفاع عن حقوقهم المشروعة .
لقد تحوّل التاريخ الفلسطيني المعاصر إلى عنوان بارز للنكبات وللقتل والتشريد في مخيمات الشتات، ومازال المجتمع الدولي غير قادر حتى الآن على ضمان حق العودة إلى الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، وحتى اتفاقات أوسلو التي أبرمتها السلطة الفلسطينية مع الجانب “الإسرائيلي”، لم تسمح إلا لعدد قليل من الفلسطينيين بالعودة إلى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة . ومن ثمّ فإن ما يزيد من قلق الفلسطينيين، هو أن التطورات الأخيرة لمسار الأحداث في المنطقة العربية لا يبشر بقرب انفراج الأوضاع، لأن ملف اللاجئين الفلسطينيين لا يمثل أولوية كبرى بالنسبة إلى القوى الإقليمية أو الدولية المعنية بقضية الصراع في الشرق الأوسط .
من الواضح بناءً على كل ما تقدم، أن الشعب الفلسطيني بات في حاجة إلى أكثر من مجرد دولة رمزية مقطعة الأوصال، لأن الفلسطينيين الذين ضاقت بهم الأرض العربية بما رحبت، في حاجة ماسة إلى كيان سياسي قوي وكامل السيادة على كل حدوده التاريخية، حتى يتمكن من استيعاب كل أبنائه الذين يفترشون تراب مخيمات المعاناة والبؤس، في اللحظة التي يشيّد فيها غلاة المستوطنين القادمين من كل أصقاع العالم، دولة عنصرية تحرمهم حتى من حقهم في الموت فوق تراب الآباء والأجداد .



أكذوبة الديمقراطية "الإسرائيلية"
بركات شلاتوة عن دار الخليج
الديمقراطية مفهوم شامل يبنى على أسس من العدل والمساواة وتقبل الآخر والحرية وتداول السلطة، والأهم من ذلك أن تكون الديمقراطية ممارسة وأسلوب حياة لا تعاليم جامدة في دساتير الدول وقوانينها، كون الكثير من مدعي الديمقراطية يفشلون في أبسط اختباراتها إذا ما تطلّب الأمر النزول من الشعارات “الأفلاطونية” والتغني بها إلى ممارستها عملياً على أرض الواقع .
في “إسرائيل” التي تسوّق نفسها على أنها “واحة للديمقراطية” تنكشف أكاذيب وزيف هذه التوصيفات لدى تسليط الضوء على عدد من القضايا الداخلية فيها، بعيداً عن ممارساتها وعدوانها ضد الفلسطينيين والمحيط العربي، وبعيداً عن كونها دولة احتلال قامت على اغتصاب أرض شعب آخر وهجرته في أصقاع الأرض .
آخر الممارسات “الإسرائيلية” التي تعري كذبها وتفضح تضليلها وزيف سياساتها حملة التضييق التي تتعرض لها القناة العاشرة الخاصة، التي تواجه صعوبات مالية ويتهددها عدم تجديد ترخيصها من قبل السلطات، بسبب المواضيع التي تتطرق إليها ونشرها تحقيقات تكشف فساد الحكومة، ومنها تحقيق حول فساد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لذا رفضت الحكومة و”الكنيست” إنقاذها مالياً أو تجديد ترخيصها الذي أقر مؤخراً بعد الحملة التي شنتها القناة .
بعض المفتونين ب”الديمقراطية الإسرائيلية” يخرجون علينا بالنظر إلى الشق الأول من الموضوع ونسيان الشق الثاني، فيدعون أن مجرّد بث التحقيقات يمثّل مساحة من الحرية تتمتع بها “إسرائيل”، مع أن الواقع يثبت أن “إرخاء الحبل” للإعلام هدفه ترويج تلك الأكاذيب والتضليل بأن هناك مساحة من الحرية لوسائل الإعلام .
والحكمة تقول إن فاقد الشيء لا يعطيه، و”إسرائيل” غير شرعية في وجودها، فكيف لها أن تكون ديمقراطية بعد أن قامت على جثث الفلسطينيين وسرقة تاريخهم وأحلامهم .
ويتعزز ما نذهب إليه بالعودة بالذاكرة إلى الوراء لنرى كيف أن “واحة الديمقراطية” قامت بإراقة دم المستقدمين الإثيوبيين بعد حملة للتبرع بالدم، وذلك لخشيتها من تلويث دم “السادة اليهود” بدماء هؤلاء “العبيد الأفارقة”، وكيف أتمت جريمتها بقمعهم وسحلهم في الشوارع بعد أن احتجوا على هذا النهج العنصري .
وعلى مستوى آخر ومن خلال تتبع تاريخ “إسرائيل” منذ إنشائها على أرض فلسطين، يتكشّف أن أياً من اليهود الشرقيين “السفرديم” لم تكن لديه فرصة في تسلم مراكز قيادية عليا، واقتصرت وظائفهم على صغار المسؤولين على المستويين السياسي والعسكري، حيث يلقى بالدروز و”الأغيار” الذين يخدمون في جيش الاحتلال على الحدود فوق الرمال اللاهبة وفي المناطق الساخنة، فيما ينعم ذوو الأصول الغربية “الأشكيناز” بالثكنات المكيّفة وإعطاء الأوامر .
وللتذكير فإن آخر قراراتها، منع الناشطة الفلسطينية من أراضي ال48 حنين زعبي من خوض انتخابات “الكنيست” بذريعة أنها مناهضة ل”إسرائيل”، خاصة مشاركتها في “أُسطول الحرية” الذي سعى لكسر الحصار “الإسرائيلي” المفروض على قطاع غزة عام ،2010 وشهد عدواناً صهيونياً دموياً عليه في المياه الدولية، أسفر عن استشهاد 9 أتراك .
نعم “إسرائيل” قشورها ديمقراطية، لكن في حقيقتها تفيض عنصرية وقهراً وعدواناً وظلماً .


