Aburas
2013-02-04, 11:03 AM
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.giffile:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age005.gif
الدخان الأبيض للمصالحة الفلسطينية
بقلم: عبدالعاطي محمد عن الوطن القطرية
على مدى 6 سنوات راوحت المصالحة الفلسطينية مكانها دون إنجاز حقيقي، إلى أن تبدلت الأحوال المحيطة إقليميا وكذلك المزاج الفلسطيني العام، وكلاهما أجبر كلا من الطرفين المتخاصمين فتح وحماس على الجلوس معا مرة أخرى في القاهرة في بدايات صيف 2011 ثم في بدايات العام الجديد 2013 مع التأكيد على استمرار الحوار في فبراير. وفي اللقاءات الأخيرة لم يكن الهدف التوصل إلى صيغة جديدة لأوراق مصرية أو فلسطينية مشتركة بقدر ما كان الهدف الدخول مباشرة إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وعلى وجه التحديد الاتفاق على ما يمكن تسميته بنقطة الانطلاق. وعند هذه المحطة تحديدا تصاعد الخلاف مرة أخرى وإن لم يكن بنفس الحدة التي صاحبت مختلف اللقاءات القديمة وقت أن كان النظام المصري القديم وسيطا. وفي ظل ما ترشح من معلومات فإن المسكوت عنه الذي هو مصدر القلق بين الطرفين لا يزال متركزا حول السؤال العريض: من يقود الفلسطينيين سلما أو مقاومة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟
النقاط التي تضمنها اتفاق القاهرة 2011 تحت رعاية النظام المصري الجديد بقيادة الدكتور محمد مرسي أو بالأحرى جماعة الإخوان المسلمين الجماعة الأم لحركة حماس لا تشوبها شائبة، بل وصفت بأنها خريطة طريق واقعية ومرضية لكل من فتح وحماس وحظيت بموافقة من بقية الفصائل الفلسطينية المؤثرة. وقد تضمنت إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية تتولى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وكذلك إعادة تشكيل قوى الأمن بما ينهي صداما قديما وحديثا بين أطرافها. وكان المعنى الرئيسي الكامن خلف هذا الاتفاق هو أن القيادة الفلسطينية عموما يجب أن تكون جماعية بغض النظر عن تحديد الطرف المباشر لإدارة السلطة وتصريف شؤون الحكومة وأن تتحقق الثقة المتبادلة بين كل الفصائل الفلسطينية. وبهذه الخريطة للطريق وهذين الهدفين العريضين ساد الاعتقاد بأن الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية ومن ثم إنهاء الاحتلال أصبح ممهدا وواضحا لا يختلف عليه اثنان.
ومع وصول قيادة جديدة في مصر ذات توجه إسلامي تختلف جذريا اهتماماتها ومبادئها عن القيادة القديمة خلال عهد مبارك، ووسط تصاعد موجات التغيير في المنطقة العربية تحت مسمى الربيع العربي وما أحدثته من حسابات مختلفة قياسا على الماضي بالنسبة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة وقوى دولية إقليمية أخرى مؤثرة مثل إيران وتركيا، أصبح ملف المصالحة الفلسطينية في وضعية مختلفة تماما جعلته جاهزا للتقدم إلى الأمام. فقد زالت حساسيات حماس من الوسيط المصري القديم وانفتحت الحركة على النظام الجديد مما أكسبها قدرا عاليا من الثقة في طرح مطالبها والتأكد من أنها ستنفذ، وبالمقابل استوعبت فتح بقيادة أبو مازن الأحداث سريعا وتوافقت معها وطوت صفحة ارتباطها بالنظام القديم ولحقت بالتعاون مع النظام المصري الجديد.
الظروف الموضوعية التي طالت فتح وحماس بعد ثورة 25 يناير في مصر شكلت جديدا فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية حيث لم تعد المصالحة ضغطا سياسيا يجريه الوسيط المصري على كل من الطرفين ومن ثم كان كل منهما يسعى إلى الفكاك من هذا الضغط مادام هو بهذه الوضعية وإنما أصبحت مصلحة لكل منهما مطلوبة للحفاظ على أوضاعه السياسية وحماية له في المستقبل، أي أنها مفيدة لكل منهما وليست ضغطا يمثل قيدا على حركة كل منهما لا ترغب فيه. ومن ناحية أخرى تبدلت الأجواء العامة من حالة التشكك والتخوف المتبادل إلى بناء الثقة وزوال الهواجس ومن ثم إمكانية الجلوس على مائدة مفاوضات دون مواقف مسبقة تهدف أساسا إلى أن تنقضي المفاوضات دون إحراز أي تقدم.
وما ساعد على ذلك أن الطرف الإسرائيلي غاب عن المشهد لأول مرة استناداً إلى توقف المفاوضات بين عباس وحكومة نتانياهو مما كان يعد من أسباب عدم ثقة حماس في فتح، كما غاب الطرف الأميركي لانشغاله بالانتخابات الرئاسية من جهة ولإدراكه حجم التغيير الذي وقع في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، ذلك التغيير الذي لا يسمح بحرية حركة مطلقة من جانبه لصالح إسرائيل كما كان يحدث في الماضي.
صحيح أن واشنطن لا تزال تضع حماس في قائمة الجماعات الإرهابية، ولكنها لم تكرر هذا الإدعاء وتلح عليه إعلاميا وسياسيا بعد ثورات الربيع العربي. ومن جهة أخرى فإن الاتصالات القديمة خلال عصر مبارك كانت قد نجحت في إيقاف الحملات الإعلامية الشرسة بين فتح وحماس لدرجة أن السلطة الفلسطينية توقفت تماما عن وصف ما جرى في غزة عام 2005 بالانقلاب على الشرعية، بل على العكس تماما بدأت في التقارب مع الحركة ومد يديها لها لإعادة فتح ملف المصالحة لتحقيق إنجاز ملموس فيه. ولا يخفى أيضاً أن دولة قطر لعبت دورا بارزا في تلطيف الأجواء واستطاعت بوسائل عديدة أن تجعل الطرفين يزدادان اقترابا وذلك ما بين عقد لقاءات بين عباس ومشعل وبين تقديم أوجه دعم مادي مؤثرة لقطاع غزة للمساعدة في تخفيف الحصار.
ومن جانبها لعبت مصر محمد مرسي دورا أكثر حيوية في نفس الاتجاه ليس فقط من خلال فتح معبر رفح وتقديم المساعدات للقطاع والتغاضي عن تجارة الأنفاق، وإنما أيضا بالمبادرة في الاتصال بالطرفين لإتمام المصالحة بجدية شديدة وحظيت اتصالاتها بقدر كبير من الثقة من جانب الطرفين. وعلى صعيد المصالح وحتى لا تصبح المصالحة ضغطا وإنما مصلحة مفيدة للطرفين فإن عباس الذي وصل إلى نقطة اللاعودة تقريبا مع حكومة نتانياهو ومن ثم فقدانه الأمل - في الظروف الراهنة - في أي عملية سلام مقبلة وجد أن رهانه على السلام مع إسرائيل رهان خاسر لدرجة أنه هدد بأن يحل السلطة الفلسطينية ويسلمها لنتانياهو.
بهذا المعنى فقد واحدا من أصول شرعيته وهي القدرة على إنجاز المفاوضات مع إسرائيل. وذهب إلى الأمم المتحدة وحصل على عضوية لفلسطين كدولة مراقب فاتحا بذلك مصدرا جديدا للضغط على إسرائيل وللتأسيس على أرضية جديدة لأي مفاوضات مقبلة إن قدر لها أن تعود. وفي طريقه إلى نيويورك كانت حماس قد قدمت له هدية سياسية لم تكن واردة من قبل وهي دعم توجهه إلى المنظمة الدولية ولو من منطلق المصالح العملية لا المبادئ، وشيء من هذا لم يكن يحدث مطلقا من حماس في الماضي. ومع تغير توجهات عباس قررت إسرائيل عقابه بإيقاف حصيلة الضرائب التي يتم تحصيلها على الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل وعلى الواردات الداخلة إلى القطاع مما وضع السلطة الفلسطينية في مأزق مالي لا تحسد عليه.
ومما صعب من الموقف أن الدعم المالي الذي قررته قمة بغداد العربية لم يصل منه دولار واحد إلى السلطة الفلسطينية. التي أصبحت بهذه الأوضاع السيئة في مهب الريح ليس فقط ككيان إداري يقود الفلسطينيين وإنما كممثل شرعي للفلسطينيين، فما كان منه إلا أن يضطر للانفتاح على حركة حماس كشريك وليس كعدو أو منافس لدود. وبالمقابل فإن حماس التي استطاعت أن تصمد نحو 7 سنوات في وجه الحصار واجهت مصاعب مختلفة على أرض الواقع في القطاع.
فمن جهة تعثرت أوضاعها المالية ولم تنقذها سوى المساعدات القطرية والمصرية وهي في كل حال لا تكفي لاحتياجات القطاع، كما واجهت مصاعب أمنية من تصاعد دور الجماعات المتطرفة المضادة لها، بالإضافة إلى تكرار الاعتداءات الإسرائيلية وكان آخرها عملية عمود السحاب. وبعد أن نجحت القيادة المصرية الجديدة في توقيع اتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل تحسنت أوضاع القطاع نسبيا بعد أن وافقت إسرائيل على دخول مواد البناء وغيرها من مواد وسلع أساسية إلى القطاع عبر المعابر. ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية للقطاع وتحقق الثقة السياسية في الوسيط المصري الجديد تأكدت حماس أنه من الحماقة التفريط في هذا الإنجاز و ذاك باستمرار الاعتراض على اتفاق المصالحة أو وضع العصا في العجلة.
وفي هذا الإطار جاءت موافقة فتح على أن تحتفل حماس بالذكرى الـ 25 لإنشائها في الضفة وموافقة حماس على أن تحتفل فتح بالذكرى 48 لإنشائها في القطاع دليلا على تغير الأجواء بين الجانبين في اتجاه دعم جهود المصالحة.
مثل هذه الظروف الدافعة لإتمام المصالحة من منطلق أنها مصلحة وليست ضغطا وعودة لبناء الثقة بين كل الفلسطينيين، مضت الخطوات سريعة وواثقة قدما في تطبيق اتفاق القاهرة 2011 الذي -كما سبق القول -لم يكن يحتمل إضافة أي تعديلات أو يشهد خلافات على العناصر والمبادئ. ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن وذلك عندما بدا أن كلا من الطرفين مختلف مع الآخر فيما يسمى بنقطة الانطلاق أو بالأحرى بأي خطوات المصالحة يبدأ العمل لإدخالها مدخل التنفيذ. حماس رأت أنه من الضروري أن يتم تطبيق الاتفاق بكل بنوده كحزمة واحدة (المنظمة، والحكومة، والانتخابات، والأمن)، بينما رأت فتح أنه يتعين البدء أولا بإجراء الانتخابات.
إن المسكوت عنه في كل ما سبق هو أنه بالرغم من كل المؤشرات الإيجابية على التغيير الكبير الذي حدث في ملف المصالحة في اتجاه تحقيقها، فإن ما يكمن في الصدور من تنافس على القيادة الفلسطينية هو مصدر الخطر فما يقوله كل منهما من تصريحات طيبة بشأن المصالحة يصطدم برغبة دفينة عند كل منهما للانفراد بقيادة الحركة الفلسطينية، فقبل أن يصل عباس ومشعل إلى القاهرة أخيرا لبحث سبل تنفيذ الاتفاق قال موسى أبو مرزوق نائب خالد مشعل إن عباس يبيع نتانياهو للسلطة الفلسطينية، وفي المقابل أجاب مستشارو السلطة قائلين: “لن نسمح لمشعل بأن يعلو فوق رؤوسنا ويحتل مكاننا في القيادة الفلسطينية” في إشارة ضمنية لإمكان أن يأتي مشعل رئيسا مستقبليا للسلطة الفلسطينية أو بالأحرى أن يجرى إحلال حماس محل فتح في قيادة الفلسطينيين. وإذا ما كان من استحقاق مطلوب من القيادة المصرية الجديدة فهو وضع هذا الاستقطاب والثنائية جانبا وإقناع كل الفصائل بأن القيادة الجماعية بالأوزان النسبية لكل فصيل فلسطيني هي الحل، أي العمل الآن وليس غدا على إعادة تشكيل منظمة التحرير بقيادات جديدة واستراتيجية ومبادئ جديدة أيضا لا تقطع مع الماضي بأي حال وإنما تبني على ما تحقق، حينئذ يتصاعد الدخان الأبيض للمصالحة الفلسطينية.
