Haneen
2013-01-17, 11:23 AM
اقلام واراء اسرائيلي 235
<tbody>
في هــــــذا الملف
'بروتوكول باريس': الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي ـ الفلسطيني ومعانيه الاقتصادية
اقتصاد الحكم الذاتي الفلسطيني لم يجلب الرفاه للسكان والنموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مجرد وهم
بقلم:د. افرايم لافي/' مدير مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب،عن، نشرة الكترونية ـ مركز لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا، جامعة تل ابيب.
يا بيريس استقيل
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
الانتفاضة الثالثة حية في عناوين الصحف وليس في الشارع
انتفاضة ثالثة لا تبدو في الافق رغم ارتفاع وتيرة التوتر في الضفة الغربية.. وحتى لو اندلعت فان اسرائيل تدخلها في ظروف محسنة
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
الاسد يعترف انه خسر المعركة؟
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
</tbody>
'بروتوكول باريس': الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي ـ الفلسطيني ومعانيه الاقتصادية
اقتصاد الحكم الذاتي الفلسطيني لم يجلب الرفاه للسكان والنموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مجرد وهم
بقلم:د. افرايم لافي/' مدير مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب،عن، نشرة الكترونية ـ مركز لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا، جامعة تل ابيب.
'بروتوكول باريس'، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي الفلسطيني الذي وقع في نيسان 1994، يوجد اليوم في مركز المناقشات حول الازمة الاقتصادية التي تلم بالسلطة الفلسطينية. ويحلل هذا المقال البروتوكول واثاره في سنوات 1994 2000 ولكن المعاني والاثار صحيحة وذات صلة، سواء بالواقع والتحديات الاقتصادية التي تتصدى لها السلطة الفلسطينية اليوم أم بمنظومة العلاقات الاقتصادية التي بينها وبين اسرائيل.
الفكر الاقتصادي لقيادة م.ت.ف عشية دخولها الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، تأثر برغبتها في أن يتحلى الكيان الفلسطيني، الذي سينشأ بمزايا دولة على الطريق. وأولت القيادة اهمية شديدة للقطاع الاقتصادي انطلاقا من فهمها بان مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين سيكون منوطا بمدى استقلالهم الاقتصادي. وعرفت، على نحو غير صحيح، بان فرص نجاحها في اقامة حكم ذاتي مستقر ونيل تأييد السكان، منوطة بقدرتها على تجنيد مصادر مالية وادارة سياسة اقتصادية ناجعة.
وترافقت الاتفاقات السياسية بين م.ت.ف واسرائيل وتفاهمات حول الحاجة الى تجنيد واسع للاموال من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وبناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. من ناحية سياسية، كانت المساعدات الخارجية الدولية تستهدف تعزيز حكم السلطة والدعم الشعبي للمسيرة السلمية من خلال تجسيد فضائل السلام وثماره للسكان. والاهداف التي تحددت كانت اقتصاد محسن، حكومة ديمقراطية وناجعة ومشاركة في التنمية الاقليمية.
بمبادرة الرئيس الامريكي اجتمعت الدول المانحة في واشنطن في ايلول 1993، فور التوقيع على اتفاق اوسلو، وتعهدت بتقديم مساعدة للفلسطينيين بمبلغ 2.4 مليار دولار تتوزع على خمس سنوات، 1994 1998. وشكلت الدول المانحة الـ 36 وأربع منظمات غير حكومية لجنة ارتباط على عجل ناشئة عنها لموضوع تنسيق المساعدة. واجتمعت اللجنة بين الحين والاخر بمشاركة مراقبين من السلطة ومن اسرائيل، واتخذت قرارات حول حجم المساعدة واهدافها. وشكل البنك الدولي سكرتاريا ولجنة الارتباط وكان المسؤول عن التحويل الجاري للمساعدة الى المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار). وكان هذا المجلس اقيم في اواخر 1994 بقرار من ياسر عرفات، وكان مسؤولا عن نقل المساعدة الى الوزارات ذات الصلة بالسلطة وعن رفع التقارير وعلاقات العمل مع البنك الدولي، صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
وكانت خطة الطوارئ التي بلورها البنك الدولي لمساعدة الفلسطينيين انطلقت من فرضية عمل انه سيعقد تعاون اقليمي في مجالات البنية التحتية مثل المياه والكهرباء. وكانت تميل الى مواجهة المتطلبات العاجلة للاقتصاد الفلسطيني لضمان أسسه، وخصصت مكانا مركزيا للقطاع الخاص، سواء في مجال التمويل أم في مجال تحقيق المشاريع. وكانت القيادة الفلسطينية مطالبة بالاكتفاء بمشاريع متواضعة في البنى التحتية والابقاء على صلة اقتصادية باسرائيل، رغم تفضيلها فك الارتباط عن الاقتصاد الاسرائيلي.
في المداولات التي جرت في أعقاب اتفاق اوسلو لغرض ترتيب العلاقات الاقتصادية، تحدث اقتصاديون فلسطينيون، ولا سيما من بين رجال م.ت.ف الذين جاءوا من تونس، ضد استمرار العلاقة الاقتصادية مع اسرائيل، وقالوا ان النظام التجاري الخاص بـ'الاتحاد الجمركي' سيكون 'مصيبة' للفلسطينيين وسيخلد التعلق باسرائيل. ولكن عشية التوقيع على الاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل، اشتد ضغط رجال الاعمال الفلسطينيين من اوساط سكان الضفة الغربية والقطاع ممن طالبوا بمواصلة والابقاء على قدرة الوصول الى السوق الاسرائيلية.
في نيسان 1994 وقع 'بروتوكول باريس'، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي الفلسطيني، الذي رتب العلاقات الاقتصادية بين الطرفين للفترة الانتقالية التي كانت تحددت لخمس سنوات. وكان النظام التجاري الذي اتفق عليه في البروتوكول هو نظام الاتحاد الجمركي، الذي في اطاره تقررت وفقا لذلك، ضمن امور اخرى، الامور التالية: قوائم يسمح للسلطة الفلسطينية باستيراد البضائع المدرجة فيها؛ الانظمة المتعلقة بمواصفات البضائع المستوردة لمناطق السلطة ومعدلات الجمارك التي تنطبق عليها؛ معدل ضريبة القيمة المضافة 15 16 في المئة، مثل اسرائيل، مع امكانية تغييرات محدودة مقارنة مع معدل ضريبة القيمة المضافة؛ اصدار رخص الاستيراد ـ بمسؤولية كل طرف؛ آلية تنفيذ الاستيراد، والتي تتضمن تنفيذ المواصفات، تحديد الجمارك، اصدار الرخص ـ هي اسرائيلية.
في أعقاب الاتفاق اقيمت المؤسسات الاقتصادية المركزية للسلطة الفلسطينية: وزارة المالية التي تضم قسم الميزانيات، سلطة النقد، ومكتب الاحصاء المركزي. وتمتع القطاع البنكي الفلسطيني بدرجة عالية من الانفتاح والحرية وغياب القيود على صرف العملة، مما اجتذب مستثمرين فلسطينيين كثيرين من الخارج. وادى تبني اساليب الضريبة غير المباشرة الاسرائيلية، التي تتضمن معدل ضريبة قيمة اضافية موحدة، الى جباية ناجعة للضرائب غير المباشرة للطرف الفلسطيني.
اضافة الى ذلك، فقد أدى بروتوكول باريس بقدر كبير، الى تأطير الاندماج الاقتصادي مثلما كان بين الفلسطينيين واسرائيل في عهد الحكم الاسرائيلي المباشر، منذ 1967. وبقيت سوق العمل الاسرائيلية، مثلما كانت، موردا مركزيا للعمالة، وفي الايام العادية كان قرابة 60 الف شخص من سكان الضفة الغربية يعملون في اسرائيل؛ وبقيت اسرائيل هدفا اساسيا للتصدير ومصدرا اساسيا للاستيراد؛ وواصلت اسرائيل السيطرة على علاقات المواصلات والتجارة الخارجية للفلسطينيين وجباية الضرائب عن السلطة قامت بها اسرائيل. وكان لاسرائيل سيطرة على قسم كبير من القرارات الاقتصادية المركزية، مثل العملة، معدلات الجمارك، الفائدة، المواصفات. وأدت التطورات على الارض الى أن اصبح الاتحاد الجمركي غير متماثل: حواجز، تصاريح، تفتيشات وقيود مختلفة على حركة العمل والبضائع، الامر الذي منع عن المصدرين الفلسطينيين قدرة وصول كاملة الى السوق الاسرائيلية والى الاسواق الاجنبية، وجمدت اسرائيل بين الحين والاخر المداخيل من الضرائب التي كان يستحقها الفلسطينيون.
بحث أجراه البنك الدولي في أواخر 1999 وجد أن التجارة بين اسرائيل والفلسطينيين، التي جرت حسب بروتوكول باريس كانت مشوهة في صالح اسرائيل بالنقاط التالية:
تفضيل التجارة في صالح اسرائيل حسب بروتوكول باريس فان بضائع وخدمات اسرائيلية معفية من الجمارك مقابل بضائع من الخارج حجم الجمارك والرسوم عليها هو نحو 50 في المئة بالمتوسط. وتخلق هذه السياسة حماية كبيرة للبضائع المحلية وتمس بالتجارة مع باقي العالم. ولهذا السبب نشأ تفضيل للتجارة مع اسرائيل.
تمنح منظومة الجمارك والرسوم حماية لنشاطات اقتصادية معينة في أنها تخلق اختلافا بين فرع ما وغيره في الاقتصاد. ولا يشجع هذا الوضع الاستثمار والتجارة اللازمين للنمو الاقتصادي، بل ويتفاقم بسبب الكلفة العالية للتجارة التي تتسبب بها السياسة الامنية الاسرائيلية. وهكذا مثلا ينعكس الامر في كلفة النقل التي تضيف نحو 35 في المئة في المتوسط على سعر المنتج مقابل نحو 15 في المئة فقط في باقي الشرق الاوسط (حسب المعطيات التجارية للعام 1998).
القيود على التجارة مع الدول العربية (باستثناء قوائم محدودة من انواع من البضائع) تجعل من الصعب بشكل كبير تنمية التجارة الفلسطينية.
وأوصى البنك الدولي باقامة منظومة جديدة لتوزيع المداخيل من أجل تقليص تسرب الضرائب بين السلطة واسرائيل. اضافة الى ذلك، أوصى صندوق النقد أن تجري السلطة مفاوضات مع اسرائيل على توسيع قائمة المنتجات التي يسمح لها باستيرادها؛ ان تغير منظومة الضريبة وتنتقل من التعلق بالضرائب غير المباشرة الى الضرائب المباشرة؛ ان تلغي الحسم الذي تنفذه اسرائيل بمعدل 25 في المئة من ضريبة الدخل للعمال الفلسطينيين في اسرائيل.
ويتبين من البحث الذي أجراه البنك الدولي ان الاثار الاساسية على الاقتصاد الفلسطيني كانت كلفة التجارة العالية التي نبعت من الحاجة الى نقل البضائع عبر اسرائيل والمعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية. وعليه فقد اوصى بان يصل الفلسطينيون الى 'انسجام' للجمارك الخارجية (اي تشبيه الجمارك بين اسرائيل والخارج من خلال رفعها تجاه اسرائيل او تخفيضها تجاه الخارج)، وكذا أن تلغى المعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية.
