Aburas
2013-02-04, 11:01 AM
<tbody>
اقــلام واراء عربي
(306)
</tbody>
<tbody>
الأحد
27/01/2013
</tbody>
<tbody>
</tbody>
<tbody>
أقلام وآراء عـــــــــــــربي
</tbody>
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
في هذا المــــلـــــــــف:
هل هنالك فرصة؟
نبيل عمرو عن الشرق الأوسط
المصالحة مجدداً
بركات شلاتوة عن دار الخليج
68 عاما على صناعة "الهولوكوست اليهودي"..؟
نواف الزرو عن العرب اليوم
ضعـف نتنياهـو يـريح واشنـطن
حلمي موسى عن السفير اللبنانية
أوباما ونتنياهو ورسائل العقاب
محمد السعيد ادريس عن دار الخليج
الكنيست 19 وخيارات نتنياهو
عوني صادق عن دار الخليج
الثابت والمتحول في الانتخابات "الإسرائيلية"
علي جرادات عن دار الخليج
إسرائيل أيضا صارت لديها أزمة الهوية
حسام الدجني عن القدس العربي
جدول المصالحة.. والتجارب السابقة
علي الطعيمات عن الوطن القطرية
ملك إسرائيل الجديد ؟
لميس اندوني عن العرب اليوم الأردنية
هذا هو «عطا الله».. نتنياهو: مقبرة واحدة
رشا ابي حيدر عن السفير اللبنانية
عملاء الصهاينة
ناصر منذر عن الثورة السورية
«فبركات» إعلام إيران عن «الإخوان»
عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
الخليج ومصر: الاحتضان أم الدفع إلى الحضن الإيراني
خالد الحروب(أكاديمي فلسطيني) عن الحياة اللندنية
العلاقات الإخوانية الناصرية من الأربعينات إلى وفاة ناصر (1من2)
د. كمال الهلباوي(كاتب مصري) عن القدس العربي
الأميركان والدور الإيراني؟
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
أوروبا والإسلام السياسي
موفق محادين عن العرب اليوم
مـا هـي مقاربـة جـون كيـري حيـال سـوريا وإيـران؟
جو معكرون عن السفير
«طلبنة» سوريا و«أخونة» المنطقة
رأي البيان الإماراتية
أيتام على موائد اللئام
جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
لا تفعلوا مثل مبارك
عمرو الشوبكي عن المصري اليوم
هل هنالك فرصة؟
نبيل عمرو عن الشرق الأوسط
الملك عبد الله الثاني، قرأ في التطورات الجارية في المنطقة وبشأنها فرصة موضوعية، لبدء حركة سياسية تكسر الجمود القاتل الذي يسيطر على ما كان يسمى بعملية السلام.
هذه الفرصة تتوفر من خلال احتمال تفرغ الإدارة الأميركية المتجددة تحت قيادة الرئيس باراك أوباما، لمعالجة الملف الشرق أوسطي ومفتاحه المسار الفلسطيني – الإسرائيلي.
وقد تتوفر بعد الانتخابات الإسرائيلية، أن يضطر نتنياهو إلى تأسيس تحالف حكومي مع قوى اليسار والوسط - على صعوبة ذلك - ثم من خلال الإشارات الأوروبية وخصوصا الفرنسية والبريطانية والمؤيدة من ألمانيا وأميركا، التي تنبئ عن استعداد أوروبي لبدء محاولة جديدة لفتح الملف، إذ إن أوروبا ترى خطرا مباشرا من خلال تواصل التدهور في العملية السياسية على نحو يهدد حل الدولتين بالانتهاء لمصلحة اللاحل الذي يفتح أبواب المنطقة والعالم على أخطار أكيدة، وما يجري في مالي على حدود الجزائر أحد البراهين على ذلك.
كذلك يهتم العالم وطليعته أوروبا، بالحل السياسي على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، من أجل إنقاذ استثمار متعثر كلف أوروبا مليارات الدولارات، على مدى العشرين سنة الماضية، وفي حال استمرار الوضع على خط التدهور فإن الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى نزف مليارات أخرى دون محصلة سياسية، إذ إن أوروبا التي هي الممول الأول للمشروع السياسي المسمى بعملية السلام على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي تجد نفسها منزلقة في عمل خيري أكثر منه سياسيا، في حين أن رهانها منذ أول يورو دفعته كإنفاق على مشروع السلام كان سياسيا واستراتيجيا، يهون كل بذل مادي من أجل إنجاحه.
ولا يغيب عن حسابات أوروبا ومن ورائها قوى جدية في الولايات المتحدة، واقع الطرفين الأساسيين في معادلة الحل وهما الإسرائيلي والفلسطيني؛ فالإسرائيلي المتجه بقوة نحو اليمين المتشدد، والذي يجد نفسه تحت تأثير سطوة غير مسبوقة للمستوطنين الذين لا يشبعون من القضم اليومي للأرض الفلسطينية، هذا الإسرائيلي وخلال سنوات قليلة قد لا تتجاوز الأربع، سيفرض على الأرض واقعا يصعب هضمه أو احتواؤه في أي عملية سياسية فيها بعض التوازن المعقول، لذا فإن هذا الاتجاه الإسرائيلي المغامر والمدمر بات بحاجة إلى فرملة دولية، إن لم تؤدِ إلى بلوغ حل للصراع، فهي تحافظ على الهامش المتبقي لإمكانيات استئناف المفاوضات.
الجهد الأوروبي يلقى تشجيعا قويا من داخل إسرائيل، وحين يظهر بجلاء أنه مدعوم من الولايات المتحدة فإنه سيسهم بصورة جدية في دعم القوى المعتدلة في إسرائيل، كي لا تقع الدولة العبرية وبصورة حاسمة في قبضة اليمين المتشدد وبرامجه الاستيطانية والعسكرية.
أما الواقع الفلسطيني، الذي رغم ضعفه وتعبه الظاهر يظل أكثر تعاونا مع أوروبا، وأكثر استعدادا لقبول مبادراتها، فهو يبدو في جاهزية معقولة للانخراط في أي جهد تقوده أوروبا، خصوصا إذا ما دعم هذا الجهد من الرباعية الدولية التي هي بمثابة المنطقة الحرة للولايات المتحدة.
الفلسطينيون سواء في عهد عرفات أو عهد عباس ورغم كل ما أحاط بمواقفهم من التباس مرده الخطأ في بعض الأحيان، والتضليل الإسرائيلي في معظم الأحيان، قدموا للحل مبادرات وموافقات أكثر بكثير مما قدمه الإسرائيليون، حتى قيل وعلى لسان الرجل الأعقل في هذه الحقبة شيمعون بيريس.. كان خطأ اغتيال عرفات وخطأ أكثر بداهة عدم اعتبار عباس شريكا.
إذن العقل السياسي السليم يتفق مع رؤية الملك الأردني بأن هنالك فرصة موضوعية، إلا أن ما يدعو إلى القلق والخشية هو قلة موضوعية الطبقة السياسية في إسرائيل، التي يعتبر أصحاب القرار الرسمي فيها بناء منزل في معاليه أدوميم أهم ألف مرة من العيش بسلام وأمن مع الجوار الفلسطيني والعربي وعمقه الإسلامي والدولي الأوسع، ويعتبر يمينها الحاكم توجيه كل الأنظار لإيران أكثر أهمية من الانتباه للجار الأقرب الفلسطيني والعربي الجاهز لحل سياسي متوازن، دون أن يسهب في شرح كيف أن مئات المستوطنين في الانتخابات النيابية يمكن أن يقلبوا الميزان الموضوعي لمصلحة ميزان خاص يعتمده اليمين الإسرائيلي ويضعه فوق كل الاعتبارات.
المصالحة مجدداً
بركات شلاتوة عن دار الخليج
بما أن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فإن قطار المصالحة الفلسطينية الذي انطلق بعد موافقة حركة “حماس” على عمل لجنة الانتخابات في غزة، والاتفاق على تشكيل حكومة مستقلين، قد يكون أمامه مشوار طويل وثقيل حتى يصل إلى محطته النهائية، وقد لا يصل، كما حدث في مرات سابقة كثيرة إثر المراوحة والتأجيل والتسويف .
إحدى المعضلات الحقيقية التي يجب التفكير بواقعية لدى التطرق لها، هي الشق الأمني المتعلق بتوحيد الأجهزة الأمنية ودمج أجهزة “حماس” فيها، إذ ترفض الحركة بشكل مسبق انضواء ذراعها العسكرية، كتائب “القسام”، تحت لواء الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، ومن غير المستبعد تصنيفها ل”القوة التنفيذية” على هذا الأساس، وبالتالي رفض دمجها ضمن الوحدات الأمنية والعسكرية الفلسطينية، ما يعني العودة إلى المربع الأول .
وعلى الجانب الآخر، ليس من السهولة دمج الأذرع الأمنية التابعة للسلطة في جهاز واحد لأنها تشكّلت على مدى الثمانية عشر عاماً الماضية، كوحدات مستقلة تعمل بعيداً عن بعضها البعض ويترأسها قادة عسكريون كبار لن يكون من السهل تقبّلهم لفكرة التنازل عن مواقعهم وتسليمها على طبق من ذهب “لجنرالات حماس” .
عدا عن ذلك، فإن الأجواء العامة ذاتها لا توحي بأن هناك دفئاً في العلاقة بين “فتح” و”حماس”، بل على العكس من ذلك، تشير الأحداث الميدانية إلى الاتجاه الآخر التنافري أكثر مما تبشر بأن هناك أجواء إيجابية، خاصة إذا ما تتبعنا الاتهامات المتبادلة على أكثر من صعيد، والاعتقالات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة .
لكن ما يبعث على الغرابة، أن القضايا الخلافية السابقة لم تعد كذلك اليوم رغم أنه لم يطرأ أي تغيير في المواقف، فما مبرر توقيف لجنة الانتخابات عن العمل في غزة، إذا ما تم، في نهاية المطاف، السماح لها مجدداً؟ ولماذا جمّدت مشاورات تشكيل الحكومة قبل أن تنطلق إذا كانت ستبدأ مجدداً من دون أي تغيير؟ ما الذي تغيّر؟
ما يمكن قوله إن ما حدث جاء نتيجة لتغير قناعات الطرفين وتحوّل “حماس” على وجه التحديد إلى البراغماتية بعد أن كانت قد حشرت نفسها في الأيديولوجيا، فضلاً عن المعارك العسكرية والسياسية التي خيضت خلال العدوان الدموي الأخير على غزة، والانتصار الدبلوماسي الذي تحقق في الأمم المتحدة، ما أضاف رصيداً جديداً وشعبية للطرفين في الشارع جعلهما يفكران في استغلال ذلك، خاصة لجهة إجراء الانتخابية الرئاسية والتشريعية في أقرب وقت وحصد النتائج .
أقصر الطرق إلى المصالحة يشير إلى أنها لا تحتاج إلى اجتماعات ومباحثات ولقاءات ووساطات، وإنما إلى نوايا صادقة وحرص على المصلحة الوطنية، بعيداً عن المحاصصة والأجندات الحزبية الضيّقة . لذا ليس من حق أحد اختطاف القضية أو قصرها على هذا الفصيل أو ذاك من دون بقية الأحزاب والقوى السياسية، لأن الجميع شركاء في النضال والتضحية، والوطن ليس حكراً على أحد، وعلى طرفي الانقسام مراعاة مشاعر الشعب الفلسطيني وعدم التصرف بعقلية إقطاعية أو التعامل مع الشعب وكأنه لا رأي له، لأن الأكيد أنه لن يبقى صامتاً إلى الأبد .
68 عاما على صناعة "الهولوكوست اليهودي"..؟
نواف الزرو عن العرب اليوم
صادف اليوم الأحد الذكرى الثامنة والستون للهولوكوست اليهودي، وهو اليوم الذي تم فيه ايضا - حسب المزاعم الصهيونية-" تحرير اليهود من معسكر الاعتقال "اوشفيتز" الذي قتل فيه أكثر من مليوني شخص معظمهم من اليهود"، وتحيي"اسرائيل" واللوبيات الصهيونية هذه الذكرى بالخطب التأبينية والطقوس الدينية، وبالدروس المستفادة، لكن الاهم عندهم هو إطلاق الرسائل السياسية والثقافية التي يراد من ورائها تكريس الهولوكست في الثقافة والوعي العالمي بوصفه كارثة ومأساة استثنائية في التاريخ خاصة باليهود، وكسب المزيد من التعاطف وابتزاز المزيد من التأييد والتمويل، فالذكرى بالنسبة لهم مناسبة للابتزاز الشامل المعنوي والثقافي والمالي.
لقد ارتبطت "المحرقة اليهودية" عن سبق تخطيط بالاساطير المؤسسة للحركة الصهيونية والدولة العبرية، أما اليوم فقد طوّرت وكرّست الدولة الصهيونية هذه الرواية كوسيلة ابتزاز لا حصر لها تحت اسم "معاداة السامية"، فأصبحت الكارثة مرتبطة جدليا وعضويا باللاسامية، والإرهاب الدولي، فمن ينتقد الكارثة /المحرقة او يشكك بوقوعها، وكذلك من ينتقد دولة "اسرائيل" وممارساتها وجرائمها إنما يصبح لا ساميا وإرهابيا ...؟!
والسؤال الكبير الذي ما زال تحت الجدل على مستوى الباحثين والمفكرين والسياسيين: ما مدى صحة ومصداقية هذه "المحرقة" التي أصبحت ذريعة استثمارية انتهازية ابتزازية بأيدي الحركة والدولة الصهيونية، وقد جنت تلك الحركة والدولة مكاسب استراتيجية هائلة من ورائها: من إقامة "دولة الوطن القومي لليهود في فلسطين"، الى دعم وتقوية تلك الدولة ليس لتعيش فقط، إنما لتتسيد المنطقة استراتيجيا، فضلا عن الابتزازات المالية والمعنوية والاخلاقية الهائلة المستمرة حتى اليوم، والتي أصبحت وراءها دول ومؤسسات وإدارات تحتضنها وتشن الحروب من أجلها...؟!!!
والى أي حد مصداقية الاتهامات الامريكية - الصهيونية لكل من يفتح ملف "المحرقة" او ينتقد "اسرائيل" باللاسامية والعنصرية والإرهاب..؟!
وفي المحرقة مثلا، نستحضر أهم وأبرز الشهادات التي كنا كتبنا عنها سابقا، فنشير هنا الى تقرير الخبير الامريكي "فريد لوشتر" الذي "يدحض افتراءات اليهود حول الابادة الجماعية في المعسكرات النازية"، وكذلك نشير الى نورمان فينكلشتاين، الخبير اليهودي الامريكي في العلوم السياسية، الذي دعي لندوة في جامعة واترلو، فأثارت فتاة يهودية ورقة المحرقة النازية وهي تبكي، لكنه يوقفها رافضا دموع التماسيح"، ونشير الى عضو البرلمان في مدينة ديرزدين، الذي طالب في جلسة لبرلمان ولاية سكسونيا الألمانية، بوقف التعاون مع ما أسماه "دولة المحتالين اليهود"، وعدم التعاون مع ما أسماه "صناعة المحرقة المزدهرة"، ونقلت "يديعوت أحرونوت" النبأ، مشيرة إلى أن هذه الأقوال لم تقل في طهران، إنما في ألمانيا من قبل من وصفته "قائد اليمين المتطرف" و"نازي جديد"، وأثار هولغر أفل عاصفة كبيرة في البرلمان في سكسونيا عندما طرح على جدول الأعمال موضوعا "متفجرا" تحت عنوان "لا للتعاون مع الدول المحتالة، ووقف التعاون بين سكسونيا وإسرائيل". وجاء أنه بسبب هذه القضية حاول ممثلو الغالبية في البرلمان تغيير الموضوع خشية "المس بصورة سكسونيا"، إلا أنه أصر على موقفه، وعندما طلب منه إنهاء كلمته، رفض الاستجابة، وواصل الحديث عن "دولة الإرهاب اليهودية"، ورفض النزول من المنصة، وفي النهاية تم إخراجه من البرلمان، وصدر أمر بإبعاده من المناقشات.
ونتوقف أمام روبرت فوريسون الباحث الفرنسي المرموق الذي وهب حياته للبحث في حقيقة المحرقة اليهودية، وتعرض للقمع من جهة المنظمات اليهودية في فرنسا، وكذلك عدالة بلاده التي جرمته في أكثر من 12 قضية طرحت أمامها، ولم يرحموا سنه المتقدم إذ تعرض للعديد من الاعتداءات الجسدية بسبب بحوثه وموقفه من الهولوكوست، فتحدث فوريسون في مقابلة مع الشروق الجزائرية حول المحرقة اليهودية متحدثا عن صناعة الهولوكوست، قائلا: كان ذلك في العام 1974، حيث بدأتُ البحث فيما كان يعرف بالهولوكوست، أو ما أطلقت عليه بعد بحوثي "المحرقة المزعومة".
الى ذلك، هناك عدد كبير من كبار العلماء والفلاسفة والباحثين الاوروبيين والامريكان يشككون أصلا بحدوث الكارثة، بينما يرى عدد آخر أن هناك مبالغة فقط في أعداد اليهود الذين أحرقوا، في حين تؤكد جملة لا حصر من الوثائق أن الكارثة اليهودية إنما هي بالاصل صناعة صهيونية تعتبر أكذوبة القرن الماضي، وقد استثمرتها الحركة الصهيونية على مدى العقود الماضية كفزاعة لإرهاب يهود العالم ودفعهم للهجرة الى فلسطين أولا، ثم كفزاعة لإرهاب وتجريم الرأي العام الاوروبي ثانيا كوسيلة للابتزاز المعنوي والاخلاقي والمالي ثالثا.
هكذا هي الامور، ونحن في ظل هذه التحركات الاعلامية السياسية الاسرائيلية المضللة، نرى أهمية متزايدة دائما لفتح ملف "الهولوكوست-الكارثة-المحرقة واللاسامية، على حقيقته وإثارة المزيد من الاسئلة والتساؤلات على الاجندات العربية والاسلامية والدولية فيما يتعلق بالنكبة الفلسطينية والمحارق الصهيونية الهولوكوستية ضد الشعب الفلسطيني...!!
شــهية أميركيـة لاستئناف التسـويـة
ضعـف نتنياهـو يـريح واشنـطن
حلمي موسى عن السفير اللبنانية
أثارت نتائج الانتخابات الإسرائيلية وما بدا فيها من تراجع لمكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شهية الإدارة الأميركية الجديدة للتقدم بمبادرة لاستئناف المفاوضات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى قرب وصول وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري إلى المنطقة بعدما كانت أشارت إلى احتمال قدوم الرئيس باراك أوباما نفسه لتعجيل عملية التقدم بالتسوية. واعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الضعف الذي أصاب نتنياهو سوف يسهم في تحسين العلاقات الأميركية الإسرائيلية.
وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أن إدارة اوباما تنوي استغلال انتهاء المعركة الانتخابية في إسرائيل للدعوة إلى استئناف المسيرة السلمية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد تناول وزير الخارجية المرشح جون كيري أمس مستقبل المسيرة السلمية خلال جلسة الاستماع أمام أعضاء لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ في إطار تعيينه. وقال إنه سيرغب في وضع الطرفين على «مسار آخر يختلف عن ذاك الذي كنا فيه في السنوات الأخيرة».
وحذر كيري من «أن نافذة الفرص لحل الدولتين يمكن أن تغلق وهذا سيكون وضعا كارثيا». وذكّر بأنه طوال 29 سنة من وجوده في مجلس الشيوخ كان مؤيداً بلا هوادة لإسرائيل، ولكنه شدد قائلا «أنا لن أتراجع عن تفهم أزمة الفلسطينيين وكل من علق في هذه الدوامة».
وقد أشار المتحدث باسم البيت الأبيض جي كارني إلى أثر نتائج الانتخابات الإسرائيلية على المفاوضات مع الفلسطينيين. وقال «نحن نؤمن بوجوب أن تجري مفاوضات مباشرة بين الطرفين يتم فيها تناول التسوية الدائمة بينهما في محاولة للوصول الى حل الدولتين»، مضيفاً «نحن سنبحث في المسيرة مع الحكومة الجديدة ومواصلة الضغط على ما نؤمن بأنه مسيرة هدفها النهائي خير للفلسطينيين والإسرائيليين».
وأشارت «هآرتس» إلى أن كيري سوف يزور إسرائيل والسلطة الفلسطينية في شهر شباط المقبل فور مصادقة الكونغرس على تعيينه. ونقلت الصحيفة عن مصدرين إسرائيليين تقديرهما بأن كيري معني بالحضور بأسرع وقت ممكن، ربما حتى قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، على أمل فحص سبل استئناف العملية السلمية. وأوضحت أنه لم يتحدد بعد موعد الزيارة، لكنها ستأتي في إطار جولة عامة في المنطقة يزور خلالها أيضا مصر والأردن وربما السعودية.
وقال أحد المصدرين الإسرائيليين إن نائب وزير الخارجية داني أيالون اجتمع قبل عشرة أيام في واشنطن مع مساعدي كيري وسمع منهم اهتمامه باستئناف الجهد الأميركي. ومع ذلك فإن كيري لن يعين مبعوثا له إلى المنطقة، وإنما سيحضر هو بنفسه لزيارتها. وشدد هذا المصدر على أن كيري لا يملك الآن أي مبادرة مبلورة لأن الرئيس الأميركي لم يبلور بعد موقفه من مستوى التدخل في التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. واعتبر أن ذلك يعني أن كيري لن يكون مطلق الصلاحيات والاستقلالية في هذا الشأن. ولكن إذا تبدى له أن هناك فرصة، فسوف يبذل جهدا أكبر ويزور المنطقة بوتيرة أكبر.
وكانت «نيويورك تايمز» قد أشارت إلى تقديرات خبراء أميركيين بأن ضعف نتنياهو في الانتخابات يمكنه أن يساعد في تحسين منظومة العلاقات العكرة مع الولايات المتحدة. واعتبرت أنه إذا شكل نتنياهو حكومته الجديدة بالتعاون مع «هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد، الذي يميل نحو الوسط، فإن بوسع ذلك تبديد عدد من نقاط الخلاف مع البيت الأبيض. ونقلت عن المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط أهرون ميلر قوله إن «نتنياهو الضعيف، على رأس حكومة تحوي مكونات من الوسط، هو السيناريو الأفضل الذي يأمله البيت الأبيض». كما أبلغها السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل، مارتين إينديك، بأن الجمهور الإسرائيلي لا يتعاطف مع قادة لا يوثقون علاقاتهم مع الولايات المتحدة، وأن نتائج الانتخابات تذكرة لذلك.
من جهتها، ذكرت «نيويورك تايمز» أن إحدى إشارات العلاقات العكرة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو تتمثل في أنه حتى اليوم لم يبادر الرئيس الأميركي بتهنئة نتنياهو بنتائج الانتخابات. كما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكذلك رؤساء حكومات هولندا وفرنسا وبريطانيا لم يتصلوا به للتهنئة.
عموما لا يزال يتعذر على أميركا والغرب فهم المعنى الحقيقي لنجاح لبيد وحزبه في الانتخابات. ومن الجلي أن لبيد قد يشكل صدمة لهم بعد التعرف على مواقفه السياسية اليمينية والعنصرية، فبالإضافة إلى موقفه العنصري من العرب حيث رفض فكرة الكتلة المانعة لأنها ستضم حنين الزعبي، في إشارة إلى العرب جميعا، فإنه يحمل مواقف متشددة سياسيا. فهو يرفض أي تخل عن الكتل الاستيطانية وعن القدس الشرقية وغور الأردن، لكنه يدفع الضريبة اللفظية بإعلان تأييده لحل الدولتين.
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه قد أعلن أن الرئيس محمود عباس ينوي المبادرة إلى لقاءات في رام الله مع السياسيين الجدد الذين سينضمون الى الكنيست التاسع عشر. وأشار إلى أن اللقاء سيتم خلال الأسبوعين المقبلين، قبل تشكيل الحكومة الجديدة.
ونقلت «معاريف» عن مصدر فلسطيني قوله، «بشكل طبيعي من يلوح على أنه سيكون الشريك الكبير لنتنياهو – يائير لبيد – سيدعى الى مركز المقاطعة في رام الله، ولكن أيضا النواب من حزب العمل، ميرتس والليكود سيتلقون ذات الدعوات، حتى نفتالي بينيت. في واقع الامر، كل من يريد السلام، مدعو».
أوباما ونتنياهو ورسائل العقاب
محمد السعيد ادريس عن دار الخليج
يجمع المراقبون في الكيان الصهيوني على أن انتخابات “الكنيست الإسرائيلي”، (البرلمان)، التي أجريت يوم الثلاثاء الماضي (22-1-2013) جاءت عقاباً من الناخبين ل”بنيامين نتنياهو” رئيس الحكومة الذي اختار بنفسه، هذا التوقيت غير المناسب لفرض انتخابات برلمانية مبكرة تزامنت، لسوء حظه، مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي استطاع فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يجدد لنفسه دورة رئاسية ثانية ليصبح الرئيس الأمريكي رقم 44 والرئيس رقم 17 الذي نجح في أن يفوز بالرئاسة للولاية الثانية .
فالعلاقة بين أوباما ونتنياهو كانت قد وصلت إلى أسوأ مراحلها في منتصف العام الماضي عندما انحاز نتنياهو للمرشح الجمهوري المنافس للرئيس أوباما وعندما تعمد إحراجه انتخابياً لمصلحة المرشح الجمهوري بإصراره على أن يفرض على أوباما ما أسماه ب”خطوط حُمْر” تتعلق بالموقف الأمريكي من إيران يعلن فيها أوباما شروطه لخوض حرب ضدها لتنفيذ وعوده بمنع تمكين إيران من امتلاك أسلحة نووية . وقتها حاول أوباما ومساعدوه إثناء نتنياهو عن ذلك، وأكدوا أنهم يريدون فقط بعض الوقت لاتخاذ موقف حاسم من إيران لن يتجاوز عقبة الانتخابات الرئاسية . لكن نتنياهو الذي كان مصرّاً على إحراج أوباما ظل يهدد بأنه سيشن الحرب على إيران بقرار منفرد إذا ظلت الولايات المتحدة على ترددها في أن تكون شريكاً في هذه الحرب ضد إيران .
أوباما الفائز برئاسة ثانية الذي تصادفت احتفالاته بأداء القسم الدستوري أمام رئيس المحكمة العليا مع موعد إجراء الانتخابات البرلمانية “الإسرائيلية” التي جاءت نتائجها صادمة لنتنياهو وحلفائه، خاصة شريكه أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية السابق زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، وأسفرت عن تراجع حصة تحالف الليكود “إسرائيل بيتنا” من 42 نائباً إلى 31 نائباً، لكن المفاجأة الأهم أن الحزب الجديد الناشئ الذي يحمل اسم “يش عتيد” “يوجد مستقبل” الذي أسسه الإعلامي يائير لبيد، حصل على 19 مقعداً في الكنيست واحتل المرتبة الثانية .
هذه النتائج فرضت خريطة انتخابية شديدة التعقيد سوف تحدّ كثيراً من قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة ائتلافية قوية ومتماسكة في ظل ما يتردد الآن من حدوث “فوضى حزبية” و”غابة ائتلافية”، والأهم هو خلو الساحة السياسية داخل الكيان من “حزب كبير مهيمن” يشكّل بؤرة ارتكاز تتجمع حولها بقية الأحزاب في ائتلاف حكومي له “هوية سياسية” و”مشروع سياسي” له حظوة وتقدير عند الناخبين . وهذا يمتد، بالضرورة إلى القول ب”خلو الساحة السياسية من زعامة قوية” قادرة على قيادة الكيان في هذه الظروف السياسية والاقتصادية شديدة التعقيد، وفي مقدمتها ترميم العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة .
نتنياهو يتقدم الآن لتشكيل الحكومة، لكنه يتقدم ضعيفاً مهزوزاً ومعاقباً شعبياً، والدليل على ذلك هو تراجعه الشديد عن عجرفته التي سبقت الانتخابات بأيام قليلة في رده العنيف على انتقادات الرئيس الأمريكي، وفي تحديده لما أسماه ب”المصالح الحيوية الثلاث” ل”إسرائيل” وهي: “منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وعدم العودة إلى حدود العام ،1967 والحفاظ على القدس موحدة وعاصمة أبدية لدولة “إسرائيل”” . عقب الانتخابات ظهر نتنياهو أكثر تواضعاً بعد تلمسه مؤشرات التصويت . وجاء التعبير الأبرز عن حالة توتره في الرسالة التي وضعها على صفحة “الفيس بوك” قبل ساعتين من إغلاق صناديق الاقتراع دعا فيها مناصريه إلى التصويت تحت عنوان “الليكود في خطر”، لكن بعد إعلان النتائج بادر بالدعوة إلى تشكيل “حكومة واسعة قدر الإمكان”، وحدد خمسة مبادئ حاكمة لهذه الحكومة أهدأ كثيراً من المبادئ الثلاثة التي عدّها قبيل إجراء الانتخابات “مصالح حيوية” لا تراجع عنها . المبادئ الخمسة الجديدة هي: “القوة الأمنية مقابل التحديات التي تواجه “إسرائيل” وخاصة منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ومسؤولية اقتصادية لمواجهة الأزمة العالمية المتواصلة، ومسؤولية سياسية من خلال السعي المتواصل إلى سلام حقيقي، وزيادة المساواة في تحمل الأعباء، وخفض غلاء المعيشة وخاصة أسعار السكن” .
فقد أشارت أغلب هذه التعليقات إلى أن نتائج الانتخابات أكدت عدم الثقة الشعبية بنتنياهو لفشله في المجال الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، ولفشله أيضاً في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، حسب ما قالت صحيفة “هآرتس” التي ركزت على أن تلك النتائج “تدلل على أن “الإسرائيليين” تحفظوا على تطرف الليكود نحو اليمين، وعلى الاستفزاز المضر للمجتمع الدولي”، وشددت على أن “الإسرائيليين” معنيون بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة بدلاً من “تسمين المستوطنات والتهديد بحرب على إيران” .
هذه النتائج والتعليقات تعدّ رسائل غير مباشرة من “الإسرائيليين” إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كانت علاقته مع نتنياهو خلال نصف العام الماضي، على وجه الخصوص، في أسوأ مراحلها وبالذات عندما صرح مؤخراً بأن ““إسرائيل” لا تعرف مصالحها، وأن نتنياهو يتقدم بها نحو العزلة التامة”، كما وصف الرئيس الأمريكي رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بأنه “جبان سياسياً”، وأنه “أسير في أيدي مجموعات ضغط المستوطنين ولن يتجرأ على القيام بأي حركة حقيقية نحو تحقيق السلام مع الفلسطينيين” .
تصريحات الرئيس الأمريكي وجدت صداها لدى الصحافة “الإسرائيلية”، وكانت أبرز التعليقات ما كتبه المحلل السياسي جيفري غولدبرغ في مجلة “ذي أتلنتيك”، وأعادت صحيفة “معاريف” نشره . فقد كتب غولدبرغ أن الرئيس أوباما يرى أن “إسرائيل” الدولة الصغيرة المحاطة بالأعداء “منبوذة وخلقت اغتراباً حتى لدى الصديق الأكبر الأخير: الولايات المتحدة”، وبالتالي إذا استمر هذا النهج “فهي ببساطة لن تبقى”، وأنه “إذا لم تفك “إسرائيل” ارتباطها عن التدخل في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، فسيأتي يوم يرى فيه العالم دولة أبارتهيد (تميز عنصري)” .
صحيفة “يديعوت أحرونوت” علّقت على مقال غولدبرغ بافتتاحية تحت عنوان “حينما يصفي الرئيس الحساب”، ورأت أن ما جاء في مقال غولدبرغ رسالة من أوباما فحواها أنه “لا يستطيع أن يصدق كلمة واحدة تخرج من فم نتنياهو . فهو لا يعتمد عليه ولا يراه حليفاً يمكن الجري معه” .
في هذه الافتتاحية التي سبقت إجراء انتخابات الكنيست أوضح كاتبها أورلي أزولاي أن “الرئيس الأمريكي يضع المرآة أمام “إسرائيل” المتجهة إلى صناديق الاقتراع، ويبين أن نتنياهو هو الشخص الذي لم يهتم بمصلحتها، وسيجعلها تترسّخ في الوعي الدولي على أنها دولة منبوذة وعنصرية” . وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد وصول رسائل أوباما .
الكنيست 19 وخيارات نتنياهو
عوني صادق عن دار الخليج
جاءت نتائج انتخابات الكنيست التاسعة عشرة مخالفة لكل استطلاعات الرأي التي أجريت على مدى الشهور الثلاثة الماضية، إذ تراجع تحالف نتنياهو ليبرمان، وكذلك كتلة اليمين واليمين الديني المتطرفة، فتعادلت تقريباً مع ما يسمى “كتلة الوسط يسار” . وفي الكتلة الثانية، تراجع حزب (العمل) وتقدم حزب (ميرتس)، ولم تحصل تسيبي ليفني إلا على ستة مقاعد، وحافظت الأحزاب العربية على موقعها في الخريطة . لكن المفاجأة الكبرى في هذه الانتخابات، كانت في صعود الحزب الجديد (هناك مستقبل) بزعامة الإعلامي السابق يائير لبيد، ليكون القوة الثانية في الخريطة الجديدة، وذلك بحصوله على تسعة عشر مقعداً من مقاعد الكنيست .
