Haneen
2013-01-23, 12:50 PM
21/1/2013
اقلام واراء عربي
في هذا الملف:
إدارة الانقسام أفضل من انفلاته
عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
اللقاءات* الفلسطينية*: من* الدوحة* إلى* الرباط* المخاض* العسير*..
صلاح محمد عن الشروق الجزائرية
'باب الشمس'
م. زيد عيسى العتوم عن القدس العربي
بين بابي “الشمس” و”الكرامة”
محمد عبيد عن دار الخليج
انتخابات النظام ... ونظام الابرتهايد
ايهاب ابوغوش(محام من القدس) عن القدس العربي
الإسرائيليون و«المَثليُّون» صفَّاً واحداً ضد هيغل!!
صالح القلاب عن الرأي الأردنية
انتخابات إسرائيل غداً: نهاية اليسار وهيمنة اليمين الديني
حلمي موسى عن السفير
لماذا “شخصنة” الخلافات “الإسرائيلية” - الأمريكية؟
عوني صادق عن دار الخليج
عيون وآذان (العربان خارج الحسبان)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
إعلان طلب مسؤولين لدولة!
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
وصفة لتحجيم شعبية الإسلاميين
حمد الماجد عن الشرق الأوسط
معنى استدعاء عبد الناصر
عبد الحليم قنديل (كاتب مصري) عن القدس العربي
3 - أوباما و"الإخوان" علاقة جيدة... و"أجندة"؟
سركيس نعوم عن النهار اللبنانية
الإخوان المسلمون .. لايمكن التعايش معهم فهل يستحيل الاستغناء عنهم..؟
د. علي الخشيبان عن الرياض السعودية
الإخوان المسلمون بين الانشقاقات والسياسة
عبدالله فراج الشريف عن المدينة السعودية
جماعة المقطم.. وجماعة سوريا
رامي جلال عامر عن المصري اليوم
مرة* أخرى*.. تحية* للجزائر
صالح عوض عن الشروق الجزائرية
إدارة الانقسام أفضل من انفلاته
عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
بعد الإفصاح عن الجدولة الزمنية لخطوات المصالحة الفلسطينية، بدأت التقديرات حول فرص إنهاء الانقسام الفلسطيني، تأخذ منحى تفاؤلياً متصاعداً، وإن كانت نبرة الحذر والتحفظ ما زالت تطل برأسها بين سطور المحلل والمراقبين، بالاستناد إلى إرثٍ طويلٍ من الخيبات وتجارب الفشل في ربع الساعة الأخير.
يحدثك كثيرون، ومعهم فيما يقولون الحق كله، بأن ما تم التوافق عليه في القاهرة، ليس مصالحة حقيقية، بل «إدارة للانقسام»، ذلك أن الخلافات الأعمق، ما زالت محتدمة بين الفصيلين الرئيسين حول البرنامج السياسي وأشكال المقاومة ومنظمة التحرير، كما أن جدران الثقة بينهما ما زالت خفيضة، وبالإمكان القفز من فوقها إلى ساحات الاصطراع والتحارب.
كل هذا صحيح، ونضيف إليه، أن الفصيل الواحد، يشهد اصطراعا داخلياً يدور في أحد محاوره حول المصالحة، فهناك من يؤيدها ويستعجلها، وهناك من يتحفظ عليها ويخشى منها على منظومة مصالحه وأدواره ومواقعه ونفوذه، ما يُبقي المصالحة وحتى إشعار آخر، عرضة للتقدم والتراجع، «الاختراق» و»الانتكاس».
لكن مع كل ذلك، ما زلنا نرى أن «انقساماً» يتفق طرفاه على «إدارته»، خير من انقسام خارج عن السيطرة والتحكم..ولقد قلنا في هذه الزاوية بالذات، أن «سيناريو كردستان العراق» الذي هو في واقع الحال، شكل من أشكال «الإدارة المتقدمة» للانقسام بين المكونين الكرديين الرئيسين، أفضل بكثير من «سيناريو الباكستان وبنغلادش»، حيث أفضى صراع» الأخوة الأعداء» إلى انفصال باكستان الشرقية عن الغربية، بعد حرب ضروس، أكلت الأخضر واليابس.
ونعتقد جازمين، رغم التصريحات التي تصدر عن أصحاب الرؤوس الحامية، أن للمصالحة فرصة سانحة هذه المرة. فهي تتم لأول مرة منذ سنوات، بين أنداد ومتكافئين، وليس بين منتصر ومهزوم، وبمقدور كل فريق الآن، إن يستند الآن، إلى أوراق قوية، يضعها فوق منضدة الحوار الوطني: فتح بعد فوزها في نيويورك ونشوتها بمهرجان غزة، وحماس بعد بعد نصر غزة، ومناخات الربيع العربي وما صاحبها من صعود إخواني في عدد من الدول العربية.
في العمق، نعرف أن مأزق فتح الرئيس يكمن باصطدام مشروعها السياسي بعقبة نتنياهو الكؤود، وقيادة فتح تدرك أكثر من غيرها، أن طريق المفاوضات بات مسدوداً..مسدودا..وأن كل ما يصدر عنها وتشيعه من تصريحات ومواقف، إنما يندرج في سياق «تأجيل الاستحقاق الأهم والأخطر: الانتقال إلى خطة ب»، وتفادي تحمل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشل خيار، يعمل نتنياهو ليل نهار على الإطاحة به وتدميره، وأعني به خيار التفاوض وحل الدولتين.
في المقابل، يبدو أن مرور عامين على اندلاع ثورات الربيع العربي، وبعد أقل من عام على وصول الإسلاميين للسلطة في عدد من الدول العربية، كانا كافيين لإنزال حركة حماس (بعضها على الأقل) عن قمة الشجرة التي صعدت إليها..فحماس باتت تدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأنه يتعين عليها «التواضع» في تقدير حجم توقعاتها من دول الربيع العربي، وهي فوق هذا وذاك، باتت تدرك أتم الإدراك، حاجتها لتهدئة طويلة الأمد، لترتيب بيتها الداخلي من جهة والخروج بالقطاع من مأزق عزلته وحصاره، بل وخروجها هي بالذات، من مأزق غزة (بدلالة مهرجان فتح) من جهة ثانية..وكل وهذا وذاك وتلك، لا يمكن تحقيقه من دون مظلة سياسية، توفرها لها المصالحة، ولا شيء غيرها.
أضف إلى ذلك أن «الوسيط المصري» بات يجد مصلحته في «المصالحة»، بخلاف ما كان عليه الحال، زمن الأشهر الأولى لولاية د. محمد مرسي،ومن قبله، سنوت حكم مبارك الخمس الأخيرة..فالمصالحة هي طريق حفظ التهدئة، ومن دونها، سيبدو «الإنجاز الوحيد» لمرسي والإخوان في حقل السياسة الخارجية، وقد ذهب هباءً.
نحن متفائلون بمصائر هذه المحاولة من محاولات استعادة المصالحة واستئناف العمل الوطني الفلسطيني المشترك، لكنه تفاؤل يظل محفوفاً بالحذر والتحفظ، طالما أن المتربصين بالمصالحة كثر، على الساحة الفلسطينية وفي إسرائيل بالذات، من دون أن نغفل عن أدوارٍ عربية وإقليمية، بالغة الضرر والتأثير والتي لطالما لعبت أدواراً مؤذية في عرقلة المصالحة وإحباط مساعي الوسطاء وسعاة الخير.
اللقاءات* الفلسطينية*: من* الدوحة* إلى* الرباط* المخاض* العسير*..
صلاح محمد عن الشروق الجزائرية
من* يتابع* الجولات* الجديدة* من* الحوارات* الفلسطينية* الداخلية* والتي* رسى* آخرها* في* الرباط* المغربية* يلاحظ* أن* طريقة* الإشهار* عن* مواضيعها* بدت* وكأنها* تخضع* للنقاش* من* جديد*..
لم تضج القاهرة من السلسلة الطويلة من اللقاءات الثنائية والوطنية التي احتضنتها على مدار السنوات السبع الأخيرة، ثم أدلت الدوحة بدلوها وهكذا حملت إحدى الاتفاقيات بين فتح وحماس اسمها، وساهمت أيضا المملكة العربية السعودية قبل ذلك بالتوصل إلى اتفاق مكة.. حاولت طهران استضافة إحدى جلسات الحوار، لكن المعادلة الإقليمية قد أفشلت تلك المحاولة في مهدها، وإن كان شعب فلسطين يسجل امتنانه لكل من ساهم من ذوي الخلفيات السياسية الطيبة في رأب الصدع الفلسطيني، إلا أن الحالة الفلسطينية ليست قاصرة ولا تحتاج إلى وصاية أو إرشاد نحو المصالحة الوطنية بل تحتاج إلى مشاركة في متطلبات المواجهة مع المحتلين، في سياقه نشير إلى أن الاتفاقيات المبرمة داخليا في قطاع غزة على وجه التحديد كانت أكثر وضوحا في مضمونها، ووصلت درجة الارتباط الوطني بأن ساهم الأسرى في صياغة الوثيقة الأهم عام 2006 قبيل الانقسام* بعام،* حيث* تم* تبنيها* من* قبل* المجموع* الوطني* وأطلق* عليها* وثيقة* الوفاق* الوطني،* إذا* لم* يصبح* الأمر* متعلقا* باختلاف* سياسي* يصعب* تفكيكه،* واتضح* أكثر* بعد* التطورات* التي* شهدتها* عدة* عواصم* عربية*.
هل يعاد إنتاج المشهد: -منذ بداية الشهر الجاري للعام الجديد 2013 ونحن أمام تكرار ذات الاجتماع وذات النتائج، مكانك راوح، لكن بتواريخ جديدة، تصريحات تفاؤلية تصدر من أعلى المستويات، تصف اللقاءات بالبناءة والمثمرة والإيجابية، بعد ساعات أو أيام قليلة يطل علينا عبر القنوات الفضائية بعض الغربان المنتشية بتحميل الآخر مسلك ما خاطئ، لا أحد يعترف بخطئه مهما كان صغيرا، فقط هناك إبداع بإزاحة المسؤولية عن كاهله، إنه الخطأ بحق القضية الوطنية، وبحق شعبها المكافح الصامد. هكذا شهد يوم 9 جانفي 2013 لقاء قياديا ثنائيا بين الحركتين بحضور الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل، ولقاء للوفدين كل على حدى مع الرئيس المصري محمد مرسي، تبعه لقاء موسع يوم 12 جانفي 2013 في المغرب ضم عشرة أعضاء قياديين من الحركتين، إضافة إلى عدد من الفصائل الأخرى، وكانت يافطة هذا اللقاء قد حملت عنوان: من أجل تعزيز الدور المصري في تنفيذ الاتفاقيات أو اقتراحات لتنفيذها.."وكان الشكر للمملكة المغربية وعلى رأسها جلالة الملك.." قد تكرر على لسان السيد البردويل مسؤول وفد حركة حماس وغيره..ومن جانب آخر كان قد عقد لقاء يوم 10 جانفي 2013 لممثلي فصائل المقاومة في غزة مع رئيس الحكومة المقالة السيد اسماعيل هنية لمناقشة التطورات في الساحة الفلسطينية وضمنه تم إقرار إعادة فتح مكتب لجنة الانتخابات المركزية التي تسعى إلى تحديث السجل الانتخابي، وهي ليست المرة الأولى التي يعاد بها فتح مكتبها في غزة، وصولا إلى اللقاء الأخير يوم الخميس 17* جانفي* 2013* بالقاهرة* بين* وفدي* الحركتين* برئاسة* الأخوين* عزام،* أبو* مرزوق،* والذي* أعاد* التأكيد* على* الاتفاقيات* السابقة* ووضع* آلية* التنفيذ،* سوف* يشهد* شهر* فبراير* عدة* لقاءات* أخرى*.
هذه الحيوية والنشاط الفلسطيني المكثف.. لماذا يتعاطى معها الشارع الفلسطيني بنوع من الحذر، وذلك بعد سلسلة التفاؤلات السابقة، ماهي الأسباب الكامنة وراء هذا الإفشال للاتفاقيات المتعددة سواء كانت أسبابا داخلية أو خارجية مع أن المعيقات الداخلية هي الأساس: أولا- المعيقات* الداخلية* الذاتية*:
1-قضية الانتخابات: بالرغم من تعقيدات الوضع الفلسطيني من جانب خضوعه للاحتلال الاستعماري الإجلائي، إلا أن التجربة الفلسطينية قد أفرزت إمكانية اللجوء للخيار الديمقراطي والانتخابي حصرا من أجل تكوين المجلس التشريعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا المجلس قد أقر تأسيسه في اتفاقية أوسلو التي وقّعت في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر1993 لكن الطرف الفلسطيني كان قد طوّره في الشكل والمضمون إلى حد ما، في هذا الإطار أنجزت الانتخابات الرئاسية وبعدها التشريعية في جانفي 2006، مع تسجيل أن القانون الانتخابي الخاص بالمجلس التشريعي لايزال يعكس عقلية الهيمنة، حيث لم يتبن قانون التمثيل النسبي بالكامل بل جمع بينه وبين قانون الأغلبية بالتالي يمكن تلخيص التضارب في الموقف من الانتخابات بينهما بالآتي: أ- لاتريد حركة حماس بالمعنى العملي العودة للانتخابات بل تسعى عبر الوقائع التي تفرضها في قطاع غزة باتجاه تكريس وجودها وتعزيز حكمها بعدم تركه تحت أي ظرف، بالتالي رفضت وعرقلت أية خطوات لها علاقة بالانتخابات في قطاع غزة. ب- منذ صيف العام الماضي بدأت حركة فتح تطرح ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بمعزل عن توفر الإجماع الوطني وبمعزل عن المصالحة ومواقف حركة حماس، ومن وجهة نظر فتح أن هذا الطريق هو المخرج من المأزق الداخلي، هذا الطرح يعني موضوعيا إجراء الانتخابات بالضفة الغربية فقط مع حل مشكلة تمثيل غزة في المجلس التشريعي" ضمن قوائم مدن الضفة، إن ذلك لو تم تنفيذه لن يخرج الساحة من مأزقها بل سوف* يعمق* الانقسام* أكثر* ومن* ثم* يرسمه* إن* لم* يدفع* الأمور* إلى* وجهة* سياسية* خطيرة،* من* جانب* آخر* لقد* شكل* هذا* الطرح* جسرا* جديدا* لحركة* حماس* لكي* تتملص* من* الانتخابات*.
2- موضوع منظمة التحرير الفلسطينية: هناك إجماع وطني حول ضرورة إعادة بناء مؤسساتها على أساس ديمقراطي، واتخذت قرارات متعددة بهذا الصدد لكنها لم تر نور التطبيق، ربما كان الموقف من إعلان القاهرة الذي صدر في مارس 2005 والذي نص على تشكيل اللجنة القيادية التي تضم الأمناء العامين للقوى إضافة لشخصيات وطنية محددة أبرز دليل على ذلك، بالتالي كنا ولازلنا أمام مواقف: أ- حركة حماس تريد البدء بخطوات المصالحة في منظمة التحرير، بحيث تضمن تواجد ذو ثقل سياسي في مؤسساتها في إطار وضع اليد عليها وليس من خلال إصلاح ديمقراطي.
ب- حركة فتح المتفردة بشكل لا ديمقراطي على كامل مؤسسات منظمة التحرير وفي مقدمتها السفارات الفلسطينية كانت ولازالت ترفض أي مشاركة جادة لشركائها ممن ساهموا في صيانة المنظمة والتصدي للمخاطر التي واجهتها في المراحل النضالية المتعاقبة قبل نشوء حركة حماس، فكيف يمكنها* التخلي* عن* شيء* أساسي* لصالح* الشريك* الجديد،* هكذا* تم* إبطال* مفعول* اللجنة* القيادية* للمنظمة* التي* رسمت* خارطة* طريق* لإصلاح* المؤسسات*.
3-دور أصحاب المصالح التي تبلورت أكثر في الانقسام: - لقد لعبت فئة أصحاب المصالح دورا بات يحكى عنه بالمساهمة في إفشال قرارات المصالحة، ممن تكونت مصالحه الاقتصادية ونمت في مرحلة الانقسام وفي مناخها، وهكذا تم استثمار مواقع النفوذ لتحقيق الكسب غير المشروع يهمه إبقاء الوضع على حاله هنا يجري الحديث على سبيل المثال عن 800 مليونير جديد في غزة يطلق عليهم مليونيرية الأنفاق وغيرها على حساب فقراء وجياع غزة..في الضفة الموضوع أقدم وأصحابه أكثر خبرة، ويكفي الإشارة إلى تقارير هيئة مقاومة الفساد في الضفة الغربية التي يرأسها السيد رفيق والحديث عن أسماء متعددة من أصحاب المسؤوليات هؤلاء لهم دور في عرقلة المصالحة، والخارج له مساهماته أيضا فهدر المال العام في بعض المؤسسات أو بعض السفارات بات تناوله أو الإشارة إليه من المحرمات لأنه من الطابوهات التي يحظر الاقتراب منها، فأشكال وأساليب* هدر* المال* العام* باتت* متعددة،* كما* أن* أساليب* التأثير* السلبي* غير* المباشر* على* خطوات* المصالحة* متعددة* أيضا*.
ثانيا: الضغوطات الخارجية: - إننا أمام قضية محورية مرهقة في نتائجها على القيادة الفلسطينية وعلى شعب فلسطين، وبالذات في ظل عدم وجود اقتصاد وطني مستقل ونام. إنه عنوان يتوجب على كل الأطراف مناقشته والمساهمة في إيجاد مخرج له لأن تأثيره كبير على النواحي المتعددة في حياة الفلسطينيين، هنا يتحمل الوضع العربي مسؤولية في ذلك، بحيث لا يترك أشقاءه عرضة للضغط وللابتزاز للاشتراطات الأمريكية الإسرائيلية التي تمارس بحدة كلما جرى الحديث عن الوحدة والمصالحة أو تم اتخاذ موقف مغاير لرؤيتهما، كما حصل في المعركة السياسية الأخيرة في* الأمم* المتحدة* بتاريخ* 29* نوفمبر* 2012*.
بعد ذلك وقبله يمكن القول إن الاختلاف أو الصراع الداخلي يتركز بالأساس حول تقاسم مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني ولم يعد للاختلاف السياسي أية أهمية بين الفريقين، وبالذات بعد التطورات التي شهدتها منطقتنا.
إن الثغرة الأساسية ذات البعد الاستراتيجي التي ولدت هذا المنحى من التفكير والاختلاف تتمثل في انتقال الوضع الفلسطيني من مرحلة النضال التحرري الوطني والتصادم بكل أشكاله مع المشروع الصهيوني الاستعماري إلى مرحلة مستلزمات الدولة بكل ما يحمله الواقع من تعارض وتصادم* مع* هذه* النقلة*.
'باب الشمس'
م. زيد عيسى العتوم عن القدس العربي
'أنتم زيتون فلسطين الذي يضيء بشمس العدل، تبنون قريتكم فيشتعل بكم نور الحرية، أرى في عيونكم وطنا يولد من ركام النكبة الكبرى'، بهذه الكلمات وأكثر منها، يرتقي القلم، وتتجسد الرواية، وتصبح الكلمة عنوانا للمقاومة، ويصبح الأدب مشروعا لثورة تولد وتشتعل من جديد، فتهتزّ فلسطين، وتتألق القدس، وتحتضن أبناءها، وتقبل إلياس خوري مواطنا مكرما، وضيفا عزيزا في باب الشمس.
قد ينظر إلى ما قام به مجموعة من الناشطين الفلسطينيين، عندما نصبوا خيامهم، وأطلقوا صيحاتهم، في المنطقة الفاصلة بين القدس وباقي أراضي الضفة الغربية، على أنها خطوة رمزية الهوى، تعبر عن مشاعر القهر والإحباط الشعبي الفلسطيني، اتجاه تردي الأوضاع واستمرار الاستيطان، وتعثر المسلك السياسي للقائمين على الشأن الفلسطيني، لكنها برأيي اكبر وأعظم من ذلك بكثير، فالقدس قد بلغت الخط الأحمر، واتجهت بل وصلت مرحلة العزل والفصل والتهويد، والحلم الهزيل بإقامة الدولة الفلسطينية لتحقيق الأمل الفلسطيني، قد انقضى وأصبح عدما، والسلام المنشود بين الضحية والجلاد لا يغدو إلا نوعا من الجنون السياسي، أما الفلسطينيون فقد دخلوا الامتحان، ودقت ساعة الصفر ليقبلوا الرهان، فيفجروا انتفاضة جديدة، يثبتوا للعالم اجمع أن أصحاب الحق أحياء يرزقون، ومن اجل أرضهم لا يتأخرون، فيكون ربيعا فلسطينيا هو ربيع القدس بامتياز.
أما السلطة الفلسطينية المزعومة، تلك التي تسطر أروع الأمثلة في مراقبة وملاحقة المقاومين، والهرولة والتباكي لمؤتمر هنا أو طاولة هناك، والتغني بان السلام مع إسرائيل هو خيارها الاستراتيجي، فما اّن الأوان أن تعيد النظر في شرعيتها وفلسفة وجودها، غير تقديم الخدمات الإدارية والمحلية المنقوصة لأهل الضفة، تلك الضفة المثقبة بمستوطناتها ومعابرها، وما اّن الأوان لتغيير اتجاه التجديف السياسي في بحر التفاوض الضحل، وهل في قدرتها شاءت أم أبت، أكثر من مجرد الاعتزاز بالمبادرة الشجاعة لباب الشمس، والتشدق باعتبارها رسالة مهمة للإسرائيليين والمجتمع الدولي بان الشعب لن يستسلم أمام نهب أرضه، ولا ندري إلى أي فصيل إسرائيلي أو أي محفل دولي، ستوجه تلك الرسائل فتجد ضالتها!
لن يستطيع التباكي العربي، ولا من وراءه التعاطف والتنديد الدولي والإنساني، أن يوقف الجرافات الإسرائيلية المدججة، من أن تمسح الأرض والعرض، وان تسوي تلال فلسطين بسهولها، ولن تقدر سيوف العرب وخناجرهم وحناجرهم مهما علت، أن تقطع معاليه ادوميم عن القدس كما تريد إسرائيل، إلا بالتسامي ما فوق التشرذم والتناحر الفلسطيني، وبذل الفلسطينيون أرواحهم الغالية رخيصة لوصل القدس بجسدها العطر، عندئذ قد يرى الطفل الفلسطيني القابع خلف الجدار الفاصل، يرى الشمس تشرق من باب الشمس!
بين بابي “الشمس” و”الكرامة”
محمد عبيد عن دار الخليج
تجربة قرية “باب الشمس” المقاومة للاحتلال “الإسرائيلي”، والآن “باب الكرامة”، وكلتا القريتين على أرض فلسطينية محتلة على تخوم القدس، أثبتتا بلا شك كيف أن المقاومة الشعبية السلمية تترك أثراً كبيراً، وتشكل أزمة حقيقية للكيان الذي لا يتقن سوى لغة القتل والتدمير والاقتلاع .
الاحتلال اقتلع قرية “باب الشمس” على الأراضي المهددة بالنهب في المنطقة التي يسميها “إي 1”، والآن يلوّح بالمصير ذاته لقرية “باب الكرامة” التي أقامها الفلسطينيون على أراضي بيت إكسا شرقي القدس المحتلة، هذه القرية الجديدة تضع أمام الكيان سيناريوهات للمستقبل، لا يمكن إلا أن تكون في مجملها إزعاجاً غير مسبوق، وحتى مأزقاً على المستويين الفلسطيني والدولي .
الفلسطينيون وجهوا الرسالة الواضحة إلى المحتل، اقتلع “باب الشمس”، لتنبت “باب الكرامة” شمساً جديدة عصية على الدفن أو الإخفاء القسري، باب الشمس كانت النموذج، والآن باب الكرامة، وغداً يُزرع باب جديد على أرض فلسطينية مهدّدة بمخططات وآليات ومستعمرات الكيان التوسعي، والرسالة ستصل إلى العالم ككل، لا إلى “إسرائيل” وحدها، ومفادها أن الفلسطينيين صامدون في أرضهم، حتى النهاية .
أساليب المقاومة السلمية الشعبية ليست جديدة على الفلسطينيين، فطالما مارسوها على مدى العقود الماضية، بأشكالها المختلفة، من اعتصامات واحتجاجات سلمية، وإضرابات عامة، وإضرابات عن الطعام، ومقاومة سلمية تجلت في مسيرات وتظاهرات ضد جدار الضم والتوسع في بلدات وقرى عدة، أضحت عناوين بارزة في الإعلام، مثل بلعين ونعلين والنبي صالح وغيرها .
لكن هذا الأسلوب المتمثل بملاحقة الاحتلال ومحاولاته نهب الأرض من خلال الصمود المادي فيها، وزراعة الخيام في أرضها، والمرابطة فيها رغم البرد القارس، ورغم تهديدات الاحتلال وقطعان المستوطنين، يشكل علامة فارقة، إذ إنه من ناحية يكتسي صفة التواصل، فهو ليس فعالية تمر بعد ساعة أو اثنتين، ومن ناحية أخرى وسيلة جديدة ستأخذ طابع الانتشار والتكرار، ما سيجعل الاحتلال يفكر ألف مرة قبل الإعلان عن مشروع نهب جديد للأرض الفلسطينية .
قريتا باب الشمس وباب الكرامة، لن تكونا الوحيدتين، لن تكونا تجربة عابرة تنتهي مع اقتلاع آخر خيمة في الأخيرة، كما كان الأمر مع الأولى، فرئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو وتحالفه الانتخابي الأشد تطرفاً، أعلناها صراحة، أنهما لن يوقفا مخططات السلب والاستعمار والتهويد، عندما يعودان إلى سدة الحكم عقب الانتخابات المقررة غداً الثلاثاء، وهذا يؤكد بالضرورة أننا سنشهد المزيد من قرى الصمود والتحدي في أكثر من مكان من الضفة الفلسطينية .
الكيان المحتل ومن خلفه حلفاؤه وآباؤه في الولايات المتحدة والغرب، بذلوا على الدوام كل الجهود والإمكانات، لوصم المقاومة الفلسطينية بوصمة “الإرهاب”، وحاولوا على مدى عقود تجريد نضال الشعب الفلسطيني من صفته التحررية الحقوقية، ولم يتوانوا عن دعم وتغطية مخططات الاحتلال، ومحاولة إضفاء الشرعية عليها، والآن ينتظر الفلسطينيون ما سيكون من هؤلاء .
سيحاولون لي عنق الحقيقة مجدداً، وسيحاولون إدانة المقاومة الشعبية السلمية، لكن ذلك لن يمنع من إنبات أبواب أخرى جديدة على الأرض الفلسطينية، أبواب للشمس والكرامة والتحرير والعودة والأسرى، وغيرها كثير .