مصاعب وعلل في ادارة الاقتصاد
في غياب التخطيط الاقتصادي للمدى المتوسط والبعيد، وغياب عنوان موحد مسؤول عن التنسيق والادارة النشاط المتعلق بتحويل المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، تميز النشاط الاقتصادي في السلطة بتبعثر الصلاحيات ومجالات المسؤولية بين الوزارات المختلفة (الاقتصاد والتجارة، المالية، التخطيط والتعاون الدولي). كما ان الصراعات الداخلية بين وزراء السلطة في مسألة اي وزارة يجب أن تكون مسؤولية عن تلقي المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، اضافة الى المصاعب في تحويل الاموال، التي كانت تكمن في غياب اجهزة خبيرة وناجعة وانعدام التجربة في مجال الادارة الاقتصادية في الطرف الفلسطيني. ووجدت السلطة صعوبة في أن تلتزم بالشروط التي طالبتها بها الدول المانحة من حيث الشفافية والمحاسبة في عملية تحويل الاموال واستغلالها عمليا. وكانت النتيجة فجوة واسعة بين الالتزامات المعلنة وبين التحويلات المالية الفعلية.
ولم تسمح هذه المصاعب بالاخراج الى حيز التنفيذ معظم المشاريع التي وردت في الخطة الخماسية. فقرابة 40 في المئة من الاموال (نحو 1 مليار دولار) وصلت في اعوام 1993 1998 خصصت لتغطية العجوزات في ميزانية الدولة، واكثر من 60 في المئة (نحو 1.5 مليار دولار، استثمرت في مشاريع مختلفة. ولم ينسجم سلم اولويات الدول المانحة في تخصيص المساعدات الى اهداف وقطاعات مختلفة، مع احتياجات التنمية للفلسطينيين. وهكذا مثلا، فان الصناعة، الزراعة والبنى التحتية، التي وضعت في رأس خطة التنمية للفلسطينيين، حظيت بمساعدة محدودة. قسم مهم من المساعدات خصص للمجالات الفنية، مثل دورات التأهيل المهني واستكمال التأهيل للموظفين، لكبار رجالات الادارية، لافراد الشرطة وللسجناء المحررين. وتمت الدورات والتأهيلات، في الغالب، من قبل فرق خبراء من الخارج، وكانت اموال المساعدات لهذه الاغراض تمول كلفة اجورهم.
احيانا، تأثر سلم الاولويات في تخصيص المساعدات بجدول الاعمال السياسي للدول المانحة. وهكذا، اعطيت في المساعدات الامريكية التي نقلتها وكالة التنمية الدولية التابعة لوزارة الخارجية الامريكية، اعطيت اولوية لمشاريع تنمية الديمقراطية بينما كانت المستفيدة الاساسية منها هي المنظمات غير الحكومية، التي كيفت نفسها، سواء بارادتها أم بحكم الاضطرار، مع جدول اعمال الممولين. عشرات عديدة من المؤتمرات، ورشات العمل والايام الدراسية اجرتها هذه المنظمات في مواضيع مثل حكم الاغلبية وحقوق الاقلية، او دور المواطن والمجتمع المدني كعوامل تكمل منظومات الحكم. وشكلت هذه النشاطات استمرارا للكفاح الذي بدأ في السنوات التي سبقة اقامة السلطة الفلسطينية الفلسطينية، لادخال مفهوم الحكم الصالح الى المجتمع الفلسطيني.
وكادت السلطة الفلسطينية لا تؤثر على سلم اولويات المانحين. وفي عقدة اللجان التي تشكلت لغرض التنسيق بين المانحين والسلطة في تحويل المساعدات، وجهتها وشكل تخصيصها، تجمعت معظم الصلاحيات والمناصب الاساسية في ايدي ممثلي البنك الدولي، فيما أنه كان لممثلي بكدار تأثير ضيق على اتخاذ القرارات. ضعف الطرف الفلسطيني في هذا المجال تأثر ايضا بالخصومات والتوترات الداخلية بين الوزارات الاقتصادية في السلطة، بينها وبين بكدار وبين الاقسام المختلفة في بكدار والتي عكست، ضمن امور اخرى غياب التخطيط الاقتصادي المركزي للمدى البعيد في السلطة.
وألحق فرض الاغلاقات وغيرها من القيود الاسرائيلية لاعتبارات أمنية، الاضرار بالاقتصاد الفلسطيني. وفقد العديد من العمال الفلسطينيين أماكن عملهم في اسرائيل، واضرت ازمة البطالة المستمرة بالعائلات والمشاغل، بالتجار ورجال الاعمال. وكانت الخسارة المتراكمة جراء الاغلاقات في سنوات 1993 1997 أعلى بالضعفين من عموم المساعدة التي حولها المانحون الى الفلسطينيين. وفي اوساط المانحين نشأ احساس بان المساعدة التي ينقلونها لا تحقق اهدافها في اعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وتثبيته، مما أثر سلبا على استعدادها لتقديم المساعدات.
الى جانب المصاعب آنفة الذكر، التي منعت القيادة الفلسطينية من تنفيذ نواياها الاولية في تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى مؤسسة اقتصادية مستقلة، فشلت القيادة في ادارة سياسة اقتصادية سليمة. وبين ظواهر الفساد المؤسساتي، برزت ظاهرة الاحتكارات التي أدت الى تركيز اساس القوة الاقتصادية في أيدي مجموعة ضيقة من كبار المسؤولين الفلسطينيين واضرت بالقدرة على ايجاد اقتصاد حر. فقد سمحت قيادة السلطة باقامة احتكارات اقتصادية في مجالات مثل الاسمنت، الطحين، الحديد، من قبل اصحاب مناصب رفيعة في السلطة، بمن فيهم رؤساء أجهزة الامن، واقامت هيئات اقتصادية تصرفت كاحتكارات رسمية، منها سلطة الوقود وسلطة التبغ. وسمحت طريقة الاحتكارات للسلطة بان تجمع في ايديها معلومات عن المشتريات التي تمت في اسرائيل أو عبرها كالوقود وغيرها من البضائع، كي تحصل على معظم المردودات المالية من ضريبة القيمة المضافة، الجمارك وضريبة البلو، التي تجبيها اسرائيل. وشكلت هذه المردودات اساس دخل السلطة من النشاط الاحتكاري الذي ادارته هي وبتكليف منها.
الخلاصة
تطلع قيادة م.ت.ف الى ان تكسب السلطة الفلسطينية، منذ تأسيسها مزايا دولة على الطريق، ونيتها الوصول الى استقلال اقتصادي انطلاقا من التفكير بان في هذا يتعلق مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين تبدد. مزايا الاقتصاد الفلسطيني لم تتغير بقدر كبير في السنوات الاولى من الحكم الذاتي (1995 2000) مقارنة بعهد الحكم الاسرائيلي. ففي القطاع الخاص بقي معظم العاملين في الصناعة الصغيرة، في الخدمات وفي الزراعة. وبقي غياب الاستثمارات، الانتاج المتدني، مستوى الاجر المتدني وشروط العمل المتردية، العلائم البارزة للاقتصاد. فلم تنشأ أماكن عمل للمنضمين الجدد، للعاملين القدامى ولاولئك الذين فقدوا عملهم في اسرائيل. وكان القطاع العام الذي اقامته السلطة هو رب العمل الاكبر في الاقتصاد: في نهاية 1996 كان عدد العاملين فيه نحو 75 الفا، وفي نهاية 1997 ارتفع عددهم الى 100 الف شكلوا اكثر من 17 في المئة من عموم قوة العمل الفلسطيني؛ ولغرض المقارنة ففي عهد حكم اسرائيل عمل في مكاتب الادارة المدنية نحو 6 في المئة فقط من قوة العمل الفلسطينية. وشذ القطاع العام، الذي هو غير منتج في جوهره، في حجمه عن احتياجات السلطة وزاد حجم النفقات الحكومة التي تدفقت في معظمها لدفع الرواتب. وانعكست النتائج بالجداول التي تشير الى امور كالدخل للفرد، الانتاج للفرد، حجم الاستثمارات الخاصة ونصيب التصدير في الناتج القومي الخام. هذه الجداول كانت تشير الى الانخفاض في الفترة موضع البحث.
في هذه الظروف والتي ادير فيها الاقتصاد الفلسطيني تحت الحكم الذاتي، اتيحت تنمية اقتصادية واجتماعية محدودة فقط، رغم المساعدات الاجنبية. واضر تمركز الاقتصاد في نشاط القطاع الخاص وقيد فرص النمو الاقتصادي لانه منع المنافسة، النجاعة وتخفيض الاسعار في المجالات التي انتهج فيها نظام الاحتكارات.ومنع غياب هيئة للتخطيط الاقتصادي وانعدام التنسيق بين الوزارات الاقتصادية في السلطة من بلورة سياسة اقتصادية وتخطيط اقتصادي للمدى المتوسط والبعيد.
د. سميح العابد، مدير عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي شرح بان مصاعب التنمية الاجتماعية تنبع ضمن امور اخرى من الحجم المحدود لبناء المختبرات، معاهد البحث العلمي، مراكز التكنولوجيا والمكتبات العامة، ومن النقص في المعلمين، الممرضات والعاملين الاجتماعيين.
فضلا عن كل هذا، واصل التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ايضا حقيقة كون المجتمع تقليدي، بقيت الزراعة مصدرا أساسيا لانتاجها وتصديرها، رغم الانخفاض الذي كان على مدى سنوات الاحتلال في عدد المزارعين. وفي ظل غياب المرجعية العليا وسياسة تنمية اجتماعية شاملة وذات رؤيا بعيدة المدى فقد استمر بقدر كبير الوضع الذي ساد تحت الحكم العسكري الاسرائيلي: ضعف التنسيق في مجالات العمل بين الهيئات المدنية في القطاع العام والقطاع الخاص، تقلص الدور الذي كان يمكن أن تؤدي المؤسسات ومنظمات الاغاثة الاجتماعية، المحلية والاجنبية، في مجال التنمية الاجتماعية.
ولم يؤدِ اقتصاد الحكم الذاتي الذي تميز بالاقتصاد المركزي، القطاع العام المضخم وغير الناجع، وسياسة الاحتكارات، الى نحو اقتصادي وتحسن في رفاه السكان. ولم تحقق المساعدات الدولية اهدافها في اقامة اقتصاد محسن، حكم ديمقراطي ناجع وانخراط في التنمية الاقليمية. وبقيت الخطط التي بلورها اقتصاديون واكاديميون من 'الداخل' وكذا النموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مثابة وهم بعيد. ووجدت أزمة التوقعات التي نشأت بين السكان تعبيراتها في الخطاب الجماهيري النقدي وفي انخفاض مستوى التأييد للمسيرة السياسية. اضافة الى ذلك، لم تؤدي الازمة، تقريبا، الى تراص جماهيري من الاسفل للاقتصاديين، المزارعين، رجال الصناعة والخدمات من اجل تغيير الامور.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
يا بيريس استقيل
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
عشية قيام الدولة عرض بن غوريون على البرت آنشتاين أن يتولى منصب الرئيس الاول لدولة اسرائيل. وحتى اليوم ليست معروفة حقا ما هي دوافع بن غوريون لتعيين عالم ذي صيت عالمي لهذا المنصب. واعتقدت الغيبة في تلك الفترة بان بن غوريون سيكون مستعدا حتى أن يعين صاحب الكشك المجاور لبيته في جادة الصندوق القومي زاوية بن يهودا، على الا يعين في هذا المنصب حاييم وايزمن على خلفية مواجهات سياسية سابقة. آينشتاين رفض، ووايزمن قبل القضاء في أن يتولى المنصب، الذي قال فيه 'المكان الوحيد الذي فيه سأتمكن من دس أنفي هو منديلي'.