يا شرفاء مصر ارحموا الفلسطينيين
بقلم: عبد الباري عطوان عن القدس العربي
عندما تتأزم اوضاع داخلية في بعض الدول العربية تلجأ اطراف مشبوهة الى البحث عن كبش فداء ضعيف دون سند، وغالبا ما تنطبق هذه الحالة على الفلسطينيين المقيمين فيها، فيتم تلفيق الاتهامات، ونشر الشائعات المفبركة، لتأتي النتائج حملات من التحريض والكراهية، تتطور الى مجازر في معظم الأحيان.
حدث هذا في الكويت، بعد احتلالها من قبل صدام حسين، ودفع الفلسطينيون ثمنا باهظا، رغم ان الغالبية الساحقة منهم (400 الف) كانوا ضد الاحتلال ومع الانسحاب الكامل، وفي العراق تعرضوا لمجازر نفذتها ميليشيات طائفية حاقدة بسبب التهمة نفسها، وتكررت المأساة في مخيم اليرموك السوري، وقبل هذا وذاك في مخيم نهر البارد شمالي لبنان. ولا ننسى طرد العقيد معمر القذافي لهم لمجرد اختلافه مع القيادة الفلسطينية.
وسائل اعلام مصرية، وتلفزيونية على وجه الخصوص، تبث هذه الايام انباء عن تسلل سبعة آلاف من قوات حركة حماس عبر انفاق الحدود المصرية مع قطاع غزة، للقيام بأعمال تخريب في مصر احيانا، وحماية قصر الاتحادية الرئاسي احيانا اخرى، وفتح السجون واطلاق المجرمين في احيان ثالثة.
هذه الاعداد تتناسل وتتضاعف،حسب ادعاءاتهم، بصورة مرعبة وفي اليوم الواحد، وكذلك الدور 'الارهابي' الذي يمارسه هؤلاء الغزاة الحمساويون في ارض الكنانة، لترجيح كفة الرئيس مرسي، وحركة الاخوان عموما، في مواجهة اعدائهم من الليبراليين والعلمانيين الذين ينضوون تحت مظلة جبهة الانقاذ المعارضة بزعامة الدكتور محمد البرادعي.
اختيار حركة حماس، والشعب الفلسطيني من خلالها، اختيار محسوب بعناية، فالحركة اسلامية اخوانية، ومقربة جدا من الحركة الأم في مصر، وتشكل امتدادا لها، وتمثل ذراعها العسكرية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولذلك فإن عملية شيطنتها التي تتم حاليا تلقى بعض التجاوب في اوساط بعض الجهات المصرية الساخطة على الاخوان، وتريد اسقاط الدكتور مرسي الذي يعتبر رأس حربتها.
حركة 'حماس' لا تملك سبعة آلاف مقاتل حتى ترسلهم عبر الانفاق الى ميدان التحرير او قصر الاتحادية، واذا كانت تملك فائضا بهذا العدد الضخم فإن السؤال هو كيف قطع هؤلاء مسافة 400 كيلو متر في صحراء سيناء، وبعد ذلك عبروا القناة الى القاهرة دون ان ينتبه اليهم الأمن المصري؟ واذا كان هؤلاء نجحوا فعلا في خداع هذا الأمن العريق المدرب، ونحن لا نعتقد ذلك، فهذه اهانة لمصر وامنها.
حركة الاخوان المسلمين التي تملك عشرات الملايين من الانصار داخل مصر لا تحتاج الى بضعة اشخاص من حركة 'حماس' المحاصرة في قطاع غزة لحماية القصر الذي يقيم فيه رئيس مصر، كما ان الحركة التي لم ترسل ايا من انصارها لتخريب منشآت مصرية في زمن الرئيس حسني مبارك الذي كان يكن لها عداء وكراهية غير مسبوقة، لا يمكن ان تقدم على اي اساءة لمصر وشعبها في زمن رئيس يودها ويعطف عليها، ويخفف قيود الحصار المفروضة عليها.
قبل هذه الحملة المغرضة التي ترمي الى بذر المزيد من بذور الفتنة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، افقنا قبل اشهر على اخرى اكثر شراسة تقول ان هناك خطة لتوطين ابناء قطاع غزة في صحراء سيناء، وان حكم الاخوان المسلمين في مصر متورط فيها، وذهب من يقفون خلف هذه الحملة الى حد الحديث عن مليارات تمّ رصدها لتمويل هذه الخطة.
الذين يروّجون لمثل هذه الفتن، ويلعبون على ورقة التوطين، لمعرفتهم بحساسيتها لدى الشعب المصري الذي يقدس تراب ارضه، ويرفض رفضا قاطعا التفريط بذرة منه لاي كان، وهذا امر نكبّره ونجلّه، لا يعرفون ان ابناء قطاع غزة رفضوا رفضا مطلقا الانتقال الى صحراء سيناء، وان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن منطلق قومي عروبي اسلامي شجعهم على ذلك، عندما اقام مشاريع إعمار فيها لتنميتها اولا، واستيعاب العمالة العاطلة عن العمل من المصريين والفلسطينيين.
الأكثر من ذلك انه رغم الحصار التجويعي الخانق على قطاع غزة الذي استمر حوالى ثماني سنوات، لم يترك فلسطيني واحد القطاع للإقامة في سيناء رغم وجود اكثر من الف نفق تحت حدود الجانبين.
ونذّكر الجميع ان الاسرائيليين عند احتلالهم للقطاع وسيناء بعد حرب عام 1967 (كانت غزة خاضعة للإدارة المصرية) اقاموا معسكرا للاجئين الفلسطينيين على الحدود، نصفه في سيناء والنصف الآخر في قطاع غزة، سمي مخيم كندا، لانه اقيم فوق معسكر للوحدة الكندية في قوات الامم المتحدة التي كانت موجودة في القطاع بمقتضى اتفاقية الهدنة عام 1948، وعندما سحبت قواتها بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد من سيناء كان المطلب الاول لاهالي المخيم في النصف الواقع في الجانب الآخر للحدود مع مصر هو العودة الى القطاع، وهكذا كان بفضل اتفاقات اوسلو، اي لم يفضلوا مطلقا الاقامة على ارض غير فلسطينية تمسكا بأرضهم وقضيتهم، مع تأكيدهم في الوقت نفسه على حبهم لمصر وشعبها وشكرها من اعماق قلوبهم لاستضافتهم طوال تلك المدة.
مسلسل التكريه بالفلسطينيين مستمر وبشراسة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وهو مسلسل لا يفرق بين انصار فتح او انصار حركة حماس، بل انه بدأ قبل ظهور الاخيرة، اي حماس، بعشرين عاما على الاقل.
بعد ذهاب الرئيس الراحل محمد انور السادات الى القدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد، التي اذلت، وما زالت تذل الشعب المصري، انطلقت اقلام مصرية في شن حملة تحريض مرعبة ضد الفلسطينيين، تركز على انهم ينعمون بالفيلات الفاخرة جدا في الاردن ودول الخليج، بينما المصريون يتضورون جوعا. وفي ذروة حرب الكويت وما بعدها، باشرت الاقلام نفسها او من توارث المؤسسات الصحافية والتلفزيونية بعدها، بتكرار حملة الكراهية هذه بالقول ان الفلسطينيين يغلقون ابواب الرزق في وجه اشقائهم المصريين في منطقة الخليج.
انصار نظام الفساد السابق الذي اطاح به الشعب المصري في ثورته المجيدة هم الذين يقفون خلف جميع هذه الحملات، وعادوا لبث سموم فتنتهم هذه مرة اخرى في ظل حالة الانقسام الحالية التي تمزق مصر وتهدد وحدتها الوطنية، بل وانهيارها كدولة، اذا لم يتم تطويقها بسرعة. ألم يقل هؤلاء ان من فجّر كنيسة القديسين في الاسكندرية وقبل سقوط النظام بأشهر معدودة، جاءوا عبر الانفاق من قطاع غزة، لنتبين بعد ذلك ان الحبيب العادلي وزير داخلية مبارك هو الذي يقف ورجاله خلف تلك المجزرة لتفجير حرب اهلية طائفية في مصر؟
ما كنت لأكتب هذه المقالة حول هذا الموضوع لاعتقادي الراسخ ان الشعب المصري اكبر واعرق واكثر وعيا من ان تنطلي عليه هذه الاكاذيب المسمومة، لولا ان زميلة صحافية من صحيفة 'الاهرام' اتصلت بي غاضبة، ومعاتبة، وقالت لي بصوت متهدج انها لم تتصور يوما ان يقدم فلسطينيون على مثل هذه الافعال المنكرة في حق مصر.
فإذا كانت صحافية مخضرمة مثل زميلتي هذه، احبت فلسطين من قلبها مثل كل ابناء مصر، وتظاهرت لكسر الحصار عن قطاع غزة، وحملت المساعدات لأهله المحاصرين، وتعرّضت للاعتداء بالضرب من شرطة الحبيب العادلي، تصدّق مثل هذه الاكاذيب والافتراءات، فكيف هو حال ملايين البسطاء في ارض الكنانة محدودي الثقافة والتعليم الذين تستهدفهم فضائيات واقلام مغرضة ما زالت تحنّ لعودة النظام السابق؟
نحن نحب مصر ونراها القاطرة التي يمكن ان تقود الأمة الى برّ الامان وتخرجها من حال التيه والتبعية التي تعيشها منذ اكثر من قرن، نحب مصر ايا كان حاكمها، لأننا نفرق دائما بين مصر الشعب ومصر الحاكم، فإذا كان جيدا مخلصا محبا لشعبه، فهذا 'نور على نور'، اما اذا كان فاسدا وسيئا فنحن مع الشعب المصري وفي خندقه، ولو بالقلب، للتخلص منه ومن طغيانه وفساده.
الشعب الفلسطيني مع مصر، ويتمنى لها الاستقرار والرخاء، والخروج من هذه الازمة بأقل الخسائر، وكل ما نتمناه ان يرحمنا 'سحرة فرعون' ويرحموا شعبهم قبلنا من فتنتهم وسحرهم الاسود، ونؤكد ان هؤلاء لا يمثلون مصر ولا شعبها الطيب الكريم المعطاء.
اليسار الصهيوني لن يغرد خارج سرب اليمين
بقلم: عدنان بكرية عن القدس العربي
بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات الاسرائيلية والتي انتهت بتعادل 'اليسار' واليمين الصهيوني بعدد المقاعد البرلمانية وتهافت الإعلام العربي على توصيف الوضع، وكأن هناك زلزالا وانقلابا حدث على الخارطة السياسية في اسرائيل!
لا بد لي من التوقف عند عدة نقاط هامة لما حدث والتحذير من عدم الاندفاع والانجراف وراء شكليات لن تبدل وتغير في السياسة الاسرائيلية الرسمية حتى لو استطاع ما يسمى باليسار من تشكيل الحكومة.
صحيح أن اليسار الصهيوني سيعقد مهمة نتنياهو بتشكيل الحكومة، لكنه غير قادر على طرح بديل حقيقي يستند الى برنامج سياسي مختلف، وهو أيضا لم ولن يغرد خارج سرب الفكر الصهيوني في ما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي -الاسرائيلي.
أولا: توصيف اليسار واليمين لا ينطبق بتاتا على الوضع الاسرائيلي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة لا يختلفان شيئا بشأن التسوية مع الشعب الفلسطيني، وكلاهما متفقان على الاستمرار باحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، انطلاقا من بدعة الضرورة الأمنية وحماية امن اسرائيل والمراهنة على إحداث اليسار انقلابا، ليس له مكان.. فاليسار حكم اسرائيل عقودا من الزمن، وكان أكثر بطشا وقمعا وأكثر تنكرا للحق الفلسطيني، وكلنا يذكر رابين المحسوب على حمائم اليسار واتباعه سياسة ونهج تكسير العظام إبان الانتفاضة الأولى.. احتلال كل فلسطين جرى في حقبة من يسمي نفسه اليسار!
ليس هناك يسار اسرائيلي بالمفهوم السياسي، بل هناك الظالم والاقل ظلما.. هناك قمع واقل قمعا، وفي المحصلة وإذا تعلق الأمر بالنزاع العربي - الاسرائيلي فان كل الأحزاب الصهيونية ستكون متفقة على التنكر للحق الفلسطيني.