انتخابات النظام ... ونظام الابرتهايد
ايهاب ابوغوش(محام من القدس) عن القدس العربي
مَن مِن السكان الخاضعين للنظام الاسرائيلي يشارك ويمارس حقه بالانتخاب والترشيح ضمن الانتخابات الاسرائيلية؟
في مقاله الذي نشر في صحيفة هأرتس الاسرائيلية بتاريخ 16.10.12، استشهد الصحافي عكيفا إلدار بتصريحات نشرتها دائرة الاحصاء الاسرائيلية مفادها، بانه في الاراضي الواقعة ما بين البحر (المتوسط) والنهر (الاردن) والخاضعة للنظام الاسرائيلي يقطن اكثر من 12 مليون نسمة، ويصل عدد السكان اليهود الى 5.9 مليون، في حين ان البقية من غير اليهود. بناء على هذه المعطيات استنتج إلدار بان النظام الاسرائيلي الساري على سكان ما بين البحر والنهر هو نظام ابرتهايد، لانه قائم على حكم الاقلية اليهودية للاغلبية غير اليهودية، اي العربية.
في الأسطر المقبلة نطّلع على بُعد اخر لنظام الابرتهايد الاسرائيلي من خلال سرد 'وضعيات الاقامة(Statuses of Residency) ' للسكان المقيمين تحت سقف النظام الإسرائيلي ونتمحّص عبر الانتخابات علاقة مجموعات السكان بنظام الحكم. كذلك نسلط الضوء على نقطتين هامتين: الاولى، ان هذه المجموعات السكانية تجتمع معا تحت قاسم مشترك واحد الا وهو خضوعها لسلطة نظام الحكم الاسرائيلي على اختلاف صلاتها بهذا النظام. والثانية، وهي التباين الحاد بين هذه المجموعات بشأن منحها او حرمانها من ممارستها لحق الانتخاب والترشيح لهذا النظام. في سياق السرد نستدل من هم السكان الذين يشاركون في الانتخابات ويقررون ماهية نظام الحكم الساري على كافة سكان البلاد وفي ختامه نتطرق الى نسبتهم.
أولا، ما بين البحر والنهر وداخل المنطقة المسماة بالخط الأخضر، يقيم السكان اليهود، مواطنو دولة إسرائيل وحملة الجنسية الاسرائيلية، ويتمتعون بداية ونهاية بممارسة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان.
ثانيا، على غرار النوع الاول، تجد 'المهاجرين الجدد'، وهم يهود او مدّعين باليهودية ورغما عن ان شفاههم لم تنطق بالعبرية بعد، تحصل هذه المجموعة من السكان فور وصولهم الى البلاد على الجنسية الإسرائيلية ومعها الحق في الانتخاب والترشيح للبرلمان، كل ذلك دون معرفتهم ادنى معرفة لهموم وامور السكان الخاضعين لسياسة النظام.
ثالثا، السكان العرب الفلسطينيون والمقيمون في إسرائيل كمواطنين، فلهم الحق بالمشاركة في الانتخابات. في الواقع، يتجلى انخفاض ملحوظ على اقبال المواطنين العرب للمشاركة في الانتخابات الاسرائيلية (فمتوسط نسبة التصويت لديهم في العقد الأخير 48'). كذلك ففي العقدين الاخيرين وفي داخل هذه المجموعة السكانية، يحتدم الجدال والتباين السياسي والوطني بشأن الانماط المختلفة تجاه الانتخابات الاسرائيلية، فهل للمشاركة في الانتخابات ام الامتناع عنها ام مقاطعتها والدعوة لذلك. هذا الجدل مستمر بل ويتعمّق مؤخرا نسبة للتغييرات الكاردينالية التي طرأت ولا زالت تهوي على اصعدة عدة بخصوص المجتمع العربي في اسرائيل، خاصة السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تؤثر سلبا وتؤدي الى تفاقم ما تبقى من العلاقة الراهنة بين المواطنين العرب ومؤسسات الدولة العبرية.
رابعا، جزء لا يتجزأ من جمهور المواطنين العرب في إسرائيل هم البدو سكان الجنوب. النظام الإسرائيلي يرفض الاعتراف بعشرات القرى البدوية في جنوب البلاد ويمتنع عن توفير اي من الخدمات الحياتية الاساسية لهؤلاء السكان. بل الابلى من ذلك انه وفي السنوات الاخيرة قام النظام الاسرائيلي بهدم قسم من البيوت والقرى البدوية بحجة عدم اعترافه بها، كما وانه يعد العدة بمخططات مختلفة، اشهرها مخطط 'برافر'، لهدم الكثير من القرى البدوية وتهجير قاطنيها. تجدر الإشارة هنا، ان عدائية النظام للسكان البدو تنعكس ايضا بانه يتيح لهم إمكانية وحق المشاركة في اختياره من جهة، ويقوِّض امكانية ممارسة هذا الحق من جهة اخرى !
خامسا، السكان العرب الذين يعيشون في القدس الشرقية تحت الاحتلال منذ 1967. على الرغم من بلوغ عدد سكان القدس الشرقية ما يفوق الثلاثمئة الف (ما يقارب 38' من سكان القدس 'الموحدة' كتسميتها الاسرائيلية)، ولكون اعتبارهم اسرائيليا جزءا من سكان الدولة، الا انهم لا يزالون يُعر َّفون من قبل النظام الاسرائيلي كسكان ذوي وضعية 'مقيمين' ليس الا، ولا يرتقون البتّة لان يصبحوا 'مواطنين'، بل وانهم غير مخوّلين لذلك. مما يستدل من الوضعية القانونية المقتصرة على 'الاقامة' لا 'المواطنة'، بانها وضعية قانونية في حد ذاتها ضعيفة وهشّة، وقد أودت في السابق لالغاء اقامة ما يقارب خمسة عشر الفا من المقدسيين، مما اسفر عن حرمانهم ومنعهم من العيش في القدس. في هذا الصدد يجب التأكيد على ان النظام الاسرائيلي بقدر ما يُركّز ويعمد على احكام احتلاله لاراضي القدس الشرقية والزام ساكنيها كغيرهم بالانصياع لسلطته وقوانينه، فانه يقضي بحرمانهم القطعي من حق الترشيح والانتخاب واختيار النظام الذي يخضعون لسيطرته.
سادسا، العرب السوريّون سكان هضبة الجولان يخضعون هم كذلك لسلطة النظام الاسرائيلي. وضعية هذه المجموعة من السكان تنحصر بمرتبة 'المقيمين' فقط، ولا يعتبرهم النظام الاسرائيلي ك'مواطنين'. لذا، ورغما من احتلال ارضهم واخضاعها مع ساكنيها بالقانون الاسرائيلي لسلطة وهيمنة القانون الاسرائيلي، الا ان النظام ذاته جرَّدهم من حق الانتخاب والترشيح والمشاركة في اختياره.
سابعا، بسبب التعديل الذي ادخل عام 2003 على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، والمصادقة عليه من قبل المحكمة العليا الاسرائيلية، اصبح الآلاف من العرب الفلسطينيين، الذين يعيشون مع أزواجهم وزوجاتهم العرب مواطني إسرائيل، مشرّدين ومجرّدين من اي وضعية قانونية. فبموجب القانون الاسرائيلي، اصبحت هذه الشريحة من الفلسطينيين مجرّدة من اي وضعية قانونية، فهم ليسوا بمواطنين ولا حتى مقيمين، بل وان القانون الاسرائيلي نفسه جرّدهم حتما من الحصول على اي من الامكانيات المذكورة في المستقبل. في الواقع، فان الاف الفلسطينيين يعيشون داخل الخط الاخضر مع ازواجهم وزوجاتهم بموجب تصاريح اسرائيلية تُمنح لهم على يد النظام الاسرائيلي لفترات محدودة اقصاها اثنا عشر شهرا. هذه التصاريح الاسرائيلية، علاوة على كونها مشروطة ومؤقتة، فانها تمنع وتحرم حامليها من الفلسطينيين من حقوق وحريات انسان اساسية منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بعد ما ذكر وباختصار، فانه من الجلي بان النظام الاسرائيلي جرّد هؤلاء الفلسطينيين من حق الانتخاب والترشيح.
ثامنا، العرب الفلسطينيون سكان الضفة الغربية المحتلة منذ 1967، يخضعون هم كذلك لسلطة النظام الإسرائيلي. يذكر على سبيل المثال لا الحصر بانه من الاوجه التي تُجسّد هيمنة النظام الاسرائيلي على سكان الضفة الغربية فاننا نجد قوات الجيش الاسرائيلي والحكم العسكري والمحاكم العسكرية والإدارة المدنية والأجهزة الحكومية الأخرى لما تحويه من اذرع امنية وتنظيمية وفنية، بحيث تتسلّط اوجه النظام المختلفة على حياة الفلسطينيين عبر قنوات مباشرة او غير مباشرة على حد سواء. فالاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية رغم اتفاقية اوسلو وتوابعها ورغم تشكيل وتفعيل السلطة الفلسطينية، فانه يبسط سيطرته وسلطته على كافة السكان الفلسطينيين ويؤثر وبشكل يومي ولاكثر من خمسة واربعين عاما على ممارسة حرياتهم وحقوقهم الفردية والجماعية وعلى كافة الاصعدة ومجالات الحياة وخاصة المدنية والسياسية والتجارية والادارية والأمنية. في الوقت الذي تفرض منظومة الاحتلال المعقدة، على اوجهها البشعة، سلطويّة النظام الاسرائيلي وسريانه على فلسطينيي الضفة الغربية، في الوقت ذاته يُجرّد الفلسطينيين الخاضعين للنظام الاسرائيلي من ممارسة حق الانتخاب والترشيح.
تاسعا، سكان قطاع غزة المحتلة منذ 1967، او حتى قبل ذلك، فهم كسابقيهم، اخوتهم الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، يتأثرون بسلطويّة النظام الاسرائيلي رغما عن 'فك الارتباط' والانسحاب الاسرائيلي من اراضي القطاع. فسلطة النظام الاسرائيلي تسري وتطبّق بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الفلسطينيين سكان قطاع غزة، ومن اشكالها نجد الحكم العسكري والاوامر العسكرية والحصار البري والبحري والجوي، والذي لو تم تخفيفه فان القرار لتشديده او تخفيفه تتمتع به السلطة الاسرائيلية وحدها على الاطلاق. من الواضح والمعروف بان نظام الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة يسري عليهم منذ عقود الا ان سكان القطاع قد حرموا وجرّدوا من المشاركة في الانتخاب والترشيح للتأثير وتقرير ماهية النظام الساري عليهم.
عاشرا، لن تتم الخاتمة دون التطرق للحاسمة، هم 'اسياد البلاد' ومدللو النظام، هم المستوطنون الاسرائيليون. مئات الالاف من اليهود مواطني اسرائيل يعيشون في الضفة الغربية على اراض فلسطينية سُلبت من مالكيها الفلسطينيين لتشكل قاعدة واساسا لمشروع استيطاني يدعمه النظام الاسرائيلي ويجاهر دائبا بالحث على ترسيخه وتوسيعه، وليكون العقبة الحاسمة لمشروع السلام. على عكس الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، فان المستوطنين اليهود لهم حق الانتخاب والترشيح، بل وانهم يمارسون حقهم هذا باندفاع وكثرة وتتنافس معظم احزاب الطيف الاسرائيلي على مغازلتهم واستمالتهم كمرشحين في صفوفها وكناخبين لصناديقها.
بعد سرد مجموعات السكان المختلفة، ننتقل لمعرفة نسبة الناخبين المشاركين في الانتخابات من مجمل سكان البلاد، ونتطرق لهذه المعطيات: معدل نسبة المصوتين في الانتخابات الاسرائيلية في العقد الاخير 64'؛ هذه النسبة تشمل 91' مواطنين يهود و9' مواطنين عرب؛ عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات المقررة ليوم 22 يناير2013 هم 5,659,72؛ وعدد السكان الذين يعيشون ما بين البحر والنهر لا يقل عن 12 مليون شخص. بواسطة عملية حسابية بسيطة نصل الى النتيجة الميئوسة: ربع سكان البلاد فقط، 26'، (وهم من اليهود) يشارك في الانتخابات الاسرائيلية، وهذا الربع هو الذي يقرر ويحدد نظام الحكم الاسرائيلي، الابرتهايد، الذي يسري على كافة سكان البلاد.
ما دام واقع الحال حكم الاقلية اليهودية القليلة للاغلبية العربية البارزة، فغني عن البيان القول ان الانتخابات الاسرائيلية لا تصبُّ ولا تصبو لممارسة حق السكان الديموقراطي باختيار نظام الحكم الساري عليهم، بل انها تعمد لتحصين وتدعيم وإستدامة إحكام سلطة نظام الابرتهايد الاسرائيلي من قبل صانعيه الاقلية اليهودية على بقية سكان البلاد وهم الاغلبية العربية. في مثل هذا الحال، ولإزالة نظام الابرتهايد الاسرائيلي، يتحتم العمل باحدى الاثنين: إمّا الغاء تام للنظام الاسرائيلي عن كل البلاد والعباد المحرومين من المشاركة بصنع هذا النظام، وإمّا منح حق الانتخاب والترشيح والمشاركة لكل السكان الخاضعين لسلطة هذا النظام.
الإسرائيليون و«المَثليُّون» صفَّاً واحداً ضد هيغل!!
صالح القلاب عن الرأي الأردنية
الإسرائيليون و»المثليون الجنسيون» إتفقوا على الإعتراض على تعيين تشاك «شارل» هيغل وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة فالإسرائيليون يأخذون على هذا الرجل أنه ليس موالياً لإسرائيل بما فيه الكفاية وأنه كان قد إعترض على غزو الجيش الإسرائيلي للبنان في عام 2006 وانه كان قد قال رغم أنه من رموز الحزب الجمهوري :«إنَّ علاقاتنا مع اسرائيل خاصة وتاريخية لكن ليس من الضروري ولا يمكن أن تكون على حساب علاقاتنا العربية والإسلامية..إن هذا خيار زائف وغير مسؤول وخطير».
وتماشياً مع الضجة التي أثارها «اللوبي» الإسرائيلي بعد إختيار هيغل لهذا المنصب الهام جداً قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي يعتبر من أشد أعضاء الكونغرس الأميركي تأييداً لإسرائيل :إن هيغل هو «أكثر وزير دفاع أميركي عداءً لإسرائيل في تاريخ أمتنا» ثم وفي الإتجاه ذاته قام أصدقاء الدولة الإسرائيلية بإعادة نشر تصريحات كان أدلى بها وزير الدفاع المُعيَّن في عام 2006 وأستخدم فيها عبارة «اللوبي اليهودي» وليس «اللوبي الإسرائيلي» الذي قال أنه يروِّع «كثيراً» الناس في الكونغرس.
وينسب إلى هذا الرجل ،الذي يوصف بأنه مناكف والذي بدأ حياته العملية رقيباً في أحدى فرق الجيش الأميركي التي شاركت في حرب فيتنام، أنه قال ،رداً على إتهامه بأن تأييده لإسرائيل «غير قوي»، :»أنا عضو في مجلس شيوخ الولايات المتحدة ولست سيناتوراً إسرائيلياً» وهذا هو أول كلام بكل هذه الصراحة وبكل هذا الوضوح يسمعه الإسرائيليون من مسؤول أصبح وزير دفاع الولايات المتحدة.
إنَّ هذا بالنسبة لغضب الإسرائيليين على هيغل أما بالنسبة لقادة «حركة المثلية الجِنْسيَّة» فإنهم يأخذون عليه أنه خلال السنوات التي قضاها في الكونغرس الأميركي قد دخل في مشاكل معهم وأنه عارض سنَّ قوانين لزيادة حقوقهم والسماح لهم بالإستفادة من الفوائد الضريبية التي يستفيد منها عامة الناس ولذلك فقد لجأ هؤلاء بمجرد تعيين هذا الرجل وزيراً للدفاع إلى نشر إعلان بمساحة صفحة كاملة في صحيفة «واشنطن بوست» ضده.
ولعلَّ كل هذا يكشف كم أن الدولة الإسرائيلية تمارس سياسة غطرسة وتعالٍ تجاه الولايات المتحدة وكم ان الولايات المتحدة ،هذه الدولة العملاقة التي أصبحت بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي القطب الأوحد في العالم كله، تتصرف مع إسرائيل تحت وطأة عقدة نقص متجذرة غير مفهومة ولذلك فإنها لا تبدي حتى مجرد إمتعاض بسيط تجاه إنتقادات المنظمات الأميركية المؤيدة للإسرائيليين وإنتقادات الإسرائيليين أنفسهم لوزير الدفاع الجديد بأنه «لا يؤيد إسرائيل تأييداً قوياً» مما جعله يقول :»إنَّ علاقاتنا مع إسرائيل خاصة وتاريخية لكن ليس من الضروري ولا يُمكن أن تكون على حساب علاقاتنا العربية والإسلامية..إنَّ هذا خيار زائف وغير مسؤول وخطير».
إنَّ هذ هو واقع الحال وأنَّ كل هذا الإستخذاء الأميركي لإسرائيل والإستجابة لكل نزوات اليمين الإسرائيلي المتطرف هي التي تجعل الإسرائيليين يتصرفون مع الأميركيين ،بمن فيهم سيّد البيت الأبيض نفسه، وكأنهم «قطاريز» عندهم وتجعل المتنافسين على مقاعد «الكنيست» الإسرائيلي من قادة الكتل والأحزاب المتطرفة لا يرف لهم جفن عندما يعلنون أنه لا إنسحاب لا من الضفة الغربية ولا من القدس وأن الإستيطان سيتواصل وأنه على «أوسلو» أن تذهب إلى الجحيم وعلى عملية السلام أن تبقى تراوح مكانها لعشرين سنة أُخرى جديدة.
انتخابات إسرائيل غداً: نهاية اليسار وهيمنة اليمين الديني
حلمي موسى عن السفير
تبدو الانتخابات الإسرائيلية التي ستبدأ صباح الغد وتنتهي في المساء أشبه بمفارقة يصعب الجمع بين بعديها. فهي، ظاهرياً، غير مهمة وغير حاسمة ونتائجها معروفة سلفاً وتخلو من الإثارة وغير مثيرة للاهتمام. وهي، عملياً، فائقة الأهمية جراء وقوعها في لحظة تغييرات استراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي وحتى على الصعيد الإسرائيلي نفسه. فهذه هي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات إسرائيلية بعد التحولات في «البيئة الإستراتيجية»، وتُحسم نتائجها على خلفية تحولات جوهرية طرأت على المجتمع الإسرائيلي، ووجدت تجلياتها الأبرز في تعزز ظاهرة اليمين الديني القومي.
ومن الجلي أن الانتخابات الإسرائيلية تتم هذه المرة بعدما اتضح، وبشكل حاسم، أن معسكر الوسط ليس خيارا وأن اليمين الديني والقومي حسم المعركة نهائيا لمصلحته ليس في المعركة الانتخابية وحسب وإنما في المجتمع عموما. بل أن تحالف «الليكود بيتنا» الذي أنشئ بأمل امتلاك القدرة على قيادة الدولة اليهودية نحو إسرائيل يمينية علمانية ويهودية بات، وفق استطلاعات الرأي، لا يملك الغالبية في معسكر اليمين. فاليمين الديني القومي، سواء المتواجد داخل الليكود والمقدر بحوالي الربع و«البيت اليهودي» و«شاس» و«عوتسما ليسرائيل» وبدعم من الحريديم، يملك غالبية داخل معسكر اليمين تجعل حتى من نتنياهو مجرد رهينة بين أيديهم.
وليس صدفة أن جميع القوى الصهيونية باستثناء «ميرتس» وإلى حد ما «حركة» تسيبي ليفني تجاهلت بشكل تام مسألة التسوية السياسية. وهرب حزب العمل، كما من النار، من شعارات السلام وحتى من العبارات التي تتضمن المعنى في محاولة للاحتفاظ بمكان لدى الجمهور الإسرائيلي. وقاد ذلك إلى إلغاء كل تلك التسميات التي قسمت القيادات الإسرائيلية في العقود الماضية في قضايا السلم والحرب إلى يمين ويسار أو إلى صقور وحمائم. وبدت إسرائيل بمجموعها تتنصل من ماضيها بإعلان زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش أن حزبها لم يكن «يساريا» أبداً.
لقد أظهرت معركة الانتخابات الإسرائيلية أن ما كان يعرف بـ«اليسار» في إسرائيل قد انتهى أو يكاد ينتهي. فهو كف منذ سنوات طويلة عن أن يكون بديلا حقيقيا لليمين. كما أن تيار الوسط الذي ترعرعت غالبية قادته في صفوف اليمين والذي تفكك بشكل مريع بتفكك حزب «كديما»، عجز عن أن يشكل بديلا لليمين. واليوم بعد غلبة اليمين الديني القومي، وهي التعبيرات المغلفة لوصف اليمين المفرط التطرف، يمكن القول أن اليمين نفسه، ممثلاً بالليكود، بات يخسر مكانته كقائد للمجتمع.
وتتعدد غرائب ومفارقات الانتخابات الحالية عند العلم مثلاً أن القوة الصاعدة الآن (التيار الديني القومي) نبعت في الأصل من التيار الذي عارض الفكرة الصهيونية، وأن القوة التي تشرف على الهلاك الآن أي اليسار الصهيوني، هي التي أحيت الديانة اليهودية المعاصرة بمنح الإدعاء التوراتي محتوى عمليا. كما أن الوسط واليسار اللذين بلورا إسرائيل كدولة ليبرالية، في تعاطيها الداخلي، على الأقل في المجتمع اليهودي، يعانيان الآن من ثقل وطأة فاشية دينية يمينية يمثل المستوطنون طليعتها الكفاحية.
وإذا لم يكن هذا كافياً فإن موجات التكفير لأسباب سياسية أو اجتماعية تتعاظم بشكل واسع. ففي سياق سعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى مواجهة تسرب ناخبي الليكود وتوجههم إلى «البيت اليهودي» طلب من حاخامات المستوطنين فتاوى تأييد له، إلا أنهم رفضوا. كما أن حركة «شاس» في محاربتها لـ«الليكود بيتنا» (الذي بات حزب «إسرائيل بيتنا» جزءا منه طبعا من أجل كسب الأصوات) عمدت إلى شن حملة ضد المهاجرين الروس ممن لم يتهودوا وفق الشريعة. والأدهى من ذلك أن حملة التكفير التي تقودها «شاس» قادت في اليومين الأخيرين نحو تكفير حزب «البيت اليهودي» الذي ينافسها على أصوات شريحة من الجمهور. واعتبر المرشد الروحي لـ«شاس» الحاخام عوفاديا يوسف أن «البيت اليهودي» وزعماءه «أعداء للتوراة».
وبديهي أن هذه الأمور تخيف أوساطا واسعة في المجتمع الإسرائيلي خصوصاً في واقع يتسم مستقبله بالغموض. وكان نموذجيا، مثلا، إقدام ليفني على مطالبة لجنة الانتخابات المركزية برفض ترشيح جيرمي جيمبل المدرج في الموقع الرابع عشر على قائمة «البيت اليهودي» للكنيست. وجيمبل هذا لم يفعل شيئاً سوى أنه دعا إلى تفجير مسجدي الحرم القدسي (قبة الصخرة والأقصى) لتسهيل بناء الهيكل اليهودي.
وبالرغم من بعد المسافة بين الفائزين المرجحين في الانتخابات الإسرائيلية والتسوية السياسية، إلا أن الخوف على التسوية دفع أوساطا رسمية فلسطينية وعربية إلى دعوة الناخبين العرب للمشاركة بقوة في الانتخابات. وكان غريباً أن تشارك جامعة الدول العربية في الدعوة للمشاركة في الانتخابات لإضعاف النزوع اليميني في إسرائيل. وتمكن الإشارة أيضاً إلى التصريحات المنسوبة للرئيس الأميركي باراك أوباما ضد نتنياهو والتي جرى استغلالها من جانب اليمين واعتبارها تدخلا في المعركة الانتخابية.
عموما تتجه الأنظار غدا نحو ما سوف تناله الأحزاب من مقاعد لتتقرر لا طبيعة الحكومة المقبلة وإنما تركيبة المشاركين فيها. وكلما كان معسكر اليمين الديني والقومي أكبر كلما كان هامش مناورة نتنياهو للتحالف مع أحزاب وسط أقل. وبديهي أنه كلما كان اليمين الديني القومي أكبر كلما كانت فرص تحقيق تسوية سياسية أبعد. وبرغم ذلك هناك قناعة متزايدة بأن نتنياهو لن ينــال حكومة أحلامه وأن فوزه برئاسة الحكومة قد يكون مقدمة لتغييرات واسعة لن يكون هو من يفرضها وإنما شركاؤه في اليمين الأقصى.
لماذا “شخصنة” الخلافات “الإسرائيلية” - الأمريكية؟
عوني صادق عن دار الخليج
قبل أن يدخل بنيامين نتنياهو على خط انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة بسنوات، منحازاً بشكل غير متحفّظ إلى المرشّح الجمهوري ميت رومني، ضد باراك أوباما، كان واضحاً أن الود مفقود بين الرجلين . وجاءت أقوال أوباما التي نقلها عنه الصحافي الأمريكي المقرب جيفري غولدبرغ، رأيه في نتنياهو وسياساته، فأكدت ذلك ورآها بعض “الإسرائيليين” محاولة للانتقام من نتنياهو وأنه يصفّي الخلاف معه . بعض العقلاء من “الإسرائيليين”، ساسة وأصحاب رأي، أدركوا أن المسألة، بالنسبة إلى أوباما، ليست شخصية بل تتعلق بخلافات جدية بين إدارة أوباما وسياسات نتنياهو . وفي عز الحملة التي شنتها الأوساط “الإسرائيلية” والصهيونية، في الكيان الصهيوني وخارجه، على تعيين أوباما كلّ من السيناتور جون كيري وزيراً للخارجية، والسيناتور السابق تشاك هاغل وزيراً للدفاع، صادق أوباما في السادس من يناير/كانون الثاني الجاري على ميزانية وزارة الدفاع التي تضمنت تقديم مساعدة عسكرية للكيان الصهيوني بمبلغ (480) مليون دولار، ليعزز بها الحماية الصاروخية في منظومتي “القبة الحديدية” و”حيتس” .
وإذا كان قد نقل عن أوباما قوله، إن نتنياهو “لا يعرف مصلحة “إسرائيل”، وأنه يقودها إلى الضياع”، فإن تسيبي ليفني، زعيمة حزب “الحركة”، وزعيمة حزب “كاديما” السابقة، قالت في الفترة نفسها، إن نتنياهو “يقود الدولة اليهودية إلى نهايتها”، بينما قال بنيامين بن أليعازر، إنه يقودها إلى “عزلة دولية” . أما الأديب “الإسرائيلي” الحائز جائزة الدولة، فقال: “حكومة نتنياهو هي في نظري الحكومة الأكثر مناهضة للصهيونية” .