وقد أدى وايزمن وعقيلته فيرا دورهما بشكل رسمي، كل كلمة في الصخر. ومنذئذ كل رئيس اختار طريقه. ومثلما توقع كمحلل أمني النصر في حرب الايام الستة، كان حاييم هيرتسوغ رئيسا مع اليد على النبض الامني، بل وتمتع بشعبية لدى الملحقين العسكريين الاجانب. عيزر وايزمن، ابن اخ وايزمن الاول، ابقى على شقاوته حتى كرئيس، وكان ايضا، بالمناسبة الرئيس الاول الذي تناكف مع بيبي في ولايته الاولى كرئيس وزراء. فالمنصب الرسمي لم يسمح لهم بالخروج الى ما هو اكثر من اصدار العفو، استقبال اوراق اعتماد الدبلوماسيين، وهنا وهناك استقبالات في الاعياد. ليس بالضبط الموت من العمل الكادح.
مؤخرا، مع اقتراب الانتخابات، في ظل التهديد بانعطافة متطرفة يمينيا للساحة السياسية، يبدو ملموسا عدم الهدوء في مقر الرئيس. شمعون بيريس، السياسي في كل جزء من جسده، غاضب ومغتاظ من سلوك الحكومة في مواضيع السلام. على الحكومة في هذه المواضيع ان تجند الاصدقاء لا ان تثير حفيظة الاعداء، كما نقل عن بيريس في مؤتمر السفراء السنوي لوزارة الخارجية في القدس. وفي لحظة الصمت التي سادت في القاعة، القى بيريس قنبلة إثر قنبلة: يجب تغيير النهج النزاع الى القوة واستبداله بنهج الحوار المعتدل؛ من الافضل دوما للمرء أن يكون أسدا في جلد خروف على أن يكون خروفا يزأر كأسد ويفزع كل العالم؛ دور دبلوماسيتنا كان دوما مد اليد لمن هو مستعد للحديث'، قال بيرس واضاف: 'انا اعرف ابو مازن منذ 30 سنة، 'هو منفتح ومستعد للحوار'.
شمعون بيريس، المعروف بحديثه البطيء وباسلوبه المعتدل، يرفع مؤخرا صوته حتى في الاحاديث الخاصة. جد غير مميز لرجل مكتبي هادئ أن يصل الى نقطة لا يسيطر فيها على نفسه. في احدى زياراته الى مقر الرئيس جلب بيبي ايضا عقيلته سارة، على أمل أن يهدئ الاجواء في الحديث الرسمي. وكانت النتيجة أن بيريس صرخ عليهما الاثنين.
ما اشعل بيريس على نحو خاص كان ما سمعه في مؤتمر سفراء اسرائيل، الذي يحتل هذه الايام العناوين الرئيسة. واشعل الفتيل سفيرنا في الامم المتحدة رون بروشاور، صاحب الصوت الخشن، الذي انتقد فكرة طرح الان بالذات حملة البناء في E1 بالضبط بعد ان تقرر منح دولة فلسطين مكانة عضو مراقب في الامم المتحدة. وبدلا من قبول النقد ومراعاته انفجر مستشار الامن القومي يعقوب عيمدرور بقول من هذا القبيل: اذا كانت سياسة الحكومة لا تناسبكم، فإما ان تذهبوا الى السياسة أو أن تستقيلوا. ولم ينهض احد.
نائب مدير عام وزارة الخارجية ران كوريل، هدأ روع عميدرور بكلمات، 'التصفيق لم يكن ضد سياسة الحكومة، بل محاولة لفهم المنطق الذي يقبع خلف قرارات الحكومة'. لقد تحدى مؤتمر السفراء سياسة الحكومة، بل وربما تحدى الحكم.
يدعي الناطقون بلسان الليكود بان بيريس يتجند للمعركة ضد بيبي. لشدة الاسف، هذا ليس هكذا. فالتباكي ليس كافيا للرئيس. اذا كان الوضع يشتعل في عظام بيريس، وهو حقا قلق من خطر أن تصعد قيادة يمينية متطرفة الى الحكم وتقودنا الى الحرب فان عليه أن يستقيل من منصبه هنا والان، كي لا يكون مشاركا في الفعل، كي لا يدخل التاريخ كمن كلف بيبي بتشكيل الحكومة القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الانتفاضة الثالثة حية في عناوين الصحف وليس في الشارع
انتفاضة ثالثة لا تبدو في الافق رغم ارتفاع وتيرة التوتر في الضفة الغربية.. وحتى لو اندلعت فان اسرائيل تدخلها في ظروف محسنة
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
صور الحادثة التي وقعت يوم الثلاثاء في قرية طمون في منطقة جنين، والتي اصطدم فيها جنود الجيش الاسرائيلي بعشرات المتظاهرين الفلسطينيين، بعد اعتقال مطلوب من قبل قوة مستعربين، حصلت على مكان الشرف في البث التلفزيوني وفي الصحافة في الغداة. وهذه الصورة اعتقال مفاجئ في وضح النهار وبعده مظاهرات عنف لم تعد شاذة في المشهد في المناطق في الاشهر الاخيرة. ولكن يبدو أن فيها مع ذلك أمرين جديدين: قوة الصدام التي أبداها سكان القرية، والانصات الواضح لوسائل الاعلام للحادثة، التي انتهت بعدة اصابات بجراح طفيفة (في التقارير الاولية في مواقع الانترنت زعم، بقدر من المبالغة، بان المستعربين انكشفوا وتورطوا).
بعد فترة طويلة من الهدوء الامني، فان الضفة اكثر توترا مما كانت في الماضي وبالاساس تحظى بانتباه صحافي متزايد. اما حاليا، فلا يزال يبدو أن الانتفاضة الثالثة حية بقدر أكبر في عناوين الصحف منه على الارض نفسها. من الصعب تجاهل الاحساس بان بعض اسباب ذلك على الاقل هي حزبية وأن التغطية الواسعة ترمي الى تقويض الزعم الذي في أساس حملة بنيامين نتنياهو، في محاولته لان ينتخب من جديد في رئاسة الوزراء: الثناء اليومي على وضع الاسرائيليين الامني الجيد مقارنة بالفترات التي قادت فيها الدولة حكومات سابقة (برئاسة ايهود باراك، شارون وايهود اولمرت).
نتنياهو ليس شاة بريئة، بالطبع. فأول أمس (يوم الاربعاء) دعا صحافيين للانضمام اليه في جولة على طول الجدار في الحدود مع مصر، والاحتفال 'باكماله'. اما عمليا فلم يستكمل الجدار الا في القسم الرئيس من المسار، ولكن ليس في الـ 12 كم في مدخل ايلات. وقد استبقت الاحتفالات لاستخدام هذا الانجاز لاغراض انتخابية. صورة الهدوء الامني هي أمر حاسم لنجاح نتنياهو. وكان هذا السبب الرئيس لقراره الخروج في حملة 'عمود السحاب' في قطاع غزة في تشرين الثاني. فالصور المتواترة لسكان البلدات في 'غلاف غزة' وهم يبحثون عن مأوى للاختباء من الصواريخ من القطاع هددت بتقويض زعم نتنياهو ودفعته لان يقرر الحملة، وإن كان رئيس الوزراء حذرا من التورط بالانجرار الى عملية برية للجيش الاسرائيلي، قد تنطوي على عدد لا بأس به من الخسائر.
محرر 'هآرتس' الوف بن، سبق أن أبدى ملاحظة هذا الاسبوع عن كثرة الصور العسكرية على صفحة الفيسبوك لنتنياهو. والمتنافسون ايضا لا يمتنعون عن دس اياديهم في الصحن. فللبيت اليهودي يوجد اعلان يبدو فيه نفتالي بينيت يسحب حمالة نقل جرحى، تحت عنوان 'بينيت هو أخ'. اما تسيبي لفني فحاولت أن تجري هذا الاسبوع مؤتمرا صحافيا مشتركا مع عمير بيرتس الى جانب بطارية قبة حديدية.
الاتفاق الذي لم يكن
ويحاول رئيس الاركان بيني غانتس، بحكمة، ابعاد الجيش الاسرائيلي عن المناورات الحزبية عشية الانتخابات. وهو لا يمكنه أن يخرج عن قواعد البروتوكول ويمنع رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الدولة من القاء الكلمات في احتفالات تخريج دورات الطيران. ولكن استخدام القبة الحديدية كزينة مرافقة لليفني وبيريس منعها الجيش. وهكذا ايضا الغي في اللحظة الاخيرة استعراض للمراسلين مع ضابط الجيش الاسرائيلي المسؤول عن بناء الجدار في الجنوب.
على الارض نفسها، يصعب اكثر استخدام الكوابح. فقد تبين للجيش في نهاية الاسبوع الماضي، بعد التضخيم المقصود لقضية اخلاء بؤرة عوز تسيون الاستيطانية قرب رام الله. بينيت يلتف من اليمين، بالجناح المتطرف في حزبه، الذي أقام بؤرة استيطانية وهمية كي يبث بعض الروح القتالية في الجيوش عشية الانتخابات. ووقف قادة الاحزاب من كتلة اليسار الوسط في الصف لشجب المتطرفين واجتذبوا زمن بث باهظ القيمة. وفي الليكود ايضا كان من كسب. رئيس الائتلاف، النائب زئيف الكين من الليكود تباهى بنجاحه في وقف الاخلاء يوم السبت (وأجله الى منتهى السبت)، بعد مكالمتين هاتفيتين عاجلتين مع منسق اعمال الحكومة في المناطق، اللواء ايتان دانغوت.
فحص أكثر عمقا يبين انه لم يتحقق اتفاق الكين دانغوت. عمليا هاتف دانغوت زميله في هيئة الاركان، اللواء قائد المنطقة الوسطى نيتسان الون، ولكن هذا قال انه سبق أن تقرر وقف الاخلاء. وقد عمل الون هكذا لسببين: حقيقة ان قوات الجيش الاسرائيلي وحرس الحدود لم تكن منظمة بما فيه الكفاية لمهمة الاخلاء والزمن القصير المتبقي حتى دخول السبت (نحو نصف ساعة). في الجيش سعوا الى الامتناع عن اثارة اخرى للخواطر وبالفعل اخلوا البؤرة الاستيطانية في الغداء مساء، في ظل استخدام قوة محدودة. وهكذا ايضا على اي حال النواب من كل الاطراف كسبوا من التغطية الاعلامية المكثفة التي كانت هي منذ البداية هدف المناورة بأسرها.