الإخوان وأمريكـا
د. حسن حنفى عن الزمان العراقية
سرت شائعات روجت لها أجهزة الإعلام المقروءة والمرئية على التعاون الخفى بين الإخوان وأمريكا قبل الثورة المصرية فى يناير 2011 وبعدها وحتى الآن. فقد كان الحوار بينهما قائما قبل سقوط النظام السابق لرغبة أمريكا فى البحث عن سند شعبى لأنظمتها التسلطية المتحالفة معها، حفاظا على هذا التحالف، وخوفا على هذه الأنظمة من السقوط. والإخوان هم أوسع القواعد الشعبية انتشارا ثم الوفد. فلو أن النظام السابق تحالف مع الإخوان والوفد لضمنت أمريكا بقاء النظام بعد أن وردت إليها التقارير بقرب سقوطه. وقد غضب رأس النظام السابق من هذه المحاولات للحوار بين أمريكا وخصومه السياسيين. وحذرهم إن هى تخلت عنه إما أنا أو الإخوان ولمزيد من التخويف إما أنا أو القاعدة ، إما أنا أو الفوضى كما هو الحال فى الصومال وهو لا يعرف الفرق بين مصر الدولة والصومال القبيلة. فقد يحكم مصر بعقلية القبيلة أو العشيرة كما حكم الرئيس المقتول قبله مصر باسم العائلة كبير العائلة أو الطائفة مسلمون وأقباط مثيرا للفتنة الطائفية التى لم تعرفها مصر الا ورقة بيد الاستعمار لاحتلال مصر دفاعا عن الأقليات. واستمر هذا التعاون بعد سقوط النظام وأثناء مرحلة التحول الديموقراطى التى كانت مفتوحة لكل القوى السياسية كى تحصل على جزء من نصيبها من مكاسب الثورة حتى قبل أن تتحقق أهدافها. وربما قوى هذا التعاون بعد نجاح الإخوان فى الانتخابات والاستفتاءات التى تمت بعد الثورة، وحصولهم على الأغلبية فى المجالس النيابية وفى اللجنة التأسيسية لوضع الدستور الذى سيقوم عليه النظام السياسى فى مصر لعدة عقود قادمة حتى أصبح الإخوان فزاعة للعلمانيين فى الداخل والخارج. وبصرف النظر عن هذه الشائعات أو الروايات أو الافتراضات فإن التحقق من صدقها واجب على المفكر الموضوعى المحايد والمتعاطف مع كل الحركات الوطنية فى مصر، بصرف النظر عن أيديولوجياتها السياسية. مهمته البحث عن الأدلة أو الأدلة المضادة. فالبينة على من ادعى، واليمن على من أنكر.
فماذا يعنى التعاون بين الإخوان وأمريكا؟ هل هو الحوار الواجب بين القوى السياسية فيما بينها أو بينها وبين الخارج؟ هل هو التفاهم لمعرفة كل طرف ماذا يريد الطرف الآخر، وإزالة الشبهات عنه، والتمييز بين ما هو حقيقى وما هو من صنع الإعلام؟ هل هذا التحالف بصرف النظر عن المبادئ؟ والتحالف بهذا المعنى خيانة للثورة واستمرار لسياسة النظام السابق للاستقواء بأمريكا على الداخل فى حالة قيام ثورة ثانية ضد من استولى على السلطة فى الثورة الأولى حتى لو أتى بانتخابات حرة تعبر عن إرادة الشعب؟ هل هو تفاهم وقتى على مصالح حاضرة أم هو تفاهم استراتيجى دائم بصرف النظر عن مصالح مصر وأمنها القومى؟ هل هو اتفاق مصالح فى الظاهر، واختلاف فى العمق أم اتفاق مصالح فى العمق، وخلاف فى الظاهر؟ هل هو اتفاق نفعى برجماتى أم اتفاق أيديولوجى فى رؤية العالم؟ هل هو تبادل منافع فى لحظة تاريخية معينة طبقا لضرورات متغيرة أم هو اتفاق جذرى، وزواج كاثوليكى لا طلاق فيه فى حين أن الزواج الإسلامى يحتمل الطلاق أكثر من مرة حتى ولو كان أبغض الحلال عن الله بحيث لا يتجاوز ثلاثة مرات. وقد جربت مصر الزواج بأمريكا قبل 1952 ثم فى عهد الرئيس المقتول عندما شرع بأن 99 من أوراق اللعبة بيد الولايات المتحدة، والمرة الثالثة فى عهد الرئيس المخلوع الذى أيدها فى صداقتها لإسرائيل وعدائها لإيران فى مقابل تأييد استبداده وفساده. والآن هو طلاق بائن لا يجوز الزواج بالولايات المتحدة من جديد إلا إذا جربت تحالفا آخر ربما يكون مع النفس أولا ومع العرب ثانيا ومع إيران وتركيا ثالثا وبالتالى يتحول إلى زواج دائم لا حاجة إلى العودة إلى الزواج الأول كما هو الحال فى طلاق سعاد هانم .