أقوال ومواقف أوباما لم تكن شخصية بأي حال، وما أكثر التصريحات التي أدلى بها أوباما وأركان إدارته، والمواقف التي أقدمت عليها هذه الإدارة، في السنوات الأربع الماضية، التزاماً ب”أمن “إسرائيل”، ودفاعاً ودعماً وتأييداً لحكومة نتنياهو وسياساتها الفظة . وإلى جانب ذلك، يعترف العقلاء من “الإسرائيليين”، ساسة ونخباً، بأهمية الولايات المتحدة بالنسبة إلى وجود دولتهم والحفاظ عليها . ففي العاشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، كتبت تسيبي ليفني مقالاً جاء فيه: “نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن نُبقي العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة قوية ووثيقة وحميمة ومتبادلة” . وأضافت: “مما لا شك فيه أن العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” تشكل جزءاً من الردع “الإسرائيلي” . فالدعم الاقتصادي والعسكري الذي يقدمه الأمريكيون هو الذي جعل الجيش “الإسرائيلي” أقوى جيوش المنطقة” . وهي ليست الوحيدة التي تعرف ذلك .
ولكن حتى بالنسبة إلى نتنياهو، ليست المسألة شخصية بل سياسية، لكن نتنياهو يحاول “شخصنتها” لأنه يعتقد أنه بهذه الطريقة، وتجنيد اللوبي الصهيوني معه، يمكن أن يفرض على إدارة أوباما أن تستجيب لمطالبه وسياساته . لقد كان وقوف نتنياهو إلى جانب المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأخيرة، وقوفاً مع نفسه وسياساته، حيث كان رومني ضد وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ومع الحرب على إيران ، ومع القدس “عاصمة موحدة للشعب اليهودي”، ومع الاعتراف بدولة ““إسرائيل” دولة يهودية للشعب اليهودي”! وأي مراقب موضوعي يمكن أن يتساءل هنا: هل كان ذلك مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة، أو لرئاسة الحكومة “الإسرائيلية”؟ ومن وقف مع من، في ضوء هذه المواقف؟
أوباما، يرى أنه رئيس للولايات المتحدة، وأن مسؤوليته الأولى والأساسية تتمثل في الحفاظ على المصالح الأمريكية أولاً وعاشراً، ولذلك لا يرى مصلحة في شن حرب على إيران مثلاً، ويرى مصلحة أمريكية و”إسرائيلية” في إنجاح المفاوضات و”حل الدولتين”مع السلطة الفلسطينية، ولا يرى فائدة في قتل “عملية السلام” من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات وتوسيعها . ويرى الاستجابة لكل الطلبات “الإسرائيلية” ابتزازاً وخضوعاً لنتنياهو وسياساته لا يوجد ما يجبره عليها . وقد وصل الأمر بأحد أنصار نتنياهو، وهو عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، في مقال نشرته “الواشنطن بوست” في أغسطس/آب الماضي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، أن طالب أوباما بزيارة القدس المحتلة والتعهد أمام الكنيست بوقف البرنامج النووي الإيراني”، من أجل أن يحظى برضاه ورضا نتنياهو و”الإسرائيليين” .
كذلك، فإن الحملة على كيري، وخصوصاً على هاغل، تعود إلى الأسباب نفسها التي تقف وراء الحملة على أوباما، أي عدم تطابقهما مع ما يريده نتنياهو، وانتقادهما لسياساته . وإن أكثر ما اعترض أنصاره عليه من أقوال هاغل، قوله: “أنا سيناتور أمريكي ولست سيناتور “إسرائيلياً”، (وهو هنا يعيد بكلماته موقف أوباما)، وبسبب ذلك اتهموه بمعاداة السامية، وجعلوا منه مريضاً نفسياً!
لقد ورث أوباما عن سلفه جورج بوش الابن وضعاً متردياً، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وكان مطلوباً منه، ولايزال، الخروج منه بأقل الخسائر والأضرار . ولم تكن المهمة سهلة، واتضح أن جهوده حتى الآن لم تكلل بالنجاح . إن ما يشغله هو ترتيب بيته الداخلي، وتحقيق ما وعد به الأمريكيين، في حملتيه الانتخابيتين، فكيف يمكن أن يرضي نتنياهو؟ الخلافات بين أوباما وإدارته من جهة، وبين نتنياهو وحكومته وأنصاره من جهة أخرى، خلافات سياسية بامتياز، وتفيد التقارير الأخيرة المتواترة أن الأمريكيين، ومعظم اليهود منهم، مع أوباما وضد نتنياهو . إنهم كما أوباما، مع “إسرائيل” وليس مع نتنياهو، لكن الأخير يصر على “شخصنة” هذه الخلافات لأنها لا تصمد للنقاش سياسياً، فيلجأ إلى شخصنتها للإيهام بأن سياسة أوباما ليست أمريكية بل هي تخص أوباما وحده . إن نتنياهو يعتقد أنه يستطيع أن ينال من “أوباما الشخص”، لذلك يلجأ إلى شخصنة خلافاته معه، لعله يحقق بعض النجاح.
عيون وآذان (العربان خارج الحسبان)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
عندي قصة سبق أن رويتها قبل 30 سنة، وأعيد روايتها اليوم لأنها تتفق مع موضوع مقالي، ففي عام 1982، بعد مجزرة صــبرا وشاتيلا وإنزال قـــوات دوليـــة، بينـــها أمـــيركية وفرنسيـــة في لبنان، كان الخبر اللبناني جزءاً أساسياً من المؤتـــمر الصـــحافي الــيومي للناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن حيث أقمتُ في تلك الأيام.
وجاء تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 ما أسفر عن مقتل 241 أميركياً و58 فرنسياً، وانسحبت القوات الدولية، وبدأ الخبر اللبناني يتراجع تدريجياً في مؤتمر الناطق باسم الخارجية حتى جاء يوم لم ترد فيه أية إشارة إلى لبنان وأخباره.
كنا ثلاثة صحافيين عرب أو أربعة ووقفنا عند باب الخروج وسألنا الناطق عن لبنان. وهو ردَّ: لبنان؟ مَنْ هي؟
ليس اللبــناني وحده، وإنما كل عربي، يعتقد أنه هبة الله إلى العالم وأن شــعوب الشــرق والغرب تفيق على ذكره وتنام.
عندي صدمة للعربان من مستوى صدمتنا بلبنان في بلاد الأميركان، فقد قرأت أرقاماً عن الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا عام 2012 تظهِر أن العربان خارج الحسبان، يا عم حميدان، فهم ليسوا آخر ما سأل عنه الناس، وإنما تظهِر الأرقام مئات ملايين الدخول على ويكيبيديا من دون أي سؤال عن العرب، أو ذلك الديك المغرور الذي يعتقد أن الشمس تُشرق لتسمع صياحه.
الإنكليزية هي الطاغية في الدخول على ويكيبيديا حتى أن الرقم 10 وهو الكتاب «ألعاب الجوع» عن وضع فقر مدقع في أميركا المستقبل سجَّل 18.431.626 طلباً، ما يزيد أضعافاً على مجموع المواقع العشرة الأولى بالعربية. وفي قائمة اللغة الإنكليزية، كأكثر لغات الأرض بما فيها العربية، نقرأ طلب مواقع إلكترونية أخرى من نوع غوغل وفايسبوك ويوتيوب، وأفلام وبرامج تلفزيونية.
العرب لم يكونوا في وارد مستعملي ويكيبيديا باللغة الإنكليزية أو أي لغة أخرى، فهؤلاء وجدوا أشياء أهم مثل فرقة «وان دايركشن» وهم خمسة مغنين إنكليز، احتلوا الموقع الرابع بالإنكلـــيزية، كما فعـــلوا في لغـــات عـــدة، ومثلهم الفيلم «50 ظــلاً للرمــادي» وأفلام أخرى. بل إنهم اهتموا بقــبيلة مايا وتــوقعها نهاية العالم في 21/12/2012 وأهملونا.
رصــدت بكل اللغات أول عشرة طلبات دخول على ويكـــيبيديا، وأول مئة طلب بالعربية، ولم أفهم الياباني والصيني والعبري المكتوب بتلك اللغات، إلا أنني قرأت ما يكفي لصدم الغرور العربي مرة أخرى، فأكبر بلد مسلم في العالم وهو إندونيسيا اختار مواقع التواصل الاجتماعي وأفلاماً محلية. أما تركيا حــيث الحكــم الإسلامي نمــوذج راقٍ قصرت عنه الأنظمة الإسلامية العربية فقد اختار الناطقون بلغتها أتاتورك وأفلاماً، بل لاعب الكرة رينالدو، ونسوا جيرانهم العرب.
ويظل ما سبق أفضل من أول عشرة اختيارات إيرانية، فالإيرانيون تحت حصار وعقوبات، والقائمة تبدأ بتهران (بالتاء لا الطاء) وإيران ونوروز ثم تكمل بأربعة مواقع جنسية لن أحاول شرحها خشية الخطأ، ثم لأن الكلمات قبيحة ولا تُنشر عادة في الإعلام العربي.
الإيطاليون شملت اهتماماتهم لاعب الكرة ليونيل ميسي، وفريق جوفـــنتس، والنروج جعلت المغني المراهق جستن بيبير في المركز السابع، ورفعته الدنمارك إلى المركز السادس. والإنكليز اهتـــموا بفــرقة «وان دايركشن» التي رفعـــت أداء شــركة ســوني في الولايـــات المتـــحدة. ووجـــدت اهتماماً عاماً بالألعاب الأولمبية وبطولة أوروبا في كرة القدم.
قائمة المئة العربية ضمت كل شيء، الدين والدنيا، شخصيات تاريخية مثل الفاروق عمر، كانت موضوع مسلسلات تلفزيونية، والدكتور محمد مرسي وخصومه في الانتخابات، وكاظم الساهر وأحمد شوقي ومثلث برمودا. وكان هناك حب (88) وجنس (95)، ما يعني أننا أقل اهتماماً بهذه الأمور من المكبوتين الإيرانيين.
غير أن النقطة الأهم، بكل اللغات غير العربية، أن ألف شيء مهم، ولكن العرب ليسوا بينها.
إعلان طلب مسؤولين لدولة!
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
هل من الممكن لبعض الجمهوريات العربية التي تعاني من مشاكل في الإدارة السياسية والحكومية الآن أن تفكر بشكل غير تقليدي لحل هذه الإشكالية؟ أقترح أن تعلن هذه الأنظمة في إعلان تلفزيوني وفي الصحف عن طلبات وظائف لشغر مناصب عليا في الدولة بدءا من رئيس جمهورية إلى رئيس حكومة، لوزراء، لعقول اقتصادية، وخبراء علم اجتماع سياسي، ومغتربين ومثقفين ونخبة فكرية وأخرى سياسية! ومن الممكن أن ينص الإعلان عن المواصفات المطلوبة في الشخصيات التي يمكن أن تشغل هذه المناصب، ويمكن - على سبيل المثال - وليس الحصر تحديد أهمها:
أولا: أن يكون المتقدم من الشباب بحيث لا يكون منتميا إلى عهود سابقة.
ثانيا: أن يكون حاصلا على شهادات عليا من جامعات أجنبية وليس جامعات عربية.
ثالثا: أن يكون معدل ذكائه فوق الشريحة العليا الوسطى على الأقل.
رابعا: أن يقدم تقريرا صحيحا مدققا عن ثروته الشخصية وثروة عائلته ومصادرها المدققة.
خامسا: أن يكون قد سافر في حياته 50 دولة على الأقل وله شبكة علاقات دولية في مجال تخصصه لا يقل عددها عن 100 شخصية ذات قيمة ومكانة.
سادسا: أن ينجح في الاختبارات النفسية الخاصة بردود الفعل والثبات الانفعالي وألا يكون في طفولته قد قتل قطة أو عذب كلبا أو يعشق إطفاء السجائر في صدور زملائه في الدراسة!
سابعا: ألا تكون لديه نقطة ضعف تجاه كأس أو سيجارة أو نزوة شخصية!
ثامنا: أن يكون متفقها في الدين بلا تطرف فاهما السنة النبوية المطهرة.
تاسعا: أن يخوض اختبارا دوليا أمام قضاة متخصصين في علم مخاطبة الرأي العام وينجح في القدرة على السيطرة على أعصابه أمام أكثر الأسئلة استفزازا في العالم.
عاشرا: أن ينجح في اختبار جهاز كشف الكذب خاصة في الإجابة عن سؤال:
هل كذبت وهل تفكر في استخدام الكذب وأنت تتولى المسؤولية العامة؟
الفكرة، رغم جنونها، نجحت وأثبتت نفسها في هيكلة الشركات الخاصة في العالم العربي، بحيث يكون رئيس مجلس الإدارة أميركيا، والمدير العام ألمانيا، والإدارة من الهند، والعمال من دول العالم الثالث! ماذا لو كانت جمهورية عربية يرأسها رئيس فنلندا، وترأس حكومتها مستشارة ألمانيا، ووزير خارجيتها فرنسي، ووزير اقتصادها محافظ البنك المركزي البريطاني، ووزير العمل فيها صيني، ووزير الداخلية فيها سويدي، ووزيرة الشؤون الاجتماعية فيها أميركية، ووزير الصحة كندي، ووزير التعليم ياباني؟! فكروا بعمق في الاقتراح لعل وعسى!
وصفة لتحجيم شعبية الإسلاميين
حمد الماجد عن الشرق الأوسط
شعبية الإسلاميين لا تخطئها العين في كل الدول العربية، وهي شعبية بنت عليها الحركات الإسلامية مشاريع وصولها للسلطة عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية في دول الربيع العربي، وبما أن سيف الإسلاميين سبق عذل الحكومات في الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة، فيبقى القلق في بقية الدول العربية التي سال لعاب الإسلاميين فيها لتكرار الانتصار فيها إذا نظمت فيها أي انتخابات.
بمقدور الحكومات الخليجية أن تحجم شعبية الإسلاميين، لأن هذه الشعبية ليست بسبب نجاح برنامجهم في الحكم، فهم لم يختبروا اختبارا حقيقيا، باستثناء تجربة تركيا الناجحة وتجربة السودان الفاشلة، بل شعبيتهم استندت كثيرا على إخفاق الأنظمة الاستبدادية التي كانت تحكم، بدليل أن الانتخابات الرئاسية المصرية حين أفرزت تصفياتها النهائية تنافس المرشحين مرسي وشفيق، كان خيار شريحة ليست قليلة في الشعب المصري الرئيس مرسي، ليس حبا في الإخوان، ولكن كرها في فلول نظام مستبد فاسد وفاشل ومصادم لتدين الشعوب، حتى أن بعض الذين أعطوا أصواتهم للرئيس مرسي بسبب برنامجه المشبع بالمرجعية الإسلامية، أبدوا قلقهم من أن تجربة الإخوان السياسية مختزلة في المعارضة والسجون والملاحقات والاعتقالات.
بمقدور الحكومات الخليجية أن تتقرب أكثر إلى شعوبها عبر محاربة الفساد، وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الدولة، وتغيير السياسة الإعلامية نحو المحافظة، وهو محور حديثي اليوم. ثمة حاجة ماسة وملحة إلى أن تراجع الدول الخليجية سياستها الإعلامية لتكون وسائل إعلامها الرسمية وشبه الرسمية أكثر محافظة، ولا تعني المحافظة أسلمتها وتكثيف برامجها الدينية، بل نتحدث عن الحد الأدنى من الحشمة الأخلاقية والفكرية. ما علاقة السياسة الإعلامية بشعبية الإسلاميين؟ العلاقة واضحة، فالشعوب تنفر تجاه أي مادة إعلامية مخلة سواء كانت أخلاقية أو فكرية، وتظن أن الحل بيد المعارضة الإسلامية، فمبادرة الحكومات الخليجية إلى تصحيح أوضاعها الإعلامية تعتبر ضربة استباقية تقلل من وهج نقد الإسلاميين للإعلام الخليجي والذي يلقى قبولا بين شعوبها، وسببا لتقبل برامجها والتصويت لمرشحيها.
والذي يظن أن تفلت الإعلام من القيود سيساهم في ترويج فكر الانفتاح مخطئ، فقد أصر نظام مبارك على مصادمة التدين الفطري لشعبه فرفض أن يسمح لمحجبة أن تكون مذيعة في بلاد الأغلبية الساحقة من سيداتها في القاهرة محجبات، فما بالك في المحافظات الأكثر محافظة؟! فلم تفلح هذه السياسة قط بل أعطت مردودا عكسيا، وفي تركيا استخدم الجيش التركي المتطرف هراوته لفرض التبرج في الدوائر الحكومية والجامعات عشرات السنين، والمخرجات رئيس البلاد ورئيس الحكومة إسلاميان بزوجتيهما المحجبتين.
معنى استدعاء عبد الناصر
عبد الحليم قنديل (كاتب مصري) عن القدس العربي
عبر عامين من تاريخ بدء الثورة المصرية الأخيرة، لفت نظر المراقبين ذلك الإقبال الهائل على زيارة ضريح جمال عبد الناصر فى منطقة 'كوبري القبة' بالقاهرة، وهو إقــــبال عفوي تماما، لا تنظمه أي جهة أو جماعة أو حزب ناصري، ويمتاز بكثرة غالبة من الشباب الذين ولدوا بعد سنوات طويلة مضت على رحيل القائد العظيم.
وتبدو الظاهرة مطردة، وتصل إلى ذروتها في تواريخ ميلاد عبد الناصر ووفاته وذكرى ثورة 1952، وهو ما راجت معه عملية شعبية عفوية تماما، تعيد طبع صور عبد الناصر، وترفعها مع علم مصر فى مظاهرات الثورة المتصلة، وعلى خيام الاعتصامات في ميدان التحرير وأمام قصر الرئاسة، وقبلها، كانت صور عبد الناصر هي الأكثر شيوعا في مظاهرات الثمانية عشر يوما التي خلعت مبارك من الحكم، ولم تظهر وقتها صور لزعيم مصري تاريخي آخر، فوق أن أغنيات ميادين الثورة كانت كلها تنتسب إلى عصر عبد الناصر، وبدت كأنها تنتسب للحظة الثورة الأخيرة، أو أنها كتبت لها بالذات، ومن نوع أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة 'كلنا كده عايزين صورة'، 'واللي هيطلع م الميدان ـ عمره ما هيبان في الصورة'.
تنطوي الظاهرة على مفارقة لأول وهلة، فقد اتصلت الحملة الرسمية لتشويه جمال عبد الناصر على مدى أربعة عقود، ومنذ أن أطلقها السادات عقب حرب 1973، وبدت الحملة المنظمة جاذبة لأطراف من داخل مصر وخارجها، فقد شارك فيها الراعي الأمريكي لانقلاب السادات فمبارك على خط عبد الناصر، ومولتها مليارات البترو ـ دولار، وعملت في خدمتها قوى وعناصر اليمين الديني واليمين الليبرالي، وبدا كأن الكل اجتمعوا على تحطيم صورة عبد الناصر، ومحوه تماما من التاريخ المصري والعربي، ثم فاجأتهم قوافل صور عبد الناصر في ميادين الغضب، تماما كما فاجأتهم الثورة المصرية الأخيرة، والتي تتوالى موجاتها العفوية في عناد وإصرار، وتكتسح في طريقها كل قوى الثورة المضادة، سواء التي انتسبت إلى إدارة مبارك مباشرة كمجلس طنطاوي وعنان، أو التي بدت بعيدة عن إدارة مبارك، لكنها تحمل ذات الجينات الكارهة لمعنى الثورة الحقيقي، وتدعي انتسابا زائفا للثورة كقيادة جماعة الإخوان، وتلعب دور 'حصان طروادة'، وتخون الثورة باسم الثورة، وتمتلئ حقدا وغلا ضد جمال عبد الناصر، وضد ثورة 1952 التي أعادت سيرتها في ثورة 2011، وبذات الأحلام والمطامح في 'العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية'.
وأقرب تفسير لحالة الحنين المتنامي إلى عبد الناصر يبدو ظاهرا جدا، فالثورة المصرية الأخيرة ولدت بلا قيادة مطابقة، واستدعاء صورة عبد الناصر تعبير رمزي عن الحاجة إلى قيادة، ولا يوجد في التاريخ المصري الحديث اسم أكثر جدارة من معنى عبد الناصر، فهو يلخص رحلة كفاح وطني طويلة، تدافعت على طريقها أسماء وعلامات كأحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى النحاس، ووجدت تتويجها في ظاهرة عبد الناصر الاستثنائية الفذة، والتي كانت خلاصة تطور الوطنية المصرية في ارتباطها الشرطي بالقومية العربية، وأحدثت قطيعة مع عصور الذل والهوان، وأزالت صور الاستعمار البريطاني ـ الفرنسي القديم عن مشرق الأمة ومغربها، وفي خلال عشر سنوات فقط على قيام ثورة 1952، ثم حولت مصر إلى قلعة حقيقية للنهضة في العالم المعاصر خلال العشر سنوات التالية، فقد كانت مصر رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التقدم والتصنيع والاختراق التكنولوجي، وبعد أربعين سنة من الانقلاب على تجربة عبد الناصر، خرجت مصر من سباق العصر بالجملة، ونزلت من حالق إلى الفالق، وصارت رأسا برأس ـ أو قل ذيلا بذيل ـ مع بوركينا فاسو على مؤشر الفساد الدولي، فوق أن مصر عادت إلى القيد الاستعماري من جديد، واستبدلت الاستعمار الأمريكي الراهن بالاستعمار البريطاني القديم، وهــــو الواقع المرير الذي لا يـــزال قائما حتى بعد الثورة المصرية الأخيرة، وتكرسه جماعة الإخوان بعــــد زوال حكم جماعة مبارك، وتعمل كوكيل محلي للاستعمار والهيمنة الأمريكية، وهو ما يفسر الحنين الشعبي المتزايد إلى جمال عبد الناصر، وهو ـ في جوهره ـ حنين إلى نصرة الثورة الأخيرة المغدورة، وميل إلى فهم محنة الثورة بغياب قيادة من طراز جمال عبد الناصر.
وبالطبع، فنحن لا نشتري الثورات من السوبر ماركت، فالثورة التي تناسبنا حدثت وتحدث، ومتأثرة بأحوال مجتمعاتنا، وقد ولدت الثورة الأخيرة هكذا، وبطاقة دفع شعبي تلقائي من آبار الغضب المخزون، وكان دور المبادرين مفهوما، فقد رفعوا الغطاء عن آبار الغضب، ودون أن تتوافر قيادة مطابقة لفيض غضب تدفق إلى الشارع بملايين الناس، وهذه سمة ظاهرة في الثورات العربية الحالية، أقول أنها سمة وليست عيبا بالضرورة، صحيح أنها تجعل رحلة الثورة أطول وأصعب، ولا تجعل قطوفها دانية عند طرف الإصبع، وتجعل احتيال قوى الثورة المضادة على الثورة يبدو أسهل، ولكن إلى حين، فالفجوة متسعة بين طبع طلائع الثورة العفية وأحوال المجتمع المنهك، والبروفات الانتخابية الأولى تعكس حال المجتمع المنهك، وهو ما قد يصيب الثوريين بإحباط مفهوم الدواعي، لكن هذا الإحباط ذاته، يعود فيلعب دوره كقوة دفع ثوري بامتياز، وهكذا تتكرر موجات الثورة، أي استدعاء الميادين لمدد متجدد من آبار الغضب، ومع كل دورة يتغير وعي المجتمع المنهك، ويصبح أكثر استعدادا لتقبل فكرة الثورة، وهو ما يجري مع دورات انتخابات واستفتاءات تالية للتجربة الأولى، وهكذا إلى أن نصل إلى تقارب فتطابق بين إرادة الثوريين والوعي المضاف لحال المجتمع المنهك، وقتها تتكون قيادة من نوع مختلف، قيادة تجتمع أطرافها على كلمة الثورة، وتحظى بدعم طوعي غلاب من المجتمع المنهك الممزق، وعلى طريقة 'إيزيس' في الأسطورة المصرية القديمة، والتي راحت تجمع أشلاء زوجها وحبيبها 'أوزوريس'، وتصنع منها جسدا واحدا متحدا، تعيد إليه الحياة، وتحمل منه لتلد 'حورس' رمز مصر الجديدة، وتلك سيرة تختلف عن سيرة وتكون قيادة جمال عبد الناصر، لكنها تحمل ذات المعنى والمغزى الكامن في ظاهرة الاستدعاء الشعوري لجمال عبد الناصر، والتسابق إلى زيارة ضريحه.
3 - أوباما و"الإخوان" علاقة جيدة... و"أجندة"؟
سركيس نعوم عن النهار اللبنانية
لا تنطلق المعارضة المصرية في اتهامها "الإخوان المسلمين" بالتنسيق مع أميركا في معظم المواقف التي اتخذها رئيس الجمهورية المنتمي اليهم محمد مرسي من تحليلات ومعطيات ناقصة، بل من معلومات دقيقة عن اللقاءات التي أجراها في واشنطن "الإخواني" البارز الدكتور عصام الحدّاد في اثناء بلوغ أزمة "الاعلان الدستوري" الذروة. والحدّاد على ما تلفت "المُعارضة" يقوم حالياً بدور وزير الخارجية الفعلي لمصر. أحد تلك اللقاءات كان مع مستشار الرئيس الاميركي باراك اوباما لشؤون الأمن القومي. وقد ضمّ الى الحداد شخصيات مصرية أخرى وتناول البحث فيه موضوع أزمة الساعة أي "الاعلان الدستوري" في ضوء الاعتراض الشعبي الكثيف عليه في الشارع، والانقسام الحاد الذي أعاد تظهيره داخل المجتمع المصري بين الليبراليين والديموقراطيين والمدنيين من مواطنين مسيحيين ومسلمين وبين الاسلاميين الاصوليين من "إخوان" وسلفيين يعملون في رأي المعارضة لإقامة نظام اسلامي متشدد وان بغطاء ديموقراطي هشّ لا يلبث ان يزول مع الوقت. وفي "عزّ" البحث الدائر أرسل أوباما من يستدعي الدكتور الحداد الى اجتماع منفرد معه لم يشترك فيه مستشاره لشؤون الأمن القومي ولا أي عضو آخر في الوفد المصري. اعتبرت المعارضة خطوة أوباما دليلاً جدياً على تأييده "الإخوان" المصريين، وعلى رغبته في البحث مع ممثلهم في الوفد في حقيقة الأوضاع داخل مصر وفي احتمال تطورها وفي أي اتجاه، كما على رغبته في استطلاع النيات الحقيقية أو بالأحرى المقاصد الحقيقية للخطوة "اللادستورية" التي اقدم عليها الرئيس مرسي. واعتبرت ايضاً ان نوعاً من التفاهم تمَّ في الاجتماع المنفرد المذكور على امتناع الادارة في واشنطن عن التجاوب مع المعارضة المصرية وشارعها المتحرك، وعلى إعطاء الحكم "الإخواني" الفرصة التي يحتاج اليها للانتهاء من موضوع الدستور والاستفتاء عليه بنجاح. طبعاً تمتلك المعارضة المصرية مؤشرات عدة الى الكلام المفصل الوارد اعلاه. لكنها تكتفي بإبداء بعضها لإقناع من لم يقتنع بعد او من يرفض الاقتناع بأن الرئيس مرسي كان متمتعاً في اثناء مواجهته لرافضي "الاعلان الدستوري" والدستور والاستفتاء عليه في الاعلام والشارع بتأييد اميركا أو على الأقل بتفهمها. ففي اثناء "المواجهة" صدر تصريح رسمي اميركي يدعو المعارضين المصريين والمجتمعين في الشارع الى عدم ارتكاب اعمال عنف. ولم يتناول صاحب التصريح "السلطة" بتحذير مماثل. علماً ان قواتها و"ميليشيات" "الإخوان" لم تقصِّر في هذا المجال. وفي اثناء الاجتماع "الاخواني" مع مستشار اوباما للأمن القومي ثم مع أوباما نفسه شدّد الدكتور عصام الحداد على الشعبية الكبيرة لـ"الإخوان المسلمين" في مصر وذلك بابداء شواهد وأدلة أبرزها: انهم ربحوا الاستفتاء الاول، ثم ربحوا الانتخابات التشريعية، وبعد ذلك ربحوا معركة الانتخابات الرئاسية.