الآن، وعلى مدى الاثنين والأربعين يوماً المقبلة، وربما أكثر، سينشغل بنيامين نتنياهو، ومعه الساحة السياسية “الإسرائيلية”، وساحات أخرى، بما سيفعله لتشكيل الحكومة الجديدة وما سيواجهه من عقبات في طريق تشكيلها . وفي هذا الإطار، هناك حقيقة تسبق أي تحليل، ولا بد من الإشارة إليها بداية، وهي أنه ليست هناك خلافات سياسية حقيقية بين الأحزاب “الإسرائيلية” على “الموضوعات الكبرى”، بل خلافات على “الحصص” في مغانم الحكومة . وبالرغم من كل الأكاذيب الشائعة عن “الديمقراطية الإسرائيلية”، فإنه يمكن القول إن الكيان الصهيوني يشبه أسوأ الأنظمة العربية التي تعتمد “المحاصصة” الدينية والطائفية والعرقية، وكل الفرق أنهم هناك لا يلجأون إلى العنف المسلح لحل خلافاتهم، على الأقل حتى الآن .
أمام نتنياهو، في ضوء نتائج الانتخابات، ثلاثة خيارات، كل منها له حسناته وسيئاته بالنسبة إليه، وعليه أن يوازن بين الحسنات والسيئات لكل منها، وعلى هذه الموازنة سيكون قراره، وهي: 1) حكومة يمينية، بالتعاون مع (هناك مستقبل) و”البيت اليهودي”، ومن دون الأحزاب الدينية، أو 2) حكومة يمينية ضيقة، بالتعاون مع الأحزاب الدينية، أو 3) حكومة موسعة، بالتعاون مع (هناك مستقبل) والأحزاب الدينية . وقد سبق لتسيبي ليفني، زعيمة حزب (الحركة)، وزعيمة حزب (العمل)، شيلي يحيموفيتش، أن أعلنتا عدم استعدادهما للدخول في حكومة يشكلها نتنياهو، وكذلك ليس وارداً دخول حزب (ميرتس)، أو الأحزاب العربية في مثل هذه الحكومة .
ويواجه نتنياهو في ولايته الثالثة، ثلاثة تحديات كبرى هي حسب ترتيبه لها: 1) البرنامج النووي الإيراني و2) “عملية السلام” مع الفلسطينيين، ومؤخراً 3) الأزمة الاقتصادية الاجتماعية . وبالرغم مما حملته نتائج الانتخابات من “هزيمة نسبية” وضعف حقيقي لنتنياهو وتحالفه، سواء أمام تلك القوى التي يمكن أن يتحالف معها لتشكيل الحكومة الجديدة أو تلك التي لن تتحالف معه، إلا أن هذه النتائج بررت “خيار” نتنياهو الحقيقي الذي طالما تمسك به في ولايته الثانية، وهو عدم الإقدام على أي قرار مهم، والاكتفاء بما يسمى “إدارة الأزمة” وليس حلها . وكل التقييمات، “الإسرائيلية” والدولية التي تعرضت لأدائه، أجمعت على ذلك، وكان آخرها ما نقل عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما . وبالنسبة إلى ما يسمى “عملية السلام” مع الفلسطينيين وحل القضة الفلسطينية، فكل القيادات “الإسرائيلية”، منذ سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في قبضة الاحتلال في “حرب الأيام الستة” وحتى اليوم، عملت على هدفين رئيسين: الاستيلاء على مزيد من الأرض وتوسيع البناء في المستوطنات، ومنع قيام “دولة فلسطينية مستقلة”، وذلك من خلال “إدارة الأزمة”، والإبقاء على “الوضع الراهن” بشتى الحجج والذرائع والسبل، وصولاً إلى الهدفين المذكورين .
هذا يعني أن الحكومة الجديدة ستظل تتحدث عن الخطر النووي الإيراني دون أن تقدم على شيء، مع أن نتنياهو سبق أن حدد الصيف المقبل كموعد أخير لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران . لكنه مع ما تأكد وأصبح واضحاً عن الموقف الأمريكي، فإن أوباما لن يستمع إليه بخصوص هذا الموضوع، لكنه لن يضغط عليه أكثر مما حاول حتى الآن في ما يخص “عملية السلام” والمستوطنات، خصوصاً أن نتنياهو سيخرج من الدرج الحجة “الإسرائيلية” القديمة، وهي أن الحكومة ضعيفة ولا يجوز الضغط عليها!
من جهة أخرى، أرجع كثير من المراقبين والمحللين “الإسرائيليين” فوز يائير لبيد وحزبه إلى خطابه “الاجتماعي” الذي سحب به بعض الذين كان يفترض أن يصوتوا لحزب (العمل) . وإذا ما شارك حزب (هناك مستقبل) في الحكومة الجديدة، فإن نتنياهو سيكون مضطراً إلى الاستجابة، أو التظاهر بالاستجابة، لبعض المطالب الاجتماعية التي تعود للطبقة الوسطى، جمهور هذا الحزب، في مقابل أن يبقي الأخير على موقفه السياسي (المؤيد) لنتنياهو تجاه (عملية السلام)، علماً أن الموقف الاقتصادي التقليدي لحزب “الليكود” هو التمسك بمقولة “الاقتصاد الحر” .
بمعنى آخر، ستكون القضايا الاقتصادية والاجتماعية مجالاً واسعاً للتجاذب، واستغراق الحكومة عملياً في الأمور الداخلية، والاكتفاء بالأحاديث المرسلة في الأمور الخارجية . أكثر من ذلك، هناك من يرى أن تشكيل حكومة موسعة تضم اليمين والأحزاب الدينية وبعض من يحسبون على (الوسط)، سيحولها إلى “حكومة شلل وطني” ترفع جزءاً من مسؤولية الجمود السياسي عن كاهل نتنياهو . وقد كانت هذه الحكومات الموسعة التي كانت تسمى حكومات “الاتحاد الوطني” أو حكومات “الوحدة الوطنية”، تشكل إما استعداداً لحرب، أو تقطيعاً لوقت، أو تخلصاً من حالات التشرذم السياسي، كما هو الحال اليوم .
والخلاصة، قد يكون نتنياهو خسر الانتخابات الأخيرة انطلاقاً مما كان يقول إنه يتطلع إليه، وقد يقصر ذلك من عمر حكومته الجديدة، لكنه، في ظني، لا بد أنه يشعر بالراحة إزاء هذه النتيجة التي أعفته من اتخاذ القرارات، فأتاحت له ممارسة “رياضته” المفضلة: المحافظة على الوضع الراهن!
الثابت والمتحول في الانتخابات "الإسرائيلية"
علي جرادات عن دار الخليج
في خضم الصراع مع الكيان الصهيوني، وبتأثيرات صدمة هزيمة يونيو/ حزيران ،1967 تحديداً، نشأت في السياسة الرسمية العربية توجهات الانتقال من “استراتيجية التحرير” إلى “استراتيجية التسوية” . في بدايتها ظلت هذه التوجهات منضبطة لوحدة الموقف العربي، ومقرونة باستخدام العرب عوامل قوتهم الشاملة، ومشروطة بعقد مؤتمر دولي تحضره جميع أطراف الصراع في إطار هيئة الأمم ومرجعية قراراتها، وبإلزام “إسرائيل” بتنفيذها . لكن إبرام مصر السادات معاهدة “كامب ديفيد”، العام ،1979 فتح باب التحلل الرسمي العربي، ومنه الفلسطيني، من اشتراطات “استراتيجية التسوية” التي صارت سياسة عربية سائدة في مؤتمر “مدريد للسلام” العام 1991 . مذاك ساد الرهان الخائب على إمكان أن تمارس الولايات المتحدة، بلا ضغط عليها، الضغط على حليفها الاستراتيجي الثابت، “إسرائيل”، بل، ونشأ رهان آخر، وأكثر خيبة، يرى إمكان أن تتحول أحزاب صهيونية، من تلقاء نفسها، ومن دون مقاومة ميدانية وسياسية عربية وفلسطينية شاملة، إلى أحزاب تقبل بتسوية سياسية للصراع، تلبي الحد الأدنى من الحقوق العربية والفلسطينية المغتصبة . بهذيْن الرهانين الفاشلين، وبما انطويا عليه من عجز، وُلدت، وتعاظمت، واستمرت، سياسة التعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية و”الإسرائيلية” المتعاقبة .
واليوم، بعد عشرين عاماً من التعلق بهذين الرهانين، مازالت “إسرائيل” هي ذاتها، الغاصبة العدوانية والتوسعية في فلسطين ومحيطها العربي، الرافضة لكل تسوية سياسية لا تلبي شروط الاستسلام لها؛ وظلت هي ذاتها، كما كانت، نظاماً وحكومات، مصدراً دائماً للحروب ضد العرب، وللعبث باستقرار شعوبهم وأمنهم، وظلت هي ذاتها: العصا الغليظة، والحليف الاستراتيجي الثابت، لمستعمِري دول المنطقة، ومستبيحي سيادتها واستقلالها، وناهبي ثرواتها، الغربيين، وفي مقدمتهم، الولايات المتحدة . على الرغم من كل ذلك، فقد حظيت انتخابات “إسرائيل” الأخيرة، باهتمام غير مسبوق، وكان العرب، والفلسطينيون منهم بالذات، أكثر المهتمين بهذه الانتخابات، أملاً في أن تتمخض نتائجها عن تشكيل حكومة تكفّ، طوعاً، ومن دون استخدام العرب، ومنهم الفلسطينيون بالذات، أوراق قوتهم، وما أكثرها، عن سياسة العدوان والتوسع والتهويد والتمزيق الممنهجة في الضفة، أو عن ارتكاب المزيد من الاعتداءات العسكرية ضد غزة، أو عن الإقدام، (ربما)، على شن حرب جديدة ضد دولة عربية هنا أو إقليمية هناك.
بل، ودون تبصر، ثمة مَن يرى في إعادة توزيع مقاعد “الكنيست” “الإسرائيلي” بين الأحزاب الصهيونية، وفقاً لنتائج الانتخابات الأخيرة، تعبيراً عن حدوث تحول نوعي داخل المجتمع “الإسرائيلي”، إلى درجة الرهان عليه، ليس، فقط لناحية استئناف المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية”، بل، أيضاً، لناحية إمكان تحقيق مطلب دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة العام 1967 . هنا ثمة قراءة واهمة، ليس، فقط، لأنها تتجاهل تجربة عشرين عاماً من المفاوضات، بل، أيضاً، لأنها، لا تميز، بالملموس، بين الثابت والمتحول في نتائج هذه الانتخابات، للأسباب الآتية:
* أولاً: لم تكن قضية توقف المفاوضات مع الفلسطينيين، وانسداد أفقها، هي سبب تبكير إجراء هذه الانتخابات، بل، كانت القضايا الداخلية، مثل قضية الموازنة، وقضية الأزمة الاقتصادية، وقضية نظام الحكم، وقضية تجنيد المتدينين، هي السبب .
* ثانياً: كان لافتاً التراجع غير المسبوق لملف الصراع مع الفلسطينيين عن دعاية، وبرامج، الكتل والأحزاب الصهيونية المتنافسة في هذه الانتخابات .
* ثالثاً: صحيح أن حصاد ائتلاف “الليكود بيتنا” تراجع من (42 مقعداً) إلى (31 مقعداً)، لكن الفارق، (11 مقعداً)، ذهب إلى حزب “البيت اليهودي”، وهو حزب جديد يمثل المستوطنين، ويدعو علناً إلى ضم 40% من مساحة الضفة الغربية، بل، وإلى هدم المسجد الأقصى، وإعادة بناء “الهيكل” على أنقاضه .
* رابعاً: صحيح أن حصاد حزب “كاديما” الليكودي الأصل، تلاشى تقريباً، حيث تراجع من (29 مقعداً) إلى (8 مقاعد: 6 لليفني، و2 لموفاز)، لكن الفارق، (21 مقعداً)، ذهب، أساساً، إلى مفاجأة الانتخابات الأساسية، حزب يئير لبيد الجديد، (يوجد مستقبل)، الذي أحرز موقع ثاني أكبر كتلة برلمانية، حيث حصل على (19 مقعداً) . وهنا، حري الحذر من التضليل الذي يحمله ابتلاع التصنيف الصحفي “الإسرائيلي” للأحزاب الصهيونية، وتقسيمها بين “يمين” و”وسط” و”يسار”، على الأقل لناحية رؤاها، وبرامجها، ومواقفها، السياسية من الصراع العربي “الإسرائيلي”، عموماً، ومن جوهره، القضية الفلسطينية بالذات . فحزب يائير لبيد هذا، الذي يقع، وفقاً لهذا التصنيف، في خانة “الوسط”، حصد ما حصد من مقاعد، بفعل تركيزه على المطالبة بتغيير نظام الحكم، وإنصاف الفقراء، واستعادة مكانة الطبقة الوسطى، وإعادة توزيع الأعباء، وإلغاء “قانون تال” القاضي بعدم تجنيد المتدينين، لكن مواقفه من الصراع مع الفلسطينيين لا تختلف، ولو في الدرجة، عن مواقف ائتلاف نتنياهو ليبرمان، حيث كان لافتاً، اختيار هذا الصهيوني، مستوطنة أرييل، شمال الضفة، مكاناً لإطلاق حملته الانتخابية، حيث أعلن، من هناك، عن تمسك حزبه بعدم تقسيم القدس، واعتبارها “العاصمة الأبدية” ل”دولة” “إسرائيل” اليهودية التي “يجب الحفاظ على أكثرية اليهود فيها” . هذا فضلاً عن إعلانه، ( قبل وبعد فوزه المبهر)، عن استعداد حزبه للانضمام إلى ائتلاف حكومي بقيادة نتنياهو، وعن معارضته تشكيل جبهة ممانعة ضده، وعن دعوته إلى تشكيل “ائتلاف حكومي واسع”، لانتشال “إسرائيل” من أزمتها الاقتصادية الاجتماعية، بما يمكنها من مواجهة، ما وصفه، بالتحديات الأمنية المحلية والإقليمية الكبيرة .
* خامساً: صحيح أن حزب العمل حسن موقعه، وحصل على عدد إضافي، (قليل)، من المقاعد، لكن ما هو غنيّ عن الشرح، هو ما فعله حزب العمل هذا، (وهو المحسوب زوراً على أحزاب “الوسط”، أو “اليسار”، أحياناً)، بالفلسطينيين، من خلال جرجرتهم إلى لعبة مفاوضات “أوسلو” العبثية التي يبدو أن هناك من يرى في “جديد” الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة، ما يدعو إلى العودة إليها.
إسرائيل أيضا صارت لديها أزمة الهوية
حسام الدجني عن القدس العربي
مع اشتداد حمّى الدعاية الانتخابية داخل إسرائيل، عادت إلى السطح أزمة الهوية في إسرائيل، وكشف المجتمع الإسرائيلي زيف ادعائه بأنه مجتمع علماني ديمقراطي، حيث حملت الدعاية الانتخابية معالم الشخصية الصهيونية التي تقوم على الكراهية والعنصرية ليس فقط تجاه الفلسطينيين، وإنما وصلت إلى كل المكونات الاثنية والعرقية والأيديولوجية داخل إسرائيل.
والكل يعرف أن هناك صراعاً أيديولوجياً بين العديد من التيارات اليهودية منذ نشأة الدولة العبرية على أنقاض فلسطين عام 1948م، وأن الدولة لم تنجح في دمج المكونين الإثنيين اليهود الغربيين (الأشكناز)، واليهود الشرقيين (السفارديم) في مجتمع واحد وتحت مظلة هوية واحدة، ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، ففي الآونة الأخيرة بات واضحاً أن المجتمع الإسرائيلي أصبح يتجه نحو اليمين واليمين المتطرف، وهذا ما تؤكد نتائج استطلاعات الرأي في انتخابات الكنيست 2013م، وما أفرزته نتائج انتخابات الكنيست لعام 2008م، وأن الخلاف لدى الأحزاب الدينية والانقسامات كبيرة، ففي المجتمع الإسرائيلي يوجد تياران دينيان هما التيار الديني الأرثوذكسي والتيار الديني الصهيوني، فالتيار الديني الأرثوذكسي ينقسم هو الآخر إلى تياران هما التيار الأرثوذكسي الغربي والتيار الأرثوذكسي الشرقي، فالتيار الغربي ينقسم إلى التيار الحسيدي والتيار الليتائي، أما التيار الشرقي فهو يعبر عن اليهود الشرقيين علمانيين كانوا أم متدينيين وتمثله حركة شاس بزعامة أريه درعي.
أما التيار الآخر وهو التيار الديني الصهيوني وهو يؤمن بالاستيطان على أرض فلسطين، ويعتبره أنه يعادل كل فرائض التوراه، وتغلغل هذا التيار في الجيش ومؤسسات الدولة، بحيث أصبح يسيطر على أكثر من نصف المقاعد الهامة في الجيش وأولويته المختارة.
وهناك أيضاً أقليات تعكس التباينات وأزمة الهوية، فاليهود الروس يمثلون 20' من المجتمع الاسرائيلي وهم بالمناسبة لا يجيدون اللغة العبرية بطلاقة، ويعيشون ضمن جيتو خاص بهم، ويستمعون للأغاني الروسية، وبذلك هم حالة ثقافية خاصة داخل مجتمع به العديد من المكونات الثقافية الأخرى ولعل أهمها:
1- الثقافة العلمانية: وهي ما تتبناها الدولة بشكل علني.
2- الثقافة الوطنية القومية: وهي عبارة عن مزج بين العلمانية واليهودية.
3- ثقافة الحريديم: اليهودية الحريدية (المتزمتة) وهي تعيش ضمن جيتو خاص بها، وتشكل عبئاً ثقافياً على اليهود العلمانيين، وتمثل 8 ' تقريباً من المجتمع الصهيوني.
وهناك أيضاً الأقلية العربية وهم السكان الأصليين للبلاد ولكنهم من أكثر الأقليات داخل إسرائيل يتعرضون للعنصرية والتمييز، ويمثلون 20' من سكان إسرائيل، ولكن اليهود ومن خلال دعايتهم الانتخابية يلوحون بترانسفير يقتلعهم من أراضيهم ليكشف المجتمع الإسرائيلي عن وجهه الحقيقي تجاه الأقليات وتجاه حرية المعتقد، حيث شاهدنا ما قام به بعض المتطرفين من رفع صوت الآذان وسط أهم الأحياء الراقية في تل أبيب في إشارة للإزعاج الذي يتعرض له اليهود في المدن المختلطة أو في المستوطنات من سماعهم لصوت الآذان. إن أزمة الهوية في إسرائيل تنذر بحجم المأزق الذي تعيشه الدولة، وأنها تحمل بذور ودلالات السقوط والانكماش، وكما قال ميكافيلي في نصائحه للأمير: 'إن الطريقة المثلى للحفاظ على الدولة وحمايتها من الثورات والحروب الداخلية هي خلق عدو خارجي يشكل وجوده قضية مشتركة للشعب'. من هنا نرى أن سياسة إسرائيل العدوانية هي شرط بقائها وديمومتها، وتجاوزها لأزمة الهوية، ولذلك فإن المستقبل لمرحلة ما بعد الانتخابات الصهيونية سيحمل معه مقومات حرب في المنطقة حتى تستعيد إسرائيل وحدتها الداخلية.
جدول المصالحة.. والتجارب السابقة
علي الطعيمات عن الوطن القطرية
اتفقت حركتا «فتح» و«حماس» على الجدول الزمني والتوقيتات اللازمة لبدء تنفيذ جميع القضايا المتعلقة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، وفي اطار «الرزمة الواحدة»، بحيث تبدأ عمليات التنفيذ فورا.. وفورا هنا تعني قبل ثمان واربعين ساعة من الان، اي الخميس الماضي 17 يناير 2013، وبحد اقصى الثلاثين من ذات الشهر، وذلك حسب البيان الصادر عن اجتماع الحركتين في القاهرة.
الاتفاق بحد ذاته الخطوة التي لا معبر الا من خلالها لاتمام المصالحة وعودة المياه إلى مجاريها الطبيعية والصحيحة، والمصالحة بالمقام الاول واجب وطني، وغير مسموح اي تقصير او عرقلة للوصول بالمصالحة إلى أعلى مراتبها الوطنية مهما كانت الاسباب والمبررات فلا بد من وضع القدم الفلسطينية من جديد على جادة الصواب والتكاتف لمواجهة المرحلة الاصعب التي تمر بها القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى الان، فالظروف لاتحتمل استمرار هذا الانقسام الاخطر في تاريخه والذي ينعكس ايجابا على مصالح العدو الإسرائيلي، وضارا ومؤذيا لمسيرة التحرر الفلسطينية.
ربما التوصل لاتفاق بين «فتح» و«حماس» على الورق أمر ليس صعبا، فالطرفان يبديان على الدوام استعدادهما للمصالحة وانهاء الانقسام، ولكن لكل منهما مفهومه للمصالحة وأيضا لـ « الانقسام»، فالتجارب السابقة بين الحركتين تجعل « المراقبين» واصدقاء واشقاء الشعب الفلسطيني المكافح المناضل، ان يبقى في المنطقة الرمادية، وفي أفضل الأحوال في دائرة الامل والرجاء بأن يلتزم الطرفان بدقة بتنفيذ الالتزامات الوطنية عبر التنفيذ الدقيق بالجدول الزمني لإنهاء الانقسام للخروج من هذا المأزق الذي سيسعى العدو الإسرائيلي وحليفته الاستراتيجية إلى محاولة عرقلة مشروع المصالحة الفلسطينية، وخصوصا عبر السلطة في رام الله المطلوب منها الآن ان تكون قد استوعبت درس المفاوضات والوعود وما إلى ذلك من الاعيب الاعداء، والاصرار على قطف ثمار «الانتصار» العسكري في غزة و«الانتصار» السياسي في الامم المتحدة، وترجمة ذلك بإعادة اللحمة إلى القوة الفلسطينية بكافة أصنافها، واعداد استراتيجية شاملة للمقاومة والتحرير عبر مختلف القنوات.
ملك إسرائيل الجديد ؟
لميس اندوني عن العرب اليوم الأردنية
من أهم نتائج الانتخابات الإسرائيلية هو ظهور "ملك جديد"، هو يائير لابيد، بدلاً من رئيس الوزراء "اليميني" السابق بنيامين نتنياهو، الذي برز على رأس اتجاه يبدو في الظاهر أكثر انفتاحاً ووسطية، لكن لا يختلف في جوهره عن مواقف اليمين الإسرائيلي من الفلسطينيين.
الأهم أن النتائج تظهر أن جموح إسرائيل إلى اليمين والعنصرية لم يتوقف، وإن كانت تعبيراته الفجة أصبحت محرجة لأجزاء من المجتمع الإسرائيلي ومؤيديها من الدول الغربية، وبالأخص الإدارة الأمريكية، وبالتالي أصبحت هناك حاجة ملحة لوجه " أكثر قبولاً" من دون تغيير مفصلي في عقلية وممارسات الاحتلال، غير الخلافية، من حيث المبدأ لدى معظم الإسرائيليين.
يائير لابيد، الصحافي الذي اقتحم خارطة السياسة بفوز حزبه ييش عاتيد "يوجد مستقبل" بالمركز الثاني بعد تحالف الليكود-إسرائيل بيتنا، ينبئ بمرحلة جديدة، من تجميل صورة إسرائيل في الغرب، خاصة بتنفيس التوتر مع إدارة الرئيس باراك أوباما، من دون تراجع الدولة الصهيونية عن سياساتها العنصرية أو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية والاحتفاظ بالقدس الشرقية.
النجاح المفاجئ، الذي حققته لائحة "مستقبل جديد"، التي حصدت 19 مقعداً في الكنيست، خاصة مع ترافقها بتراجع حصة الليكود إلى 31 مقعداً، تدل أن المجتمع الإسرائيلي يبحث عن تصالح داخلي حتى لو كان مزيفاً ويتجاهل مأزقه الرئيسي، ونهاية للصراع بين اليهود الأمريكيين، بعد وصول حالة الفرز والاصطفافات إلى درجة غير مسبوقة في عهد نتنياهو وتحالفه مع اليمين الأمريكي المتشدد.
ذلك لا يعني تقدم فرص السلام، بمفهوميه العادل والمنتقص، وإن كان يفتح الباب لواشنطن بتصعيد ضغوطها على الفلسطينيين والعرب للدخول في مفاوضات الحل النهائي لمستقبل الأراضي والشعب الفلسطينيين، معتمدة على ما عنته الانتخابات من تقويض لسطوة نتنياهو، وبروز تحالفات "وسطية- يسارية"، قد تكون مستعدة "لتجميد" النشاط الاستيطاني، بشكل مؤقت من أجل جر الفلسطينيين إلى الطاولة.
لكن النتائج تشجع انطلاق "مبادرات سلام جديدة"، لأنه حتى لو نجح نتنياهو، بتشكيل ائتلاف مع تشكيلة أو أخرى من الأحزاب الدينية، "والوسطية"، لتأمين 67 إلى 85 مقعداً مؤيدا لحكومة برئاسته، وبمشاركة تيار لابيد، فإن ذلك لا يغير من أنه فقد قدرته السابقة على اللعب بحرية ، خاصة بالساحة الأمريكية ومع اليمين الأمريكي، لتقييد أوباما وتصويره بأنه عدو لإسرائيل.
نتنياهو، الذي صدم بالنتائج، كان يهيئ نفسه لمرحلة غير مسبوقة إسرائيلياً، بتتويج نفسه ملكاً تجاوز كل "ملوك إسرائيل" القدماء والجدد قوةً وعنجهيةً وحريةً من القيود، بعد أن اعتقد أنه قَيَدَ أوباما، رغم نجاح الأخير بالرئاسة للمرة الثانية، بتهمة الاستهتار بأمن إسرائيل وعرضه لخطر "وجودي"، وكان يستعد لحملة شرسة في أمريكا، محورها تراخي الإدارة الأمريكية تجاه "التهديد الإيراني".
السيناريو الأفضل لإدارة الأمريكية، أن يفشل نتنياهو بتأليف حكومة، ما يعطي "أحزاب الوسط" الإسرائيلي فرصة تشكيل حكومة مع الأحزاب المتدينة، بتأييد 67 صوتاً في الكينيست، وبالتالي تنجح خطة لا بيد، وتعطي صدقية لوعوده بقيادة "التغيير" بعيداً عن معسكري اليسار و اليمين التقليديين.
حينها تستطيع واشنطن التقدم "بمبادرة سلام" وترمى الكرة تماما في حضن الطرف الفلسطيني، ونعاود سماع الاسطوانة الإسرائيلية، وإن كان بصوت يصم الآذان والعقول، بأنه لا يوجد "شريك فلسطيني للسلام".
القلق، أن تندفع أصوات فلسطينية، بوهم مزيف، متسلحة بمنطق "فرصة هزيمة اليمين الإسرائيلي" التاريخية، وتبدأ بالتنظير لفرص السلام والمفاوضات وما ويسبقها وما يليها من تنبؤات في الخيال.
ولعل أوضح مؤشر على عدم وجود تغيير فعلي في إسرائيل، هو تراجع نسبة الناخبين العرب، الذين أحسوا بأن صوتهم لن يؤثر بالسياسات العنصرية المتصاعدة ضدهم رغم تحذير الدكتور أحمد الطيبي، الذي فازت كتلته بخمسة مقاعد، بأن العرب اضاعوا فرصة هزيمة اليمين الإسرائيلي.
ما يمكن توقعه، أن الهجوم العنصري على أعضاء الكنيست العرب الفلسطينيين الـ12، بمن فيهم 4 لجبهة المساواة "الحزب الشيوعي"، و 3 من التجمع "البلد" ، ويمر من دون أية ردة فعل عالمية او إسرائيلية تُذكر.
لا شك ان النتيجة تدل على تفاقم الصراع الإسرائيلي الداخلي، لكن حسم هذا الصراع يستوجب توجيه ضربات قاسية للفلسطينيين، وإن تعدت الطرق، لأن الاحتلال والاقتلاع والإحلال لا تقلق الوجدان الإسرائيلي.
هذا هو «عطا الله».. نتنياهو: مقبرة واحدة
رشا ابي حيدر عن السفير اللبنانية
إذاً بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة للمرة الثالثة على التوالي، على الرغم من انه شخص غير محبوب كثيراً من الاسرائيليين، وهو عرضة للانتقاد الدائم، لكن يصوّتون له. حتى ان بن غوريون، الاب المؤسس لاسرائيل، لم يستطع هو نفسه تحقيق هذا الانتصار في ترؤّسه للسلطة على مدار كل هذه السنوات. ربما لان اسم نتنياهو يعني «عطا الله» باللغة العربية، هذه «النعمة» التي أنزلت على الاسرائيليين منذ 15 عاماً، ولا يمكن انكارها حتى اليوم، والدليل على ذلك استمراره في الحكم، في حين انه كان نقمة بلا شك على شعوب اضطهدت ولا تزال، وأوّلها شعب فلسطين. أراد السلطة والقوة، وحصل على كلتيهما في العام 1996، عندما اصبح أصغر رئيس حكومة عن عمر 47 عاماً.
يقول الفيلسوف والكاتب يرمياهو يوفل عن نتنياهو، «هو فائق الذكاء لدرجة انه يستطيع ان يخفي ذلك بهدف التقرّب من ناخبيه». وهو أسلوب يمارسه نتنياهو بناء على نصائح من قبل المسؤول عن حملاته في التواصل والإعلام، الاميركي آرثر فينكلستاين. الشعارات الانتخابية البسيطة هي نفسها، اللعب على الخوف... البارحة، الفلسطينيون كانوا هم الاعداء، اليوم، ايران هي العدو. وقد كان شعار نتنياهو الذي طرحه في حملته الانتخابية الاولى: «رئيس حكومة قوي، لبلد قوي».
للعودة الى جذور العائلة، خصّصت مجلة «لو بوان» الفرنسية تقريراً خاصاً حول رئيس الحكومة الاسرائيلي، الذين ينادونه في اسرائيل، «بي بي»، وعائلته التي تنحدر أساساً من لتوانيا، حيث كان الجد الاكبر للعائلة ناثان ميلكوفسكي، حاخاماً في إحدى القرى هناك. في العام 1920، يتّجه رابين ناثان وأولاده التسعة الى فلسطين في عهد الانتداب البريطاني.
بنسيون، الولد الاكبر، يصبح والد نتنياهو. درس في الجامعة العبرية في القدس، واخذ من نتنياهو (عطا الله) اسما له، وهو الاسم الذي كان يستخدمه الحاخام ناثان في كتاباته في الصحافة الروسية، حيث كان يكتب في صحيفة «حا-يردن»، إحدى صحف اليمين الصهيونية.
في العام 1939، اتجّه نجل رابين ناثان الى الولايات المتحدة، حيث اصبح هناك سكرتيراً لمدة عام للزعيم زئيف جابوتينسكي، الصهيوني الروسي ومؤسس الحركة التصحيحية وحركة «بيتار». جابوتينسكي، الرجل الصهيوني المتطرّف الذي كرّس وقته في ممارسة النشاطات الصهيونية وعمل على النهوض بحقوق الأقلية اليهودية في روسيا. جابوتينسكي، الذي كان ينادي بالرد بالشدة على كل من يريد النيل من أهداف الصهيونية. ومن الجمل الشهيرة التي كان يردّدها هذا المتطّرف، والذي كان متأثّرا به والد نتنياهو، «علينا إعطاء الصهيونية صبغتها السياسية مرة أخرى، والتي أصبحت بعد السنوات التي فاتت من وفاة هرتسل مشوشة تماما وغرقت في النسيان.» ينتقده الكاتب اليهودي المعادي تمامًا للصهيونية، يوري أفنيري، بسبب وجهة نظره «في الموافقة على قتل الابرياء العرب في عمليات انتقامية»، رغم اعجابه الشديد بأسلوب كتاباته، في مقابلة معه مع صحيفة هآرتز الاسرائيلية في العام 2011، والتي حذفت ما نسب اليه من كلام سلبي عن جابوتينسكي.
نشأ عليها نتنياهو، الذي شرب الصهيونية من أب عنيد، لم يغيّر مساره العقائدي الثابت. وقد حيّت الخطابات في اسرائيل سياسة الاب عندما اشادت بالذي «لا يريد ان يعطي شبراً واحداً من الارض اليهودية للعرب!»
نقطة التغيير الفاصلة في حياة نتنياهو كانت وفاة شقيقه البكر يوني إثر استهداف طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في اوغاندا في العام 1976 لتحرير ركاب كانوا على متنها، كان قد خطفها فلسطينيون. تلك الحادثة جعلت من شقـيق نتنياهو بطلاً في اسرائيل. ويؤكّد أحد أصدقاء نتنياهو انه «لولا موت اخيه يوني، لما كان أبدا دخل المعترك السياسي». غير ان نتنياهو، ويا للمفارقة، كان جزءاً من فريق الكوماندوس الذي كانت مهمته تفجير طائرات في مطار بيروت.
نتنياهو، المعروف بسياسة الـ«زيك زاك»، ألّف كتاباً بعنوان: «محاربة الارهاب» أثنى عليه الرئيس الاميركي رولاند ريغن ونصح بقراءته. ومن صفاته انه شخص من دون اصدقاء. هو ذئب وحيد. «لا يؤمن سوى بالقوة». بالنسبة للاسرائيليين، انه رئيس الحكومة الاكثر مراوغة في تاريخ الدولة العبرية. هو رئيس، معسكره نفسه يحذر منه، حيث يراوغ بين التراث العائلي لمنظري الدولة اليهودية وعدم التزامه بالوعود، جراء الضغوطات السياسية. ومن هنا اكتسب لقب «بي بي زيك زاك».
حتى انه في احدى المرات، واثناء اجتماع قمة الدول الـ20 في مدينة «كان» الفرنسية في تشرين الثاني 2011، و«الميكروفون» «مفتوح» على الهواء للجميع، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرئيس الاميركي باراك أوباما: «بنيامين نتنياهو كاذب ولديه ازدواجية في لغته».
«يستطيع ان يكون «فاتنا» سياسيا أمام رؤساء الدول. لكن عندما يتوجّه بالعبرية لزملائه في حزب «الليكود»، لا يقول الاشياء نفسها»، «ليس رجلا موثوقاً جدا به»، قالها رئيس الحكومة الاسبق اسحق شامير، في حديث مع احد الصحافيين من «نيويوركر» في العام 1998.
