تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 297



Haneen
2013-01-17, 12:02 PM
<tbody>


</tbody>

<tbody>
الاثنــــين
14/1/2013



</tbody>

<tbody>


</tbody>

<tbody>
أقلام وآراء عـــــــــــــربي



</tbody>


<tbody>
في هـــذا الملف:

عن عودة 'فتح'
بقلم: عبد الحليم قنديل (كاتب مصري) عن القدس العربي

ما بعد اعتراف بيريز باغتيال عرفات..؟!
بقلم: نواف الزرو عن العرب اليوم الأردنية

الفلسطينيون واليهود المصريون بين النظام والمعارضة
بقلم:جوزيف مسعد(أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك) عن الأخبار البيروتية

مناطحات الرعب في إسرائيل!
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية

قلق أميركي من تدهور شعبية "الإخوان المسلمين"
بقلم: عبدالعظيم محمود حنفي(خبير مصري بالشؤون السياسية والاستراتيجية) عن السياسة الكويتية

الربيع العربي.. هل حقق الأمن والأمان للمواطن وأنقذه من جوعه؟
بقلم: عامر إلياس شهدا عن الوطن السورية

ما سر التقارب بين الإخوان وإيران؟
بقلم: أحمد عثمان عن الشرق الأوسط

لماذا عاش جمال عبدالناصر؟
بقلم: عبد الله السناوي عن الشروق المصرية




</tbody>



















عن عودة 'فتح'
بقلم: عبد الحليم قنديل (كاتب مصري) عن القدس العربي
لفت أنظار المراقبين ذلك الحشد المليوني في الذكرى الثامنة والأربعين لانطلاق حركة 'فتح'، ولفت الأنظار أكثر بروز الحشد 'الفتحاوي' في غزة بالذات، والتي سيطرت عليها حركة 'حماس' قبل سنوات، وأقامت عليها سلطتها الحصرية.
بدا الاحتفال الفتحاوي في غزة جزءا من عملية تهدئة فلسطينية متبادلة، حيث سمحت سلطة رام الله الفتحاوية باحتفال لحماس في الضفة الغربية، وردت سلطة حماس في غزة بالسماح لحركة فتح بإقامة احتفالها السنوي، وبدا تطبيع العلاقات مفيدا في التعرف على تغيرات مستجدة في النفوذ الجماهيري للحركتين الفلسطينيتين المتنافستين .
والمدهش أن احتفال فتح في غزة فاق في حجمه احتفال 'حماس' في غزة نفسها، وهو ما يظهر تعديلا ملموسا في الموازين، فقد جرت آخر انتخابات فلسطينية قبل سنوات طويلة، وحققت فيها 'حماس' فوزا كاسحا، وبدا أن 'حماس' تتقدم لترث نفوذ فتح القديم، وساهمت ضغوط دولية وإقليمية في حرمان 'حماس' من حقها في تشكيل حكومة فلسطينية مستقرة، وظل الشد والجذب قائما، وجرى عقد اتفاقات تهدئة سرعان ما جرى النكوص عنها، وانتهى الصدام السياسي إلى صدام عنيف بالسلاح في غزة، سيطرت بعده حركة حماس على مقاليد الأمور في القطاع، فيما فرضت 'فتح' سلطتها الواقعية في الضفة الغربية، وضيقت كل حركة على الأخرى في مجال نفوذها.
وكما جرى حرمان 'حماس' من نشاط جماهيري أو عسكري ظاهر في الضفة، فقد جرى أيضا حرمان 'فتح' في غزة، وإلى وقت استطال لخمس سنوات، ومع مستجدات الربع الأخير من عام 2012، بدا أن 'حماس' نجحت إلى حد كبير في فك الحصار عن غزة، وحظيت بدعم إقليمي قوي من تركيا وقطر والسلطة 'الإخوانية' في مصر، إضافة للدعم العسكرى الإيراني الذى مكنها من الصمود في حرب غزة الأخيرة، وهكذا خرجت 'حماس' من الحرب أكثر قوة، وبدت كأنها التنظيم الفلسطيني الأعظم تأثيرا، وأقامت احتفالها بذكرى التأسيس في حضور زعيمها خالد مشعل لأول مرة، وفيما بدا احتفال حماس غاية في النظام، وشهد حضورا جماهيريا كثيفا كما هي العادة، لكن احتفال 'فتح' الذي أعقب احتفال حماس حمل المفاجأة، وبدا كاحتفال عفوي شعبي مذهل في حشوده، برغم أن محمود عباس ـ القائد الحالي لحركة 'فتح' ـ لم يشهده شخصيا، واكتفى بتوجيه كلمة إلى المحتفلين عبر 'الفيديو كونفرانس'، وبدا الأمر كله عودة مظفرة لحركة فتح إلى ديار غزة معقل 'حماس' التقليدي.
وبالطبع، قد تجد بعض تفسير لما جرى في التفاعلات الفلسطينية الداخلية، فقد حقق عباس ـ زعيم فتح ـ نصرا سياسيا أعقب نجاح حماس في ردع العدوان الإسرائيلي، وكسب لفلسطين صفة الدولة 'غير العضو' في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأقيمت احتفالات جماهيرية حاشدة في الضفة الغربية ابتهاجا بما جرى تصويره كنصر مؤزر لعباس وحلم الدولة الفلسطينية، لكن المفاجأة الحقيقية كانت في الدعم الجماهيري المضاف لعباس في غزة، فقد عكست حشود احتفال 'فتح' بغزة ضيقا جماهيريا باديا بحكم حماس، والذي يمتاز بالتضييق الاجتماعي فوق القمع السياسي والأمني، وبدا أن جاذبية تفوق حماس العسكري أقل أثرا من جاذبية نصر عباس السياسي، صحيح أن حماس تمتلك جهازا تنظيميا يبدو أكثر صلابة، لكنها فقدت على ما يبدو جاذبية المشروع، فقد صعدت حماس فلسطينيا على أساس من تبنيها للمشروع المقاوم، فيما بدا عباس محصورا محاصرا في مشروع مساوم عظيم البؤس.
وكان فوز حماس الانتخابي الكاسح ترجمة لتغيرات حاسمة في الموازين وقتها، بدت فيها حركة 'فتح' يتيمة إثر الوفاة الغامضة لمؤسسها الزعيم التاريخي ياسر عرفات، فيما بدت حماس فى صورة الحركة الاستشهادية المقاومة الرافضة لاتفاق 'أوسلو' وما تلاه، لكن دخول حماس إلى الانتخابات مثل أول تراجع سياسي، صحيح أنها حققت فيه فوزا، لكنه الفوز الذي أنهك عقيدة الحركة، وأضر بتجردها المقاوم، فقد نقلت مركز ثقل اهتمامها من السلاح إلى السياسة، ثم لجأت إلى السلاح لحسم صراع السياسة في غزة، وأقامت سلطة بدت كغاية في ذاتها، وتحول جناحها العسكري إلى قوة تأمين لسلطة بدت محصورة في جيب غزة، وهو ما جعل القبول الجماهيري التلقائي لحماس في أزمة، فقد أجبرت حماس الناس في غزة على الانقياد لسلطتها، وأقامت حكما حديديا أضاف إلى متاعب الحصار المفروض، وأصابت مفاسد السلطة المطلقة الكثير من كوادرها وقياداتها، ولم يعد لها ذات الامتياز والبريق الأخلاقي القديم مقارنة بالفساد التقليدي لكوادر وقيادات فتح.
أضف إلى ذلك تداعي عناوين مشروعها المقاوم، وسعيها إلى التفاوض غير المباشر مع كيان الاغتصاب الإسرائيلي، وهكذا ضاعت الحدود المرئية بين مشروع حماس المقاوم ومشروع عباس المساوم، وبما جعل التفضيل الجماهيري منصرفا إلى أسباب أخرى، فقد تراجعت أولوية قضية الاحتلال والتحرير والمقاومة، وتقدمت أولويات أخرى منصبة على أحوال المعيشة، والمقارنة بين أحوال الناس الأكثر يسرا في مدن الضفة الغربية، وبين أحوال الناس الأكثر عسرا في غزة، وبما جعل جاذبية سلطة عباس تتفوق على جاذبية سلطة حماس.
غير أن جاذبية حركة 'فتح' المستعادة في غزة لها بعد آخر يبدو أكثر ظهورا، البعد المقصود عربي عام ومصري بالذات، فقد انتهت ثورات الربيع العربى ـ مؤقتا ـ إلى حكم الإخوان، بدا إخوان تونس ـ حركة النهضة ـ في مقدمة المشهد السلطوي بعد الثورة، ثم أقام الإخوان المسلمون في مصر نظاما سياسيا تجريبيا , وبدت سلطة الإخوان في مصر محابية بالضرورة لحركة 'حماس' الإخوانية، خاصة أن غزة من زوايا جغرافية وتاريخية تبدو لصيقة جدا بأحوال مصر الداخلية، وقد تفاءلت حركة حماس بصعود الإخوان في مصر، وحظيت بامتيازات هائلة لم تكن لها في أي وقت، وبدت سعيدة بكونها فرعا فلسطينيا لسلطة الإخوان المسلمين المصرية، وربطت نفسها بكسب أو خسارة الإخوان في مصر، وتجاوزت عن الدرس البديهي في التعامل مع الساحة المصرية بالغة التفرد.
ففلسطين قضية وطنية مصرية جامعة، وليست أبدا قضية لحزب ولا لجماعة بذاتها، وقد أخطأت حماس بتحزيب و'أخونة' الهوى الفلسطيني في مصر، وهو ما جعل جاذبيتها ـ أي جاذبية حماس ـ تتآكل بسرعة في مصر، وبطريقة متوازية مع تآكل شعبية السلطة الإخوانية، وهكذا تولد نفور فلسطيني من حماس مواز تماما للنفور المصري المتزايد من حكم الإخوان، وكان الأثر نفسه قد لوحظ في أول انتخابات ليبية جرت أواسط 2012، فقد أثر ارتباك تجربة البرلمان الإخواني المصري على حظوظ إخوان ليبيا، ولم يحصلوا فى انتخابات القوائم الليبية سوى على عشرة بالمئة من الأصوات، ثم بدا تأثير تواضع أداء الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي ظاهرا في الحالة الفلسطينية، وأثر بالسلب على شعبية حماس في معقلها الغزاوي، وهو ما أتاح لحركة فتح صعودا جماهيريا لاتخطئه العين.