إن التناقض بين الإخوان والولايات المتحدة الأمريكية تناقض جوهرى مثل التناقض بين الاشتراكية والرأسمالية، بين الديموقراطية والاستبداد، بين التحرر والاستعباد. هما نقيضان. وهذا لا يمنع من تفاهم النقيضين كما هو الحال فى قانون الجدل، بين الموضوع ونقيضه. إذ لا ينفى أحدهما الآخر. التحدى هو إيجاد المركب بين الموضوع ونقيضه كما حاولت مصر والهند ويوغوسلافيا فى أوائل الستينيات فى حلف مجموعة عدم الانحياز وتأسيس كتلة العالم الثالث التى تمثل ثلاثة أرباع العالم فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. لقد اتهم الإخوان من قبل وحتى الآن بأنهم أصحاب تحالفات، وليسوا أصحاب مبادئ. وربما فرضت الظروف ذلك حتى يقل تعذيبهم ومطاردتهم ووضعهم فى السجون. اتهم الإخوان بأنهم كانوا ممالقين للقصر قبل ثورة يوليو 1952، وأن حسن البنا بعد زيارته للملك فاروق أعلن أنها زيارة كريمة لملك كريم . ولم يكونوا جزءا من لجنة الطلبة والعمال فى 1946. فهم ليسوا فقط جماعة سياسية تشارك فى النضال الوطنى بل هى ايضا جماعة تريد أن تعيش وتستمر. ومع ذلك حدث لها ما حدث. فقد استشهد زعيمها ومؤسسها حسن البنا فى 1949 بتآمر الإنجليز والقصر. كما اتهم الإخوان بأنهم الجناح العسكرى لمصر الفتاة التى كان لديها تنظيمها الخاص، القمصان الخضر. وكلاهما يؤمنان بالعنف. وكانوا على صلة بالضباط الأحرار منذ 1948 فى فلسطين. وكان جزء كبير من الضباط الأحرار ومن مجلس قيادة الثورة من الإخوان. وقد اتهموا بعد اندلاع الثورة بأنهم على صلة بالأمريكيين ربما لمساعدتهم على إخراج الإنجليز من مصر قبل أن تحدث القطيعة بينهما بعد عقد انفاقية الجلاء بين مجلس قيادة الثورة وبريطانيا على الجلاء على أن يعودوا إلى مدن القناة ومطاراتها فى حالة الضرورة القصوى. ثم خرجوا من السجون فى 1956 لدرء العدوان الثلاثى على مصر والدفاع عن بورسعيد. وأعدم سيد قطب شنقا فى 1966 بتهمة تأسيس تنظيم سرى وهو فى السجن للانقلاب على الثورة. ثم أخرجهم الرئيس المقتول من السجون ليسا حبا فيهم ولكن لاستعمالهم ضد خصومه الناصريين والماركسيين واليساريين الذين عارضوا سياسة الانفتاح الاقتصادى، وقوانين الاستثمار، والارتماء فى أحضان أمريكا، والقطيعة مع العرب بعد زيارة القدس تحت الاحتلال فى 1977، واتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل فى 1978، ثم اتفاقية السلام فى 1979 التى جعلت سيناء منزوعة السلاح منقوصة السيادة، وبداية التطبيع مع العدو الصهيونى والأراضى العربية فى الضفة والجولان مازالت ترزخ تحت الاحتلال. ثم استمروا فى السجون طول عهد الرئيس المخلوع صاحب الحلف الدائم مع الولايات المتحدة الأمريكية واستمرار التطبيع مع العدو الصهيونى مادام يقبض الثمن بنهب المال العام هو وأسرته وحاشيته. واستعملهم فزاعة لتخويف أمريكا. فكانوا هم الذين تحملوا العبء الأكبر فى معارضة نظامه.
بين الإخوان وأمريكا هناك تعارض جوهرى وتناقض جذرى على المستوى الأيديولوجى وتصور العالم. فللإخوان تصور مركزى للعالم. لا يقبل المساومة أو التحالف مع تصورات مركزية أخرى. فالإسلام آخر الأديان الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ . الإنسان خليفة الله فى الأرض وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ وهو ما عبر عنه المودودى وسيد قطب باسم الحاكمية. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وفى مرة ثانية الظَّالِمُونَ ، وفى مرة ثالثة الْفَاسِقُونَ . فالإخوان ترفض أى سلطة فى العالم غير سلطة الله. وهم الذين يمثلونها. ولأمريكا أيضا تصور مركزى للعالم. فهى التى تمثل القوة والثروة الأولى فى العالم. لا تقبل إلا سلطانها على الأرض وترفض أى سلطان آخر غير سلطانها. لذلك انقسم العالم قسمين المعسكر الرأسمالى بقيادة أمريكا، والمعسكر الاشتراكى بقيادة الاتحاد السوفيتى. وعاش العالم قبل انهيار المعسكر الاشتراكى عصر الاستقطاب ممثلا فى هذه القطبية الثنائية. والإخوان ترى أنه لا فرق بين الرأسمالية والاشتراكية. فكلاهما نظرة مادية للعالم. يمثلان قطبا واحد فى مقابل الإسلام كقطب آخر كما حدث أولا فى مواجهة الإسلام إمبراطوريتى الفرس والروم بعد أن ظن كلاهما أنهما اقتسما العالم قبل أن يخرج الإسلام كقطب جديد يرث القطبين القديمين. وكلاهما يستعملان العنف، أمريكا فى العدوان، والإخوان فى الجهاد فى درء العدوان وليس البداية به. كانت أمريكا هى البادئة بالعدوان فى أفغانستان ثم فى العراق وكانت الحركة الإسلامية هى التى بادرت بالدفاع. وكان الاتحاد السوفيتى هو البادئ بالعدوان على الجمهوريات الإسلامية فى أواسط آسيا بعد الثورة الاشتراكية فى 1917 ثم فى أفغانستان فى 1979. وكانت الحركة الإسلامية الممثلة فى طالبان هى التى بدأت بدرء العدوان. ونفس التناقض الجذرى بين الإسلام والاستعمار هو نفس التناقض الجذرى بين الإسلام والصهيونية حول الخلافة فى الأرض. الإسلام يريد توحيد الأمة إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً والاستعمار بقيادة الولايات المتحدة تريد تجزئتها كما فعلت مع دولة الخلافة الرجل المريض حتى أسقطتها.
العلاقة بين الإخوان وأمريكا إذن هى مثل العلاقة بين الملاك والشيطان، بين الله والطاغوت، بين الإيمان والكفر، بين الإسلام والجاهلية بلغة سيد قطب فى معالم فى الطريق الذى مازال يكوّن ذهنية الإخوان دون بديل له لأنه يعبر عن نفسية السجين. والإخوان مازالوا سجناء تاريخهم بالرغم من وصولهم إلى السلطة. فَلِمَ الشائعات التى لا أساس لها حول علاقة الإخوان العلنية أو السرية بأمريكا إلا إذا كان القصد هو تشويه الخصوم، وهو ما تفعله الأنظمة السياسية فى اتهام اليسار بعلاقته بالاتحاد السوفيتى؟ قد يكون القصد هو الإزاحة عن السلطة والإحلال محلها. وهو منطق التكفير والتخوين والفرقة الناجية الواحدة.