وعودة الى الفلسطينيين: في النقاش الذي جرى في منتصف الاسبوع في قيادة المنطقة الوسطى، تساءل قادة الالوية عن الاحساس المتراكم لدى الجمهور، وكأنه بالفعل توشك انتفاضة ثالثة على الاندلاع في الضفة. انطباعهم مختلف: فالارض كانت تغلي بالذات قبل حملة 'عمود السحاب'. ومنذئذ، يقولون، يلوح هبوط تدريجي في عدد احداث العنف مع الفلسطينيين.
التنسيق الامني مع اجهزة الامن الفلسطينية يتحسن قليلا، بعد فترة وهن، والسلطة استأنفت الاعتقالات في اوساط حماس والجهاد الاسلامي. وفي قيادة المنطقة قلقون من كثرة هجمات 'شارة الثمن' لرجال اليمين المتطرف (هذا الاسبوع احرقت سيارة فلسطينية وكتبت شعارات مضادة في قرية بيت أمر، شمال الخليل)، هي الاخرى تتأثر على ما يبدو باجواء الانتخابات.
ويحتمل بالطبع أن قادة الالوية ورجال الاستخبارات مخطئون. فالحادثة في طمون جديرة بالانتباه بسبب قوة المقاومة في القرية. من المهم ان نرى اذا كانت الظاهرة ستكرر نفسها في حملات اعتقالات اخرى في الفترة القريبة القادمة. أمس أيضا في جنين هاجم مئات المتظاهرين الفلسطينيين قوة من حرس الحدود، جاءت لاعتقال مطلوب مشبوه باعمال ارهابية في المنطقة الصناعية في جنين. ونشأت مواجهات حادة بين الفلسطينيين وقوات حرس الحدود والجيش الاسرائيلي.
التخوف الكامن دوما في قلب رجال الاستخبارات هو من تفويت ملاحظة العلامات الاولية، على نمط ما حصل قبل اندلاع الانتفاضة الاولى في كانون الاول 1987. وفي نظرة الى الوراء تبين في حينه ان موجة الاضطرابات الهائلة، التي أدت بقدر كبير الى مؤتمر مدريد وبعدها الى اتفاق اوسلو، سبقتها علامات تحذير تجاهلتها اسرائيل. احدى العلامات البارزة تعلقت بحملة للجيش الاسرائيلي في مخيم بلاطة للاجئين قرب نابلس، قبل بضعة اشهر من اندلاع الانتفاضة. وكتب الباحثون في المخابرات في حينه وثيقة حللت التصميم الذي ابداه الفلسطينيون في مقاومة قوات الجيش الاسرائيلي في المخيم (الجنود، في عدة حالات، فضلوا الانسحاب وعدم الصدام). وفي القيادة العليا فضلوا تجاهل الوثيقة.
ولا يزال، طمون البعيدة ليست مخيم بلاطة للاجئين، الذي يوجد في قلب الضفة. مطلوب تراكم آخر من الاحداث كي يتاح الاعلان عن تغيير حقيقي. لا ريب أن الجمود السياسي، المشاكل الاقتصادية للسلطة واستمرار البناء في المستوطنات تغضب الفلسطينيين في الضفة. من جهة اخرى لا يمكن تجاهل العناصر الكابحة وعلى رأسها اعتبارات قيادة السلطة الفلسطينية نفسها.
رئيس السلطة، محمود عباس (ابو مازن) يخطط لان يستغل في الاشهر القريبة القادمة الانجاز الفلسطيني في الامم المتحدة في محاولة للقبول في منظمات دولية مثل المحكمة في لاهاي وصندوق النقد الدولي. واقع صدامات عنف في الضفة كفيل بان يتناقض مع ادعاء السلطة بان فيها ما يكفي من مزايا الدولة كي تحسن مكانتها.
في السلطة وفي قيادة فتح يخشون من أن يستغل الخصوم من حماس تصعيد العنف على الارض لزيادة شعبيتهم التي حظيت على اي حال بزخم حقيقي بعدما اعتبر في المناطق كانتصار لحماس في المواجهة الاخيرة مع اسرائيل في غزة. وفي هذه اللحظة يبدو أن الضفة كفيلة بان تدخل الى نوع من فترة الجمود، الى ما بعد الانتخابات في اسرائيل واتضاح سياسة الولايات المتحدة من النزاع الفلسطيني في الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما.
كما يوجد شك في مدى انصات العالم العربي لانتفاضة اخرى في المناطق. فالنزف المتواصل للحرب الاهلية في سورية لا يزال يجتذب اليه معظم الانتباه ومؤخرا اضيفت اليه هزة كبرى في العراق، حيث يخرج عشرات الاف السُنة في مظاهرات عاصفة مطالبين بالغاء التمييز ضدهم من جانب الحكومة الشيعية.
يجدر بنا أن نذكر بانه حتى اذا ما اندلعت أخيرا انتفاضة ثالثة، فان وضع اسرائيل ليس مشابها لوضعها عشية الانتفاضة الثانية في ايلول 2000. فمنذئذ اقيم جدار الفصل، الذي يجعل صعبا دخول مخربين انتحاريين، تحسن بلا قياس الغطاء الاستخباري للمخابرات على الارض وتحقق تنسيق عملياتي وثيق بينها وبين الجيش الاسرائيلي والشرطة. اذا ما وعندما سيندلع عنف في المناطق، فانه كفيل بان يرتدي لون الكفاح الشعبي، ضمن امور اخرى بسبب الفشل السياسي الذي تكبده الفلسطينيون في الانتفاضة الاخيرة، والتي اختاروا أن يديروها كموجة اجرامية من هجمات الانتحاريين.
في الوقت الذي يعنون فيه في الضفة بتوسيع كهذا يجدر الانتباه الى ما لا يتحدثون فيه. على حدود القطاع مرت ستة أسابيع هي الاهدأ منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. وفي هذه الاثناء، فان وقف النار يصمد رغم أن اسرائيل تعمل بين الحين والاخر داخل 'القاطع العازل' على طول الجدار مع القطاع. وهذا واقع هش ومؤقت. واضح أيضا أن ليس للطرفين اهتمام كبير في بلورة وثيقة مكتوبة تحدد قواعد اللعبة الجديدة، رغم مساعي الوساطة المصرية (التي سيطالب الطرفان فيها بتنازلات سيدفعون لقاءها ثمنا سياسيا داخليا). ومع ذلك، في غزة يسود في هذه اللحظة هدوء غير مسبوق تقريبا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاسد يعترف انه خسر المعركة؟
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
الكشف الجديد الباعث على الصدمة، الذي يقول ان عدد القتلى في المعارك في سورية اكبر بنحو 15 الفا من العدد الذي قدر حتى الان، يعتمد بنفسه على التقدير. ظاهرا تعرض الامم المتحدة معطى دقيقا، ولكن حسب ما يعترف ممثلها لحقوق الانسان، فان الاعداد قد تكون أكبر بكثير، حيث انه قبل عدة ايام فقط قال المبعوث الخاص للامم المتحدة، الاخضر الابراهيمي، ان العدد قد يصل حتى الى مئة الف.
الاعداد الكبرى من القتل كفيلة بان تبعث على الصدمة ظاهرا. هكذا كان عندما احصي الف قتيل في سورية وهكذا كان عندما ارتفع عددهم الى عشرة الاف. غير أنه في حينه ايضا اكتفوا بتصريحات الشجب، وبلي اللسان، وبالدعوات الممجوجة للاسد بترك الحكم. من تذكر اعداد القتلى في دارفور، في رواندا، في الجزائر او في العراق الذي حتى اليوم لا يعرف ان يقول اذا كان عدد القتلى مئة الف ام ثلاثمئة الف منذ سقوط صدام حسين، سيجد صعوبة في ان يستنتج بان النشر الجديد سيحدث تحولا في موقف قادة العالم، الذين يجدون صعوبة في بلورة موقف مشترك حول العمل اللازم في سورية.
ان المعارك في سورية لن تتوقف او تحسم بسبب عدد. فما بالك عندما لا يكون واضحا ما هو دور الجنود مقابل المواطنين، ومن اوساط المواطنين ما هو عدد مؤيدي الحكم مقابل معارضيه، ابناء الطائفة العلوية مقابل السُنة. وهل سورية تعيش منذ الان حربا طائفية أم ان الكفاح الوطني هو الذي يسفر الان عن العدد الاكبر من القتلى.
في ظل غياب اجماع دولي على التدخل العسكري الخارجي، وعندما تكون ايضا قوى المعارضة، السياسية والعسكرية، تعارض التدخل الاجنبي، فان الحسم في سورية سيكون متعلقا بقدرة الثوار على احتلال مواقع اساسية، وكم يمكنهم أن يمسكوا بحزام السيطرة الضيقة للاسد. كم من هذه المواقع يسيطر عليها الثوار منذ الان، هكذا هو مثلا الطريق الرئيس بين درعا ودمشق، المطار في حلب، والمطار في دمشق الذي لم يحتل، ولكن يهدده الثوار واضطرت الرحلات الجوية الى التوقف. كما أن كثيرا من معابر الحدود بين سورية وتركيا وبين سورية والعراق احتلتها قوات الثوار التي لا تنسق في ما بينها.
احتمال آخر للحسم يكمن في اعتراف الاسد بانه خسر المعركة وأن عليه أن يعد لنفسه مرحلة الانسحاب من الحكم. حتى الان لم تظهر اشارات علنية على ذلك. ومع أن الاسد أعلن بانه مستعد في كل لحظة لاجراء مفاوضات مع المعارضة، ولكنه غير مستعد لان يقبل الشرط الاساس في أن عليه أن ينسحب. كما أن مواقف روسيا المترددة، التي تعتقد تارة بانها غير ملتزمة بالاسد بل بالنظام في الدولة، وتارة اخرى ترفض الشرط الذي بموجبه على الاسد أن ينصرف، تشكل السند لمواصلة وجود النظام.
التوقع الواقعي في هذه اللحظة هو أن عدد القتلى سيرتفع فقط وان المعارك ستستمر في شق قوات الثوار بدون أن تتمكن من الموافقة حتى على تشكيل حكومة مؤقتة. فوق هذا التوقع يحوم سؤال مقلق ومظلم حول قدرة المواطنين على المواصلة وتكبد الخسائر، ورغم ذلك مواصلة الثورة. في هذه المرحلة يبدو أن موقف الجمهور لم يعد ذا صلة، وذلك لانه لم يعد الحديث يدور عن مظاهرات في الشوارع ضد النظام، بل نقل الصراع الى قوات المقاتلين التي هي وحدها تتحمل الان الاحتكار على استمرار الصراع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
<tbody>
في هــــــذا الملف
'بروتوكول باريس': الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي ـ الفلسطيني ومعانيه الاقتصادية
اقتصاد الحكم الذاتي الفلسطيني لم يجلب الرفاه للسكان والنموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مجرد وهم
بقلم:د. افرايم لافي/' مدير مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب،عن، نشرة الكترونية ـ مركز لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا، جامعة تل ابيب.