لدى نتنياهو مصادر تمويل كبيرة من قبل اليهود الاميركيين الاثرياء، مثل نجل استيه لودر، صاحب الشركة العملاقة لادوات التجميل والتزيين، الذي يقف دائما الى جانبه. لديه الدعم السياسي من قبل الجمهوريين، وهم اللوبي اليهودي لليمين والانجيليين الاميركيين.
لا احد يتعجّب من ان نتنياهو، على رأس السلطة، منذ العام 1996، يسعى للحفاظ على تراث والده السياسي: عدم التخلي عن أي شبر من ارض اسرائيل.
حتى لو قبل بالانسحاب من وسط الخليل، مدينة الاولياء، عندما كان بيل كلينتون رئيساً لاميركا، وقبل بحل بعض المستعمرات في عشرة اشهر، لكن منذ حينها، سدّ اذنيه. وفي إحدى المرات، كشف نتنياهو عن الحديث الذي جرى بين والده وبن غوريون بعد غزو سيناء، لطرح استراتيجية للحفاظ عليها: «لماذا انت قلق»، يسأل رئيس الحكومة. «ان الولايات المتحدة تريد ان ترغمنا على الانسحاب»، يرد بنسيون. «وكان محقاً»، يقول نتنياهو، مشيراً الى انها كانت المرة الاولى والاخيرة التي فرضت فيها الولايات المتحدة إملاءها عليهم.
كتب يوري أفنيري، في مقال بعنوان: «البحر والنهر»، في منتصف كانون الثاني العام 2012: «فلسطين، من الاردن الى البحر هي ملك لنا»، قالها خالد مشعل... و«أرض إسرائيل من البحر الى نهر الاردن، ملك لنا»، يقولها اليمين الاسرائيلي دائماً. يرى أفنيري «ان كلا التصريحين يبدوان متطابقين، مع فارق باسم البلد، لكن اذا تمعّنت في قراءتهما، تجد فرقاً بسيطاً: الاتجاه. «من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر». ويضيف: «لدى الصهاينة عقلية العبور من البداية، مثل اسلافهم القادمين من الغرب وحتى يومنا هذا، كما انه لا مفرّ من الحقيقة البسيطة ان تكون هناك دولتان بين النهر والبحر، وكذلك بين البحر والنهر، إلا اذا كنا نريد البلد كله - البحر الى النهر، النهر الى البحر - ليصبحوا مقبرة واحدة». هذا هو نتنياهو!
ماذا تنتظر إسرائيل من نتنياهو؟ سؤال لا يخص العرب. ماذا ينتظر الفلسطينيون؟ الجواب ليس عند نتنياهو بل عند الفلسطينيين.
عودة المشرق العربي إلى نقطة البداية
بقلم: بول سالم ( مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت) عن الحياة اللندنية
بعد مئة سنة من بدء المشرق العربي رحلة بناء مجتمعات سياسية حديثة، يبدو أن تجربتنا منيت بالفشل وعدنا إلى نقطة البداية. فقد انهار لبنان في سبعينات القرن الماضي، وتفكّك العراق في التسعينات وخلال العقد المنصرم، وتنخرط سورية اليوم في أتون حرب أهلية تمزّقها. وعلى عكس مصر وتونس وبلدان عربية عدة أخرى، لم نتمكّن من الحفاظ على وحدة المجتمع ولا سيادة الدولة. وفيما ندخل في المشرق فترة من الانقسام الشديد وعدم اليقين مستقبلاً، هل سنتمكّن من إيجاد طريق العودة إلى الوحدة الوطنية وبناء الدولة الحديثة، أم أن انحدارنا نحو الفرقة والنزاع والتراجع عصيّ على التغيير؟
قبل مئة عام، كان أجدادنا مشاركين فاعلين في النهضة العربية التي كانت تتوق لأن تستبدل النظام العثماني الآفل بدول ومجتمعات حديثة، تقوم على مبادئ تقرير المصير الوطني والمساواة وحقوق المواطنة وتمكين المرأة والتقدم الاجتماعي والعدالة الاقتصادية والتنوير. انهار النظام العثماني بالفعل، لكننا وجدنا أنفسنا أمام تحدٍّ جديد يتمثّل بالانقسامات السياسية التي أوجدها اتفاق سايكس-بيكو وحُكْم قوى الانتداب الأوروبية. لكن على رغم ذلك، أتيحت لمجتمعاتنا الفرصة لبناء مؤسّسات سياسية ديموقراطية ومجتمع مدني فاعل وأنظمة تعليمية واقتصادية حديثة. وتميّزت تلك الفترة بقدر كبير من العمل السياسي الخلاّق وتأسيس حركات وأحزاب سعت إلى صياغة مستقبل عربي أفضل.
في عهد الاستقلال الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، تمت إزالة العقبات التي تسبّب بها الحكم العثماني أو الانتداب الأوروبي، وأصبحنا سادة مصيرنا. بيد أن تقدّمنا السياسي المأمول تباطأ بدل أن يتسارع. فالحركات التي بشّرت بالوحدة والحرية وصلت إلى السلطة لتأسيس دول الحزب الواحد البوليسية وتأجيج الصراعات بين بعضها البعض. جرى تدمير المؤسسات الديموقراطية الوليدة لمصلحة أنظمة ديكتاتورية شمولية، بينما في حالات أخرى، كما هو الحال في لبنان، أُهملت تلك المؤسّسات لكي تضعف وتضمحلّ. كما جرى تبديد طموحات الوحدة الوطنية والمواطنة المتساوية لمصلحة هيمنة جماعة واحدة على الجماعات الأخرى. وفي البلدان التي تعاني من ضعف الدولة مثل لبنان، ظهر التفكّك الوطني في وقت مبكر، في عام 1958، ومن ثّم على نحو أكثر تدميراً في عام 1975. في سورية والعراق، أسهمت القبضة الحديدية الديكتاتورية في تأخير عملية التفكّك، إلا أنها جعلتها أكثر إيلاماً ودموية عندما وقعت.
استعاد شباب «الربيع العربي» في العامين الماضيين روح النهضة العربية، داعين إلى الحرية والوحدة الوطنية والحقوق المدنية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي. لكن في المشرق، كان تأثير الارتداد إلى الطائفية والمذهبية والانتماء العرقي والقبلي أكثر قوة. ففي العراق استغلّت حكومة المالكي فرصة الانسحاب الأميركي قبل عام من الآن للقضاء على خصومها، واستبعاد مبدأ الشراكة الفعلية في الحكم، ومحاولة تعزيز قبضتها على السلطة، غير آبهة بالتفكّك والحرب الأهلية الزاحفة التي تقود البلاد إليها. وفي سورية يبدو النظام الحاكم، الذي يُفترض أنه قام على مبادئ حزب البعث المتمثّلة بالوحدة والحرية والاشتراكية، عازماً على ضرب الوحدة وتأجيج حرب أهلية طائفية واضطهاد شعبه كي يجبره على الخضوع وحماية الثروات البليونية التي تراكمت لدى رموزه.
أما المعارضة السورية، التي اتفقت في البداية بوجه عام على إقامة نظام ديموقراطي تعدّدي في مرحلة ما بعد الأسد، فقد تجاوزتها الآن حركة جهادية راديكالية تسعى إلى إقامة دولة دينية توتاليتارية قد تجعلنا نتحسّر على الإمبراطورية العثمانية.
وفي لبنان، كان أفضل ما تفتّقت عنه العقول السياسية هو طرح ما يسمى قانون الانتخابات «الأرثوذكسي» الذي يقود إلى قفزة تاريخية إلى الوراء باتجاه ترتيبات سياسية تشبه التي كانت سائدة في العصر العثماني، عندما مارست كل ملّة وجوداً سياسياً مستقلاً من دون أن تشارك لا بالمبدأ ولا بالفعل في أي مشروع وطني وازن.
الواقع هو أن المشرق مفلس سياسياً. ففي ظل غياب أفكار وحركات جديدة لتوحيد مجتمعاتنا وتحديد طريق جماعي وعقلاني للمضي قُدُماً، سنغرق أكثر فأكثر في معمعة الانقسام والتفسّخ. ولكن أين هي هذه الأفكار التي ستمضي بنا قُدُماً؟ أين هي نهضة الفكر السياسي التي أضاءت العقود الستة الأولى من القرن الماضي؟ لقد اصطدمت أحلام الوحدة العربية بواقع الانقسام والسلطوية. فإذا كنا قد عجزنا عن الحفاظ على الوحدة والحرية حتى في الوحدات الوطنية الصغيرة، فهل كنّا سننجح في وحدات سياسية أكبر؟ بالإضافة إلى ذلك، اصطدمت طموحات الاشتراكية العربية بواقع الفساد وسُوء استخدام السلطة، وجرى إضعاف زخم المجتمع المدني من خلال تأثير الروابط الأسرية والقبلية و «الهويات القاتلة» ذات الانتماءات الدينية والعرقية. وواجهت الاندفاعة لتمكين المرأة الحدود الجامدة للنظام العربي الأبوي السائد. كما فشلت محاولة بناء المواطنة والهوية الوطنية في مواجهة الهويات الطائفية الأكثر قوة.
في الواقع، كان القرن العشرون هو «القرن الضائع» كما وصفه الراحل الكبير غسان تويني. فها نحن نجد أنفسنا في المشرق في عام 2013، في نقطة انطلاق أسوأ مما كنا عليه في عام 1913. فقد كانت منطقتنا آنذاك تعجّ بالنشاط والتفاؤل لبناء مستقبل عربي مستنير وديموقراطي ومدني. كنا خارجين من خمسة قرون من الحكم العثماني الخانق ونتطلّع إلى اقتناص فرص تتيح لنا التحرّر وامتلاك القرار الوطني وبناء نظام سياسي مدني ثقافي اقتصادي جديد. واليوم وعلى رغم أنّ مصيرنا في أيدينا ولم نعد خاضعين للهيمنة الأجنبية، ما زلنا نفتقر إلى رؤية موحّدة ومشروع شامل للاستفادة من الفرص التي تنتظرنا. وفي ظل حرص كل جماعة على تعظيم هيمنتها أو الاستفادة منها إلى أقصى حدّ ممكن، دمّرنا المشروع المشترك الذي يمكن أن يوفّر الأمن والكرامة والمشاركة والرخاء للجميع.
سيستغرق خروجنا من هذا الليل المظلم سنوات طويلة. ولذا علينا أولاً أن نقدّر عمق الانقسام والضعف الذي غرقنا فيه، ومن ثم علينا أن نبدأ في صياغة الأفكار والمشاريع التي يمكن أن تفضي بنا إلى طريق الخلاص من هذا الواقع القاتم. ولا بدّ أن تستند هذه الرؤى إلى مبادئ الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية التي نادى بها واستشهد من أجلها شباب الربيع العربي. ومن ثمّ يتعيّن علينا أن نعمل على تنظيم الحركات الاجتماعية والسياسية التي ستوصلنا إلى الخلاص. ولا شك أن إنجاز ذلك الهدف سيستغرق سنوات طويلة، فقد أهدرنا بالفعل قرناً كاملاً، فدعونا لا نهدر قرناً آخر.
عملاء الصهاينة
ناصر منذر عن الثورة السورية
لم يعد حكام مشيخة قطر يجدون أي حرج في الإفصاح عن عمالتهم للصهيونية العالمية بعد أن استمرؤوا دورهم التآمري على القضايا العربية لحساب مشغليهم في الكيان الغاصب, متوهمين بأن ذلك سيرفع من شأن مشيختهم,
ويحولها إلى لاعب فاعل ومؤثر في المنطقة والعالم, ويجلب إليها الاحترام والهيبة ويرفعها إلى مستوى الدول الكبرى التي يحسب لها ألف حساب, متناسين أن من يحاول أن يصنع لنفسه تاريخا مكتوبا بدماء الشعوب سيلفظه هذا التاريخ إلى الدرك الأسفل.
والفضيحة الجديدة لآل ثاني بتقديمهم ملايين الدولارات للمجرمين نتنياهو وليبرمان لدعم حملاتهما الانتخابية لا تؤكد تورطهم بقتل الشعب الفلسطيني وحسب, وإنما تثبت بأنهم شركاء حقيقيون للصهاينة في عملياتهم العنصرية الدؤوبة لتصفية وجود هذا الشعب, ونسف قضيته العادلة من الأساس, وسلبه أرضه وحضارته وكل حقوقه التاريخية, وبالتالي منح الاحتلال شرعية وجوده, وإعطاؤه كل المبررات لجرائمه, لتنقلب الصورة فيما بعد ويصبح الفلسطينيون هم المحتلون والإسرائيليون هم أصحاب الأرض الرازحون تحت نير الاحتلال, ويحق لهم القيام بكل ما من شأنه إنهاء هذا الاحتلال ؟!!.
الدعم القطري لحكام الكيان الصهيوني يعني بكل بساطة اعترافاً واضحاً من قبل الجامعة المستعربة باعتبارها مختطفة من قبل مشيخات النفط والغاز «بيهودية» إسرائيل, وبأن القدس عاصمة موحدة لها, ويعني كذلك الموافقة على كل الإجراءات العدوانية الإسرائيلية من قتل للشعب الفلسطيني وتهجيره, والعمل على هدم الأقصى لإقامة «الهيكل» المزعوم, وإنشاء المزيد من المستوطنات, وطمس كل المعالم الحضارية الفلسطينية تمهيدا لشطب فلسطين التاريخية من الخارطة, وقد سبق لمشيخة قطر أن عرضت خريطة مجتزأة لفلسطين تؤكد الاعتراف الصريح «للبعض» العربي بالكيان الصهيوني, طبعا دون أن ننسى دعوة الجامعة المستعربة لعرب 48 للمشاركة الكثيفة بالانتخابات الإسرائيلية بهدف إلغاء هويتهم وانتمائهم العربي.
تآمر حكام المشيخة لم يقتصر على الشعب الفلسطيني فحسب, بل يطال الشعب العربي كله, فأولئك الحكام تآمروا على الشعب الليبي وقتلوا منه الآلاف, وكان لهم الدور الأكبر في غزو العراق, وتقسيم السودان, وإثارة الفتنة في لبنان, ونشر الفوضى في مصر وشراء مسؤوليها لتحييدها عن دورها القومي العربي, واليوم يضعون كل إمكانياتهم لتخريب سورية وتدميرها, طمعا بأخذ دورها الريادي في المنطقة والعالم, ولكنهم يتجاهلون حقيقة أن المتآمر لن يحصد في النهاية سوى الخزي والعار.
«فبركات» إعلام إيران عن «الإخوان»
عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
سعد الكتاتني أحد أركان «الإخوان» في مصر ورئيس مجلس الشعب السابق، تبرأ من رواية «برس تي في»، تلفزيون إيراني، مؤكدا أنها أكاذيب. قال لم يلتق بعلي لاريجاني رئيس مجلس البرلمان الإيراني، في السودان، ولم يسافر أصلا للسودان.
كما سارع عدد من الشخصيات المصرية الإخوانية تنفي الخبر أيضا، بما يوحي بأن الحكومة المصرية في حالة غضب واستنفار ضد الرواية الإيرانية، التي يبدو أنها أطلقت لتخريب زيارة الرئيس محمد مرسي للسعودية ضمن مشاركته في قمة الرياض.
ونحن أمام كوم من الأخبار، الملفقة ربما، تدعي لقاءات جماعة الإخوان بجماعة إيران، وقبلها «فبركة» حوار صحافي مع الرئيس المصري محمد مرسي نشرته صحافة طهران الرسمية! إلا أن الأهم فحصه جيدا أننا أمام علاقة غامضة لسنا متأكدين من يستخدم من ولماذا؟ فتزوير حديث صحافي، أو تلفيق خبر مقابلة، يمكن نفيه، لكن توجيه دعوة رسمية من الرئيس مرسي للرئيس الإيراني أحمدي نجاد هي قصة حقيقية وأكثر أهمية وليست خبرا ملفقا. وبالتالي كل ما يقال تحت هذا السقف، أي دعوة أحمدي نجاد، لا يقلل من حقيقة العلاقة الدافئة، بل يعزز الظنون أن «الإخوان» مرتبطون بإيران، والمستقبل سيكشف حقيقة أو زيف هذا الشك الكبير.
هناك إيرانيون يريدون أن تكون حكومة مرسي محاصرة عربيا حتى تصبح مصر حليفتها الكبرى في المنطقة بديلا لنظام الأسد المنهار. وهناك إخوانيون في مصر يريدون ابتزاز وتخويف الدول العربية، وتحديدا الخليجية، للحصول على دعمها سياسيا وحزبيا وماليا. وقد عبر عن هذا الفريق بعض الكتاب الإخوانيين الذين طالبوا بالتقارب مع إيران بحجة أن الدول الخليجية ليست مع الحكم الإخواني، باستثناء قطر التي هي أصلا على علاقة جيدة بإيران. وأعتقد أن هذا الفريق لا يفرق بين العبث الإعلامي وبين الاستراتيجية السياسية للدولة.
لن يكون سهلا على حكومة مرسي، أو أي حكومة مصرية أخرى، التحالف مع إيران إلا إذا قررت جر مصر إلى طريق المتاعب الداخلية. مصر تحصل على ثلث مداخيلها التي تأتيها من المبيعات والخدمات والتحويلات مع عرب الخليج لا الجانب الإيراني، وتستمد قيمتها الدولية من دورها الإيجابي في المنطقة وليس العكس.
وأن يختار «الإخوان» مستقبلا المخاطرة بكل مصالح شعبهم في سبيل تغيير الخريطة السياسية، أمر مستبعد. ولو صار ذلك، هنا الحديث حينها يأخذ منحى مختلفا.
وسواء كان الإيرانيون يريدون إفساد علاقة الدكتور مرسي بالسعودية وبقية الخليج، أو أن «الإخوان» يستخدمون فزاعة إيران للتقرب أكثر من الخليج، فإن القضايا الأساسية بين الجانبين واضحة، ولن يحكم عليها من أخبار الصحف بل من إيقاع حركة النظام المصري الجديد، مثل علاقته برؤوس الحكم في إيران، وطبيعة الاتفاقات معهم، وما يتم رصده من تدخلات أو مؤامرات إخوانية في دول الخليج.
والذي قد يشكل العقبة الصعبة في العلاقة الثلاثية، حكومة مرسي والخليج وإيران، لعبة الثنائية، أي القول بأن أفعال وتصريحات حركة «الإخوان» في مصر لا تمثل الدكتور مرسي ولا حكومته. لكن هذا أمر يصعب تصديقه لأنها حكومة إخوانية حتى لو سجلت التصريحات السلبية بأسماء أخرى.
الخليج ومصر: الاحتضان أم الدفع إلى الحضن الإيراني
خالد الحروب(أكاديمي فلسطيني) عن الحياة اللندنية
ثمة حاجة ملحة ومتصاعدة للتأكيد على أن مصر ليست هي «الإخوان المسلمين» كما لم تكن نظام مبارك، وكما يجب أن لا تكون أبداً مختصرة في أي نظام حكم أو طبقة حاكمة – وهو ما ينطبق على أي وطن من الأوطان بطبيعة الحال. ضرورة هذا التوكيد تتأتى في سياق ارتباك وتوتر خليجي-مصري لا يخفى أن جذره يعود إلى وصول «الإخوان» إلى الحكم. كما أن ضرورة هذا التوكيد كما اليقظة المطلوبة بشدة من قبل صناع القرار في القاهرة والعواصم الخليجية تأتي من واقع تربص طهران ومراقبتها عن كثب لذلك التوتر وتبني سياسات ومبادرات من شأنها تغذيته، مستغلة ما يحدثه من ثغرات، ومستهدفة إحداث مزيج من التباعد بين مصر والخليج. في سياق كهذا تأتي مثلاً «المبادرة» الإيرانية المعروضة على الغرب لفتح جولة مفاوضات حول الملف النووي تعقد في القاهرة. طهران مهتمة بـ «مكان» المفاوضات أكثر بكثير من اهتمامها بجوهرها في هذه المبادرة، فهي تريد شد القاهرة باتجاهها واستغلال حالة الفتور المصرية – الخليجية المتبادلة. وفي سياق كهذا يندرج «الحب الإيراني» المفاجئ والانتهازي للقاهرة، والذي يصل إلى حد تلفيق الأخبار عن علاقات وزيارات ولقاءات بين مسؤولين إيرانيين ومصريين، بما يضطر القاهرة إلى نفي تلك الأخبار.
حتى الآن ما زال هذا «الحب المفاجئ» من طرف واحد. فالقاهرة التي مزاجها وقلبها وتاريخها ومصالحها مع دول الخليج تتمنع بوضوح وتحسب حساب كل خطوة في الاتجاه الإيراني، وقد رفضت على سبيل المثال فكرة استضافتها لمفاوضات إيرانية غربية حول الملف النووي، وأكدت أكثر من مرة أن أمن الخليج هو جزء من الأمن القومي المصري، وهكذا. لكن ذلك التمنع قد لا يطول إن بقيت سياسة إدارة الظهر والابتعاد هي ما يسم التوجه الخليجي بشكل عام إزاء القاهرة. فمن جهة تواجه القاهرة تحديات وضغوطات على كل الجبهات ومن ضمنها ترسيخ حضورها في السياسة الخارجية وفي المشهد الإقليمي، وإغلاق فضاء الخليج في وجهها يدفعها إلى فضاءات أخرى. ومن جهة ثانية نعرف أن سياسات الاحتواء والتقارب الإيرانية طويلة النفس ولا تيأس بسرعة. كما أنها ذات سمة مبادراتية مدهشة في جرأتها إن لم نقل فجاجتها، كما شهدنا في العرض الإيراني لتزويد الأردن بالنفط المجاني لثلاثين سنة!
ليست هناك حاجة للتذكير بأن طبقات العلاقة المصرية-الخليجية والتي تعود لعقود طويلة تتكثف وتتسع لتصل عميقاً وبعيداً إلى ما بعد السياسة لتشمل التجارة والاقتصاد والقوى العاملة والثقافة والفن والرياضة وربما كل شيء. على مدار عقود ثلاثة أو أكثر، وعلى مستوى السياسة، كانت العلاقات المصرية-الخليجية القوية أحد المعطيات الاستراتيجية الأساسية التي شكلت الإطار العام لتوزيع القوى الإقليمية ومدى نفوذها. وكانت تلك العلاقة التحالفية هي الحافظ المركزي لمعادل قوة عربي كان وما زال ضرورياً أمام النفوذ الإيراني في المنطقة. بيد أن الجانب الاختلالي فيها كان اعتمادها على وجود حسني مبارك على قمة الهرم السياسي في مصر، ذلك أن غياب مأسستها قد ظهر الآن بشكل يدفع لمراجعة عميقة ولإعادة تأسيس على قاعدة أكثر صلابة.
المطلوب إذن هو أن يُعاد تأسيس هذه العلاقة المصرية – الخليجية على المستوى السياسي والعسكري والاستراتيجي على قواعد عريضة وعلى شكل شبكات واسعة متعددة الغايات والوظائف والأهداف المشتركة وليس فقط على شكل خيطي مع الرأس القائم. بمعنى آخر أن تتجاوز مأسسة العلاقات طبيعة النظام الحاكم، سواء أكان مباركياً أم «إخوانياً» أم غيرهما. من المفهوم هنا أن تكون هناك تخوفات خليجية إزاء حكم «الإخوان المسلمين» في القاهرة، بعضها محق وبعضها الآخر مُبالغ فيه. وبسبب هذه التخوفات تتردد عواصم مجلس التعاون الخليجي ما عدا الدوحة في الانفتاح على القاهرة والتعاون مع الحكم فيها. ومن المفهوم أيضاً أن المراهقة السياسية والتخبط الذي وسم كثيراً من سياسات الحكم في القاهرة تحت سيطرة «الإخوان» تثير كثيراً من الشكوك والريبة وعدم الاطمئنان. لكن من غير المفهوم ولا المقبول أن تتم قولبة العلاقات الاستراتيجية المصرية – الخليجية وفق سياسات عابرة، حتى لو كان ذلك لمرحلة ظرفية محدودة، لأن الخسائر قد تكون جسيمة أولاً، وثانياً قد يخرج بعضها عن قيد السيطرة أو الإصلاح المستقبلي، بخاصة إذا انحرفت بوصلة التحالفات الاستراتيجية ودُفعت القاهرة باتجاه طهران. صحيح أن مصر ليست سورية، لكن درس التورط السوري في تبعية طهران مليء بالعبر المريرة، إذ أن التحالف «التكتيكي» بين حافظ الأسد والخميني على قاعدة العداء المشترك «الظرفي» لصدام حسين تحول إلى تحالف استراتيجي طويل الأمد دفع العرب ثمناً غالياً بسببه وما زالوا يدفعون حتى هذه اللحظة.
عندما تتطور العلاقات السياسية والاستراتيجية بين أي بلدين وفق منظومات مصالح (واعتماد متبادل) وليس تبعاً لنمط خيطي بين القادة فإن ذلك هو الضمانة الأهم للحفاظ على تلك العلاقات وفق منظور الأمن القومي لكل دولة من الدول. وهو الشرط الأهم الذي يقلل من مخاطر التغييرات المفاجئة ويخفض من انعكاساتها السلبية إلى الحد الأدنى، كما يبقي الأطراف ملتزمة بتعهداتها وعلاقاتها الاستراتيجية العميقة على رغم التغير الذي قد يحدث في قمة النظام السياسي. مثال العلاقات الأميركية – المصرية يشرح هذه الفكرة، ذلك أن واشنطن كانت حريصة في العقود الماضية على نسج منظومة من العلاقات المتعددة المستويات والأشكال والوظائف مع مصر المباركية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً، تضمن عدم «انفلات» مصر بعيداً عن العلاقة مع الولايات المتحدة حتى في أسوأ السيناريوات (كما حصل مع صول الإسلاميين إلى الحكم). وعندما تحقق هذا السيناريو لم يستطع النظام الحاكم الجديد في القاهرة والمسيطر عليه من قبل «الإخوان المسلمين» إلا أن يتقيد بالاشتراطات التي تتقيد بها مصر بسبب منظومات العلاقات المتشابكة والاعتماد على واشنطن في كثير من المجالات.
قد يُقال هنا: صحيح أن مستوى العلاقات السياسي والاستراتيجي والعسكري بين مصر والخليج اهتز بسبب غياب مبارك وسقوط نظامه، بيد أن مستويات العلاقات الأخرى، التجارية، القوى العاملة، الاقتصادية، الثقافية، من الصعب إضعافها، وهي ستظل تشد وتبقي على العلاقة الإجمالية وتحافظ عليها من عدم الانهيار. وفي هذه المقولة قدر كبير من الصحة، لكن لا يمكن الاعتماد كثيراً وطويلاً على الجانب غير السياسي وغير الاستراتيجي في العلاقة خاصة في ظل الظرف الذي تمر به مصر، لذا فثمة خطورة وخسائر ثنائية مصرية-خليجية تتأتى من الإبقاء على الوضع الراهن كما هو. مطلوب من الدول الخليجية أن ترسم سياسة جديدة واحتوائية إزاء مصر حتى مع وجود «الإخوان المسلمين» على رأس الحكم، سواء استمروا أم ذهبوا. ومطلوب قطع الطريق على إيران وسياساتها الاحتوائية إزاء مصر. وفي نفس الوقت من المهم أن تتفهم دول الخليج، بل وأن تكون داعمة لأي سياسة مصرية تقاربية إزاء إيران تكون قائمة على الندية وعلى أساس المصلحة العربية في المقام الأول. فليس من المصلحة العربية استعداء إيران فهي موجودة في الجوار العربي وستبقى. لكن المطلوب هو علاقات صحية قائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل الإيراني في الشؤون العربية، وإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية.
من جهة أخرى يطرح التأزم الحاصل في العلاقات المصرية – الخليجية على «الإخوان المسلمين» مسؤولية كبيرة وأسئلة لا بد من مواجهتها ومرتبطة جوهرياً بالعلاقة بين «إخوان» مصر وبقية تنظيمات «الإخوان» في المنطقة. وطالما بقي هناك أي شكل من أشكال «التنظيم الدولي» له فروع في البلدان المختلفة ومنها الخليج، فإن ذلك يثير ريبة وشكوك الدول والحكومات. في مصر ما بعد الثورة، وفي مصر التي أصبح العمل السياسي فيها حراً وغير مقيد للإسلاميين وغيرهم، ليس هناك أي مبرر للازدواجية التي تهواها الحركات الإسلاموية، وهي تشكيل أحزاب سياسية تشارك في الانتخابات والعملية الديموقراطية، مع الإبقاء على «الحركة الأم». هذه «الحركة الأم» التي تأسست واشتغلت في ظروف السرية والملاحقة ليس لها مسوغ للوجود الآن، في مصر وتونس وليبيا واليمن، حيث انجبت أحزاباً بأسماء أخرى تشارك في السياسة بحرية وعلى قدم المساواة مع الآخرين. الضرر الذي تتسبب به إقليميا في توتير العلاقات هو إنتاجها شبه الوحيد!
العلاقات الإخوانية الناصرية من الأربعينات إلى وفاة ناصر (1من2)
د. كمال الهلباوي(كاتب مصري) عن القدس العربي
سمعت أول مرة عن عبدالناصر رحمه الله تعالى، يوم حريق القاهرة- 26 يناير 1952، وكنت آنئذ طالبا في مدرسة المساعي المشكورة الثانوية في شبين الكوم، محافظة المنوفية. ذكر لنا بعض الأخوة الكبار من الطلاب والمدرســـين من الإخوان في فسحة الغذاء، وكانت ساعة ونصف في تلك الأيام، وكنا نستعد لمظاهرات في الأيام التالية، ذكروا لنا، شيئاً سريعاً عن حركة الضباط الأحرار، وعن جمال عبدالناصر وعلاقته بالإخوان، مع مجموعة أخرى من الضباط الأحرار والشخصيات الفاعلة من صلب حركة الإخوان مثل: معروف الحضري ومحمود لبيب رحمهم الله تعالى جميعاً.
لم يكن الأمر آنئذ- أمر التفاصيل الدقيقة- على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للإخوان الطلبة، حيث كان الإخوان-بل والقوى الوطنية كلها- يعيشون حالة من الغليان ضد النظام الملكي، وفساد الملك فاروق وحاشيته. كان الإخوان في مظاهراتهم المنضبطة آنئذ يهتفون هتافات ربانية مدوية منها: هبي ريح الجنة هبي'، ومنها: 'الموت في سبيل الله أسمى أمانينا' وذلك للتذكير بالإخوة الكرام الذين يستشهدون في القتال ضد المحتل الانجليزي، تحت اسم الفدائيين والتذكير بشعار الإخوان. وكانت القوى الوطنية الأخرى وخصوصاً القوى الاشتراكية في تظاهرهم يهتفون 'أين أمك يا فاروق، أين أختك يا فاروق'، وكان الاثنان يلتقيان أحياناً في التظاهرات الكبيرة والمناسبات الوطنية العامة.
لا نستطيع أن نكتب مقالاً قصيراً كهذا، يعالج قضية العلاقات الكاملة بين الإخوان وبين جمال عبدالناصر أو ثورة يوليو بالدقة المطلوبة، وذلك لعدة أسباب منها: أن تلك العلاقات إستمرت ما يقرب من ثلاثين سنة، وأن تلك الفترة الزمنية كانت ثرية جداً بالأحداث والوقائع قبل الثورة وما بعدها، وكذلك تذبذب تلك العلاقات وتنوعها، وخصوصاً بشأن عدة قضايا منها: إنضمام عبدالناصر للإخوان تنظيمياً وأثره في النظام الخاص وتأثير النظام الخاص فيه، وتحديد موعد إندلاع الثورة وموافقة الإخوان ودعمهم لها على كل المستويات، ودور الإخوان في حرب القنال ومشاركة ناصر وبعض رجال الثورة من الضباط الأحرار في التدريب وتوفير السلاح، والفشل في التوصل إلى شراكة سلمية في الحكم بعد الثورة لمدة طويلة، والمذكرات العديدة والاجتماعات الكثيرة ثم التوتر في العلاقات، وخصوصاً في سنوات 1953، 1954،1965 واحتلال المركز العام للإخوان، ودور ناصر في ذلك، وعلاقته القوية المستمرة مع بعض أركان النظام الخاص، كما تقول بعض المصادر والمراجع، والمظاهرات وأهمها مظاهرة ميدان عابدين، وعودة محمد نجيب للحكم تحت ضغط الإخوان، وحادث المنشية بين الحقيقة والتآمر، والمحاكمات الهزلية للإخوان سنة1954 وسنة 1965 ثم السجون والمعتقلات، وما وقع فيها من تعذيب شديد ومطاردات بعد الشنق والقتل، ثم العدوان الثلاثي وحرب 1967 ثم وفاة عبدالناصر رحمه الله تعالى.
كل هذه الأحداث والوقائع المهمة، كانت ميداناً للتأريخ والقصص والنثر والشعر والمسرح وغيرها من وسائل التعبير، ولكن معظم إن لم يكن كل من كتب في ذلك من الجانبين، تناول من وجهة نظره الأحداث والوقائع وربما فسرها في ضوء رؤيته فقط. نظر الطرفان الصديقان بعد الخلاف إلى بعضهما البعض في الغالب نظرة عداوة أو نظرة ملاك إلى شيطان حتى أطلق بعضهم على الإخوان إسم إخوان الشياطين، أو التركيز على السلبيات دون أي من الإيجابيات، وهي النظرة التي تفسد العلاقات والتاريخ، وتنأى تماماً عن الموضوعية كلاً أو جزءا.