هذا ليس دفاعا عن الإخوان بل تبصرة لمزيد من الرؤية. وتذكرة لمزيد من الوعى التاريخى وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .

قنبلة الشيخ ياسر برهامى
حسن نافعة عن المصري اليوم
تتداول المواقع الإلكترونية منذ أيام تسجيلاً بالصوت والصورة للقاء عقده «ملتقى العلماء والدعاة» يوم 22 نوفمبر الماضى خصص لمناقشة مسودة الدستور الذى طرح مؤخرا فى استفتاء عام. وقد تحدث فيه الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، كاشفاً عن حقائق خطيرة أظن أنها كانت مجهولة لكثيرين، نجمل أهمها فيما يلى:
1- أن التيار السلفى هو الذى قاد بنفسه معركة تعديل المادة الثانية من دستور 1971 داخل الجمعية التأسيسية.
2- حين لم تنجح مساعيه الرامية إلى استحداث نص يقضى بأن «أحكام الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» محل نص قديم يقرر أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع»، أخذ على عاتقه مهمة اقتراح نصوص أخرى تؤدى نفس الغرض، آملا إدراجها فى مشروع الدستور، وبذل فى ذلك جهودا مضنية، كللت فى النهاية بالنجاح التام.
3- رأى الشيخ برهامى أن التفسير الذى قدمته هيئة كبار العلماء فى الأزهر الشريف لمصطلح «مبادئ الشريعة الإسلامية»، بناء على طلب ممثلى التيار فى الجمعية التأسيسية، وقضى بأن هذه المبادئ «تشمل الأدلة الكلية للشريعة الإسلامية وقواعدها الأصولية والفقهية» لم يكن كافياً أو مرضياً، وطالب بإضافة «ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، وهو نص تمت الموافقة عليه بعد جهود ومساومات مضنية.
4- كان من الصعب على التيار السلفى التسامح مع مطالب البعض بضرورة إطلاق الحقوق والحريات الفردية والعامة فى الدستور، ورأى ضرورة تقييد هذه الحقوق والحريات بالحدود بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، غير أن جهود التيار نجحت فى النهاية فى فرض نص حاكم يقضى بعدم جواز مخالفة الحريات والحقوق المتضمنة فى الدستور للمقومات الأصيلة للدولة والمجتمع، وهو نص فيه ما يطمئن وزيادة.
5- اضطر التيار السلفى للدخول فى مساومات مع ممثلى الأزهر الشريف فى الجمعية التأسيسية لضمان تمرير المواد المتعلقة بالشريعة الإسلامية، انتهت بإبرام صفقة قبل الأزهر بموجبها تفسير السلفيين لمبادئ الشريعة الإسلامية، مقابل موافقة التيار السلفى على إدراج نص فى مسودة الدستور يقضى بعدم قابلية شيخ الجامع الأزهر للعزل.
6- لعب الدكتور محمد سليم العوا دورا محوريا فى الجهود الرامية لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية حين نجح فى استبدال النص المعتاد فى جميع الدساتير الديمقراطية، والذى يقضى بأنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون»، بنص آخر فى مشروع الدستور المصرى يقضى بأنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص دستورى أو قانونى». وقد عبر الدكتور برهامى عن رضاه التام عن هذا التعديل لأنه يجعل من النصوص الدستورية التى تحيل إلى الشريعة الإسلامية أحكاما قابلة للتطبيق تلقائيا وملزمة للقاضى دونما حاجة إلى صياغة تشريعات جديدة.
ليس لدىّ علم بما إذا كان اجتماع «ملتقى العلماء والدعاة»، الذى تم فيه تسجيل حديث الشيح برهامى بالصوت والصورة وبثه بعد شهر من تنظيمه، مغلقا أم مفتوحا. غير أن الشىء المؤكد هو أنه باتت لدينا الآن وثيقة كاشفة لثلاث حقائق مهمة:
الحقيقة الأولى: أن المواد الملغومة فى مشروع الدستور الذى طرح مؤخرا فى استفتاء عام لم تكن حصيلة نقاش جرى فى وضح النهار بقدر ما كانت نتاجاً لمساومات وصفقات سياسية عقدت فى غرف مغلقة تحت جنح الظلام، وأن كل ما قيل عن مشاركة الشعب والرأى العام فى صياغته لم يكن سوى ستار كثيف من الدخان لإخفاء هذا العوار.
الحقيقة الثانية: أن لدى التيار السلفى خططاً ومشاريع أخرى خطيرة، وأن معركة الدستور ليست سوى بداية لسلسلة ممتدة من المعارك يتعلق بعضها بالأزهر الشريف. فقد أصبح من الواضح تماما أنه لن يهدأ لهذا التيار بال قبل أن يطيح بشيخ الأزهر ويسيطر على هيئة كبار العلماء فيه حتى يصبح له الكلمة العليا فى كل ما يتعلق بالشريعة الإسلامية.
الحقيقة الثالثة: أن القيادة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين، التى تعبر عن التيار المحافظ داخل الجماعة، أصبحت الآن أقرب فكريا إلى التيار السلفى المتشدد، ولم تعد تمثل التيار الوسطى الإصلاحى الذى كان يشكل التيار السائد داخل الجماعة حتى وقت كبير، وأن هذه القيادة حولت الجماعة إلى أداة سياسية طيعة فى يد التيار السلفى. وهذا تطور خطير قد تكون له انعكاسات سلبية هائلة على تماسك الشعب المصرى وعلى وحدته الوطنية بسبب نبرة طائفية واضحة باتت تطغى على خطاب التيار السلفى، خاصة أمثال الشيخ برهامى.