يا بيريس استقيل
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
الانتفاضة الثالثة حية في عناوين الصحف وليس في الشارع
انتفاضة ثالثة لا تبدو في الافق رغم ارتفاع وتيرة التوتر في الضفة الغربية.. وحتى لو اندلعت فان اسرائيل تدخلها في ظروف محسنة
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
الاسد يعترف انه خسر المعركة؟
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
</tbody>
'بروتوكول باريس': الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي ـ الفلسطيني ومعانيه الاقتصادية
اقتصاد الحكم الذاتي الفلسطيني لم يجلب الرفاه للسكان والنموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مجرد وهم
بقلم:د. افرايم لافي/' مدير مركز تامي شتاينتس لبحوث السلام في جامعة تل أبيب،عن، نشرة الكترونية ـ مركز لدراسات الشرق الاوسط وافريقيا، جامعة تل ابيب.
'بروتوكول باريس'، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي الفلسطيني الذي وقع في نيسان 1994، يوجد اليوم في مركز المناقشات حول الازمة الاقتصادية التي تلم بالسلطة الفلسطينية. ويحلل هذا المقال البروتوكول واثاره في سنوات 1994 2000 ولكن المعاني والاثار صحيحة وذات صلة، سواء بالواقع والتحديات الاقتصادية التي تتصدى لها السلطة الفلسطينية اليوم أم بمنظومة العلاقات الاقتصادية التي بينها وبين اسرائيل.
الفكر الاقتصادي لقيادة م.ت.ف عشية دخولها الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، تأثر برغبتها في أن يتحلى الكيان الفلسطيني، الذي سينشأ بمزايا دولة على الطريق. وأولت القيادة اهمية شديدة للقطاع الاقتصادي انطلاقا من فهمها بان مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين سيكون منوطا بمدى استقلالهم الاقتصادي. وعرفت، على نحو غير صحيح، بان فرص نجاحها في اقامة حكم ذاتي مستقر ونيل تأييد السكان، منوطة بقدرتها على تجنيد مصادر مالية وادارة سياسة اقتصادية ناجعة.
وترافقت الاتفاقات السياسية بين م.ت.ف واسرائيل وتفاهمات حول الحاجة الى تجنيد واسع للاموال من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة وبناء مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية. من ناحية سياسية، كانت المساعدات الخارجية الدولية تستهدف تعزيز حكم السلطة والدعم الشعبي للمسيرة السلمية من خلال تجسيد فضائل السلام وثماره للسكان. والاهداف التي تحددت كانت اقتصاد محسن، حكومة ديمقراطية وناجعة ومشاركة في التنمية الاقليمية.
بمبادرة الرئيس الامريكي اجتمعت الدول المانحة في واشنطن في ايلول 1993، فور التوقيع على اتفاق اوسلو، وتعهدت بتقديم مساعدة للفلسطينيين بمبلغ 2.4 مليار دولار تتوزع على خمس سنوات، 1994 1998. وشكلت الدول المانحة الـ 36 وأربع منظمات غير حكومية لجنة ارتباط على عجل ناشئة عنها لموضوع تنسيق المساعدة. واجتمعت اللجنة بين الحين والاخر بمشاركة مراقبين من السلطة ومن اسرائيل، واتخذت قرارات حول حجم المساعدة واهدافها. وشكل البنك الدولي سكرتاريا ولجنة الارتباط وكان المسؤول عن التحويل الجاري للمساعدة الى المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار). وكان هذا المجلس اقيم في اواخر 1994 بقرار من ياسر عرفات، وكان مسؤولا عن نقل المساعدة الى الوزارات ذات الصلة بالسلطة وعن رفع التقارير وعلاقات العمل مع البنك الدولي، صندوق النقد الدولي والدول المانحة.
وكانت خطة الطوارئ التي بلورها البنك الدولي لمساعدة الفلسطينيين انطلقت من فرضية عمل انه سيعقد تعاون اقليمي في مجالات البنية التحتية مثل المياه والكهرباء. وكانت تميل الى مواجهة المتطلبات العاجلة للاقتصاد الفلسطيني لضمان أسسه، وخصصت مكانا مركزيا للقطاع الخاص، سواء في مجال التمويل أم في مجال تحقيق المشاريع. وكانت القيادة الفلسطينية مطالبة بالاكتفاء بمشاريع متواضعة في البنى التحتية والابقاء على صلة اقتصادية باسرائيل، رغم تفضيلها فك الارتباط عن الاقتصاد الاسرائيلي.
في المداولات التي جرت في أعقاب اتفاق اوسلو لغرض ترتيب العلاقات الاقتصادية، تحدث اقتصاديون فلسطينيون، ولا سيما من بين رجال م.ت.ف الذين جاءوا من تونس، ضد استمرار العلاقة الاقتصادية مع اسرائيل، وقالوا ان النظام التجاري الخاص بـ'الاتحاد الجمركي' سيكون 'مصيبة' للفلسطينيين وسيخلد التعلق باسرائيل. ولكن عشية التوقيع على الاتفاق الاقتصادي مع اسرائيل، اشتد ضغط رجال الاعمال الفلسطينيين من اوساط سكان الضفة الغربية والقطاع ممن طالبوا بمواصلة والابقاء على قدرة الوصول الى السوق الاسرائيلية.
في نيسان 1994 وقع 'بروتوكول باريس'، الاتفاق الاقتصادي الاسرائيلي الفلسطيني، الذي رتب العلاقات الاقتصادية بين الطرفين للفترة الانتقالية التي كانت تحددت لخمس سنوات. وكان النظام التجاري الذي اتفق عليه في البروتوكول هو نظام الاتحاد الجمركي، الذي في اطاره تقررت وفقا لذلك، ضمن امور اخرى، الامور التالية: قوائم يسمح للسلطة الفلسطينية باستيراد البضائع المدرجة فيها؛ الانظمة المتعلقة بمواصفات البضائع المستوردة لمناطق السلطة ومعدلات الجمارك التي تنطبق عليها؛ معدل ضريبة القيمة المضافة 15 16 في المئة، مثل اسرائيل، مع امكانية تغييرات محدودة مقارنة مع معدل ضريبة القيمة المضافة؛ اصدار رخص الاستيراد ـ بمسؤولية كل طرف؛ آلية تنفيذ الاستيراد، والتي تتضمن تنفيذ المواصفات، تحديد الجمارك، اصدار الرخص ـ هي اسرائيلية.
في أعقاب الاتفاق اقيمت المؤسسات الاقتصادية المركزية للسلطة الفلسطينية: وزارة المالية التي تضم قسم الميزانيات، سلطة النقد، ومكتب الاحصاء المركزي. وتمتع القطاع البنكي الفلسطيني بدرجة عالية من الانفتاح والحرية وغياب القيود على صرف العملة، مما اجتذب مستثمرين فلسطينيين كثيرين من الخارج. وادى تبني اساليب الضريبة غير المباشرة الاسرائيلية، التي تتضمن معدل ضريبة قيمة اضافية موحدة، الى جباية ناجعة للضرائب غير المباشرة للطرف الفلسطيني.
اضافة الى ذلك، فقد أدى بروتوكول باريس بقدر كبير، الى تأطير الاندماج الاقتصادي مثلما كان بين الفلسطينيين واسرائيل في عهد الحكم الاسرائيلي المباشر، منذ 1967. وبقيت سوق العمل الاسرائيلية، مثلما كانت، موردا مركزيا للعمالة، وفي الايام العادية كان قرابة 60 الف شخص من سكان الضفة الغربية يعملون في اسرائيل؛ وبقيت اسرائيل هدفا اساسيا للتصدير ومصدرا اساسيا للاستيراد؛ وواصلت اسرائيل السيطرة على علاقات المواصلات والتجارة الخارجية للفلسطينيين وجباية الضرائب عن السلطة قامت بها اسرائيل. وكان لاسرائيل سيطرة على قسم كبير من القرارات الاقتصادية المركزية، مثل العملة، معدلات الجمارك، الفائدة، المواصفات. وأدت التطورات على الارض الى أن اصبح الاتحاد الجمركي غير متماثل: حواجز، تصاريح، تفتيشات وقيود مختلفة على حركة العمل والبضائع، الامر الذي منع عن المصدرين الفلسطينيين قدرة وصول كاملة الى السوق الاسرائيلية والى الاسواق الاجنبية، وجمدت اسرائيل بين الحين والاخر المداخيل من الضرائب التي كان يستحقها الفلسطينيون.
بحث أجراه البنك الدولي في أواخر 1999 وجد أن التجارة بين اسرائيل والفلسطينيين، التي جرت حسب بروتوكول باريس كانت مشوهة في صالح اسرائيل بالنقاط التالية:
تفضيل التجارة في صالح اسرائيل حسب بروتوكول باريس فان بضائع وخدمات اسرائيلية معفية من الجمارك مقابل بضائع من الخارج حجم الجمارك والرسوم عليها هو نحو 50 في المئة بالمتوسط. وتخلق هذه السياسة حماية كبيرة للبضائع المحلية وتمس بالتجارة مع باقي العالم. ولهذا السبب نشأ تفضيل للتجارة مع اسرائيل.
تمنح منظومة الجمارك والرسوم حماية لنشاطات اقتصادية معينة في أنها تخلق اختلافا بين فرع ما وغيره في الاقتصاد. ولا يشجع هذا الوضع الاستثمار والتجارة اللازمين للنمو الاقتصادي، بل ويتفاقم بسبب الكلفة العالية للتجارة التي تتسبب بها السياسة الامنية الاسرائيلية. وهكذا مثلا ينعكس الامر في كلفة النقل التي تضيف نحو 35 في المئة في المتوسط على سعر المنتج مقابل نحو 15 في المئة فقط في باقي الشرق الاوسط (حسب المعطيات التجارية للعام 1998).
القيود على التجارة مع الدول العربية (باستثناء قوائم محدودة من انواع من البضائع) تجعل من الصعب بشكل كبير تنمية التجارة الفلسطينية.
وأوصى البنك الدولي باقامة منظومة جديدة لتوزيع المداخيل من أجل تقليص تسرب الضرائب بين السلطة واسرائيل. اضافة الى ذلك، أوصى صندوق النقد أن تجري السلطة مفاوضات مع اسرائيل على توسيع قائمة المنتجات التي يسمح لها باستيرادها؛ ان تغير منظومة الضريبة وتنتقل من التعلق بالضرائب غير المباشرة الى الضرائب المباشرة؛ ان تلغي الحسم الذي تنفذه اسرائيل بمعدل 25 في المئة من ضريبة الدخل للعمال الفلسطينيين في اسرائيل.
ويتبين من البحث الذي أجراه البنك الدولي ان الاثار الاساسية على الاقتصاد الفلسطيني كانت كلفة التجارة العالية التي نبعت من الحاجة الى نقل البضائع عبر اسرائيل والمعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية. وعليه فقد اوصى بان يصل الفلسطينيون الى 'انسجام' للجمارك الخارجية (اي تشبيه الجمارك بين اسرائيل والخارج من خلال رفعها تجاه اسرائيل او تخفيضها تجاه الخارج)، وكذا أن تلغى المعاملة المفضلة للبضائع الاسرائيلية.