ما بعد اعتراف بيريز باغتيال عرفات..؟!
بقلم: نواف الزرو عن العرب اليوم الأردنية
في الوعي السياسي الفلسطيني والعربي إلى حد كبير، كانت القناعة راسخة بأن شارون هو الذي يقف وراء اغتيال الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات، ولم يكن ينقص سوى الأدلة، والاعتراف عادة هو سيد الأدلة، وها هو الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز يقدم لنا هذا الاعتراف، فيعترف في مقابلة نادرة مع صحيفة نيويورك تايمز بـ "أن إسرائيل ما كان لها أن تغتال الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات، لأنه من دونه الأوضاع أصعب، وأنه كان بالإمكان التعامل معه ومن دونه كان الوضع أصعب وأكثر تعقيدا"، ولا شك أن هذا الاعتراف على لسان شيخ السياسة الإسرائيلية، إنما هو "دليل جديد يضاف إلى ملف القضية"، ولا يتبقى عمليا إلا أن يتحرك الفلسطينيون والعرب ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني في العالم، من أجل جلب"إسرائيل" للجنايات الدولية، فهل ننتظر هذه اللحظة يا ترى..؟!
إلى ذلك، ورغم أن هذا الملف-أي ملف اغتيال عرفات- يكفي لمحاكمة"إسرائيل"، إلا أنه يمكن أن تضاف إليه عشرات الملفات الأخرى المتعلقة باغتيال عشرات القادة والعلماء والأكاديميين والسياسيين الفلسطينيين والعرب.
فـ"إسرائيل"اغتالت عددا كبيرا من قادة الشعب الفلسطيني في العلن، وعددا كبيرا آخر في السر، وإن هي اعترفت اليوم على لسان بيريز بالضلوع في اغتيال عرفات، لا أن هناك عشرات بل ربما مئات الاغتيالات السرية التي لم تعترف بها، ويمكن إضافة عشرات الملفات الأخرى المتعلقة بالفتاوى والتصريحات الإرهابية التي تطالب بالاغتيال والقتل والذبح والتدمير، وفي نهج الاغتيال صرح عضو الكنيست الإسرائيلي اليميني المتطرف ميخائيل بن آري، على سبيل المثال "إن اغتيال الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، على غرار اغتيال قائد القسام أحمد الجعبري، سيكون أمرًا رائعًا- حسب ادعائه-، لأنه ينكر الهولوكوست، وخطط للمذبحة التي وقعت في مدينة معالوت شمالي إسرائيل عام 1974".
وفي ملف اغتيال عرفات كذلك، يمكن توظيف المناخات السياسية التحريضية الإرهابية الإسرائيلية التي أحاطت بالرئيس عرفات، في إدانة وتجريم باراك وشارون وقادة إسرائيل، فلم يترك باراك الحلبة السياسية الإعلامية حتى بعد سقوطه المدوي في الانتخابات أمام شارون، إذ أعلن بعد نحو سنة على قمة كامب ديفيد " أنه طالما أن عرفات على رأس القيادة الفلسطينية، فإنه لا يوجد أي أمل بالتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين"، وأظهر باراك عداء تحريضياً سافراً لعرفات والفلسطينيين حينما صرح في لقاء مع صحيفة نيويورك تايمز:" أن عرفات إرهابي ومجرم يقود منظمة إرهابية"، ليقدم باراك مرة أخرى غذاء تحريضياً يعزز القناعة الذاتية القمعية القائمة في المجتمع الإسرائيلي في" أن إسرائيل قد بذلت كل ما في وسعها حتى تستجيب للفلسطينيين، إلا أنهم رفضوا الفرصة التاريخية مرة أخرى"، ما أكده شمعون بيريز وزير خارجية حكومة شارون في عهده بادعائه "أن إسرائيل عرضت على الفلسطينيين استقلالاً كاملاً وإنهاء الاحتلال من دون إطلاق رصاصة واحدة، غير أنهم رفضوا العرض".
ووفق الوثائق الإسرائيلية فقد كان هناك اتفاق بين الجنرالين باراك وشارون، توصلا إليه عشية الانتخابات التي جرت في شباط/ 2001، يقضي بأن يواصل الفائز منهما الحملة الإعلامية المكثفة المركزة ذاتها، التي تحمل عرفات مسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد- ومسؤولية اندلاع الانتفاضة والمواجهات، التي تعتبره أنه "لم يعد شريكا مناسبا للسلام"، وهي الصيغة التي نجح شارون بتطويرها وبلورتها على مدى سنوات رئاسته بشعار" أن عرفات لم يعد ذا صلة بالعملية " وأنه " أصبح لاحقا هدفا للإقصاء والاغتيال"، كما أعلن الجنرال موفاز معززا:"إنه على الفلسطينيين اختيار قيادة بديلة له تكون ذا صلة بالعملية"، التي هي مسيجة بطبيعة الحال بالشروط والاشتراطات السياسية والأمنية الإسرائيلية.
لقد أجمع الثلاثي -باراك -شارون -بوش- آنذاك على أن عرفات لم يعد ذا صلة، وأنه على الفلسطينيين أن يأتوا بقيادة بديلة له، فأصبح عرفات ليس ذا صلة بالعملية السياسية كلها، كما أعلن أقطاب " إسرائيل " في كل مناسبة، وأصبح رأسه مطلوبا إسرائيليا وأمريكيا وبات في دائرة الاستهداف الإسرائيلية، فأهدر باراك وشارون وموفاز دمه وأعلنوا حينئذ أن مسألة اغتياله باتت مسألة وقت، من دون أن يحرك العالم ساكنا..؟!!
فلو كنا في زمن فلسطيني وعربي ودولي آخر، لكان من شأن تحقيق الجزيرة حول تسميم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قبل شهور قليلة، ومن شأن هذا الاعتراف على لسان بيريز، أن يقيم الدنيا ولا يقعدها، حتى يجلب الجناة إلى كرسي المحاكمة والعقاب، وأن يقدم قادة ومسؤولون لمحكمة الجنايات الدولية، فالرئيس الراحل لم يكن شخصا عاديا، وإنما كان وبالإجماع الفلسطيني العربي والدولي، الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، وقائد مسيرة النضال الوطني الفلسطيني، فضلا عن أنه الرمز الكبير للنضال الفلسطيني، الذي تمسك بالحد الأدنى من الثوابت الوطنية الفلسطينية، وكان الزعيم الفلسطيني الوحيد القادر حتى من وجهة نظرهم، على عقد اتفاق سياسي استراتيجي مع "إسرائيل".
الفلسطينيون واليهود المصريون بين النظام والمعارضة
بقلم: جوزيف مسعد(أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك) عن الأخبار البيروتية
أثارت التصريحات الأخيرة للقيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان حرباً دعائية في مصر، استهدفت الفلسطينيين واليهود المصريين. وقد أسهمت تصريحات العريان، والضجة الإعلامية التي أثارتها، في إلهاء الناس عن المشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد نتيجة إخفاقات حكومة الرئيس مرسي المتتالية وانتهازية المعارضة عالية الصوت بشقيها الليبرالي والفلولي (ولا ينطبق هذا على من يعادي الامبريالية من المعارضين). ولولا التبعات الكبيرة المترتبة على هذه الحرب الدعائية على خطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتقويض الثورة المصرية والسيطرة على نتائجها وتسخيرها لخدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية، لكانت لا تتعدى كونها زوبعة في فنجان.
لقد قام العريان بدعوة اليهود المصريين القاطنين في إسرائيل للعودة إلى وطنهم. وليست دعوته هذه بالحدث الجديد. ففي الواقع كانت مصر أنور السادات قد دعت اليهود المصريين إلى العودة في عام ١٩٧٥ بناء على طلب من منظمة التحرير الفلسطينية، التي رأت في مغادرة اليهود العرب إلى إسرائيل في ظلّ الأنظمة العربية السابقة بمثابة هدية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، وعليه فقد دعت منظمة التحرير الفلسطينية لإعادة اليهود العرب إلى أوطانهم، وطالبت القادة العرب آنذاك (ولم يكن أي منهم في السلطة عندما غادر اليهود العرب أوطانهم في الخمسينيات والستينيات) بإصدار دعوة مفتوحة لهم إلى العودة. وقد استجابت كل من المغرب، واليمن، وليبيا، والسودان، والعراق، ومصر لدعوة منظمة التحرير الفلسطينية وقامت بالفعل بتوجيه دعوة مفتوحة لليهود العرب للعودة إلى بلادهم. ولكن وعلى الرغم من هذه الجهود، لم تستجب لا إسرائيل ولا الجاليات اليهودية العربية القاطنة فيها إلى الدعوة.
قامت إسرائيل في العقدين الأخيرين باستغلال مسألة اليهود العرب كثقل لموازنة المطالب الفلسطينية المدعومة بالقانون الدولي بحقهم في العودة إلى فلسطين، التي طردهم الصهاينة منها. وبدأت القيادة اليهودية الأشكنازية، وهي ذات القيادة التي ما فتئت تميّز عرقياً ضد اليهود العرب في إسرائيل، ببذل الجهد للمطالبة بالتعويض عن خسائر اليهود العرب لممتلكاتهم، فيما شرع صهاينة ليبراليون ومؤيدون لهم في الغرب بإصدار البيانات التي لخصت ما حدث في عام ١٩٤٨ وما تلاه على أنه «تبادل سكان» عادل بين «العرب» و«اليهود» (وقارنوه بما حصل إبان انفصال باكستان عن الهند)، ودعوا الفلسطينيين إلى التخلي عن مطالبهم بالعودة والتعويض. وتغفل هذه الدعاية ذبح الفلسطينيين وطردهم قسراً من وطنهم، في حين غادر أغلب اليهود العرب أوطانهم نتيجة المضايقات والممارسات الصهيونية التي عرضت حياتهم للخطر.
وجد الصهاينة والدعاية الإسرائيلية في المقارنة بين معاملة الدول العربية السيئة للاجئين الفلسطينيين، والتي ترفض منحهم الجنسيات ولا توفر لهم مساكن دائمة، وتبقيهم قابعين في مخيمات اللاجئين مقابل معاملة إسرائيل لليهود العرب ومنحهم الجنسية الإسرائيلية وتوفير السكن لهم بالفعل خارج مخيمات اللاجئين، حجة إضافية لإثبات مدى تحضّر إسرائيل مقارنة بهمجية العرب. وهنا يبرز تناقض صهيوني فاضح في هذا الطرح، حيث تدعي إسرائيل من جهة أنها هي وطن يهود العالم، ومن جهة أخرى تزعم أن اليهود العرب لاجئون فيها بعد أن هُجّروا من أوطانهم، مغفلة ادعاءها الصهيوني المعتاد بأنهم «عادوا» إلى وطنهم إسرائيل.
أما الادعاءات الإسرائيلية عن وضع اللاجئين الفلسطينيين فهو صحيح جزئياً، حيث منح الفلسطينيين الجنسية في بعض الدول العربية (لا سيما في الأردن)، ولكن خلافاً لإسرائيل التي وهبت الأراضي والممتلكات الفلسطينية المسروقة، التي قامت بطرد أصحابها، للمستوطنين اليهود، بما في ذلك اليهود العرب (على الرغم من أنّ الأخيرين حصلوا على الأراضي والممتلكات الأقل قيمة وفقاً لعنصرية إسرائيل الأوروبية الأشكنازية ضد اليهود العرب)، فلم تهب الدول العربية الممتلكات اليهودية للفلسطينيين ولم تسكنهم في منازلهم. وهكذا، تُقدَّم الجريمة الإسرائيلية بسرقة الممتلكات الفلسطينية ومنحها لليهود، وهو الأمر الذي يحظره القانون الدولي، على أنّها أعمال تدلّ على حضارية المستعمرة الاستيطانية اليهودية مقارنة بهمجية العرب. في هذا السياق، من المهم أن نؤكد أنّ الفلسطينيين هم من يستحق التعويض عن ممتلكاتهم المسروقة من قبل جميع المستوطنين اليهود الذين يعيشون على أراضيهم وفي منازلهم منذ ستة عقود ونيف، بمن فيهم اليهود العرب.
أما حقيقة أنه لم يطرد اليهود العرب من أيّ دولة عربية، حتى من تلك التي عانوا فيها من المضايقات من قبل السلطات أو حتى من شرائح المجتمع بأسره، فتظلّ قضية جوهرية في هذا الطرح. ففي اليمن والعراق، قامت إسرائيل بتهجير المجتمعات اليهودية من خلال وسائل إجرامية مختلفة، لا سيما من خلال تفجيرات الموساد لمواقع يهودية في العراق، وعبر صفقات سرية مع مختلف الأنظمة العربية، بما في ذلك النظام اليمني. وفي الجزائر، قامت إسرائيل بتجنيد أفراد من المجتمع اليهودي، الذي كان عدده قد بلغ مئة ألف (وجميعهم من حملة الجنسية الفرنسية التي حصلوا عليها بموجب مرسوم كريميو الذي أصدرته فرنسا في عام ١٨٧٠، مع الأخذ بالاعتبار أن نسبة لا بأس بها منهم كانت من المستوطنين الأوروبيين)، للتجسس على ثوار جبهة التحرير الوطني وتقديم تقارير عنهم إلى السلطات الفرنسية. في حين كانت القوات العسكرية الإسرائيلية تجري تدريبات عسكرية على التراب الجزائري المحتل مع سلطات الاحتلال الفرنسي في الخمسينيات. وبالطبع لا يمكن لوضع كهذا أن يؤدي إلى زيادة الألفة بين اليهود والمسلمين في الجزائر، والأخيرون كانوا يرزحون تحت أشدّ أنواع الاستعمار الأوروبي وحشية في أفريقيا. وفي حين قاتل اليهود الجزائريون جنباً إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين أثناء المقاومة ضد الفرنسيين في منتصف القرن التاسع عشر مع الأمير عبد القادر، إلا أنّ سياسة فرّق تسد الاستعمارية الفرنسية هي التي أدّت إلى خلق الشرخ بين الفريقين.
أما في مصر، فتمّت مهاجمة مصالح اليهود المصريين في عام ١٩٤٨ على أيدي أفراد من جماعة الإخوان المسلمين وأفراد من حزب مصر الفتاة غير الإسلامي، مما أدى إلى رحيل عدد صغير من اليهود (لا سيّما أولئك الذين يحملون جنسيات أجنبية).
وقامت إسرائيل في وقت لاحق بتجنيد يهود مصريين كجواسيس وإرهابيين قاموا بعمليات تفجير في القاهرة والإسكندرية في عام ١٩٥٤ لتشويه صورة جمال عبد الناصر في الغرب، كما قامت إسرائيل، أيضاً، بغزو البلاد في عام ١٩٥٦ جنباً إلى جنب مع القوات الفرنسية والبريطانية واحتلال أراض مصرية.