والخاسر الأكبر هو الوطن الجريح، وربما كانت الخسارة وخصوصاً في حرب 1967 عقاباً على هذا الموقف وكان الإخوان وهم في المعتقلات قد طالبوا بأن يشتركوا في الحرب ضد إسرائيل ولم يمكنوا من ذلك. إستمعت إلى معظم قيادات الإخوان الذين قضوا في المعتقل أو السجن سنوات طويلة، بعضها وصل إلى عشرين سنة من 1954-1974. وممن استمعت إليهم بإهتمام شديد الأستاذ حسن الهضيبي، والأستاذ عمر التلمساني، والأستاذ الدكتور سعيد رمضان واللواء صلاح شادي والدكتور أحمد الملط والأستاذ مصطفى مشهور والأستاذ كمال السنانيري والأستاذ أحمد حسنين والحاج عباس السيسي والأستاذ مأمون الهضيبي والأستاذ محمود شكري والشيخ الجليل عبدالمعز عبدالستار، والدكتور أحمد العسال والأستاذ محمد أحمد علي، الذي قد لا يعرفه كثير من الإخوان، وكان مساعداً وسكرتيرا، للأستاذ عبدالرحمن السندي والدكتور توفيق الشاوي، والأستاذ عبدالقادر حلمي والشيخ محمد الغزالي وآل الشربيني عصام وصلاح وسيف، والأستاذ أحمد رائف والدكتور سليمان حجر، والأستاذ علي جريشة والدكتور ممدوح الديري والأستاذ جابر رزق والأستاذ محمد هلال وشقيقه الأستاذ عبدالقادر هلال والدكتور حسين كمال الدين والأستاذ فتحي الخولي والأستاذ محمد عبدالحميد والدكتور إبراهيم عبيد وإخوانه، وصهري الأستاذ عبدالقادر شاهين- المحامي، والأستاذ الجليل أحمد البس وغيرهم ممن قضوا رحمهم الله تعالى جميعاً.
استمعت إليهم طويلاً في هذه القضية كما استمعت إلى آخرين منهم أستاذنا الدكتور محمد فريد عبدالخالق والأستاذ عثمان إبراهيم والأستاذ محمد مهدي عاكف والمهندس مراد الزيات والأستاذ محمود حامد والأستاذ محمد العزباوي وآل البنا وغيرهم ممن هم على قيد الحياة ومنهم الأستاذ محمد فؤاد مصطفى والأستاذ ابراهيم منير حفظهم الله تعالى وأطال عمرهم.
هذا على سبيل المثال لا الحصر.
إستمعت وقرأت لمن كتب منهم عن التعذيب والوحشية وإهدار الكرامة، وجوانب مما تعرضوا لها في السجون والمعتقلات، وبالتأكيد كان في أذهانهم الخسارة الكبيرة التي عادت على الوطن من جراء ذلك الانقسام والظلم، وبالتأكيد لم يكن من الممكن أن يكتب أي منهم عن إنجازات أو نجاحات أو إيجابيات في عهد عبدالناصر. هانت أي إيجابيات وإن كثرت، ومهما كانت تتعلق بكرامة الوطن، أمام هذا الظلم الفادح وإهدار كرامة البشر أو المواطنين، أيا كانوا من الإخوان المسلمين أو من الشيوعين أو غيرهم.
قرأت كذلك لعدد كبير ممن أرخوا لهذه الفترة من الناصريين والشيوعيين والليبراليين ووجدت إختلافاً شاسعاً في النظرة إلى الحدث، أي حدث وأي وقائع، فبعضهم ينظر نظرة جزئية من زاوية أو أكثر لا تصل إلى حد الشمول أو النظرة الكلية، وبعضهم ينظر بعين المحب أو الكاره وبعضهم كتب بعد أن نسي بعض الأحداث أو تغيرت الأحوال والظروف، ومن ثم ضاعت الموضوعية والانصاف كلاً أو جزءاً، وضاعت النظرة الفاحصة الشمولية أو الكلية، التي يجب أن تكون مع كل تأريخ حتى تستطيع الشعوب النهوض، ويضطلع المسؤولون والمعارضة بالمسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتق كل منهم.
ومن أهم سلبيات عصر عبدالناصر، الظلم الذي وقع على أهل الرأي والأيدلوجيات جميعاً وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين والشيوعيين وبعض الاعلاميين والكتاب ممن اتهموا بالتجسس، حتى المحاكمات الثورية والشعبية العابثة، التي يسأل قضاتها المتهمين الأبرياء من الإخوان أن يقرأوا الفاتحة بالمقلوب.
ومن أهم السلبيات السجون والمعتقلات المهينة للكرامة، تلك الكرامة التي كان ينادي بها عبدالناصر نفسه وكان الشعار'إرفع رأسك يا أخي'. ومن السلبيات استعلاء رجال الجيش والأمن على الشعب، واستحواذهم على الموارد وتدميرهم وسرقاتهم للبيوت التي دخلوها للقبض على الإخوان، ومن السلبيات الكبيرة، الهزيمة الساحقة في حرب 1967بالإهمال أو الخديعة أوالفساد، أوالمعلومات الخاطئة والمغلوطة، التي زوّد بها بعض جنرالات الجيش وسائل الاعلام وخصوصاً أحمد سعيد وصوت العرب حتى قال عبد الناصر: 'العدو الذي توقعناه من الشرق آتى من الغرب'. ومن السلبيات في عهد عبدالناصر تقييد الحريات وإلغاء الأحزاب والقضاء على المعارضة أياً كانت، والدخول في خصومات مع الحكام العرب، كان إصلاحها صعباً ومهيناً. وتمثل بعض، ذلك الاصلاح في مؤتمر الخرطوم المعروف بمؤتمر اللاءات الثلاث، لا للتفاوض لا للصلح لا للاعتراف، وذلك بعد أن هدد ناصر الملك فيصل بنتف شعر ذقنه.
ومن الايجابيات في عهد عبدالناصر التي لاتخفى على عاقل ولا ينكرها إلا جاحد أو كاره، إرتفاع كرامة وقيمة المواطن المصري خارج مصر، وخصوصاً بين العرب والمسلمين والأفارقة والأسيويين الذين شاركوا في تأسيس ومؤتمرات دول عدم الانحياز، وإنحسار أو تعثر المد الصهيوني الاسرائيلي في أفريقيا وآسيا، والاصلاح الزراعي الذي بدأ بعد ثورة يوليو بأقل من 50 يوماً، وضمن ذلك انشاء الجمعيات الزراعية في معظم القرى المصرية. وتأميم قناة السويس رغم المتاعب التي جلبتها على مصر، وتمصير الشركات الأجنبية، والتصنيع المتطور وبرنامج الطاقة النووية ومؤسسة الطاقة الذرية، وهى كلها برامج تنموية طموحة لولا التحديات الخارجية من جانب الغرب، أقصد أمريكا وأوروبا واسرائيل، والخداع أحياناً من جانب الشرق، أقصد الاتحاد السوفييتي.
ومن هذا التصنيع، مشروعات الصناعات الثقيلة، ويشمل ذلك الحديد والصلب والأسمنت وعربات السكك الحديد، ويأتي في قمة ذلك مشروع السد العالي وإستصلاح الأراضي وانتشار التعليم والوحدات الصحية والكهرباء والمياه حتى في معظم قرى الريف. إنتقل عبدالناصر إلى رحمة الله تعالى، وديون مصر حسب الاحصاءات مليار دولار قيمة أسلحة إشترتها مصر من الخارج، لإعادة بناء الجيش وتطوير امكاناته وخصوصاً بعد هزيمة 1967 المهينة والمشينة، وكانت قيمة الجنيه المصري أكثر من ثلاث دولارات.
وفوق هذا وذاك، ذلك الموقف العظيم الشعبي العربي الواعي لخطورة إسرائيل والحركة الصهيونية، ولذلك لم يتوقع أحد أبداً أن تتغير السياسة المصرية-رغم فلسفة الثورة- على يد أحد أبرز القائمين بالثورة أنور السادات إلى هذا الحد الذي سارت فيه متمثلاً في زيارة القدس ثم إتفاقية كامب ديفيد وخصوصاً بعد إنتصار أكتوبر 1973، إلى أن وصل مبارك الذي هبط على مصر بالباراشوت وأصبح الوريث للثورة العظيمة، لأن يكون كنزاً استراتيجياً لاسرائيل، ويسعى لتوريث الحكم للعائلة على غرار الملكية الفاسدة مرة أخرى.
كان أجمل ما قرأت، من ناحية الكتابة المنضبطة في ظني، بالشرع والتاريخ والقيم، ما كتبه العلامة الدكتور القرضاوي في مذكراته القيمة عن العلاقات بين الإخوان وجمال عبدالناصر، وعن أثر عبدالناصر في شعوب الخليج رغم عداوته للحكام، وعن أثر وفاة عبدالناصر المفاجئ على الشعوب العربية وخصوصاً أهل الخليج ويأتي ذلك بشيء من التفصيل في المقال الثاني بمشيئة الله تعالى.
الأميركان والدور الإيراني؟
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
على مقهى في شارع عربي، جلس الناس، يتابعون بعدم اكتراث نشرة الأخبار على شاشة إحدى الفضائيات، وأخذوا يخففون من حالة الاكتئاب العام التي أصابتهم عبر هواء النارجيلة. وبينما يحاول العبد لله ارتشاف كوب من الشاي بالنعناع الأخضر كي يهدئ أعصابه، اقتحم عليّ عزلتي مواطن غاضب.
المواطن: يا أستاذ، يا أستاذ، عاجبك كده، الأميركان يقولون إنهم لن يقوموا بضرب إيران، ولا يعرفون متى يسقط النظام في سوريا!
ماذا يعني ذلك؟
العبد لله: ببساطة هذا يعني أن الأميركان لديهم أولويات أخرى أهم من إيران وسوريا.
المواطن: أية أولويات أهم من هذه الأخطار المحدقة بالعالم والمنطقة؟
العبد لله: الاقتصاد يا سيدي.
المواطن: أي اقتصاد هذا الذي تتحدث عنه؟
العبد لله: اقتصادهم المأزوم، تلك هي قضية القضايا بالنسبة لهم وهي تحتل سلم الأولويات من رقم واحد إلى عشرة.
المواطن: ما هو أثر الاقتصاد على السياسة الخارجية؟
العبد لله: السياسة الخارجية دائما عندهم في خدمة المصالح الاقتصادية، فلا معنى لسياسة خارجية لا تحقق أي مصالح أو منافع.
المواطن: ولكن لماذا تحركوا بسرعة في ليبيا؟
العبد لله: ليبيا دولة بترولية، ولو كانت سوريا إحدى دول النفط لتغير الموقف الدولي كله منها.
المواطن: إيران أيضا، واحدة من أكبر الدول المصدرة للبترول، فلماذا لا يتحركون؟!
العبد لله: إيران لديها جيش نظامي كبير، وصواريخ متوسطة وطويلة المدى ذات رؤوس تدميرية.
المواطن: وهل قوة إيران في جيشها؟
العبد لله: ليس في قدراتها العسكرية فحسب، ولا في سلاح بحريتها القادر على إغلاق مضيق هرمز، ولكن الأزمات القادرة على تحريكها في المنطقة.
المواطن: اشرح لي أكثر.
العبد لله: إيران تملك مفاتيح أساسية في جنوب لبنان، في حماس، في الحوثيين باليمن، في البحرين، في العراق، وفي سوريا. وهي تستطيع تسخين أو تهدئة هذه الملفات وقتما تريد بالأسلوب الذي يخدم مصالحها.
المواطن: وما هو سر قدرتها على إدارة هذه الملفات؟
العبد لله: المال أو البترودولار يا صديقي الذي يتم تحويله شهريا بشكل منتظم من قنوات الحرس الثوري الإيراني لأماكن التوتر في المنطقة.
المواطن: هل تريد أن تقنعني أن طهران لديها قدرة مالية أكثر من واشنطن.
العبد لله: لا. الاقتصاد الإيراني هزيل إذا ما قورن بالاقتصاد الأميركي، ولكن في طهران تستطيع أن تنفق كما تشاء أما في واشنطن فالقرار مقيد للغاية!
(انتهى الحوار).
أوروبا والإسلام السياسي
موفق محادين عن العرب اليوم
مقابل الإسلام السياسي الجهادي الوطني ضد الاستعمار القديم كما مثله القسام والمختار وابن باديس والخطابي.. مرت الطبعات الاستعمارية للإسلام السياسي بعدة مراحل أساسية، تناوب عليها الإنجليز والأمريكان والفرنسيون:-
أولا: بريطانيا والإسلام السياسي: كان أول عهد الاستعمار البريطاني مع هذا النمط من الإسلام، هو ما قام به ضابط المخابرات البريطانية، همفر، حيث التقط مؤسس الوهابية القادم من نجد، في البصرة وسلمه إلى المخابرات البريطانية في أصفهان لتتولى إعداده وذلك عام 1710، وكان لا يكترث بالأئمة الأربعة ويدعو لهدم الأضرحة.
أما المحطة الثانية فكانت مع ضابط المخابرات البريطانية فيلبي (الأب) الذي عرف بالحاج عبدالله قبل أن ينقل بندقيته إلى المخابرات الأمريكية وشركة أرامكو.
المحطة الثالثة كانت مع كرومر الحاكم البريطاني لمصر الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا الذي كان بدوره حلقة أيديولوجية وسياسية وسيطة بين الوهابية وبين حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين..
ويذهب رفعت السعيد في اتهاماته للبنا بأنه أسس مشروعه في الإسماعيلية 1928 بدعم من شركة قناة السويس البريطانية ثم إسماعيل صدقي رئيس الوزراء المصري المقرب من المخابرات البريطانية التي اصطدمت مع الملك فاروق في بدايات الحرب الثانية، واتهمته بالتعاون مع هتلر، وذلك قبل تدبيره اغتيال البنا في إطار احتدام الصراع الإقليمي والدولي على مصر بعد انتهاء تلك الحرب.
ثانيا: فرنسا والإسلام السياسي
بعد ثورة المصريين على المشايخ الذين تعاونوا مع نابليون لم تظهر فرنسا الاستعمارية ثانية بقوة في المشهد الإسلامي إلا عبر (مؤتمر باريس 1913)، ودور مشايخ مثل الزهراوي الذين روجوا لفرنسا الصديقة وبرروا استعمارها للشرق العربي. وبعد احتلالها لسورية شكل الشيخ تاج الدين الخطيب (جد رئيس المعارضة السورية الحالية) حكومة سورية صادقت على ضم الإسكندرون السوري إلى تركيا، واعتمدت علم (المعارضة الحالية) علما لها، وترمز نجماته الثلاث إلى ثلاثة كيانات طائفية (المسلمون والمسيحيون والعلويون).
ثالثا: فيما يخص النظرة الأوروبية الجديدة للإسلام السياسي، فالأبرز هنا دراسة اليكسي غلني الصادرة عن (الجزيرة) 2010 تحت عنوان (جسور لا جدران)، ومما جاء فيها:
1 - أهمية الحوار مع جماعات الإسلام السياسي مع تفهم رؤيتها للديمقراطية مقابل القواسم المشتركة المهمة في مجالات السوق وفلسفته وفي مجال القيم الدينية المشتركة.
2 - ترجمة هذا الحوار في استراتيجيات عمل لا سيما في ضوء استنزاف الأنظمة العربية لنفسها وعجزها عن تجديد دورها.
وحسب دراسة أخرى لـ فيلدمان فإن الغرب بحاجة إلى مشروع (مارشال)، وصحوة إسلامية تستبق صحوة الدب الروسي في قلب العالم (أوراسيا).
التعيينات الأخيرة في الإدارة الأميركية تعكس اهتماماً متزايداً بالسياسة الخارجية
مـا هـي مقاربـة جـون كيـري حيـال سـوريا وإيـران؟
جو معكرون عن السفير
كل تعيينات الرئيس الأميركي باراك أوباما تشير إلى أن السياسة الخارجية ستكون من أولوياته الرئيسية خلال الولاية الثانية، في محاولة لترك بصمات بأقل تكلفة ممكنة على عالم تتسارع خطى تغييره وتزداد وتيرة خطورته.
أعلن أوباما أمس عن تعيين دينيس مكدونو في منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو سيكون منذ الآن بوابة الوصول إلى الرئيس. وقبل المنصب الجديد، شغل مكدونو منصب نائب مستشار الأمن القومي، وساهم في بلورة خطط الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان. وعادة يكون التركيز في منصب كبير الموظفين على القضايا المحلية، لكن خبرة مكدونو قد تعني دفع قضايا السياسة الخارجية على طاولة الرئيس. وما يعزز هذا الأمر أيضاً هو بقاء توم دونيلون في منصب مستشار الأمن القومي، وهو أيضاً الشخصية النافذة الأخرى في دائرة أوباما الضيقة، والذي يقوم بدور رئيسي في السياسة الخارجية.
وتزامن هذا الأمر مع خروج مهندس حملة أوباما الانتخابية ديفيد بلوف من البيت الأبيض، أي الانتقال من زمن الانتخابات إلى مرحلة الحكم. بالإضافة إلى ذلك، يعكس تعيين مكدونو رغبة أوباما بفتح صفحة تعاون إيجابية مع الكونغرس. وهناك مؤشرات أن أوباما يبحث عن الثقة والوفاء في المراكز الحساسة حوله خلال ولايته الثانية.
هنا يأتي جون كيري في منصب وزارة الخارجية، وهو الذي كان وفياً لأوباما طوال فترة ولايته الأولى وساعده على نزع فتيل الكثير من الأزمات الدولية، كما أن خدمته لفترة 28 عاماً في الكونغرس ستساعده على تجاوز العراقيل في مبنى «الكابيتول هيل». كان السيناتور كيري في بيته خلال جلسة الاستماع حول ترشيحه أمس الأول أمام زملائه في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والتي ترأسها منذ أكثر من أربع سنوات بعد تولي سلفه جو بايدن منصب نائب الرئيس.
أما الرئيس الجديد لهذه اللجنة النافذة اليوم فهو السيناتور روبرت مينينديز، الذي لن يكون على مستوى خبرة كيري أو بايدن في السياسة الخارجية، لكنه كان من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ نفوذا في دفع سلسلة القوانين التي تعزز العقوبات المالية على طهران.
أعطى كلام كيري خلال جلسة الاستماع بعض المؤشرات عن توجهاته بعد توليه المنصب رسمياً، وهذا متوقع الأسبوع المقبل بعد تصويت الجلسة العامة على ترشيحه. قال كيري أولاً إن «الرئيس أوباما وكل واحد منا هناك يعلم أن السياسة الخارجية الأميركية لا تعرّف فقط بالطائرات من دون طيار وعمليات الانتشار العسكري». هنا يتابع كيري تقليد وزراء الخارجية الذين يتمسكون بتعزيز ميزانية برامج التنمية الدولية بديلاً من مقاربة الاستخبارات والعسكر. أما المؤشر الثاني فهو وصف كيري ما يحدث في المنطقة بأنه «صحوة عربية»، معتبراً أن «شباب ميدان التحرير الذي حقق لمصر ثورتها يمثل عطش الأجيال لفرص وحقوق المشاركة في الحكم وليس حركة دينية»، في إشارة إلى جماعة «الإخوان المسلمين».
طمأن كيري الكونغرس أيضاً، قائلاً «سياستنا ليست الاحتواء، هي المنع. الوقت يمر على جهودنا لضمان امتثال مسؤول» من قبل طهران، كما لمّح إلى أن الإدارة ستواصل طريق البحث عن إجماع دولي لزيادة عزلة إيران. وأضاف أن «الرئيس أوباما وأنا نفضل الحل السلمي لهذا التحدي وسأعمل لإعطاء الديبلوماسية كل جهد للنجاح. لكن لا أحد عليه أن يخطئ بعزمنا على تقليص التهديد النووي».
وتحدث كيري عن استعداد الإدارة حتى الانخراط في جهود ثنائية مع طهران، موضحاً في هذا السياق «يحتاج الإيرانيون إلى إدراك أن ليس هناك جدول أعمال آخر هنا. إذا كان برنامجهم سلمياً، يمكنهم إثبات الأمر وهذا ما نسعى إليه».
وخلال جلسة استمرت حوالي أربع ساعات، دعا كيري السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى تفهم حساسية منطقة الشرق الأوسط وتاريخها، قائلا «لا يمكن أخذ مفهوم أميركي أو غربي وإسقاطه والقول إن هذا الأمر سينجح».
وبعد تقاعد السيناتور الجمهوري المعتدل ريتشار لاوغار، أتى كأرفع جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب كوركر الذي استمر في هذا التقليد من طرح المواقف المعتدلة خلال الجلسة، وترك معارك الأسئلة الحزبية إلى زملائه الجمهوريين. وسأل كوركر السيناتور كيري عن خلاصة اجتماعاته السابقة مع الرئيس السوري بشار الأسد التي قد تساعده في التعامل مع هذا الملف. ورأى كيري أن الأسد «قام بمجموعة من الأحكام التي لا يمكن تبريرها وتستحق الشجب، وأنا أعتقد أنه لن يبقى طويلا على رأس دولة سوريا».
وركز كيري على المرحلة الانتقالية، قائلاً «نحتاج إلى تغيير حسابات بشار الأسد. في الوقت الراهن، الرئيس الأسد لا يعتقد أنه يخسر، والمعارضة تعتقد أنها تكسب. هذه ليست معادلة تسمح بالتوصل إلى نوع من التسوية لمرحلة انتقالية». كما ذكر كيري أن هناك مؤشرات بأن الروس يريدون رحيل الأسد «لكنّ لديهم شعوراً مختلفاً عن طريق وتوقيت ذلك».
بدوره، اعتبر السيناتور الجمهوري جون مكاين، الذي دعم ترشيح كيري «من دون تحفظ»، أنه مع ترك واشنطن مسافة من سوريا يتعزز نفوذ تنظيم «القاعدة» في هذا البلد، في وقت انتقل فيه الأسد إلى «الخطة ب وهي الذهاب إلى الساحل والقيام ببعض التطهير العرقي». كما انتقد كلام كيري عن روسيا، مشيراً إلى أن موسكو لا تزال تمد النظام السوري بالسلاح.
رد كيري بأن لديه مجرد أمل حيال تحول الموقف الروسي لأنه «الطريق الأسهل... لتغيير حسابات بشار الأسد». وهنا أعطى كيري تقييمه عن الوضع في سوريا، متحدثاً عن قلق من «انهيار كامل للدولة ولا أحد لديه تعريف واضح لكيفية تجميع القطع مرة أخرى»، وقلق من خطر انتشار الأسلحة الكيمائية. وذكر أن هناك «ناساً في الخليج لا يترددون في توفير الأسلحة وهذا من أحد الأسباب، بالإضافة إلى إدخال جبهة النصرة إلى المعادلة، التي جعلت التحرك على الأرض أسرع من الحركة في السياسة».
يذكر أنه عندما كان في صفوف الكونغرس، لمّح كيري إلى عدم اعتراضه على فكرة تسليح المعارضة السورية، لكنه الآن يتناغم مع مواقف الإدارة أي التأكيد على رحيل الأسد، مع اعتبار أن إضافة أسلحة إلى هذا النزاع لا يؤدي سوى إلى تعقيد الوضع على الأرض. وكان واضحاً من التسريبات الأخيرة من وزارة الخارجية حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية أن هناك أصواتاً في «فوغي بوتوم» لديها تحفظات على سياسة البيت الأبيض المتريثة حيال سوريا، لكن كيري سيكون على الأرجح في تناغم مع دائرة أوباما الضيقة في التعامل مع الملفين السوري والإيراني.
«طلبنة» سوريا و«أخونة» المنطقة
رأي البيان الإماراتية
أطلق الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، أول من أمس، تحذيرات شديدة من مخاطر انحراف مسار الأحداث في سوريا وانعكاساتها على كامل المنطقة، وبالتالي جرّ بلدان المنطقة وشعوبها إلى مستقبل مجهول وفصول دموية جديدة، عبر احتدام الصراعات على أسس دينية وطائفية أو إثنية.
تحذيرات العاهل الأردني جاءت عبر الكلمة التي ألقاها في منتدى دافوس العالمي الـ43 المنعقد حالياً في سويسرا، حيث أكد أن «طالبان الجديدة التي تنبغي مواجهتها تتواجد في سوريا»، وأن «القاعدة متواجدة في سوريا منذ عام وتتلقى دعماً وأسلحة وتمويلاً من جهات معينة»، داعيا المجتمع الدولي إلى ضرورة «وضع خطة انتقالية حقيقية وشاملة تضمن وحدة سوريا أرضا وشعبا»، محذرا من أن أي خيار عكس ذلك «إنما هو دعوة للتشرذم والتنافس المتطرف على السلطة والاستئثار بها».
هذا التحذير الذي يأتي متزامنا مع تسارع الأحداث في دول ما سمي "الربيع العربي"، يعكس هاجساً عربياً وإقليمياً متزايدا من هيمنة تيارات وحركات متشددة على مسار المعركة مع النظام في سوريا، وصعود تيارات دينية تسلّقت وتربعت على السلطة، أو هيمنت عليها في أكثر من بلد ضمن محاولات ما يسمى «أخونة» مسار «الربيع العربي»، وهو ما يثير القلق من مستقبل وقادم الأيام على هذه البلدان ومحيطها، إن كشّرت التيارات الدينية فيها عن أنيابها وأهدافها الحقيقية.
ورغم أن النظام في سوريا يبقى هو المسؤول الأول عما يعانيه الشعب السوري الشقيق، إلا أن الحالة السورية وتزايد سطوة الحركات المتطرفة وحضورها على الأرض، تظل هي الأخطر كلما طال أمد الأزمة والصراع الدموي في سوريا، نظرا للتعقيدات الإثنية والدينية والجغرافية داخل سوريا وامتداداتها في خريطة المنطقة.
وواجب العقلاء والأحرار في المعارضة السورية الوطنية، أن يفرزوا هؤلاء المتشددين ويحاولوا النأي بحركتهم العادلة عنهم، كما أن واجب المجتمع الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أن تبادر للتوافق حول حل سياسي يوقف نزيف الدم السوري، ويقطع الطريق على حركات التطرف والتنظيمات المتشددة، قبل فوات الأوان ..
أيتام على موائد اللئام
جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
مؤسف أن نشاهد الرفيقة المحترمة عبلة أبو علبة وهي تطارد من أجل المقعد 27 الأخير في القوائم الانتخابية، وهي المناضلة اليسارية ابنة الجبهة والحزب منذ ما يقارب الأربعة عقود، والأكثر أسفا أنّ حزبها متحالف بقائمة من أحزاب أخرى عريقة, قومية وتقدمية لها تاريخها، لم يتمكنوا جميعهم إلاّ من جمع أقل من أربعة عشر ألف صوت فقط, في حين أنّ الحزب الذي تريد الرفيقة مقعده لم يتجاوز عمر الفــــــطام، فـــــــأيّ سعي وأيّ مغنم هذا الذي تبحث عنه أحزاب النهوض، وما الذي ستحققه الرفيقة لو أنّها حصلت على المقعد اليتيم سوى تجديد لقب نائب وقد جرّبته، وأقلّ نتائجه تردّي واقع حزبها.
في غابر الأيام والزمان كان عملنا الحزبي في الجبهة ومنظمة مجد بقيمة المبادئ النضالية، ورغم تكشف أنّنا كنّا الأكثر اختراقا من قبل الأجهزة الأمنية، إلاّ أنّ حضورنا الوطني الأردني والفلسطيني كان ذا صدى حقيقي ومؤثر، ويكفي أنّ أيّ مناسبة مهرجانية كان يحضرها أكثر بكثير ممّا جمعته الرفيقة وأحزاب النهوض، وليتهم نهضوا بأنفسهم أولاً قبل التوجه للنهوض بالناس والوطن.
وهنا تبرز الأسئلة الكثيرة أمام الرفيقة وتحالفها، فكيف تحقق لهم قرار المشاركة من موقعهم كمعارضة, وما الذي يأملونه من وجود نائب واحد لهم في البرلمان, ولماذا لم يستلهموا التجربة ولا العبر منها؟ لماذا قاطعــــــوا ولماذا شاركوا؟ وهل هم أكثر دراية بواقع البلد الســـــياسي من حزب الوحدة الشعبية وحزب جبهة العمل الإسلامي وباقي أطياف المعارضة، وكيف تمّت قراءة أسباب المقاطعة لتختار المشـــــــاركة, ومن الذي استفاد منها طالما المشاركة أمرا حكـــــــوميا بامتــــــياز، وليس شعبيا أبداً بدلالة النتـــــــائج والأرقـــــام؟!
وبالإمكان القول هنا، أنّ صاحب المقعد رقم 27 لن يكون مهمّا إن كان للرفيقة أبو علبة أو لمعالي حازم قشوع، طالما أنّه ممكن تحويل لقب الرفيق إلى معالي, وقد حصل ذلك مع الرفيق بسام حدادين ولا يوجد ما يمنع حصوله مع الرفيقة، ما يعني أنّ ما سيقدّمه قشوع لن يختلف عمّا يمكن أن تقدّمه أبو علبة، فكلاهما جلوسا على موائد بلا دعوات، وكله عند العرب قطين.
لا تفعلوا مثل مبارك
عمرو الشوبكي عن المصري اليوم
حين يتصور الإخوان أن الحل فى تغيير الحكومة وأن الأزمة فى وزير هنا ومحافظ هناك يخطئون خطأ جسيماً، فحين يفقد نظام شرعيته لا يكون ذلك بسبب تحريض بعض القوى السياسية عليه ولا نتيجة صراع على السلطة بين حكام ومعارضين إنما بسبب شعور أغلب الناس أنه لا يعبر عنهم وأن انحيازاته أصبحت لشلة أو جماعة أو عشيرة وليس للشعب والدولة.
قضية حكم الإخوان ليست مشكلتها فى الإدارة ولا أن بها حكومة فاشلة، لأن الحل ليس فى تغيير الحكومة بأخرى إنما فى تغيير نمط كامل فى الإدارة والحكم.
البعض يتذكر شلة جمال مبارك ويؤكد أنه كان فيها بعض العناصر الكفؤة ذات التعليم العالى وأنهم كانوا كأفراد أكثر كفاءة من كثير من إخوان الحكم، ولكن لم يسأل كثيرون: لماذا فشلوا وعجزوا عن أن ينالوا رضا المصريين؟ لأن ببساطة الناس شعرت أن هدفهم التوريث وليس الإصلاح وأن جمال مبارك سيهين المصريين جميعاً إذا نجح فى الانقضاض على السلطة بليل.
إذن المعضلة كانت فى بنية المشروع نفسه الذى تعايش معه مبارك بتبلد معتاد، ولم تكن فى التفاصيل، ولا أن أحمد نظيف كان أفضل من هشام قنديل، إنما كانت فى الرسالة التى كان يقدمها نظام مبارك ونجله للشعب وغابت عنها الشرعية الأخلاقية قبل السياسية.
معضلة الوضع الحالى أن الرئيس وجماعته يناقشون مظاهرات أمس الأول وحالة الغضب السائدة لدى قطاع واسع من المجتمع المصرى باعتبارها قضية إما قلة مخربة أو تحريض من المعارضة أو تقصير حكومى، وينسى أو يتناسى أن المشكلة فى نظام حكمه الذى أرسل رسائل كارثية للمجتمع فى 8 أشهر تقول إن الذى يحكم ليس الرئيس إنما مكتب الإرشاد، وأن الجماعة التى ترفض أن تقنن وضعها القانون وتصر على أن تكون فوق الدولة والشرعية تحت حجة أن القانون الحالى لا يعجبها أرسلت رسالة سيئة للجميع بأن القانون ليس مهما وأن المطالبين بالالتزام به هم الضعفاء فقط.
دولة القانون غيبها الإخوان بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى، وتغيير وزير الداخلية السابق بسبب مطالبة الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل بإقالته وليس بسبب تقصيره، وأن حزب الحرية والعدالة أصبح الجهة التى تطالب الناس بتقديم أوراقهم لدفعة جديدة للنيابة العامة فى لافتة صادمة رفعت فى القليوبية، وهم قبلها الذين غيروا النائب العام بغير الطريق القانونى وعينوا آخر بنفس طريقة مبارك وكأن إصلاح السلطة القضائية وتطوير أدائها أمر لا يهم الجماعة إنما السيطرة وجلب أهل الثقة من الجماعة والعشيرة إلى الحكم هو الهدف.
لم يحاول إخوان الحكم أن يوصلوا فى 8 أشهر رسالة واحدة تقول إنهم حريصون على عودة دولة القانون، وليس فقط السيطرة على الدولة دون القانون، وإدارتها بنفس الطريقة القديمة دون أى تغيير أو إصلاح.
لقد نزل الناس للشوارع نتيجة عدم ثقتهم فى جماعة الرئيس التى تحكم من وراء الستار ولا تعمل من أجل الصالح العام إنما لصالح مشروعها الخاص، وأن من فى الحكم لم يقدموا رسالة واحدة تقول إننا سنحاسب المخطئين لأنهم مخطئون إنما سنحاسب المخطئ تبعاً للحسابات السياسية، فإذا كان مفيداً أن نتركه فسنتركه، وإذا كان مفيداً أن نتصالح معه سنتصالح معه.
لم يعرف إخوان الحكم الفارق بين إدارة الجماعة والدولة، ومازالوا حتى هذه اللحظة غير قادرين على مراجعة أخطائهم الجسيمة قبل فوات الأوان.