مصاعب وعلل في ادارة الاقتصاد
في غياب التخطيط الاقتصادي للمدى المتوسط والبعيد، وغياب عنوان موحد مسؤول عن التنسيق والادارة النشاط المتعلق بتحويل المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، تميز النشاط الاقتصادي في السلطة بتبعثر الصلاحيات ومجالات المسؤولية بين الوزارات المختلفة (الاقتصاد والتجارة، المالية، التخطيط والتعاون الدولي). كما ان الصراعات الداخلية بين وزراء السلطة في مسألة اي وزارة يجب أن تكون مسؤولية عن تلقي المساعدات وتوجيهها الى الاهداف المختلفة، اضافة الى المصاعب في تحويل الاموال، التي كانت تكمن في غياب اجهزة خبيرة وناجعة وانعدام التجربة في مجال الادارة الاقتصادية في الطرف الفلسطيني. ووجدت السلطة صعوبة في أن تلتزم بالشروط التي طالبتها بها الدول المانحة من حيث الشفافية والمحاسبة في عملية تحويل الاموال واستغلالها عمليا. وكانت النتيجة فجوة واسعة بين الالتزامات المعلنة وبين التحويلات المالية الفعلية.
ولم تسمح هذه المصاعب بالاخراج الى حيز التنفيذ معظم المشاريع التي وردت في الخطة الخماسية. فقرابة 40 في المئة من الاموال (نحو 1 مليار دولار) وصلت في اعوام 1993 1998 خصصت لتغطية العجوزات في ميزانية الدولة، واكثر من 60 في المئة (نحو 1.5 مليار دولار، استثمرت في مشاريع مختلفة. ولم ينسجم سلم اولويات الدول المانحة في تخصيص المساعدات الى اهداف وقطاعات مختلفة، مع احتياجات التنمية للفلسطينيين. وهكذا مثلا، فان الصناعة، الزراعة والبنى التحتية، التي وضعت في رأس خطة التنمية للفلسطينيين، حظيت بمساعدة محدودة. قسم مهم من المساعدات خصص للمجالات الفنية، مثل دورات التأهيل المهني واستكمال التأهيل للموظفين، لكبار رجالات الادارية، لافراد الشرطة وللسجناء المحررين. وتمت الدورات والتأهيلات، في الغالب، من قبل فرق خبراء من الخارج، وكانت اموال المساعدات لهذه الاغراض تمول كلفة اجورهم.
احيانا، تأثر سلم الاولويات في تخصيص المساعدات بجدول الاعمال السياسي للدول المانحة. وهكذا، اعطيت في المساعدات الامريكية التي نقلتها وكالة التنمية الدولية التابعة لوزارة الخارجية الامريكية، اعطيت اولوية لمشاريع تنمية الديمقراطية بينما كانت المستفيدة الاساسية منها هي المنظمات غير الحكومية، التي كيفت نفسها، سواء بارادتها أم بحكم الاضطرار، مع جدول اعمال الممولين. عشرات عديدة من المؤتمرات، ورشات العمل والايام الدراسية اجرتها هذه المنظمات في مواضيع مثل حكم الاغلبية وحقوق الاقلية، او دور المواطن والمجتمع المدني كعوامل تكمل منظومات الحكم. وشكلت هذه النشاطات استمرارا للكفاح الذي بدأ في السنوات التي سبقة اقامة السلطة الفلسطينية الفلسطينية، لادخال مفهوم الحكم الصالح الى المجتمع الفلسطيني.
وكادت السلطة الفلسطينية لا تؤثر على سلم اولويات المانحين. وفي عقدة اللجان التي تشكلت لغرض التنسيق بين المانحين والسلطة في تحويل المساعدات، وجهتها وشكل تخصيصها، تجمعت معظم الصلاحيات والمناصب الاساسية في ايدي ممثلي البنك الدولي، فيما أنه كان لممثلي بكدار تأثير ضيق على اتخاذ القرارات. ضعف الطرف الفلسطيني في هذا المجال تأثر ايضا بالخصومات والتوترات الداخلية بين الوزارات الاقتصادية في السلطة، بينها وبين بكدار وبين الاقسام المختلفة في بكدار والتي عكست، ضمن امور اخرى غياب التخطيط الاقتصادي المركزي للمدى البعيد في السلطة.
وألحق فرض الاغلاقات وغيرها من القيود الاسرائيلية لاعتبارات أمنية، الاضرار بالاقتصاد الفلسطيني. وفقد العديد من العمال الفلسطينيين أماكن عملهم في اسرائيل، واضرت ازمة البطالة المستمرة بالعائلات والمشاغل، بالتجار ورجال الاعمال. وكانت الخسارة المتراكمة جراء الاغلاقات في سنوات 1993 1997 أعلى بالضعفين من عموم المساعدة التي حولها المانحون الى الفلسطينيين. وفي اوساط المانحين نشأ احساس بان المساعدة التي ينقلونها لا تحقق اهدافها في اعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني وتثبيته، مما أثر سلبا على استعدادها لتقديم المساعدات.
الى جانب المصاعب آنفة الذكر، التي منعت القيادة الفلسطينية من تنفيذ نواياها الاولية في تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى مؤسسة اقتصادية مستقلة، فشلت القيادة في ادارة سياسة اقتصادية سليمة. وبين ظواهر الفساد المؤسساتي، برزت ظاهرة الاحتكارات التي أدت الى تركيز اساس القوة الاقتصادية في أيدي مجموعة ضيقة من كبار المسؤولين الفلسطينيين واضرت بالقدرة على ايجاد اقتصاد حر. فقد سمحت قيادة السلطة باقامة احتكارات اقتصادية في مجالات مثل الاسمنت، الطحين، الحديد، من قبل اصحاب مناصب رفيعة في السلطة، بمن فيهم رؤساء أجهزة الامن، واقامت هيئات اقتصادية تصرفت كاحتكارات رسمية، منها سلطة الوقود وسلطة التبغ. وسمحت طريقة الاحتكارات للسلطة بان تجمع في ايديها معلومات عن المشتريات التي تمت في اسرائيل أو عبرها كالوقود وغيرها من البضائع، كي تحصل على معظم المردودات المالية من ضريبة القيمة المضافة، الجمارك وضريبة البلو، التي تجبيها اسرائيل. وشكلت هذه المردودات اساس دخل السلطة من النشاط الاحتكاري الذي ادارته هي وبتكليف منها.
الخلاصة
تطلع قيادة م.ت.ف الى ان تكسب السلطة الفلسطينية، منذ تأسيسها مزايا دولة على الطريق، ونيتها الوصول الى استقلال اقتصادي انطلاقا من التفكير بان في هذا يتعلق مدى الاستقلال السياسي للفلسطينيين تبدد. مزايا الاقتصاد الفلسطيني لم تتغير بقدر كبير في السنوات الاولى من الحكم الذاتي (1995 2000) مقارنة بعهد الحكم الاسرائيلي. ففي القطاع الخاص بقي معظم العاملين في الصناعة الصغيرة، في الخدمات وفي الزراعة. وبقي غياب الاستثمارات، الانتاج المتدني، مستوى الاجر المتدني وشروط العمل المتردية، العلائم البارزة للاقتصاد. فلم تنشأ أماكن عمل للمنضمين الجدد، للعاملين القدامى ولاولئك الذين فقدوا عملهم في اسرائيل. وكان القطاع العام الذي اقامته السلطة هو رب العمل الاكبر في الاقتصاد: في نهاية 1996 كان عدد العاملين فيه نحو 75 الفا، وفي نهاية 1997 ارتفع عددهم الى 100 الف شكلوا اكثر من 17 في المئة من عموم قوة العمل الفلسطيني؛ ولغرض المقارنة ففي عهد حكم اسرائيل عمل في مكاتب الادارة المدنية نحو 6 في المئة فقط من قوة العمل الفلسطينية. وشذ القطاع العام، الذي هو غير منتج في جوهره، في حجمه عن احتياجات السلطة وزاد حجم النفقات الحكومة التي تدفقت في معظمها لدفع الرواتب. وانعكست النتائج بالجداول التي تشير الى امور كالدخل للفرد، الانتاج للفرد، حجم الاستثمارات الخاصة ونصيب التصدير في الناتج القومي الخام. هذه الجداول كانت تشير الى الانخفاض في الفترة موضع البحث.
في هذه الظروف والتي ادير فيها الاقتصاد الفلسطيني تحت الحكم الذاتي، اتيحت تنمية اقتصادية واجتماعية محدودة فقط، رغم المساعدات الاجنبية. واضر تمركز الاقتصاد في نشاط القطاع الخاص وقيد فرص النمو الاقتصادي لانه منع المنافسة، النجاعة وتخفيض الاسعار في المجالات التي انتهج فيها نظام الاحتكارات.ومنع غياب هيئة للتخطيط الاقتصادي وانعدام التنسيق بين الوزارات الاقتصادية في السلطة من بلورة سياسة اقتصادية وتخطيط اقتصادي للمدى المتوسط والبعيد.
د. سميح العابد، مدير عام وزارة التخطيط والتعاون الدولي شرح بان مصاعب التنمية الاجتماعية تنبع ضمن امور اخرى من الحجم المحدود لبناء المختبرات، معاهد البحث العلمي، مراكز التكنولوجيا والمكتبات العامة، ومن النقص في المعلمين، الممرضات والعاملين الاجتماعيين.
فضلا عن كل هذا، واصل التأثير على التنمية الاقتصادية والاجتماعية ايضا حقيقة كون المجتمع تقليدي، بقيت الزراعة مصدرا أساسيا لانتاجها وتصديرها، رغم الانخفاض الذي كان على مدى سنوات الاحتلال في عدد المزارعين. وفي ظل غياب المرجعية العليا وسياسة تنمية اجتماعية شاملة وذات رؤيا بعيدة المدى فقد استمر بقدر كبير الوضع الذي ساد تحت الحكم العسكري الاسرائيلي: ضعف التنسيق في مجالات العمل بين الهيئات المدنية في القطاع العام والقطاع الخاص، تقلص الدور الذي كان يمكن أن تؤدي المؤسسات ومنظمات الاغاثة الاجتماعية، المحلية والاجنبية، في مجال التنمية الاجتماعية.