وعلى اثر هذا العدوان قامت السلطات المصرية بطرد جميع المواطنين الأجانب من حملة الجنسيات الفرنسية والبريطانية من البلاد (حوالي ١٧٠٠٠ شخص)، وكان من ضمنهم يهود. وعندما شرع عبد الناصر بتطبيق سياسة التأميم، أخذت الأسر التي تمتلك شركات كبيرة، والتي كان من المقرّر أن يطالها التأميم، بمغادرة البلاد. وكان من ضمن هذه الأسر الغنية المصرية مسلمون ومسيحيون ويهود (وكثير منهم كان يحمل جنسيات أجنبية)، إضافة إلى المسيحيين الشوام والأرمن واليونانيين والإيطاليين. وفي أعقاب «فضيحة لافون» في عام ١٩٥٤، ساد الشارع المصري غضب شعبي ضد اليهود المصريين، لم يكن بالإمكان تفاديه، على الرغم من محاولات الحكومة المصرية خلال محاكمات الإرهابيين الحفاظ في خطابها على التمييز بين المجتمع اليهودي والإرهابيين المجندين. وينبغي مقارنة هذا الوضع مع العنصرية الحالية المعادية للعرب والمناهضة للمسلمين في الولايات المتحدة، والتي، كما أشار أسعد أبو خليل مؤخراً، تواصل استهداف العرب والمسلمين الأميركيين بعد أحد عشر عاماً على أحداث ١١ سبتمبر/أيلول، على الرغم من أن أياً من الإرهابيين الذين ارتكبوا جرائم ذلك اليوم لم يكن أميركياً من أصول عربية أو مسلمة. فمنذ بضعة أيام فقط، دفعت امرأة أميركية عنصرية شاباً هندياً (ينتمي إلى طائفة الهندوس) أمام قطار مترو الانفاق في مدينة نيويورك مما أدى إلى قتله: وقالت المجرمة للمدعي العام: «لقد دفعت بمسلم تحت قضبان القطار لأنني أكره الهندوس والمسلمين منذ عام ٢٠٠١ عندما نسفوا البرجين التوأمين». وكان هذا آخر ضحية لعنف العنصرية الكارهة للعرب المسلمين في أميركا وللهنود الهندوس والسيخ الذين يعتقد عنصريو أميركا بأنهم مسلمون.
من الجدير بالذكر أنّ نسبة كبيرة من يهود مصر لم يكونوا مصريين قانونياً، وأنهم لم يحملوا الجنسية المصرية بل كانوا يحملون جوازات سفر أوروبية (إيطالية وروسية وبريطانية وفرنسية)، وأنّ العديد منهم لم يكن حتى يتكلم العربية، مما عزّز التصوّر في بعض الأوساط الشعبية أنهم لم يكونوا بالضرورة مخلصين لمصر. ولا ينطبق هذا بالطبع على مجتمع اليهود العرب والمصريين الموجودين في البلاد منذ الأزل (وخصوصا اليهود القرائين) الذين انحسر مجتمعهم نتيجة نفوذ الأسر الأشكنازية والسفاردية الكبيرة والقوية التي وفدت إلى مصر في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ومع أنّه يجب توجيه اللوم لنظام عبد الناصر لأنّه لم يقم بواجبه بما فيه الكفاية لحماية أعضاء الطائفة اليهودية من التحرش من قبل أجهزة الدولة والتقصير بالدفاع عنهم إزاء الغضب الشعبي، إلا أنّ هذا لا يمكن اعتباره البتة طرداً لليهود أو ترحيلاً لهم عن وطنهم كما ادعى العريان.
تزامن هذا الوضع، أيضاً، مع الحملة الإسرائيلية المتواصلة لتهجير اليهود العرب إلى فلسطين، من خلال وسائل إجرامية مختلفة وصفقات سرية، نجحت في العراق واليمن وتواصلت في المغرب مما أدى إلى تدمير هذه المجتمعات تماماً. ولا تزال جهود إسرائيل المباشرة لتهجير نصف المجتمع اليهودي في مصر (والذي كان تعداده حوالي ستين ألفاً) إلى إسرائيل (حيث غادر النصف الثاني إلى فرنسا والأميركتين) غير معروف تماماً، ولكن لا ينبغي تجاهلها في تحليللنا لما جرى. لا تأبه دعاية القلة من الصهاينة المصريين لحقيقة أنّ معظم الهجمات الإرهابية ضد المصالح اليهودية في مصر وقعت في ظل حكم الملك فاروق في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. وقد ظهر هؤلاء هذا الأسبوع على فضائيات مصرية، وكتبوا المقالات في الصحف يلقون فيها باللائمة على عبد الناصر والإخوان المسلمين لكلّ ما حدث لليهود المصريين مبرئين ساحة إسرائيل من أيّ ذنب بخصوص رحيلهم عن مصر، كما فعل العريان نفسه. وقد أشار أحدهم إلى رحيل اليهود المصريين بـ«النزوح»، متفقاً بذلك مع العريان (والأول يعارض الأخير في كلّ النواحي الأخرى)، ومؤكدا أن اليهود «طُردوا» من مصر. وأضاف أيضاً أنّ اليهود المصريين الموجودين في الولايات المتحدة وفرنسا لا يزالون يحبون مصر والعرب والمسلمين. وفي حين ما من شك أنّ العديد من اليهود المصريين، أينما كانوا، يكنّون مشاعر إيجابية تجاه مصر، فقد أعرب العديد من شخصياتهم البارزة في الغرب عن كراهيتهم لمصر والعالم العربي. وفي حين يحصل تجاهل اليهود المصريين الذين يحبون مصر ويقلّل من شأنهم في الغرب وإسرائيل، فإنه يبرز العديد من اليهود في المقابل نتيجة آرائهم الكارهة لمصر. لا تنفك الدعاية الصهيونية في مصر عن تسويق أسرة شيكوريل السفاردية، والتي كان يحمل أفرادها الجنسية البريطانية (وهي حقيقة يخفيها المروجون)، كمثال على الأسرة اليهودية المصرية التي كانت ركناً من أركان مصر الأصيلة. ولكن ما يتناساه هؤلاء في الكثير من الأحيان هو أنّ مورينو شيكوريل الذي هاجر إلى مصر من سميرنا (إزمير) وأنشأ شركة العائلة الكبرى، متجر شيكوريل، كان صانع العلم الصهيوني الأول الذي حلّق فوق القدس في ديسمبر/كانون الأول ١٩١٧ لمدة ٢٠ دقيقة قبل إزالته من قبل القوات البريطانية. وقد تزوجت حفيدته ليلي من بيار منديس ــ فرانس الذي أصبح رئيس وزراء فرنسا في الخمسينيات، قبل أن يشغل منصب وزير الخارجية، بعد سقوط حكومته الاشتراكية في عام ١٩٥٥، في حكومة غي موليه (من الحزب الاشتراكي الراديكالي الذي ينتمي إليه منديس ــ فرانس) التي تلت حكومته حتى شهر مايو/أيار ١٩٥٦. وقد دعا منديس ــ فرانس، خلال فترة رئاسته في عام ١٩٥٥، علماء نوويين إسرائيليين إلى المشاركة في البرنامج النووي الفرنسي. واختتمت إسرائيل في وقت لاحق صفقة مع الفرنسيين في عام ١٩٥٦ للمشاركة في الغزو الثلاثي على مصر تُكافأ إسرائيل بموجبها ببناء فرنسا لمفاعل ديمونة، حيث سيتمّ تصنيع قنابل إسرائيل النووية لاحقاً. يعلمنا رئيس إسرائيل الحالي شيمون بيريز، الذي عقد الصفقة، بأنّه «قبل التوقيع النهائي [على بروتوكول سيفر حيث تمّ الاتفاق على خطة غزو مصر]، سألت بن غوريون لرفع جزئي للجلسة، وخلالها التقيت موليه وبورج ــ مونوري على انفراد. ومن هنا، عقدت مع هذين الزعيمين اتفاقاً لبناء المفاعل النووي في ديمونة، في جنوب إسرائيل... وتوريد اليورانيوم الطبيعي لتزويده بالوقود. وقد قمت بطرح مجموعة من المقترحات التفصيلية التي قبلاها بعد المناقشة». وقد هدّدت غولدا مائير مصر بالقصف بهذه القنابل النووية في عام ١٩٧٣. وطوال هذه الفترة، وعلى حدّ علمي، لم تصدر ليلي شيكوريل ولا مرة واحدة أيّ بيان علني تعارض فيه الغزو الفرنسي لمصر أو تحالفها ومساعدتها النووية لإسرائيل (وقد توفيت ليلي في عام ١٩٦٧). ومن الجدير بالذكر أنّه لم يتمّ تأميم شركة شيكوريل أبداً. فقد قام عمّ ليلي سلفاتور، الذي كان يحتفظ بجميع أموال ثروته خارج مصر في ذلك الحين، ببيع الشركة لعائلة الجابري المسلمة قبل مغادرته البلاد في عام ١٩٥٧. وقد تمّ تأميم الشركة المملوكة لعائلة الجابري في عام ١٩٦١. كما أنّ جميع الادعاءات بتعرض عائلة شيكوريل للمضايقات من قبل النظام الناصري هي مجرّد دعاية كاذبة. أما منديس ــ فرانس، فقد أصبح عنصراً فاعلاً في عقد «حوارات السلام» بين فلسطينيين وإسرائيل في بيته في السبعينيات.
لم يلتزم العديد من اليهود المصريين البارزين الصمت إزاء عداء الغرب لبلدهم الأصلي، بل إنّ الكثيرين منهم أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الحملات الغربية المناوئة لمصر والعرب والمسلمين بشكل عام. ويعتبر اليوم الملياردير الليكودي الأميركي، المولود في الاسكندرية، حاييم صبان واحداً من ألدّ أعداء العرب والمسلمين، وهو أحد الداعمين الرئيسين للسياسات الإسرائيلية العنصرية والاستعمارية المتطرفة. أما نداف صفران القاهري المولد، والأستاذ السابق في جامعة هارفارد الذي كان يقبض مبالغ طائلة من السي أي إيه، فكان من أشدّ الكارهين للعرب والمسلمين وكان صهيونياً في وقت مبكر، قبل عام ١٩٤٨، وكان بالفعل مستوطناً يعيش في كيبوتز في فلسطين في عام ١٩٤٦، وقد شارك في الحرب الصهيونية عام ١٩٤٨ لغزو فلسطين.
أما اليهود المصريون في الولايات المتحدة الذين كتبوا مذكرات عن فترة وجودهم في مصر، فقد شكى أحدهم في مذكراته من روائح المصريين المقززة إثر شرب الحلبة. بالطبع هنالك يهود مصريون آخرون لم يبرزوا كانوا وما زالوا يحبون مصر، ولكن التعميمات الدعائية من هذا القبيل من جانب بضعة صهاينة مصريين من غير اليهود اليوم بأن جميع اليهود المصريين في الولايات المتحدة وفرنسا، على الأقل، إن لم يكن في إسرائيل أيضاً، يحبون مصر والعرب ينافي حقيقة أن الكثير من اليهود المصريين البارزين يعبّرون بصراحة عن مواقفهم المعادية لمصر والمناهضة للعرب في الغرب، فضلاً عن إسرائيل. أما لوسيت لانيادو، وهي يهودية أميركية من أصول مصرية غادرت مصر مع والديها في عام ١٩٦٣، فقد عادت لزيارة مصر بعد عام ٢٠٠٥، وكانت قد نشرت مذكراتها عن طفولتها في مصر. استضيفت لانيادو في مكتبة ديوان في الزمالك لتقدم كتابها إلى جمهور المكتبة، وقد غدت صاحبة المكتبة هند واصف من أصدقائها كما تعلمنا لانيادو في إحدى مقالاتها المنشورة في الولايات المتحدة. وتسهب لانيادو بوصف ترحيب واصف وآخرين بها في القاهرة. في غضون ذلك، تواصل لانيادو تكرار تسويق الدعاية الصهيونية حول صيغة «تبادل السكان» المزعوم، وأساطير صهيونية أخرى. كما تروي لنا كيف أنّ اليهود «أُجبروا على الخروج» من أوطانهم في العالم العربي بينما «فرَّ» الفلسطينيون من إسرائيل. ومنذ قيام الثورة، وعلى الرغم من كرم ضيافة المصريين أثناء زيارتها لمصر، فلم تتوان لانيادو عن كتابة كلام دعائي ضد النظام الجديد، مؤكدةً لقرائها في صحيفة «وول ستريت جورنال» أنّها لن تعود إلى مصر ثانية نتيجة وجود حكومة جديدة من الإخوان المسلمين. ولكن من يدري، ربما ستعود بعد دعوة العريان، على الرغم من أنّ دعوته لا تشمل إلا اليهود المصريين في إسرائيل فقط.
أما بالنسبة إلى نصف المجتمع اليهودي المصري الذي انتهى به المطاف في إسرائيل، فإنّ العديد منهم شاركوا في القتال في الحروب ضد مصر والعرب، وبعضهم يتبوأ مناصب المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، وغالباً ما يظهرون على شاشة قناة الجزيرة ويتحدثون باللهجة المصرية. ومن غير الواضح إذا كان سيدعى هؤلاء أيضاً إلى العودة إلى مصر.
ليس من قبيل الصدفة أن يثير كلام العريان كلّ هذا اللغط. ففي الأشهر القليلة الماضية، واصلت فلول نظام مبارك وليبراليون تسويق الحملات المباركية المعهودة الكارهة للفلسطينيين من خلال الزعم بأن هنالك مخطّطاً لإعطاء سيناء لفلسطينيي غزة. وقد انطلت هذه الشائعات الكاذبة على شخصيات لامعة مثل الخبير الاقتصادي جلال أمين وطني النزعة.
لم ينبس معظم هؤلاء (باستثناء جلال أمين بالطبع) المولولين خوفاً من ضياع سيناء إن سكنها فلسطينيون ببنت شفة لمدة ثلاثة عقود عن حقيقة أنّ سيناء لم تزل ترزح خارج السيادة المصرية نتيجة اتفاقات كامب ديفيد، ولم يكترثوا لما حلّ بأهلها من أهوال خلال هذه الفترة، وهو ما يكشف أجندتهم المشبوهة. إن ظهور اهتمامهم المفاجئ بالدفاع عن سيناء نتيجة قصة خيالية دعائية من أنّ مرسي سيعطي سيناء للفلسطينيين هو أمر يثير الاستهجان. ولا تكاد الشائعات التي تتناول الفلسطينيين تتوقف، ومنها القصة المزعومة بأنّ مرسي يقطع التيار الكهربائي عن المصريين بينما يقدم الطاقة الكهربائية مجاناً لفلسطينيي غزة. تتزامن هذه الشائعات مع السباق المستميت لحكومة مرسي وللمعارضة إلى إرضاء الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني. ففي حين تحدث عصام العريان ذاته عن مأساة المحرقة اليهودية أثناء رحلة ترويجية للإخوان المسلمين قام بها للولايات المتحدة في مايو/أيار ٢٠١١، قام محمد البرادعي الذي يفتقر لكلّ مقومات الكاريزما بالادعاء لصحيفة ألمانية أنّه لا يمكن الوثوق بأعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من السلفيين والإخوان لأنهم، كما يزعم، ينكرون المحرقة! وقد جاءت تصريحات العريان في الآونة الأخيرة عن اليهود المصريين كجزء من هذه الحملة من أجل الاثبات للأميركيين والصهاينة من هو الأجدر بخدمة مصالح الولايات المتحدة والصهيونية على أفضل نحو.
ما يشي به هذا المستوى المؤسف الذي وصلته الثورة المصرية هو مدى نجاح قوى الثورة المضادة في مصر، وكيف أنها تقوم بتقويض المكاسب الثورية وإلهاء المصريين عن التحديات الحقيقية ــ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ــ التي تواجههم.