اقــلام واراء عربي
(306)
</tbody>
<tbody>
الأحد
27/01/2013
</tbody>
<tbody>
</tbody>
<tbody>
أقلام وآراء عـــــــــــــربي
</tbody>
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
في هذا المــــلـــــــــف:
هل هنالك فرصة؟
نبيل عمرو عن الشرق الأوسط
المصالحة مجدداً
بركات شلاتوة عن دار الخليج
68 عاما على صناعة "الهولوكوست اليهودي"..؟
نواف الزرو عن العرب اليوم
ضعـف نتنياهـو يـريح واشنـطن
حلمي موسى عن السفير اللبنانية
أوباما ونتنياهو ورسائل العقاب
محمد السعيد ادريس عن دار الخليج
الكنيست 19 وخيارات نتنياهو
عوني صادق عن دار الخليج
الثابت والمتحول في الانتخابات "الإسرائيلية"
علي جرادات عن دار الخليج
إسرائيل أيضا صارت لديها أزمة الهوية
حسام الدجني عن القدس العربي
جدول المصالحة.. والتجارب السابقة
علي الطعيمات عن الوطن القطرية
ملك إسرائيل الجديد ؟
لميس اندوني عن العرب اليوم الأردنية
هذا هو «عطا الله».. نتنياهو: مقبرة واحدة
رشا ابي حيدر عن السفير اللبنانية
عملاء الصهاينة
ناصر منذر عن الثورة السورية
«فبركات» إعلام إيران عن «الإخوان»
عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
الخليج ومصر: الاحتضان أم الدفع إلى الحضن الإيراني
خالد الحروب(أكاديمي فلسطيني) عن الحياة اللندنية
العلاقات الإخوانية الناصرية من الأربعينات إلى وفاة ناصر (1من2)
د. كمال الهلباوي(كاتب مصري) عن القدس العربي
الأميركان والدور الإيراني؟
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
أوروبا والإسلام السياسي
موفق محادين عن العرب اليوم
مـا هـي مقاربـة جـون كيـري حيـال سـوريا وإيـران؟
جو معكرون عن السفير
«طلبنة» سوريا و«أخونة» المنطقة
رأي البيان الإماراتية
أيتام على موائد اللئام
جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
لا تفعلوا مثل مبارك
عمرو الشوبكي عن المصري اليوم
هل هنالك فرصة؟
نبيل عمرو عن الشرق الأوسط
الملك عبد الله الثاني، قرأ في التطورات الجارية في المنطقة وبشأنها فرصة موضوعية، لبدء حركة سياسية تكسر الجمود القاتل الذي يسيطر على ما كان يسمى بعملية السلام.
هذه الفرصة تتوفر من خلال احتمال تفرغ الإدارة الأميركية المتجددة تحت قيادة الرئيس باراك أوباما، لمعالجة الملف الشرق أوسطي ومفتاحه المسار الفلسطيني – الإسرائيلي.
وقد تتوفر بعد الانتخابات الإسرائيلية، أن يضطر نتنياهو إلى تأسيس تحالف حكومي مع قوى اليسار والوسط - على صعوبة ذلك - ثم من خلال الإشارات الأوروبية وخصوصا الفرنسية والبريطانية والمؤيدة من ألمانيا وأميركا، التي تنبئ عن استعداد أوروبي لبدء محاولة جديدة لفتح الملف، إذ إن أوروبا ترى خطرا مباشرا من خلال تواصل التدهور في العملية السياسية على نحو يهدد حل الدولتين بالانتهاء لمصلحة اللاحل الذي يفتح أبواب المنطقة والعالم على أخطار أكيدة، وما يجري في مالي على حدود الجزائر أحد البراهين على ذلك.
كذلك يهتم العالم وطليعته أوروبا، بالحل السياسي على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي، من أجل إنقاذ استثمار متعثر كلف أوروبا مليارات الدولارات، على مدى العشرين سنة الماضية، وفي حال استمرار الوضع على خط التدهور فإن الاتحاد الأوروبي سيضطر إلى نزف مليارات أخرى دون محصلة سياسية، إذ إن أوروبا التي هي الممول الأول للمشروع السياسي المسمى بعملية السلام على المسار الفلسطيني - الإسرائيلي تجد نفسها منزلقة في عمل خيري أكثر منه سياسيا، في حين أن رهانها منذ أول يورو دفعته كإنفاق على مشروع السلام كان سياسيا واستراتيجيا، يهون كل بذل مادي من أجل إنجاحه.
ولا يغيب عن حسابات أوروبا ومن ورائها قوى جدية في الولايات المتحدة، واقع الطرفين الأساسيين في معادلة الحل وهما الإسرائيلي والفلسطيني؛ فالإسرائيلي المتجه بقوة نحو اليمين المتشدد، والذي يجد نفسه تحت تأثير سطوة غير مسبوقة للمستوطنين الذين لا يشبعون من القضم اليومي للأرض الفلسطينية، هذا الإسرائيلي وخلال سنوات قليلة قد لا تتجاوز الأربع، سيفرض على الأرض واقعا يصعب هضمه أو احتواؤه في أي عملية سياسية فيها بعض التوازن المعقول، لذا فإن هذا الاتجاه الإسرائيلي المغامر والمدمر بات بحاجة إلى فرملة دولية، إن لم تؤدِ إلى بلوغ حل للصراع، فهي تحافظ على الهامش المتبقي لإمكانيات استئناف المفاوضات.
الجهد الأوروبي يلقى تشجيعا قويا من داخل إسرائيل، وحين يظهر بجلاء أنه مدعوم من الولايات المتحدة فإنه سيسهم بصورة جدية في دعم القوى المعتدلة في إسرائيل، كي لا تقع الدولة العبرية وبصورة حاسمة في قبضة اليمين المتشدد وبرامجه الاستيطانية والعسكرية.
أما الواقع الفلسطيني، الذي رغم ضعفه وتعبه الظاهر يظل أكثر تعاونا مع أوروبا، وأكثر استعدادا لقبول مبادراتها، فهو يبدو في جاهزية معقولة للانخراط في أي جهد تقوده أوروبا، خصوصا إذا ما دعم هذا الجهد من الرباعية الدولية التي هي بمثابة المنطقة الحرة للولايات المتحدة.
الفلسطينيون سواء في عهد عرفات أو عهد عباس ورغم كل ما أحاط بمواقفهم من التباس مرده الخطأ في بعض الأحيان، والتضليل الإسرائيلي في معظم الأحيان، قدموا للحل مبادرات وموافقات أكثر بكثير مما قدمه الإسرائيليون، حتى قيل وعلى لسان الرجل الأعقل في هذه الحقبة شيمعون بيريس.. كان خطأ اغتيال عرفات وخطأ أكثر بداهة عدم اعتبار عباس شريكا.
إذن العقل السياسي السليم يتفق مع رؤية الملك الأردني بأن هنالك فرصة موضوعية، إلا أن ما يدعو إلى القلق والخشية هو قلة موضوعية الطبقة السياسية في إسرائيل، التي يعتبر أصحاب القرار الرسمي فيها بناء منزل في معاليه أدوميم أهم ألف مرة من العيش بسلام وأمن مع الجوار الفلسطيني والعربي وعمقه الإسلامي والدولي الأوسع، ويعتبر يمينها الحاكم توجيه كل الأنظار لإيران أكثر أهمية من الانتباه للجار الأقرب الفلسطيني والعربي الجاهز لحل سياسي متوازن، دون أن يسهب في شرح كيف أن مئات المستوطنين في الانتخابات النيابية يمكن أن يقلبوا الميزان الموضوعي لمصلحة ميزان خاص يعتمده اليمين الإسرائيلي ويضعه فوق كل الاعتبارات.
المصالحة مجدداً
بركات شلاتوة عن دار الخليج
بما أن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فإن قطار المصالحة الفلسطينية الذي انطلق بعد موافقة حركة “حماس” على عمل لجنة الانتخابات في غزة، والاتفاق على تشكيل حكومة مستقلين، قد يكون أمامه مشوار طويل وثقيل حتى يصل إلى محطته النهائية، وقد لا يصل، كما حدث في مرات سابقة كثيرة إثر المراوحة والتأجيل والتسويف .
إحدى المعضلات الحقيقية التي يجب التفكير بواقعية لدى التطرق لها، هي الشق الأمني المتعلق بتوحيد الأجهزة الأمنية ودمج أجهزة “حماس” فيها، إذ ترفض الحركة بشكل مسبق انضواء ذراعها العسكرية، كتائب “القسام”، تحت لواء الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، ومن غير المستبعد تصنيفها ل”القوة التنفيذية” على هذا الأساس، وبالتالي رفض دمجها ضمن الوحدات الأمنية والعسكرية الفلسطينية، ما يعني العودة إلى المربع الأول .
وعلى الجانب الآخر، ليس من السهولة دمج الأذرع الأمنية التابعة للسلطة في جهاز واحد لأنها تشكّلت على مدى الثمانية عشر عاماً الماضية، كوحدات مستقلة تعمل بعيداً عن بعضها البعض ويترأسها قادة عسكريون كبار لن يكون من السهل تقبّلهم لفكرة التنازل عن مواقعهم وتسليمها على طبق من ذهب “لجنرالات حماس” .
عدا عن ذلك، فإن الأجواء العامة ذاتها لا توحي بأن هناك دفئاً في العلاقة بين “فتح” و”حماس”، بل على العكس من ذلك، تشير الأحداث الميدانية إلى الاتجاه الآخر التنافري أكثر مما تبشر بأن هناك أجواء إيجابية، خاصة إذا ما تتبعنا الاتهامات المتبادلة على أكثر من صعيد، والاعتقالات السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة .
لكن ما يبعث على الغرابة، أن القضايا الخلافية السابقة لم تعد كذلك اليوم رغم أنه لم يطرأ أي تغيير في المواقف، فما مبرر توقيف لجنة الانتخابات عن العمل في غزة، إذا ما تم، في نهاية المطاف، السماح لها مجدداً؟ ولماذا جمّدت مشاورات تشكيل الحكومة قبل أن تنطلق إذا كانت ستبدأ مجدداً من دون أي تغيير؟ ما الذي تغيّر؟
ما يمكن قوله إن ما حدث جاء نتيجة لتغير قناعات الطرفين وتحوّل “حماس” على وجه التحديد إلى البراغماتية بعد أن كانت قد حشرت نفسها في الأيديولوجيا، فضلاً عن المعارك العسكرية والسياسية التي خيضت خلال العدوان الدموي الأخير على غزة، والانتصار الدبلوماسي الذي تحقق في الأمم المتحدة، ما أضاف رصيداً جديداً وشعبية للطرفين في الشارع جعلهما يفكران في استغلال ذلك، خاصة لجهة إجراء الانتخابية الرئاسية والتشريعية في أقرب وقت وحصد النتائج .
أقصر الطرق إلى المصالحة يشير إلى أنها لا تحتاج إلى اجتماعات ومباحثات ولقاءات ووساطات، وإنما إلى نوايا صادقة وحرص على المصلحة الوطنية، بعيداً عن المحاصصة والأجندات الحزبية الضيّقة . لذا ليس من حق أحد اختطاف القضية أو قصرها على هذا الفصيل أو ذاك من دون بقية الأحزاب والقوى السياسية، لأن الجميع شركاء في النضال والتضحية، والوطن ليس حكراً على أحد، وعلى طرفي الانقسام مراعاة مشاعر الشعب الفلسطيني وعدم التصرف بعقلية إقطاعية أو التعامل مع الشعب وكأنه لا رأي له، لأن الأكيد أنه لن يبقى صامتاً إلى الأبد .
68 عاما على صناعة "الهولوكوست اليهودي"..؟
نواف الزرو عن العرب اليوم
صادف اليوم الأحد الذكرى الثامنة والستون للهولوكوست اليهودي، وهو اليوم الذي تم فيه ايضا - حسب المزاعم الصهيونية-" تحرير اليهود من معسكر الاعتقال "اوشفيتز" الذي قتل فيه أكثر من مليوني شخص معظمهم من اليهود"، وتحيي"اسرائيل" واللوبيات الصهيونية هذه الذكرى بالخطب التأبينية والطقوس الدينية، وبالدروس المستفادة، لكن الاهم عندهم هو إطلاق الرسائل السياسية والثقافية التي يراد من ورائها تكريس الهولوكست في الثقافة والوعي العالمي بوصفه كارثة ومأساة استثنائية في التاريخ خاصة باليهود، وكسب المزيد من التعاطف وابتزاز المزيد من التأييد والتمويل، فالذكرى بالنسبة لهم مناسبة للابتزاز الشامل المعنوي والثقافي والمالي.
لقد ارتبطت "المحرقة اليهودية" عن سبق تخطيط بالاساطير المؤسسة للحركة الصهيونية والدولة العبرية، أما اليوم فقد طوّرت وكرّست الدولة الصهيونية هذه الرواية كوسيلة ابتزاز لا حصر لها تحت اسم "معاداة السامية"، فأصبحت الكارثة مرتبطة جدليا وعضويا باللاسامية، والإرهاب الدولي، فمن ينتقد الكارثة /المحرقة او يشكك بوقوعها، وكذلك من ينتقد دولة "اسرائيل" وممارساتها وجرائمها إنما يصبح لا ساميا وإرهابيا ...؟!
والسؤال الكبير الذي ما زال تحت الجدل على مستوى الباحثين والمفكرين والسياسيين: ما مدى صحة ومصداقية هذه "المحرقة" التي أصبحت ذريعة استثمارية انتهازية ابتزازية بأيدي الحركة والدولة الصهيونية، وقد جنت تلك الحركة والدولة مكاسب استراتيجية هائلة من ورائها: من إقامة "دولة الوطن القومي لليهود في فلسطين"، الى دعم وتقوية تلك الدولة ليس لتعيش فقط، إنما لتتسيد المنطقة استراتيجيا، فضلا عن الابتزازات المالية والمعنوية والاخلاقية الهائلة المستمرة حتى اليوم، والتي أصبحت وراءها دول ومؤسسات وإدارات تحتضنها وتشن الحروب من أجلها...؟!!!
والى أي حد مصداقية الاتهامات الامريكية - الصهيونية لكل من يفتح ملف "المحرقة" او ينتقد "اسرائيل" باللاسامية والعنصرية والإرهاب..؟!
وفي المحرقة مثلا، نستحضر أهم وأبرز الشهادات التي كنا كتبنا عنها سابقا، فنشير هنا الى تقرير الخبير الامريكي "فريد لوشتر" الذي "يدحض افتراءات اليهود حول الابادة الجماعية في المعسكرات النازية"، وكذلك نشير الى نورمان فينكلشتاين، الخبير اليهودي الامريكي في العلوم السياسية، الذي دعي لندوة في جامعة واترلو، فأثارت فتاة يهودية ورقة المحرقة النازية وهي تبكي، لكنه يوقفها رافضا دموع التماسيح"، ونشير الى عضو البرلمان في مدينة ديرزدين، الذي طالب في جلسة لبرلمان ولاية سكسونيا الألمانية، بوقف التعاون مع ما أسماه "دولة المحتالين اليهود"، وعدم التعاون مع ما أسماه "صناعة المحرقة المزدهرة"، ونقلت "يديعوت أحرونوت" النبأ، مشيرة إلى أن هذه الأقوال لم تقل في طهران، إنما في ألمانيا من قبل من وصفته "قائد اليمين المتطرف" و"نازي جديد"، وأثار هولغر أفل عاصفة كبيرة في البرلمان في سكسونيا عندما طرح على جدول الأعمال موضوعا "متفجرا" تحت عنوان "لا للتعاون مع الدول المحتالة، ووقف التعاون بين سكسونيا وإسرائيل". وجاء أنه بسبب هذه القضية حاول ممثلو الغالبية في البرلمان تغيير الموضوع خشية "المس بصورة سكسونيا"، إلا أنه أصر على موقفه، وعندما طلب منه إنهاء كلمته، رفض الاستجابة، وواصل الحديث عن "دولة الإرهاب اليهودية"، ورفض النزول من المنصة، وفي النهاية تم إخراجه من البرلمان، وصدر أمر بإبعاده من المناقشات.
ونتوقف أمام روبرت فوريسون الباحث الفرنسي المرموق الذي وهب حياته للبحث في حقيقة المحرقة اليهودية، وتعرض للقمع من جهة المنظمات اليهودية في فرنسا، وكذلك عدالة بلاده التي جرمته في أكثر من 12 قضية طرحت أمامها، ولم يرحموا سنه المتقدم إذ تعرض للعديد من الاعتداءات الجسدية بسبب بحوثه وموقفه من الهولوكوست، فتحدث فوريسون في مقابلة مع الشروق الجزائرية حول المحرقة اليهودية متحدثا عن صناعة الهولوكوست، قائلا: كان ذلك في العام 1974، حيث بدأتُ البحث فيما كان يعرف بالهولوكوست، أو ما أطلقت عليه بعد بحوثي "المحرقة المزعومة".
الى ذلك، هناك عدد كبير من كبار العلماء والفلاسفة والباحثين الاوروبيين والامريكان يشككون أصلا بحدوث الكارثة، بينما يرى عدد آخر أن هناك مبالغة فقط في أعداد اليهود الذين أحرقوا، في حين تؤكد جملة لا حصر من الوثائق أن الكارثة اليهودية إنما هي بالاصل صناعة صهيونية تعتبر أكذوبة القرن الماضي، وقد استثمرتها الحركة الصهيونية على مدى العقود الماضية كفزاعة لإرهاب يهود العالم ودفعهم للهجرة الى فلسطين أولا، ثم كفزاعة لإرهاب وتجريم الرأي العام الاوروبي ثانيا كوسيلة للابتزاز المعنوي والاخلاقي والمالي ثالثا.
هكذا هي الامور، ونحن في ظل هذه التحركات الاعلامية السياسية الاسرائيلية المضللة، نرى أهمية متزايدة دائما لفتح ملف "الهولوكوست-الكارثة-المحرقة واللاسامية، على حقيقته وإثارة المزيد من الاسئلة والتساؤلات على الاجندات العربية والاسلامية والدولية فيما يتعلق بالنكبة الفلسطينية والمحارق الصهيونية الهولوكوستية ضد الشعب الفلسطيني...!!
شــهية أميركيـة لاستئناف التسـويـة
ضعـف نتنياهـو يـريح واشنـطن
حلمي موسى عن السفير اللبنانية
أثارت نتائج الانتخابات الإسرائيلية وما بدا فيها من تراجع لمكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو شهية الإدارة الأميركية الجديدة للتقدم بمبادرة لاستئناف المفاوضات السياسية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى قرب وصول وزير الخارجية الأميركي الجديد جون كيري إلى المنطقة بعدما كانت أشارت إلى احتمال قدوم الرئيس باراك أوباما نفسه لتعجيل عملية التقدم بالتسوية. واعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الضعف الذي أصاب نتنياهو سوف يسهم في تحسين العلاقات الأميركية الإسرائيلية.
وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أن إدارة اوباما تنوي استغلال انتهاء المعركة الانتخابية في إسرائيل للدعوة إلى استئناف المسيرة السلمية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وقد تناول وزير الخارجية المرشح جون كيري أمس مستقبل المسيرة السلمية خلال جلسة الاستماع أمام أعضاء لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ في إطار تعيينه. وقال إنه سيرغب في وضع الطرفين على «مسار آخر يختلف عن ذاك الذي كنا فيه في السنوات الأخيرة».
وحذر كيري من «أن نافذة الفرص لحل الدولتين يمكن أن تغلق وهذا سيكون وضعا كارثيا». وذكّر بأنه طوال 29 سنة من وجوده في مجلس الشيوخ كان مؤيداً بلا هوادة لإسرائيل، ولكنه شدد قائلا «أنا لن أتراجع عن تفهم أزمة الفلسطينيين وكل من علق في هذه الدوامة».
وقد أشار المتحدث باسم البيت الأبيض جي كارني إلى أثر نتائج الانتخابات الإسرائيلية على المفاوضات مع الفلسطينيين. وقال «نحن نؤمن بوجوب أن تجري مفاوضات مباشرة بين الطرفين يتم فيها تناول التسوية الدائمة بينهما في محاولة للوصول الى حل الدولتين»، مضيفاً «نحن سنبحث في المسيرة مع الحكومة الجديدة ومواصلة الضغط على ما نؤمن بأنه مسيرة هدفها النهائي خير للفلسطينيين والإسرائيليين».
وأشارت «هآرتس» إلى أن كيري سوف يزور إسرائيل والسلطة الفلسطينية في شهر شباط المقبل فور مصادقة الكونغرس على تعيينه. ونقلت الصحيفة عن مصدرين إسرائيليين تقديرهما بأن كيري معني بالحضور بأسرع وقت ممكن، ربما حتى قبل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، على أمل فحص سبل استئناف العملية السلمية. وأوضحت أنه لم يتحدد بعد موعد الزيارة، لكنها ستأتي في إطار جولة عامة في المنطقة يزور خلالها أيضا مصر والأردن وربما السعودية.
وقال أحد المصدرين الإسرائيليين إن نائب وزير الخارجية داني أيالون اجتمع قبل عشرة أيام في واشنطن مع مساعدي كيري وسمع منهم اهتمامه باستئناف الجهد الأميركي. ومع ذلك فإن كيري لن يعين مبعوثا له إلى المنطقة، وإنما سيحضر هو بنفسه لزيارتها. وشدد هذا المصدر على أن كيري لا يملك الآن أي مبادرة مبلورة لأن الرئيس الأميركي لم يبلور بعد موقفه من مستوى التدخل في التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. واعتبر أن ذلك يعني أن كيري لن يكون مطلق الصلاحيات والاستقلالية في هذا الشأن. ولكن إذا تبدى له أن هناك فرصة، فسوف يبذل جهدا أكبر ويزور المنطقة بوتيرة أكبر.
وكانت «نيويورك تايمز» قد أشارت إلى تقديرات خبراء أميركيين بأن ضعف نتنياهو في الانتخابات يمكنه أن يساعد في تحسين منظومة العلاقات العكرة مع الولايات المتحدة. واعتبرت أنه إذا شكل نتنياهو حكومته الجديدة بالتعاون مع «هناك مستقبل» برئاسة يائير لبيد، الذي يميل نحو الوسط، فإن بوسع ذلك تبديد عدد من نقاط الخلاف مع البيت الأبيض. ونقلت عن المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط أهرون ميلر قوله إن «نتنياهو الضعيف، على رأس حكومة تحوي مكونات من الوسط، هو السيناريو الأفضل الذي يأمله البيت الأبيض». كما أبلغها السفير الأميركي الأسبق في إسرائيل، مارتين إينديك، بأن الجمهور الإسرائيلي لا يتعاطف مع قادة لا يوثقون علاقاتهم مع الولايات المتحدة، وأن نتائج الانتخابات تذكرة لذلك.
من جهتها، ذكرت «نيويورك تايمز» أن إحدى إشارات العلاقات العكرة بين الإدارة الأميركية ونتنياهو تتمثل في أنه حتى اليوم لم يبادر الرئيس الأميركي بتهنئة نتنياهو بنتائج الانتخابات. كما أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وكذلك رؤساء حكومات هولندا وفرنسا وبريطانيا لم يتصلوا به للتهنئة.
عموما لا يزال يتعذر على أميركا والغرب فهم المعنى الحقيقي لنجاح لبيد وحزبه في الانتخابات. ومن الجلي أن لبيد قد يشكل صدمة لهم بعد التعرف على مواقفه السياسية اليمينية والعنصرية، فبالإضافة إلى موقفه العنصري من العرب حيث رفض فكرة الكتلة المانعة لأنها ستضم حنين الزعبي، في إشارة إلى العرب جميعا، فإنه يحمل مواقف متشددة سياسيا. فهو يرفض أي تخل عن الكتل الاستيطانية وعن القدس الشرقية وغور الأردن، لكنه يدفع الضريبة اللفظية بإعلان تأييده لحل الدولتين.
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه قد أعلن أن الرئيس محمود عباس ينوي المبادرة إلى لقاءات في رام الله مع السياسيين الجدد الذين سينضمون الى الكنيست التاسع عشر. وأشار إلى أن اللقاء سيتم خلال الأسبوعين المقبلين، قبل تشكيل الحكومة الجديدة.
ونقلت «معاريف» عن مصدر فلسطيني قوله، «بشكل طبيعي من يلوح على أنه سيكون الشريك الكبير لنتنياهو – يائير لبيد – سيدعى الى مركز المقاطعة في رام الله، ولكن أيضا النواب من حزب العمل، ميرتس والليكود سيتلقون ذات الدعوات، حتى نفتالي بينيت. في واقع الامر، كل من يريد السلام، مدعو».
أوباما ونتنياهو ورسائل العقاب
محمد السعيد ادريس عن دار الخليج
يجمع المراقبون في الكيان الصهيوني على أن انتخابات “الكنيست الإسرائيلي”، (البرلمان)، التي أجريت يوم الثلاثاء الماضي (22-1-2013) جاءت عقاباً من الناخبين ل”بنيامين نتنياهو” رئيس الحكومة الذي اختار بنفسه، هذا التوقيت غير المناسب لفرض انتخابات برلمانية مبكرة تزامنت، لسوء حظه، مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي استطاع فيها الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يجدد لنفسه دورة رئاسية ثانية ليصبح الرئيس الأمريكي رقم 44 والرئيس رقم 17 الذي نجح في أن يفوز بالرئاسة للولاية الثانية .
فالعلاقة بين أوباما ونتنياهو كانت قد وصلت إلى أسوأ مراحلها في منتصف العام الماضي عندما انحاز نتنياهو للمرشح الجمهوري المنافس للرئيس أوباما وعندما تعمد إحراجه انتخابياً لمصلحة المرشح الجمهوري بإصراره على أن يفرض على أوباما ما أسماه ب”خطوط حُمْر” تتعلق بالموقف الأمريكي من إيران يعلن فيها أوباما شروطه لخوض حرب ضدها لتنفيذ وعوده بمنع تمكين إيران من امتلاك أسلحة نووية . وقتها حاول أوباما ومساعدوه إثناء نتنياهو عن ذلك، وأكدوا أنهم يريدون فقط بعض الوقت لاتخاذ موقف حاسم من إيران لن يتجاوز عقبة الانتخابات الرئاسية . لكن نتنياهو الذي كان مصرّاً على إحراج أوباما ظل يهدد بأنه سيشن الحرب على إيران بقرار منفرد إذا ظلت الولايات المتحدة على ترددها في أن تكون شريكاً في هذه الحرب ضد إيران .
أوباما الفائز برئاسة ثانية الذي تصادفت احتفالاته بأداء القسم الدستوري أمام رئيس المحكمة العليا مع موعد إجراء الانتخابات البرلمانية “الإسرائيلية” التي جاءت نتائجها صادمة لنتنياهو وحلفائه، خاصة شريكه أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية السابق زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”، وأسفرت عن تراجع حصة تحالف الليكود “إسرائيل بيتنا” من 42 نائباً إلى 31 نائباً، لكن المفاجأة الأهم أن الحزب الجديد الناشئ الذي يحمل اسم “يش عتيد” “يوجد مستقبل” الذي أسسه الإعلامي يائير لبيد، حصل على 19 مقعداً في الكنيست واحتل المرتبة الثانية .
هذه النتائج فرضت خريطة انتخابية شديدة التعقيد سوف تحدّ كثيراً من قدرة نتنياهو على تشكيل حكومة ائتلافية قوية ومتماسكة في ظل ما يتردد الآن من حدوث “فوضى حزبية” و”غابة ائتلافية”، والأهم هو خلو الساحة السياسية داخل الكيان من “حزب كبير مهيمن” يشكّل بؤرة ارتكاز تتجمع حولها بقية الأحزاب في ائتلاف حكومي له “هوية سياسية” و”مشروع سياسي” له حظوة وتقدير عند الناخبين . وهذا يمتد، بالضرورة إلى القول ب”خلو الساحة السياسية من زعامة قوية” قادرة على قيادة الكيان في هذه الظروف السياسية والاقتصادية شديدة التعقيد، وفي مقدمتها ترميم العلاقة مع الإدارة الأمريكية الجديدة .
نتنياهو يتقدم الآن لتشكيل الحكومة، لكنه يتقدم ضعيفاً مهزوزاً ومعاقباً شعبياً، والدليل على ذلك هو تراجعه الشديد عن عجرفته التي سبقت الانتخابات بأيام قليلة في رده العنيف على انتقادات الرئيس الأمريكي، وفي تحديده لما أسماه ب”المصالح الحيوية الثلاث” ل”إسرائيل” وهي: “منع إيران من امتلاك سلاح نووي، وعدم العودة إلى حدود العام ،1967 والحفاظ على القدس موحدة وعاصمة أبدية لدولة “إسرائيل”” . عقب الانتخابات ظهر نتنياهو أكثر تواضعاً بعد تلمسه مؤشرات التصويت . وجاء التعبير الأبرز عن حالة توتره في الرسالة التي وضعها على صفحة “الفيس بوك” قبل ساعتين من إغلاق صناديق الاقتراع دعا فيها مناصريه إلى التصويت تحت عنوان “الليكود في خطر”، لكن بعد إعلان النتائج بادر بالدعوة إلى تشكيل “حكومة واسعة قدر الإمكان”، وحدد خمسة مبادئ حاكمة لهذه الحكومة أهدأ كثيراً من المبادئ الثلاثة التي عدّها قبيل إجراء الانتخابات “مصالح حيوية” لا تراجع عنها . المبادئ الخمسة الجديدة هي: “القوة الأمنية مقابل التحديات التي تواجه “إسرائيل” وخاصة منع إيران من الحصول على سلاح نووي، ومسؤولية اقتصادية لمواجهة الأزمة العالمية المتواصلة، ومسؤولية سياسية من خلال السعي المتواصل إلى سلام حقيقي، وزيادة المساواة في تحمل الأعباء، وخفض غلاء المعيشة وخاصة أسعار السكن” .
فقد أشارت أغلب هذه التعليقات إلى أن نتائج الانتخابات أكدت عدم الثقة الشعبية بنتنياهو لفشله في المجال الدبلوماسي والعلاقات الخارجية، ولفشله أيضاً في التعامل مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية، حسب ما قالت صحيفة “هآرتس” التي ركزت على أن تلك النتائج “تدلل على أن “الإسرائيليين” تحفظوا على تطرف الليكود نحو اليمين، وعلى الاستفزاز المضر للمجتمع الدولي”، وشددت على أن “الإسرائيليين” معنيون بعلاقات طيبة مع الولايات المتحدة بدلاً من “تسمين المستوطنات والتهديد بحرب على إيران” .
هذه النتائج والتعليقات تعدّ رسائل غير مباشرة من “الإسرائيليين” إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كانت علاقته مع نتنياهو خلال نصف العام الماضي، على وجه الخصوص، في أسوأ مراحلها وبالذات عندما صرح مؤخراً بأن ““إسرائيل” لا تعرف مصالحها، وأن نتنياهو يتقدم بها نحو العزلة التامة”، كما وصف الرئيس الأمريكي رئيس الحكومة “الإسرائيلية” بأنه “جبان سياسياً”، وأنه “أسير في أيدي مجموعات ضغط المستوطنين ولن يتجرأ على القيام بأي حركة حقيقية نحو تحقيق السلام مع الفلسطينيين” .
تصريحات الرئيس الأمريكي وجدت صداها لدى الصحافة “الإسرائيلية”، وكانت أبرز التعليقات ما كتبه المحلل السياسي جيفري غولدبرغ في مجلة “ذي أتلنتيك”، وأعادت صحيفة “معاريف” نشره . فقد كتب غولدبرغ أن الرئيس أوباما يرى أن “إسرائيل” الدولة الصغيرة المحاطة بالأعداء “منبوذة وخلقت اغتراباً حتى لدى الصديق الأكبر الأخير: الولايات المتحدة”، وبالتالي إذا استمر هذا النهج “فهي ببساطة لن تبقى”، وأنه “إذا لم تفك “إسرائيل” ارتباطها عن التدخل في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، فسيأتي يوم يرى فيه العالم دولة أبارتهيد (تميز عنصري)” .
صحيفة “يديعوت أحرونوت” علّقت على مقال غولدبرغ بافتتاحية تحت عنوان “حينما يصفي الرئيس الحساب”، ورأت أن ما جاء في مقال غولدبرغ رسالة من أوباما فحواها أنه “لا يستطيع أن يصدق كلمة واحدة تخرج من فم نتنياهو . فهو لا يعتمد عليه ولا يراه حليفاً يمكن الجري معه” .
في هذه الافتتاحية التي سبقت إجراء انتخابات الكنيست أوضح كاتبها أورلي أزولاي أن “الرئيس الأمريكي يضع المرآة أمام “إسرائيل” المتجهة إلى صناديق الاقتراع، ويبين أن نتنياهو هو الشخص الذي لم يهتم بمصلحتها، وسيجعلها تترسّخ في الوعي الدولي على أنها دولة منبوذة وعنصرية” . وجاءت نتائج الانتخابات لتؤكد وصول رسائل أوباما .
الكنيست 19 وخيارات نتنياهو
عوني صادق عن دار الخليج
جاءت نتائج انتخابات الكنيست التاسعة عشرة مخالفة لكل استطلاعات الرأي التي أجريت على مدى الشهور الثلاثة الماضية، إذ تراجع تحالف نتنياهو ليبرمان، وكذلك كتلة اليمين واليمين الديني المتطرفة، فتعادلت تقريباً مع ما يسمى “كتلة الوسط يسار” . وفي الكتلة الثانية، تراجع حزب (العمل) وتقدم حزب (ميرتس)، ولم تحصل تسيبي ليفني إلا على ستة مقاعد، وحافظت الأحزاب العربية على موقعها في الخريطة . لكن المفاجأة الكبرى في هذه الانتخابات، كانت في صعود الحزب الجديد (هناك مستقبل) بزعامة الإعلامي السابق يائير لبيد، ليكون القوة الثانية في الخريطة الجديدة، وذلك بحصوله على تسعة عشر مقعداً من مقاعد الكنيست .
الآن، وعلى مدى الاثنين والأربعين يوماً المقبلة، وربما أكثر، سينشغل بنيامين نتنياهو، ومعه الساحة السياسية “الإسرائيلية”، وساحات أخرى، بما سيفعله لتشكيل الحكومة الجديدة وما سيواجهه من عقبات في طريق تشكيلها . وفي هذا الإطار، هناك حقيقة تسبق أي تحليل، ولا بد من الإشارة إليها بداية، وهي أنه ليست هناك خلافات سياسية حقيقية بين الأحزاب “الإسرائيلية” على “الموضوعات الكبرى”، بل خلافات على “الحصص” في مغانم الحكومة . وبالرغم من كل الأكاذيب الشائعة عن “الديمقراطية الإسرائيلية”، فإنه يمكن القول إن الكيان الصهيوني يشبه أسوأ الأنظمة العربية التي تعتمد “المحاصصة” الدينية والطائفية والعرقية، وكل الفرق أنهم هناك لا يلجأون إلى العنف المسلح لحل خلافاتهم، على الأقل حتى الآن .