اليمين الاسرائيلي أكثر وضوحا وشفافية ممن يسمي نفسه يسارا فهو لا يخفي من نواياه وبرنامجه شيئا وهو يعلنها بصريح العبارة دون لف ودوران. اما ما يسمى باليسار فهو ينتهج أسلوب المراوغة والتسويف والثعلبة في التعاطي مع القضايا السياسية، وشمعون بيرس خير دليل على هذا النهج.
ثانيا: التعادل البرلماني بين الطرفين لم يأت بدافع القناعات السياسية للمواطن الاسرائيلي، بل هو نتاج للوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري الذي تمر به البلاد ونتاجا للإحباط الذي يحياه المواطن الاسرائيلي.. أصلا لقد غابت السياسة عن البرامج الانتخابية، ولم يكن لها تأثير خلال الانتخابات الحالية لأن كل الأحزاب من أقصى اليسار الى أقصى اليمين شبه متفقة في ما يخص القضية الفلسطينية وسبل حلها.
من هنا فان المراهنة على انقلاب في السياسة الاسرائيلية لهو أمر خاطئ، وليس له ما يبرره وحتى لو شكل ما يسمى باليسار الحكومة الاسرائيلية فان القضية الفلسطينية ستبقى تراوح مكانها دون تقدم يذكر لأن هذا اليسار اجبن من ان يتخذ قرارات مصيرية تخص الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وهو غير قادر على رسم إستراتيجية سلمية خارج حدود وإطار إرادة اليمين ولن يغرد خارج سرب اليمين.
يائير لبيد الوجه الجديد يخوض الانتخابات للمرة الأولى ويحصد 19 مقعدا.. منذ اللحظة الاولى سارع الإعلام باحتسابه على قوى اليسار، لكن سرعان ما ظهر على الشاشة ليقول لن أكون في معسكر يضم العرب، وبالتحديد حنين زعبي.. هذا هو النموذج لما يسمى باليسار الصهيوني.. الازدراء والاستعلاء النابع من العنصرية والقهر القومي.. فيا أيها العرب لا تراهنوا على التغيير بل راهنوا على أنفسكم وقدراتكم.
حماس والأردن
بقلم: بسام العموش عن العرب اليوم الأردنية
تدفعنا الزيارة الأخيرة التي قام بها قادة حماس للأردن للتوقف عند الدلالات السياسية للزيارة والعلاقة بين حماس والأردن اليوم وغداً. هناك سياسات متباينة في ظاهر الأمر مثل الموقف من عملية السلام وموضوع المقاومة والعلاقة مع سورية وإيران ودول الربيع العربي التي آلت فيها السلطة للإخوان وعلى رأسها مصر، لكن المدقق قد يكون قادراً على تفهم الطرفين لسياسة كل فريق، فالأردن لا يستطيع استنكار المقاومة لأنه يرى التعنت في الجانب الصهيوني المتمثل في إعاقة عملية السلام ورفض القرارات الدولية واستمرار الاستيطان والعبث بالمقدسات واستمرار الاعتقالات والحصار الكبير لقطاع غزة.
والأردن يخشى من علاقة حماس بإيران لكنه يتفهمها باعتبار أن الدول العربية كلها تتعامل مع النظام الإيراني حتى التي لها خلاف مع إيران مثل الإمارات والبحرين، فإذا كان هذا جائزاً للدولة بناء على قاعدة المصالح فإن كل مراقب لا يستطيع أن يطلب من حماس قطع علاقتها بإيران لأن مرحلة المقاومة تتطلب الحصول على الدعم من كل داعم حتى لو كان دعماً معنوياً. ويقال في علاقتها بسورية ما قلناه في إيران مع ملاحظة انهيار علاقة حماس بالنظام السوري بعد الأحداث الدامية الجارية في سورية.
وحماس من جانبها تتفهم أن منطق الدولة مختلف عن منطق الحركة فللدولة مصالحها ومساراتها خاصة دولة مثل الأردن حيث محدودية الموارد وخطورة الموقع الجغرافي وسياسة التوازنات التي يسلكها النظام الأردني.
هناك نقط التقاء بين حماس والأردن، فقد تجاوز الطرفان قصة إبعاد حماس وإغلاق مكاتبها حيث كان قراراً تتطلبه مصلحة الأردن العليا، وما عاد البحث في تلك القصة مفيداً بل التطلع للمستقبل هو المناسب حيث يستطيع الطرفان نسج علاقة متميزة تتكئ على إيجابيات تاريخية منها احتضان الحركة في بداية نشأتها وإنقاذ حياة خالد مشعل وتحرير موسى أبو مرزوق وفك أسر الشهيد أحمد ياسين، والأمر الهام سياسياً التوافق التام بين الأردن وحماس على رفض ومقاومة الوطن البديل، كما أن علاقة حماس تساعد على تخفيف الاحتقان بين إخوان الأردن والدولة الأردنية خاصة بعد الانتخابات الأخيرة حيث يمكن أن تلعب حماس دوراً إيجابياً لتبقى علاقة الإخوان بالنظام كما كانت عبر التاريخ الطويل.
لكل ما سبق فإنني مع تطوير العلاقة بين حماس والأردن، فالرابح الطرفان، وقد يلعب الأردن دوراً في المحافل الدولية بحسن علاقته بحماس والسلطة بعد أن أصبحت مصر غير متفرغة للقضية الفلسطينية لانشغالها بالأمن الداخلي.
وإن وجود المستشفى الأردني العسكري في غزة التي تسيطر عليها حماس هو خيط مهم للجميع حيث الدور الأردني المقبول إسرائيلياً ودولياً بعيداً عن السفن التي تحاول كسر الحصار من دون جدوى .
كفى رهاناً على الانتخابات واليسار الإسرائيلي
بقلم: عليان عليان عن السبيل الأردنية
جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، والاصطفافات التي تبلورت لحظة إعلان النتائج لتشكل لطمةً لرهان البعض في الساحة الفلسطينية وللجامعة العربية على معسكر ما يسمى «أحزاب اليسار» والوسط الصهيونية؛ بحيث بات بوسع نتنياهو أن يستمر في سياسة تكثيف الاستيطان والحرب والعدوان والمضي قدما في تهويد القدس والتنكر لقرارات الشرعية الدولية.
صحيح أنه حصل تساو بين مقاعد اليمين واليسار بواقع 60 نائباً لكل معسكر، لكن هذا التساوي لا يعكس وحدة الاطراف في كل معسكر حيال القضايا الداخلية، وإن كان يعكس القواسم مشتركة بين المعسكرين حيال المفاوضات، مع الجانب الفلسطيني؛ بمعنى أن الخلاف بين اليمين واليسار الصهيوني حيال الموقف من الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، يتمثل في الفرق في درجة التطرف وليس اكثر.
لقد تمنت القيادة الفلسطينية أن تشكل أحزاب ما تسمى اليسار والوسط الصهيونية، بالاضافة إلى القوائم العربية 12 نائباً كتلة مانعة، تحول دون تشكيل نتنياهو الحكومة القادمة الذي حصل مع ليبرمان في إطار تكتل «ليكود بيتنا» على 31 نائباً، بتراجع مقداره 11 نائباً عن انتخابات الكنيست السابقة، لكن حزب «هناك مستقبل» (يش عتيد) الوسطي 19 نائباً بزعامة يائير ليبيد خذل المراهنين عليه في أن يكون خشبة الخلاص لمعسكر ما يسمى اليسار الصهيوني.
وبالتالي لم يعد بمقدور حزب العمل بزعامة شيلي يحموفيتش (15 نائباً)، و»ميريتس» (6 نواب)، وحزب الحركة بزعامة تسيفي ليفتي (6 نواب)، وحزب كاديما (نائبان)، أن تشكل مع القوائم العربية (12 نائباً) الحكومة القادمة.
ليبيد الوسطي وجه ضربة لأطراف ما يسمى اليسار والوسط (حزب العمل، وميريتس، وكاديما، وحزب الحركة، والقوائم العربية) حين أعلن أنه ليس معنياً بتشكيل جبهة في مواجهة نتنياهو، وانه مستعد للمشاركة في حكومة برئاسته طالما أنه يستجيب نسبياً لمطالبه في قضايا إدارة الدولة، وتغيير في وسائل الحكم، وفي القضايا الاقتصادية المتعلقة بالميزانية والبطالة وكلفة السكن وغيرها.
ومن ثم فإن ليبيد سهل مهمة نتنياهو في عدم الخضوع لأحزاب الحريديم المتطرفة جداً (شاس، البيت اليهودي، يهدوت هتوراه) التي في حال ضمها وفق برنامجها ستزيد من عزلة «إسرائيل» الدولية أكثر مما هي معزولة؛ وبالتالي فقد بات مؤكداً أن تحالف نتنياهو ليبرمان ليبيد هو الذي سيشكل الحكومة بأغلبية معقولة.
فالليكود في ضوء هذه الخارطة التحالفية سيظل على ذات مواقفه في تكثيف الاستيطان، وتهويد القدس، والرفض عملياً لقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ورفض حق العودة.. إلخ، وليبرمان سيظل على ذات الموقف مع نتنياهو بنكهة أكثر تطرفاً.
أما ليبيد فيشاطر نتنياهو كل مواقفه السابقة، ويشاطره ذات الموقف الخاص بالبناء الاستيطاني في منطقة E1 شرق القدس؛ لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ولعزل القدس بشكل كامل عن محيطها العربي، لكنه يمايز نفسه شكلاً في سياق تكتيكي، وليس أكثر بالحديث عن حل الدولتين.
ما يجب تأكيده هنا أن تراجع «الليكود بيتنا» ليس مرده إلى جنوح الرأي العام الاسرائيلي نحو الوسط واليسار، وليس لأن جمهور اليمين أراد معاقبته على موقفه من المفاوضات مع الفلسطينين، بل مرده يعود إلى عدة عوامل أبرزها:
أولاً: فشله الذريع في العدوان على قطاع غزة، وانتصار المقاومة التكتيكي في حرب الأيام الثمانية في تشرين الثاني من العام الماضي.
ثانياً: فشله الاقتصادي الذي تمثل في عجز الموازنة ومقداره 10 مليارات دولار، وانعكاس هذا العجز؛ عبر إجراءات اقتصادية قاسية، شملت تقليص الإنفاق على الخدمات العامة، وزيادة في قيمة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وغلاء كبير في الأسعار، وإقالة آلاف الموظفين من القطاع العام، وتأجيل مشاريع البنية التحتية وغيرها من الإجراءات التي تثقل كاهل الإسرائيليين.
لكن هنالك عوامل أخرى، صبت بطريقة غير مباشرة في خانة تراجع «الليكود بيتنا» لصالح ما يسمى معسكر اليسار، تتمثل فيما يأتي:
أولاً: ارتفاع نسبة التصويت في الوسط العربي في مناطق 1948 مقارنةً بالانتخابات السابقة لصالح القوائم العربية، حيث وصلت إلى نحو في المئة 53,5 في المئة، ناهيك عن أن كماً لا بأس به من الأصوات العربية صب لصالح ما تسمى الأحزاب اليسارية الصهيونية.
ثانياً: العامل الدولي الذي كان له تأثيره في الناخب الإسرائيلي بشكل عام، وعلى الكتلة المترددة العائمة المحايدة الواقفة بين معسكر اليمين، وما يسمى معسكر اليسار والوسط بشكل خاص، حيث صوتت هذه الكتلة في جزء كبير منها لصالح المعسكر الثاني.
وقد تمثل هذا العامل بشكل رئيسي في تحذير حليفين رئيسيين لـ»إسرائيل»، وهما الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجية بريطانيا وليام هيج عشية الانتخابات الإسرائيلية، من أن سياسات نتنياهو في مجال المفاوضات والاستيطان، وإفشاله حل الدولتين ستزيد من عزلة «اسرائيل» الدولية، وتجر عليها عواقب كارثية.