مناطحات الرعب في إسرائيل!
بقلم: مازن حماد عن الوطن القطرية
تعاني إسرائيل من مناطحات سياسية جارحة بين قياداتها ورموزها، وتبدأ هذه المناطحات عادة بمناكفات سرعان ما تتحول إلى عنف كلامي يأخذ صورة شرسة من الكراهية المتبادلة. ولا يمكن أن نعزو هذه الصورة إلا إلى حالة الرعب المزمن من المستقبل التي يعيشها المجتمع الإسرائيلي.
ولعل آخر تصريح أفضت به تسيبي ليفني وزيرة الخارجية السابقة يدلل على هذه الحالة، حيث وصفت استراتيجيات رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو بأنها تقود إسرائيل إلى نهايتها. نهاية الوجود هذه هي التي تشكل عقدة لدى كل مواطن إسرائيلي تقريباً، يتداولها الناس في الشوارع والمكاتب والمنازل كلما حدثت تطورات أو وقعت حروب في المنطقة.
وعندما نسمع مسؤولين في إيران يتحدثون عن زوال قريب لدولة إسرائيل من الخارطة، يدب الرعب والسخط في نفوس الإسرائيليين ويغرقون في كابوس جماعي من الهولوكوست المتعدد الجوانب، ويدقون باب واشنطن بشدة طالبين ضرب الدولة الفارسية قبل أن تنجح في صنع قنبلة نووية.
في كل مفصل تاريخي يتضح بشكل متزايد أن إسرائيل أعجز من أن تتصالح حقاً مع الفلسطينيين والعرب عموماً، فالسلام كما تعتقد في قرارة نفسها هو النهاية الحقيقية للحلم الصهيوني الذي لا يمكن أن يترعرع إلا في ظل الطائرات وعلى وقع الصواريخ وهدير الدبابات.