هل من دور في العلاقة الجيدة بين "إخوان" مصر وأميركا لموقفهم من معاهدة كامب ديفد والعلاقة مع اسرائيل؟
طبعاً، تجيب المعارضة المصرية. ففي المحادثات المذكورة اعلاه لاجتماعات واشنطن أكد الدكتور الحداد لأوباما ولمساعديه قبله وبعده دور الرئيس مرسي و"جماعته" في "الحل" الذي اوقف تدهور الأوضاع بين غزة واسرائيل، بل المعركة العسكرية التي نشبت بينهما في اعقاب رد الاخيرة بعملية عسكرية قاسية على شعب غزة جراء انطلاق صواريخ منها على اسرائيل. فضلاً عن ان الرئيس مرسي "الإخواني" أكّد لهم، وكذلك مساعدوه وكبار من "جماعته" احترامه التزامات مصر الدولية وتعهداتها والمواثيق ومنها كامب ديفيد أي معاهدة السلام مع اسرائيل. ولا يكفي استعمال "إخوانه" ذريعة عدم تفوهه بكلمة اسرائيل منذ انتخابه رئيساً لمصر أو بعدم ورودها على لسانه للقول انهم لا يزالون على رفضهم هذه الدولة "الغاصبة" والسلام معها وعلى تمسّكهم بحقوق الفلسطينيين. ولا يعني ذلك طبعاً اتهاماً لـ"جماعة الإخوان" بالتخلي عن قضية فلسطين وبالتحوّل نحو اسرائيل. لكنه يعني انها اتجهت نحو الواقعية فقبلت الأمر الواقع رغم مبادئها. ولا أحد يعرف الى ماذا يقودها ذلك مستقبلاً. علماً ان جهات معنية مصرية وغير مصرية اسلامية وسياسية تعتبر ان لـ"الإخوان" "أجندة" تتعلق بمستقبل قضية فلسطين وحلولها تحظى برضى أميركا واسرائيل. ما هي هذه "الأجندة"؟ وبماذا يعلق "إخوانيون" على اتهامات المعارضة التي وردت في سياق الحلقات الاخيرة الثلاث من "الموقف"؟
الإخوان المسلمون .. لايمكن التعايش معهم فهل يستحيل الاستغناء عنهم..؟
د. علي الخشيبان عن الرياض السعودية
ستكون الشعوب العربية ذات الصيغ الثورية والتي تحقق فيها تحوّل سياسي أمام اختبار صعب لكي تستطيع أن تدرك أن منتج الثورة لن يكون مختلفاً عن سابقه كثيرا، كما انه سياسياً لن يكون النجاح مضموناً لتلك الجماعات لمجرد أن عنوان المرحلة التالية للثورات سيكون عنواناً إسلامياً
التحول السياسي في دول الثورات العربية قدم نموذجاً سياسياً جعل من الإسلام مادة للسياسة والمجتمع؛ فالشعوب في دول الثورات تواجه للمرة الأولى الإسلام كنظام إداري يطمح لفرض نموذج لسياسته من جهة، وفرض عقيدة لها تراث مكوّن من آراء وتركيبات وأحكام وفتاوى متفاوتة حول الحياة والمجتمع والسياسة وأصحاب الديانات الأخرى.
تاريخ جماعة الإخوان المسلمين تاريخ دعوي وإرشاد وليس تاريخا سياسيا ذا تشكيلة حزبية دخلت معترك السياسة مبكرا وشاركت فيه..
وفي كل تاريخ هذه الجماعة منذ إنشائها في عهد الملكية في مصر عملت هذه الجماعة على منهج دعوي يقوم على تطبيق العبادات عن طريق الإرشاد والخطب والكتابة إلى المسؤولين وهذا هو الأسلوب الدعوي الإرشادي الذي نشرته هذه الجماعة وتأثرت به تيارات الصحوة الإسلامية في العالم العربي .
الأمر الثاني لهذه الجماعة هو عدم قدرة الجماعة على التعايش مع ثورة جمال عبدالناصر لكون الجماعة في ذلك الوقت أدركت عدم قدرتها على فهم المشاركة السياسية عبر الثورات لذلك كانت المواجهة الدعوية هي منهج جماعة الإخوان مع ثورة عبدالناصر عبر استخدام وسائل جعلت من الإسلام مادة الحرب على النفوذ السياسي، وهذا ما ساهم في تشكيل منعطف أساسي في تاريخ العالم الإسلامي حيث ساهمت هذه الجماعة في تحرير صفة الإسلام من الرؤساء العرب المسلمين تحت ذريعة أنهم يهاجمون الإسلام.
لقد تم تصوير قيادات الجماعة بأنهم ليسوا قادة سياسيين مناضلين من اجل وطن أو قومية، بل لقد قُدم قادة الجماعة تاريخياً على أنهم شخصيات من المحاربين عن منهجهم عبر كسب التعاطف الشعبي عقدياً، مع أن مصر تحديداً يقطنها أكثر المسلمين تديناً؛ فالمصريون وقبل أن يأتيهم الإسلام يقول عنهم المؤرخ هيرودوت"إنهم شعب خائفو الله" ما يدل على تقواهم الدائمة عبر حب العقائد.
الشعوب الإسلامية اليوم تواجه أزمة التفريق بين مادة الدين في هذه الثورات، وبين مادة السياسة في الدين..!
وإذا كانت الثورة الإيرانية وهي مثال يلجأ إليه منظّرو هذه الحركة ومؤيدوها قد عاشت ولو بشكل مؤقت لثلاثة عقود فإن الأسباب التي أدت إلى ذلك لا تتوفر لدى جماعة سنية مثل الإخوان المسلمين، ومن ذلك على سبيل المثال أن فكرة الولاية لدى الشيعة لها منطلقات تاريخية تعتبر الجميع مغتصباً للسلطة السياسية منذ غياب آخر الأئمة، كما أن الشعور التاريخي بالمظلومية ساهم وبشكل مباشر في وضع تصورات واضحة لثورة دينية كما فعل الخميني، وهذه السمات تجعل من مادة الثورة الإيرانية مادة سياسية بدرجة امتياز.
الإخوان المسلمون كمنظمة سنية ليس لها تاريخ واضح في مشروعها السياسي ولكن لديها تاريخ واضح في مشروعها الاجتماعي، وهي لا تستند إلى فكرة سياسية واضحة تاريخياً فهي ضمن تصورات متفاوتة في آليات الحكم التي تطرحها فحتى نظام الخلافة وشكل وآليات اختيار الخليفة الذي تتبناه الجماعة يخضع إلى قراءات مختلفة ومتناقضة في أحيان كثيرة وهذا ما يفسر الانقسامات والانشقاقات التي اعترت مسيرة هذه الجماعة التي تحاول الخروج من كونها جماعة للدعوة والإرشاد إلى كونها حزباً سياسياً يعاني من أزمة تفسير تاريخية كبرى بينها وبين مؤيديها.
هذه الجماعة هي نتاج طبيعي لتحولات تاريخية حدثت في المنطقة العربية خلال بدايات القرن الماضي لذلك فهي تاريخياً أصغر من كونها قادرة على خلق صورة تاريخية مكتملة العناصر حول شكل الخلافة وتجربتها المحتملة نظرا لحداثتها، فحتى مشروعها حول الخلافة لم تستطع أن تطرحه بشكل جريء كما فعلت الثورة الإيرانية الأقرب من حيث التكوين وخاصة أن فكرة الولاية ثابتة تاريخياً بشخوصها بينما فكرة الخلافة منقطعة تاريخياً بالتواتر.
الصيغة الإرشادية التي وسمت بها الجماعة لا تحتاج إلى إثبات فرئيس الجماعة يسمى "المرشد" وهو مرجعية نهائية لذلك فإن الاحتمال السياسي في تجربة الإخوان في السلطة في أي دولة من دول الثورات العربية أو في أي مكان في العالم لن تتعدى احتمالين: إما فرض لأفكار المرشد، أو الاختلاف معه نحو الديمقراطية ما يعني مخالفات واضحة للنظام الأساسي للجماعة.
سياسياً سيكون من الصعب التعايش مع جماعة الإخوان وفقا للطرح القادم من نظام الجماعة وتصوراتها السياسية كما هو موجود في تراثها وذلك ليس لكونهم غير قادرين، ولكن هناك سبب استراتيجي مرتبط بفلسفة الإرشاد والتوعية التي قامت من اجلها الجماعة فهم في السياسة سيواجهون أزمة التوازن بين الإرشاد الموجه والدعوة الموجهة، وبين مسار الديمقراطية الذي يفترض المشاركة.
هل سيكون من الصعب التعايش مع هذه الجماعة..؟ وخاصة من أولئك المختلفين معها عقدياً بسبب طروحات هذه الجماعة وظهورها الإعلامي الذي لم يطرح منتجات مشروع سياسي بعد، بل ركز على قضايا مجتمعية مطروحة بشكل دائم للتداول مثل قضايا المرأة ومشاركاتها السياسية، وموقف آخر يعتمد التراث والأحاديث قد يصادر حق الآخرين في البقاء ليس على الأرض بل قد يتطور إلى رفضهم بقاء مخالفيهم على قيد الحياة أيضا، وقد تفتح على المستوى الاجتماعي في العالم العربي ملفات التصنيف الديني بين الفئات وسيكون تاريخ ما قبل الثورات ميزانا لبراءة الأفراد من عدمها كخصوم سابقين لتلك الجماعات.
المنتج السياسي الإسلامي لمرحلة ما بعد الثورات العربية قد يصبح من المستحيل الاستغناء عنه على المستوى الشعبي وهذا يتطلب أفكارا بارعة لفك عملية التداخل بين ما هو إسلامي عقدي، وبين ما هو إسلامي سياسي.
ستكون الشعوب العربية ذات الصيغ الثورية والتي تحقق فيها تحول سياسي أمام اختبار صعب لكي تستطيع أن تدرك أن منتج الثورة لن يكون مختلفا عن سابقه كثيرا ، كما انه سياسيا لن يكون النجاح مضموناً لتلك الجماعات لمجرد أن عنوان المرحلة التالية للثورات سيكون عنواناً إسلامياً.
سيكون على الشعوب في بلدان الثورات أن تستعد لكل الاحتمالات الممكنة حول مستقبل ثوراتها ولعل الاحتمال الأكثر قرباً للحدوث هو الارتباك المزمن عبر الدوران في مقولة يمكن إيجازها بالسؤال التالي والذي سوف يطرح بشكل كبير من قبل الشعوب والدول يقول السؤال: "هل السياسة قبل العقيدة أم العكس..؟"..
الإخوان المسلمون بين الانشقاقات والسياسة
عبدالله فراج الشريف عن المدينة السعودية
انهماك الجماعة في السياسة على الصورة التي حدثت نفّر منها بعض أعضائها وبالتالي بعض الشعب المصري الذي بدأ يكتشف كثيرًا من الحقائق التي حجبت عنه بالماضي بسبب سرية العمل
حينما قرأت خبر أن المنشقين بعد الثورة في مصر عن جماعة الإخوان المسلمين وجلّهم من شباب الإخوان، الذين عصوا قياداتهم واشتركوا في أول لحظة في الثورة المصرية، تذكرت تاريخ هذه الجماعة، الذي دفعني الإلمام به منذ كنت في مقتبل عمري، وحتى وأنا على مقاعد الدرس، حينما وفد إلينا من أعضاء هذه الجماعة الكثيرون من مصر وسوريا هربًا في الظاهر من اضطهاد يدّعون أنه وقع عليهم في بلدانهم وإعمالاً لأهداف الجماعة في أن تعم دعوتهم العالم العربي والإسلامي، فهم من حين نشأة جماعتهم وهم يماهون بين دعوتهم ودعوة الإسلام، فهما معًا شاملتان عامتان موجهة للعالم كله، فمن أهداف الجماعة في نظامها العام في بابه الثاني (الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة، تعمل لإقامة دين الله في الأرض، وتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف)، ويرون مهمتهم تبليغ الإسلام إلى الناس كافة وإلى المسلمين خاصة، وشرحها شرحًا دقيقًا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويدفع عنها الأباطيل والشبهات، ومن الأهداف ما يكشف ما يعتزمون عليه من تغيير في البلدان فهذا الهدف يقول: (تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين حتى يصيروا أمة واحدة) ولذا لم تكن الجماعة وطنية أبدًا فهي تسعى إلى الأستاذية التي تجمع المسلمين كلهم تحت سلطتها، ولا يكفي هذا بل تجعلهم يفهمون الإسلام بفهمها فأركان البيعة في نظامها عشرة: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة، ولكل واحد من هذه الأركان شرح وافٍ، فالإمام حسن البنا يفسر ركن الفهم بأنه (أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه في حدود الأصول العشرين)، التي يسردها ثم يشرحها، فالأمر محكم، لا ينزل فيه شيء دون أن يكون له تعاليم ثابتة، لهذا فالإمام حسن البنا أصدر رسالة تسمى رسالة التعاليم، لتكون دستورًا للجماعة لا يخرجون عنه، والبيعة عندهم أصل لإنشاء الجماعة ونصها: (أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديًا مخلصًا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله وعلى إثرة علي، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله على ما أقول وكيل)، وهذه البيعة ينتج عنها طاعة عمياء في الغالب، يتخلى فيها العضو عن استقلاله الفكري تمامًا، والبيعة في الإسلام لم تكن إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولخلفائه من بعده، ولا تكون صحيحة إلا وفق شروط، وليس لغير الحاكم المسلم بيعة ولا حاجة لها، والطاعة التي التزم بها الإخوان لمرشدهم هي ما جعلت كل مستقل الرؤى والفكر إما أن يعزل عن الجماعة أو يتخلى عنها، ولهذا فالعلماء حقيقة بين الإخوان عدد قليل جدًا، وإذا التحق بها أحد منهم لا يلبث إلا قليلاً ثم يغادرها غير آسف، وهذه الطاعة العمياء هي ما جعلت مكتب الإرشاد يتسلط على أفراد الجماعة، بعقوبات صارمة عندما يقع منهم الأخطاء بحسب نظره، وإلى طردهم في أحوال أخرى، والمغادرون لجماعة الإخوان عدد كبير منذ إنشائها حتى اليوم وتجددت الانشقاقات عنها بعد وصولها للحكم، لما ظهر من تناقضات شديدة في مواقف الجماعة، وكان المنشقون أكثر أعضائها بروزًا وعقلانية، فبعد أن انهمكت الجماعة في السياسة ظهر أنها لم تختلف عما سبقها في الحكم، رغم تكرر الإنكار من رموزها، وزاد الأمر نفرة أن وصل إلى مكتب الإرشاد من يؤمنون بفكر سيد قطب المعترَض عليه لإحيائه فكرة الخوارج فيما دعا إليه من الحاكمية والحكم بجاهلية مجتمعات المسلمين، ويتوقع المحللون أن تتزايد الانشقاقات ما لم تتغير تشكيلة مكتب الإرشاد الحالي، فانهماك الجماعة في السياسة على الصورة التي حدثت نفّر منها بعض أعضائها، وبالتالي بعض الشعب المصري الذي بدأ يتكشف كثيرًا من الحقائق التي حُجبت عنه في الماضي بسبب سرية العمل في هذه الجماعة، والمقالة لا تكفي لأتحدث عن نظام الجماعة الذي من قرأه لن يبقى على ودٍ معها، ولكني أعجب لبعض مثقفينا الذين يدافعون عن جماعة الإخوان المسلمين أكثر من أعضائها المنتسبين إليها، وهم لم يقرأوا عنها شيئًا، رغم أن نظمها ومذكرات من انتسبوا إليها متاحة، ولكن كالعادة فلدينا مثقفون يتحدثون عما لا يعرفون، ويزاد عجبي من أخوة لنا ينكرون أن بين السعوديين من هو منتسب للتنظيم العالمي للإخوان، رغم أن من وفدوا من إخوان مصر وسوريا إلى بلادنا منذ الثمانينيات الهجرية وما بعدها، قد أنشأوا خلايا إخوانية من السعوديين الذي كانوا حينذاك على مقاعد الدرس، وكثير منهم حتى اليوم يذكرون من يعتبرونهم مشائخ لهم منهم ونعرف منهم من كان في إدارة تنظيم الجماعة العالمي، كان يغادر البلاد كل عدة شهور لحضور الاجتماعات، وأظن أن بعض إخواني من أمثالي الذين عرض عليهم الإخوان فكرهم وحاولوا أن يضموهم إلى خلاياهم، فلما رفضوا حاولوا بشتى السبل تتبعهم بالأذى، وحماهم الله من شرورهم، ولكنهم عرفوا أعيانهم ومن خدعوهم من إخواننا فضموهم إلى جماعتهم، واليوم نرى غضبهم عظيمًا كلما انتقدنا الإخوان، وتراهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوزعون التهم على كل منتقد للإخوان ليثبتوا لنا أنهم الإخوان الأوفياء لجماعتهم ولعلي أعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى قريبًا.. والله ولي التوفيق.
جماعة المقطم.. وجماعة سوريا
رامي جلال عامر عن المصري اليوم
بعد الزلزال الأخير اجتمعت رموز حارة «بعجراجر» فى بيت زقزوق العجلاتى لبحث آخر المستجدات على الصعيد والوجه البحرى.. موجود زقزوق، والحاج صالح، وأبوسمير، وعاشور أفندى.
يتساءل أبوسمير: «وتفتكروا لسه فيه بصيص أمل؟».. يرد عاشور: «آه فيه بصيص بطعم الشطة، ينفع؟».. يصرخ زقزوق: «لا يا عم، أنا بواسيرى مش ناقصة من ساعة الاستفتاء».. فيرد الحاج: «فعلاً البلد حالتها صعبة، دى شقتنا قربت تعلن إفلاسها، بعنا العفش ومقابض الباب وألواح السرير، مش باقى غير البت (شربات)».. يرد عاشور: «ودى مين يشتريها دى؟».. يقول الحاج: «فيه شيخ قطرى متكلم عليها، بس أنا أفضل أقطعها وأبيعها خردة أحسن».. يقاطعه أبوسمير: «حلو قوى، إنت عارف بقى يا حاج صالح إنى أنا وأم سمير ربنا مرزقناش بعيال ونفسنا من زمان نتبنى حتة عيل، فلو إنت هتقطع (شربات) أبقى أديلنا حتة علشان نتبناها».. ينبهه عاشور: «لا يا حاج صالح متعملش كده، دى تبقى خصخصة وإهدار مال، أحسن تديهالوا حق انتفاع ويرجعها بعد كده مفيهاش حاجة سليمة، أو تخربها بطريقة الصكوك».. يقول الحاج: «كلام معقول برضه، عموماً كفاية اجتماع كده، أنا تعبت، يالا يا زقزوق نلحق الصلاة».. يقول زقزوق: «لأ أنا هشتغل شوية».. يعنفه الحاج: «لا خير فى عمل يلهى عن الصلاة يا ابنى».. يرد عليه: «يا حاج صالح لازم أنفخ العجلة علشان تدور شوية، حتى الإستبن مش نافع معاها، وبعدين كفاية الريس بيصلى».. يقول الحاج: «يا ابنى هو الرئيس هيعمل إيه ولا إيه؟! وبعدين الراجل مش قاعد معانا غير تلات سنين ونص».. يرد أبوسمير: «ليه وهو إحنا هنكمل معاه! ده إحنا قربنا نخلص، مش فاضل لنا غير قطرين وعمارة وتلات اعتصامات».. يقول زقزوق: «يا جدع ماتخافش، مصر ولادة برضه».. يتساءل عاشور: «ولادة إزاى يعنى؟!».. يوضح زقزوق: «يعنى بتشتغل داية وتشد العيال ع القسم عشان يحرموا يعملوا كده تانى؟!».. يتعجب عاشور: «وهو إنت يا حاج صالح هتنهى الاجتماع من غير ما نناقش الوضع فى سوريا، دول بيقولوا الأسد مزنوق قوى».. يتساءل الحاج صالح: «وفين الجماعة تخفف عنه؟».. يقول أبوسمير: «الجماعة فى المقطم».. يرد الحاج: «لأ مش الجماعة دى، أقصد مراته يعنى».. يرد عاشور: «أكيد مشغولة فى المطبخ السياسى السورى بتعمل فتوش».. يقول أبوسمير: «طيب وهنعمل إيه فى موضوع الدولار المجنون ده؟».. يتساءل الحاج صالح: «هو إنت قلت لى الجماعة عاملة إيه؟!».. يرد زقزوق: «ما قال لك بتعمل فتوش».. يقول الحاج: «لأ أقصد الجماعة بتاعة المقطم».. يرد عاشور: «حيرتنا معاك يا حاج، إنت تقصد جماعة المقطم ولا جماعة سوريا؟».. يرد الحاج صالح: «ماتفرقش، ما هم واحد!!».
مرة* أخرى*.. تحية* للجزائر
صالح عوض عن الشروق الجزائرية
جهاز المخابرات الأمريكية "أف بي آي" يريد أن يمارس سلوكه المتبع في باكستان وتونس والصومال وليبيا وقطر ودول الخليج وإماراته وغيرها من بلاد العرب والمسلمين.. فوجدها فرصة بعد أحداث عين أم الناس ليطلب المجيء إلى الجزائر والقيام بتحقيقات أمنية وتكوين ملف أمني عن الأوضاع.. الأمريكان، لم يخطئوا الحسابات في الموضوع، إنهم لا ييأسون من محاولاتهم الدؤوبة لجس النبض علهم ينجحون في إلحاق الجزائر بكثير من الدول العربية.. فكان رفض الجزائر سريعا لهذا الطلب
المدغول.. هنا، لا بد أن نشير إلى أشكال من التذلل العربي للأمريكان، إلى درجة أن يسمح الحكام للأمريكان بقصف أبناء البلد، كما يحصل في اليمن، وأن يقبل البعض أن يتحرك الأمريكان من أرضه لتدمير دولة عربية، وأن يستقدم البعض الأمريكان لإقامة قواعد عسكرية على أرضه، ويقوم هو بالإنفاق عليها.. وهنا لا بد أن نسجل ملاحظة في غاية الأهمية فيما يتعلق بسياسة الجزائر الخارجية، والتي لم تبرح مبادئ ثورتها المباركة القائمة على حق تقرير المصير بالنسبة إلى الشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم حركات التحرر الوطنية، ورفض الدخول في المحاور الدولية.
في أكثر من منعطف، كان للجزائر موقف متميز نبيه، لم يتبدل، ولم يتغير. ففي الملف الفلسطيني، كانت الجزائر، ولا زالت، متمسكة بموقفها المؤيد والمساند لكل الجهود المبذولة لاسترداد الحق الفلسطيني. ولم تتردد في أداء التزامها السياسي والمادي. ولا زال موقفها بنقائه أكثر وضوحا وصفاء وقوة من كثير من أطراف فلسطينية.. ولم تساوم على الملف الفلسطيني، بل لعل كثيرا من أزماتها الداخلية والخارجية جاءت جراء موقفها الواضح الثابت من الموضوع الفلسطيني.. والأمر لا يقف عند حدود هذا الموقف، والمقام هنا لايتسع لذكر عشرات الأدلة التي تجلي موقفا متميزا غير متردد في سياق عام انتهجته الجزائر. ويكفي أن نضرب مثلا بخصوص حرب البوسنة والهرسك حيث حرضت أمريكا المسلمين هناك للقيام بتمرد ضد الدول المركزية العنصرية. وكان القصد الغربي والأمريكي من ذلك تدمير دولة صناعية متقدمة- يوغسلافيا- تختلف منهجيا مع الرأسمالية الغربية.. في تلك المرحلة، كانت الجزائر تحتاج للدعم الغربي والأمريكي في مواجهة أوضاعها الداخلية الصعبة، إلا أن المبدأية ظهرت من جديد، ولم ترحب الجزائر بتفسيخ يوغسلافيا، الدولة المستقلة.
الآن، امتحان جديد للدبلوماسية الجزائرية، ولصناع القرار الجزائري. والآن، نصر جديد لهما أيضا.. رفضت الجزائر عرض الحلف الأطلسي بمساعدة الجزائر في ملاحقة "الإرهابيين".. وترفض الجزائر اليوم طلب المخابرات الأمريكية بالمشاركة في التحقيقات.. ونسي المسؤولون الأمريكان أنه قبل عدة أعوام، عندما أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستخضع الجزائريين المسافرين إلى الولايات المتحدة لأنواع من التفتيش المذلة، فما كان من الجزائر إلا أن أعلنت أنه ستنفذ سياسة التعامل بالمثل، وستخضع الأمريكان القادمين إلى الجزائر للإجراءات نفسها.. حينذاك،* تراجعت* الإدارة* الأمريكية* عن* إجراءاتها* بخصوص* الجزائريين*.
إنه* يحق* للجزائريين،* ولكل* الأحرار* والشرفاء* في* الأمة،* أن* يفتخروا* بمواقف* الجزائر* الدولية* والإقليمية*.. وهي* بشكل* أو* بآخر* تعتبر* معيارا* صحيحا* للسياسة* الخارجية،* وحمى* الله* الجزائر*.
اقلام واراء عربي
في هذا الملف:
إدارة الانقسام أفضل من انفلاته
عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
اللقاءات* الفلسطينية*: من* الدوحة* إلى* الرباط* المخاض* العسير*..
صلاح محمد عن الشروق الجزائرية
'باب الشمس'
م. زيد عيسى العتوم عن القدس العربي
بين بابي “الشمس” و”الكرامة”
محمد عبيد عن دار الخليج
انتخابات النظام ... ونظام الابرتهايد
ايهاب ابوغوش(محام من القدس) عن القدس العربي
الإسرائيليون و«المَثليُّون» صفَّاً واحداً ضد هيغل!!