ثالثاً: اكتواء هذه الكتلة العائمة، شأنها شأن بقية أطراف المجتمع الاسرائيلي بنار سياسات نتنياهو الاقتصادية، واستخدامه الفزاعة الايرانية؛ لتمرير مشاريع مكلفة كشف النقاب عن بعضها، كشراء غواصات لا لزوم لها بقيمة 500 مليون يورو -حسب مواقف قائد سلاح البحرية الإسرائلي، وجهاز الأمن الإسرائيلي- في حين لم يكشف النقاب عن البعض الآخر حيث يرى قطاع واسع من الإسرائيليين، أن هذه المشاريع لصالح مجده الشخصي على حساب الأوضاع الاقتصادية الصعبة للإسرائليين.
رابعاً: شعور هذه الكتلة العائمة أن حرب نتنياهو على غزة أحدثت نتائج سلبية على أمن الكيان الصهيوني، وفقدان الاستقرار فيه، وأنها عكست ضعفاً في القدرات التخطيطية، وفي قراءة قدرات المقاومة الفلسطينية، وعدم إيلاء المجتمع الدولي الأهمية المطلوبة؛ ما أوقع «إسرائيل» في عزلة خانقة.
ما يهمنا ونحن نتابع نتائج الانتخابات وتداعياتها أن نشير إلى أن مسألة اليمين واليسار نسبية وشكلية بالنسبة للموقف من الموضوع الفلسطيني، بحيث يمكننا الجزم بأن كل الاحزاب الصهيونية على اختلاف تلاوينها عدوة للشعب الفلسطيني ولتطلعاته وثوابته الوطنية، وأن الفرق بينها هو في درجة الغلو والتطرف، وفي طريق إدارة الصراع؛ فالبعض يستخدم الوضوح الكامل في رفض حقوقنا الوطنية والتاريخية، والبعض الآخر يستخدم أسلوب القفاز الناعم، وهو أكثر خطورة؛ لأنه يحقق اختراقات هائلة لجهة دفع الجانب الفلسطيني إلى الاستمرار في نهج المفاوضات دون أي تثمير لها.
كفى رهاناً على لعبة اليمين واليسار في الكيان الصهيوني، كفى رهاناً على الانتخابات الاسرائيلية التي لم تخرج يوماً عن التنكر للثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، وعن التنكر لكل قرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي واتفاقات جنيف.
كفى رهاناً على لعبة اليمين واليسار، فاليمين واليسار المزعوم تجمعهما قواسم وثوابت مشتركة؛ هي: القدس بشطريها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني/ ضم الكتل الاستيطانية الكبرى للكيان الصهيوني/ بقاء قوات الاحتلال والمستوطنات في منطقة الاغوار، واستثمارها اقتصاديا لمصلحة «اسرائيل» / رفض العودة إلى حدود 1967 وخطوط الهدنة لعام 1949/ الرفض المطلق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وأخيراً وفي ضوء ما تقدم، يترتب على القيادة الفلسطينية أن تغادر خيار الرهان على تغيير قواعد اللعبة السياسية في الكيان الصهيوني -ولو نسبياً- لصالح القضية الفلسطينية، ولا بد من أن تجري مراجعة شاملة لنهج المفاوضات البائس باتجاه مغادرته نهائيا، في إطار استراتيجية تعتمد الوحدة الوطنية، وخيار المقاومة بكافة أشكالها كخيار رئيسي ووحيد لدحر الاحتلال؛ بحيث يكون العمل السياسي والدبلوماسي في إطار تثمير المقاومة، وليس على حسابها.
الحوار الإسرائيلي
بقلم: محمد سلماوي عن المصري اليوم
ما هى قصة الحوار هذه، التى كلما تأزمت الأمور دعا الرئيس محمد مرسى إلى إجرائه؟.. إن الأزمات الكبرى تحتاج إلى إجراءات جريئة وجذرية، وليس إلى جلسات للحديث حول الموائد، خاصة حين تكون مواقف كل الأطراف معروفة ومعلنة مسبقاً، فالحل فى هذه الحالة يكون باتخاذ القرار الذى يلقى القبول، فتزول حدة المواجهة بين الجانبين وتهدأ الأزمة.
أما المطالبة بالتحاور والنقاش، فى وقت تزداد فيه الأزمة اشتعالاً، فهى لا تعدو كونها محاولة لكسب مزيد من الوقت على أرض الواقع، وتلك هى السياسة التى برعت فيها إسرائيل طوال العقود الماضية، حيث كانت تدعو دائماً للمفاوضات فى الوقت الذى كانت تقوم فيه بتنفيذ مخططاتها فى الأراضى المحتلة، وكان الطرف العربى يساق بسذاجة إلى مائدة المفاوضات متصوراً أنه بقوة الحجة سيتمكن من وقف زحف قوى الاحتلال، لكن تلك كانت لعبة أضاع فيها المفاوض العربى سنوات طويلة، اكتشف بعدها أنه تراجع على أرض الواقع، بينما إسرائيل هى التى تقدمت، فقد فرض على المفاوض العربى تهدئة كل أشكال المقاومة، خاصة المسلح منها، بحجة إعطاء الفرصة للمفاوضات، بينما كانت إسرائيل مستمرة فى مصادرة المزيد من الأراضى العربية وتنفيذ مخططات التهويد دون توقف، وفى النهاية حين فطن الجانب العربى إلى تلك الخدعة وأوقف المفاوضات، كان عليه أن يواجه الأمر الواقع على الأرض، الذى تغير تماماً خلال سنوات المفاوضات، فصارت الآن القدس كلها تحت السيطرة الإسرائيلية بعد أن محيت كل مظاهر هويتها العربية، فأراضى الفلسطينيين تمت مصادرتها والأسماء العربية للشوارع تم تغييرها، وأصبح الإسرائيليون يصفون المدينة بأنها «العاصمة الأبدية لإسرائيل».. متى تم كل ذلك؟ تم أثناء انشغال العرب بالمفاوضات.
ألا يذكرك هذا ببعض ما يجرى عندنا الآن، حيث تجرى عمليات أخونة الدولة على قدم وساق برئيس يأخذ تعليماته من الجماعة، ودستور يرسخ أقدام حكم الإخوان، وحكومة تخدم مصالحهم وقانون انتخابات يضمن لهم الأغلبية، فى الوقت الذى يطلب فيه مرسى من قوى المعارضة أن تمضى الوقت فى الجلوس حول موائد الحوار التى فى بعض الأحيان لا يحضرها، وفى كل الأحيان لا يلتزم بنتائجها؟
لقد فرغ الإخوان من تطبيق سياسات النظام السابق التى كانوا يعارضونها من الاستحواذ والإقصاء إلى الحكم بقانون الطوارئ، وصاروا الآن، على ما يبدو، يطبقون سياسات إسرائيل التى كانوا يعارضونها هى الأخرى.
الاستنساخ «الإخواني»
بقلم : عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
الوضع في مصر مرشح إلى مزيد من التوتر والعنف، في الوقت الذي كان يُفترض أن يتجه إلى الاستقرار بعد إتمام خطوات إحلال سلطة جديدة بدل تلك التي سقطت مع النظام السابق. لا بل يمكن القول إن أولى هذه الخطوات، وهي انتخابات الرئاسة، هي التي أسست لحل عدم الاستقرار والتوتر والعنف.
لقد كان حصول مرشح «الإخوان المسلمين»، الدكتور محمد مرسي، على أعلى نسبة من الأصوات ليصبح رئيساً للجمهورية مرتبطاً بجملة النزاعات التي كانت تشغل الساحة المصرية آنذاك، وليس تأييداً للجماعة وبرنامجها. كما أن ترشيح مرسي نفسه الذي جاء بالصدفة وكبديل من مرشح آخر هو خيرت الشاطر الذي كان يُخشى أن يمنع من الترشح لأسباب قانونية ودستورية، عنى أن الرجل لا يملك برنامجه الخاص، وإنما ينفذ أوامر جماعته.
في هذا المعنى أن الجماعة التي أيدت التوريث، قبل الثورة، لم تكن مهيأة، لا في برامجها ولا في مرشحها لتولي حكم كل البلاد، وما فيها من مشاكل وقضايا موروثة ومستجدة. لذلك كان تعاملها مع انتخاب مرسي على أنه فرصة لا تعوض للتمسك بالسلطة، كما تعامل جميع الانقلابيين الذي استولوا على السلطة بالقوة.
هذه السياسة الانقلابية لـ «الإخوان»، والتي تراكم التنديد بالنظام السابق، استهدفت الوضع المستجد بعد انهيار هذا النظام. كما استهدفت القوى السياسية الناشئة بعد الانهيار. وبهذا الاستهداف، جاءت سلسلة قرارات مرسي، سواء تلك المتعلقة بتعيين الإسلاميين في المواقع الحكومية والإدارية أو بتلك التي يطلق عليها في مصر «أخونة» الدولة.
وهنا يكمن ما يمكن اعتباره جذر العنف في مصر. إذ إن «الإخوان» افترضوا أن المرحلة تقتضي الإسراع بوضع سلسلة قوانين واعتماد إجراءات توفر لهم وحدهم القدرة على الإمساك بالسلطة وتمنع غيرهم من الاقتراب منها. في نوع من استنساخ تجربة النظام السابق وحزبه. لكن فات الجماعة أن الذين ثاروا على النظام السابق فعلوا ما فعلوه بالضبط لاستئثاره بالسلطة ولمنعه من استنساخه عبر التوريث.
ففي هذا الاستنساخ وضعت الجماعة نفسها خارج أهداف الثورة، عبر قيام دولة مدنية وتعددية تتساوى فيها الحقوق والواجبات. وذلك في الوقت الذي لا تزال القوى المنادية بالتغيير قادرة على الفعل في الشارع والتحرك، ولم تتمكن الجماعة بعد من أن تنزل بها ضربة قاضية من أجل ضبطها.
كما فشلت الجماعة في فهم أن التأييد الخارجي، خصوصاً الغربي، للعملية الانتخابية في مصر لا يضمن لها التأييد الداخلي الذي تتوخاه. فالنظام السابق بقي، حتى ساعات قبل سقوطه، يعتبر أحد أعمدة الاستقرار في المنطقة. لكن التأييد الخارجي لم يفده عندما خرج الشعب، بكل قواه، للمطالبة بسقوطه. لقد أهملت الجماعة الرأي العام الداخلي، وتعاملت معه باستهتار وأحياناً بازدراء، خصوصاً عبر ذلك الحوار الرئاسي الذي يكرر صيغة «الجبهة الوطنية» الانقلابية حيث تتحاور قوى السلطة مع نفسها.
ويبدو الآن أن وصف «الثورة المضادة» الذي تطلقه الجماعة على معارضيها ينطبق أكثر ما ينطبق عليها وعلى سلوكها وإدارتها للبلاد. ما دامت لم تعترف بعد بأنه ينبغي العبور إلى المعالجة السياسية للأزمة المتراكمة في مصر، عبر مشاركة كل القوى، وصولاً إلى إقامة الدولة المدنية التعددية والديموقراطية. وهذا ما لا يبدو أن مرسي، ومن ورائه جماعة «الإخوان»، في وارد القبول به. لتستمر تجربة القوى في الشارع مع النسخة المستنسخة للنظام السابق.
أوباما والربيع الإخواني: سياسة «التجريب»!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
راهن الكثير على أن ولاية أوباما الثانية ستشهد تغييرات واسعة في سياسته الخارجية التي كانت محل انتقاد، لا سيما أنها لم تكن على وتيرة واحدة، بمعنى آخر لا يستطيع المراقب السياسي أن يضعها في إطار رؤية محددة، فهي تفتقد «الحسم» في سوريا، لكنها حاسمة جدا في مساندة ودعم الحلفاء الجدد «الإسلام السياسي» ومنحهم المزيد من الفرص رغم الأخطاء الكبرى التي ستنعكس بالدرجة الأولى على أميركا نفسها في حال تفاقم الأوضاع في المنطقة، والسؤال ما الذي يحدث في العقل الأوبامي وداخل أروقة البيت الأبيض؟
يمكن القول: إن الولايات المتحدة منذ أن اتخذت قرار استبدال الأنظمة السلطوية التي لا تحظى بتأييد شعوبها بالإسلام السياسي على اعتبار أنه يمثل قوة ضاربة في الشارع، وهي تمارس سياسة «التجريب» فيما يخص العلاقات الخارجية، فالمصالح الأميركية قائمة كما نعلم على مبدأ صياغة التوازنات الدولية طمعا في تعزيز دور الولايات المتحدة ومكانتها في العالم.