وقى الله مصر شر الفتن.


حجة دستور الجمهورية الرابعة فى فرنسا
إبراهيم عوض عن الشروق المصرية
لجأ عدد من المحلِلين السياسيين منذ الكشف عن نتيجة المرحلة الأولى للاستفتاء على مشروع الدستور إلى استعراض مقارن لنتائج الاستفتاءات على دساتير عدد من البلدان الديمقراطية، فى أوروبا بشكل خاص. هذا اللجوء إلى الاستعراض المقارن محمود ويشكر لمن قاموا به لسببين. السبب الأول هو أنه يبغى إدخال الطمأنينة على المصريين، فهو يؤكد لهم أن بلدهم العتيق محافظ على وحدته، وهو فى مأمن من الانقسام، حتى ولو انقسمت أصواتهم ومرَ الدستور بالكاد. أما السبب الثانى فهو يكمن فى نفس منطق المقارنة، لأن فيه تسليما بأن مصر مثل غيرها من البلدان، وشعبها مثل غيره من الشعوب، لا خصوصية له عندما يتعلق الأمر بتنظيم الحكم، وبالتالى بما للدولة من صلاحيات وما عليها من قيود، وبما يستبقيه الشعب لنفسه من حقوق، على الدولة حمايتها وعدم الافتئات عليها. هذا عن محاسن الاستعراض المقارن، أما عن فساد المقارنة والنتائج التى وصلت إليها فهى عديدة.
لم يتطرق المحلِلون المذكورون إلى فوارق جوهرية فى الحياة السياسية الفرنسية فى السنوات السابقة على صياغة الدستور الفرنسى لسنة 1946 عن الحياة السياسية المصرية ومواتها فى سنوات مبارك الأخيرة السابقة على صياغة دستور 2012، ولا إلى فوارق لا تقل أهمية فى عملية صياغة كل دستور منهما، ولا أخيرا إلى الفوارق فى أوجه الخلاف بين الموافقين والمعارضين لمشروعى الدستورين. فى النصف الأول من الأربعينيات من القرن الماضى، نشطت كل الاتجاهات والأحزاب الوطنية الفرنسية فى مقاومة الاحتلال النازى والمتعاونين الفرنسيين معه، أى أنها خاضت العمل الميدانى واكتسبت شرعيتها وشعبيتها من مقاومة النازى. هذه هى حالة الجنرال ديجول وأتباعه، من ناحية، وحالة الحزب الشيوعى الفرنسى والاشتراكيين، والديمقراطيين المسيحيين، وغيرهم، من ناحية ثانية. بعبارة أخرى، كانت الحياة الوطنية محتدمة عندما جرى انتخاب البرلمان فى أكتوبر 1945 واستفتى الشعب، وهو يقظ تمام اليقظة، على ما إذا كان يريد منح هذا البرلمان سلطات تأسيسية. بشأن خلفية صياغة دستور الجمهورية الربعة، من المفيد أيضا الإشارة إلى أن المرأة الفرنسية مارست لأول مرة حق الانتخاب بمناسبة تشكيل الجمعية التأسيسة الأولى، أى أن الاتجاه كان نحو التوسع فى حقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل، ولم يكن الاتجاه إلى التضييق على هذه الحقوق أو إلى التضييق فى الإفصاح عنها على أقل تقدير، وإلى إنكار مبدأ مساواة المرأة بالرجل، وهو ما يقع فى صلب العملية التأسيسية المصرية، وليس فى خلفياتها فقط.
الجمعية التأسيسية الفرنسية الأولى انعقدت الأغلبية المطلقة فيها لليسار، للحزب الاشتراكى وللحزب الشيوعى، وكانت القوة السياسية الثالثة بعدهما هى حركة الديمقراطيين المسيحيين. مشروع الدستور الذى رفضه الفرنسيون فى مايو 1945 كان قد اعتمد فى الجمعية التاسيسية بأصوات اليسار وحده، المزهو ببطولته الوطنية فى مقاومة النازى وبالتأييد الشعبى الواسع له، وبدون أصوات الديمقراطيين المسيحيين. أما الخلاف بشأن مشروع الدستور المرفوض فلم يكن حول الصلاحيات التى يوكلها الشعب للدولة ولا حول الحقوق التى يستبقيها لنفسه. الخلاف كان حول توزيع السلطات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وبشكل خاص حول صلاحيات مجلس الشيوخ. فى الجمعية التأسيسية الثانية، أصبحت الأغلبية النسبية للديمقراطيين المسيحيين، يليهم الشيوعيون ثم الاشتراكيون، واعتمد مشروع الدستور فى الجمعية الثانية بأصوات هذه المجموعات الثلاث معا، ووافق الشعب الفرنسى فى نهاية الأمر على المشروع بأغلبية 53 فى المائة من المصوتين. مشروع الدستور الموافق عليه عارضه الجنرال ديجول معارضة مطلقة، وهو استمر فى معارضته حتى بعد أن صار دستورا. المهم أن أوجه اعتراضه كانت هى نفس نقاط الخلاف التى أدَت إلى رفض المشروع الأول، أى توزيع السلطات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصلاحيات مجلس الشيوخ. لم يكن الخلاف بشأن قيم جوهرية بالنسبة للشعب الفرنسى، بل كان بشأن نظام الحكم وكفاءته وفاعليته. أين هذا من الخلاف الدائر فى مصر الآن؟ أما بشأن حقوق الإنسان، فتجدر الإشارة إلى الديباجة الواردة فى الدستور المرفوض فى مايو 1946، والتى وردت كما هى فى الدستور المعتمد فى أكتوبر 1946، ثم أدرجت دون أدنى تغيير فى دستور الجمهورية الخامسة قى 1958، وهو ما يعنى كله أن التوافق بشأن الديباجة كان تاما بين كل أطراف المجتمع الفرنسى فى النصف الثانى من الأربعينيات وفى الخمسينيات. هذه الديباجة فلسفية ووظيفية، جوهرها هو أن للإنسان حقوقا غير قابلة للتصرف، وأن العلاقة وثيقة بين حقوق الإنسان والمواطن، من جانب، وازدهار هذا الإنسان والمواطن، من جانب آخر. لذلك تفصِل الديباجة وتذكر صراحة، المساواة بين المرأة والرجل والحق فى عدم التمييز على أساس الجنس، أو العرق، أو الدين. أين هذا من السكوت عن أسباب التمييز فى مشروع الدستور المصرى، الذى شكل نكوصا عن نفس أحكام الدساتير المصرية السابقة عليه؟ تقدم فى مقابل تراجع!