صالح القلاب عن الرأي الأردنية
انتخابات إسرائيل غداً: نهاية اليسار وهيمنة اليمين الديني
حلمي موسى عن السفير
لماذا “شخصنة” الخلافات “الإسرائيلية” - الأمريكية؟
عوني صادق عن دار الخليج
عيون وآذان (العربان خارج الحسبان)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
إعلان طلب مسؤولين لدولة!
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
وصفة لتحجيم شعبية الإسلاميين
حمد الماجد عن الشرق الأوسط
معنى استدعاء عبد الناصر
عبد الحليم قنديل (كاتب مصري) عن القدس العربي
3 - أوباما و"الإخوان" علاقة جيدة... و"أجندة"؟
سركيس نعوم عن النهار اللبنانية
الإخوان المسلمون .. لايمكن التعايش معهم فهل يستحيل الاستغناء عنهم..؟
د. علي الخشيبان عن الرياض السعودية
الإخوان المسلمون بين الانشقاقات والسياسة
عبدالله فراج الشريف عن المدينة السعودية
جماعة المقطم.. وجماعة سوريا
رامي جلال عامر عن المصري اليوم
مرة* أخرى*.. تحية* للجزائر
صالح عوض عن الشروق الجزائرية
إدارة الانقسام أفضل من انفلاته
عريب الرنتاوي عن الدستور الأردنية
بعد الإفصاح عن الجدولة الزمنية لخطوات المصالحة الفلسطينية، بدأت التقديرات حول فرص إنهاء الانقسام الفلسطيني، تأخذ منحى تفاؤلياً متصاعداً، وإن كانت نبرة الحذر والتحفظ ما زالت تطل برأسها بين سطور المحلل والمراقبين، بالاستناد إلى إرثٍ طويلٍ من الخيبات وتجارب الفشل في ربع الساعة الأخير.
يحدثك كثيرون، ومعهم فيما يقولون الحق كله، بأن ما تم التوافق عليه في القاهرة، ليس مصالحة حقيقية، بل «إدارة للانقسام»، ذلك أن الخلافات الأعمق، ما زالت محتدمة بين الفصيلين الرئيسين حول البرنامج السياسي وأشكال المقاومة ومنظمة التحرير، كما أن جدران الثقة بينهما ما زالت خفيضة، وبالإمكان القفز من فوقها إلى ساحات الاصطراع والتحارب.
كل هذا صحيح، ونضيف إليه، أن الفصيل الواحد، يشهد اصطراعا داخلياً يدور في أحد محاوره حول المصالحة، فهناك من يؤيدها ويستعجلها، وهناك من يتحفظ عليها ويخشى منها على منظومة مصالحه وأدواره ومواقعه ونفوذه، ما يُبقي المصالحة وحتى إشعار آخر، عرضة للتقدم والتراجع، «الاختراق» و»الانتكاس».
لكن مع كل ذلك، ما زلنا نرى أن «انقساماً» يتفق طرفاه على «إدارته»، خير من انقسام خارج عن السيطرة والتحكم..ولقد قلنا في هذه الزاوية بالذات، أن «سيناريو كردستان العراق» الذي هو في واقع الحال، شكل من أشكال «الإدارة المتقدمة» للانقسام بين المكونين الكرديين الرئيسين، أفضل بكثير من «سيناريو الباكستان وبنغلادش»، حيث أفضى صراع» الأخوة الأعداء» إلى انفصال باكستان الشرقية عن الغربية، بعد حرب ضروس، أكلت الأخضر واليابس.
ونعتقد جازمين، رغم التصريحات التي تصدر عن أصحاب الرؤوس الحامية، أن للمصالحة فرصة سانحة هذه المرة. فهي تتم لأول مرة منذ سنوات، بين أنداد ومتكافئين، وليس بين منتصر ومهزوم، وبمقدور كل فريق الآن، إن يستند الآن، إلى أوراق قوية، يضعها فوق منضدة الحوار الوطني: فتح بعد فوزها في نيويورك ونشوتها بمهرجان غزة، وحماس بعد بعد نصر غزة، ومناخات الربيع العربي وما صاحبها من صعود إخواني في عدد من الدول العربية.
في العمق، نعرف أن مأزق فتح الرئيس يكمن باصطدام مشروعها السياسي بعقبة نتنياهو الكؤود، وقيادة فتح تدرك أكثر من غيرها، أن طريق المفاوضات بات مسدوداً..مسدودا..وأن كل ما يصدر عنها وتشيعه من تصريحات ومواقف، إنما يندرج في سياق «تأجيل الاستحقاق الأهم والأخطر: الانتقال إلى خطة ب»، وتفادي تحمل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشل خيار، يعمل نتنياهو ليل نهار على الإطاحة به وتدميره، وأعني به خيار التفاوض وحل الدولتين.
في المقابل، يبدو أن مرور عامين على اندلاع ثورات الربيع العربي، وبعد أقل من عام على وصول الإسلاميين للسلطة في عدد من الدول العربية، كانا كافيين لإنزال حركة حماس (بعضها على الأقل) عن قمة الشجرة التي صعدت إليها..فحماس باتت تدرك اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأنه يتعين عليها «التواضع» في تقدير حجم توقعاتها من دول الربيع العربي، وهي فوق هذا وذاك، باتت تدرك أتم الإدراك، حاجتها لتهدئة طويلة الأمد، لترتيب بيتها الداخلي من جهة والخروج بالقطاع من مأزق عزلته وحصاره، بل وخروجها هي بالذات، من مأزق غزة (بدلالة مهرجان فتح) من جهة ثانية..وكل وهذا وذاك وتلك، لا يمكن تحقيقه من دون مظلة سياسية، توفرها لها المصالحة، ولا شيء غيرها.
أضف إلى ذلك أن «الوسيط المصري» بات يجد مصلحته في «المصالحة»، بخلاف ما كان عليه الحال، زمن الأشهر الأولى لولاية د. محمد مرسي،ومن قبله، سنوت حكم مبارك الخمس الأخيرة..فالمصالحة هي طريق حفظ التهدئة، ومن دونها، سيبدو «الإنجاز الوحيد» لمرسي والإخوان في حقل السياسة الخارجية، وقد ذهب هباءً.
نحن متفائلون بمصائر هذه المحاولة من محاولات استعادة المصالحة واستئناف العمل الوطني الفلسطيني المشترك، لكنه تفاؤل يظل محفوفاً بالحذر والتحفظ، طالما أن المتربصين بالمصالحة كثر، على الساحة الفلسطينية وفي إسرائيل بالذات، من دون أن نغفل عن أدوارٍ عربية وإقليمية، بالغة الضرر والتأثير والتي لطالما لعبت أدواراً مؤذية في عرقلة المصالحة وإحباط مساعي الوسطاء وسعاة الخير.
اللقاءات* الفلسطينية*: من* الدوحة* إلى* الرباط* المخاض* العسير*..
صلاح محمد عن الشروق الجزائرية
من* يتابع* الجولات* الجديدة* من* الحوارات* الفلسطينية* الداخلية* والتي* رسى* آخرها* في* الرباط* المغربية* يلاحظ* أن* طريقة* الإشهار* عن* مواضيعها* بدت* وكأنها* تخضع* للنقاش* من* جديد*..
لم تضج القاهرة من السلسلة الطويلة من اللقاءات الثنائية والوطنية التي احتضنتها على مدار السنوات السبع الأخيرة، ثم أدلت الدوحة بدلوها وهكذا حملت إحدى الاتفاقيات بين فتح وحماس اسمها، وساهمت أيضا المملكة العربية السعودية قبل ذلك بالتوصل إلى اتفاق مكة.. حاولت طهران استضافة إحدى جلسات الحوار، لكن المعادلة الإقليمية قد أفشلت تلك المحاولة في مهدها، وإن كان شعب فلسطين يسجل امتنانه لكل من ساهم من ذوي الخلفيات السياسية الطيبة في رأب الصدع الفلسطيني، إلا أن الحالة الفلسطينية ليست قاصرة ولا تحتاج إلى وصاية أو إرشاد نحو المصالحة الوطنية بل تحتاج إلى مشاركة في متطلبات المواجهة مع المحتلين، في سياقه نشير إلى أن الاتفاقيات المبرمة داخليا في قطاع غزة على وجه التحديد كانت أكثر وضوحا في مضمونها، ووصلت درجة الارتباط الوطني بأن ساهم الأسرى في صياغة الوثيقة الأهم عام 2006 قبيل الانقسام* بعام،* حيث* تم* تبنيها* من* قبل* المجموع* الوطني* وأطلق* عليها* وثيقة* الوفاق* الوطني،* إذا* لم* يصبح* الأمر* متعلقا* باختلاف* سياسي* يصعب* تفكيكه،* واتضح* أكثر* بعد* التطورات* التي* شهدتها* عدة* عواصم* عربية*.
هل يعاد إنتاج المشهد: -منذ بداية الشهر الجاري للعام الجديد 2013 ونحن أمام تكرار ذات الاجتماع وذات النتائج، مكانك راوح، لكن بتواريخ جديدة، تصريحات تفاؤلية تصدر من أعلى المستويات، تصف اللقاءات بالبناءة والمثمرة والإيجابية، بعد ساعات أو أيام قليلة يطل علينا عبر القنوات الفضائية بعض الغربان المنتشية بتحميل الآخر مسلك ما خاطئ، لا أحد يعترف بخطئه مهما كان صغيرا، فقط هناك إبداع بإزاحة المسؤولية عن كاهله، إنه الخطأ بحق القضية الوطنية، وبحق شعبها المكافح الصامد. هكذا شهد يوم 9 جانفي 2013 لقاء قياديا ثنائيا بين الحركتين بحضور الرئيس أبو مازن والسيد خالد مشعل، ولقاء للوفدين كل على حدى مع الرئيس المصري محمد مرسي، تبعه لقاء موسع يوم 12 جانفي 2013 في المغرب ضم عشرة أعضاء قياديين من الحركتين، إضافة إلى عدد من الفصائل الأخرى، وكانت يافطة هذا اللقاء قد حملت عنوان: من أجل تعزيز الدور المصري في تنفيذ الاتفاقيات أو اقتراحات لتنفيذها.."وكان الشكر للمملكة المغربية وعلى رأسها جلالة الملك.." قد تكرر على لسان السيد البردويل مسؤول وفد حركة حماس وغيره..ومن جانب آخر كان قد عقد لقاء يوم 10 جانفي 2013 لممثلي فصائل المقاومة في غزة مع رئيس الحكومة المقالة السيد اسماعيل هنية لمناقشة التطورات في الساحة الفلسطينية وضمنه تم إقرار إعادة فتح مكتب لجنة الانتخابات المركزية التي تسعى إلى تحديث السجل الانتخابي، وهي ليست المرة الأولى التي يعاد بها فتح مكتبها في غزة، وصولا إلى اللقاء الأخير يوم الخميس 17* جانفي* 2013* بالقاهرة* بين* وفدي* الحركتين* برئاسة* الأخوين* عزام،* أبو* مرزوق،* والذي* أعاد* التأكيد* على* الاتفاقيات* السابقة* ووضع* آلية* التنفيذ،* سوف* يشهد* شهر* فبراير* عدة* لقاءات* أخرى*.
هذه الحيوية والنشاط الفلسطيني المكثف.. لماذا يتعاطى معها الشارع الفلسطيني بنوع من الحذر، وذلك بعد سلسلة التفاؤلات السابقة، ماهي الأسباب الكامنة وراء هذا الإفشال للاتفاقيات المتعددة سواء كانت أسبابا داخلية أو خارجية مع أن المعيقات الداخلية هي الأساس: أولا- المعيقات* الداخلية* الذاتية*:
1-قضية الانتخابات: بالرغم من تعقيدات الوضع الفلسطيني من جانب خضوعه للاحتلال الاستعماري الإجلائي، إلا أن التجربة الفلسطينية قد أفرزت إمكانية اللجوء للخيار الديمقراطي والانتخابي حصرا من أجل تكوين المجلس التشريعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، هذا المجلس قد أقر تأسيسه في اتفاقية أوسلو التي وقّعت في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر1993 لكن الطرف الفلسطيني كان قد طوّره في الشكل والمضمون إلى حد ما، في هذا الإطار أنجزت الانتخابات الرئاسية وبعدها التشريعية في جانفي 2006، مع تسجيل أن القانون الانتخابي الخاص بالمجلس التشريعي لايزال يعكس عقلية الهيمنة، حيث لم يتبن قانون التمثيل النسبي بالكامل بل جمع بينه وبين قانون الأغلبية بالتالي يمكن تلخيص التضارب في الموقف من الانتخابات بينهما بالآتي: أ- لاتريد حركة حماس بالمعنى العملي العودة للانتخابات بل تسعى عبر الوقائع التي تفرضها في قطاع غزة باتجاه تكريس وجودها وتعزيز حكمها بعدم تركه تحت أي ظرف، بالتالي رفضت وعرقلت أية خطوات لها علاقة بالانتخابات في قطاع غزة. ب- منذ صيف العام الماضي بدأت حركة فتح تطرح ضرورة إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بمعزل عن توفر الإجماع الوطني وبمعزل عن المصالحة ومواقف حركة حماس، ومن وجهة نظر فتح أن هذا الطريق هو المخرج من المأزق الداخلي، هذا الطرح يعني موضوعيا إجراء الانتخابات بالضفة الغربية فقط مع حل مشكلة تمثيل غزة في المجلس التشريعي" ضمن قوائم مدن الضفة، إن ذلك لو تم تنفيذه لن يخرج الساحة من مأزقها بل سوف* يعمق* الانقسام* أكثر* ومن* ثم* يرسمه* إن* لم* يدفع* الأمور* إلى* وجهة* سياسية* خطيرة،* من* جانب* آخر* لقد* شكل* هذا* الطرح* جسرا* جديدا* لحركة* حماس* لكي* تتملص* من* الانتخابات*.
2- موضوع منظمة التحرير الفلسطينية: هناك إجماع وطني حول ضرورة إعادة بناء مؤسساتها على أساس ديمقراطي، واتخذت قرارات متعددة بهذا الصدد لكنها لم تر نور التطبيق، ربما كان الموقف من إعلان القاهرة الذي صدر في مارس 2005 والذي نص على تشكيل اللجنة القيادية التي تضم الأمناء العامين للقوى إضافة لشخصيات وطنية محددة أبرز دليل على ذلك، بالتالي كنا ولازلنا أمام مواقف: أ- حركة حماس تريد البدء بخطوات المصالحة في منظمة التحرير، بحيث تضمن تواجد ذو ثقل سياسي في مؤسساتها في إطار وضع اليد عليها وليس من خلال إصلاح ديمقراطي.
ب- حركة فتح المتفردة بشكل لا ديمقراطي على كامل مؤسسات منظمة التحرير وفي مقدمتها السفارات الفلسطينية كانت ولازالت ترفض أي مشاركة جادة لشركائها ممن ساهموا في صيانة المنظمة والتصدي للمخاطر التي واجهتها في المراحل النضالية المتعاقبة قبل نشوء حركة حماس، فكيف يمكنها* التخلي* عن* شيء* أساسي* لصالح* الشريك* الجديد،* هكذا* تم* إبطال* مفعول* اللجنة* القيادية* للمنظمة* التي* رسمت* خارطة* طريق* لإصلاح* المؤسسات*.
3-دور أصحاب المصالح التي تبلورت أكثر في الانقسام: - لقد لعبت فئة أصحاب المصالح دورا بات يحكى عنه بالمساهمة في إفشال قرارات المصالحة، ممن تكونت مصالحه الاقتصادية ونمت في مرحلة الانقسام وفي مناخها، وهكذا تم استثمار مواقع النفوذ لتحقيق الكسب غير المشروع يهمه إبقاء الوضع على حاله هنا يجري الحديث على سبيل المثال عن 800 مليونير جديد في غزة يطلق عليهم مليونيرية الأنفاق وغيرها على حساب فقراء وجياع غزة..في الضفة الموضوع أقدم وأصحابه أكثر خبرة، ويكفي الإشارة إلى تقارير هيئة مقاومة الفساد في الضفة الغربية التي يرأسها السيد رفيق والحديث عن أسماء متعددة من أصحاب المسؤوليات هؤلاء لهم دور في عرقلة المصالحة، والخارج له مساهماته أيضا فهدر المال العام في بعض المؤسسات أو بعض السفارات بات تناوله أو الإشارة إليه من المحرمات لأنه من الطابوهات التي يحظر الاقتراب منها، فأشكال وأساليب* هدر* المال* العام* باتت* متعددة،* كما* أن* أساليب* التأثير* السلبي* غير* المباشر* على* خطوات* المصالحة* متعددة* أيضا*.
ثانيا: الضغوطات الخارجية: - إننا أمام قضية محورية مرهقة في نتائجها على القيادة الفلسطينية وعلى شعب فلسطين، وبالذات في ظل عدم وجود اقتصاد وطني مستقل ونام. إنه عنوان يتوجب على كل الأطراف مناقشته والمساهمة في إيجاد مخرج له لأن تأثيره كبير على النواحي المتعددة في حياة الفلسطينيين، هنا يتحمل الوضع العربي مسؤولية في ذلك، بحيث لا يترك أشقاءه عرضة للضغط وللابتزاز للاشتراطات الأمريكية الإسرائيلية التي تمارس بحدة كلما جرى الحديث عن الوحدة والمصالحة أو تم اتخاذ موقف مغاير لرؤيتهما، كما حصل في المعركة السياسية الأخيرة في* الأمم* المتحدة* بتاريخ* 29* نوفمبر* 2012*.
بعد ذلك وقبله يمكن القول إن الاختلاف أو الصراع الداخلي يتركز بالأساس حول تقاسم مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني ولم يعد للاختلاف السياسي أية أهمية بين الفريقين، وبالذات بعد التطورات التي شهدتها منطقتنا.
إن الثغرة الأساسية ذات البعد الاستراتيجي التي ولدت هذا المنحى من التفكير والاختلاف تتمثل في انتقال الوضع الفلسطيني من مرحلة النضال التحرري الوطني والتصادم بكل أشكاله مع المشروع الصهيوني الاستعماري إلى مرحلة مستلزمات الدولة بكل ما يحمله الواقع من تعارض وتصادم* مع* هذه* النقلة*.
'باب الشمس'
م. زيد عيسى العتوم عن القدس العربي
'أنتم زيتون فلسطين الذي يضيء بشمس العدل، تبنون قريتكم فيشتعل بكم نور الحرية، أرى في عيونكم وطنا يولد من ركام النكبة الكبرى'، بهذه الكلمات وأكثر منها، يرتقي القلم، وتتجسد الرواية، وتصبح الكلمة عنوانا للمقاومة، ويصبح الأدب مشروعا لثورة تولد وتشتعل من جديد، فتهتزّ فلسطين، وتتألق القدس، وتحتضن أبناءها، وتقبل إلياس خوري مواطنا مكرما، وضيفا عزيزا في باب الشمس.
قد ينظر إلى ما قام به مجموعة من الناشطين الفلسطينيين، عندما نصبوا خيامهم، وأطلقوا صيحاتهم، في المنطقة الفاصلة بين القدس وباقي أراضي الضفة الغربية، على أنها خطوة رمزية الهوى، تعبر عن مشاعر القهر والإحباط الشعبي الفلسطيني، اتجاه تردي الأوضاع واستمرار الاستيطان، وتعثر المسلك السياسي للقائمين على الشأن الفلسطيني، لكنها برأيي اكبر وأعظم من ذلك بكثير، فالقدس قد بلغت الخط الأحمر، واتجهت بل وصلت مرحلة العزل والفصل والتهويد، والحلم الهزيل بإقامة الدولة الفلسطينية لتحقيق الأمل الفلسطيني، قد انقضى وأصبح عدما، والسلام المنشود بين الضحية والجلاد لا يغدو إلا نوعا من الجنون السياسي، أما الفلسطينيون فقد دخلوا الامتحان، ودقت ساعة الصفر ليقبلوا الرهان، فيفجروا انتفاضة جديدة، يثبتوا للعالم اجمع أن أصحاب الحق أحياء يرزقون، ومن اجل أرضهم لا يتأخرون، فيكون ربيعا فلسطينيا هو ربيع القدس بامتياز.
أما السلطة الفلسطينية المزعومة، تلك التي تسطر أروع الأمثلة في مراقبة وملاحقة المقاومين، والهرولة والتباكي لمؤتمر هنا أو طاولة هناك، والتغني بان السلام مع إسرائيل هو خيارها الاستراتيجي، فما اّن الأوان أن تعيد النظر في شرعيتها وفلسفة وجودها، غير تقديم الخدمات الإدارية والمحلية المنقوصة لأهل الضفة، تلك الضفة المثقبة بمستوطناتها ومعابرها، وما اّن الأوان لتغيير اتجاه التجديف السياسي في بحر التفاوض الضحل، وهل في قدرتها شاءت أم أبت، أكثر من مجرد الاعتزاز بالمبادرة الشجاعة لباب الشمس، والتشدق باعتبارها رسالة مهمة للإسرائيليين والمجتمع الدولي بان الشعب لن يستسلم أمام نهب أرضه، ولا ندري إلى أي فصيل إسرائيلي أو أي محفل دولي، ستوجه تلك الرسائل فتجد ضالتها!
لن يستطيع التباكي العربي، ولا من وراءه التعاطف والتنديد الدولي والإنساني، أن يوقف الجرافات الإسرائيلية المدججة، من أن تمسح الأرض والعرض، وان تسوي تلال فلسطين بسهولها، ولن تقدر سيوف العرب وخناجرهم وحناجرهم مهما علت، أن تقطع معاليه ادوميم عن القدس كما تريد إسرائيل، إلا بالتسامي ما فوق التشرذم والتناحر الفلسطيني، وبذل الفلسطينيون أرواحهم الغالية رخيصة لوصل القدس بجسدها العطر، عندئذ قد يرى الطفل الفلسطيني القابع خلف الجدار الفاصل، يرى الشمس تشرق من باب الشمس!
بين بابي “الشمس” و”الكرامة”
محمد عبيد عن دار الخليج
تجربة قرية “باب الشمس” المقاومة للاحتلال “الإسرائيلي”، والآن “باب الكرامة”، وكلتا القريتين على أرض فلسطينية محتلة على تخوم القدس، أثبتتا بلا شك كيف أن المقاومة الشعبية السلمية تترك أثراً كبيراً، وتشكل أزمة حقيقية للكيان الذي لا يتقن سوى لغة القتل والتدمير والاقتلاع .
الاحتلال اقتلع قرية “باب الشمس” على الأراضي المهددة بالنهب في المنطقة التي يسميها “إي 1”، والآن يلوّح بالمصير ذاته لقرية “باب الكرامة” التي أقامها الفلسطينيون على أراضي بيت إكسا شرقي القدس المحتلة، هذه القرية الجديدة تضع أمام الكيان سيناريوهات للمستقبل، لا يمكن إلا أن تكون في مجملها إزعاجاً غير مسبوق، وحتى مأزقاً على المستويين الفلسطيني والدولي .
الفلسطينيون وجهوا الرسالة الواضحة إلى المحتل، اقتلع “باب الشمس”، لتنبت “باب الكرامة” شمساً جديدة عصية على الدفن أو الإخفاء القسري، باب الشمس كانت النموذج، والآن باب الكرامة، وغداً يُزرع باب جديد على أرض فلسطينية مهدّدة بمخططات وآليات ومستعمرات الكيان التوسعي، والرسالة ستصل إلى العالم ككل، لا إلى “إسرائيل” وحدها، ومفادها أن الفلسطينيين صامدون في أرضهم، حتى النهاية .
أساليب المقاومة السلمية الشعبية ليست جديدة على الفلسطينيين، فطالما مارسوها على مدى العقود الماضية، بأشكالها المختلفة، من اعتصامات واحتجاجات سلمية، وإضرابات عامة، وإضرابات عن الطعام، ومقاومة سلمية تجلت في مسيرات وتظاهرات ضد جدار الضم والتوسع في بلدات وقرى عدة، أضحت عناوين بارزة في الإعلام، مثل بلعين ونعلين والنبي صالح وغيرها .
لكن هذا الأسلوب المتمثل بملاحقة الاحتلال ومحاولاته نهب الأرض من خلال الصمود المادي فيها، وزراعة الخيام في أرضها، والمرابطة فيها رغم البرد القارس، ورغم تهديدات الاحتلال وقطعان المستوطنين، يشكل علامة فارقة، إذ إنه من ناحية يكتسي صفة التواصل، فهو ليس فعالية تمر بعد ساعة أو اثنتين، ومن ناحية أخرى وسيلة جديدة ستأخذ طابع الانتشار والتكرار، ما سيجعل الاحتلال يفكر ألف مرة قبل الإعلان عن مشروع نهب جديد للأرض الفلسطينية .
قريتا باب الشمس وباب الكرامة، لن تكونا الوحيدتين، لن تكونا تجربة عابرة تنتهي مع اقتلاع آخر خيمة في الأخيرة، كما كان الأمر مع الأولى، فرئيس حكومة الكيان بنيامين نتنياهو وتحالفه الانتخابي الأشد تطرفاً، أعلناها صراحة، أنهما لن يوقفا مخططات السلب والاستعمار والتهويد، عندما يعودان إلى سدة الحكم عقب الانتخابات المقررة غداً الثلاثاء، وهذا يؤكد بالضرورة أننا سنشهد المزيد من قرى الصمود والتحدي في أكثر من مكان من الضفة الفلسطينية .
الكيان المحتل ومن خلفه حلفاؤه وآباؤه في الولايات المتحدة والغرب، بذلوا على الدوام كل الجهود والإمكانات، لوصم المقاومة الفلسطينية بوصمة “الإرهاب”، وحاولوا على مدى عقود تجريد نضال الشعب الفلسطيني من صفته التحررية الحقوقية، ولم يتوانوا عن دعم وتغطية مخططات الاحتلال، ومحاولة إضفاء الشرعية عليها، والآن ينتظر الفلسطينيون ما سيكون من هؤلاء .
سيحاولون لي عنق الحقيقة مجدداً، وسيحاولون إدانة المقاومة الشعبية السلمية، لكن ذلك لن يمنع من إنبات أبواب أخرى جديدة على الأرض الفلسطينية، أبواب للشمس والكرامة والتحرير والعودة والأسرى، وغيرها كثير .
انتخابات النظام ... ونظام الابرتهايد
ايهاب ابوغوش(محام من القدس) عن القدس العربي
مَن مِن السكان الخاضعين للنظام الاسرائيلي يشارك ويمارس حقه بالانتخاب والترشيح ضمن الانتخابات الاسرائيلية؟
في مقاله الذي نشر في صحيفة هأرتس الاسرائيلية بتاريخ 16.10.12، استشهد الصحافي عكيفا إلدار بتصريحات نشرتها دائرة الاحصاء الاسرائيلية مفادها، بانه في الاراضي الواقعة ما بين البحر (المتوسط) والنهر (الاردن) والخاضعة للنظام الاسرائيلي يقطن اكثر من 12 مليون نسمة، ويصل عدد السكان اليهود الى 5.9 مليون، في حين ان البقية من غير اليهود. بناء على هذه المعطيات استنتج إلدار بان النظام الاسرائيلي الساري على سكان ما بين البحر والنهر هو نظام ابرتهايد، لانه قائم على حكم الاقلية اليهودية للاغلبية غير اليهودية، اي العربية.