أمام نتنياهو، في ضوء نتائج الانتخابات، ثلاثة خيارات، كل منها له حسناته وسيئاته بالنسبة إليه، وعليه أن يوازن بين الحسنات والسيئات لكل منها، وعلى هذه الموازنة سيكون قراره، وهي: 1) حكومة يمينية، بالتعاون مع (هناك مستقبل) و”البيت اليهودي”، ومن دون الأحزاب الدينية، أو 2) حكومة يمينية ضيقة، بالتعاون مع الأحزاب الدينية، أو 3) حكومة موسعة، بالتعاون مع (هناك مستقبل) والأحزاب الدينية . وقد سبق لتسيبي ليفني، زعيمة حزب (الحركة)، وزعيمة حزب (العمل)، شيلي يحيموفيتش، أن أعلنتا عدم استعدادهما للدخول في حكومة يشكلها نتنياهو، وكذلك ليس وارداً دخول حزب (ميرتس)، أو الأحزاب العربية في مثل هذه الحكومة .
ويواجه نتنياهو في ولايته الثالثة، ثلاثة تحديات كبرى هي حسب ترتيبه لها: 1) البرنامج النووي الإيراني و2) “عملية السلام” مع الفلسطينيين، ومؤخراً 3) الأزمة الاقتصادية الاجتماعية . وبالرغم مما حملته نتائج الانتخابات من “هزيمة نسبية” وضعف حقيقي لنتنياهو وتحالفه، سواء أمام تلك القوى التي يمكن أن يتحالف معها لتشكيل الحكومة الجديدة أو تلك التي لن تتحالف معه، إلا أن هذه النتائج بررت “خيار” نتنياهو الحقيقي الذي طالما تمسك به في ولايته الثانية، وهو عدم الإقدام على أي قرار مهم، والاكتفاء بما يسمى “إدارة الأزمة” وليس حلها . وكل التقييمات، “الإسرائيلية” والدولية التي تعرضت لأدائه، أجمعت على ذلك، وكان آخرها ما نقل عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما . وبالنسبة إلى ما يسمى “عملية السلام” مع الفلسطينيين وحل القضة الفلسطينية، فكل القيادات “الإسرائيلية”، منذ سقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في قبضة الاحتلال في “حرب الأيام الستة” وحتى اليوم، عملت على هدفين رئيسين: الاستيلاء على مزيد من الأرض وتوسيع البناء في المستوطنات، ومنع قيام “دولة فلسطينية مستقلة”، وذلك من خلال “إدارة الأزمة”، والإبقاء على “الوضع الراهن” بشتى الحجج والذرائع والسبل، وصولاً إلى الهدفين المذكورين .
هذا يعني أن الحكومة الجديدة ستظل تتحدث عن الخطر النووي الإيراني دون أن تقدم على شيء، مع أن نتنياهو سبق أن حدد الصيف المقبل كموعد أخير لتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران . لكنه مع ما تأكد وأصبح واضحاً عن الموقف الأمريكي، فإن أوباما لن يستمع إليه بخصوص هذا الموضوع، لكنه لن يضغط عليه أكثر مما حاول حتى الآن في ما يخص “عملية السلام” والمستوطنات، خصوصاً أن نتنياهو سيخرج من الدرج الحجة “الإسرائيلية” القديمة، وهي أن الحكومة ضعيفة ولا يجوز الضغط عليها!
من جهة أخرى، أرجع كثير من المراقبين والمحللين “الإسرائيليين” فوز يائير لبيد وحزبه إلى خطابه “الاجتماعي” الذي سحب به بعض الذين كان يفترض أن يصوتوا لحزب (العمل) . وإذا ما شارك حزب (هناك مستقبل) في الحكومة الجديدة، فإن نتنياهو سيكون مضطراً إلى الاستجابة، أو التظاهر بالاستجابة، لبعض المطالب الاجتماعية التي تعود للطبقة الوسطى، جمهور هذا الحزب، في مقابل أن يبقي الأخير على موقفه السياسي (المؤيد) لنتنياهو تجاه (عملية السلام)، علماً أن الموقف الاقتصادي التقليدي لحزب “الليكود” هو التمسك بمقولة “الاقتصاد الحر” .
بمعنى آخر، ستكون القضايا الاقتصادية والاجتماعية مجالاً واسعاً للتجاذب، واستغراق الحكومة عملياً في الأمور الداخلية، والاكتفاء بالأحاديث المرسلة في الأمور الخارجية . أكثر من ذلك، هناك من يرى أن تشكيل حكومة موسعة تضم اليمين والأحزاب الدينية وبعض من يحسبون على (الوسط)، سيحولها إلى “حكومة شلل وطني” ترفع جزءاً من مسؤولية الجمود السياسي عن كاهل نتنياهو . وقد كانت هذه الحكومات الموسعة التي كانت تسمى حكومات “الاتحاد الوطني” أو حكومات “الوحدة الوطنية”، تشكل إما استعداداً لحرب، أو تقطيعاً لوقت، أو تخلصاً من حالات التشرذم السياسي، كما هو الحال اليوم .
والخلاصة، قد يكون نتنياهو خسر الانتخابات الأخيرة انطلاقاً مما كان يقول إنه يتطلع إليه، وقد يقصر ذلك من عمر حكومته الجديدة، لكنه، في ظني، لا بد أنه يشعر بالراحة إزاء هذه النتيجة التي أعفته من اتخاذ القرارات، فأتاحت له ممارسة “رياضته” المفضلة: المحافظة على الوضع الراهن!
الثابت والمتحول في الانتخابات "الإسرائيلية"
علي جرادات عن دار الخليج
في خضم الصراع مع الكيان الصهيوني، وبتأثيرات صدمة هزيمة يونيو/ حزيران ،1967 تحديداً، نشأت في السياسة الرسمية العربية توجهات الانتقال من “استراتيجية التحرير” إلى “استراتيجية التسوية” . في بدايتها ظلت هذه التوجهات منضبطة لوحدة الموقف العربي، ومقرونة باستخدام العرب عوامل قوتهم الشاملة، ومشروطة بعقد مؤتمر دولي تحضره جميع أطراف الصراع في إطار هيئة الأمم ومرجعية قراراتها، وبإلزام “إسرائيل” بتنفيذها . لكن إبرام مصر السادات معاهدة “كامب ديفيد”، العام ،1979 فتح باب التحلل الرسمي العربي، ومنه الفلسطيني، من اشتراطات “استراتيجية التسوية” التي صارت سياسة عربية سائدة في مؤتمر “مدريد للسلام” العام 1991 . مذاك ساد الرهان الخائب على إمكان أن تمارس الولايات المتحدة، بلا ضغط عليها، الضغط على حليفها الاستراتيجي الثابت، “إسرائيل”، بل، ونشأ رهان آخر، وأكثر خيبة، يرى إمكان أن تتحول أحزاب صهيونية، من تلقاء نفسها، ومن دون مقاومة ميدانية وسياسية عربية وفلسطينية شاملة، إلى أحزاب تقبل بتسوية سياسية للصراع، تلبي الحد الأدنى من الحقوق العربية والفلسطينية المغتصبة . بهذيْن الرهانين الفاشلين، وبما انطويا عليه من عجز، وُلدت، وتعاظمت، واستمرت، سياسة التعلق بنتائج الانتخابات الأمريكية و”الإسرائيلية” المتعاقبة .
واليوم، بعد عشرين عاماً من التعلق بهذين الرهانين، مازالت “إسرائيل” هي ذاتها، الغاصبة العدوانية والتوسعية في فلسطين ومحيطها العربي، الرافضة لكل تسوية سياسية لا تلبي شروط الاستسلام لها؛ وظلت هي ذاتها، كما كانت، نظاماً وحكومات، مصدراً دائماً للحروب ضد العرب، وللعبث باستقرار شعوبهم وأمنهم، وظلت هي ذاتها: العصا الغليظة، والحليف الاستراتيجي الثابت، لمستعمِري دول المنطقة، ومستبيحي سيادتها واستقلالها، وناهبي ثرواتها، الغربيين، وفي مقدمتهم، الولايات المتحدة . على الرغم من كل ذلك، فقد حظيت انتخابات “إسرائيل” الأخيرة، باهتمام غير مسبوق، وكان العرب، والفلسطينيون منهم بالذات، أكثر المهتمين بهذه الانتخابات، أملاً في أن تتمخض نتائجها عن تشكيل حكومة تكفّ، طوعاً، ومن دون استخدام العرب، ومنهم الفلسطينيون بالذات، أوراق قوتهم، وما أكثرها، عن سياسة العدوان والتوسع والتهويد والتمزيق الممنهجة في الضفة، أو عن ارتكاب المزيد من الاعتداءات العسكرية ضد غزة، أو عن الإقدام، (ربما)، على شن حرب جديدة ضد دولة عربية هنا أو إقليمية هناك.
بل، ودون تبصر، ثمة مَن يرى في إعادة توزيع مقاعد “الكنيست” “الإسرائيلي” بين الأحزاب الصهيونية، وفقاً لنتائج الانتخابات الأخيرة، تعبيراً عن حدوث تحول نوعي داخل المجتمع “الإسرائيلي”، إلى درجة الرهان عليه، ليس، فقط لناحية استئناف المفاوضات الفلسطينية “الإسرائيلية”، بل، أيضاً، لناحية إمكان تحقيق مطلب دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة العام 1967 . هنا ثمة قراءة واهمة، ليس، فقط، لأنها تتجاهل تجربة عشرين عاماً من المفاوضات، بل، أيضاً، لأنها، لا تميز، بالملموس، بين الثابت والمتحول في نتائج هذه الانتخابات، للأسباب الآتية:
* أولاً: لم تكن قضية توقف المفاوضات مع الفلسطينيين، وانسداد أفقها، هي سبب تبكير إجراء هذه الانتخابات، بل، كانت القضايا الداخلية، مثل قضية الموازنة، وقضية الأزمة الاقتصادية، وقضية نظام الحكم، وقضية تجنيد المتدينين، هي السبب .
* ثانياً: كان لافتاً التراجع غير المسبوق لملف الصراع مع الفلسطينيين عن دعاية، وبرامج، الكتل والأحزاب الصهيونية المتنافسة في هذه الانتخابات .
* ثالثاً: صحيح أن حصاد ائتلاف “الليكود بيتنا” تراجع من (42 مقعداً) إلى (31 مقعداً)، لكن الفارق، (11 مقعداً)، ذهب إلى حزب “البيت اليهودي”، وهو حزب جديد يمثل المستوطنين، ويدعو علناً إلى ضم 40% من مساحة الضفة الغربية، بل، وإلى هدم المسجد الأقصى، وإعادة بناء “الهيكل” على أنقاضه .
* رابعاً: صحيح أن حصاد حزب “كاديما” الليكودي الأصل، تلاشى تقريباً، حيث تراجع من (29 مقعداً) إلى (8 مقاعد: 6 لليفني، و2 لموفاز)، لكن الفارق، (21 مقعداً)، ذهب، أساساً، إلى مفاجأة الانتخابات الأساسية، حزب يئير لبيد الجديد، (يوجد مستقبل)، الذي أحرز موقع ثاني أكبر كتلة برلمانية، حيث حصل على (19 مقعداً) . وهنا، حري الحذر من التضليل الذي يحمله ابتلاع التصنيف الصحفي “الإسرائيلي” للأحزاب الصهيونية، وتقسيمها بين “يمين” و”وسط” و”يسار”، على الأقل لناحية رؤاها، وبرامجها، ومواقفها، السياسية من الصراع العربي “الإسرائيلي”، عموماً، ومن جوهره، القضية الفلسطينية بالذات . فحزب يائير لبيد هذا، الذي يقع، وفقاً لهذا التصنيف، في خانة “الوسط”، حصد ما حصد من مقاعد، بفعل تركيزه على المطالبة بتغيير نظام الحكم، وإنصاف الفقراء، واستعادة مكانة الطبقة الوسطى، وإعادة توزيع الأعباء، وإلغاء “قانون تال” القاضي بعدم تجنيد المتدينين، لكن مواقفه من الصراع مع الفلسطينيين لا تختلف، ولو في الدرجة، عن مواقف ائتلاف نتنياهو ليبرمان، حيث كان لافتاً، اختيار هذا الصهيوني، مستوطنة أرييل، شمال الضفة، مكاناً لإطلاق حملته الانتخابية، حيث أعلن، من هناك، عن تمسك حزبه بعدم تقسيم القدس، واعتبارها “العاصمة الأبدية” ل”دولة” “إسرائيل” اليهودية التي “يجب الحفاظ على أكثرية اليهود فيها” . هذا فضلاً عن إعلانه، ( قبل وبعد فوزه المبهر)، عن استعداد حزبه للانضمام إلى ائتلاف حكومي بقيادة نتنياهو، وعن معارضته تشكيل جبهة ممانعة ضده، وعن دعوته إلى تشكيل “ائتلاف حكومي واسع”، لانتشال “إسرائيل” من أزمتها الاقتصادية الاجتماعية، بما يمكنها من مواجهة، ما وصفه، بالتحديات الأمنية المحلية والإقليمية الكبيرة .
* خامساً: صحيح أن حزب العمل حسن موقعه، وحصل على عدد إضافي، (قليل)، من المقاعد، لكن ما هو غنيّ عن الشرح، هو ما فعله حزب العمل هذا، (وهو المحسوب زوراً على أحزاب “الوسط”، أو “اليسار”، أحياناً)، بالفلسطينيين، من خلال جرجرتهم إلى لعبة مفاوضات “أوسلو” العبثية التي يبدو أن هناك من يرى في “جديد” الانتخابات “الإسرائيلية” الأخيرة، ما يدعو إلى العودة إليها.
إسرائيل أيضا صارت لديها أزمة الهوية
حسام الدجني عن القدس العربي
مع اشتداد حمّى الدعاية الانتخابية داخل إسرائيل، عادت إلى السطح أزمة الهوية في إسرائيل، وكشف المجتمع الإسرائيلي زيف ادعائه بأنه مجتمع علماني ديمقراطي، حيث حملت الدعاية الانتخابية معالم الشخصية الصهيونية التي تقوم على الكراهية والعنصرية ليس فقط تجاه الفلسطينيين، وإنما وصلت إلى كل المكونات الاثنية والعرقية والأيديولوجية داخل إسرائيل.
والكل يعرف أن هناك صراعاً أيديولوجياً بين العديد من التيارات اليهودية منذ نشأة الدولة العبرية على أنقاض فلسطين عام 1948م، وأن الدولة لم تنجح في دمج المكونين الإثنيين اليهود الغربيين (الأشكناز)، واليهود الشرقيين (السفارديم) في مجتمع واحد وتحت مظلة هوية واحدة، ولم تتوقف الأزمة عند هذا الحد، ففي الآونة الأخيرة بات واضحاً أن المجتمع الإسرائيلي أصبح يتجه نحو اليمين واليمين المتطرف، وهذا ما تؤكد نتائج استطلاعات الرأي في انتخابات الكنيست 2013م، وما أفرزته نتائج انتخابات الكنيست لعام 2008م، وأن الخلاف لدى الأحزاب الدينية والانقسامات كبيرة، ففي المجتمع الإسرائيلي يوجد تياران دينيان هما التيار الديني الأرثوذكسي والتيار الديني الصهيوني، فالتيار الديني الأرثوذكسي ينقسم هو الآخر إلى تياران هما التيار الأرثوذكسي الغربي والتيار الأرثوذكسي الشرقي، فالتيار الغربي ينقسم إلى التيار الحسيدي والتيار الليتائي، أما التيار الشرقي فهو يعبر عن اليهود الشرقيين علمانيين كانوا أم متدينيين وتمثله حركة شاس بزعامة أريه درعي.
أما التيار الآخر وهو التيار الديني الصهيوني وهو يؤمن بالاستيطان على أرض فلسطين، ويعتبره أنه يعادل كل فرائض التوراه، وتغلغل هذا التيار في الجيش ومؤسسات الدولة، بحيث أصبح يسيطر على أكثر من نصف المقاعد الهامة في الجيش وأولويته المختارة.
وهناك أيضاً أقليات تعكس التباينات وأزمة الهوية، فاليهود الروس يمثلون 20' من المجتمع الاسرائيلي وهم بالمناسبة لا يجيدون اللغة العبرية بطلاقة، ويعيشون ضمن جيتو خاص بهم، ويستمعون للأغاني الروسية، وبذلك هم حالة ثقافية خاصة داخل مجتمع به العديد من المكونات الثقافية الأخرى ولعل أهمها:
1- الثقافة العلمانية: وهي ما تتبناها الدولة بشكل علني.
2- الثقافة الوطنية القومية: وهي عبارة عن مزج بين العلمانية واليهودية.
3- ثقافة الحريديم: اليهودية الحريدية (المتزمتة) وهي تعيش ضمن جيتو خاص بها، وتشكل عبئاً ثقافياً على اليهود العلمانيين، وتمثل 8 ' تقريباً من المجتمع الصهيوني.
وهناك أيضاً الأقلية العربية وهم السكان الأصليين للبلاد ولكنهم من أكثر الأقليات داخل إسرائيل يتعرضون للعنصرية والتمييز، ويمثلون 20' من سكان إسرائيل، ولكن اليهود ومن خلال دعايتهم الانتخابية يلوحون بترانسفير يقتلعهم من أراضيهم ليكشف المجتمع الإسرائيلي عن وجهه الحقيقي تجاه الأقليات وتجاه حرية المعتقد، حيث شاهدنا ما قام به بعض المتطرفين من رفع صوت الآذان وسط أهم الأحياء الراقية في تل أبيب في إشارة للإزعاج الذي يتعرض له اليهود في المدن المختلطة أو في المستوطنات من سماعهم لصوت الآذان. إن أزمة الهوية في إسرائيل تنذر بحجم المأزق الذي تعيشه الدولة، وأنها تحمل بذور ودلالات السقوط والانكماش، وكما قال ميكافيلي في نصائحه للأمير: 'إن الطريقة المثلى للحفاظ على الدولة وحمايتها من الثورات والحروب الداخلية هي خلق عدو خارجي يشكل وجوده قضية مشتركة للشعب'. من هنا نرى أن سياسة إسرائيل العدوانية هي شرط بقائها وديمومتها، وتجاوزها لأزمة الهوية، ولذلك فإن المستقبل لمرحلة ما بعد الانتخابات الصهيونية سيحمل معه مقومات حرب في المنطقة حتى تستعيد إسرائيل وحدتها الداخلية.
جدول المصالحة.. والتجارب السابقة
علي الطعيمات عن الوطن القطرية
اتفقت حركتا «فتح» و«حماس» على الجدول الزمني والتوقيتات اللازمة لبدء تنفيذ جميع القضايا المتعلقة بالمصالحة الوطنية الفلسطينية، وفي اطار «الرزمة الواحدة»، بحيث تبدأ عمليات التنفيذ فورا.. وفورا هنا تعني قبل ثمان واربعين ساعة من الان، اي الخميس الماضي 17 يناير 2013، وبحد اقصى الثلاثين من ذات الشهر، وذلك حسب البيان الصادر عن اجتماع الحركتين في القاهرة.
الاتفاق بحد ذاته الخطوة التي لا معبر الا من خلالها لاتمام المصالحة وعودة المياه إلى مجاريها الطبيعية والصحيحة، والمصالحة بالمقام الاول واجب وطني، وغير مسموح اي تقصير او عرقلة للوصول بالمصالحة إلى أعلى مراتبها الوطنية مهما كانت الاسباب والمبررات فلا بد من وضع القدم الفلسطينية من جديد على جادة الصواب والتكاتف لمواجهة المرحلة الاصعب التي تمر بها القضية الفلسطينية منذ النكبة وحتى الان، فالظروف لاتحتمل استمرار هذا الانقسام الاخطر في تاريخه والذي ينعكس ايجابا على مصالح العدو الإسرائيلي، وضارا ومؤذيا لمسيرة التحرر الفلسطينية.
ربما التوصل لاتفاق بين «فتح» و«حماس» على الورق أمر ليس صعبا، فالطرفان يبديان على الدوام استعدادهما للمصالحة وانهاء الانقسام، ولكن لكل منهما مفهومه للمصالحة وأيضا لـ « الانقسام»، فالتجارب السابقة بين الحركتين تجعل « المراقبين» واصدقاء واشقاء الشعب الفلسطيني المكافح المناضل، ان يبقى في المنطقة الرمادية، وفي أفضل الأحوال في دائرة الامل والرجاء بأن يلتزم الطرفان بدقة بتنفيذ الالتزامات الوطنية عبر التنفيذ الدقيق بالجدول الزمني لإنهاء الانقسام للخروج من هذا المأزق الذي سيسعى العدو الإسرائيلي وحليفته الاستراتيجية إلى محاولة عرقلة مشروع المصالحة الفلسطينية، وخصوصا عبر السلطة في رام الله المطلوب منها الآن ان تكون قد استوعبت درس المفاوضات والوعود وما إلى ذلك من الاعيب الاعداء، والاصرار على قطف ثمار «الانتصار» العسكري في غزة و«الانتصار» السياسي في الامم المتحدة، وترجمة ذلك بإعادة اللحمة إلى القوة الفلسطينية بكافة أصنافها، واعداد استراتيجية شاملة للمقاومة والتحرير عبر مختلف القنوات.
ملك إسرائيل الجديد ؟
لميس اندوني عن العرب اليوم الأردنية
من أهم نتائج الانتخابات الإسرائيلية هو ظهور "ملك جديد"، هو يائير لابيد، بدلاً من رئيس الوزراء "اليميني" السابق بنيامين نتنياهو، الذي برز على رأس اتجاه يبدو في الظاهر أكثر انفتاحاً ووسطية، لكن لا يختلف في جوهره عن مواقف اليمين الإسرائيلي من الفلسطينيين.
الأهم أن النتائج تظهر أن جموح إسرائيل إلى اليمين والعنصرية لم يتوقف، وإن كانت تعبيراته الفجة أصبحت محرجة لأجزاء من المجتمع الإسرائيلي ومؤيديها من الدول الغربية، وبالأخص الإدارة الأمريكية، وبالتالي أصبحت هناك حاجة ملحة لوجه " أكثر قبولاً" من دون تغيير مفصلي في عقلية وممارسات الاحتلال، غير الخلافية، من حيث المبدأ لدى معظم الإسرائيليين.
يائير لابيد، الصحافي الذي اقتحم خارطة السياسة بفوز حزبه ييش عاتيد "يوجد مستقبل" بالمركز الثاني بعد تحالف الليكود-إسرائيل بيتنا، ينبئ بمرحلة جديدة، من تجميل صورة إسرائيل في الغرب، خاصة بتنفيس التوتر مع إدارة الرئيس باراك أوباما، من دون تراجع الدولة الصهيونية عن سياساتها العنصرية أو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية والاحتفاظ بالقدس الشرقية.
النجاح المفاجئ، الذي حققته لائحة "مستقبل جديد"، التي حصدت 19 مقعداً في الكنيست، خاصة مع ترافقها بتراجع حصة الليكود إلى 31 مقعداً، تدل أن المجتمع الإسرائيلي يبحث عن تصالح داخلي حتى لو كان مزيفاً ويتجاهل مأزقه الرئيسي، ونهاية للصراع بين اليهود الأمريكيين، بعد وصول حالة الفرز والاصطفافات إلى درجة غير مسبوقة في عهد نتنياهو وتحالفه مع اليمين الأمريكي المتشدد.
ذلك لا يعني تقدم فرص السلام، بمفهوميه العادل والمنتقص، وإن كان يفتح الباب لواشنطن بتصعيد ضغوطها على الفلسطينيين والعرب للدخول في مفاوضات الحل النهائي لمستقبل الأراضي والشعب الفلسطينيين، معتمدة على ما عنته الانتخابات من تقويض لسطوة نتنياهو، وبروز تحالفات "وسطية- يسارية"، قد تكون مستعدة "لتجميد" النشاط الاستيطاني، بشكل مؤقت من أجل جر الفلسطينيين إلى الطاولة.
لكن النتائج تشجع انطلاق "مبادرات سلام جديدة"، لأنه حتى لو نجح نتنياهو، بتشكيل ائتلاف مع تشكيلة أو أخرى من الأحزاب الدينية، "والوسطية"، لتأمين 67 إلى 85 مقعداً مؤيدا لحكومة برئاسته، وبمشاركة تيار لابيد، فإن ذلك لا يغير من أنه فقد قدرته السابقة على اللعب بحرية ، خاصة بالساحة الأمريكية ومع اليمين الأمريكي، لتقييد أوباما وتصويره بأنه عدو لإسرائيل.
نتنياهو، الذي صدم بالنتائج، كان يهيئ نفسه لمرحلة غير مسبوقة إسرائيلياً، بتتويج نفسه ملكاً تجاوز كل "ملوك إسرائيل" القدماء والجدد قوةً وعنجهيةً وحريةً من القيود، بعد أن اعتقد أنه قَيَدَ أوباما، رغم نجاح الأخير بالرئاسة للمرة الثانية، بتهمة الاستهتار بأمن إسرائيل وعرضه لخطر "وجودي"، وكان يستعد لحملة شرسة في أمريكا، محورها تراخي الإدارة الأمريكية تجاه "التهديد الإيراني".
السيناريو الأفضل لإدارة الأمريكية، أن يفشل نتنياهو بتأليف حكومة، ما يعطي "أحزاب الوسط" الإسرائيلي فرصة تشكيل حكومة مع الأحزاب المتدينة، بتأييد 67 صوتاً في الكينيست، وبالتالي تنجح خطة لا بيد، وتعطي صدقية لوعوده بقيادة "التغيير" بعيداً عن معسكري اليسار و اليمين التقليديين.
حينها تستطيع واشنطن التقدم "بمبادرة سلام" وترمى الكرة تماما في حضن الطرف الفلسطيني، ونعاود سماع الاسطوانة الإسرائيلية، وإن كان بصوت يصم الآذان والعقول، بأنه لا يوجد "شريك فلسطيني للسلام".
القلق، أن تندفع أصوات فلسطينية، بوهم مزيف، متسلحة بمنطق "فرصة هزيمة اليمين الإسرائيلي" التاريخية، وتبدأ بالتنظير لفرص السلام والمفاوضات وما ويسبقها وما يليها من تنبؤات في الخيال.
ولعل أوضح مؤشر على عدم وجود تغيير فعلي في إسرائيل، هو تراجع نسبة الناخبين العرب، الذين أحسوا بأن صوتهم لن يؤثر بالسياسات العنصرية المتصاعدة ضدهم رغم تحذير الدكتور أحمد الطيبي، الذي فازت كتلته بخمسة مقاعد، بأن العرب اضاعوا فرصة هزيمة اليمين الإسرائيلي.
ما يمكن توقعه، أن الهجوم العنصري على أعضاء الكنيست العرب الفلسطينيين الـ12، بمن فيهم 4 لجبهة المساواة "الحزب الشيوعي"، و 3 من التجمع "البلد" ، ويمر من دون أية ردة فعل عالمية او إسرائيلية تُذكر.
لا شك ان النتيجة تدل على تفاقم الصراع الإسرائيلي الداخلي، لكن حسم هذا الصراع يستوجب توجيه ضربات قاسية للفلسطينيين، وإن تعدت الطرق، لأن الاحتلال والاقتلاع والإحلال لا تقلق الوجدان الإسرائيلي.
هذا هو «عطا الله».. نتنياهو: مقبرة واحدة
رشا ابي حيدر عن السفير اللبنانية
إذاً بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة للمرة الثالثة على التوالي، على الرغم من انه شخص غير محبوب كثيراً من الاسرائيليين، وهو عرضة للانتقاد الدائم، لكن يصوّتون له. حتى ان بن غوريون، الاب المؤسس لاسرائيل، لم يستطع هو نفسه تحقيق هذا الانتصار في ترؤّسه للسلطة على مدار كل هذه السنوات. ربما لان اسم نتنياهو يعني «عطا الله» باللغة العربية، هذه «النعمة» التي أنزلت على الاسرائيليين منذ 15 عاماً، ولا يمكن انكارها حتى اليوم، والدليل على ذلك استمراره في الحكم، في حين انه كان نقمة بلا شك على شعوب اضطهدت ولا تزال، وأوّلها شعب فلسطين. أراد السلطة والقوة، وحصل على كلتيهما في العام 1996، عندما اصبح أصغر رئيس حكومة عن عمر 47 عاماً.
يقول الفيلسوف والكاتب يرمياهو يوفل عن نتنياهو، «هو فائق الذكاء لدرجة انه يستطيع ان يخفي ذلك بهدف التقرّب من ناخبيه». وهو أسلوب يمارسه نتنياهو بناء على نصائح من قبل المسؤول عن حملاته في التواصل والإعلام، الاميركي آرثر فينكلستاين. الشعارات الانتخابية البسيطة هي نفسها، اللعب على الخوف... البارحة، الفلسطينيون كانوا هم الاعداء، اليوم، ايران هي العدو. وقد كان شعار نتنياهو الذي طرحه في حملته الانتخابية الاولى: «رئيس حكومة قوي، لبلد قوي».
للعودة الى جذور العائلة، خصّصت مجلة «لو بوان» الفرنسية تقريراً خاصاً حول رئيس الحكومة الاسرائيلي، الذين ينادونه في اسرائيل، «بي بي»، وعائلته التي تنحدر أساساً من لتوانيا، حيث كان الجد الاكبر للعائلة ناثان ميلكوفسكي، حاخاماً في إحدى القرى هناك. في العام 1920، يتّجه رابين ناثان وأولاده التسعة الى فلسطين في عهد الانتداب البريطاني.
بنسيون، الولد الاكبر، يصبح والد نتنياهو. درس في الجامعة العبرية في القدس، واخذ من نتنياهو (عطا الله) اسما له، وهو الاسم الذي كان يستخدمه الحاخام ناثان في كتاباته في الصحافة الروسية، حيث كان يكتب في صحيفة «حا-يردن»، إحدى صحف اليمين الصهيونية.
في العام 1939، اتجّه نجل رابين ناثان الى الولايات المتحدة، حيث اصبح هناك سكرتيراً لمدة عام للزعيم زئيف جابوتينسكي، الصهيوني الروسي ومؤسس الحركة التصحيحية وحركة «بيتار». جابوتينسكي، الرجل الصهيوني المتطرّف الذي كرّس وقته في ممارسة النشاطات الصهيونية وعمل على النهوض بحقوق الأقلية اليهودية في روسيا. جابوتينسكي، الذي كان ينادي بالرد بالشدة على كل من يريد النيل من أهداف الصهيونية. ومن الجمل الشهيرة التي كان يردّدها هذا المتطّرف، والذي كان متأثّرا به والد نتنياهو، «علينا إعطاء الصهيونية صبغتها السياسية مرة أخرى، والتي أصبحت بعد السنوات التي فاتت من وفاة هرتسل مشوشة تماما وغرقت في النسيان.» ينتقده الكاتب اليهودي المعادي تمامًا للصهيونية، يوري أفنيري، بسبب وجهة نظره «في الموافقة على قتل الابرياء العرب في عمليات انتقامية»، رغم اعجابه الشديد بأسلوب كتاباته، في مقابلة معه مع صحيفة هآرتز الاسرائيلية في العام 2011، والتي حذفت ما نسب اليه من كلام سلبي عن جابوتينسكي.
نشأ عليها نتنياهو، الذي شرب الصهيونية من أب عنيد، لم يغيّر مساره العقائدي الثابت. وقد حيّت الخطابات في اسرائيل سياسة الاب عندما اشادت بالذي «لا يريد ان يعطي شبراً واحداً من الارض اليهودية للعرب!»
نقطة التغيير الفاصلة في حياة نتنياهو كانت وفاة شقيقه البكر يوني إثر استهداف طائرة تابعة للخطوط الجوية الفرنسية في اوغاندا في العام 1976 لتحرير ركاب كانوا على متنها، كان قد خطفها فلسطينيون. تلك الحادثة جعلت من شقـيق نتنياهو بطلاً في اسرائيل. ويؤكّد أحد أصدقاء نتنياهو انه «لولا موت اخيه يوني، لما كان أبدا دخل المعترك السياسي». غير ان نتنياهو، ويا للمفارقة، كان جزءاً من فريق الكوماندوس الذي كانت مهمته تفجير طائرات في مطار بيروت.
نتنياهو، المعروف بسياسة الـ«زيك زاك»، ألّف كتاباً بعنوان: «محاربة الارهاب» أثنى عليه الرئيس الاميركي رولاند ريغن ونصح بقراءته. ومن صفاته انه شخص من دون اصدقاء. هو ذئب وحيد. «لا يؤمن سوى بالقوة». بالنسبة للاسرائيليين، انه رئيس الحكومة الاكثر مراوغة في تاريخ الدولة العبرية. هو رئيس، معسكره نفسه يحذر منه، حيث يراوغ بين التراث العائلي لمنظري الدولة اليهودية وعدم التزامه بالوعود، جراء الضغوطات السياسية. ومن هنا اكتسب لقب «بي بي زيك زاك».
حتى انه في احدى المرات، واثناء اجتماع قمة الدول الـ20 في مدينة «كان» الفرنسية في تشرين الثاني 2011، و«الميكروفون» «مفتوح» على الهواء للجميع، قال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للرئيس الاميركي باراك أوباما: «بنيامين نتنياهو كاذب ولديه ازدواجية في لغته».