لم تكن ليفني هي وحدها التي اتهمت نتانياهو بالوقوع ضحية للهواجس والمخاوف، إذ ها نحن نسمع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت يتهم رئيس الحكومة الحالي بإنفاق المليارات من ميزانية الدفاع على مشاريع تتسم بالهلوسة وعلى مخارج وهمية للدولة العبرية من مأزقها الوجودي.
وقد أراد أولمرت أن يقول ــ بكلمات أخرى ــ إن برنامج إيران النووي يكاد يفلس الدولة العبرية التي أنفقت تلك المليارات على تعزيز قدراتها الهجومية والدفاعية ضد دول كثيرة على رأسها إيران.
وعندما لجأ الفلسطينيون إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لتعويضهم ولو معنوياً عن معاناتهم اليومية جراء الاحتلال وإجراءاته المجنونة ومنها جدار الفصل العنصري، أحست إسرائيل بالهلع يسري في عروقها وهي تتخيل الفلسطينيين ينهضون لمحاسبتها ومساءلتها تجاه قائمة لا تنتهي من المذابح والمجازر التي ارتكبتها بحقهم على مدى العقود الستة الأخيرة.
وفي كل الأحوال فإن نتانياهو يبقى نسخة مكررة من بيريز وباراك وبقية رؤساء الحكومات الذين يدفعونها دون إرادة مباشرة منهم إلى التقوقع والجلوس خلف الجدران والابتعاد عن عملية السلام التي يظنون أن فيها مقتلهم.