ولم يؤدِ اقتصاد الحكم الذاتي الذي تميز بالاقتصاد المركزي، القطاع العام المضخم وغير الناجع، وسياسة الاحتكارات، الى نحو اقتصادي وتحسن في رفاه السكان. ولم تحقق المساعدات الدولية اهدافها في اقامة اقتصاد محسن، حكم ديمقراطي ناجع وانخراط في التنمية الاقليمية. وبقيت الخطط التي بلورها اقتصاديون واكاديميون من 'الداخل' وكذا النموذج السنغافوري الذي تحدثت عنه القيادة الفلسطينية مثابة وهم بعيد. ووجدت أزمة التوقعات التي نشأت بين السكان تعبيراتها في الخطاب الجماهيري النقدي وفي انخفاض مستوى التأييد للمسيرة السياسية. اضافة الى ذلك، لم تؤدي الازمة، تقريبا، الى تراص جماهيري من الاسفل للاقتصاديين، المزارعين، رجال الصناعة والخدمات من اجل تغيير الامور.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
يا بيريس استقيل
بقلم:يوئيل ماركوس،عن هآرتس
عشية قيام الدولة عرض بن غوريون على البرت آنشتاين أن يتولى منصب الرئيس الاول لدولة اسرائيل. وحتى اليوم ليست معروفة حقا ما هي دوافع بن غوريون لتعيين عالم ذي صيت عالمي لهذا المنصب. واعتقدت الغيبة في تلك الفترة بان بن غوريون سيكون مستعدا حتى أن يعين صاحب الكشك المجاور لبيته في جادة الصندوق القومي زاوية بن يهودا، على الا يعين في هذا المنصب حاييم وايزمن على خلفية مواجهات سياسية سابقة. آينشتاين رفض، ووايزمن قبل القضاء في أن يتولى المنصب، الذي قال فيه 'المكان الوحيد الذي فيه سأتمكن من دس أنفي هو منديلي'.
وقد أدى وايزمن وعقيلته فيرا دورهما بشكل رسمي، كل كلمة في الصخر. ومنذئذ كل رئيس اختار طريقه. ومثلما توقع كمحلل أمني النصر في حرب الايام الستة، كان حاييم هيرتسوغ رئيسا مع اليد على النبض الامني، بل وتمتع بشعبية لدى الملحقين العسكريين الاجانب. عيزر وايزمن، ابن اخ وايزمن الاول، ابقى على شقاوته حتى كرئيس، وكان ايضا، بالمناسبة الرئيس الاول الذي تناكف مع بيبي في ولايته الاولى كرئيس وزراء. فالمنصب الرسمي لم يسمح لهم بالخروج الى ما هو اكثر من اصدار العفو، استقبال اوراق اعتماد الدبلوماسيين، وهنا وهناك استقبالات في الاعياد. ليس بالضبط الموت من العمل الكادح.
مؤخرا، مع اقتراب الانتخابات، في ظل التهديد بانعطافة متطرفة يمينيا للساحة السياسية، يبدو ملموسا عدم الهدوء في مقر الرئيس. شمعون بيريس، السياسي في كل جزء من جسده، غاضب ومغتاظ من سلوك الحكومة في مواضيع السلام. على الحكومة في هذه المواضيع ان تجند الاصدقاء لا ان تثير حفيظة الاعداء، كما نقل عن بيريس في مؤتمر السفراء السنوي لوزارة الخارجية في القدس. وفي لحظة الصمت التي سادت في القاعة، القى بيريس قنبلة إثر قنبلة: يجب تغيير النهج النزاع الى القوة واستبداله بنهج الحوار المعتدل؛ من الافضل دوما للمرء أن يكون أسدا في جلد خروف على أن يكون خروفا يزأر كأسد ويفزع كل العالم؛ دور دبلوماسيتنا كان دوما مد اليد لمن هو مستعد للحديث'، قال بيرس واضاف: 'انا اعرف ابو مازن منذ 30 سنة، 'هو منفتح ومستعد للحوار'.
شمعون بيريس، المعروف بحديثه البطيء وباسلوبه المعتدل، يرفع مؤخرا صوته حتى في الاحاديث الخاصة. جد غير مميز لرجل مكتبي هادئ أن يصل الى نقطة لا يسيطر فيها على نفسه. في احدى زياراته الى مقر الرئيس جلب بيبي ايضا عقيلته سارة، على أمل أن يهدئ الاجواء في الحديث الرسمي. وكانت النتيجة أن بيريس صرخ عليهما الاثنين.
ما اشعل بيريس على نحو خاص كان ما سمعه في مؤتمر سفراء اسرائيل، الذي يحتل هذه الايام العناوين الرئيسة. واشعل الفتيل سفيرنا في الامم المتحدة رون بروشاور، صاحب الصوت الخشن، الذي انتقد فكرة طرح الان بالذات حملة البناء في E1 بالضبط بعد ان تقرر منح دولة فلسطين مكانة عضو مراقب في الامم المتحدة. وبدلا من قبول النقد ومراعاته انفجر مستشار الامن القومي يعقوب عيمدرور بقول من هذا القبيل: اذا كانت سياسة الحكومة لا تناسبكم، فإما ان تذهبوا الى السياسة أو أن تستقيلوا. ولم ينهض احد.
نائب مدير عام وزارة الخارجية ران كوريل، هدأ روع عميدرور بكلمات، 'التصفيق لم يكن ضد سياسة الحكومة، بل محاولة لفهم المنطق الذي يقبع خلف قرارات الحكومة'. لقد تحدى مؤتمر السفراء سياسة الحكومة، بل وربما تحدى الحكم.
يدعي الناطقون بلسان الليكود بان بيريس يتجند للمعركة ضد بيبي. لشدة الاسف، هذا ليس هكذا. فالتباكي ليس كافيا للرئيس. اذا كان الوضع يشتعل في عظام بيريس، وهو حقا قلق من خطر أن تصعد قيادة يمينية متطرفة الى الحكم وتقودنا الى الحرب فان عليه أن يستقيل من منصبه هنا والان، كي لا يكون مشاركا في الفعل، كي لا يدخل التاريخ كمن كلف بيبي بتشكيل الحكومة القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الانتفاضة الثالثة حية في عناوين الصحف وليس في الشارع
انتفاضة ثالثة لا تبدو في الافق رغم ارتفاع وتيرة التوتر في الضفة الغربية.. وحتى لو اندلعت فان اسرائيل تدخلها في ظروف محسنة
بقلم:عاموس هرئيل،عن هآرتس
صور الحادثة التي وقعت يوم الثلاثاء في قرية طمون في منطقة جنين، والتي اصطدم فيها جنود الجيش الاسرائيلي بعشرات المتظاهرين الفلسطينيين، بعد اعتقال مطلوب من قبل قوة مستعربين، حصلت على مكان الشرف في البث التلفزيوني وفي الصحافة في الغداة. وهذه الصورة اعتقال مفاجئ في وضح النهار وبعده مظاهرات عنف لم تعد شاذة في المشهد في المناطق في الاشهر الاخيرة. ولكن يبدو أن فيها مع ذلك أمرين جديدين: قوة الصدام التي أبداها سكان القرية، والانصات الواضح لوسائل الاعلام للحادثة، التي انتهت بعدة اصابات بجراح طفيفة (في التقارير الاولية في مواقع الانترنت زعم، بقدر من المبالغة، بان المستعربين انكشفوا وتورطوا).
بعد فترة طويلة من الهدوء الامني، فان الضفة اكثر توترا مما كانت في الماضي وبالاساس تحظى بانتباه صحافي متزايد. اما حاليا، فلا يزال يبدو أن الانتفاضة الثالثة حية بقدر أكبر في عناوين الصحف منه على الارض نفسها. من الصعب تجاهل الاحساس بان بعض اسباب ذلك على الاقل هي حزبية وأن التغطية الواسعة ترمي الى تقويض الزعم الذي في أساس حملة بنيامين نتنياهو، في محاولته لان ينتخب من جديد في رئاسة الوزراء: الثناء اليومي على وضع الاسرائيليين الامني الجيد مقارنة بالفترات التي قادت فيها الدولة حكومات سابقة (برئاسة ايهود باراك، شارون وايهود اولمرت).
نتنياهو ليس شاة بريئة، بالطبع. فأول أمس (يوم الاربعاء) دعا صحافيين للانضمام اليه في جولة على طول الجدار في الحدود مع مصر، والاحتفال 'باكماله'. اما عمليا فلم يستكمل الجدار الا في القسم الرئيس من المسار، ولكن ليس في الـ 12 كم في مدخل ايلات. وقد استبقت الاحتفالات لاستخدام هذا الانجاز لاغراض انتخابية. صورة الهدوء الامني هي أمر حاسم لنجاح نتنياهو. وكان هذا السبب الرئيس لقراره الخروج في حملة 'عمود السحاب' في قطاع غزة في تشرين الثاني. فالصور المتواترة لسكان البلدات في 'غلاف غزة' وهم يبحثون عن مأوى للاختباء من الصواريخ من القطاع هددت بتقويض زعم نتنياهو ودفعته لان يقرر الحملة، وإن كان رئيس الوزراء حذرا من التورط بالانجرار الى عملية برية للجيش الاسرائيلي، قد تنطوي على عدد لا بأس به من الخسائر.
محرر 'هآرتس' الوف بن، سبق أن أبدى ملاحظة هذا الاسبوع عن كثرة الصور العسكرية على صفحة الفيسبوك لنتنياهو. والمتنافسون ايضا لا يمتنعون عن دس اياديهم في الصحن. فللبيت اليهودي يوجد اعلان يبدو فيه نفتالي بينيت يسحب حمالة نقل جرحى، تحت عنوان 'بينيت هو أخ'. اما تسيبي لفني فحاولت أن تجري هذا الاسبوع مؤتمرا صحافيا مشتركا مع عمير بيرتس الى جانب بطارية قبة حديدية.
الاتفاق الذي لم يكن
ويحاول رئيس الاركان بيني غانتس، بحكمة، ابعاد الجيش الاسرائيلي عن المناورات الحزبية عشية الانتخابات. وهو لا يمكنه أن يخرج عن قواعد البروتوكول ويمنع رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورئيس الدولة من القاء الكلمات في احتفالات تخريج دورات الطيران. ولكن استخدام القبة الحديدية كزينة مرافقة لليفني وبيريس منعها الجيش. وهكذا ايضا الغي في اللحظة الاخيرة استعراض للمراسلين مع ضابط الجيش الاسرائيلي المسؤول عن بناء الجدار في الجنوب.
على الارض نفسها، يصعب اكثر استخدام الكوابح. فقد تبين للجيش في نهاية الاسبوع الماضي، بعد التضخيم المقصود لقضية اخلاء بؤرة عوز تسيون الاستيطانية قرب رام الله. بينيت يلتف من اليمين، بالجناح المتطرف في حزبه، الذي أقام بؤرة استيطانية وهمية كي يبث بعض الروح القتالية في الجيوش عشية الانتخابات. ووقف قادة الاحزاب من كتلة اليسار الوسط في الصف لشجب المتطرفين واجتذبوا زمن بث باهظ القيمة. وفي الليكود ايضا كان من كسب. رئيس الائتلاف، النائب زئيف الكين من الليكود تباهى بنجاحه في وقف الاخلاء يوم السبت (وأجله الى منتهى السبت)، بعد مكالمتين هاتفيتين عاجلتين مع منسق اعمال الحكومة في المناطق، اللواء ايتان دانغوت.
فحص أكثر عمقا يبين انه لم يتحقق اتفاق الكين دانغوت. عمليا هاتف دانغوت زميله في هيئة الاركان، اللواء قائد المنطقة الوسطى نيتسان الون، ولكن هذا قال انه سبق أن تقرر وقف الاخلاء. وقد عمل الون هكذا لسببين: حقيقة ان قوات الجيش الاسرائيلي وحرس الحدود لم تكن منظمة بما فيه الكفاية لمهمة الاخلاء والزمن القصير المتبقي حتى دخول السبت (نحو نصف ساعة). في الجيش سعوا الى الامتناع عن اثارة اخرى للخواطر وبالفعل اخلوا البؤرة الاستيطانية في الغداء مساء، في ظل استخدام قوة محدودة. وهكذا ايضا على اي حال النواب من كل الاطراف كسبوا من التغطية الاعلامية المكثفة التي كانت هي منذ البداية هدف المناورة بأسرها.