«يستطيع ان يكون «فاتنا» سياسيا أمام رؤساء الدول. لكن عندما يتوجّه بالعبرية لزملائه في حزب «الليكود»، لا يقول الاشياء نفسها»، «ليس رجلا موثوقاً جدا به»، قالها رئيس الحكومة الاسبق اسحق شامير، في حديث مع احد الصحافيين من «نيويوركر» في العام 1998.
لدى نتنياهو مصادر تمويل كبيرة من قبل اليهود الاميركيين الاثرياء، مثل نجل استيه لودر، صاحب الشركة العملاقة لادوات التجميل والتزيين، الذي يقف دائما الى جانبه. لديه الدعم السياسي من قبل الجمهوريين، وهم اللوبي اليهودي لليمين والانجيليين الاميركيين.
لا احد يتعجّب من ان نتنياهو، على رأس السلطة، منذ العام 1996، يسعى للحفاظ على تراث والده السياسي: عدم التخلي عن أي شبر من ارض اسرائيل.
حتى لو قبل بالانسحاب من وسط الخليل، مدينة الاولياء، عندما كان بيل كلينتون رئيساً لاميركا، وقبل بحل بعض المستعمرات في عشرة اشهر، لكن منذ حينها، سدّ اذنيه. وفي إحدى المرات، كشف نتنياهو عن الحديث الذي جرى بين والده وبن غوريون بعد غزو سيناء، لطرح استراتيجية للحفاظ عليها: «لماذا انت قلق»، يسأل رئيس الحكومة. «ان الولايات المتحدة تريد ان ترغمنا على الانسحاب»، يرد بنسيون. «وكان محقاً»، يقول نتنياهو، مشيراً الى انها كانت المرة الاولى والاخيرة التي فرضت فيها الولايات المتحدة إملاءها عليهم.
كتب يوري أفنيري، في مقال بعنوان: «البحر والنهر»، في منتصف كانون الثاني العام 2012: «فلسطين، من الاردن الى البحر هي ملك لنا»، قالها خالد مشعل... و«أرض إسرائيل من البحر الى نهر الاردن، ملك لنا»، يقولها اليمين الاسرائيلي دائماً. يرى أفنيري «ان كلا التصريحين يبدوان متطابقين، مع فارق باسم البلد، لكن اذا تمعّنت في قراءتهما، تجد فرقاً بسيطاً: الاتجاه. «من البحر الى النهر ومن النهر الى البحر». ويضيف: «لدى الصهاينة عقلية العبور من البداية، مثل اسلافهم القادمين من الغرب وحتى يومنا هذا، كما انه لا مفرّ من الحقيقة البسيطة ان تكون هناك دولتان بين النهر والبحر، وكذلك بين البحر والنهر، إلا اذا كنا نريد البلد كله - البحر الى النهر، النهر الى البحر - ليصبحوا مقبرة واحدة». هذا هو نتنياهو!
ماذا تنتظر إسرائيل من نتنياهو؟ سؤال لا يخص العرب. ماذا ينتظر الفلسطينيون؟ الجواب ليس عند نتنياهو بل عند الفلسطينيين.
عودة المشرق العربي إلى نقطة البداية
بقلم: بول سالم ( مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت) عن الحياة اللندنية
بعد مئة سنة من بدء المشرق العربي رحلة بناء مجتمعات سياسية حديثة، يبدو أن تجربتنا منيت بالفشل وعدنا إلى نقطة البداية. فقد انهار لبنان في سبعينات القرن الماضي، وتفكّك العراق في التسعينات وخلال العقد المنصرم، وتنخرط سورية اليوم في أتون حرب أهلية تمزّقها. وعلى عكس مصر وتونس وبلدان عربية عدة أخرى، لم نتمكّن من الحفاظ على وحدة المجتمع ولا سيادة الدولة. وفيما ندخل في المشرق فترة من الانقسام الشديد وعدم اليقين مستقبلاً، هل سنتمكّن من إيجاد طريق العودة إلى الوحدة الوطنية وبناء الدولة الحديثة، أم أن انحدارنا نحو الفرقة والنزاع والتراجع عصيّ على التغيير؟
قبل مئة عام، كان أجدادنا مشاركين فاعلين في النهضة العربية التي كانت تتوق لأن تستبدل النظام العثماني الآفل بدول ومجتمعات حديثة، تقوم على مبادئ تقرير المصير الوطني والمساواة وحقوق المواطنة وتمكين المرأة والتقدم الاجتماعي والعدالة الاقتصادية والتنوير. انهار النظام العثماني بالفعل، لكننا وجدنا أنفسنا أمام تحدٍّ جديد يتمثّل بالانقسامات السياسية التي أوجدها اتفاق سايكس-بيكو وحُكْم قوى الانتداب الأوروبية. لكن على رغم ذلك، أتيحت لمجتمعاتنا الفرصة لبناء مؤسّسات سياسية ديموقراطية ومجتمع مدني فاعل وأنظمة تعليمية واقتصادية حديثة. وتميّزت تلك الفترة بقدر كبير من العمل السياسي الخلاّق وتأسيس حركات وأحزاب سعت إلى صياغة مستقبل عربي أفضل.
في عهد الاستقلال الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، تمت إزالة العقبات التي تسبّب بها الحكم العثماني أو الانتداب الأوروبي، وأصبحنا سادة مصيرنا. بيد أن تقدّمنا السياسي المأمول تباطأ بدل أن يتسارع. فالحركات التي بشّرت بالوحدة والحرية وصلت إلى السلطة لتأسيس دول الحزب الواحد البوليسية وتأجيج الصراعات بين بعضها البعض. جرى تدمير المؤسسات الديموقراطية الوليدة لمصلحة أنظمة ديكتاتورية شمولية، بينما في حالات أخرى، كما هو الحال في لبنان، أُهملت تلك المؤسّسات لكي تضعف وتضمحلّ. كما جرى تبديد طموحات الوحدة الوطنية والمواطنة المتساوية لمصلحة هيمنة جماعة واحدة على الجماعات الأخرى. وفي البلدان التي تعاني من ضعف الدولة مثل لبنان، ظهر التفكّك الوطني في وقت مبكر، في عام 1958، ومن ثّم على نحو أكثر تدميراً في عام 1975. في سورية والعراق، أسهمت القبضة الحديدية الديكتاتورية في تأخير عملية التفكّك، إلا أنها جعلتها أكثر إيلاماً ودموية عندما وقعت.
استعاد شباب «الربيع العربي» في العامين الماضيين روح النهضة العربية، داعين إلى الحرية والوحدة الوطنية والحقوق المدنية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية والتقدم الاقتصادي. لكن في المشرق، كان تأثير الارتداد إلى الطائفية والمذهبية والانتماء العرقي والقبلي أكثر قوة. ففي العراق استغلّت حكومة المالكي فرصة الانسحاب الأميركي قبل عام من الآن للقضاء على خصومها، واستبعاد مبدأ الشراكة الفعلية في الحكم، ومحاولة تعزيز قبضتها على السلطة، غير آبهة بالتفكّك والحرب الأهلية الزاحفة التي تقود البلاد إليها. وفي سورية يبدو النظام الحاكم، الذي يُفترض أنه قام على مبادئ حزب البعث المتمثّلة بالوحدة والحرية والاشتراكية، عازماً على ضرب الوحدة وتأجيج حرب أهلية طائفية واضطهاد شعبه كي يجبره على الخضوع وحماية الثروات البليونية التي تراكمت لدى رموزه.
أما المعارضة السورية، التي اتفقت في البداية بوجه عام على إقامة نظام ديموقراطي تعدّدي في مرحلة ما بعد الأسد، فقد تجاوزتها الآن حركة جهادية راديكالية تسعى إلى إقامة دولة دينية توتاليتارية قد تجعلنا نتحسّر على الإمبراطورية العثمانية.
وفي لبنان، كان أفضل ما تفتّقت عنه العقول السياسية هو طرح ما يسمى قانون الانتخابات «الأرثوذكسي» الذي يقود إلى قفزة تاريخية إلى الوراء باتجاه ترتيبات سياسية تشبه التي كانت سائدة في العصر العثماني، عندما مارست كل ملّة وجوداً سياسياً مستقلاً من دون أن تشارك لا بالمبدأ ولا بالفعل في أي مشروع وطني وازن.
الواقع هو أن المشرق مفلس سياسياً. ففي ظل غياب أفكار وحركات جديدة لتوحيد مجتمعاتنا وتحديد طريق جماعي وعقلاني للمضي قُدُماً، سنغرق أكثر فأكثر في معمعة الانقسام والتفسّخ. ولكن أين هي هذه الأفكار التي ستمضي بنا قُدُماً؟ أين هي نهضة الفكر السياسي التي أضاءت العقود الستة الأولى من القرن الماضي؟ لقد اصطدمت أحلام الوحدة العربية بواقع الانقسام والسلطوية. فإذا كنا قد عجزنا عن الحفاظ على الوحدة والحرية حتى في الوحدات الوطنية الصغيرة، فهل كنّا سننجح في وحدات سياسية أكبر؟ بالإضافة إلى ذلك، اصطدمت طموحات الاشتراكية العربية بواقع الفساد وسُوء استخدام السلطة، وجرى إضعاف زخم المجتمع المدني من خلال تأثير الروابط الأسرية والقبلية و «الهويات القاتلة» ذات الانتماءات الدينية والعرقية. وواجهت الاندفاعة لتمكين المرأة الحدود الجامدة للنظام العربي الأبوي السائد. كما فشلت محاولة بناء المواطنة والهوية الوطنية في مواجهة الهويات الطائفية الأكثر قوة.
في الواقع، كان القرن العشرون هو «القرن الضائع» كما وصفه الراحل الكبير غسان تويني. فها نحن نجد أنفسنا في المشرق في عام 2013، في نقطة انطلاق أسوأ مما كنا عليه في عام 1913. فقد كانت منطقتنا آنذاك تعجّ بالنشاط والتفاؤل لبناء مستقبل عربي مستنير وديموقراطي ومدني. كنا خارجين من خمسة قرون من الحكم العثماني الخانق ونتطلّع إلى اقتناص فرص تتيح لنا التحرّر وامتلاك القرار الوطني وبناء نظام سياسي مدني ثقافي اقتصادي جديد. واليوم وعلى رغم أنّ مصيرنا في أيدينا ولم نعد خاضعين للهيمنة الأجنبية، ما زلنا نفتقر إلى رؤية موحّدة ومشروع شامل للاستفادة من الفرص التي تنتظرنا. وفي ظل حرص كل جماعة على تعظيم هيمنتها أو الاستفادة منها إلى أقصى حدّ ممكن، دمّرنا المشروع المشترك الذي يمكن أن يوفّر الأمن والكرامة والمشاركة والرخاء للجميع.
سيستغرق خروجنا من هذا الليل المظلم سنوات طويلة. ولذا علينا أولاً أن نقدّر عمق الانقسام والضعف الذي غرقنا فيه، ومن ثم علينا أن نبدأ في صياغة الأفكار والمشاريع التي يمكن أن تفضي بنا إلى طريق الخلاص من هذا الواقع القاتم. ولا بدّ أن تستند هذه الرؤى إلى مبادئ الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية التي نادى بها واستشهد من أجلها شباب الربيع العربي. ومن ثمّ يتعيّن علينا أن نعمل على تنظيم الحركات الاجتماعية والسياسية التي ستوصلنا إلى الخلاص. ولا شك أن إنجاز ذلك الهدف سيستغرق سنوات طويلة، فقد أهدرنا بالفعل قرناً كاملاً، فدعونا لا نهدر قرناً آخر.
عملاء الصهاينة
ناصر منذر عن الثورة السورية
لم يعد حكام مشيخة قطر يجدون أي حرج في الإفصاح عن عمالتهم للصهيونية العالمية بعد أن استمرؤوا دورهم التآمري على القضايا العربية لحساب مشغليهم في الكيان الغاصب, متوهمين بأن ذلك سيرفع من شأن مشيختهم,
ويحولها إلى لاعب فاعل ومؤثر في المنطقة والعالم, ويجلب إليها الاحترام والهيبة ويرفعها إلى مستوى الدول الكبرى التي يحسب لها ألف حساب, متناسين أن من يحاول أن يصنع لنفسه تاريخا مكتوبا بدماء الشعوب سيلفظه هذا التاريخ إلى الدرك الأسفل.
والفضيحة الجديدة لآل ثاني بتقديمهم ملايين الدولارات للمجرمين نتنياهو وليبرمان لدعم حملاتهما الانتخابية لا تؤكد تورطهم بقتل الشعب الفلسطيني وحسب, وإنما تثبت بأنهم شركاء حقيقيون للصهاينة في عملياتهم العنصرية الدؤوبة لتصفية وجود هذا الشعب, ونسف قضيته العادلة من الأساس, وسلبه أرضه وحضارته وكل حقوقه التاريخية, وبالتالي منح الاحتلال شرعية وجوده, وإعطاؤه كل المبررات لجرائمه, لتنقلب الصورة فيما بعد ويصبح الفلسطينيون هم المحتلون والإسرائيليون هم أصحاب الأرض الرازحون تحت نير الاحتلال, ويحق لهم القيام بكل ما من شأنه إنهاء هذا الاحتلال ؟!!.
الدعم القطري لحكام الكيان الصهيوني يعني بكل بساطة اعترافاً واضحاً من قبل الجامعة المستعربة باعتبارها مختطفة من قبل مشيخات النفط والغاز «بيهودية» إسرائيل, وبأن القدس عاصمة موحدة لها, ويعني كذلك الموافقة على كل الإجراءات العدوانية الإسرائيلية من قتل للشعب الفلسطيني وتهجيره, والعمل على هدم الأقصى لإقامة «الهيكل» المزعوم, وإنشاء المزيد من المستوطنات, وطمس كل المعالم الحضارية الفلسطينية تمهيدا لشطب فلسطين التاريخية من الخارطة, وقد سبق لمشيخة قطر أن عرضت خريطة مجتزأة لفلسطين تؤكد الاعتراف الصريح «للبعض» العربي بالكيان الصهيوني, طبعا دون أن ننسى دعوة الجامعة المستعربة لعرب 48 للمشاركة الكثيفة بالانتخابات الإسرائيلية بهدف إلغاء هويتهم وانتمائهم العربي.
تآمر حكام المشيخة لم يقتصر على الشعب الفلسطيني فحسب, بل يطال الشعب العربي كله, فأولئك الحكام تآمروا على الشعب الليبي وقتلوا منه الآلاف, وكان لهم الدور الأكبر في غزو العراق, وتقسيم السودان, وإثارة الفتنة في لبنان, ونشر الفوضى في مصر وشراء مسؤوليها لتحييدها عن دورها القومي العربي, واليوم يضعون كل إمكانياتهم لتخريب سورية وتدميرها, طمعا بأخذ دورها الريادي في المنطقة والعالم, ولكنهم يتجاهلون حقيقة أن المتآمر لن يحصد في النهاية سوى الخزي والعار.
«فبركات» إعلام إيران عن «الإخوان»
عبد الرحمن الراشد عن الشرق الأوسط
سعد الكتاتني أحد أركان «الإخوان» في مصر ورئيس مجلس الشعب السابق، تبرأ من رواية «برس تي في»، تلفزيون إيراني، مؤكدا أنها أكاذيب. قال لم يلتق بعلي لاريجاني رئيس مجلس البرلمان الإيراني، في السودان، ولم يسافر أصلا للسودان.
كما سارع عدد من الشخصيات المصرية الإخوانية تنفي الخبر أيضا، بما يوحي بأن الحكومة المصرية في حالة غضب واستنفار ضد الرواية الإيرانية، التي يبدو أنها أطلقت لتخريب زيارة الرئيس محمد مرسي للسعودية ضمن مشاركته في قمة الرياض.
ونحن أمام كوم من الأخبار، الملفقة ربما، تدعي لقاءات جماعة الإخوان بجماعة إيران، وقبلها «فبركة» حوار صحافي مع الرئيس المصري محمد مرسي نشرته صحافة طهران الرسمية! إلا أن الأهم فحصه جيدا أننا أمام علاقة غامضة لسنا متأكدين من يستخدم من ولماذا؟ فتزوير حديث صحافي، أو تلفيق خبر مقابلة، يمكن نفيه، لكن توجيه دعوة رسمية من الرئيس مرسي للرئيس الإيراني أحمدي نجاد هي قصة حقيقية وأكثر أهمية وليست خبرا ملفقا. وبالتالي كل ما يقال تحت هذا السقف، أي دعوة أحمدي نجاد، لا يقلل من حقيقة العلاقة الدافئة، بل يعزز الظنون أن «الإخوان» مرتبطون بإيران، والمستقبل سيكشف حقيقة أو زيف هذا الشك الكبير.
هناك إيرانيون يريدون أن تكون حكومة مرسي محاصرة عربيا حتى تصبح مصر حليفتها الكبرى في المنطقة بديلا لنظام الأسد المنهار. وهناك إخوانيون في مصر يريدون ابتزاز وتخويف الدول العربية، وتحديدا الخليجية، للحصول على دعمها سياسيا وحزبيا وماليا. وقد عبر عن هذا الفريق بعض الكتاب الإخوانيين الذين طالبوا بالتقارب مع إيران بحجة أن الدول الخليجية ليست مع الحكم الإخواني، باستثناء قطر التي هي أصلا على علاقة جيدة بإيران. وأعتقد أن هذا الفريق لا يفرق بين العبث الإعلامي وبين الاستراتيجية السياسية للدولة.
لن يكون سهلا على حكومة مرسي، أو أي حكومة مصرية أخرى، التحالف مع إيران إلا إذا قررت جر مصر إلى طريق المتاعب الداخلية. مصر تحصل على ثلث مداخيلها التي تأتيها من المبيعات والخدمات والتحويلات مع عرب الخليج لا الجانب الإيراني، وتستمد قيمتها الدولية من دورها الإيجابي في المنطقة وليس العكس.
وأن يختار «الإخوان» مستقبلا المخاطرة بكل مصالح شعبهم في سبيل تغيير الخريطة السياسية، أمر مستبعد. ولو صار ذلك، هنا الحديث حينها يأخذ منحى مختلفا.
وسواء كان الإيرانيون يريدون إفساد علاقة الدكتور مرسي بالسعودية وبقية الخليج، أو أن «الإخوان» يستخدمون فزاعة إيران للتقرب أكثر من الخليج، فإن القضايا الأساسية بين الجانبين واضحة، ولن يحكم عليها من أخبار الصحف بل من إيقاع حركة النظام المصري الجديد، مثل علاقته برؤوس الحكم في إيران، وطبيعة الاتفاقات معهم، وما يتم رصده من تدخلات أو مؤامرات إخوانية في دول الخليج.
والذي قد يشكل العقبة الصعبة في العلاقة الثلاثية، حكومة مرسي والخليج وإيران، لعبة الثنائية، أي القول بأن أفعال وتصريحات حركة «الإخوان» في مصر لا تمثل الدكتور مرسي ولا حكومته. لكن هذا أمر يصعب تصديقه لأنها حكومة إخوانية حتى لو سجلت التصريحات السلبية بأسماء أخرى.
الخليج ومصر: الاحتضان أم الدفع إلى الحضن الإيراني
خالد الحروب(أكاديمي فلسطيني) عن الحياة اللندنية
ثمة حاجة ملحة ومتصاعدة للتأكيد على أن مصر ليست هي «الإخوان المسلمين» كما لم تكن نظام مبارك، وكما يجب أن لا تكون أبداً مختصرة في أي نظام حكم أو طبقة حاكمة – وهو ما ينطبق على أي وطن من الأوطان بطبيعة الحال. ضرورة هذا التوكيد تتأتى في سياق ارتباك وتوتر خليجي-مصري لا يخفى أن جذره يعود إلى وصول «الإخوان» إلى الحكم. كما أن ضرورة هذا التوكيد كما اليقظة المطلوبة بشدة من قبل صناع القرار في القاهرة والعواصم الخليجية تأتي من واقع تربص طهران ومراقبتها عن كثب لذلك التوتر وتبني سياسات ومبادرات من شأنها تغذيته، مستغلة ما يحدثه من ثغرات، ومستهدفة إحداث مزيج من التباعد بين مصر والخليج. في سياق كهذا تأتي مثلاً «المبادرة» الإيرانية المعروضة على الغرب لفتح جولة مفاوضات حول الملف النووي تعقد في القاهرة. طهران مهتمة بـ «مكان» المفاوضات أكثر بكثير من اهتمامها بجوهرها في هذه المبادرة، فهي تريد شد القاهرة باتجاهها واستغلال حالة الفتور المصرية – الخليجية المتبادلة. وفي سياق كهذا يندرج «الحب الإيراني» المفاجئ والانتهازي للقاهرة، والذي يصل إلى حد تلفيق الأخبار عن علاقات وزيارات ولقاءات بين مسؤولين إيرانيين ومصريين، بما يضطر القاهرة إلى نفي تلك الأخبار.
حتى الآن ما زال هذا «الحب المفاجئ» من طرف واحد. فالقاهرة التي مزاجها وقلبها وتاريخها ومصالحها مع دول الخليج تتمنع بوضوح وتحسب حساب كل خطوة في الاتجاه الإيراني، وقد رفضت على سبيل المثال فكرة استضافتها لمفاوضات إيرانية غربية حول الملف النووي، وأكدت أكثر من مرة أن أمن الخليج هو جزء من الأمن القومي المصري، وهكذا. لكن ذلك التمنع قد لا يطول إن بقيت سياسة إدارة الظهر والابتعاد هي ما يسم التوجه الخليجي بشكل عام إزاء القاهرة. فمن جهة تواجه القاهرة تحديات وضغوطات على كل الجبهات ومن ضمنها ترسيخ حضورها في السياسة الخارجية وفي المشهد الإقليمي، وإغلاق فضاء الخليج في وجهها يدفعها إلى فضاءات أخرى. ومن جهة ثانية نعرف أن سياسات الاحتواء والتقارب الإيرانية طويلة النفس ولا تيأس بسرعة. كما أنها ذات سمة مبادراتية مدهشة في جرأتها إن لم نقل فجاجتها، كما شهدنا في العرض الإيراني لتزويد الأردن بالنفط المجاني لثلاثين سنة!
ليست هناك حاجة للتذكير بأن طبقات العلاقة المصرية-الخليجية والتي تعود لعقود طويلة تتكثف وتتسع لتصل عميقاً وبعيداً إلى ما بعد السياسة لتشمل التجارة والاقتصاد والقوى العاملة والثقافة والفن والرياضة وربما كل شيء. على مدار عقود ثلاثة أو أكثر، وعلى مستوى السياسة، كانت العلاقات المصرية-الخليجية القوية أحد المعطيات الاستراتيجية الأساسية التي شكلت الإطار العام لتوزيع القوى الإقليمية ومدى نفوذها. وكانت تلك العلاقة التحالفية هي الحافظ المركزي لمعادل قوة عربي كان وما زال ضرورياً أمام النفوذ الإيراني في المنطقة. بيد أن الجانب الاختلالي فيها كان اعتمادها على وجود حسني مبارك على قمة الهرم السياسي في مصر، ذلك أن غياب مأسستها قد ظهر الآن بشكل يدفع لمراجعة عميقة ولإعادة تأسيس على قاعدة أكثر صلابة.
المطلوب إذن هو أن يُعاد تأسيس هذه العلاقة المصرية – الخليجية على المستوى السياسي والعسكري والاستراتيجي على قواعد عريضة وعلى شكل شبكات واسعة متعددة الغايات والوظائف والأهداف المشتركة وليس فقط على شكل خيطي مع الرأس القائم. بمعنى آخر أن تتجاوز مأسسة العلاقات طبيعة النظام الحاكم، سواء أكان مباركياً أم «إخوانياً» أم غيرهما. من المفهوم هنا أن تكون هناك تخوفات خليجية إزاء حكم «الإخوان المسلمين» في القاهرة، بعضها محق وبعضها الآخر مُبالغ فيه. وبسبب هذه التخوفات تتردد عواصم مجلس التعاون الخليجي ما عدا الدوحة في الانفتاح على القاهرة والتعاون مع الحكم فيها. ومن المفهوم أيضاً أن المراهقة السياسية والتخبط الذي وسم كثيراً من سياسات الحكم في القاهرة تحت سيطرة «الإخوان» تثير كثيراً من الشكوك والريبة وعدم الاطمئنان. لكن من غير المفهوم ولا المقبول أن تتم قولبة العلاقات الاستراتيجية المصرية – الخليجية وفق سياسات عابرة، حتى لو كان ذلك لمرحلة ظرفية محدودة، لأن الخسائر قد تكون جسيمة أولاً، وثانياً قد يخرج بعضها عن قيد السيطرة أو الإصلاح المستقبلي، بخاصة إذا انحرفت بوصلة التحالفات الاستراتيجية ودُفعت القاهرة باتجاه طهران. صحيح أن مصر ليست سورية، لكن درس التورط السوري في تبعية طهران مليء بالعبر المريرة، إذ أن التحالف «التكتيكي» بين حافظ الأسد والخميني على قاعدة العداء المشترك «الظرفي» لصدام حسين تحول إلى تحالف استراتيجي طويل الأمد دفع العرب ثمناً غالياً بسببه وما زالوا يدفعون حتى هذه اللحظة.
عندما تتطور العلاقات السياسية والاستراتيجية بين أي بلدين وفق منظومات مصالح (واعتماد متبادل) وليس تبعاً لنمط خيطي بين القادة فإن ذلك هو الضمانة الأهم للحفاظ على تلك العلاقات وفق منظور الأمن القومي لكل دولة من الدول. وهو الشرط الأهم الذي يقلل من مخاطر التغييرات المفاجئة ويخفض من انعكاساتها السلبية إلى الحد الأدنى، كما يبقي الأطراف ملتزمة بتعهداتها وعلاقاتها الاستراتيجية العميقة على رغم التغير الذي قد يحدث في قمة النظام السياسي. مثال العلاقات الأميركية – المصرية يشرح هذه الفكرة، ذلك أن واشنطن كانت حريصة في العقود الماضية على نسج منظومة من العلاقات المتعددة المستويات والأشكال والوظائف مع مصر المباركية، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واستراتيجياً، تضمن عدم «انفلات» مصر بعيداً عن العلاقة مع الولايات المتحدة حتى في أسوأ السيناريوات (كما حصل مع صول الإسلاميين إلى الحكم). وعندما تحقق هذا السيناريو لم يستطع النظام الحاكم الجديد في القاهرة والمسيطر عليه من قبل «الإخوان المسلمين» إلا أن يتقيد بالاشتراطات التي تتقيد بها مصر بسبب منظومات العلاقات المتشابكة والاعتماد على واشنطن في كثير من المجالات.
قد يُقال هنا: صحيح أن مستوى العلاقات السياسي والاستراتيجي والعسكري بين مصر والخليج اهتز بسبب غياب مبارك وسقوط نظامه، بيد أن مستويات العلاقات الأخرى، التجارية، القوى العاملة، الاقتصادية، الثقافية، من الصعب إضعافها، وهي ستظل تشد وتبقي على العلاقة الإجمالية وتحافظ عليها من عدم الانهيار. وفي هذه المقولة قدر كبير من الصحة، لكن لا يمكن الاعتماد كثيراً وطويلاً على الجانب غير السياسي وغير الاستراتيجي في العلاقة خاصة في ظل الظرف الذي تمر به مصر، لذا فثمة خطورة وخسائر ثنائية مصرية-خليجية تتأتى من الإبقاء على الوضع الراهن كما هو. مطلوب من الدول الخليجية أن ترسم سياسة جديدة واحتوائية إزاء مصر حتى مع وجود «الإخوان المسلمين» على رأس الحكم، سواء استمروا أم ذهبوا. ومطلوب قطع الطريق على إيران وسياساتها الاحتوائية إزاء مصر. وفي نفس الوقت من المهم أن تتفهم دول الخليج، بل وأن تكون داعمة لأي سياسة مصرية تقاربية إزاء إيران تكون قائمة على الندية وعلى أساس المصلحة العربية في المقام الأول. فليس من المصلحة العربية استعداء إيران فهي موجودة في الجوار العربي وستبقى. لكن المطلوب هو علاقات صحية قائمة على الاحترام المتبادل، وعدم التدخل الإيراني في الشؤون العربية، وإنهاء احتلالها للجزر الإماراتية.
من جهة أخرى يطرح التأزم الحاصل في العلاقات المصرية – الخليجية على «الإخوان المسلمين» مسؤولية كبيرة وأسئلة لا بد من مواجهتها ومرتبطة جوهرياً بالعلاقة بين «إخوان» مصر وبقية تنظيمات «الإخوان» في المنطقة. وطالما بقي هناك أي شكل من أشكال «التنظيم الدولي» له فروع في البلدان المختلفة ومنها الخليج، فإن ذلك يثير ريبة وشكوك الدول والحكومات. في مصر ما بعد الثورة، وفي مصر التي أصبح العمل السياسي فيها حراً وغير مقيد للإسلاميين وغيرهم، ليس هناك أي مبرر للازدواجية التي تهواها الحركات الإسلاموية، وهي تشكيل أحزاب سياسية تشارك في الانتخابات والعملية الديموقراطية، مع الإبقاء على «الحركة الأم». هذه «الحركة الأم» التي تأسست واشتغلت في ظروف السرية والملاحقة ليس لها مسوغ للوجود الآن، في مصر وتونس وليبيا واليمن، حيث انجبت أحزاباً بأسماء أخرى تشارك في السياسة بحرية وعلى قدم المساواة مع الآخرين. الضرر الذي تتسبب به إقليميا في توتير العلاقات هو إنتاجها شبه الوحيد!
العلاقات الإخوانية الناصرية من الأربعينات إلى وفاة ناصر (1من2)
د. كمال الهلباوي(كاتب مصري) عن القدس العربي
سمعت أول مرة عن عبدالناصر رحمه الله تعالى، يوم حريق القاهرة- 26 يناير 1952، وكنت آنئذ طالبا في مدرسة المساعي المشكورة الثانوية في شبين الكوم، محافظة المنوفية. ذكر لنا بعض الأخوة الكبار من الطلاب والمدرســـين من الإخوان في فسحة الغذاء، وكانت ساعة ونصف في تلك الأيام، وكنا نستعد لمظاهرات في الأيام التالية، ذكروا لنا، شيئاً سريعاً عن حركة الضباط الأحرار، وعن جمال عبدالناصر وعلاقته بالإخوان، مع مجموعة أخرى من الضباط الأحرار والشخصيات الفاعلة من صلب حركة الإخوان مثل: معروف الحضري ومحمود لبيب رحمهم الله تعالى جميعاً.
لم يكن الأمر آنئذ- أمر التفاصيل الدقيقة- على قدر كبير من الأهمية بالنسبة للإخوان الطلبة، حيث كان الإخوان-بل والقوى الوطنية كلها- يعيشون حالة من الغليان ضد النظام الملكي، وفساد الملك فاروق وحاشيته. كان الإخوان في مظاهراتهم المنضبطة آنئذ يهتفون هتافات ربانية مدوية منها: هبي ريح الجنة هبي'، ومنها: 'الموت في سبيل الله أسمى أمانينا' وذلك للتذكير بالإخوة الكرام الذين يستشهدون في القتال ضد المحتل الانجليزي، تحت اسم الفدائيين والتذكير بشعار الإخوان. وكانت القوى الوطنية الأخرى وخصوصاً القوى الاشتراكية في تظاهرهم يهتفون 'أين أمك يا فاروق، أين أختك يا فاروق'، وكان الاثنان يلتقيان أحياناً في التظاهرات الكبيرة والمناسبات الوطنية العامة.
لا نستطيع أن نكتب مقالاً قصيراً كهذا، يعالج قضية العلاقات الكاملة بين الإخوان وبين جمال عبدالناصر أو ثورة يوليو بالدقة المطلوبة، وذلك لعدة أسباب منها: أن تلك العلاقات إستمرت ما يقرب من ثلاثين سنة، وأن تلك الفترة الزمنية كانت ثرية جداً بالأحداث والوقائع قبل الثورة وما بعدها، وكذلك تذبذب تلك العلاقات وتنوعها، وخصوصاً بشأن عدة قضايا منها: إنضمام عبدالناصر للإخوان تنظيمياً وأثره في النظام الخاص وتأثير النظام الخاص فيه، وتحديد موعد إندلاع الثورة وموافقة الإخوان ودعمهم لها على كل المستويات، ودور الإخوان في حرب القنال ومشاركة ناصر وبعض رجال الثورة من الضباط الأحرار في التدريب وتوفير السلاح، والفشل في التوصل إلى شراكة سلمية في الحكم بعد الثورة لمدة طويلة، والمذكرات العديدة والاجتماعات الكثيرة ثم التوتر في العلاقات، وخصوصاً في سنوات 1953، 1954،1965 واحتلال المركز العام للإخوان، ودور ناصر في ذلك، وعلاقته القوية المستمرة مع بعض أركان النظام الخاص، كما تقول بعض المصادر والمراجع، والمظاهرات وأهمها مظاهرة ميدان عابدين، وعودة محمد نجيب للحكم تحت ضغط الإخوان، وحادث المنشية بين الحقيقة والتآمر، والمحاكمات الهزلية للإخوان سنة1954 وسنة 1965 ثم السجون والمعتقلات، وما وقع فيها من تعذيب شديد ومطاردات بعد الشنق والقتل، ثم العدوان الثلاثي وحرب 1967 ثم وفاة عبدالناصر رحمه الله تعالى.
كل هذه الأحداث والوقائع المهمة، كانت ميداناً للتأريخ والقصص والنثر والشعر والمسرح وغيرها من وسائل التعبير، ولكن معظم إن لم يكن كل من كتب في ذلك من الجانبين، تناول من وجهة نظره الأحداث والوقائع وربما فسرها في ضوء رؤيته فقط. نظر الطرفان الصديقان بعد الخلاف إلى بعضهما البعض في الغالب نظرة عداوة أو نظرة ملاك إلى شيطان حتى أطلق بعضهم على الإخوان إسم إخوان الشياطين، أو التركيز على السلبيات دون أي من الإيجابيات، وهي النظرة التي تفسد العلاقات والتاريخ، وتنأى تماماً عن الموضوعية كلاً أو جزءا.