قلق أميركي من تدهور شعبية "الإخوان المسلمين"
بقلم: عبدالعظيم محمود حنفي(خبير مصري بالشؤون السياسية والاستراتيجية) عن السياسة الكويتية
منذ خمسينات القرن العشرين هناك تحالفات سرية بين الولايات المتحدة والإخوان المسلمين أو فروعها في قضايا متنوعة كمحاربة الشيوعية وتخفيف حدة التوترات بين مسلمي أوروبا. الرئيس أيزنهاور. في عام 1953, أي قبل عام من حظر عبد الناصر نشاط "الإخوان", وفي سياق برنامج دعائي أميركي مستتر نفذته هيئة الاستعلامات الأميركية, جيء إلى الولايات المتحدة بقرابة عشرة باحثين وقادة مدنيين مسلمين غالبيتهم تنتمي إلى دول إسلامية لحضور ما أعلن بوصفه مؤتمرا أكاديميا في جامعة "برينستن". كان السبب الحقيقي الكامن وراء هذا اللقاء هو محاولة إثارة إعجاب أولئك الضيوف بقوة أميركا الروحية والأخلاقية, ظنا انهم أقدر من حكامهم المتحجرين على التأثير في الرأي العام لدى المسلمين. وكانت الغاية من كل ذلك ترويج أجندة مناهضة للشيوعية في دول حديثة الاستقلال أغلبية السكان في معظمها من المسلمين.و كان أحد القادة ¯ بحسب دفتر مواعيد الرئيس أيزنهاور ¯ هو سعيد رمضان . موفد جماعة الإخوان المسلمين. والشخص المعني هنا هو سعيد رمضان صهر مؤسس الإخوان حسن البنا, وكان يوصف في ذلك الوقت وعلى نطاق واسع بأنه وزير خارجية الجماعة (وهو أيضا والد الباحث السويسري المثير للجدل طارق رمضان المتخصص في الشؤون الإسلامية.
استمرت المحادثات السرية على فترات متقطعة وفي عام 2007 اضحت تلك الاتصالات مبرمجة ومنتظمة ولها برامج عمل .اذ يبدو ان الولايات المتحدة كانت تتوقع الانتفاضات التي يبدو انها عملت عليها - ولكنها كانت تتوقع ان يقودها "الاخوان" وليس الشباب العربي. وقد ايدت ادارة اوباما "الاخوان" سرا وجهرا لاعلان انصياعهم الكامل للاجندة الأميركية . ولكن تعطش "الاخوان" للسلطة وظهور انهم لايمتلكون السطوة التي كانوا يعطونها لهم والتي ظهرت انها مبالغ فيها بشدة وانهم ضد الجميع وضد كل الاطياف عدا طيفهم وجماعتهم وعشيرتهم وانهم يريدون استبدال ديكتاتورية بديكتاتورية دينية اشتد القلق الاميركي اذ لا يمر شهر دون ان ترسل واشنطن باحثين من مراكز دراسية مختلفة الى القاهرة لرصد وتحليل مستقبل العلاقة مع "الاخوان" . ومن تحليل عدد كبير من نتائج الزيارات اتضح لي الاتي :
اولا هناك قلق اميركي بالغ من السلوك الاخواني عبر عنه اوباما بان مصر ليست دولة حليفة او عدوة ثانيا هم يؤكدون أن السؤال عما إذا كان مرسي رمزاً وطنياً أو محض ممثل ل¯ جماعة "الإخوان المسلمين", وينفذ سياساتها, ويقولون انها ما تزال مسألة بلا جواب في مصر هذه الأيام.والواقع ان هذا تذاكياً لانهم يعرفون الجواب.
ثالثاً: أن التيارات غير الإسلامية في مصر هي - لسوء الحظ - غير منظمة وضعيفة ومحبطة. وفي حين أن الأحداث الأخيرة في البلاد ربما تكون قد قوت من شوكة هذه الجماعات, إلا أنهم يعملون من دون خطة ومن دون خبرة أساسية في التعامل مع سياسات الدوائر الانتخابية المحلية من أجل الوقوف في وجه منافسيهم الإسلاميين بشكل فعال.
رابعاً: أن الاقتصاد يمر بمأزق شديد أدى إلى حدوث اختناقات مرورية في المدن, وإلى نقص الطاقة, ودعم غير مستقر للغذاء والوقود, وخلل هيكلي هائل. و أن فريق مرسي الرئاسي يفتقر إلى ستراتيجية وهذا يشكل مصدر قلق كبير.وبالنسبة إلى المعونة فهم يوصون بمواصلة المعونة بشروط وهذا تقدم كبير في الرؤية الاميركية التي اختارت هذا المسار على ما يبدو من بين ثلاث مسارات مسار تقديم المساعدات بشكل غير مشروط حتى لا تصبح مصر دولة فاشلة. ومسار يرى قطع المعونة بعدما اتضح بعد "الاخوان" تماما عن قيم الديمقراطية ومسار يرى المعونة بشروط تتلاءم مع المصالح الاميركية الثلاث في المنطقة وهي السلام الإقليمي والتعاون الستراتيجي والديمقراطية الدستورية والتعددية, ولا بد أن تشكل هذه الأمور الثلاثة أساس الاشتراط.وهذه الاشتراطات تعنى اكثر من تلك العناوين البراقة .