ينعى المؤرخون ودارسو القانون الدستورى الفرنسيون اليوم على دستور الجمهورية الرابعة أنه اعتمد برغم الخلاف على أحكامه لأن الشعب الفرنسى كان قد ملَ عدم الاستقرار، وهى نفس الحجة المستخدمة فى مصر حاليا، كما أنهم ينعون عليه أن نسبة المشاركة فى الاستفتاء الذى اعتمده لم تكن إلا 70 فى المائة كما سبق بيانه، وهو ما يعنى، فى رأيهم، ضعف الاتفاق عليه وهشاشته. قارن هذه النسبة بمعدل المشاركة فى المرحلة الأولى من الاستفتاء المصرى! أما سبب نعيهم هذا وذاك، فهو أن الاتفاق الهش سهل الانكسار، وهو فى حالة الجمهورية الربعة سرعان ما انكسر فعلا بخروج الشيوعيين عليه اعتبارا من سنة 1947، وكانت النتيجة أن التوق المتسرع إلى الاستقرار لم يؤد إلى إلا عدم استقرار مطلق: فيما بين سنة 1947 وسنة 1958، أى فى خلال 11 سنة، تشكلت فى فرنسا 24 حكومة، تراوح عمر كل منها بين اليوم الواحد والستة عشر شهرا!
وإن كان اعتماد دستور الجمهورية الرابعة يتخذ مثالا، فكيف لا نلتفت إلى سلوك النظام السياسى الذى أفرزه هذا الدستور مع مجموعات الشعوب التى ننتمى إليها، ومعنا نحن تحديدا، وإلى ما أسفر عنه هذا السلوك بالنسبة للفرنسيين أنفسهم.. الجمهورية الرابعة هى التى خاضت حربا استعمارية وحشية فى فيتنام انتهت بهزيمة منكرة لها فى سنة 1954. وهذه الجمهورية هى التى اعتقلت الحبيب بورقيبة، ونفت السلطان محمد الخامس إلى مدغشقر، ثم حاربت بوحشية وبلا إنسانية حركة التحرر الوطنى الجزائرية، فى حرب استعمارية لا أخلاقية أجهزت عليها هى نفسها. والجمهورية الرابعة هى التى تآمرت على مصر واشتركت فى العدوان الثلاثى عليها فى سنة 1956.
العجز عن الحكم فى الداخل، والفشل فى إدراك التغيرات فى النظام الدولى والتسليم بنتائجها، السبب فيهما هو ضعف النظام السياسى، وهو ضعف مترتب بدوره على هشاشة التوافق المتمثل فى العقد الاجتماعى الذى كرَسه الدستور. هذا العجز، وهذا الفشل، وهذه اللاأخلاقية جعلت الفرنسيين يزدرون الجمهورية الرابعة. إن تغاضينا عن فساد المقارنة، فهل نريد لنظامنا السياسى الجديد عدم استقرار مثل ذلك الذى ميَز الجمهورية الفرنسية الرابعة، وهل نبغى له عجزا وفشلا ولا أخلاقية كتلك التى اتسمت بها هذه الجمهورية؟







كيف تكذب وتحتفظ بوضوئك؟
علاء الاسواني عن السفير اللبنانية والمصري اليوم
الواقعة مسجلة بالفيديو:
وزير الإعلام الذي ينتمي الى «الاخوان المسلمين»، ذهب يوم الاستفتاء ليدلي بصوته، ولما كانت طوابير الناخبين أمام الباب الرئيسي ممتدة لمسافات طويلة، دخل الوزير الى اللجنة الانتخابية من باب خلفي وأدلى بصوته في لحظات بينما الناخبون ينتظرون في الخارج لساعات حتى يدخلوا اللجنة. أثناء خروج الوزير سألته صحافية شجاعة:
ـ لماذا لم تدخل اللجنة من الباب الرئيسي مثل بقية المواطنين؟
أجاب الوزير بلا تردد:
ـ أنا دخلت من الباب الرئيسي ولم أدخل من الباب الخلفي.