سياسة «التجريب» قد تؤدي إلى فتوحات اقتصادية أو تحولات فيما يخص الفرص الممنوحة لدول كانت تصنف على أنها دول معادية، والأصل أن التجريب بمعناه العلمي هو تكرار التجربة للوصول إلى نتائج مغايرة باستخدام أدوات وعوامل جديدة، لكنه بهذا المعنى في عالم السياسة «خطر» جدا إذا لم تدرس العواقب بشكل جيد، وهو الخطأ الذي تحاول الولايات المتحدة المضي فيه قدما، وعذرها في ذلك مع أوباما هو أن قدومه لسدة الرئاسة بتلك الطريقة الدرامية كقصة نجاح شخص عصامي أوقعته في مأزق الانسلاخ من الإدارة السابقة والوقوع في فخ «التجريب»، ورغم كل ما يقال عن الإدارات السابقة التي ترأسها جمهوريون من نقد وتجريم لاستخدامها القوة العسكرية كسلاح وحيد في حفظ المصالح؛ فإن استبدالها بالقوة الناعمة وبشكل حصري أيضا غير طريقة تلقي الموقف الأميركي سواء من قبل حلفائها الجدد (الإسلاميين) أو خصومها السابقين كإيران وسوريا وكل دول وحركات وميليشيات الممانعة.
وإذا كانت معززات النفوذ الأميركي في المنطقة ليست عسكرية فحسب، فالتفوق العلمي والاكتساح الثقافي المدعوم باقتصاد متين صنعا الصورة الأميركية الأسطورية لكن التفوق العسكري كان يجعلها متقدمة بمسافة كبيرة على منافسيها الصين وروسيا وباقي الدول الأوروبية، ومن المهم التذكير هنا بأن أميركا ما زالت تستحوذ على أكثر من نصف الإنفاق العالمي على التسليح.
سياسة «أوباما» التجريبية وخصوصا مع الإسلام السياسي كانت مبنية على نجاح التجربة التركية، وهو ما حفز الأميركيين على تكرار التجربة دون التنبه إلى اختلاف المناخ والعوامل المؤثرة، تراجع علمانية تركيا سياسيا وصعود القوى الجديدة التي كانت تمثل الطبقة الوسطى وتحالف التجار لم يتأسس على أنقاض العلمانية، وإنما على تطويرها بحيث تستوعب أطيافا أخرى تتفق معها في خطوطها العريضة لكنها تستند إلى هوية إسلامية كان الحزب حريصا على تحييدها في صعوده السياسي، كما أن طموح تركيا بقيادة العالم الإسلامي عبر تحالفها مع الإسلام السياسي في دول ما بعد الربيع العربي وإن حظي بمباركة أميركية، إلا أنه تم رفضه بشدة من قبل كوادر الإسلام السياسي وحلفائها السلفيين فهو في نظرهم إسلام معلمن لا يمكن أن يكون بديلا لأطروحات الحاكمية وتطبيق الشريعة وكل الشعارات المستندة إلى «هوية» طاردة لأي اختلاف أو تنوع داخل المنظومة الفكرية للإسلام السياسي وعلى رأسهم «الإخوان».
التجريب الأوبامي في رهانه على «الإخوان» في طريقه للفشل كما تدل كل المؤشرات، حيث صورة «الإخوان» في أدنى مستوياتها وتنحدر بشكل سحيق، فلا يمكن للجماعة أن تدعي تسيد المشهد المصري أمام كل هذه المظاهرات التي تجتاح المدن الكبرى وتسقط العشرات من الأبرياء، وربما مع استمرار الوضع ستتجاوز أرقام الضحايا «ثورتها الأولى» في ظل ارتباك الرئيس محمد مرسي المشدود لأهله وعشيرته، كما أن تحالف الجماعة مع المجلس العسكري بعد سقوط مبارك لن يفيد الآن بعد أن تخلى «الإخوان» عن وعودهم ليس للعسكر بل للشعب وباقي القوى السياسية وقاموا بالسيطرة على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وصولا إلى تحقيق حكم المرشد حيث يعتلي الرئيس العرش بصلاحيات مفتوحة وغير مسبوقة.
مأزق الحالة المصرية و«الإخوان» فيها يمارسون التجريب لكن ليس بطريقة سياسية وإنما «أمنية» ضاغطة وهو ما سيفقدهم شرعيتهم لكن ذلك أيضا مرهون بعوامل أخرى يدرك «الإخوان» أنها لم تتخلق بعد، وأهمها وجود كيان معارض يحظى بقبول الشارع ويستطيع أن يتفق على أهداف محددة وليس مجرد عداء «الإخوان» كما هو الحال في جبهة الإنقاذ التي لا تتفق على شيء سوى مضادة منطق الجماعة فحسب، لكن الخطر القادم من المناطق خارج القاهرة يبدو أنه سيخلق كيانات جديدة تفيق معها هويات صغيرة جهوية ومناطقية تنذر باشتباكات عنيفة ومع سقوط الضحايا يصبح خط الرجعة صعبا للغاية مع حالة التردي الاقتصادي وغياب أي مشاريع تنموية جادة لانتشال الوضع من القاع.
في مقالة هامة للغاية كتبها حسين آغا في «ذي نيويورك ريفيو» على جزأين بعنوان هذه ليست ثورة أشار إلى لقطة هامة وهي أن ما يحدث هو جزء من لعبة الكراسي الموسيقية في مصر، يلعب السلفيون اليوم الدور الذي لعبه الإخوان المسلمون من قبل، والإخوان المسلمون يلعبون الدور الذي لعبه من قبل نظام مبارك. وفي فلسطين، الجهاد الإسلامي هو حماس الجديدة التي تطلق الصواريخ إحراجا لحكام غزة، وحماس هي فتح الجديدة التي تزعم أنها حركة مقاومة في حين تحكم الخناق على من يجرأون على المقاومة، وفتح محض نسخة من الأوتوقراطيات العربية القديمة التي كانت تنتقدها فيما مضى. ترى - ويتساءل - كم نبتعد بالضبط عن اليوم الذي سوف يقدم فيه السلفيون أنفسهم للعالم بوصفهم البديل الأفضل من الجهاديين؟
إشكالية التجريب الأوبامي أنها اطمأنت إلى تصورات الإسلام السياسي حول المصالح الغربية ومصالح إسرائيل وهو ما دافع «الإخوان» عنه بشراسة كصفقة سياسية في مقابل رفع اليد عن أدائهم السياسي الداخلي حتى لو بلغ سحق كل المعارضين والاستيلاء الكامل على السلطة على طريقة «الخلافة» وهو الأمر الذي أراح الأتباع والكوادر التي تعمل في الجماعة ومع حلفائها، فهي لا تكف عبر رسائلها في الـ«يوتيوب» والإنترنت عن ضرورة عدم السماح لأي أحد بالاقتراب من السلطة بعد أن من الله بها على أهل الحق.
إنه كما يقول حسين آغا مجددا «سباق أولمبي للجري على الحبل. إن قوة الإسلام السياسي تأتي أساسا من عدم ممارسته. ونجاحه مؤخرا قد لا يكون إلا مؤشرا على قرب سقوطه. كم كانت الحياة أبسط على الجانب الآخر».
شراهة «الإخوان» للسلطة
بقلم: عبد الحميد الأنصاري عن الاتحاد الإماراتية
في مقالته «هل أخطأنا الطريق نحو الربيع؟»، وصف الكاتب والإعلامي السعودي سليمان الهتلان، واقع العالم العربي اليوم بأنه أسوأ مما كان عليه قبل عامين، حين انطلاق ما سمي «ثورات الربيع العربي». وأتصور أن هذا الوصف صحيح، ويشاركه فيه كثيرون اليوم، ويصدق تماماً على ما يحصل في المجتمعات العربية التي شهدت تلك الانتفاضات الجماهيرية.
ولنأخذ على سبيل المثال ما يحصل في مصر كأبرز نموذج لحالة بلدان «الربيع العربي» في العام الثالث على حراكها الشعبي، ترى من كان يتصور، وقت قيام ثورة 25 يناير قبل عامين، أن تتردى الأوضاع في مصر لتبلغ هذه الدرجة من السوء والخطورة في ظل حكم جماعة «الإخوان»؟! أليس أمراً يدعو للأسى والحزن والحسرة بل والألم، أن تأتي الذكرى الثانية لثورة 25 يناير والتي قام بها شباب متمرد على الأوضاع المهينة للكرامة، وحالم في غد أفضل، ومصر تعيش حالة غليان سياسي واجتماعي وأمني، واضطرابات واسعة، واحتجاجات عنيفة، وانفلات أمني، ومواجهات دامية وبخاصة في مدن القناة راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، مما استدعى فرض حالة الطوارئ لمدة شهر؟!
هذه هي الحصيلة الأولية لحكم جماعة «الإخوان» في ستة أشهر فقط... ومن يدري فقد يكون الآتي أعظم وأفدح! مصر اليوم تثور على حكم «الإخوان» وذكرى الثورة تحولت إلى ثورة ضد «الإخوان»، والذين لم ينفعهم الاستنجاد بأتباعهم وأنصارهم من الدعاة المتعاطفين معهم في مختلف الدول العربية والذين هبوا إليها وتوافدوا على مصر لنجدة «الإخوان» وتهدئة الجماهير في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير.
ما هو حاصل في مصر، يحصل مثله وإن بدرجات مختلفة في كافة هذه المجتمعات التي شهدت ثورات «الربيع العربي» وكان مصيرها أن تقع في أيدي جماعات أيديولوجية لا تحسن إدارة الأمور وتنقصها الخبرة والتجربة السياسية السليمة، وهي جميعاً ذات منهج إقصائي وتخويني لمن يعارضها أو ينتقد سياساتها.
لقد احتفينا كثيراً بهذه التغيرات أول قيامها كما احتفى بها الكثيرون من المثقفين والناشطين ودعاة الحرية والديمقراطية والإصلاح، وعقدنا الآمال الكبيرة في النهوض والتجاوز وتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة والمعيشة الكريمة، وظننا كما ظن الكثيرون أن ما كان يسمى بعقدة الاستعصاء العربي الديمقراطي قد حُلّت مثلما فعلت شعوب كثيرة أخرى، لكننا اليوم تأكدنا واكتشفنا أن كل هذا كان وهماً كبيراً ونوعاً من الأماني الخادعة، وكان جرياً خلف سراب خادع. ها هي اليوم هذه التغيرات تدخل عامها الثالث، في ارتداداتها وتوابعها، وتداعياتها، تفرز «فراعنة» جدداً، وبخاصة في مصر، يسعون إلى الهيمنة على كافة مقدرات وأقدار مصر، عندهم شراهة عجيبة للسلطة وهم مستعجلون جداً للاستحواذ ويستخدمون كافة الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة لإحكام قبضتهم على كافة مؤسسات الدولة وتفاصيلها، يرهبون القضاء ويتدخلون في أحكام القضاء ويحاصرون مقرات العدالة ويتدخلون في شؤونها ويفصلون دستوراً على هواهم، لا يكتفون بالهيمنة على الرئاسة والسلطتين، التنفيذية والتشريعية، بل يسعون بكل الأساليب للاستحواذ على مؤسستي القضاء والأزهر الشريف، كما استولوا من قبل على النقابات والجمعيات المدنية المختلفة، لكن هذا الذي يحصل من قبل «الإخوان» وهم في السلطة، ليس بالأمر المستغرب على جماعة عاشت 84 عاماً في المعارضة والسجون والمنافي والعمل السري المستمر والطويل، وهي تتصور وتؤمن بأن الجميع في الداخل وفي الخارج يتآمر عليها.
هكذا تصور أدبيات وطروحات جماعة «الإخوان» والمجتمع على امتداد هذه العقود الزمنية الطويلة. إن مؤسسات الدولة والمجتمع في مصر من تشريعية وتنفيذية وقضائية وإعلامية وعسكرية ودينية... كلها تتآمر على «الإخوان» كما القوى الدولية الخارجية: إسرائيل وأميركا والغرب، كلها متواطئة مع الداخل ضدها! جماعة عاشت 80 عاماً في ظل هذه التصورات والهواجس التآمرية ثم وجدت نفسها فجأة في السلطة، من الطبيعي أن ترتاب في الجميع، في الخصوم والمعارضين، في مؤسسات الدولة المختلفة، وفي مؤسسات الخارج أيضاً، ومن الطبيعي أن تلجأ إلى الأساليب والوسائل الانتهازية وأن تظهر غير ما تبطن حماية لأهدافها ومشاريعها، فتصادق أميركا والغرب وإسرائيل وتهادنهم ريثما تمكن لنفسها في الداخل، فتزحف بأقصى طاقاتها على كافة مؤسسات الدولة المصرية بهدف التمكين الشامل والتأمين الكامل لنفسها ولأعضائها وللمتعاطفين معها، مستخدمة في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، عبر أسلوب الصدمات المفاجئة وانتهاز المناسبات والفرص السياسية المواتية ضد من تعتقد أنهم الخصوم المتآمرين عليها.