والخاسر الأكبر هو الوطن الجريح، وربما كانت الخسارة وخصوصاً في حرب 1967 عقاباً على هذا الموقف وكان الإخوان وهم في المعتقلات قد طالبوا بأن يشتركوا في الحرب ضد إسرائيل ولم يمكنوا من ذلك. إستمعت إلى معظم قيادات الإخوان الذين قضوا في المعتقل أو السجن سنوات طويلة، بعضها وصل إلى عشرين سنة من 1954-1974. وممن استمعت إليهم بإهتمام شديد الأستاذ حسن الهضيبي، والأستاذ عمر التلمساني، والأستاذ الدكتور سعيد رمضان واللواء صلاح شادي والدكتور أحمد الملط والأستاذ مصطفى مشهور والأستاذ كمال السنانيري والأستاذ أحمد حسنين والحاج عباس السيسي والأستاذ مأمون الهضيبي والأستاذ محمود شكري والشيخ الجليل عبدالمعز عبدالستار، والدكتور أحمد العسال والأستاذ محمد أحمد علي، الذي قد لا يعرفه كثير من الإخوان، وكان مساعداً وسكرتيرا، للأستاذ عبدالرحمن السندي والدكتور توفيق الشاوي، والأستاذ عبدالقادر حلمي والشيخ محمد الغزالي وآل الشربيني عصام وصلاح وسيف، والأستاذ أحمد رائف والدكتور سليمان حجر، والأستاذ علي جريشة والدكتور ممدوح الديري والأستاذ جابر رزق والأستاذ محمد هلال وشقيقه الأستاذ عبدالقادر هلال والدكتور حسين كمال الدين والأستاذ فتحي الخولي والأستاذ محمد عبدالحميد والدكتور إبراهيم عبيد وإخوانه، وصهري الأستاذ عبدالقادر شاهين- المحامي، والأستاذ الجليل أحمد البس وغيرهم ممن قضوا رحمهم الله تعالى جميعاً.
استمعت إليهم طويلاً في هذه القضية كما استمعت إلى آخرين منهم أستاذنا الدكتور محمد فريد عبدالخالق والأستاذ عثمان إبراهيم والأستاذ محمد مهدي عاكف والمهندس مراد الزيات والأستاذ محمود حامد والأستاذ محمد العزباوي وآل البنا وغيرهم ممن هم على قيد الحياة ومنهم الأستاذ محمد فؤاد مصطفى والأستاذ ابراهيم منير حفظهم الله تعالى وأطال عمرهم.
هذا على سبيل المثال لا الحصر.
إستمعت وقرأت لمن كتب منهم عن التعذيب والوحشية وإهدار الكرامة، وجوانب مما تعرضوا لها في السجون والمعتقلات، وبالتأكيد كان في أذهانهم الخسارة الكبيرة التي عادت على الوطن من جراء ذلك الانقسام والظلم، وبالتأكيد لم يكن من الممكن أن يكتب أي منهم عن إنجازات أو نجاحات أو إيجابيات في عهد عبدالناصر. هانت أي إيجابيات وإن كثرت، ومهما كانت تتعلق بكرامة الوطن، أمام هذا الظلم الفادح وإهدار كرامة البشر أو المواطنين، أيا كانوا من الإخوان المسلمين أو من الشيوعين أو غيرهم.
قرأت كذلك لعدد كبير ممن أرخوا لهذه الفترة من الناصريين والشيوعيين والليبراليين ووجدت إختلافاً شاسعاً في النظرة إلى الحدث، أي حدث وأي وقائع، فبعضهم ينظر نظرة جزئية من زاوية أو أكثر لا تصل إلى حد الشمول أو النظرة الكلية، وبعضهم ينظر بعين المحب أو الكاره وبعضهم كتب بعد أن نسي بعض الأحداث أو تغيرت الأحوال والظروف، ومن ثم ضاعت الموضوعية والانصاف كلاً أو جزءاً، وضاعت النظرة الفاحصة الشمولية أو الكلية، التي يجب أن تكون مع كل تأريخ حتى تستطيع الشعوب النهوض، ويضطلع المسؤولون والمعارضة بالمسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتق كل منهم.
ومن أهم سلبيات عصر عبدالناصر، الظلم الذي وقع على أهل الرأي والأيدلوجيات جميعاً وفي مقدمتهم الإخوان المسلمين والشيوعيين وبعض الاعلاميين والكتاب ممن اتهموا بالتجسس، حتى المحاكمات الثورية والشعبية العابثة، التي يسأل قضاتها المتهمين الأبرياء من الإخوان أن يقرأوا الفاتحة بالمقلوب.
ومن أهم السلبيات السجون والمعتقلات المهينة للكرامة، تلك الكرامة التي كان ينادي بها عبدالناصر نفسه وكان الشعار'إرفع رأسك يا أخي'. ومن السلبيات استعلاء رجال الجيش والأمن على الشعب، واستحواذهم على الموارد وتدميرهم وسرقاتهم للبيوت التي دخلوها للقبض على الإخوان، ومن السلبيات الكبيرة، الهزيمة الساحقة في حرب 1967بالإهمال أو الخديعة أوالفساد، أوالمعلومات الخاطئة والمغلوطة، التي زوّد بها بعض جنرالات الجيش وسائل الاعلام وخصوصاً أحمد سعيد وصوت العرب حتى قال عبد الناصر: 'العدو الذي توقعناه من الشرق آتى من الغرب'. ومن السلبيات في عهد عبدالناصر تقييد الحريات وإلغاء الأحزاب والقضاء على المعارضة أياً كانت، والدخول في خصومات مع الحكام العرب، كان إصلاحها صعباً ومهيناً. وتمثل بعض، ذلك الاصلاح في مؤتمر الخرطوم المعروف بمؤتمر اللاءات الثلاث، لا للتفاوض لا للصلح لا للاعتراف، وذلك بعد أن هدد ناصر الملك فيصل بنتف شعر ذقنه.
ومن الايجابيات في عهد عبدالناصر التي لاتخفى على عاقل ولا ينكرها إلا جاحد أو كاره، إرتفاع كرامة وقيمة المواطن المصري خارج مصر، وخصوصاً بين العرب والمسلمين والأفارقة والأسيويين الذين شاركوا في تأسيس ومؤتمرات دول عدم الانحياز، وإنحسار أو تعثر المد الصهيوني الاسرائيلي في أفريقيا وآسيا، والاصلاح الزراعي الذي بدأ بعد ثورة يوليو بأقل من 50 يوماً، وضمن ذلك انشاء الجمعيات الزراعية في معظم القرى المصرية. وتأميم قناة السويس رغم المتاعب التي جلبتها على مصر، وتمصير الشركات الأجنبية، والتصنيع المتطور وبرنامج الطاقة النووية ومؤسسة الطاقة الذرية، وهى كلها برامج تنموية طموحة لولا التحديات الخارجية من جانب الغرب، أقصد أمريكا وأوروبا واسرائيل، والخداع أحياناً من جانب الشرق، أقصد الاتحاد السوفييتي.
ومن هذا التصنيع، مشروعات الصناعات الثقيلة، ويشمل ذلك الحديد والصلب والأسمنت وعربات السكك الحديد، ويأتي في قمة ذلك مشروع السد العالي وإستصلاح الأراضي وانتشار التعليم والوحدات الصحية والكهرباء والمياه حتى في معظم قرى الريف. إنتقل عبدالناصر إلى رحمة الله تعالى، وديون مصر حسب الاحصاءات مليار دولار قيمة أسلحة إشترتها مصر من الخارج، لإعادة بناء الجيش وتطوير امكاناته وخصوصاً بعد هزيمة 1967 المهينة والمشينة، وكانت قيمة الجنيه المصري أكثر من ثلاث دولارات.
وفوق هذا وذاك، ذلك الموقف العظيم الشعبي العربي الواعي لخطورة إسرائيل والحركة الصهيونية، ولذلك لم يتوقع أحد أبداً أن تتغير السياسة المصرية-رغم فلسفة الثورة- على يد أحد أبرز القائمين بالثورة أنور السادات إلى هذا الحد الذي سارت فيه متمثلاً في زيارة القدس ثم إتفاقية كامب ديفيد وخصوصاً بعد إنتصار أكتوبر 1973، إلى أن وصل مبارك الذي هبط على مصر بالباراشوت وأصبح الوريث للثورة العظيمة، لأن يكون كنزاً استراتيجياً لاسرائيل، ويسعى لتوريث الحكم للعائلة على غرار الملكية الفاسدة مرة أخرى.
كان أجمل ما قرأت، من ناحية الكتابة المنضبطة في ظني، بالشرع والتاريخ والقيم، ما كتبه العلامة الدكتور القرضاوي في مذكراته القيمة عن العلاقات بين الإخوان وجمال عبدالناصر، وعن أثر عبدالناصر في شعوب الخليج رغم عداوته للحكام، وعن أثر وفاة عبدالناصر المفاجئ على الشعوب العربية وخصوصاً أهل الخليج ويأتي ذلك بشيء من التفصيل في المقال الثاني بمشيئة الله تعالى.
الأميركان والدور الإيراني؟
عماد الدين أديب عن الشرق الأوسط
على مقهى في شارع عربي، جلس الناس، يتابعون بعدم اكتراث نشرة الأخبار على شاشة إحدى الفضائيات، وأخذوا يخففون من حالة الاكتئاب العام التي أصابتهم عبر هواء النارجيلة. وبينما يحاول العبد لله ارتشاف كوب من الشاي بالنعناع الأخضر كي يهدئ أعصابه، اقتحم عليّ عزلتي مواطن غاضب.
المواطن: يا أستاذ، يا أستاذ، عاجبك كده، الأميركان يقولون إنهم لن يقوموا بضرب إيران، ولا يعرفون متى يسقط النظام في سوريا!
ماذا يعني ذلك؟
العبد لله: ببساطة هذا يعني أن الأميركان لديهم أولويات أخرى أهم من إيران وسوريا.
المواطن: أية أولويات أهم من هذه الأخطار المحدقة بالعالم والمنطقة؟
العبد لله: الاقتصاد يا سيدي.
المواطن: أي اقتصاد هذا الذي تتحدث عنه؟
العبد لله: اقتصادهم المأزوم، تلك هي قضية القضايا بالنسبة لهم وهي تحتل سلم الأولويات من رقم واحد إلى عشرة.
المواطن: ما هو أثر الاقتصاد على السياسة الخارجية؟
العبد لله: السياسة الخارجية دائما عندهم في خدمة المصالح الاقتصادية، فلا معنى لسياسة خارجية لا تحقق أي مصالح أو منافع.
المواطن: ولكن لماذا تحركوا بسرعة في ليبيا؟
العبد لله: ليبيا دولة بترولية، ولو كانت سوريا إحدى دول النفط لتغير الموقف الدولي كله منها.
المواطن: إيران أيضا، واحدة من أكبر الدول المصدرة للبترول، فلماذا لا يتحركون؟!
العبد لله: إيران لديها جيش نظامي كبير، وصواريخ متوسطة وطويلة المدى ذات رؤوس تدميرية.
المواطن: وهل قوة إيران في جيشها؟
العبد لله: ليس في قدراتها العسكرية فحسب، ولا في سلاح بحريتها القادر على إغلاق مضيق هرمز، ولكن الأزمات القادرة على تحريكها في المنطقة.
المواطن: اشرح لي أكثر.
العبد لله: إيران تملك مفاتيح أساسية في جنوب لبنان، في حماس، في الحوثيين باليمن، في البحرين، في العراق، وفي سوريا. وهي تستطيع تسخين أو تهدئة هذه الملفات وقتما تريد بالأسلوب الذي يخدم مصالحها.
المواطن: وما هو سر قدرتها على إدارة هذه الملفات؟
العبد لله: المال أو البترودولار يا صديقي الذي يتم تحويله شهريا بشكل منتظم من قنوات الحرس الثوري الإيراني لأماكن التوتر في المنطقة.
المواطن: هل تريد أن تقنعني أن طهران لديها قدرة مالية أكثر من واشنطن.
العبد لله: لا. الاقتصاد الإيراني هزيل إذا ما قورن بالاقتصاد الأميركي، ولكن في طهران تستطيع أن تنفق كما تشاء أما في واشنطن فالقرار مقيد للغاية!
(انتهى الحوار).
أوروبا والإسلام السياسي
موفق محادين عن العرب اليوم
مقابل الإسلام السياسي الجهادي الوطني ضد الاستعمار القديم كما مثله القسام والمختار وابن باديس والخطابي.. مرت الطبعات الاستعمارية للإسلام السياسي بعدة مراحل أساسية، تناوب عليها الإنجليز والأمريكان والفرنسيون:-
أولا: بريطانيا والإسلام السياسي: كان أول عهد الاستعمار البريطاني مع هذا النمط من الإسلام، هو ما قام به ضابط المخابرات البريطانية، همفر، حيث التقط مؤسس الوهابية القادم من نجد، في البصرة وسلمه إلى المخابرات البريطانية في أصفهان لتتولى إعداده وذلك عام 1710، وكان لا يكترث بالأئمة الأربعة ويدعو لهدم الأضرحة.
أما المحطة الثانية فكانت مع ضابط المخابرات البريطانية فيلبي (الأب) الذي عرف بالحاج عبدالله قبل أن ينقل بندقيته إلى المخابرات الأمريكية وشركة أرامكو.
المحطة الثالثة كانت مع كرومر الحاكم البريطاني لمصر الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا الذي كان بدوره حلقة أيديولوجية وسياسية وسيطة بين الوهابية وبين حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين..
ويذهب رفعت السعيد في اتهاماته للبنا بأنه أسس مشروعه في الإسماعيلية 1928 بدعم من شركة قناة السويس البريطانية ثم إسماعيل صدقي رئيس الوزراء المصري المقرب من المخابرات البريطانية التي اصطدمت مع الملك فاروق في بدايات الحرب الثانية، واتهمته بالتعاون مع هتلر، وذلك قبل تدبيره اغتيال البنا في إطار احتدام الصراع الإقليمي والدولي على مصر بعد انتهاء تلك الحرب.
ثانيا: فرنسا والإسلام السياسي
بعد ثورة المصريين على المشايخ الذين تعاونوا مع نابليون لم تظهر فرنسا الاستعمارية ثانية بقوة في المشهد الإسلامي إلا عبر (مؤتمر باريس 1913)، ودور مشايخ مثل الزهراوي الذين روجوا لفرنسا الصديقة وبرروا استعمارها للشرق العربي. وبعد احتلالها لسورية شكل الشيخ تاج الدين الخطيب (جد رئيس المعارضة السورية الحالية) حكومة سورية صادقت على ضم الإسكندرون السوري إلى تركيا، واعتمدت علم (المعارضة الحالية) علما لها، وترمز نجماته الثلاث إلى ثلاثة كيانات طائفية (المسلمون والمسيحيون والعلويون).
ثالثا: فيما يخص النظرة الأوروبية الجديدة للإسلام السياسي، فالأبرز هنا دراسة اليكسي غلني الصادرة عن (الجزيرة) 2010 تحت عنوان (جسور لا جدران)، ومما جاء فيها:
1 - أهمية الحوار مع جماعات الإسلام السياسي مع تفهم رؤيتها للديمقراطية مقابل القواسم المشتركة المهمة في مجالات السوق وفلسفته وفي مجال القيم الدينية المشتركة.
2 - ترجمة هذا الحوار في استراتيجيات عمل لا سيما في ضوء استنزاف الأنظمة العربية لنفسها وعجزها عن تجديد دورها.
وحسب دراسة أخرى لـ فيلدمان فإن الغرب بحاجة إلى مشروع (مارشال)، وصحوة إسلامية تستبق صحوة الدب الروسي في قلب العالم (أوراسيا).
التعيينات الأخيرة في الإدارة الأميركية تعكس اهتماماً متزايداً بالسياسة الخارجية
مـا هـي مقاربـة جـون كيـري حيـال سـوريا وإيـران؟
جو معكرون عن السفير
كل تعيينات الرئيس الأميركي باراك أوباما تشير إلى أن السياسة الخارجية ستكون من أولوياته الرئيسية خلال الولاية الثانية، في محاولة لترك بصمات بأقل تكلفة ممكنة على عالم تتسارع خطى تغييره وتزداد وتيرة خطورته.
أعلن أوباما أمس عن تعيين دينيس مكدونو في منصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو سيكون منذ الآن بوابة الوصول إلى الرئيس. وقبل المنصب الجديد، شغل مكدونو منصب نائب مستشار الأمن القومي، وساهم في بلورة خطط الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان. وعادة يكون التركيز في منصب كبير الموظفين على القضايا المحلية، لكن خبرة مكدونو قد تعني دفع قضايا السياسة الخارجية على طاولة الرئيس. وما يعزز هذا الأمر أيضاً هو بقاء توم دونيلون في منصب مستشار الأمن القومي، وهو أيضاً الشخصية النافذة الأخرى في دائرة أوباما الضيقة، والذي يقوم بدور رئيسي في السياسة الخارجية.
وتزامن هذا الأمر مع خروج مهندس حملة أوباما الانتخابية ديفيد بلوف من البيت الأبيض، أي الانتقال من زمن الانتخابات إلى مرحلة الحكم. بالإضافة إلى ذلك، يعكس تعيين مكدونو رغبة أوباما بفتح صفحة تعاون إيجابية مع الكونغرس. وهناك مؤشرات أن أوباما يبحث عن الثقة والوفاء في المراكز الحساسة حوله خلال ولايته الثانية.
هنا يأتي جون كيري في منصب وزارة الخارجية، وهو الذي كان وفياً لأوباما طوال فترة ولايته الأولى وساعده على نزع فتيل الكثير من الأزمات الدولية، كما أن خدمته لفترة 28 عاماً في الكونغرس ستساعده على تجاوز العراقيل في مبنى «الكابيتول هيل». كان السيناتور كيري في بيته خلال جلسة الاستماع حول ترشيحه أمس الأول أمام زملائه في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، والتي ترأسها منذ أكثر من أربع سنوات بعد تولي سلفه جو بايدن منصب نائب الرئيس.
أما الرئيس الجديد لهذه اللجنة النافذة اليوم فهو السيناتور روبرت مينينديز، الذي لن يكون على مستوى خبرة كيري أو بايدن في السياسة الخارجية، لكنه كان من أكثر أعضاء مجلس الشيوخ نفوذا في دفع سلسلة القوانين التي تعزز العقوبات المالية على طهران.
أعطى كلام كيري خلال جلسة الاستماع بعض المؤشرات عن توجهاته بعد توليه المنصب رسمياً، وهذا متوقع الأسبوع المقبل بعد تصويت الجلسة العامة على ترشيحه. قال كيري أولاً إن «الرئيس أوباما وكل واحد منا هناك يعلم أن السياسة الخارجية الأميركية لا تعرّف فقط بالطائرات من دون طيار وعمليات الانتشار العسكري». هنا يتابع كيري تقليد وزراء الخارجية الذين يتمسكون بتعزيز ميزانية برامج التنمية الدولية بديلاً من مقاربة الاستخبارات والعسكر. أما المؤشر الثاني فهو وصف كيري ما يحدث في المنطقة بأنه «صحوة عربية»، معتبراً أن «شباب ميدان التحرير الذي حقق لمصر ثورتها يمثل عطش الأجيال لفرص وحقوق المشاركة في الحكم وليس حركة دينية»، في إشارة إلى جماعة «الإخوان المسلمين».
طمأن كيري الكونغرس أيضاً، قائلاً «سياستنا ليست الاحتواء، هي المنع. الوقت يمر على جهودنا لضمان امتثال مسؤول» من قبل طهران، كما لمّح إلى أن الإدارة ستواصل طريق البحث عن إجماع دولي لزيادة عزلة إيران. وأضاف أن «الرئيس أوباما وأنا نفضل الحل السلمي لهذا التحدي وسأعمل لإعطاء الديبلوماسية كل جهد للنجاح. لكن لا أحد عليه أن يخطئ بعزمنا على تقليص التهديد النووي».
وتحدث كيري عن استعداد الإدارة حتى الانخراط في جهود ثنائية مع طهران، موضحاً في هذا السياق «يحتاج الإيرانيون إلى إدراك أن ليس هناك جدول أعمال آخر هنا. إذا كان برنامجهم سلمياً، يمكنهم إثبات الأمر وهذا ما نسعى إليه».
وخلال جلسة استمرت حوالي أربع ساعات، دعا كيري السيناتور الجمهوري ماركو روبيو إلى تفهم حساسية منطقة الشرق الأوسط وتاريخها، قائلا «لا يمكن أخذ مفهوم أميركي أو غربي وإسقاطه والقول إن هذا الأمر سينجح».
وبعد تقاعد السيناتور الجمهوري المعتدل ريتشار لاوغار، أتى كأرفع جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية السيناتور بوب كوركر الذي استمر في هذا التقليد من طرح المواقف المعتدلة خلال الجلسة، وترك معارك الأسئلة الحزبية إلى زملائه الجمهوريين. وسأل كوركر السيناتور كيري عن خلاصة اجتماعاته السابقة مع الرئيس السوري بشار الأسد التي قد تساعده في التعامل مع هذا الملف. ورأى كيري أن الأسد «قام بمجموعة من الأحكام التي لا يمكن تبريرها وتستحق الشجب، وأنا أعتقد أنه لن يبقى طويلا على رأس دولة سوريا».
وركز كيري على المرحلة الانتقالية، قائلاً «نحتاج إلى تغيير حسابات بشار الأسد. في الوقت الراهن، الرئيس الأسد لا يعتقد أنه يخسر، والمعارضة تعتقد أنها تكسب. هذه ليست معادلة تسمح بالتوصل إلى نوع من التسوية لمرحلة انتقالية». كما ذكر كيري أن هناك مؤشرات بأن الروس يريدون رحيل الأسد «لكنّ لديهم شعوراً مختلفاً عن طريق وتوقيت ذلك».
بدوره، اعتبر السيناتور الجمهوري جون مكاين، الذي دعم ترشيح كيري «من دون تحفظ»، أنه مع ترك واشنطن مسافة من سوريا يتعزز نفوذ تنظيم «القاعدة» في هذا البلد، في وقت انتقل فيه الأسد إلى «الخطة ب وهي الذهاب إلى الساحل والقيام ببعض التطهير العرقي». كما انتقد كلام كيري عن روسيا، مشيراً إلى أن موسكو لا تزال تمد النظام السوري بالسلاح.
رد كيري بأن لديه مجرد أمل حيال تحول الموقف الروسي لأنه «الطريق الأسهل... لتغيير حسابات بشار الأسد». وهنا أعطى كيري تقييمه عن الوضع في سوريا، متحدثاً عن قلق من «انهيار كامل للدولة ولا أحد لديه تعريف واضح لكيفية تجميع القطع مرة أخرى»، وقلق من خطر انتشار الأسلحة الكيمائية. وذكر أن هناك «ناساً في الخليج لا يترددون في توفير الأسلحة وهذا من أحد الأسباب، بالإضافة إلى إدخال جبهة النصرة إلى المعادلة، التي جعلت التحرك على الأرض أسرع من الحركة في السياسة».
يذكر أنه عندما كان في صفوف الكونغرس، لمّح كيري إلى عدم اعتراضه على فكرة تسليح المعارضة السورية، لكنه الآن يتناغم مع مواقف الإدارة أي التأكيد على رحيل الأسد، مع اعتبار أن إضافة أسلحة إلى هذا النزاع لا يؤدي سوى إلى تعقيد الوضع على الأرض. وكان واضحاً من التسريبات الأخيرة من وزارة الخارجية حول استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية أن هناك أصواتاً في «فوغي بوتوم» لديها تحفظات على سياسة البيت الأبيض المتريثة حيال سوريا، لكن كيري سيكون على الأرجح في تناغم مع دائرة أوباما الضيقة في التعامل مع الملفين السوري والإيراني.
«طلبنة» سوريا و«أخونة» المنطقة
رأي البيان الإماراتية
أطلق الملك عبدالله الثاني عاهل الأردن، أول من أمس، تحذيرات شديدة من مخاطر انحراف مسار الأحداث في سوريا وانعكاساتها على كامل المنطقة، وبالتالي جرّ بلدان المنطقة وشعوبها إلى مستقبل مجهول وفصول دموية جديدة، عبر احتدام الصراعات على أسس دينية وطائفية أو إثنية.
تحذيرات العاهل الأردني جاءت عبر الكلمة التي ألقاها في منتدى دافوس العالمي الـ43 المنعقد حالياً في سويسرا، حيث أكد أن «طالبان الجديدة التي تنبغي مواجهتها تتواجد في سوريا»، وأن «القاعدة متواجدة في سوريا منذ عام وتتلقى دعماً وأسلحة وتمويلاً من جهات معينة»، داعيا المجتمع الدولي إلى ضرورة «وضع خطة انتقالية حقيقية وشاملة تضمن وحدة سوريا أرضا وشعبا»، محذرا من أن أي خيار عكس ذلك «إنما هو دعوة للتشرذم والتنافس المتطرف على السلطة والاستئثار بها».
هذا التحذير الذي يأتي متزامنا مع تسارع الأحداث في دول ما سمي "الربيع العربي"، يعكس هاجساً عربياً وإقليمياً متزايدا من هيمنة تيارات وحركات متشددة على مسار المعركة مع النظام في سوريا، وصعود تيارات دينية تسلّقت وتربعت على السلطة، أو هيمنت عليها في أكثر من بلد ضمن محاولات ما يسمى «أخونة» مسار «الربيع العربي»، وهو ما يثير القلق من مستقبل وقادم الأيام على هذه البلدان ومحيطها، إن كشّرت التيارات الدينية فيها عن أنيابها وأهدافها الحقيقية.
ورغم أن النظام في سوريا يبقى هو المسؤول الأول عما يعانيه الشعب السوري الشقيق، إلا أن الحالة السورية وتزايد سطوة الحركات المتطرفة وحضورها على الأرض، تظل هي الأخطر كلما طال أمد الأزمة والصراع الدموي في سوريا، نظرا للتعقيدات الإثنية والدينية والجغرافية داخل سوريا وامتداداتها في خريطة المنطقة.
وواجب العقلاء والأحرار في المعارضة السورية الوطنية، أن يفرزوا هؤلاء المتشددين ويحاولوا النأي بحركتهم العادلة عنهم، كما أن واجب المجتمع الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، أن تبادر للتوافق حول حل سياسي يوقف نزيف الدم السوري، ويقطع الطريق على حركات التطرف والتنظيمات المتشددة، قبل فوات الأوان ..
أيتام على موائد اللئام
جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
مؤسف أن نشاهد الرفيقة المحترمة عبلة أبو علبة وهي تطارد من أجل المقعد 27 الأخير في القوائم الانتخابية، وهي المناضلة اليسارية ابنة الجبهة والحزب منذ ما يقارب الأربعة عقود، والأكثر أسفا أنّ حزبها متحالف بقائمة من أحزاب أخرى عريقة, قومية وتقدمية لها تاريخها، لم يتمكنوا جميعهم إلاّ من جمع أقل من أربعة عشر ألف صوت فقط, في حين أنّ الحزب الذي تريد الرفيقة مقعده لم يتجاوز عمر الفــــــطام، فـــــــأيّ سعي وأيّ مغنم هذا الذي تبحث عنه أحزاب النهوض، وما الذي ستحققه الرفيقة لو أنّها حصلت على المقعد اليتيم سوى تجديد لقب نائب وقد جرّبته، وأقلّ نتائجه تردّي واقع حزبها.
في غابر الأيام والزمان كان عملنا الحزبي في الجبهة ومنظمة مجد بقيمة المبادئ النضالية، ورغم تكشف أنّنا كنّا الأكثر اختراقا من قبل الأجهزة الأمنية، إلاّ أنّ حضورنا الوطني الأردني والفلسطيني كان ذا صدى حقيقي ومؤثر، ويكفي أنّ أيّ مناسبة مهرجانية كان يحضرها أكثر بكثير ممّا جمعته الرفيقة وأحزاب النهوض، وليتهم نهضوا بأنفسهم أولاً قبل التوجه للنهوض بالناس والوطن.
وهنا تبرز الأسئلة الكثيرة أمام الرفيقة وتحالفها، فكيف تحقق لهم قرار المشاركة من موقعهم كمعارضة, وما الذي يأملونه من وجود نائب واحد لهم في البرلمان, ولماذا لم يستلهموا التجربة ولا العبر منها؟ لماذا قاطعــــــوا ولماذا شاركوا؟ وهل هم أكثر دراية بواقع البلد الســـــياسي من حزب الوحدة الشعبية وحزب جبهة العمل الإسلامي وباقي أطياف المعارضة، وكيف تمّت قراءة أسباب المقاطعة لتختار المشـــــــاركة, ومن الذي استفاد منها طالما المشاركة أمرا حكـــــــوميا بامتــــــياز، وليس شعبيا أبداً بدلالة النتـــــــائج والأرقـــــام؟!
وبالإمكان القول هنا، أنّ صاحب المقعد رقم 27 لن يكون مهمّا إن كان للرفيقة أبو علبة أو لمعالي حازم قشوع، طالما أنّه ممكن تحويل لقب الرفيق إلى معالي, وقد حصل ذلك مع الرفيق بسام حدادين ولا يوجد ما يمنع حصوله مع الرفيقة، ما يعني أنّ ما سيقدّمه قشوع لن يختلف عمّا يمكن أن تقدّمه أبو علبة، فكلاهما جلوسا على موائد بلا دعوات، وكله عند العرب قطين.
لا تفعلوا مثل مبارك
عمرو الشوبكي عن المصري اليوم
حين يتصور الإخوان أن الحل فى تغيير الحكومة وأن الأزمة فى وزير هنا ومحافظ هناك يخطئون خطأ جسيماً، فحين يفقد نظام شرعيته لا يكون ذلك بسبب تحريض بعض القوى السياسية عليه ولا نتيجة صراع على السلطة بين حكام ومعارضين إنما بسبب شعور أغلب الناس أنه لا يعبر عنهم وأن انحيازاته أصبحت لشلة أو جماعة أو عشيرة وليس للشعب والدولة.
قضية حكم الإخوان ليست مشكلتها فى الإدارة ولا أن بها حكومة فاشلة، لأن الحل ليس فى تغيير الحكومة بأخرى إنما فى تغيير نمط كامل فى الإدارة والحكم.
البعض يتذكر شلة جمال مبارك ويؤكد أنه كان فيها بعض العناصر الكفؤة ذات التعليم العالى وأنهم كانوا كأفراد أكثر كفاءة من كثير من إخوان الحكم، ولكن لم يسأل كثيرون: لماذا فشلوا وعجزوا عن أن ينالوا رضا المصريين؟ لأن ببساطة الناس شعرت أن هدفهم التوريث وليس الإصلاح وأن جمال مبارك سيهين المصريين جميعاً إذا نجح فى الانقضاض على السلطة بليل.
إذن المعضلة كانت فى بنية المشروع نفسه الذى تعايش معه مبارك بتبلد معتاد، ولم تكن فى التفاصيل، ولا أن أحمد نظيف كان أفضل من هشام قنديل، إنما كانت فى الرسالة التى كان يقدمها نظام مبارك ونجله للشعب وغابت عنها الشرعية الأخلاقية قبل السياسية.
معضلة الوضع الحالى أن الرئيس وجماعته يناقشون مظاهرات أمس الأول وحالة الغضب السائدة لدى قطاع واسع من المجتمع المصرى باعتبارها قضية إما قلة مخربة أو تحريض من المعارضة أو تقصير حكومى، وينسى أو يتناسى أن المشكلة فى نظام حكمه الذى أرسل رسائل كارثية للمجتمع فى 8 أشهر تقول إن الذى يحكم ليس الرئيس إنما مكتب الإرشاد، وأن الجماعة التى ترفض أن تقنن وضعها القانون وتصر على أن تكون فوق الدولة والشرعية تحت حجة أن القانون الحالى لا يعجبها أرسلت رسالة سيئة للجميع بأن القانون ليس مهما وأن المطالبين بالالتزام به هم الضعفاء فقط.
دولة القانون غيبها الإخوان بحصار المحكمة الدستورية العليا ومدينة الإنتاج الإعلامى، وتغيير وزير الداخلية السابق بسبب مطالبة الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل بإقالته وليس بسبب تقصيره، وأن حزب الحرية والعدالة أصبح الجهة التى تطالب الناس بتقديم أوراقهم لدفعة جديدة للنيابة العامة فى لافتة صادمة رفعت فى القليوبية، وهم قبلها الذين غيروا النائب العام بغير الطريق القانونى وعينوا آخر بنفس طريقة مبارك وكأن إصلاح السلطة القضائية وتطوير أدائها أمر لا يهم الجماعة إنما السيطرة وجلب أهل الثقة من الجماعة والعشيرة إلى الحكم هو الهدف.
لم يحاول إخوان الحكم أن يوصلوا فى 8 أشهر رسالة واحدة تقول إنهم حريصون على عودة دولة القانون، وليس فقط السيطرة على الدولة دون القانون، وإدارتها بنفس الطريقة القديمة دون أى تغيير أو إصلاح.
لقد نزل الناس للشوارع نتيجة عدم ثقتهم فى جماعة الرئيس التى تحكم من وراء الستار ولا تعمل من أجل الصالح العام إنما لصالح مشروعها الخاص، وأن من فى الحكم لم يقدموا رسالة واحدة تقول إننا سنحاسب المخطئين لأنهم مخطئون إنما سنحاسب المخطئ تبعاً للحسابات السياسية، فإذا كان مفيداً أن نتركه فسنتركه، وإذا كان مفيداً أن نتصالح معه سنتصالح معه.
لم يعرف إخوان الحكم الفارق بين إدارة الجماعة والدولة، ومازالوا حتى هذه اللحظة غير قادرين على مراجعة أخطائهم الجسيمة قبل فوات الأوان.