هكذا كذب الوزير أمام الكاميرات والصحافيين بلا أدنى حرج. هذا الكذب من وزير في بلد ديموقراطي كان سيشكل فضيحة، ربما تؤدي لاطاحته، لكننا في مصر التي يحكمها الآن مرشد «الاخوان»، لذا فسوف يظل الوزير الاخواني في منصبه ما دام المرشد راضيا عنه. الغريب أن الوزير متدين وهو بالتأكيد يحرص على أداء الصلاة وهو على الأرجح كان متوضئا وهو يكذب. السؤال هنا: ألا ينقض الكذب الوضوء؟ ألا يعلم الوزير المتدين أن الكذب حرام وأن الله لن يقبل صلاته اذا كان كاذبا؟ هذا السؤال لا يختص به الوزير الكاذب فقط، وانما كل قيادات «الاخوان المسلمين» بمن فيهم محمد مرسي. فهم يقولون ما لا يفعلون، ويعدون ولا يوفون بوعودهم اطلاقا، وهم مستعدون لعمل أي شيء من أجل الاحتفاظ بالسلطة. أكاذيب «الاخوان» بلا حصر، وآخرها الاستفتاء الذي تم تزويره بوقاحة لتمرير دستورهم. كل أنواع الانتهاكات حدثت في هذا الاستفتاء بدءا من منع الاقباط من التصويت، الى الورقة الدوارة، الى إرهاب الناخبين وشراء أصوات الفقراء، الى التصويت الجماعي وقطع الكهرباء عن اللجان حتى يتسنى تزوير النتائج. كل ذلك فعله من يسمون أنفسهم بـ«الاخوان المسلمين» بغير أن يفكروا لحظة أن الكذب والتضليل وتزوير ارادة الشعب تصرفات تتعارض مع أبسط قواعد الاسلام. جرب يا عزيزي القارئ أن توجه النقد لمرشد «الاخوان» على «فيس بوك» أو «تويتر» وسوف تنهمر عليك شتائم فاحشة يقذفك بها شباب متدين خصصه مكتب الارشاد لمهمة سب معارضي «الاخوان» على «الانترنت». كيف يكون كذابا شتاما من يقدم نفسه على أنه أخ مسلم، بينما الاسلام يحضنا على الاستقامة والصدق وحسن المعاملة؟ ما سر هذا التناقض الصارخ بين العقيدة والسلوك؟ ان أتباع الاسلام السياسي (من الاخوان والسلفيين والجهاديين) لا يفهمون الدين مثلما يفهمه المسلم العادي، انما يقوم فهمهم الدين على الأسس الآتية:

أولا: التبعية المطلقة للمرشد
لا يعترف «الاخوان» والسلفيون بغير ما يقوله مرشد «الاخوان» وشيوخ السلفية... عضو «الاخوان» يبايع المرشد على السمع والطاعة والمطلوب من الأخ المسلم، ليس فقط أن ينفذ تعليمات المرشد، وانما أن يقتنع بها. قد ينفذ الجندي تعليمات قائده، وهو غير مقتنع، ولكن أن تطلب من آلاف الناس أن يقتنعوا بكل ما ينطق به انسان مثلهم وأن يؤيدوا كل ما يفعله ويعتبروه عين الصواب، فمعنى ذلك أنك تلغي عقولهم تماما وتنزع منهم قدرتهم على التمييز وتجعلهم أدوات طيعة في يد المرشد يحركهم كما شاء. كثيرون من هؤلاء الشبان متعلمون ومنهم مهندسون وأطباء، لكنهم في حالة تبعية ذهنية مطلقة لشيخهم تفقدهم القدرة على التمييز أو التفكير المستقل. والدليل على هذا الأمر ما يفعله الشيخ حازم أبو اسماعيل بأتباعه. هذا الرجل شغل الرأي العام بجنسية والدته التي تبين أنها أميركية على عكس ما قال، وهو يدعو أتباعه كل مرة الى الاعتصام، ثم يتركهم ويعود الى منزله حيث ينعم بالدفء والوجبات الشهية التي يعشقها ويتركهم يتلقون الضربات من الشرطة. لا يجرؤ أحد من اتباع أبو اسماعيل على مراجعته في هروبه المتكرر أو مناقشته في جنسية والدته، لأن ما يفعله في نظرهم هو الصواب المطلق. مثل آخر: عندما خرج المرشد من المسجد انحنى «الاخوان» على قدمه وتنافسوا على شرف تلبيسه الحذاء. ان الاحساس بالضآلة الذي يجعل من الانسان فخورا بأنه يحمل حذاء انسان مثله ويضعه في قدمه الكريمة يدلنا على مدى خضوع «الاخوان» لمرشدهم وعجزهم عن التفكير المستقل بأنفسهم .

ثانيا: الفهم الحصري للدين
مع «الاخوان» والسلفيين لا مجال للنقاش أو عرض وجهات النظر المختلفة في الدين... الاسلام عندهم هو ما يقوله الشيخ أو المرشد فقط لا غير. الغريب أن معظم تعليقاتهم على الانترنت تحتوي على أخطاء لغوية جسيمة، مما يدل على أنهم لا يقرأون وأن ثقافتهم سمعية، يجلسون تحت قدمي الشيخ ليسمعوا كلامه ويرددوه. لا جدوى من مناقشتهم لأنهم سيرفضون أي رأي لم يقله شيخهم حتى لو جاء من كبار العلماء، ولو ألححت عليهم في النقاش سيتعاملون معك بعدوانية. لقد بنوا حياتهم على أن كلام الشيخ هو الحق، فلو قلت ما يشككهم بذلك فسيهاجمونك دفاعا عن تصوراتهم التي لو اهتزت سيكون عليهم أن يعيدوا النظر في حياتهم كلها.

ثالثا: شيطنة المخالفين
مرشد «الاخوان» وشيوخ السلفية يقومون عادة بنزع الطابع الانساني عن خصومهم. «الاخوان» والسلفيون لا يعتبرون معارضيهم أفرادا لكل منهم حياته الانسانية، وانما يتم وضعهم جميعا تحت عنوان جامع وسلبي: «العلمانيون» «أتباع الغرب» «أعداء الشريعة». انهم لا يعتبرون من يعارضهم سياسيا صاحب رأي مختلف، وانما هو فاسق أو كافر أو عميل للصهيونية. هذا التحقير للمعارضين يُسَهِّل بالطبع الاعتداء على حقوقهم... فاذا اعتبرت نفسك أنك الوحيد الذي تملك الحقيقة المطلقة، بينما المعترضون عليك عملاء وأعداء للدين، لا يمكن منطقيا ان تعترف لهم بحقوقك نفسها لأنك أفضل منهم. أنت تحمل رسالة الله بينما هم أتباع الشيطان. أنت طاهر تنفذ ارادة الله بينما هم أنجاس وأعداء للاسلام، وبالتالي فان الاعتداء على حقوقهم مباح وربما يكون ضروريا في لحظة ما. رأينا ذلك عندما استدعى مرسي ميليشيات «الاخوان» ليعتدوا على المعتصمين أمام القصر الجمهوري... هنا برز التناقض بين العقيدة والسلوك: مجموعات من الملتحين الذين لا يسمحون لأنفسهم بأي تقصير في الصلاة يرتكبون جرائم مشينة بلا أدنى احساس بالذنب: يضربون البنات ويعتدون على المعتصمين ويعذبونهم ببشاعة، ويضربون بوحشية مواطنا ذنبه الوحيد أنه مسيحي. ان فهم الدين عند الاخوان والسلفيين يجعلهم في حالة حرب مع كل من يختلف معهم، وفي الحرب كل شيء مباح بدءا من الكذب وتزوير الانتخابات الى الضرب والتعذيب...