لعل في هذا التوضيح بعض الإجابة على تساؤلات عديدة مطروحة من كثير من الباحثين والكتاب حول الأسباب والعوامل التي تدفع جماعة «الإخوان» في مصر للمسارعة الشديدة والاستعجال المربك في الاستحواذ على كافة مقاليد السلطة والتشريع والجيش والقضاء والتوجيه، لدرجة أن البعض ذكر أن جماعة «الإخوان» في مصر استطاعت أن تحقق في 40 يوماً من تولي مرشحها منصب رئاسة الجمهورية، ما احتاج «حزب العدالة والتنمية» في تركيا 9 سنوات لتحقيقه، خاصة تحجيم المؤسسة العسكرية، وما احتاجه عبدالناصر الذي كان مختبئاً خلف الرئيس محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة، وهو سنتان (1952-1954) ليكشف أجنداته السلطوية، إذ لم تحتج جماعة «الإخوان» لأكثر من ستة أشهر حتى تنفرد بالسلطة وتهيمن على كافة المؤسسات، مع العلم -طبقاً للكاتب السوري محمد سيد رصاص- أنه في حالة مشابهة للحالة المصرية، وهي حالة إيران بعد ثورة الملالي عام 1979، حيث لم يكن الخميني مستعجلاً، بل ظل يستعين بالكفاءات المدنية الليبرالية حتى منتصف عام 1981 لينفرد بالسلطة ويتخلص ممن شاركوه في الثورة من الليبراليين.
إنه لأمر محزن حقاً أن يؤول «الربيع العربي» إلى هذه الأوضاع المأساوية، ثورات يقوم بها شباب حالم يضحي بنفسه في سبيلها ثم يخطفها آخرون من أيدي أصحابها الذين قاموا بها ليصبحوا مهمشين مبعدين بل ومطاردين متهمين، هذا ليس بغريب، فقد قال المنشق الإخواني (الخرباوي)، إن «الإخوان» يستعملون الديمقراطية مرة واحدة مثل المناديل.
عن الجحيم العربي
بقلم: أنس زاهد عن المدينة السعودية
تحدثت بالأمس عن خطورة أي تحرك شعبي يهدف إلى إسقاط نظام طغياني ما، ما دام الشعب يفتقر إلى التراكم الثقافي والحضاري الذي يؤهله لاسقاط الاستبداد وليس المستبد وحده.
الآن وبعد مرور أكثر من عامين على إسقاط نظامي بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، يبدو الوضع أكثر سوءا بمراحل.. والأسوأ هو عدم وجود أية بارقة أمل لتصحيح الأوضاع في المستقبل القريب، أو حتى متوسط المدى.
هذا الاستنتاج لا يعني كما قد يفهم البعض، أنني أسوّق للديكتاتورية أو أهاجم الوضع الحالي في ما يسمى ببلاد الربيع العربي، لحساب الأنظمة المستبدة التي تم إسقاطها نتيجة للانتفاضات الشعبية. من هذه الناحية فإن موقفي من الأساليب القمعية والطابع البوليسي الذي كانت تدار تلك الدول - وما تزال -بوحي منه، لم يتغير. كل ما في الأمر أنني لم أعد أؤمن بأن الانتفاضات أو الثورات الشعبية يمكن أن تصنع تغييراً حقيقياً في ظل هذا الواقع الذي يسيطر عليه انخفاض مستوى الوعي، وعدم توفر التراكمات التاريخية والحضارية اللازمة لجعل التغيير نحو الأفضل، نتيجة طبيعية لأي تحرك شعبي.
إنني لا أشكك في دور الأنظمة التي تم إسقاطها عبر الانتفاضات الشعبية، في تجهيل شعوبها، وفي تبديد المكتسبات التي حققتها تلك الشعوب، وفي تجريف أرضية الوعي الصلبة التي امتلكتها بفضل تجربتها في مقاومة المستعمر التي ارتكزت في جزء منها على التفاعل الحضاري معه. لكن مسؤولية تلك الأنظمة عن إشاعة الجهل ومحاربة الوعي شيء، وأساليب المقاومة شيء مختلف تماما. ولقد أثبتت التجربة على مدار عامين كاملين، رسوب الشعوب في اختبار الوعي، وعدم قدرة النخبة على إفراز القيادات والرموز التي تمتلك مشاريع بديلة وواضحة المعالم وتحظى بالحد الأدنى من الإجماع الشعبي.
إن الثورات لا تنجح في ظل افتقار عامل الإجماع الشعبي. وفي الحالة العربية فإن الشعوب المعنية أجمعت فقط على إسقاط الأنظمة التي تحكمها، في حين أنها عجزت عن الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق ولا أقول الإجماع، فيما يخص هوية الدولة وطبيعة النظام البديل... لقد تحولت بوادر الربيع إلى جحيم. هذا هو الواقع.
انهيار وهم السحر الإسلامي
بقلم: أسعد عبود عن الثورة السورية
مرة أخرى يحذر مسؤول مصري كبير – وزير الدفاع هذه المرة - من انهيار الدولة إن استمر الصراع السياسي فيها؟! الحقيقة أن مصر لا تبدو مهددة بالانهيار...أبداً..
إنما الذي بدأ بالانهيار هو السحر الموعود من الإسلاميين في السياسة عموماً و الرهان على الإخوان المسلمين تحديداً، في كل المواقع التي اختيروا لقيادتها، مصر- تونس - السودان وظلهم على ليبيا، وأسلوبهم في سورية...الخ...
منذ ألغت الجزائر الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون عام 1991، تخفت إمكاناتهم و مواقفهم وراء سحر صنعه أمران هما : البعد عن السلطة، وحقيقة موقفهم من قضايا المنطقة والتدخل الخارجي فيها، ولاسيما القضية الفلسطينية، إلى أن أظهروا اندفاعتهم عبر حراك الشارع العربي الباحث عن الحرية والديمقراطية وعدم حرجهم من التعاون مع الخارج لإسقاط الأنظمة والسيطرة على السلطة!! ثم كانت مواقفهم المعلنة من العدو الصهيوني . حيث أعلن الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي الصداقة العميقة مع إسرائيل، وأكد المسلحون في سورية ومن معهم غطاءً أو دعماً استعدادهم للتعاون مع الكيان الصهيوني، و تلقي مساعدات وأسلحة منه.
ذلك جديد فعلياً لكنه غير مفاجئ. تاريخ الإخوان يؤكد حقيقة دورهم المتفاهم دائماً مع الغرب. الجديد المفاجئ هو موقف الغرب منهم، وهو الموقف الذي يكذب كلياً حقيقة أن يكون هذا الغرب يريد من الحراك العربي بناء الدولة العربية الديمقراطية المعاصرة.
لا يريدون إلا النفط و أمن إسرائيل، ومن أجل ذلك ومع إدراكهم لاستعداد الإسلاميين للتفاهم والتعاون مع إسرائيل وحماية المصالح الغربية في النفط العربي، فتحوا لهم الأبواب بشكل موارب قليلاً! ولعلهم فوجئوا ولو قليلاً بنقص الكفاءة السياسية والإدارية لديهم. فدخلت البلدان التي حكموها أو سعوا إليها في دويخة لا تحتاج وصفاً من أحد عندما يرى مسؤول مصري كبير في حكومة الإخوان أن مصر مهددة بالانهيار!
و يستمر النفاق الغربي و تلفيق المواقف؟! يجري ما يجري في مصر والغرب غير معني في حين يحرك قواته لغزو مالي.
العنجهية الاستعمارية الفرنسية في الشمال الإفريقي يماثلها تماماً عنجهية الموقف من الحراك والأزمة في سورية. فرنسا مع حرب المسلحين المعلنة على سورية، وهي مع حصار المعارضة السورية لتكون فقط الائتلاف، يعني الإخوان! أما التطريزات على واجهة الائتلاف فليست أكثر من غطاء مهما علت القامات وعظمت الأفكار.
نستخدم غالباً عبارة «الغرب» للدلالة على السياسات الاستعمارية في منطقتنا، ونحن محقون في ذلك. لكن من المؤكد أن هذا الغرب غير متساوٍ، في كفاءته على الأقل.
والغرب فيه أوروبا فاشلة و أميركا ناجحة. ولاسيما هي ناجحة في تركها أوروبا محلاً للسخرية بقراراتها ومواقفها، لتكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة. وللعالم شرق تتعدد قواه وتنطق باسمه روسيا. ومن لقاء روسيا وأميركا يمكن فهم حقيقة ما يجري ، وما ينتظر بعد انقضاء مرحلة وهم السحر الإسلامي.
حكم "الإخوان" يترنّح ويظهر فقر مقارباتنا للربيع العربي
بقلم: وسام سعادة عن المستقبل البيروتية
ثمّة مقاربتان، غليظتان، الأجدى تنحيتهما جانباً، عند مقاربة المناخات الربيعية و"الربيعية المضادة" في البلدان العربية، وخصوصاً مصر.
فمن جهة، هناك المقاربة "المخاضية" التي يجنح أصحابها الى طمأنة الذات بأنّ "كل شيء مخاض"، فيتبرّمون من كل نازع الى النقد والرويّة، واذا ما استطاعوا ينظرون الى كل شيء على أنّه احتفالية، حتى اذا حلّت النوائب، أو انسدّت السبل أمام العناصر الأكثر ديموقراطية وحداثية، أو مالت الأرض كما الصناديق الى التيارات الاسلاموية، واظبوا على امتداح مفارقات المخاض، وصار المخاض عندهم "غيباً متحرّكاً" يشبه في شيء منه "الغيب المؤدلج" لدى التيارات الاسلاموية.
ومن جهة ثانية، ثمة المقاربة التي تسقط من الميادين حقّها، ومن دينامية الجموع دورها في تأسيس معان جديدة للممارسة السياسية لا عهدة للقوالب التحليلية التقليدية بها. فاذا كان أهل الفرقة الأولى يرون انّ كل شيء مخاض، وكل مخاض يأتي بالجديد، وانّ الجماهير تصنع التاريخ، وينبغي امتداحها من دون أي انتقاد جديّ، ووصفها دائماً بأحسن مما هي، فان أهل الفرقة الثانية يميلون بدلاً من ذلك الى تصوير أمور الربيع على انّها ناشئة عن دخول الأنظمة التسلّطية العربية في مرحلة موتها السريري ثم انهيارها، الأمر الذي ولّد حركات شعبية على هامشه، بل وحركات مطبوعة بخاتم الانهيار، في ثقافتها ومعاشها.
أهمّ ما يتيحه الوضع المصريّ اليوم، بالدينامية التي تنتاب شارعه، هو ضرب هاتين المقاربتين "المخاضوية" (الشعبوية) و"الانهياروية (الرائجة في أوساط الليبرالية العربية). المسائل أعقد من هذه الصياغات المبكرة لسؤال الربيع العربيّ وجوابه. ما يحصل في مصر وغيرها ليس مخاضاً دائماً وحيوياً ليس إلا، وما يحصل في مصر وغيرها ليس انهياراً متواصلاً لنظام قديم، في ظل العجز عن توليد نظام جديد. ما يحصل يتضمّن بالتأكيد في لوحة متداخلة، مشاهد انهيار نظام وتصدّع مجتمع، وتصدّع الجماعات المختلفة في المجتمع. لكن أيضاً ثمّة دينامية لا تختزل في كل هذا، وتحتاج بالفعل الى بعض الصفاء الذهني لوصفها. دينامية يكرّسها شباب الثورة المصرية بشكل كبير، بما لهم وبما عليهم. بالسياسة التي لا يلبث ان يظهر انهم بدأوا يحترفونها حتى يهجرونها حتى يلجون اليها ثانية. فهم عندما ركّزوا على فلول النظام السابق لم يروا أطماع العسكر وعندما ركّزوا على العسكر لم يروا مكائد الاخوان. لكنهم بالنتيجة نجحوا في تقويض الجميع، من حيث يدرون أو لا يدرون. العسكر، الاخوان، القوى السياسية، فلول النظام السابق. ولمزيد من التحديد: نجحوا في الاشهر الماضية، وربما في الايام المنصرمة اكثر من أي وقت مضى، في إدخال منطق "حكم الاخوان" في وضعية لا يحسد عليها، لسبب بسيط: هي وضعية استنزاف لا يمكن أن يخرج منها، الا بالخروج من الحكم، او بإخراجه من الحكم.