الربيع العربي.. هل حقق الأمن والأمان للمواطن وأنقذه من جوعه؟
بقلم: عامر إلياس شهدا عن الوطن السورية
إن الهدف البراق للربيع العربي هو تغيير الأنظمة العربية لرفع شعار الحرية والديمقراطية تبنته مجموعة من السذج من حكام الخليج وبعض ممن اعتبروا أنفسهم أنهم يمثلون المكونات السياسية للشعب العربي. وهم في الواقع لا يمكن اعتبارهم أكثر من مرتزقة سذج، فأميركا وإسرائيل منذ عقود تضع إستراتيجياتها لتعبر عن محبتها ومدى حرصها على مصالح المواطن العربي المسحوق والمسلوبة حريته في الممالك والإمارات، فالولايات المتحدة الأميركية بدلاً من أن تحمل ميزانيتها نفقات قيامها بحروب في المنطقة لتحقيق مصالحها ومصالح إسرائيل قامت باستخدام مقدرات الشعب العربي في دول الخليج لتمويل الفوضى الخلاقة التي آمن بها السذج الذين اجتمعوا تحت تسميات المجالس الوطنية واستعانوا بمرتزقة لتنفيذ تلك الفوضى للوصول إلى اقتسام السلطات والمناصب على حساب الشعوب.
اليوم الشارع السوري بكل شرائحه أجاب عن عدد من الأسئلة كنا نتمنى أن تجيب عنها مجموعة السذج ومرتزقتهم ومن تنطحوا على شاشات الفضائيات وعقدوا المؤتمرات فاستحقوا الشفقة من الشعب السوري وبات يبحث لهم عن دار للعجزة تأويهم فهم بنظر الشعب السوري ليسوا أكثر من عجز أصابهم مرض الزهايمر فأصبحوا عاجزين عقلياً عن استيعاب أسئلة الشعب السوري وإجاباتها.
نسأل من تم استئجارهم لتنفيذ مخطط الربيع العربي الذي يستهدف اليوم الشعب السوري والجيش العربي السوري: نقول إنكم اعتبرتم أن الربيع العربي أزهر في كل من ليبيا ومصر وتونس واليمن ونجح مرتزقة ومأجورو تلك الدولة في اقتسام السلطات والمراكز ولكن هل النجاح في ذلك حقق شيئاً للمواطن العربي؟ إن المكونات السياسية بأي دولة تخلق حالة من الضبط الاجتماعي فكيف لهذه المكونات أن تنجح في ممارسة عملها ضمن مجتمع يعاني اقتصادياً وإدارياً؟ وكيف للمجتمع أن يقبل بتلك المكونات؟
هل الربيع العربي بمكوناته السياسية الجديدة استطاع أن يحقق حياة كريمة واستقراراً ونمواً للمواطن العربي؟
ماذا استفادت تلك الشعوب من تغيير مكوناتها السياسية إن كان على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي أو المالي أو الثقافي؟
هل يمكن لأميركا وإسرائيل ومن خلفهم من عربان الخليج أن يشرحوا لنا الانعكاسات الإيجابية على المجتمع لربيعهم العربي؟
هل المكونات السياسية في أي بلد تعتبر نواة الإصلاح لأي دولة؟ وهل ببغاءات الربيع العربي التي تستعين بمرتزقة ودعم الخارج يمكن القبول بها اجتماعياً لبناء الدولة؟
ما الفكر أو الرؤية أو الإستراتيجية التي تم تبنيها من سذج الربيع العربي الهادفة لتحسين وضع المواطن على المستوى الاجتماعي والاقتصادي؟ وهل شعار الشعب يريد إسقاط النظام حقق الأمن والآمن للمواطن وأنقذه من جوعه؟
هل نتائج ما دعي بالربيع العربي حققت قيام دولة مؤسسات حقيقة؟ وهل المكونات السياسية الحالية تعمل لمصلحة شعوبها أم لمصلحة من استأجرها؟
ما نعلمه أن الحركات الشعبية يجب أن تحقق مصالح الشعوب فكيف لشعب أن يمارس حريته وديمقراطيته وهو يعاني الفقر والجوع والبطالة واقتصاداً مريضاً وإدارة سيئة؟
أيهما يُعد أولوية تغيير المكونات السياسية وتنويعها أم الإصلاح الاقتصادي والإداري لو أن من يرعى الربيع العربي يهتم للشعب العربي لكان دعا إلى الإصلاح الاقتصادي والإداري فالحرية والديمقراطية لا يمكن أن تمارس ببطون خاوية وإدارة فاسدة؟ وهذا ما طرحته سورية منذ عام 2001 فلو تم التعاون مع سورية في إجراء الإصلاح الاقتصادي والإداري لكانت النتيجة الحتمية له تغيير المكونات السياسية للمجتمع بشكل طبيعي. فالذي ثبت عملياً أن التطور الاقتصادي في أي بلد يعتبر ضاغطاً أساسياً لتغيير سياسات المكونات السياسية في البلد وشاهدنا في ذلك الصين وروسيا وبالمقابل يمكن أن نستشهد بلبنان كدولة تمارس الحرية والديمقراطية ومتنوعة بمكوناتها السياسية الشعب اللبناني يعاني اليوم الجوع والفقر؟ ماذا استطاعت هذه المكونات السياسية في لبنان أن تقدم للمواطن على المستوى الاقتصادي والإداري والاجتماعي إلا ديوناً بلغت أكثر من 52 مليار دولار. وممارسة ديمقراطية وحرية الجوع والعوز. وما ينطبق على لبنان ينطبق على مصر.
لذلك نتوجه إلى الذين يلهثون وراء المناصب والسلطات وتشكيل مكونات سياسية تخدم مصالحهم ومصالح أسيادهم على حساب دم الشعب السوري، إذا كنتم حريصين على وطنكم ومواطنيكم فعليكم أن تدعوا إلى إصلاح اقتصادي إداري قبل أن تجتمعوا وتتعالى أصواتكم وتشتبك أيادكم من أجل المناصب وقطعة الحلوى متناسين أن هم الشعب هو اقتصاده ولقمة عيشه وحياته الاجتماعية فتفضلوا لنصلح اقتصادياً وإدارياً كي نتمكن من رسم الرؤية لمكونات سياسية تتناغم مع الحالة الاقتصادية للمجتمع ونبني دولة مؤسسات حقيقية حينها يمكننا أن نقول إننا وجدنا الأرضية المناسبة ليمارس المجتمع حريته وديمقراطيته؟ فهل سيفهم السذج ذلك؟