وعودة الى الفلسطينيين: في النقاش الذي جرى في منتصف الاسبوع في قيادة المنطقة الوسطى، تساءل قادة الالوية عن الاحساس المتراكم لدى الجمهور، وكأنه بالفعل توشك انتفاضة ثالثة على الاندلاع في الضفة. انطباعهم مختلف: فالارض كانت تغلي بالذات قبل حملة 'عمود السحاب'. ومنذئذ، يقولون، يلوح هبوط تدريجي في عدد احداث العنف مع الفلسطينيين.
التنسيق الامني مع اجهزة الامن الفلسطينية يتحسن قليلا، بعد فترة وهن، والسلطة استأنفت الاعتقالات في اوساط حماس والجهاد الاسلامي. وفي قيادة المنطقة قلقون من كثرة هجمات 'شارة الثمن' لرجال اليمين المتطرف (هذا الاسبوع احرقت سيارة فلسطينية وكتبت شعارات مضادة في قرية بيت أمر، شمال الخليل)، هي الاخرى تتأثر على ما يبدو باجواء الانتخابات.
ويحتمل بالطبع أن قادة الالوية ورجال الاستخبارات مخطئون. فالحادثة في طمون جديرة بالانتباه بسبب قوة المقاومة في القرية. من المهم ان نرى اذا كانت الظاهرة ستكرر نفسها في حملات اعتقالات اخرى في الفترة القريبة القادمة. أمس أيضا في جنين هاجم مئات المتظاهرين الفلسطينيين قوة من حرس الحدود، جاءت لاعتقال مطلوب مشبوه باعمال ارهابية في المنطقة الصناعية في جنين. ونشأت مواجهات حادة بين الفلسطينيين وقوات حرس الحدود والجيش الاسرائيلي.
التخوف الكامن دوما في قلب رجال الاستخبارات هو من تفويت ملاحظة العلامات الاولية، على نمط ما حصل قبل اندلاع الانتفاضة الاولى في كانون الاول 1987. وفي نظرة الى الوراء تبين في حينه ان موجة الاضطرابات الهائلة، التي أدت بقدر كبير الى مؤتمر مدريد وبعدها الى اتفاق اوسلو، سبقتها علامات تحذير تجاهلتها اسرائيل. احدى العلامات البارزة تعلقت بحملة للجيش الاسرائيلي في مخيم بلاطة للاجئين قرب نابلس، قبل بضعة اشهر من اندلاع الانتفاضة. وكتب الباحثون في المخابرات في حينه وثيقة حللت التصميم الذي ابداه الفلسطينيون في مقاومة قوات الجيش الاسرائيلي في المخيم (الجنود، في عدة حالات، فضلوا الانسحاب وعدم الصدام). وفي القيادة العليا فضلوا تجاهل الوثيقة.
ولا يزال، طمون البعيدة ليست مخيم بلاطة للاجئين، الذي يوجد في قلب الضفة. مطلوب تراكم آخر من الاحداث كي يتاح الاعلان عن تغيير حقيقي. لا ريب أن الجمود السياسي، المشاكل الاقتصادية للسلطة واستمرار البناء في المستوطنات تغضب الفلسطينيين في الضفة. من جهة اخرى لا يمكن تجاهل العناصر الكابحة وعلى رأسها اعتبارات قيادة السلطة الفلسطينية نفسها.
رئيس السلطة، محمود عباس (ابو مازن) يخطط لان يستغل في الاشهر القريبة القادمة الانجاز الفلسطيني في الامم المتحدة في محاولة للقبول في منظمات دولية مثل المحكمة في لاهاي وصندوق النقد الدولي. واقع صدامات عنف في الضفة كفيل بان يتناقض مع ادعاء السلطة بان فيها ما يكفي من مزايا الدولة كي تحسن مكانتها.
في السلطة وفي قيادة فتح يخشون من أن يستغل الخصوم من حماس تصعيد العنف على الارض لزيادة شعبيتهم التي حظيت على اي حال بزخم حقيقي بعدما اعتبر في المناطق كانتصار لحماس في المواجهة الاخيرة مع اسرائيل في غزة. وفي هذه اللحظة يبدو أن الضفة كفيلة بان تدخل الى نوع من فترة الجمود، الى ما بعد الانتخابات في اسرائيل واتضاح سياسة الولايات المتحدة من النزاع الفلسطيني في الولاية الثانية للرئيس باراك اوباما.
كما يوجد شك في مدى انصات العالم العربي لانتفاضة اخرى في المناطق. فالنزف المتواصل للحرب الاهلية في سورية لا يزال يجتذب اليه معظم الانتباه ومؤخرا اضيفت اليه هزة كبرى في العراق، حيث يخرج عشرات الاف السُنة في مظاهرات عاصفة مطالبين بالغاء التمييز ضدهم من جانب الحكومة الشيعية.
يجدر بنا أن نذكر بانه حتى اذا ما اندلعت أخيرا انتفاضة ثالثة، فان وضع اسرائيل ليس مشابها لوضعها عشية الانتفاضة الثانية في ايلول 2000. فمنذئذ اقيم جدار الفصل، الذي يجعل صعبا دخول مخربين انتحاريين، تحسن بلا قياس الغطاء الاستخباري للمخابرات على الارض وتحقق تنسيق عملياتي وثيق بينها وبين الجيش الاسرائيلي والشرطة. اذا ما وعندما سيندلع عنف في المناطق، فانه كفيل بان يرتدي لون الكفاح الشعبي، ضمن امور اخرى بسبب الفشل السياسي الذي تكبده الفلسطينيون في الانتفاضة الاخيرة، والتي اختاروا أن يديروها كموجة اجرامية من هجمات الانتحاريين.
في الوقت الذي يعنون فيه في الضفة بتوسيع كهذا يجدر الانتباه الى ما لا يتحدثون فيه. على حدود القطاع مرت ستة أسابيع هي الاهدأ منذ اندلاع الانتفاضة الثانية. وفي هذه الاثناء، فان وقف النار يصمد رغم أن اسرائيل تعمل بين الحين والاخر داخل 'القاطع العازل' على طول الجدار مع القطاع. وهذا واقع هش ومؤقت. واضح أيضا أن ليس للطرفين اهتمام كبير في بلورة وثيقة مكتوبة تحدد قواعد اللعبة الجديدة، رغم مساعي الوساطة المصرية (التي سيطالب الطرفان فيها بتنازلات سيدفعون لقاءها ثمنا سياسيا داخليا). ومع ذلك، في غزة يسود في هذه اللحظة هدوء غير مسبوق تقريبا.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
الاسد يعترف انه خسر المعركة؟
بقلم: تسفي بارئيل،عن هآرتس
الكشف الجديد الباعث على الصدمة، الذي يقول ان عدد القتلى في المعارك في سورية اكبر بنحو 15 الفا من العدد الذي قدر حتى الان، يعتمد بنفسه على التقدير. ظاهرا تعرض الامم المتحدة معطى دقيقا، ولكن حسب ما يعترف ممثلها لحقوق الانسان، فان الاعداد قد تكون أكبر بكثير، حيث انه قبل عدة ايام فقط قال المبعوث الخاص للامم المتحدة، الاخضر الابراهيمي، ان العدد قد يصل حتى الى مئة الف.
الاعداد الكبرى من القتل كفيلة بان تبعث على الصدمة ظاهرا. هكذا كان عندما احصي الف قتيل في سورية وهكذا كان عندما ارتفع عددهم الى عشرة الاف. غير أنه في حينه ايضا اكتفوا بتصريحات الشجب، وبلي اللسان، وبالدعوات الممجوجة للاسد بترك الحكم. من تذكر اعداد القتلى في دارفور، في رواندا، في الجزائر او في العراق الذي حتى اليوم لا يعرف ان يقول اذا كان عدد القتلى مئة الف ام ثلاثمئة الف منذ سقوط صدام حسين، سيجد صعوبة في ان يستنتج بان النشر الجديد سيحدث تحولا في موقف قادة العالم، الذين يجدون صعوبة في بلورة موقف مشترك حول العمل اللازم في سورية.
ان المعارك في سورية لن تتوقف او تحسم بسبب عدد. فما بالك عندما لا يكون واضحا ما هو دور الجنود مقابل المواطنين، ومن اوساط المواطنين ما هو عدد مؤيدي الحكم مقابل معارضيه، ابناء الطائفة العلوية مقابل السُنة. وهل سورية تعيش منذ الان حربا طائفية أم ان الكفاح الوطني هو الذي يسفر الان عن العدد الاكبر من القتلى.
في ظل غياب اجماع دولي على التدخل العسكري الخارجي، وعندما تكون ايضا قوى المعارضة، السياسية والعسكرية، تعارض التدخل الاجنبي، فان الحسم في سورية سيكون متعلقا بقدرة الثوار على احتلال مواقع اساسية، وكم يمكنهم أن يمسكوا بحزام السيطرة الضيقة للاسد. كم من هذه المواقع يسيطر عليها الثوار منذ الان، هكذا هو مثلا الطريق الرئيس بين درعا ودمشق، المطار في حلب، والمطار في دمشق الذي لم يحتل، ولكن يهدده الثوار واضطرت الرحلات الجوية الى التوقف. كما أن كثيرا من معابر الحدود بين سورية وتركيا وبين سورية والعراق احتلتها قوات الثوار التي لا تنسق في ما بينها.
احتمال آخر للحسم يكمن في اعتراف الاسد بانه خسر المعركة وأن عليه أن يعد لنفسه مرحلة الانسحاب من الحكم. حتى الان لم تظهر اشارات علنية على ذلك. ومع أن الاسد أعلن بانه مستعد في كل لحظة لاجراء مفاوضات مع المعارضة، ولكنه غير مستعد لان يقبل الشرط الاساس في أن عليه أن ينسحب. كما أن مواقف روسيا المترددة، التي تعتقد تارة بانها غير ملتزمة بالاسد بل بالنظام في الدولة، وتارة اخرى ترفض الشرط الذي بموجبه على الاسد أن ينصرف، تشكل السند لمواصلة وجود النظام.
التوقع الواقعي في هذه اللحظة هو أن عدد القتلى سيرتفع فقط وان المعارك ستستمر في شق قوات الثوار بدون أن تتمكن من الموافقة حتى على تشكيل حكومة مؤقتة. فوق هذا التوقع يحوم سؤال مقلق ومظلم حول قدرة المواطنين على المواصلة وتكبد الخسائر، ورغم ذلك مواصلة الثورة. في هذه المرحلة يبدو أن موقف الجمهور لم يعد ذا صلة، وذلك لانه لم يعد الحديث يدور عن مظاهرات في الشوارع ضد النظام، بل نقل الصراع الى قوات المقاتلين التي هي وحدها تتحمل الان الاحتكار على استمرار الصراع.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