بعضُ ما يعزّز هذه الدينامية، الجائز أن تسمّى ثورية بمعنى ما، هو أنّ جميع القوى السياسية بلا استثناء تشترك في ثلاث: لا تملك برنامجاً لحلّ الأزمة ومتابعة عملية التحوّل الديموقراطيّ بشكل ثابت. تدّعي كل واحدة منها أنّها ذات الموقف الأقرب الى جهة الحق، من دون أن تدّعي الحدّ الأدنى من وعود الخلاص، ومن دون أن تتمثّل ولو بالحدّ الأدنى صورة المخلّص الكاريزمي، علماً أن تاريخ مفهوم الثورة في القرنين الماضيين لم يكن لينفصل أبداً عن ثنائية وعود الخلاص، وتمثّل أو استدعاء المخلّص. وثالثاً، فإنّ هذه القوى تجمع بين اعتراف كل منها بافتقاده التصور الشامل لحل الأزمة، وبين تعفّف كل منها عن النزعة الخلاصية، وبين تنازعها المعاني المتشظية للمشروعية، والأهلية، الا أنها تكابر في الوقت نفسه على ما تستدعيه هذه الحالة من تقاسم "جماعيّ" للمسؤولة، ما يبرز بالشكل الفاضح من خلال شهوة الاستئثار التي حملت "الاخوان المسلمين" الى محاولة قلب الطاولة على الجميع، من دون خلاصية ولا مخلّص، فكانت النتيجة انّ الدينامية الميدانية أدخلت "الاخوان" في عملية استنزاف ضارية.
من أين تأتي هذه الدينامية بالطابع غير المسبوق، الطابع المسفّه سواء بسواء للمقاربتين "المخاضوية" و"الانهياروية"؟ الاجابة صعبة. تتطلّب حدّاً معيّناً من التذكير بنظرية والي نصر حول صعود الرأسمالية الاسلامية، وبنظرية ديفيد هاري حول المدن المتمرّدة في بداية قرننا هذا. بشكل عام، المقاربة التي تصلح لمركز الربيع العربي، مدينة القاهرة، لا يمكن ان تسري بحد ذاتها على مجمل الاقاليم العربي. لكننا بحاجة بالفعل الى مقاربة ما يحصل من موقع انه دينامية مدينة، ميغالوبول، والى الفشل المريع لتجربة الاخوان في الحكم، وتهافت هذا الحكم بشكل متسارع، على انّه نتيجة فشلهم أمام الميغالوبول. فاستراتيجية حصار المدينة بالريف الاسلامي، من خارجها وحولها ومن داخلها، لا يمكن ان تنجح عندما تكون المدينة بهذا الحجم، سواء في مصر او الاسكندرية. "العمران" ينتصر على "الاخوان" لان استنزاف حكم الاخوان قد تحول الى دينامية ميدانية لا جواب اخوانياً قادراً على ردعها... والقاهرة "المتمردة" تبدو اكثر من اي وقت مركز هذا الربيع، ومختبر الافكار التي تساق بصدده.
العثمانيون الجدد والحكومة الراشدة..!
بقلم: جمال جصاني عن الصباح العراقية
يبدو ان قدر هذا الوطن القديم قد انتقل من كونه بستاناً لقبيلة قريش، الى حدائق خلفية لقبائل اخرى انحدرت الينا قبل أكثر من 500 عام مما يعرف اليوم بدول الجوار. وبالرغم من التحولات الهائلة التي شهدها العالم على مختلف المستويات، وخاصة القيمية والحقوقية منها، الا ان سدنة وعسس الثوابت في مضاربنا المنسية، يجدون في ترساتنهم الصدئة كل الصلافة اللازمة لاعادة انتاج منظومات الخراب والقهر التي أوصلتنا الى هذا الحال الذي لن تحسدنا عليه قبائل الهوتو والتوتسي.
لقد استبشرنا خيراً برياح التغيير التي وصلت الى منطقتنا، ومع انها قد وصلت متأخرة، لكنها وكما يقال خير من ان لا تصل ابدا. والجارة تركيا كانت سباقة في هذا المجال لاسباب جيوسياسية معروفة، لقربها من موطن الحداثة (الغرب) وامتلاكها للنظام العلماني الذي شيده مؤسس تركيا الحديثة كمال آتاتورك. في البدء تعاطفنا كثيراً مع حماسة مهندس السياسة الخارجية الجديدة أحمد داود اوغلو المعروفة بسياسة (تصفير الأزمات) ورسمنا في مخيلاتنا حزمة من الصور البهية عن النتائج التي ستتمخض عن هذه الستراتيجية الحكيمة، واعتقدنا انها نتاج روح الديمقراطية الجديدة عند الدولة الجارة. لكن وقبل أن يمر وقت طويل حتى بدأت تتصاعد اعمدة دخان من نوع آخر، لا علاقة لها بقيم ومبادئ الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان، وبمرور الوقت وتطور الاحداث في المنطقة والعالم، اكتشفنا زيف تلك الصور التي تبخرت أمام عنفوان طربوش عثماني جديد يحن لحريم السلطان.
السلطان الجديد الذي تلقف مقاليد الامور عبر الآليات الديمقراطية، التي اتاحها له النظام العلماني الذي اطاح بامبراطورية التخلف العثمانية، كشف عن حنين لا يليق بمن يدعي ليلاً ونهاراً عن مناصرته لحرية عيال الله وكرامتهم ودفاعه عن النظام الديمقراطي. فبعد سلسلة من المواقف والممارسات المعادية للتجربة الديمقراطية الفتية في هذا الوطن المنكوب بالفايروسات العابرة للجغرافية الوطنية (العثمانية والصفوية) توج اوردغان منهجه غير المتوازن هذا في كلمته للمؤتمرين تحت رعايته في اسطنبول يوم 26/1/2013 تحت عنوان (نصرة انتفاضة الشعب العراقي) حيث دعا الى (اقامة حكومة راشدة في العراق) هذه الدعوة التي افصحت عن أمر واحد لا شريك له الا وهو ان احلام السلطنة قد افقدت اوردغان رشده..! ولم يعد يفرق بين نظام يعتمد الصناديق الديمقراطية والتي تمثل ذروة الرشد الذي وصلت اليه سلالات بني آدم وآخر يحن الى الخوازيق العثمانية وصولاتها الهمجية.
الأزمة المصرية سياسية وليست أمنية
بقلم: عبدالله الأيوبي عن اخبار الخليج البحرينية
من السابق لأوانه التكهن بما سوف تؤول إليه الأحداث الجارية في مصر حاليا خاصة بعد إعلان الرئيس محمد مرسي حالة الطوارئ في محافظات القناة الثلاث وهي بورسعيد والسويس والإسماعيلية التي شهدت أكثر من غيرها من المدن المصرية اضطرابات وصدامات بين المحتجين وقوات الأمن بعد أحكام الإعدام التي صدرت فيما سمي «بمذبحة ملعب فريق المصري البورسعيدي» واستمرت وتصاعدت وانتقلت إلى القاهرة مع بدء استقبال الشعب المصري للذكرى الثانية لثورة الخامس والعشرين من يناير، وهي المناسبة التي كان من المفترض أن تخرج خلالها الجماهير المصرية رافعة ورود الفرح بالانتصار لا مواجهة حالات من القمع والقتل ليعيد إلى ذاكرتها أحداث ما قبل نجاح الثورة.
صعوبة التكهن بخط مسار الأحداث التي تشهدها مصر في الوقت الحاضر لا يعني انعدام الرؤية للوصول إلى معرفة أولية تدل على هذا الاتجاه الذي من المرجح أن تسلكه هذه الأحداث، وتقديم قراءة أولوية للاتجاه المتوقع أن تسفر عنها من نتائج، ليس مستبعدا أن تؤثر على الخريطة السياسية في مصر، رغم إعلان حالة الطوارئ ودعوة الرئيس مرسي الموجهة إلى القوى السياسية المصرية للبدء في حوار وطني يساعد على الخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.
ومع أن محافظات الشمال شهدت درجات أعلى من الحدة في الاشتباكات وسقوط العديد من القتلى والجرحى جراء ذلك، وإن كانت مقدمة تلك الأحداث جاءت على خلفية الأحكام القضائية الخاصة بأحداث مباراة المصري البورسعيدي مع الأهلي القاهري، إلا أن ما حدث في القاهرة من تظاهرات وصدامات واستمرار حالة الاحتقان السياسية وعدم الاستقرار الأمني يؤكد أن المشكلة الكبرى التي تواجه مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير هي مشكلة سياسية خالصة، ومن غير المستبعد أن تختلط معها المشاكل الأخرى لتزيد من الطين بله، كما يقول المثل.
لكن القلاقل الأمنية التي تشهدها مصر حاليا ما هي إلا نتاج لطبيعة المأزق السياسي الذي تسببت فيه القيادة المصرية الجديدة بعد أن «استعجلت» الاستحواذ على ثمار الثورة التي شاركت فيها جميع مكونات الشعب المصري وليس مكونا سياسيا أو أيديولوجيا واحدا، حيث ظهر ذلك جليا خلال الخطوات التي سلكتها القيادة الجديدة للوصول إلى الدستور الحالي الذي هو جزء من هذه المشكلة وأن الإصرار على التمسك به ومن ثم إقراره صعد من حالات عدم الثقة بين الأطراف المختلفة مما جعل الوضع في مجمله مسرحا للتصعيد والانفجار في أي لحظة .فالأوضاع في مصر ليست مرشحة للتطبيع خاصة بعد رفض القوى السياسية المؤثرة في الساحة المصرية الدعوة الصادرة عن الرئيس مرسي وتحميلها السلطة السياسية الجديدة مسئولية الدماء التي أريقت خلال المواجهات الأخيرة وكذلك المواجهات التي اندلعت على أثر إصدار الرئيس مرسي إعلانه الدستوري الأول وما تلا ذلك من إقرار للدستور (الإخواسلفي) الذي وضعته الجمعية التأسيسية التي غلب على تشكيلها ممثلو جماعة الإخوان المسلمين وأشقاؤهم السلفيون، إن بذور الأزمة الحاصلة في مصر حاليا هي من صنيعة القوى التي أرادت أن تسرع في تنفيذ سياسة الإقصاء والتهميش باستخدام أدوات ومفاتيح تشريعية.
الجميع، وخاصة الحريصين على مصلحة ومستقبل مصر وشعبها العزيز على قلوب أبناء الأمة العربية كلهم، يتفقون مع ما ذهب إليه الرئيس محمد مرسي في خطاب إعلان حالة الطوارئ في المحافظات الثلاث من «أنه لا بديل عن الحوار بين أبناء الشعب المصري، وهو السبيل الوحيد للعبور بمصر إلى الاستقرار والأمن»، وهذا بالضبط ما كانت تدعو إليه القوى الوطنية المصرية التي شاركت في الثورة وقدمت أبناءها وقودا لإنجاحها، وقد لاقى موقف هذه القوى الداعي للحوار قبل إقرار الدستوري (الإخواسلفي) الصد والتجاهل من جانب القيادة الجديدة في مصر ومناصريها من تيار الإخواسلفيين.
فالذين خرجوا إلى الشوارع في الذكرى الثانية للثورة الشعبية المصرية، لم يخرجوا من أجل زعزعة استقرار بلدهم الذي ضحوا من أجله وتحملوا التنكيل والقتل على أيدي قوات ورجال أمن النظام السابق، وإنما خرجوا من أجل عدم مصادرة الحقوق التي ضحوا من أجلها، فهذه حقيقة يجب أن تعترف القيادة الجديدة بوجودها وبمشروعية المطالب التي ترفعها الجماهير المصرية في مختلف المدن المصرية، فالقضية أكبر من احتجاج على الأحكام القضائية التي تثار الآن حولها شبهة التسييس، وإنما القضية الأكبر من ذلك تتمحور حول تحقيق الأهداف الجامعة للجماهير المصرية وليست تلك الأهداف ذات المنفعة العقدية والأيديولوجية الحزبية.