في الأسطر المقبلة نطّلع على بُعد اخر لنظام الابرتهايد الاسرائيلي من خلال سرد 'وضعيات الاقامة(Statuses of Residency) ' للسكان المقيمين تحت سقف النظام الإسرائيلي ونتمحّص عبر الانتخابات علاقة مجموعات السكان بنظام الحكم. كذلك نسلط الضوء على نقطتين هامتين: الاولى، ان هذه المجموعات السكانية تجتمع معا تحت قاسم مشترك واحد الا وهو خضوعها لسلطة نظام الحكم الاسرائيلي على اختلاف صلاتها بهذا النظام. والثانية، وهي التباين الحاد بين هذه المجموعات بشأن منحها او حرمانها من ممارستها لحق الانتخاب والترشيح لهذا النظام. في سياق السرد نستدل من هم السكان الذين يشاركون في الانتخابات ويقررون ماهية نظام الحكم الساري على كافة سكان البلاد وفي ختامه نتطرق الى نسبتهم.
أولا، ما بين البحر والنهر وداخل المنطقة المسماة بالخط الأخضر، يقيم السكان اليهود، مواطنو دولة إسرائيل وحملة الجنسية الاسرائيلية، ويتمتعون بداية ونهاية بممارسة حق الانتخاب والترشيح للبرلمان.
ثانيا، على غرار النوع الاول، تجد 'المهاجرين الجدد'، وهم يهود او مدّعين باليهودية ورغما عن ان شفاههم لم تنطق بالعبرية بعد، تحصل هذه المجموعة من السكان فور وصولهم الى البلاد على الجنسية الإسرائيلية ومعها الحق في الانتخاب والترشيح للبرلمان، كل ذلك دون معرفتهم ادنى معرفة لهموم وامور السكان الخاضعين لسياسة النظام.
ثالثا، السكان العرب الفلسطينيون والمقيمون في إسرائيل كمواطنين، فلهم الحق بالمشاركة في الانتخابات. في الواقع، يتجلى انخفاض ملحوظ على اقبال المواطنين العرب للمشاركة في الانتخابات الاسرائيلية (فمتوسط نسبة التصويت لديهم في العقد الأخير 48'). كذلك ففي العقدين الاخيرين وفي داخل هذه المجموعة السكانية، يحتدم الجدال والتباين السياسي والوطني بشأن الانماط المختلفة تجاه الانتخابات الاسرائيلية، فهل للمشاركة في الانتخابات ام الامتناع عنها ام مقاطعتها والدعوة لذلك. هذا الجدل مستمر بل ويتعمّق مؤخرا نسبة للتغييرات الكاردينالية التي طرأت ولا زالت تهوي على اصعدة عدة بخصوص المجتمع العربي في اسرائيل، خاصة السياسية والامنية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تؤثر سلبا وتؤدي الى تفاقم ما تبقى من العلاقة الراهنة بين المواطنين العرب ومؤسسات الدولة العبرية.
رابعا، جزء لا يتجزأ من جمهور المواطنين العرب في إسرائيل هم البدو سكان الجنوب. النظام الإسرائيلي يرفض الاعتراف بعشرات القرى البدوية في جنوب البلاد ويمتنع عن توفير اي من الخدمات الحياتية الاساسية لهؤلاء السكان. بل الابلى من ذلك انه وفي السنوات الاخيرة قام النظام الاسرائيلي بهدم قسم من البيوت والقرى البدوية بحجة عدم اعترافه بها، كما وانه يعد العدة بمخططات مختلفة، اشهرها مخطط 'برافر'، لهدم الكثير من القرى البدوية وتهجير قاطنيها. تجدر الإشارة هنا، ان عدائية النظام للسكان البدو تنعكس ايضا بانه يتيح لهم إمكانية وحق المشاركة في اختياره من جهة، ويقوِّض امكانية ممارسة هذا الحق من جهة اخرى !
خامسا، السكان العرب الذين يعيشون في القدس الشرقية تحت الاحتلال منذ 1967. على الرغم من بلوغ عدد سكان القدس الشرقية ما يفوق الثلاثمئة الف (ما يقارب 38' من سكان القدس 'الموحدة' كتسميتها الاسرائيلية)، ولكون اعتبارهم اسرائيليا جزءا من سكان الدولة، الا انهم لا يزالون يُعر َّفون من قبل النظام الاسرائيلي كسكان ذوي وضعية 'مقيمين' ليس الا، ولا يرتقون البتّة لان يصبحوا 'مواطنين'، بل وانهم غير مخوّلين لذلك. مما يستدل من الوضعية القانونية المقتصرة على 'الاقامة' لا 'المواطنة'، بانها وضعية قانونية في حد ذاتها ضعيفة وهشّة، وقد أودت في السابق لالغاء اقامة ما يقارب خمسة عشر الفا من المقدسيين، مما اسفر عن حرمانهم ومنعهم من العيش في القدس. في هذا الصدد يجب التأكيد على ان النظام الاسرائيلي بقدر ما يُركّز ويعمد على احكام احتلاله لاراضي القدس الشرقية والزام ساكنيها كغيرهم بالانصياع لسلطته وقوانينه، فانه يقضي بحرمانهم القطعي من حق الترشيح والانتخاب واختيار النظام الذي يخضعون لسيطرته.
سادسا، العرب السوريّون سكان هضبة الجولان يخضعون هم كذلك لسلطة النظام الاسرائيلي. وضعية هذه المجموعة من السكان تنحصر بمرتبة 'المقيمين' فقط، ولا يعتبرهم النظام الاسرائيلي ك'مواطنين'. لذا، ورغما من احتلال ارضهم واخضاعها مع ساكنيها بالقانون الاسرائيلي لسلطة وهيمنة القانون الاسرائيلي، الا ان النظام ذاته جرَّدهم من حق الانتخاب والترشيح والمشاركة في اختياره.
سابعا، بسبب التعديل الذي ادخل عام 2003 على قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل، والمصادقة عليه من قبل المحكمة العليا الاسرائيلية، اصبح الآلاف من العرب الفلسطينيين، الذين يعيشون مع أزواجهم وزوجاتهم العرب مواطني إسرائيل، مشرّدين ومجرّدين من اي وضعية قانونية. فبموجب القانون الاسرائيلي، اصبحت هذه الشريحة من الفلسطينيين مجرّدة من اي وضعية قانونية، فهم ليسوا بمواطنين ولا حتى مقيمين، بل وان القانون الاسرائيلي نفسه جرّدهم حتما من الحصول على اي من الامكانيات المذكورة في المستقبل. في الواقع، فان الاف الفلسطينيين يعيشون داخل الخط الاخضر مع ازواجهم وزوجاتهم بموجب تصاريح اسرائيلية تُمنح لهم على يد النظام الاسرائيلي لفترات محدودة اقصاها اثنا عشر شهرا. هذه التصاريح الاسرائيلية، علاوة على كونها مشروطة ومؤقتة، فانها تمنع وتحرم حامليها من الفلسطينيين من حقوق وحريات انسان اساسية منها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بعد ما ذكر وباختصار، فانه من الجلي بان النظام الاسرائيلي جرّد هؤلاء الفلسطينيين من حق الانتخاب والترشيح.
ثامنا، العرب الفلسطينيون سكان الضفة الغربية المحتلة منذ 1967، يخضعون هم كذلك لسلطة النظام الإسرائيلي. يذكر على سبيل المثال لا الحصر بانه من الاوجه التي تُجسّد هيمنة النظام الاسرائيلي على سكان الضفة الغربية فاننا نجد قوات الجيش الاسرائيلي والحكم العسكري والمحاكم العسكرية والإدارة المدنية والأجهزة الحكومية الأخرى لما تحويه من اذرع امنية وتنظيمية وفنية، بحيث تتسلّط اوجه النظام المختلفة على حياة الفلسطينيين عبر قنوات مباشرة او غير مباشرة على حد سواء. فالاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية رغم اتفاقية اوسلو وتوابعها ورغم تشكيل وتفعيل السلطة الفلسطينية، فانه يبسط سيطرته وسلطته على كافة السكان الفلسطينيين ويؤثر وبشكل يومي ولاكثر من خمسة واربعين عاما على ممارسة حرياتهم وحقوقهم الفردية والجماعية وعلى كافة الاصعدة ومجالات الحياة وخاصة المدنية والسياسية والتجارية والادارية والأمنية. في الوقت الذي تفرض منظومة الاحتلال المعقدة، على اوجهها البشعة، سلطويّة النظام الاسرائيلي وسريانه على فلسطينيي الضفة الغربية، في الوقت ذاته يُجرّد الفلسطينيين الخاضعين للنظام الاسرائيلي من ممارسة حق الانتخاب والترشيح.
تاسعا، سكان قطاع غزة المحتلة منذ 1967، او حتى قبل ذلك، فهم كسابقيهم، اخوتهم الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، يتأثرون بسلطويّة النظام الاسرائيلي رغما عن 'فك الارتباط' والانسحاب الاسرائيلي من اراضي القطاع. فسلطة النظام الاسرائيلي تسري وتطبّق بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الفلسطينيين سكان قطاع غزة، ومن اشكالها نجد الحكم العسكري والاوامر العسكرية والحصار البري والبحري والجوي، والذي لو تم تخفيفه فان القرار لتشديده او تخفيفه تتمتع به السلطة الاسرائيلية وحدها على الاطلاق. من الواضح والمعروف بان نظام الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة يسري عليهم منذ عقود الا ان سكان القطاع قد حرموا وجرّدوا من المشاركة في الانتخاب والترشيح للتأثير وتقرير ماهية النظام الساري عليهم.
عاشرا، لن تتم الخاتمة دون التطرق للحاسمة، هم 'اسياد البلاد' ومدللو النظام، هم المستوطنون الاسرائيليون. مئات الالاف من اليهود مواطني اسرائيل يعيشون في الضفة الغربية على اراض فلسطينية سُلبت من مالكيها الفلسطينيين لتشكل قاعدة واساسا لمشروع استيطاني يدعمه النظام الاسرائيلي ويجاهر دائبا بالحث على ترسيخه وتوسيعه، وليكون العقبة الحاسمة لمشروع السلام. على عكس الفلسطينيين سكان الضفة الغربية، فان المستوطنين اليهود لهم حق الانتخاب والترشيح، بل وانهم يمارسون حقهم هذا باندفاع وكثرة وتتنافس معظم احزاب الطيف الاسرائيلي على مغازلتهم واستمالتهم كمرشحين في صفوفها وكناخبين لصناديقها.
بعد سرد مجموعات السكان المختلفة، ننتقل لمعرفة نسبة الناخبين المشاركين في الانتخابات من مجمل سكان البلاد، ونتطرق لهذه المعطيات: معدل نسبة المصوتين في الانتخابات الاسرائيلية في العقد الاخير 64'؛ هذه النسبة تشمل 91' مواطنين يهود و9' مواطنين عرب؛ عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات المقررة ليوم 22 يناير2013 هم 5,659,72؛ وعدد السكان الذين يعيشون ما بين البحر والنهر لا يقل عن 12 مليون شخص. بواسطة عملية حسابية بسيطة نصل الى النتيجة الميئوسة: ربع سكان البلاد فقط، 26'، (وهم من اليهود) يشارك في الانتخابات الاسرائيلية، وهذا الربع هو الذي يقرر ويحدد نظام الحكم الاسرائيلي، الابرتهايد، الذي يسري على كافة سكان البلاد.
ما دام واقع الحال حكم الاقلية اليهودية القليلة للاغلبية العربية البارزة، فغني عن البيان القول ان الانتخابات الاسرائيلية لا تصبُّ ولا تصبو لممارسة حق السكان الديموقراطي باختيار نظام الحكم الساري عليهم، بل انها تعمد لتحصين وتدعيم وإستدامة إحكام سلطة نظام الابرتهايد الاسرائيلي من قبل صانعيه الاقلية اليهودية على بقية سكان البلاد وهم الاغلبية العربية. في مثل هذا الحال، ولإزالة نظام الابرتهايد الاسرائيلي، يتحتم العمل باحدى الاثنين: إمّا الغاء تام للنظام الاسرائيلي عن كل البلاد والعباد المحرومين من المشاركة بصنع هذا النظام، وإمّا منح حق الانتخاب والترشيح والمشاركة لكل السكان الخاضعين لسلطة هذا النظام.
الإسرائيليون و«المَثليُّون» صفَّاً واحداً ضد هيغل!!
صالح القلاب عن الرأي الأردنية
الإسرائيليون و»المثليون الجنسيون» إتفقوا على الإعتراض على تعيين تشاك «شارل» هيغل وزيراً للدفاع في الولايات المتحدة فالإسرائيليون يأخذون على هذا الرجل أنه ليس موالياً لإسرائيل بما فيه الكفاية وأنه كان قد إعترض على غزو الجيش الإسرائيلي للبنان في عام 2006 وانه كان قد قال رغم أنه من رموز الحزب الجمهوري :«إنَّ علاقاتنا مع اسرائيل خاصة وتاريخية لكن ليس من الضروري ولا يمكن أن تكون على حساب علاقاتنا العربية والإسلامية..إن هذا خيار زائف وغير مسؤول وخطير».
وتماشياً مع الضجة التي أثارها «اللوبي» الإسرائيلي بعد إختيار هيغل لهذا المنصب الهام جداً قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي يعتبر من أشد أعضاء الكونغرس الأميركي تأييداً لإسرائيل :إن هيغل هو «أكثر وزير دفاع أميركي عداءً لإسرائيل في تاريخ أمتنا» ثم وفي الإتجاه ذاته قام أصدقاء الدولة الإسرائيلية بإعادة نشر تصريحات كان أدلى بها وزير الدفاع المُعيَّن في عام 2006 وأستخدم فيها عبارة «اللوبي اليهودي» وليس «اللوبي الإسرائيلي» الذي قال أنه يروِّع «كثيراً» الناس في الكونغرس.
وينسب إلى هذا الرجل ،الذي يوصف بأنه مناكف والذي بدأ حياته العملية رقيباً في أحدى فرق الجيش الأميركي التي شاركت في حرب فيتنام، أنه قال ،رداً على إتهامه بأن تأييده لإسرائيل «غير قوي»، :»أنا عضو في مجلس شيوخ الولايات المتحدة ولست سيناتوراً إسرائيلياً» وهذا هو أول كلام بكل هذه الصراحة وبكل هذا الوضوح يسمعه الإسرائيليون من مسؤول أصبح وزير دفاع الولايات المتحدة.
إنَّ هذا بالنسبة لغضب الإسرائيليين على هيغل أما بالنسبة لقادة «حركة المثلية الجِنْسيَّة» فإنهم يأخذون عليه أنه خلال السنوات التي قضاها في الكونغرس الأميركي قد دخل في مشاكل معهم وأنه عارض سنَّ قوانين لزيادة حقوقهم والسماح لهم بالإستفادة من الفوائد الضريبية التي يستفيد منها عامة الناس ولذلك فقد لجأ هؤلاء بمجرد تعيين هذا الرجل وزيراً للدفاع إلى نشر إعلان بمساحة صفحة كاملة في صحيفة «واشنطن بوست» ضده.
ولعلَّ كل هذا يكشف كم أن الدولة الإسرائيلية تمارس سياسة غطرسة وتعالٍ تجاه الولايات المتحدة وكم ان الولايات المتحدة ،هذه الدولة العملاقة التي أصبحت بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي القطب الأوحد في العالم كله، تتصرف مع إسرائيل تحت وطأة عقدة نقص متجذرة غير مفهومة ولذلك فإنها لا تبدي حتى مجرد إمتعاض بسيط تجاه إنتقادات المنظمات الأميركية المؤيدة للإسرائيليين وإنتقادات الإسرائيليين أنفسهم لوزير الدفاع الجديد بأنه «لا يؤيد إسرائيل تأييداً قوياً» مما جعله يقول :»إنَّ علاقاتنا مع إسرائيل خاصة وتاريخية لكن ليس من الضروري ولا يُمكن أن تكون على حساب علاقاتنا العربية والإسلامية..إنَّ هذا خيار زائف وغير مسؤول وخطير».
إنَّ هذ هو واقع الحال وأنَّ كل هذا الإستخذاء الأميركي لإسرائيل والإستجابة لكل نزوات اليمين الإسرائيلي المتطرف هي التي تجعل الإسرائيليين يتصرفون مع الأميركيين ،بمن فيهم سيّد البيت الأبيض نفسه، وكأنهم «قطاريز» عندهم وتجعل المتنافسين على مقاعد «الكنيست» الإسرائيلي من قادة الكتل والأحزاب المتطرفة لا يرف لهم جفن عندما يعلنون أنه لا إنسحاب لا من الضفة الغربية ولا من القدس وأن الإستيطان سيتواصل وأنه على «أوسلو» أن تذهب إلى الجحيم وعلى عملية السلام أن تبقى تراوح مكانها لعشرين سنة أُخرى جديدة.
انتخابات إسرائيل غداً: نهاية اليسار وهيمنة اليمين الديني
حلمي موسى عن السفير
تبدو الانتخابات الإسرائيلية التي ستبدأ صباح الغد وتنتهي في المساء أشبه بمفارقة يصعب الجمع بين بعديها. فهي، ظاهرياً، غير مهمة وغير حاسمة ونتائجها معروفة سلفاً وتخلو من الإثارة وغير مثيرة للاهتمام. وهي، عملياً، فائقة الأهمية جراء وقوعها في لحظة تغييرات استراتيجية على الصعيدين الإقليمي والدولي وحتى على الصعيد الإسرائيلي نفسه. فهذه هي المرة الأولى التي تجري فيها انتخابات إسرائيلية بعد التحولات في «البيئة الإستراتيجية»، وتُحسم نتائجها على خلفية تحولات جوهرية طرأت على المجتمع الإسرائيلي، ووجدت تجلياتها الأبرز في تعزز ظاهرة اليمين الديني القومي.
ومن الجلي أن الانتخابات الإسرائيلية تتم هذه المرة بعدما اتضح، وبشكل حاسم، أن معسكر الوسط ليس خيارا وأن اليمين الديني والقومي حسم المعركة نهائيا لمصلحته ليس في المعركة الانتخابية وحسب وإنما في المجتمع عموما. بل أن تحالف «الليكود بيتنا» الذي أنشئ بأمل امتلاك القدرة على قيادة الدولة اليهودية نحو إسرائيل يمينية علمانية ويهودية بات، وفق استطلاعات الرأي، لا يملك الغالبية في معسكر اليمين. فاليمين الديني القومي، سواء المتواجد داخل الليكود والمقدر بحوالي الربع و«البيت اليهودي» و«شاس» و«عوتسما ليسرائيل» وبدعم من الحريديم، يملك غالبية داخل معسكر اليمين تجعل حتى من نتنياهو مجرد رهينة بين أيديهم.
وليس صدفة أن جميع القوى الصهيونية باستثناء «ميرتس» وإلى حد ما «حركة» تسيبي ليفني تجاهلت بشكل تام مسألة التسوية السياسية. وهرب حزب العمل، كما من النار، من شعارات السلام وحتى من العبارات التي تتضمن المعنى في محاولة للاحتفاظ بمكان لدى الجمهور الإسرائيلي. وقاد ذلك إلى إلغاء كل تلك التسميات التي قسمت القيادات الإسرائيلية في العقود الماضية في قضايا السلم والحرب إلى يمين ويسار أو إلى صقور وحمائم. وبدت إسرائيل بمجموعها تتنصل من ماضيها بإعلان زعيمة حزب العمل، شيلي يحيموفيتش أن حزبها لم يكن «يساريا» أبداً.
لقد أظهرت معركة الانتخابات الإسرائيلية أن ما كان يعرف بـ«اليسار» في إسرائيل قد انتهى أو يكاد ينتهي. فهو كف منذ سنوات طويلة عن أن يكون بديلا حقيقيا لليمين. كما أن تيار الوسط الذي ترعرعت غالبية قادته في صفوف اليمين والذي تفكك بشكل مريع بتفكك حزب «كديما»، عجز عن أن يشكل بديلا لليمين. واليوم بعد غلبة اليمين الديني القومي، وهي التعبيرات المغلفة لوصف اليمين المفرط التطرف، يمكن القول أن اليمين نفسه، ممثلاً بالليكود، بات يخسر مكانته كقائد للمجتمع.
وتتعدد غرائب ومفارقات الانتخابات الحالية عند العلم مثلاً أن القوة الصاعدة الآن (التيار الديني القومي) نبعت في الأصل من التيار الذي عارض الفكرة الصهيونية، وأن القوة التي تشرف على الهلاك الآن أي اليسار الصهيوني، هي التي أحيت الديانة اليهودية المعاصرة بمنح الإدعاء التوراتي محتوى عمليا. كما أن الوسط واليسار اللذين بلورا إسرائيل كدولة ليبرالية، في تعاطيها الداخلي، على الأقل في المجتمع اليهودي، يعانيان الآن من ثقل وطأة فاشية دينية يمينية يمثل المستوطنون طليعتها الكفاحية.
وإذا لم يكن هذا كافياً فإن موجات التكفير لأسباب سياسية أو اجتماعية تتعاظم بشكل واسع. ففي سياق سعي رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى مواجهة تسرب ناخبي الليكود وتوجههم إلى «البيت اليهودي» طلب من حاخامات المستوطنين فتاوى تأييد له، إلا أنهم رفضوا. كما أن حركة «شاس» في محاربتها لـ«الليكود بيتنا» (الذي بات حزب «إسرائيل بيتنا» جزءا منه طبعا من أجل كسب الأصوات) عمدت إلى شن حملة ضد المهاجرين الروس ممن لم يتهودوا وفق الشريعة. والأدهى من ذلك أن حملة التكفير التي تقودها «شاس» قادت في اليومين الأخيرين نحو تكفير حزب «البيت اليهودي» الذي ينافسها على أصوات شريحة من الجمهور. واعتبر المرشد الروحي لـ«شاس» الحاخام عوفاديا يوسف أن «البيت اليهودي» وزعماءه «أعداء للتوراة».
وبديهي أن هذه الأمور تخيف أوساطا واسعة في المجتمع الإسرائيلي خصوصاً في واقع يتسم مستقبله بالغموض. وكان نموذجيا، مثلا، إقدام ليفني على مطالبة لجنة الانتخابات المركزية برفض ترشيح جيرمي جيمبل المدرج في الموقع الرابع عشر على قائمة «البيت اليهودي» للكنيست. وجيمبل هذا لم يفعل شيئاً سوى أنه دعا إلى تفجير مسجدي الحرم القدسي (قبة الصخرة والأقصى) لتسهيل بناء الهيكل اليهودي.
وبالرغم من بعد المسافة بين الفائزين المرجحين في الانتخابات الإسرائيلية والتسوية السياسية، إلا أن الخوف على التسوية دفع أوساطا رسمية فلسطينية وعربية إلى دعوة الناخبين العرب للمشاركة بقوة في الانتخابات. وكان غريباً أن تشارك جامعة الدول العربية في الدعوة للمشاركة في الانتخابات لإضعاف النزوع اليميني في إسرائيل. وتمكن الإشارة أيضاً إلى التصريحات المنسوبة للرئيس الأميركي باراك أوباما ضد نتنياهو والتي جرى استغلالها من جانب اليمين واعتبارها تدخلا في المعركة الانتخابية.
عموما تتجه الأنظار غدا نحو ما سوف تناله الأحزاب من مقاعد لتتقرر لا طبيعة الحكومة المقبلة وإنما تركيبة المشاركين فيها. وكلما كان معسكر اليمين الديني والقومي أكبر كلما كان هامش مناورة نتنياهو للتحالف مع أحزاب وسط أقل. وبديهي أنه كلما كان اليمين الديني القومي أكبر كلما كانت فرص تحقيق تسوية سياسية أبعد. وبرغم ذلك هناك قناعة متزايدة بأن نتنياهو لن ينــال حكومة أحلامه وأن فوزه برئاسة الحكومة قد يكون مقدمة لتغييرات واسعة لن يكون هو من يفرضها وإنما شركاؤه في اليمين الأقصى.
لماذا “شخصنة” الخلافات “الإسرائيلية” - الأمريكية؟
عوني صادق عن دار الخليج
قبل أن يدخل بنيامين نتنياهو على خط انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة بسنوات، منحازاً بشكل غير متحفّظ إلى المرشّح الجمهوري ميت رومني، ضد باراك أوباما، كان واضحاً أن الود مفقود بين الرجلين . وجاءت أقوال أوباما التي نقلها عنه الصحافي الأمريكي المقرب جيفري غولدبرغ، رأيه في نتنياهو وسياساته، فأكدت ذلك ورآها بعض “الإسرائيليين” محاولة للانتقام من نتنياهو وأنه يصفّي الخلاف معه . بعض العقلاء من “الإسرائيليين”، ساسة وأصحاب رأي، أدركوا أن المسألة، بالنسبة إلى أوباما، ليست شخصية بل تتعلق بخلافات جدية بين إدارة أوباما وسياسات نتنياهو . وفي عز الحملة التي شنتها الأوساط “الإسرائيلية” والصهيونية، في الكيان الصهيوني وخارجه، على تعيين أوباما كلّ من السيناتور جون كيري وزيراً للخارجية، والسيناتور السابق تشاك هاغل وزيراً للدفاع، صادق أوباما في السادس من يناير/كانون الثاني الجاري على ميزانية وزارة الدفاع التي تضمنت تقديم مساعدة عسكرية للكيان الصهيوني بمبلغ (480) مليون دولار، ليعزز بها الحماية الصاروخية في منظومتي “القبة الحديدية” و”حيتس” .
وإذا كان قد نقل عن أوباما قوله، إن نتنياهو “لا يعرف مصلحة “إسرائيل”، وأنه يقودها إلى الضياع”، فإن تسيبي ليفني، زعيمة حزب “الحركة”، وزعيمة حزب “كاديما” السابقة، قالت في الفترة نفسها، إن نتنياهو “يقود الدولة اليهودية إلى نهايتها”، بينما قال بنيامين بن أليعازر، إنه يقودها إلى “عزلة دولية” . أما الأديب “الإسرائيلي” الحائز جائزة الدولة، فقال: “حكومة نتنياهو هي في نظري الحكومة الأكثر مناهضة للصهيونية” .