رابعا: البحث عن المؤامرة الكبرى
ذهبت السفيرة الأميركية في القاهرة لتفقد الاستفتاء، فاجتمع حولها شباب «الاخوان» والسلفيين وراحوا يهتفون بغضب: اسلامية اسلامية... هؤلاء الشباب أقنعهم شيوخهم بأن هناك مؤامرة كبرى على الاسلام تتزعمها أميركا، ولأنهم تابعون ذهنيا لمشايخهم، فمن الصعب عليهم أن يكتشفوا أن الحقيقة عكس ذلك... الولايات المتحدة ليست مشغولة بالاسلام اطلاقا، وانما ما يشغلها ضمان مصالحها وأمن اسرائيل. أميركا ترحب بالحكم الاسلامي ما دام سيحفظ مصالحها والأمثلة كثيرة: أكبر حليف للولايات المتحدة منذ نصف قرن هو النظام السعودي الذي يعتبره «الاخوان» والسلفيون نموذجا لنظام الحكم الاسلامي. كما أن حركة طالبان قد أنشأتها أساسا المخابرات الأميركية، وفي باكستان تم تنصيب الجنرال ضياء الحق بتمويل سعودي لكي يكون حاكما تابعا للولايات المتحدة. وقد فهم «الاخوان» هذه المعادلة، ففتحوا قنوات مع الادارة الأميركية منذ أيام مبارك. وقد سعى مرسي لضمان أمن اسرائيل عن طريق نفوذه لدى حماس، ومن يطالع الصحف العالمية يجد كثيرا من المسؤولين الغربيين يمدحون مرسي بالطريقة عينها التي كانوا يمدحون بها مبارك. الادارة الأميركية تفضل أن يكون حاكم مصر ديكتاتورا متعاونا يسيطر على شعبه ويحقق مصالح أميركا، وهي لا تريد قيام نظام ديموقراطي في مصر لأنه سيجعل منها دولة عملاقة تتحكم في مصير المنطقة كلها وقد تهدد اسرائيل. هذه حقيقة ساطعة، لكن شيوخ السلام السياسي مستمرون في اقناع أتباعهم بأن الولايات المتحدة تتآمر ضد الاسلام بينما هم يسعون الى لقاء المسؤولين الاميركيين وإرضائهم بكل طريقة... ان وجود مؤامرة كبرى ضد الاسلام بقدر ما هي فكرة وهمية الا أنها مهمة للشيوخ، اذ تمكنهم من شحذ المشاعر الدينية للشباب وإعدادهم لتنفيذ أوامرهم.
هذه الأسس الأربعة للاسلام السياسي تغير معنى الدين من النقيض الى النقيض، بدلا من أن يكون الدين وسيلة لتحقيق العدل والحرية والمساواة يتحول الى أداة لكراهية الآخرين واحتقارهم والاعتداء على حقوقهم وحياتهم. لذلك تحول أول رئيس مصري منتخب الى ديكتاتور يعطل القانون ويفرض دستورا مشوها على المصريين ويجرى استفتاء مزورا ويرسل بلطجية لمحاصرة المحكمة الدستورية لارهاب القضاة حتى لا يحكموا ببطلان الدستور. على أن هذا التحول المؤسف لمرسي كانت له آثار ايجابية إذ اجتمعت القوى الوطنية والثورية لأول مرة وتوحدت لانقاذ الدولة من جماعة «الاخوان» التي تسعى لاختطافها. لقد كان وصول «الاخوان» الى الحكم اختبارا مؤجلا لمصر وكان لا بد لها أن تجتازه... كان أمام الثورة عقبات ثلاث: مبارك والعسكر و«الاخوان»... وقد نجحت الثورة في خلع مبارك ومحاكمته ونجحت في التخلص من حكم العسكر ولم يتبق الا «الاخوان» الذين فشلوا في اختبار الحكم وانكشفت صورتهم القبيحة في شهور قلائل... لو استوقفت الآن أي مصري في الشارع مهما تكن درجة تعليمه وسألته عن رأيه في «الاخوان» ستجده مدركا للفرق بين الاسلام الحقيقي واسلام «الاخوان» الذي يسمح بالكذب والتزوير والعدوان على النا . كل يوم يفقد «الاخوان» شعبيتهم حتى صار أي واحد من قياداتهم (بمن في ذلك مرسي نفسه) عاجزا عن الظهور في أي مكان عام حتى لا تلاحقه الهتافات العدائية من المارة... ان الجرائم التي ارتكبها «الاخوان» خلال شهور أفقدتهم شعبيتهم، وكلما أحسوا بذلك سيزدادون عنفا وشراسة. أتوقع في الفترة القادمة المزيد من اجراءات القمع والاعتداءات والاغتيالات ضد كل من يعارض «الاخوان». واجبنا الآن اسقاط الدستور المشوه اللقيط بكل الطرق السلمية. الاستفتاء المزور تم على دستور باطل أنتجته لجنة تأسيسية باطلة غير قانونية كاد القضاء أن يحكم بحلها للمرة الثانية، لولا أن عطل مرسي أحكام القضاء في اعلانه الديكتاتوري. الثورة مستمرة حتى يسقط حكم «الاخوان» تماما كما سقط مبارك، عندئذ ستنطلق مصر الى المستقبل الذي تستحقه الديموقراطية هي الحل.<hr>