ما سر التقارب بين الإخوان وإيران؟
بقلم: أحمد عثمان عن الشرق الأوسط
بدعوة من وزير خارجية مصر إلى وزير الخارجية الإيراني، وصل علي أكبر صالحي إلى القاهرة حاملا رسالة خاصة للرئيس مرسي من محمود أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية، تشير إلى مدى التقارب السريع الذي حدث بين البلدين منذ وصول جماعة الإخوان إلى سدة الحكم في مصر. وتعتبر زيارة صالحي إلى القاهرة لثلاثة أيام هي أول زيارة رسمية لمسؤول إيراني رفيع المستوى إلى دولة عربية منذ تنحي الرئيس مبارك عن الرئاسة في فبراير (شباط) 2011. وفي الوقت الذي تواجه فيه دول الخليج العربي تهديدات إيرانية وتدخلا في شؤونها الداخلية، وبينما تقصف صواريخ إيران مواقع الثوار في سوريا دفاعا عن الأسد ونظامه، يجري التفاهم بين مصر وإيران حول تطوير العلاقات الثنائية والعمل المشترك في الشرق الأوسط، وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: «نعتقد أن الدول العظيمة ذات النفوذ، مثل إيران ومصر، لها دور مهم في تحقيق السلام والاستقرار» في المنطقة («طهران تايمز» 9 /1 / 2013). فما سر هذا التقارب بين دولة تهدف إلى إعادة سيطرة الإمبراطورية الفارسية على بلدان العرب، وجماعة تريد إعادة الخلافة للسيطرة على نفس هذه البلدان؟
قبل أيام من وصول صالحي إلى القاهرة، وحسب ما جاء في بعض وسائل الإعلام، وصل مدير المخابرات الإيراني بدعوة من «الإخوان» للقاء سري مع أعضاء الجماعة، لمساعدتهم في السيطرة على أجهزة الأمن المصرية. وتحدثت جريدة «التايمز» البريطانية عن زيارة قام بها قاسم سليماني إلى القاهرة لمدة يومين بعد أعياد الميلاد: «طلبت الحكومة الإسلامية في مصر سرا المساعدة من إيران لتعزيز قبضتها على السلطة... فقد علمت (التايمز) بزيارة قاسم سليماني للعاصمة المصرية لمدة يومين بعد أعياد الميلاد مباشرة، للتباحث مع مسؤولين كبار قريبين من الرئيس مرسي. جاء سليماني الذي يشرف على الميليشيات الإيرانية السرية في المنطقة - بما في ذلك حزب الله وحماس - بناء على دعوة من حكومة مرسي وجماعة الإخوان المسلمين التي تدعمه. والتقى مدير المخابرات الإيراني بعصام حداد مستشار الرئيس مرسي» (8 / 1 / 2013).
ورغم إنكار ياسر علي المتحدث الرسمي باسم الرئيس مرسي عقد هذا اللقاء، نشرت جريدة «المصري اليوم» تقريرا عن مصدر أمني رفيع يفيد بأن اللقاء قد تم بالفعل بين عصام حداد وقاسم سليماني، وهو الذي تسبب في رحيل وزير الداخلية المصري اللواء أحمد جمال الدين في التعديل الوزاري الأخير. وقالت الصحيفة (في 9 / 1 / 2013) إن جمال الدين اعترض على لقاء الحداد بالمسؤول الإيراني للتعرف على كيفية سيطرة حكومته على الأجهزة الأمنية بهدف تطبيقها في مصر.
كما اعتبر بعض المعلقين أن زيارة سليماني إلى مصر تفصح على نية جماعة الإخوان المسلمين في تشكيل قوات «الحرس الثوري» على الطريقة الإيرانية، حيث بينت الأحداث الماضية عدم رغبة جهاز الشرطة في الخروج على تقاليد المؤسسة الأمنية القائمة على المساواة بين المواطنين، وعدم الصدام مع المعارضين السلميين. وتبين عدم رغبة الجيش في التصدي للجماهير دفاعا عن حكم الإخوان، ورغبته في تحقيق توافق وطني بين جميع التيارات السياسية. فقد دعا قائد الجيش ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي ممثلي القوي الشعبية إلى الحوار للخروج من الأزمة السياسية في 12 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، لكن الرئيس مرسي عاد فألغى هذه الدعوة عندما رفضتها جماعة الإخوان.
ويبدو أن جماعة الإخوان المسلمين بدأت تتبع خطى الثورة الإسلامية في إيران، حيث قام الخميني بتأسيس حرس الثورة الإسلامية بعد سقوط نظام الشاه رضا بهلوي في إيران. ففي سنة 1979 تمكن تحالف ثوري من الليبراليين والجماعات الدينية من إسقاط النظام، ثم قام الخميني بإعلان إيران جمهورية إسلامية بعد أقل من شهرين من سقوط النظام. وقام الخميني بتشكيل الحرس الثوري ليكون قوة مسلحة خاضعة للنظام الإسلامي، وتولى الحرس الثوري تصفية جميع التنظيمات اليسارية والليبرالية - التي تحالف معها أثناء الثورة - باعتبارهم أعداء الله، وفرض الإسلاميون سيطرة كاملة على كل مؤسسات الدولة. كما تم استبعاد الجيش النظامي الذي تقرر اقتصار عمله على الدفاع عن حدود الدولة الإيرانية، بينما يتولى الحرس الثوري حماية الثورة الإسلامية في الداخل.
كانت طهران قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع القاهرة بعد سيطرة الخميني على الحكم بسبب توقيع الرئيس الراحل أنور السادات معاهدة السلام مع إسرائيل، لكن الرئيس محمد مرسي جاء ليعيد التواصل مع إيران عندما حضر مؤتمر دول عدم الانحياز في العاصمة الإيرانية، بعد أيام قليلة من توليه الرئاسة في أغسطس (آب) الماضي. ويبدو أن القيادة الإسلامية في إيران والقيادة الإخوانية في مصر تسعيان إلى التحالف المرحلي، حتى تستسلم الفريسة وبعدها تتصارعان على تقسيم الغنيمة. فهذا هو ذات الأسلوب الذي سارت عليه تنظيمات الإرهاب مع إيران، عندما تحالفت «القاعدة» وحماس مع الجمهورية الإسلامية، رغم الخلاف الآيديولوجي الكبير بينهما.
لماذا عاش جمال عبدالناصر؟
بقلم: عبد الله السناوي عن الشروق المصرية
لم تكن زيارته رسمية، وصل إلى القاهرة فى صمت وغادرها فى صمت. طرأت الفكرة عليه أثناء مشاركته فى أعمال قمة «عدم الانحياز» فى شرم الشيخ قبل نحو أربعة أعوام.
ذكرياته دعته إلى العاصمة المصرية. تذكر إلهام حرب السويس عام (١٩٥٦)، وهو يتأهب مع «فيدل» و«تشى» من فوق جبال «سيرا ماستيرا» لدخول العاصمة «هافانا».. وفى وجدانه صدى صوت «جمال عبدالناصر»: «سنقاتل». كان النموذج المصرى موحيا بالأمل، فقد تمكنت دولة من العالم الثالث، استقلت بالكاد، من أن تؤمم «قناة السويس»، وأن تتحدى الإرادات الغربية، وأن تصمد فى المواجهات العسكرية، وأن تخرج المستعمرة القديمة إلى العالم لاعبا رئيسيا على مسارحه تمتلك قرارها ومصيرها.
بدت القاهرة هذه المرة مختلفة، السياسات تناقضت، والأحلام تراجعت، لكنه ظل مسكونا بمجدها الذى كان، وذكرياته التى لا تغادره.
عندما التقيته فى أحد فنادق القاهرة المطلة على نيلها بادرنى بكلمة واحدة رددها مرتين بصوت غلبته مشاعره على طريقة التعبير اللاتينية: «ناصريانو».
بدا الرئيس الكوبى «راؤول كاسترو» محتفيا بالمعنى والتاريخ والدور الذى لعبه «جمال عبدالناصر»، الرؤى ذاتها سكنت رجلين آخرين من طراز استثنائى: «فيدل كاسترو» و«تشى جيفارا».
كان «فيدل» هو قائد الثورة الكوبية، و«تشى» روحها وأيقونتها، و«راؤول» مسئولها العسكرى الأول.
الثلاثة الكبار التقوا «ناصر»، كل فى ظرف مختلف ولمرة واحدة. «فيدل» فى نيويورك على هامش اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان اللقاء بتوقيته ومكانه حدثا بذاته.. و«تشى» فى القاهرة والحوار امتد حول الثورة وفلسفتها ووحدة المصير الإنسانى.. و«راؤول» فى القاهرة منتقلا مع الرئيس المصرى إلى الإسكندرية للاحتفال بالعيد العاشر لثورة (٢٣) يوليو.
المثير أولا فى القصة اللاتينية أن صورة «جيفارا» فى التاريخ فاقت حجم دوره.
لم يكن دوره بحجم «فيدل كاسترو» فى الثورة الكوبية، ولا يقارن تأثيره بالأدوار الكبرى التى لعبها «فلاديمير لينين» فى الثورة السوفييتية، أو «ماو تسى تونج» فى الثورة الصينية، أو «هوشى منه» فى الثورة الفيتنامية، والقائمة تطول وتمتد إلى قامات دولية أخرى لعبت أدوارا أكثر تأثيرا وأوسع نفاذا.
لماذا عاش «تشى جيفارا» أطول فى الذاكرة الإنسانية؟
لأنه ببساطة لخص فى شخصه وتجربته «قوة النموذج الإنسانى»، فهو «أرجنتينى» دعته فكرة الثورة إلى الحرب فى كوبا، وعندما انتصرت غادر السلطة سريعا، الثورة شاغله الوحيد، فكر أن يقاتل فى أفريقيا و«ناصر» نصحه ألا يفعل ذلك حتى لا يبدو طرزانا جديدا، حاول أن ينظم حروب عصابات فى أكثر من بلد لاتينى حتى استقرت به مقاديره فى أحراش بوليفيا التى لقى مصرعه فيها مصلوبا، وكانت صورته متماهية مع فكرة «المسيح يصلب من جديد» التى تمثلها روائيون أوروبيون أبرزهم الروائى اليونانى «نيكوس كازنتزاكيس» وألهمت أجيالا متعاقبة.
أسطورته استندت على قوة النموذج الإنسانى لرجل آمن بقضيته، لم يساوم عليها ومات فى سبيلها.
المثير ثانيا فى القصة اللاتينية أن تأثيرات الثورة الكوبية توقفت فى قارتها، ألهمت فى لحظات تاريخية فكرة حرب العصابات الثورية، وبدت نموذجا فى لحظات أخرى للتطور التقنى فى مجالات علمية متعددة، غير أن التطورات التى لحقتها مازجت بين العدالة الاجتماعية والديمقراطية. الخروج من التبعية فكرة مهيمنة فى الفكرين السياسى والاقتصادى اللاتينى، و«نظريات التبعية» التى سادت الجامعات الغربية يعود أكثرها إلى اقتصاديين لاتينيين، فهم كمجتمعاتهم مهجوسون بالأحوال التى هم عليها، وهى أحوال أفضت إلى انقلابات عسكرية ومجازر دموية على النحو الذى جرى فى «تشيلى» لإجهاض تجربة «سلفادور الليندى» على يد الجنرال «بينوشيه».
إنه إذن التحول التدريجى البطىء الراسخ من مشروع حرب العصابات إلى فكرة الدولة الديمقراطية الحديثة. كانت الرواية اللاتينية بواقعيتها السحرية قاطرة التغيير إلى العوالم الجديدة.
ولم تكن محض مصادفة الصداقة الإنسانية والروحية الوطيدة بين «فيدل كاسترو» و«جابرييل جارسيا ماركيز»، إنه الحلم اللاتينى فى الانعتاق يعبر عن نفسه بصيغ مختلفة.
حرب العصابات استدعتها الأنظمة العسكرية الفاشية والوسائل الديمقراطية تهيأت لها ظروف استجدت مكنت اليسار اللاتينى من الوصول إلى السلطة فى دول عديدة. بدا لافتا إعلان الرئيس الفنزويلى «هوجو شافيز»، الذى يصارع حاليا المرض المميت، أنه «ناصرى»، الأوقع أن ينسب مرجعيته إلى صديقه المقرب «فيدل كاسترو»، أو إلى «سيمون بوليفار» رمز القارة الذى جعله أيقونة حكمه، لكنه نسب نفسه إلى فكر رجل من قارة بعيدة، لم يره مرة واحدة فى حياته، قاصدا استلهام تجربته فى سعيها لتوحيد عالمها العربى ومواجهاتها للتدخلات الغربية فى مشروع مماثل لتوحيد القارة اللاتينية، وقاصدا استلهامها فى مشروعها للعدالة الاجتماعية، ولديه تطلع لمشروع مماثل ينتصف للمعدمين والفقراء
المثير ثالثا فى القصة اللاتينية، أن التأثير الناصرى وصل إلى مناطق وجدانية فى اليسار اللاتينى، الذى عانى طويلا ومريرا من الانقلابات العسكرية، دون أن يستشعر تناقضا، أو أن يشير إلى «حكم العسكر»، فهو يدرك أن الدور الذى لعبه الجيش المصرى فى يوليو يناقض أدوار الجيوش اللاتينية فى انقلاباتها العسكرية التى جرت باتفاقات وصفقات مع الإدارات الأمريكية لقمع شعوبها ونهب مواردها.
قوة النموذج الإنسانى عند «جمال عبدالناصر» أبقته فى الذاكرة عقدا بعد آخر، ورئيسا بعد آخر، فهو لم يكن مجرد رئيس يدعى شجاعة لا يمتلكها ومشروعا لا وجود له، هو رجل أطل على المشهد السياسى بعد الحرب العالمية الثانية، نجح بتأميم قناة السويس أن يضع مصر فى قلب التفاعلات الدولية والإقليمية، وبدأ فى بناء السد العالى، الذى حمى مصر من الجفاف أو الفيضان فى أوقات مختلفة، وأضاف ملايين الفدادين إلى الرقعة الزراعية، وأحدث طفرة هائلة فى طاقتها الكهربائية. أنشأ الصناعات الثقيلة والمستشفيات والمدارس ووصلت خطوط المياه والكهرباء إلى كل بيت. كان عهده هو عهد البناء الكبير. قل ما شئت فى نقد التجربة الناصرية، لكنك لا بد أن تعترف أن مصر لم تشهد فى تاريخها كله منذ فجر الضمير عدالة اجتماعية تماثل ما جرى فى العهد الناصرى. المصريون هتفوا فى جنازته بحس تاريخى: «من بعدك هنشوف الذل».. وقد كان.
صاغ تجربته فى عصرها، أحلامه لاحقتها معاركه وجسارته صنعت زعامته. لا يولد شىء من فراغ ولا تجربته ولدت من عدم. هو ابن الوطنية المصرية فى لحظة تحول حاسمة، قيادته للعالم العربى لا مَن ولا ادعاء فيها، تخطئ وتصيب لكنها تصدق ما تقول ويصدقها الآخرون. كانت القاهرة العاصمة المركزية للعالم العربى، ولم يكن هناك شئ مجانى، فللأدوار تكاليفها وللنهضة شروطها. كان الدور المصرى فى تحرير الجزائر واليمن ومطاردة الإمبراطوريات الغاربة فى مشرقها العربى علامات لتجربة تدرك حقائق الدور فى محيطه، لديها مشروع تلتزمه لا ادعاءات تكذبها التصرفات. ولم تكن الملايين التى تخرج لاستقباله فى العواصم العربية التى زارها تشارك فى حفلات علاقات عامة، بل كانت تعتقد أنه قائدها إلى المستقبل، تؤمن بحلمه وتمضى معه، وعندما انكسر فى عام (١٩٦٧) خرجت التظاهرات فى عواصم عربية تطالبه بالبقاء وتدعو لمواجهة العدوان بنفس الهتافات التى شهدتها مصر يومى (٩) و(١٠) يونيو من هذا العام الحزين. كانت تجربته عميقة فى الوجدان المصرى على ما روى ملك الدراما التليفزيونية الراحل «أسامة أنور عكاشة». ذات مساء فى ضاحية «مصر الجديدة» بعد هزيمة يونيو فوجئ بموكبه يمر أمامه بينما كان ينتقده بضراوة مع مجموعة من أصدقائه. بلا اتفاق وجدوا أنفسهم يركضون خلف موكبه هاتفين باسمه.
كانت القاهرة فى عهده عاصمة تحرير القارة الأفريقية، أوسع عملية تحرير فى التاريخ الإنسانى كله، وبرزت من حوله قيادات أفريقية تاريخية من حجم «نكروما» و«لومومبا» و«نيريرى» و«سيكوتورى»، وهو ما دعا الزعيم الجنوب أفريقى «نيلسون مانديلا» أن يصف «ناصر» بـ«زعيم زعماء أفريقيا»، المعنى نفسه التقطه الروائى الكبير «بهاء طاهر» فى منطقة كينية نائية فى ذروة الحملة على «عبدالناصر» مطلع السبعينيات. التفت لصورة معلقة فى دكان بقالة بسيط، سأل صاحبه: «لمن هذه الصورة؟».. أجابه: «كيف لا تعرفه.. إنه أبو أفريقيا».
«مانديلا» نفسه، الذى قضى نحو (٢٧) عاما معتقلا فى السجون العنصرية، سيعيش أطول فى الذاكرة الإنسانية على النحو الذى جرى مع «ناصر» و«تشى». إنها مرة أخرى «قوة النموذج الإنسانى». هذه الفكرة بالذات تقتضى إيمانا آخر بوحدة المصير الإنسانى. عمل «ناصر» على إعادة صياغة العلاقات الدولية، وأسس مع الزعيم الهندى «جواهر نهرو» والزعيم اليوغسلافى «جوزيف تيتو» حركة «عدم الانحياز» لتجنب الانصياع لإحدى القوتين الكبيرتين، الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفييتى.
سأله «نهرو» ذات مرة: «لماذا تصف مصر بأنها دولة نامية؟.. مصر دولة كبرى يا سيادة الرئيس».. فأجابه: «دولة كبرى بعالمها العربى». هذه العبارة تلخص رؤيته لمصر ومكانتها فى عالمها، فمصر داخل حدودها بلد منكشف فى أمنه القومى وفى طاقته على توفير احتياجاته، ومصر منفتحة على عالمها العربى بلدا كريما على نفسه وفى منطقته وعالمه.
مات مبكرا وعاش طويلا، رحل عن الدنيا فى الثانية والخمسين من عمره، لكن ظله حاضر حولنا.