أقوال ومواقف أوباما لم تكن شخصية بأي حال، وما أكثر التصريحات التي أدلى بها أوباما وأركان إدارته، والمواقف التي أقدمت عليها هذه الإدارة، في السنوات الأربع الماضية، التزاماً ب”أمن “إسرائيل”، ودفاعاً ودعماً وتأييداً لحكومة نتنياهو وسياساتها الفظة . وإلى جانب ذلك، يعترف العقلاء من “الإسرائيليين”، ساسة ونخباً، بأهمية الولايات المتحدة بالنسبة إلى وجود دولتهم والحفاظ عليها . ففي العاشر من شهر سبتمبر/أيلول الماضي، كتبت تسيبي ليفني مقالاً جاء فيه: “نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى أن نُبقي العلاقة بيننا وبين الولايات المتحدة قوية ووثيقة وحميمة ومتبادلة” . وأضافت: “مما لا شك فيه أن العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” تشكل جزءاً من الردع “الإسرائيلي” . فالدعم الاقتصادي والعسكري الذي يقدمه الأمريكيون هو الذي جعل الجيش “الإسرائيلي” أقوى جيوش المنطقة” . وهي ليست الوحيدة التي تعرف ذلك .
ولكن حتى بالنسبة إلى نتنياهو، ليست المسألة شخصية بل سياسية، لكن نتنياهو يحاول “شخصنتها” لأنه يعتقد أنه بهذه الطريقة، وتجنيد اللوبي الصهيوني معه، يمكن أن يفرض على إدارة أوباما أن تستجيب لمطالبه وسياساته . لقد كان وقوف نتنياهو إلى جانب المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة الأخيرة، وقوفاً مع نفسه وسياساته، حيث كان رومني ضد وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، ومع الحرب على إيران ، ومع القدس “عاصمة موحدة للشعب اليهودي”، ومع الاعتراف بدولة ““إسرائيل” دولة يهودية للشعب اليهودي”! وأي مراقب موضوعي يمكن أن يتساءل هنا: هل كان ذلك مرشحاً لرئاسة الولايات المتحدة، أو لرئاسة الحكومة “الإسرائيلية”؟ ومن وقف مع من، في ضوء هذه المواقف؟
أوباما، يرى أنه رئيس للولايات المتحدة، وأن مسؤوليته الأولى والأساسية تتمثل في الحفاظ على المصالح الأمريكية أولاً وعاشراً، ولذلك لا يرى مصلحة في شن حرب على إيران مثلاً، ويرى مصلحة أمريكية و”إسرائيلية” في إنجاح المفاوضات و”حل الدولتين”مع السلطة الفلسطينية، ولا يرى فائدة في قتل “عملية السلام” من خلال الاستمرار في بناء المستوطنات وتوسيعها . ويرى الاستجابة لكل الطلبات “الإسرائيلية” ابتزازاً وخضوعاً لنتنياهو وسياساته لا يوجد ما يجبره عليها . وقد وصل الأمر بأحد أنصار نتنياهو، وهو عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، في مقال نشرته “الواشنطن بوست” في أغسطس/آب الماضي أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، أن طالب أوباما بزيارة القدس المحتلة والتعهد أمام الكنيست بوقف البرنامج النووي الإيراني”، من أجل أن يحظى برضاه ورضا نتنياهو و”الإسرائيليين” .
كذلك، فإن الحملة على كيري، وخصوصاً على هاغل، تعود إلى الأسباب نفسها التي تقف وراء الحملة على أوباما، أي عدم تطابقهما مع ما يريده نتنياهو، وانتقادهما لسياساته . وإن أكثر ما اعترض أنصاره عليه من أقوال هاغل، قوله: “أنا سيناتور أمريكي ولست سيناتور “إسرائيلياً”، (وهو هنا يعيد بكلماته موقف أوباما)، وبسبب ذلك اتهموه بمعاداة السامية، وجعلوا منه مريضاً نفسياً!
لقد ورث أوباما عن سلفه جورج بوش الابن وضعاً متردياً، اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وكان مطلوباً منه، ولايزال، الخروج منه بأقل الخسائر والأضرار . ولم تكن المهمة سهلة، واتضح أن جهوده حتى الآن لم تكلل بالنجاح . إن ما يشغله هو ترتيب بيته الداخلي، وتحقيق ما وعد به الأمريكيين، في حملتيه الانتخابيتين، فكيف يمكن أن يرضي نتنياهو؟ الخلافات بين أوباما وإدارته من جهة، وبين نتنياهو وحكومته وأنصاره من جهة أخرى، خلافات سياسية بامتياز، وتفيد التقارير الأخيرة المتواترة أن الأمريكيين، ومعظم اليهود منهم، مع أوباما وضد نتنياهو . إنهم كما أوباما، مع “إسرائيل” وليس مع نتنياهو، لكن الأخير يصر على “شخصنة” هذه الخلافات لأنها لا تصمد للنقاش سياسياً، فيلجأ إلى شخصنتها للإيهام بأن سياسة أوباما ليست أمريكية بل هي تخص أوباما وحده . إن نتنياهو يعتقد أنه يستطيع أن ينال من “أوباما الشخص”، لذلك يلجأ إلى شخصنة خلافاته معه، لعله يحقق بعض النجاح.
عيون وآذان (العربان خارج الحسبان)
جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
عندي قصة سبق أن رويتها قبل 30 سنة، وأعيد روايتها اليوم لأنها تتفق مع موضوع مقالي، ففي عام 1982، بعد مجزرة صــبرا وشاتيلا وإنزال قـــوات دوليـــة، بينـــها أمـــيركية وفرنسيـــة في لبنان، كان الخبر اللبناني جزءاً أساسياً من المؤتـــمر الصـــحافي الــيومي للناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن حيث أقمتُ في تلك الأيام.
وجاء تفجير مقر المارينز في بيروت عام 1983 ما أسفر عن مقتل 241 أميركياً و58 فرنسياً، وانسحبت القوات الدولية، وبدأ الخبر اللبناني يتراجع تدريجياً في مؤتمر الناطق باسم الخارجية حتى جاء يوم لم ترد فيه أية إشارة إلى لبنان وأخباره.
كنا ثلاثة صحافيين عرب أو أربعة ووقفنا عند باب الخروج وسألنا الناطق عن لبنان. وهو ردَّ: لبنان؟ مَنْ هي؟
ليس اللبــناني وحده، وإنما كل عربي، يعتقد أنه هبة الله إلى العالم وأن شــعوب الشــرق والغرب تفيق على ذكره وتنام.
عندي صدمة للعربان من مستوى صدمتنا بلبنان في بلاد الأميركان، فقد قرأت أرقاماً عن الموسوعة الإلكترونية ويكيبيديا عام 2012 تظهِر أن العربان خارج الحسبان، يا عم حميدان، فهم ليسوا آخر ما سأل عنه الناس، وإنما تظهِر الأرقام مئات ملايين الدخول على ويكيبيديا من دون أي سؤال عن العرب، أو ذلك الديك المغرور الذي يعتقد أن الشمس تُشرق لتسمع صياحه.
الإنكليزية هي الطاغية في الدخول على ويكيبيديا حتى أن الرقم 10 وهو الكتاب «ألعاب الجوع» عن وضع فقر مدقع في أميركا المستقبل سجَّل 18.431.626 طلباً، ما يزيد أضعافاً على مجموع المواقع العشرة الأولى بالعربية. وفي قائمة اللغة الإنكليزية، كأكثر لغات الأرض بما فيها العربية، نقرأ طلب مواقع إلكترونية أخرى من نوع غوغل وفايسبوك ويوتيوب، وأفلام وبرامج تلفزيونية.
العرب لم يكونوا في وارد مستعملي ويكيبيديا باللغة الإنكليزية أو أي لغة أخرى، فهؤلاء وجدوا أشياء أهم مثل فرقة «وان دايركشن» وهم خمسة مغنين إنكليز، احتلوا الموقع الرابع بالإنكلـــيزية، كما فعـــلوا في لغـــات عـــدة، ومثلهم الفيلم «50 ظــلاً للرمــادي» وأفلام أخرى. بل إنهم اهتموا بقــبيلة مايا وتــوقعها نهاية العالم في 21/12/2012 وأهملونا.
رصــدت بكل اللغات أول عشرة طلبات دخول على ويكـــيبيديا، وأول مئة طلب بالعربية، ولم أفهم الياباني والصيني والعبري المكتوب بتلك اللغات، إلا أنني قرأت ما يكفي لصدم الغرور العربي مرة أخرى، فأكبر بلد مسلم في العالم وهو إندونيسيا اختار مواقع التواصل الاجتماعي وأفلاماً محلية. أما تركيا حــيث الحكــم الإسلامي نمــوذج راقٍ قصرت عنه الأنظمة الإسلامية العربية فقد اختار الناطقون بلغتها أتاتورك وأفلاماً، بل لاعب الكرة رينالدو، ونسوا جيرانهم العرب.
ويظل ما سبق أفضل من أول عشرة اختيارات إيرانية، فالإيرانيون تحت حصار وعقوبات، والقائمة تبدأ بتهران (بالتاء لا الطاء) وإيران ونوروز ثم تكمل بأربعة مواقع جنسية لن أحاول شرحها خشية الخطأ، ثم لأن الكلمات قبيحة ولا تُنشر عادة في الإعلام العربي.
الإيطاليون شملت اهتماماتهم لاعب الكرة ليونيل ميسي، وفريق جوفـــنتس، والنروج جعلت المغني المراهق جستن بيبير في المركز السابع، ورفعته الدنمارك إلى المركز السادس. والإنكليز اهتـــموا بفــرقة «وان دايركشن» التي رفعـــت أداء شــركة ســوني في الولايـــات المتـــحدة. ووجـــدت اهتماماً عاماً بالألعاب الأولمبية وبطولة أوروبا في كرة القدم.
قائمة المئة العربية ضمت كل شيء، الدين والدنيا، شخصيات تاريخية مثل الفاروق عمر، كانت موضوع مسلسلات تلفزيونية، والدكتور محمد مرسي وخصومه في الانتخابات، وكاظم الساهر وأحمد شوقي ومثلث برمودا. وكان هناك حب (88) وجنس (95)، ما يعني أننا أقل اهتماماً بهذه الأمور من المكبوتين الإيرانيين.
غير أن النقطة الأهم، بكل اللغات غير العربية، أن ألف شيء مهم، ولكن العرب ليسوا بينها.
إعلان طلب مسؤولين لدولة!
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
هل من الممكن لبعض الجمهوريات العربية التي تعاني من مشاكل في الإدارة السياسية والحكومية الآن أن تفكر بشكل غير تقليدي لحل هذه الإشكالية؟ أقترح أن تعلن هذه الأنظمة في إعلان تلفزيوني وفي الصحف عن طلبات وظائف لشغر مناصب عليا في الدولة بدءا من رئيس جمهورية إلى رئيس حكومة، لوزراء، لعقول اقتصادية، وخبراء علم اجتماع سياسي، ومغتربين ومثقفين ونخبة فكرية وأخرى سياسية! ومن الممكن أن ينص الإعلان عن المواصفات المطلوبة في الشخصيات التي يمكن أن تشغل هذه المناصب، ويمكن - على سبيل المثال - وليس الحصر تحديد أهمها:
أولا: أن يكون المتقدم من الشباب بحيث لا يكون منتميا إلى عهود سابقة.
ثانيا: أن يكون حاصلا على شهادات عليا من جامعات أجنبية وليس جامعات عربية.
ثالثا: أن يكون معدل ذكائه فوق الشريحة العليا الوسطى على الأقل.
رابعا: أن يقدم تقريرا صحيحا مدققا عن ثروته الشخصية وثروة عائلته ومصادرها المدققة.
خامسا: أن يكون قد سافر في حياته 50 دولة على الأقل وله شبكة علاقات دولية في مجال تخصصه لا يقل عددها عن 100 شخصية ذات قيمة ومكانة.
سادسا: أن ينجح في الاختبارات النفسية الخاصة بردود الفعل والثبات الانفعالي وألا يكون في طفولته قد قتل قطة أو عذب كلبا أو يعشق إطفاء السجائر في صدور زملائه في الدراسة!
سابعا: ألا تكون لديه نقطة ضعف تجاه كأس أو سيجارة أو نزوة شخصية!
ثامنا: أن يكون متفقها في الدين بلا تطرف فاهما السنة النبوية المطهرة.
تاسعا: أن يخوض اختبارا دوليا أمام قضاة متخصصين في علم مخاطبة الرأي العام وينجح في القدرة على السيطرة على أعصابه أمام أكثر الأسئلة استفزازا في العالم.
عاشرا: أن ينجح في اختبار جهاز كشف الكذب خاصة في الإجابة عن سؤال:
هل كذبت وهل تفكر في استخدام الكذب وأنت تتولى المسؤولية العامة؟
الفكرة، رغم جنونها، نجحت وأثبتت نفسها في هيكلة الشركات الخاصة في العالم العربي، بحيث يكون رئيس مجلس الإدارة أميركيا، والمدير العام ألمانيا، والإدارة من الهند، والعمال من دول العالم الثالث! ماذا لو كانت جمهورية عربية يرأسها رئيس فنلندا، وترأس حكومتها مستشارة ألمانيا، ووزير خارجيتها فرنسي، ووزير اقتصادها محافظ البنك المركزي البريطاني، ووزير العمل فيها صيني، ووزير الداخلية فيها سويدي، ووزيرة الشؤون الاجتماعية فيها أميركية، ووزير الصحة كندي، ووزير التعليم ياباني؟! فكروا بعمق في الاقتراح لعل وعسى!
وصفة لتحجيم شعبية الإسلاميين
حمد الماجد عن الشرق الأوسط
شعبية الإسلاميين لا تخطئها العين في كل الدول العربية، وهي شعبية بنت عليها الحركات الإسلامية مشاريع وصولها للسلطة عبر الانتخابات الرئاسية والتشريعية في دول الربيع العربي، وبما أن سيف الإسلاميين سبق عذل الحكومات في الدول التي وصل فيها الإسلاميون إلى السلطة، فيبقى القلق في بقية الدول العربية التي سال لعاب الإسلاميين فيها لتكرار الانتصار فيها إذا نظمت فيها أي انتخابات.
بمقدور الحكومات الخليجية أن تحجم شعبية الإسلاميين، لأن هذه الشعبية ليست بسبب نجاح برنامجهم في الحكم، فهم لم يختبروا اختبارا حقيقيا، باستثناء تجربة تركيا الناجحة وتجربة السودان الفاشلة، بل شعبيتهم استندت كثيرا على إخفاق الأنظمة الاستبدادية التي كانت تحكم، بدليل أن الانتخابات الرئاسية المصرية حين أفرزت تصفياتها النهائية تنافس المرشحين مرسي وشفيق، كان خيار شريحة ليست قليلة في الشعب المصري الرئيس مرسي، ليس حبا في الإخوان، ولكن كرها في فلول نظام مستبد فاسد وفاشل ومصادم لتدين الشعوب، حتى أن بعض الذين أعطوا أصواتهم للرئيس مرسي بسبب برنامجه المشبع بالمرجعية الإسلامية، أبدوا قلقهم من أن تجربة الإخوان السياسية مختزلة في المعارضة والسجون والملاحقات والاعتقالات.
بمقدور الحكومات الخليجية أن تتقرب أكثر إلى شعوبها عبر محاربة الفساد، وتوسيع المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الدولة، وتغيير السياسة الإعلامية نحو المحافظة، وهو محور حديثي اليوم. ثمة حاجة ماسة وملحة إلى أن تراجع الدول الخليجية سياستها الإعلامية لتكون وسائل إعلامها الرسمية وشبه الرسمية أكثر محافظة، ولا تعني المحافظة أسلمتها وتكثيف برامجها الدينية، بل نتحدث عن الحد الأدنى من الحشمة الأخلاقية والفكرية. ما علاقة السياسة الإعلامية بشعبية الإسلاميين؟ العلاقة واضحة، فالشعوب تنفر تجاه أي مادة إعلامية مخلة سواء كانت أخلاقية أو فكرية، وتظن أن الحل بيد المعارضة الإسلامية، فمبادرة الحكومات الخليجية إلى تصحيح أوضاعها الإعلامية تعتبر ضربة استباقية تقلل من وهج نقد الإسلاميين للإعلام الخليجي والذي يلقى قبولا بين شعوبها، وسببا لتقبل برامجها والتصويت لمرشحيها.
والذي يظن أن تفلت الإعلام من القيود سيساهم في ترويج فكر الانفتاح مخطئ، فقد أصر نظام مبارك على مصادمة التدين الفطري لشعبه فرفض أن يسمح لمحجبة أن تكون مذيعة في بلاد الأغلبية الساحقة من سيداتها في القاهرة محجبات، فما بالك في المحافظات الأكثر محافظة؟! فلم تفلح هذه السياسة قط بل أعطت مردودا عكسيا، وفي تركيا استخدم الجيش التركي المتطرف هراوته لفرض التبرج في الدوائر الحكومية والجامعات عشرات السنين، والمخرجات رئيس البلاد ورئيس الحكومة إسلاميان بزوجتيهما المحجبتين.
معنى استدعاء عبد الناصر
عبد الحليم قنديل (كاتب مصري) عن القدس العربي
عبر عامين من تاريخ بدء الثورة المصرية الأخيرة، لفت نظر المراقبين ذلك الإقبال الهائل على زيارة ضريح جمال عبد الناصر فى منطقة 'كوبري القبة' بالقاهرة، وهو إقــــبال عفوي تماما، لا تنظمه أي جهة أو جماعة أو حزب ناصري، ويمتاز بكثرة غالبة من الشباب الذين ولدوا بعد سنوات طويلة مضت على رحيل القائد العظيم.
وتبدو الظاهرة مطردة، وتصل إلى ذروتها في تواريخ ميلاد عبد الناصر ووفاته وذكرى ثورة 1952، وهو ما راجت معه عملية شعبية عفوية تماما، تعيد طبع صور عبد الناصر، وترفعها مع علم مصر فى مظاهرات الثورة المتصلة، وعلى خيام الاعتصامات في ميدان التحرير وأمام قصر الرئاسة، وقبلها، كانت صور عبد الناصر هي الأكثر شيوعا في مظاهرات الثمانية عشر يوما التي خلعت مبارك من الحكم، ولم تظهر وقتها صور لزعيم مصري تاريخي آخر، فوق أن أغنيات ميادين الثورة كانت كلها تنتسب إلى عصر عبد الناصر، وبدت كأنها تنتسب للحظة الثورة الأخيرة، أو أنها كتبت لها بالذات، ومن نوع أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة 'كلنا كده عايزين صورة'، 'واللي هيطلع م الميدان ـ عمره ما هيبان في الصورة'.
تنطوي الظاهرة على مفارقة لأول وهلة، فقد اتصلت الحملة الرسمية لتشويه جمال عبد الناصر على مدى أربعة عقود، ومنذ أن أطلقها السادات عقب حرب 1973، وبدت الحملة المنظمة جاذبة لأطراف من داخل مصر وخارجها، فقد شارك فيها الراعي الأمريكي لانقلاب السادات فمبارك على خط عبد الناصر، ومولتها مليارات البترو ـ دولار، وعملت في خدمتها قوى وعناصر اليمين الديني واليمين الليبرالي، وبدا كأن الكل اجتمعوا على تحطيم صورة عبد الناصر، ومحوه تماما من التاريخ المصري والعربي، ثم فاجأتهم قوافل صور عبد الناصر في ميادين الغضب، تماما كما فاجأتهم الثورة المصرية الأخيرة، والتي تتوالى موجاتها العفوية في عناد وإصرار، وتكتسح في طريقها كل قوى الثورة المضادة، سواء التي انتسبت إلى إدارة مبارك مباشرة كمجلس طنطاوي وعنان، أو التي بدت بعيدة عن إدارة مبارك، لكنها تحمل ذات الجينات الكارهة لمعنى الثورة الحقيقي، وتدعي انتسابا زائفا للثورة كقيادة جماعة الإخوان، وتلعب دور 'حصان طروادة'، وتخون الثورة باسم الثورة، وتمتلئ حقدا وغلا ضد جمال عبد الناصر، وضد ثورة 1952 التي أعادت سيرتها في ثورة 2011، وبذات الأحلام والمطامح في 'العيش والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية'.
وأقرب تفسير لحالة الحنين المتنامي إلى عبد الناصر يبدو ظاهرا جدا، فالثورة المصرية الأخيرة ولدت بلا قيادة مطابقة، واستدعاء صورة عبد الناصر تعبير رمزي عن الحاجة إلى قيادة، ولا يوجد في التاريخ المصري الحديث اسم أكثر جدارة من معنى عبد الناصر، فهو يلخص رحلة كفاح وطني طويلة، تدافعت على طريقها أسماء وعلامات كأحمد عرابي ومصطفى كامل وسعد زغلول ومصطفى النحاس، ووجدت تتويجها في ظاهرة عبد الناصر الاستثنائية الفذة، والتي كانت خلاصة تطور الوطنية المصرية في ارتباطها الشرطي بالقومية العربية، وأحدثت قطيعة مع عصور الذل والهوان، وأزالت صور الاستعمار البريطاني ـ الفرنسي القديم عن مشرق الأمة ومغربها، وفي خلال عشر سنوات فقط على قيام ثورة 1952، ثم حولت مصر إلى قلعة حقيقية للنهضة في العالم المعاصر خلال العشر سنوات التالية، فقد كانت مصر رأسا برأس مع كوريا الجنوبية في معدلات التقدم والتصنيع والاختراق التكنولوجي، وبعد أربعين سنة من الانقلاب على تجربة عبد الناصر، خرجت مصر من سباق العصر بالجملة، ونزلت من حالق إلى الفالق، وصارت رأسا برأس ـ أو قل ذيلا بذيل ـ مع بوركينا فاسو على مؤشر الفساد الدولي، فوق أن مصر عادت إلى القيد الاستعماري من جديد، واستبدلت الاستعمار الأمريكي الراهن بالاستعمار البريطاني القديم، وهــــو الواقع المرير الذي لا يـــزال قائما حتى بعد الثورة المصرية الأخيرة، وتكرسه جماعة الإخوان بعــــد زوال حكم جماعة مبارك، وتعمل كوكيل محلي للاستعمار والهيمنة الأمريكية، وهو ما يفسر الحنين الشعبي المتزايد إلى جمال عبد الناصر، وهو ـ في جوهره ـ حنين إلى نصرة الثورة الأخيرة المغدورة، وميل إلى فهم محنة الثورة بغياب قيادة من طراز جمال عبد الناصر.
وبالطبع، فنحن لا نشتري الثورات من السوبر ماركت، فالثورة التي تناسبنا حدثت وتحدث، ومتأثرة بأحوال مجتمعاتنا، وقد ولدت الثورة الأخيرة هكذا، وبطاقة دفع شعبي تلقائي من آبار الغضب المخزون، وكان دور المبادرين مفهوما، فقد رفعوا الغطاء عن آبار الغضب، ودون أن تتوافر قيادة مطابقة لفيض غضب تدفق إلى الشارع بملايين الناس، وهذه سمة ظاهرة في الثورات العربية الحالية، أقول أنها سمة وليست عيبا بالضرورة، صحيح أنها تجعل رحلة الثورة أطول وأصعب، ولا تجعل قطوفها دانية عند طرف الإصبع، وتجعل احتيال قوى الثورة المضادة على الثورة يبدو أسهل، ولكن إلى حين، فالفجوة متسعة بين طبع طلائع الثورة العفية وأحوال المجتمع المنهك، والبروفات الانتخابية الأولى تعكس حال المجتمع المنهك، وهو ما قد يصيب الثوريين بإحباط مفهوم الدواعي، لكن هذا الإحباط ذاته، يعود فيلعب دوره كقوة دفع ثوري بامتياز، وهكذا تتكرر موجات الثورة، أي استدعاء الميادين لمدد متجدد من آبار الغضب، ومع كل دورة يتغير وعي المجتمع المنهك، ويصبح أكثر استعدادا لتقبل فكرة الثورة، وهو ما يجري مع دورات انتخابات واستفتاءات تالية للتجربة الأولى، وهكذا إلى أن نصل إلى تقارب فتطابق بين إرادة الثوريين والوعي المضاف لحال المجتمع المنهك، وقتها تتكون قيادة من نوع مختلف، قيادة تجتمع أطرافها على كلمة الثورة، وتحظى بدعم طوعي غلاب من المجتمع المنهك الممزق، وعلى طريقة 'إيزيس' في الأسطورة المصرية القديمة، والتي راحت تجمع أشلاء زوجها وحبيبها 'أوزوريس'، وتصنع منها جسدا واحدا متحدا، تعيد إليه الحياة، وتحمل منه لتلد 'حورس' رمز مصر الجديدة، وتلك سيرة تختلف عن سيرة وتكون قيادة جمال عبد الناصر، لكنها تحمل ذات المعنى والمغزى الكامن في ظاهرة الاستدعاء الشعوري لجمال عبد الناصر، والتسابق إلى زيارة ضريحه.
3 - أوباما و"الإخوان" علاقة جيدة... و"أجندة"؟
سركيس نعوم عن النهار اللبنانية
لا تنطلق المعارضة المصرية في اتهامها "الإخوان المسلمين" بالتنسيق مع أميركا في معظم المواقف التي اتخذها رئيس الجمهورية المنتمي اليهم محمد مرسي من تحليلات ومعطيات ناقصة، بل من معلومات دقيقة عن اللقاءات التي أجراها في واشنطن "الإخواني" البارز الدكتور عصام الحدّاد في اثناء بلوغ أزمة "الاعلان الدستوري" الذروة. والحدّاد على ما تلفت "المُعارضة" يقوم حالياً بدور وزير الخارجية الفعلي لمصر. أحد تلك اللقاءات كان مع مستشار الرئيس الاميركي باراك اوباما لشؤون الأمن القومي. وقد ضمّ الى الحداد شخصيات مصرية أخرى وتناول البحث فيه موضوع أزمة الساعة أي "الاعلان الدستوري" في ضوء الاعتراض الشعبي الكثيف عليه في الشارع، والانقسام الحاد الذي أعاد تظهيره داخل المجتمع المصري بين الليبراليين والديموقراطيين والمدنيين من مواطنين مسيحيين ومسلمين وبين الاسلاميين الاصوليين من "إخوان" وسلفيين يعملون في رأي المعارضة لإقامة نظام اسلامي متشدد وان بغطاء ديموقراطي هشّ لا يلبث ان يزول مع الوقت. وفي "عزّ" البحث الدائر أرسل أوباما من يستدعي الدكتور الحداد الى اجتماع منفرد معه لم يشترك فيه مستشاره لشؤون الأمن القومي ولا أي عضو آخر في الوفد المصري. اعتبرت المعارضة خطوة أوباما دليلاً جدياً على تأييده "الإخوان" المصريين، وعلى رغبته في البحث مع ممثلهم في الوفد في حقيقة الأوضاع داخل مصر وفي احتمال تطورها وفي أي اتجاه، كما على رغبته في استطلاع النيات الحقيقية أو بالأحرى المقاصد الحقيقية للخطوة "اللادستورية" التي اقدم عليها الرئيس مرسي. واعتبرت ايضاً ان نوعاً من التفاهم تمَّ في الاجتماع المنفرد المذكور على امتناع الادارة في واشنطن عن التجاوب مع المعارضة المصرية وشارعها المتحرك، وعلى إعطاء الحكم "الإخواني" الفرصة التي يحتاج اليها للانتهاء من موضوع الدستور والاستفتاء عليه بنجاح. طبعاً تمتلك المعارضة المصرية مؤشرات عدة الى الكلام المفصل الوارد اعلاه. لكنها تكتفي بإبداء بعضها لإقناع من لم يقتنع بعد او من يرفض الاقتناع بأن الرئيس مرسي كان متمتعاً في اثناء مواجهته لرافضي "الاعلان الدستوري" والدستور والاستفتاء عليه في الاعلام والشارع بتأييد اميركا أو على الأقل بتفهمها. ففي اثناء "المواجهة" صدر تصريح رسمي اميركي يدعو المعارضين المصريين والمجتمعين في الشارع الى عدم ارتكاب اعمال عنف. ولم يتناول صاحب التصريح "السلطة" بتحذير مماثل. علماً ان قواتها و"ميليشيات" "الإخوان" لم تقصِّر في هذا المجال. وفي اثناء الاجتماع "الاخواني" مع مستشار اوباما للأمن القومي ثم مع أوباما نفسه شدّد الدكتور عصام الحداد على الشعبية الكبيرة لـ"الإخوان المسلمين" في مصر وذلك بابداء شواهد وأدلة أبرزها: انهم ربحوا الاستفتاء الاول، ثم ربحوا الانتخابات التشريعية، وبعد ذلك ربحوا معركة الانتخابات الرئاسية.
هل من دور في العلاقة الجيدة بين "إخوان" مصر وأميركا لموقفهم من معاهدة كامب ديفد والعلاقة مع اسرائيل؟
طبعاً، تجيب المعارضة المصرية. ففي المحادثات المذكورة اعلاه لاجتماعات واشنطن أكد الدكتور الحداد لأوباما ولمساعديه قبله وبعده دور الرئيس مرسي و"جماعته" في "الحل" الذي اوقف تدهور الأوضاع بين غزة واسرائيل، بل المعركة العسكرية التي نشبت بينهما في اعقاب رد الاخيرة بعملية عسكرية قاسية على شعب غزة جراء انطلاق صواريخ منها على اسرائيل. فضلاً عن ان الرئيس مرسي "الإخواني" أكّد لهم، وكذلك مساعدوه وكبار من "جماعته" احترامه التزامات مصر الدولية وتعهداتها والمواثيق ومنها كامب ديفيد أي معاهدة السلام مع اسرائيل. ولا يكفي استعمال "إخوانه" ذريعة عدم تفوهه بكلمة اسرائيل منذ انتخابه رئيساً لمصر أو بعدم ورودها على لسانه للقول انهم لا يزالون على رفضهم هذه الدولة "الغاصبة" والسلام معها وعلى تمسّكهم بحقوق الفلسطينيين. ولا يعني ذلك طبعاً اتهاماً لـ"جماعة الإخوان" بالتخلي عن قضية فلسطين وبالتحوّل نحو اسرائيل. لكنه يعني انها اتجهت نحو الواقعية فقبلت الأمر الواقع رغم مبادئها. ولا أحد يعرف الى ماذا يقودها ذلك مستقبلاً. علماً ان جهات معنية مصرية وغير مصرية اسلامية وسياسية تعتبر ان لـ"الإخوان" "أجندة" تتعلق بمستقبل قضية فلسطين وحلولها تحظى برضى أميركا واسرائيل. ما هي هذه "الأجندة"؟ وبماذا يعلق "إخوانيون" على اتهامات المعارضة التي وردت في سياق الحلقات الاخيرة الثلاث من "الموقف"؟
الإخوان المسلمون .. لايمكن التعايش معهم فهل يستحيل الاستغناء عنهم..؟
د. علي الخشيبان عن الرياض السعودية
ستكون الشعوب العربية ذات الصيغ الثورية والتي تحقق فيها تحوّل سياسي أمام اختبار صعب لكي تستطيع أن تدرك أن منتج الثورة لن يكون مختلفاً عن سابقه كثيرا، كما انه سياسياً لن يكون النجاح مضموناً لتلك الجماعات لمجرد أن عنوان المرحلة التالية للثورات سيكون عنواناً إسلامياً
التحول السياسي في دول الثورات العربية قدم نموذجاً سياسياً جعل من الإسلام مادة للسياسة والمجتمع؛ فالشعوب في دول الثورات تواجه للمرة الأولى الإسلام كنظام إداري يطمح لفرض نموذج لسياسته من جهة، وفرض عقيدة لها تراث مكوّن من آراء وتركيبات وأحكام وفتاوى متفاوتة حول الحياة والمجتمع والسياسة وأصحاب الديانات الأخرى.
تاريخ جماعة الإخوان المسلمين تاريخ دعوي وإرشاد وليس تاريخا سياسيا ذا تشكيلة حزبية دخلت معترك السياسة مبكرا وشاركت فيه..
وفي كل تاريخ هذه الجماعة منذ إنشائها في عهد الملكية في مصر عملت هذه الجماعة على منهج دعوي يقوم على تطبيق العبادات عن طريق الإرشاد والخطب والكتابة إلى المسؤولين وهذا هو الأسلوب الدعوي الإرشادي الذي نشرته هذه الجماعة وتأثرت به تيارات الصحوة الإسلامية في العالم العربي .
الأمر الثاني لهذه الجماعة هو عدم قدرة الجماعة على التعايش مع ثورة جمال عبدالناصر لكون الجماعة في ذلك الوقت أدركت عدم قدرتها على فهم المشاركة السياسية عبر الثورات لذلك كانت المواجهة الدعوية هي منهج جماعة الإخوان مع ثورة عبدالناصر عبر استخدام وسائل جعلت من الإسلام مادة الحرب على النفوذ السياسي، وهذا ما ساهم في تشكيل منعطف أساسي في تاريخ العالم الإسلامي حيث ساهمت هذه الجماعة في تحرير صفة الإسلام من الرؤساء العرب المسلمين تحت ذريعة أنهم يهاجمون الإسلام.
لقد تم تصوير قيادات الجماعة بأنهم ليسوا قادة سياسيين مناضلين من اجل وطن أو قومية، بل لقد قُدم قادة الجماعة تاريخياً على أنهم شخصيات من المحاربين عن منهجهم عبر كسب التعاطف الشعبي عقدياً، مع أن مصر تحديداً يقطنها أكثر المسلمين تديناً؛ فالمصريون وقبل أن يأتيهم الإسلام يقول عنهم المؤرخ هيرودوت"إنهم شعب خائفو الله" ما يدل على تقواهم الدائمة عبر حب العقائد.
الشعوب الإسلامية اليوم تواجه أزمة التفريق بين مادة الدين في هذه الثورات، وبين مادة السياسة في الدين..!
وإذا كانت الثورة الإيرانية وهي مثال يلجأ إليه منظّرو هذه الحركة ومؤيدوها قد عاشت ولو بشكل مؤقت لثلاثة عقود فإن الأسباب التي أدت إلى ذلك لا تتوفر لدى جماعة سنية مثل الإخوان المسلمين، ومن ذلك على سبيل المثال أن فكرة الولاية لدى الشيعة لها منطلقات تاريخية تعتبر الجميع مغتصباً للسلطة السياسية منذ غياب آخر الأئمة، كما أن الشعور التاريخي بالمظلومية ساهم وبشكل مباشر في وضع تصورات واضحة لثورة دينية كما فعل الخميني، وهذه السمات تجعل من مادة الثورة الإيرانية مادة سياسية بدرجة امتياز.
الإخوان المسلمون كمنظمة سنية ليس لها تاريخ واضح في مشروعها السياسي ولكن لديها تاريخ واضح في مشروعها الاجتماعي، وهي لا تستند إلى فكرة سياسية واضحة تاريخياً فهي ضمن تصورات متفاوتة في آليات الحكم التي تطرحها فحتى نظام الخلافة وشكل وآليات اختيار الخليفة الذي تتبناه الجماعة يخضع إلى قراءات مختلفة ومتناقضة في أحيان كثيرة وهذا ما يفسر الانقسامات والانشقاقات التي اعترت مسيرة هذه الجماعة التي تحاول الخروج من كونها جماعة للدعوة والإرشاد إلى كونها حزباً سياسياً يعاني من أزمة تفسير تاريخية كبرى بينها وبين مؤيديها.
هذه الجماعة هي نتاج طبيعي لتحولات تاريخية حدثت في المنطقة العربية خلال بدايات القرن الماضي لذلك فهي تاريخياً أصغر من كونها قادرة على خلق صورة تاريخية مكتملة العناصر حول شكل الخلافة وتجربتها المحتملة نظرا لحداثتها، فحتى مشروعها حول الخلافة لم تستطع أن تطرحه بشكل جريء كما فعلت الثورة الإيرانية الأقرب من حيث التكوين وخاصة أن فكرة الولاية ثابتة تاريخياً بشخوصها بينما فكرة الخلافة منقطعة تاريخياً بالتواتر.
الصيغة الإرشادية التي وسمت بها الجماعة لا تحتاج إلى إثبات فرئيس الجماعة يسمى "المرشد" وهو مرجعية نهائية لذلك فإن الاحتمال السياسي في تجربة الإخوان في السلطة في أي دولة من دول الثورات العربية أو في أي مكان في العالم لن تتعدى احتمالين: إما فرض لأفكار المرشد، أو الاختلاف معه نحو الديمقراطية ما يعني مخالفات واضحة للنظام الأساسي للجماعة.
سياسياً سيكون من الصعب التعايش مع جماعة الإخوان وفقا للطرح القادم من نظام الجماعة وتصوراتها السياسية كما هو موجود في تراثها وذلك ليس لكونهم غير قادرين، ولكن هناك سبب استراتيجي مرتبط بفلسفة الإرشاد والتوعية التي قامت من اجلها الجماعة فهم في السياسة سيواجهون أزمة التوازن بين الإرشاد الموجه والدعوة الموجهة، وبين مسار الديمقراطية الذي يفترض المشاركة.
هل سيكون من الصعب التعايش مع هذه الجماعة..؟ وخاصة من أولئك المختلفين معها عقدياً بسبب طروحات هذه الجماعة وظهورها الإعلامي الذي لم يطرح منتجات مشروع سياسي بعد، بل ركز على قضايا مجتمعية مطروحة بشكل دائم للتداول مثل قضايا المرأة ومشاركاتها السياسية، وموقف آخر يعتمد التراث والأحاديث قد يصادر حق الآخرين في البقاء ليس على الأرض بل قد يتطور إلى رفضهم بقاء مخالفيهم على قيد الحياة أيضا، وقد تفتح على المستوى الاجتماعي في العالم العربي ملفات التصنيف الديني بين الفئات وسيكون تاريخ ما قبل الثورات ميزانا لبراءة الأفراد من عدمها كخصوم سابقين لتلك الجماعات.
المنتج السياسي الإسلامي لمرحلة ما بعد الثورات العربية قد يصبح من المستحيل الاستغناء عنه على المستوى الشعبي وهذا يتطلب أفكارا بارعة لفك عملية التداخل بين ما هو إسلامي عقدي، وبين ما هو إسلامي سياسي.
ستكون الشعوب العربية ذات الصيغ الثورية والتي تحقق فيها تحول سياسي أمام اختبار صعب لكي تستطيع أن تدرك أن منتج الثورة لن يكون مختلفا عن سابقه كثيرا ، كما انه سياسيا لن يكون النجاح مضموناً لتلك الجماعات لمجرد أن عنوان المرحلة التالية للثورات سيكون عنواناً إسلامياً.
سيكون على الشعوب في بلدان الثورات أن تستعد لكل الاحتمالات الممكنة حول مستقبل ثوراتها ولعل الاحتمال الأكثر قرباً للحدوث هو الارتباك المزمن عبر الدوران في مقولة يمكن إيجازها بالسؤال التالي والذي سوف يطرح بشكل كبير من قبل الشعوب والدول يقول السؤال: "هل السياسة قبل العقيدة أم العكس..؟"..
الإخوان المسلمون بين الانشقاقات والسياسة
عبدالله فراج الشريف عن المدينة السعودية
انهماك الجماعة في السياسة على الصورة التي حدثت نفّر منها بعض أعضائها وبالتالي بعض الشعب المصري الذي بدأ يكتشف كثيرًا من الحقائق التي حجبت عنه بالماضي بسبب سرية العمل
حينما قرأت خبر أن المنشقين بعد الثورة في مصر عن جماعة الإخوان المسلمين وجلّهم من شباب الإخوان، الذين عصوا قياداتهم واشتركوا في أول لحظة في الثورة المصرية، تذكرت تاريخ هذه الجماعة، الذي دفعني الإلمام به منذ كنت في مقتبل عمري، وحتى وأنا على مقاعد الدرس، حينما وفد إلينا من أعضاء هذه الجماعة الكثيرون من مصر وسوريا هربًا في الظاهر من اضطهاد يدّعون أنه وقع عليهم في بلدانهم وإعمالاً لأهداف الجماعة في أن تعم دعوتهم العالم العربي والإسلامي، فهم من حين نشأة جماعتهم وهم يماهون بين دعوتهم ودعوة الإسلام، فهما معًا شاملتان عامتان موجهة للعالم كله، فمن أهداف الجماعة في نظامها العام في بابه الثاني (الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة، تعمل لإقامة دين الله في الأرض، وتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف)، ويرون مهمتهم تبليغ الإسلام إلى الناس كافة وإلى المسلمين خاصة، وشرحها شرحًا دقيقًا يوضحها ويردها إلى فطرتها وشمولها، ويدفع عنها الأباطيل والشبهات، ومن الأهداف ما يكشف ما يعتزمون عليه من تغيير في البلدان فهذا الهدف يقول: (تحرير الوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان غير إسلامي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان، والسعي إلى تجميع المسلمين حتى يصيروا أمة واحدة) ولذا لم تكن الجماعة وطنية أبدًا فهي تسعى إلى الأستاذية التي تجمع المسلمين كلهم تحت سلطتها، ولا يكفي هذا بل تجعلهم يفهمون الإسلام بفهمها فأركان البيعة في نظامها عشرة: الفهم، والإخلاص، والعمل، والجهاد، والتضحية، والطاعة، والثبات، والتجرد، والأخوة، والثقة، ولكل واحد من هذه الأركان شرح وافٍ، فالإمام حسن البنا يفسر ركن الفهم بأنه (أن توقن بأن فكرتنا إسلامية صحيحة، وأن تفهم الإسلام كما نفهمه في حدود الأصول العشرين)، التي يسردها ثم يشرحها، فالأمر محكم، لا ينزل فيه شيء دون أن يكون له تعاليم ثابتة، لهذا فالإمام حسن البنا أصدر رسالة تسمى رسالة التعاليم، لتكون دستورًا للجماعة لا يخرجون عنه، والبيعة عندهم أصل لإنشاء الجماعة ونصها: (أبايعك بعهد الله وميثاقه على أن أكون جنديًا مخلصًا في جماعة الإخوان المسلمين، وعلى أن أسمع وأطيع في العسر واليسر والمنشط والمكره إلا في معصية الله وعلى إثرة علي، وعلى ألا أنازع الأمر أهله، وعلى أن أبذل جهدي ومالي ودمي في سبيل الله ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، والله على ما أقول وكيل)، وهذه البيعة ينتج عنها طاعة عمياء في الغالب، يتخلى فيها العضو عن استقلاله الفكري تمامًا، والبيعة في الإسلام لم تكن إلا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولخلفائه من بعده، ولا تكون صحيحة إلا وفق شروط، وليس لغير الحاكم المسلم بيعة ولا حاجة لها، والطاعة التي التزم بها الإخوان لمرشدهم هي ما جعلت كل مستقل الرؤى والفكر إما أن يعزل عن الجماعة أو يتخلى عنها، ولهذا فالعلماء حقيقة بين الإخوان عدد قليل جدًا، وإذا التحق بها أحد منهم لا يلبث إلا قليلاً ثم يغادرها غير آسف، وهذه الطاعة العمياء هي ما جعلت مكتب الإرشاد يتسلط على أفراد الجماعة، بعقوبات صارمة عندما يقع منهم الأخطاء بحسب نظره، وإلى طردهم في أحوال أخرى، والمغادرون لجماعة الإخوان عدد كبير منذ إنشائها حتى اليوم وتجددت الانشقاقات عنها بعد وصولها للحكم، لما ظهر من تناقضات شديدة في مواقف الجماعة، وكان المنشقون أكثر أعضائها بروزًا وعقلانية، فبعد أن انهمكت الجماعة في السياسة ظهر أنها لم تختلف عما سبقها في الحكم، رغم تكرر الإنكار من رموزها، وزاد الأمر نفرة أن وصل إلى مكتب الإرشاد من يؤمنون بفكر سيد قطب المعترَض عليه لإحيائه فكرة الخوارج فيما دعا إليه من الحاكمية والحكم بجاهلية مجتمعات المسلمين، ويتوقع المحللون أن تتزايد الانشقاقات ما لم تتغير تشكيلة مكتب الإرشاد الحالي، فانهماك الجماعة في السياسة على الصورة التي حدثت نفّر منها بعض أعضائها، وبالتالي بعض الشعب المصري الذي بدأ يتكشف كثيرًا من الحقائق التي حُجبت عنه في الماضي بسبب سرية العمل في هذه الجماعة، والمقالة لا تكفي لأتحدث عن نظام الجماعة الذي من قرأه لن يبقى على ودٍ معها، ولكني أعجب لبعض مثقفينا الذين يدافعون عن جماعة الإخوان المسلمين أكثر من أعضائها المنتسبين إليها، وهم لم يقرأوا عنها شيئًا، رغم أن نظمها ومذكرات من انتسبوا إليها متاحة، ولكن كالعادة فلدينا مثقفون يتحدثون عما لا يعرفون، ويزاد عجبي من أخوة لنا ينكرون أن بين السعوديين من هو منتسب للتنظيم العالمي للإخوان، رغم أن من وفدوا من إخوان مصر وسوريا إلى بلادنا منذ الثمانينيات الهجرية وما بعدها، قد أنشأوا خلايا إخوانية من السعوديين الذي كانوا حينذاك على مقاعد الدرس، وكثير منهم حتى اليوم يذكرون من يعتبرونهم مشائخ لهم منهم ونعرف منهم من كان في إدارة تنظيم الجماعة العالمي، كان يغادر البلاد كل عدة شهور لحضور الاجتماعات، وأظن أن بعض إخواني من أمثالي الذين عرض عليهم الإخوان فكرهم وحاولوا أن يضموهم إلى خلاياهم، فلما رفضوا حاولوا بشتى السبل تتبعهم بالأذى، وحماهم الله من شرورهم، ولكنهم عرفوا أعيانهم ومن خدعوهم من إخواننا فضموهم إلى جماعتهم، واليوم نرى غضبهم عظيمًا كلما انتقدنا الإخوان، وتراهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوزعون التهم على كل منتقد للإخوان ليثبتوا لنا أنهم الإخوان الأوفياء لجماعتهم ولعلي أعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى قريبًا.. والله ولي التوفيق.
جماعة المقطم.. وجماعة سوريا
رامي جلال عامر عن المصري اليوم
بعد الزلزال الأخير اجتمعت رموز حارة «بعجراجر» فى بيت زقزوق العجلاتى لبحث آخر المستجدات على الصعيد والوجه البحرى.. موجود زقزوق، والحاج صالح، وأبوسمير، وعاشور أفندى.
يتساءل أبوسمير: «وتفتكروا لسه فيه بصيص أمل؟».. يرد عاشور: «آه فيه بصيص بطعم الشطة، ينفع؟».. يصرخ زقزوق: «لا يا عم، أنا بواسيرى مش ناقصة من ساعة الاستفتاء».. فيرد الحاج: «فعلاً البلد حالتها صعبة، دى شقتنا قربت تعلن إفلاسها، بعنا العفش ومقابض الباب وألواح السرير، مش باقى غير البت (شربات)».. يرد عاشور: «ودى مين يشتريها دى؟».. يقول الحاج: «فيه شيخ قطرى متكلم عليها، بس أنا أفضل أقطعها وأبيعها خردة أحسن».. يقاطعه أبوسمير: «حلو قوى، إنت عارف بقى يا حاج صالح إنى أنا وأم سمير ربنا مرزقناش بعيال ونفسنا من زمان نتبنى حتة عيل، فلو إنت هتقطع (شربات) أبقى أديلنا حتة علشان نتبناها».. ينبهه عاشور: «لا يا حاج صالح متعملش كده، دى تبقى خصخصة وإهدار مال، أحسن تديهالوا حق انتفاع ويرجعها بعد كده مفيهاش حاجة سليمة، أو تخربها بطريقة الصكوك».. يقول الحاج: «كلام معقول برضه، عموماً كفاية اجتماع كده، أنا تعبت، يالا يا زقزوق نلحق الصلاة».. يقول زقزوق: «لأ أنا هشتغل شوية».. يعنفه الحاج: «لا خير فى عمل يلهى عن الصلاة يا ابنى».. يرد عليه: «يا حاج صالح لازم أنفخ العجلة علشان تدور شوية، حتى الإستبن مش نافع معاها، وبعدين كفاية الريس بيصلى».. يقول الحاج: «يا ابنى هو الرئيس هيعمل إيه ولا إيه؟! وبعدين الراجل مش قاعد معانا غير تلات سنين ونص».. يرد أبوسمير: «ليه وهو إحنا هنكمل معاه! ده إحنا قربنا نخلص، مش فاضل لنا غير قطرين وعمارة وتلات اعتصامات».. يقول زقزوق: «يا جدع ماتخافش، مصر ولادة برضه».. يتساءل عاشور: «ولادة إزاى يعنى؟!».. يوضح زقزوق: «يعنى بتشتغل داية وتشد العيال ع القسم عشان يحرموا يعملوا كده تانى؟!».. يتعجب عاشور: «وهو إنت يا حاج صالح هتنهى الاجتماع من غير ما نناقش الوضع فى سوريا، دول بيقولوا الأسد مزنوق قوى».. يتساءل الحاج صالح: «وفين الجماعة تخفف عنه؟».. يقول أبوسمير: «الجماعة فى المقطم».. يرد الحاج: «لأ مش الجماعة دى، أقصد مراته يعنى».. يرد عاشور: «أكيد مشغولة فى المطبخ السياسى السورى بتعمل فتوش».. يقول أبوسمير: «طيب وهنعمل إيه فى موضوع الدولار المجنون ده؟».. يتساءل الحاج صالح: «هو إنت قلت لى الجماعة عاملة إيه؟!».. يرد زقزوق: «ما قال لك بتعمل فتوش».. يقول الحاج: «لأ أقصد الجماعة بتاعة المقطم».. يرد عاشور: «حيرتنا معاك يا حاج، إنت تقصد جماعة المقطم ولا جماعة سوريا؟».. يرد الحاج صالح: «ماتفرقش، ما هم واحد!!».
مرة* أخرى*.. تحية* للجزائر
صالح عوض عن الشروق الجزائرية
جهاز المخابرات الأمريكية "أف بي آي" يريد أن يمارس سلوكه المتبع في باكستان وتونس والصومال وليبيا وقطر ودول الخليج وإماراته وغيرها من بلاد العرب والمسلمين.. فوجدها فرصة بعد أحداث عين أم الناس ليطلب المجيء إلى الجزائر والقيام بتحقيقات أمنية وتكوين ملف أمني عن الأوضاع.. الأمريكان، لم يخطئوا الحسابات في الموضوع، إنهم لا ييأسون من محاولاتهم الدؤوبة لجس النبض علهم ينجحون في إلحاق الجزائر بكثير من الدول العربية.. فكان رفض الجزائر سريعا لهذا الطلب
المدغول.. هنا، لا بد أن نشير إلى أشكال من التذلل العربي للأمريكان، إلى درجة أن يسمح الحكام للأمريكان بقصف أبناء البلد، كما يحصل في اليمن، وأن يقبل البعض أن يتحرك الأمريكان من أرضه لتدمير دولة عربية، وأن يستقدم البعض الأمريكان لإقامة قواعد عسكرية على أرضه، ويقوم هو بالإنفاق عليها.. وهنا لا بد أن نسجل ملاحظة في غاية الأهمية فيما يتعلق بسياسة الجزائر الخارجية، والتي لم تبرح مبادئ ثورتها المباركة القائمة على حق تقرير المصير بالنسبة إلى الشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ودعم حركات التحرر الوطنية، ورفض الدخول في المحاور الدولية.
في أكثر من منعطف، كان للجزائر موقف متميز نبيه، لم يتبدل، ولم يتغير. ففي الملف الفلسطيني، كانت الجزائر، ولا زالت، متمسكة بموقفها المؤيد والمساند لكل الجهود المبذولة لاسترداد الحق الفلسطيني. ولم تتردد في أداء التزامها السياسي والمادي. ولا زال موقفها بنقائه أكثر وضوحا وصفاء وقوة من كثير من أطراف فلسطينية.. ولم تساوم على الملف الفلسطيني، بل لعل كثيرا من أزماتها الداخلية والخارجية جاءت جراء موقفها الواضح الثابت من الموضوع الفلسطيني.. والأمر لا يقف عند حدود هذا الموقف، والمقام هنا لايتسع لذكر عشرات الأدلة التي تجلي موقفا متميزا غير متردد في سياق عام انتهجته الجزائر. ويكفي أن نضرب مثلا بخصوص حرب البوسنة والهرسك حيث حرضت أمريكا المسلمين هناك للقيام بتمرد ضد الدول المركزية العنصرية. وكان القصد الغربي والأمريكي من ذلك تدمير دولة صناعية متقدمة- يوغسلافيا- تختلف منهجيا مع الرأسمالية الغربية.. في تلك المرحلة، كانت الجزائر تحتاج للدعم الغربي والأمريكي في مواجهة أوضاعها الداخلية الصعبة، إلا أن المبدأية ظهرت من جديد، ولم ترحب الجزائر بتفسيخ يوغسلافيا، الدولة المستقلة.
الآن، امتحان جديد للدبلوماسية الجزائرية، ولصناع القرار الجزائري. والآن، نصر جديد لهما أيضا.. رفضت الجزائر عرض الحلف الأطلسي بمساعدة الجزائر في ملاحقة "الإرهابيين".. وترفض الجزائر اليوم طلب المخابرات الأمريكية بالمشاركة في التحقيقات.. ونسي المسؤولون الأمريكان أنه قبل عدة أعوام، عندما أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستخضع الجزائريين المسافرين إلى الولايات المتحدة لأنواع من التفتيش المذلة، فما كان من الجزائر إلا أن أعلنت أنه ستنفذ سياسة التعامل بالمثل، وستخضع الأمريكان القادمين إلى الجزائر للإجراءات نفسها.. حينذاك،* تراجعت* الإدارة* الأمريكية* عن* إجراءاتها* بخصوص* الجزائريين*.
إنه* يحق* للجزائريين،* ولكل* الأحرار* والشرفاء* في* الأمة،* أن* يفتخروا* بمواقف* الجزائر* الدولية* والإقليمية*.. وهي* بشكل* أو* بآخر* تعتبر* معيارا* صحيحا* للسياسة* الخارجية،* وحمى* الله* الجزائر*.