مرسي يحقق حلم موشيه دايان
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
"اذا استطعنا إسقاط عسكر عبدالناصر وإيصال الاخوان المسلمين الى سدة الحكم فسنشم رائحة الموت والدماء في كل بقعة من مصر, فلتكن تلك غايتنا وحربنا بمساعدة الاصدقاء الاميركيين". هذا الكلام ليس لسياسي عربي, بل لموشيه دايان, وزير الحرب الاسرائيلي عام 1968, وما قاله قبل 45 عاما يتحقق اليوم على أرض مصر بعد ان أمسكت جماعة الاخوان المسلمين بزمام الحكم, وراحت تسعى الى إنشاء ديكتاتورية جديدة مغلفة بالشعارات الالهية والدينية.
طوال العقود الماضية كانت كوادر الاخوان المسلمين تربَّى في أحضان الاستخبارات الاميركية والبريطانية, وترضع من الثدي الاسرائيلي حتى ما بعد الفطام, وما شهدته مصر في الاشهر الاخيرة من فوضى وانفلات توج باعلان مرسي حال الطوارىء في بعض محافظاتها أليس بمثابة ترجمة لأمنيات دايان? فما أعلنه الرئيس المصري في خطابه الاخير بقوله:" حقنا للدماء, وحفظاً للأمن ضد مثيرى الشغب, قررت إعلان حالة الطوارئ بمحافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية", لم يكن حقنا للدماء إنما هو هدر لها لأنه منح القوات المسلحة سلطة اعتقال كل من يخالف قراره, هارباً بذلك من عدم تلبية مطالب شعبه الذي خرج بالملايين الى الشوارع لاسقاط "حكم المرشد".
بدلا من ان يقول مرسي للناس الذين يخاطبهم بـ "أهلي وعشيرتي" في خطبه:" حقنا للدماء قررت التنحي من رئاسة الجمهورية", نراه يجر مصر الى حيث أراد دايان, ويعلن حال الطوارىء, هذه الطوارىء التي كان ينتقدها طوال حكم الرئيس السابق حسني مبارك, علما ان مصر, وقتذاك, كانت تعيش أجواء حرية تعبير عن الرأي أكبر بكثير مما هي عليه حاليا, بل ان مئات التظاهرات كانت تخرج في مختلف مدنها من دون اي اشتباكات بين أنصار الحزب الوطني والمتظاهرين كما هي الحال اليوم مع جماعة الاخوان المسلمين وأنصارها في التيار السلفي وغيرها من القوى الاسلامية.
اعتدنا طوال العقود الماضية ان تكيل جماعة "الاخوان" ومعها التيارات الدينية بمكيالين, بل إنها جعلت للدين مكاييله الخاصة ليصبح أداتها في الاغتيال والتخريب والتآمر, وها هي اليوم وبلسان ممثل المرشد في رئاسة الجمهورية تعلن حال الطوارىء ومنع التجول لوقف سيل الغضب الشعبي من ان يهدم أسوار نظامها الذي تشيده بالجماجم والاشلاء لأن مصر في حساباتها ليست أكثر من عزبة لها وشعبها عبيد المرشد, ولا حق لهم بالاعتراض على إرادته التي يتصورها إرادة إلهية كما هي حال سدنة القمع الايراني الناهل من معينهم في الحكم والسلطة.
نسي مرسي ان هذا الشعب هو من مهد له الطريق للوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية, وان الثوار الذي طمحوا الى مصر جديدة هم من قدم التضحيات الغالية لاقتلاع الفساد الذي عشعش في مؤسسات الدولة, وليس للإتيان بمن يعتبر الشعب قاصرا يحتاج الى مرشد يقوده, ولا من يستبدل ب"فساد إلهي" فساد بعض المسؤولين إبان حكم الرئيس حسني مبارك.
كل مرة يريد مرسي ان يكحلها يعميها, ففي كل خطبه وتصريحاته منذ بدء الازمة استخدم لغة التهديد والوعيد, و وجه الاتهامات الى القوى الخفية التي تريد النيل من مصر, وهي حجة المحكوم بهاجس المؤامرة الذي تربى على التآمر والخداع, بينما الحقيقة ان الشعب المصري كفر, ومنذ الايام الاولى لحكم "الاخوان", بهم لما ارتكبوه من جرائم ضد الدولة والشعب.
المثير للسخرية ان مرسي جعل من نفسه الخصم والحكم فيما الخصام معه, فالذي شدد في خطابه الأخير على احترام أحكام القضاء كان أول من هتك أستار القضاء وتعدى عليه حين تدخل فيه وعين محازبيه في بعض المواقع لاغيا استقلال هذه السلطة التي لم يسبق لأي رئيس مصري ان مسَّ بها. فلو كان مرسي فعلا يحترم إرادة الشعب المصري لتنحى منذ اللحظة الاولى التي تظاهر فيها ملايين المصريين ضده مطالبين برحيله, ولم يأمر القوات المسلحة باعتقالهم, كما لم يغض الطرف عن أنصاره عندما أطلقوا النار على المتظاهرين, لكن يبدو ان ما قاله يوماً المتنبي يعكس حال مرسي ويعبر عنه أصدق تعبير:
أُعِيذها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ"
فالحاكم الذي تستوي عنده الانوار والظلم لا يرى شعبه إنما يرى كرسي الحكم فقط, حتى لو كانت قوائمها من عظام أبناء وطنه.
عن الهوية.. والدولة
بقلم: عبدالله دوبلة عن الصحوة اليمنية
لا الهويات الكبرى معيار لنشوء الدول الكبيرة، ولا الهويات الصغرى معيار موضوعي أيضا للتفتت إلى دويلات أصغر. في الأخير ليست الهويات ذلك المعيار السياسي الذي أتت منه الدولة الجديدة الآن.
ربما أحتاج هنا إلى شرح سريع لمفهومي عن الدولة القديمة والجديدة، وهو ما أقصد به ذلك التحول على شرعية الدولة من شرعية (الملك عن الإله، أو الملك عن عصبية القبيلة والأسرة) إلى شرعية (المواطنين) من خلال العقد الاجتماعي للدولة (الدستور) للتعبير عن مفهوم الدولة الجديدة، والتي تظل رغم ذلك التقدم على مفهوم شرعية الدولة تحتفظ لمسألة وجودها وسيادتها الجغرافية بما ورثته عن الدول القديمة، وهو ما تعبر عنه الدول الآن في مفهوم احترام سيادة الدولة على أراضيها ووحدتها، والتي لا تكون عادة أراض خالصة لهوية أو قومية واحدة، حيث هناك دول من (هويات) عدة، كما أن هناك هوية واحدة تتوزع على عدة دول.
ولا علاقة هنا بين تشكل دولة من هوية واحدة أو توزعها على دول عدة وبين مسألة حداثة تلك الدولة سياسيا أو تخلفها.. فأن تكون الدولة حكرا على هوية واحدة، ليس هو المعيار على التحول إلى الدولة الحديثة والرشيدة، بل هو ربما إرث قديم عن الشوفينية الأوروبية فترة انتعاش الأحزاب والحركات (القومية) كالنازية والفاشية، والقومية هنا في المفهوم الأوروبي لا تتطابق مع مقابلها في المفهوم العربي عن القومية، بل هي ربما أقرب لمفهوم (الوطنية القطرية عندنا، أو الأمة الصغيرة القائمة على العرق). ربما لو قلنا ( القومية المصرية) باستثناء أهل النوبة في الجنوب وبدو سيناء والواحات الغربية ومن لهم أصول عربية أو عرقيات أخرى ليست أصيلة عن العرق الفرعوني المصري القديم، من سكان الدولة المصرية الآن. مثلا.
فالدولة الأمة أو الدولة الشعب، دولة الهوية، هو مفهوم قديم وموروث عن الدولة القديمة (شرعية الملك عن سلطة الله، أو الملك عن سلطة القبيلة أو الأسرة والتغلب بها، أو الشعب الأمة في حالة واسعة من تلك العصبيات القديمة التي كانت تنشئ الدول القديمة ليس إلا. فيما يمكن القول أن دولة المواطنين هي التوصيف الأنسب لتعريف الدولة الجديدة.
إبعاث الهويات الأكثر صغراً الآن عن هويات أصغر كمعيار للمطالبة بالاستقلال والحصول على دويلات جديدة على أساس الهوية، هو مؤشر مهم لمعرفة تلك الدول الفاشلة في التحول إلى دول جديدة، حيث معيار (المواطنة) في بنية الدولة ووظيفتها هو الحكم، غير أنها أيضا الدولة الهوية ليست البديل الأفضل لفشل الدولة، حيث لا تعبر ولن تعبر في ذاتها عن حالة سياسية متقدمة لحداثة السياسة والدولة، بقدر ما هي حلقة أخرى ومكررة عن الصراعات القديمة حول مفاهيم السلطة والدولة والعصبيات التي تظل وستظل تتوالد باستمرار حول مفهوم الهوية، من هوية إلى هوية أصغر مع كل جولة صراع..
فالهوية ذاتها مسألة ملتبسة، ومن الصعب فعلاً قياسها، أو القياس بها لتفصيل دولة، في حالتنا اليمنية مثلا صحيح أننا لسنا متشابهون تماماً، غير أننا لسنا مختلفون تماماً بذلك القدر الذي يجعل العيش المشترك في دولة واحدة صعبا أو مستحيلا. أو حتى يمكن معه الرسم والتخطيط لدويلات هويات واضحة من هنا تبدأ هويتك أو هنا تنتهي هويتي.
حتى التاريخ السياسي للدول لا ينفع كمعيار لدعم فكرة الدولة الواحدة، بذات القدر الذي لا ينفع لرسم خطوط لدويلات متعددة أيضا. و لا أدري من أين أتى ذلك الإحساس أن اليمن كانت دولة واحدة، لا أتكلم هنا عن الساسة في دولتي الجنوب والشمال قبل الوحدة بل عن ذلك الإحساس والوعي الشعبي الطاغي بالوحدة، مع أن اليمن الجغرافية لم تشهد منذ مئات السنين دول مركزية إلا نادرا. مع أن حتى هذا ليس شرطا مانعا لآن تكون أي بلد دولة واحدة.
في الواقع ليس هناك أي دولة في هذا العالم متقدمة كانت أو متخلفة، تحظى بذلك الاستقرار التاريخي لهوية وجغرافية الدولة التي هي عليه الآن. ليس هناك أي دولة تحظى بهذا الاطمئنان التاريخي للأسف.
وحدها تلك الدول الجديدة والمتحولة إلى دول (المواطنة) من تحظى بفرص أكبر لإدارة الاختلاف البشري الفطري وصراعهم الدائم على الحقوق، والمصالح، والكرامة.
كعرب عموماً.. فوّتت علينا مسألة الهويات، (الكبرى) وشعاراتها في القرن العشرين فرصة بناء دول حديثة ورشيدة، وأخشى أن تفوتها الآن الهويات (الأصغر). فالمواطنة لا الهويات هي ما تحتاجه الدول لتكون رشيدة ومستقرة الآن.
هذا النبي.. لا يعرفكم.. ولا تعرفونه
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
حين أقرأ المادة الثانية من الدستور “الإسلام دين الدولة”.. أسأل نفسي: وهل الدولة التي دينها الإسلام موجودة فعلا؟ أم أنها مجرد دولة على الورق؟ وفي أحسن الظروف دولة مناسبات؟
أسأل عنها.. وأحاول العثور عليها في أي مكان.. أبحث عنها في طيات خمسين سنة من التاريخ فلا يتجلى لها أثر.. وأسلط عليها المجهر والتلسكوب فلا تبين.. أنقب عنها في دفاتر الحكومة فلا أحس أنها معنية بها.. أنادي عليها بأعلى صوتي فلا يرتد إليّ صداها.
وعندما أيأس.. أراجع نفسي وأقول.. لعلّي أبحث عن الدولة الخطأ.. في الزمن الخطأ.. وفي المكان الخطأ.. فالدولة التي دينها الإسلام.. قد تكون ـ في عرفهم السياسي والأخلاقي ـ هي الدولة التي تسمح باستيراد الخمور وتوزيعه على البائعين والشاربين.. وتتغاضى عن الفاسدين واللصوص ومزوري الانتخابات.. ولا تأخذ على أيدي المرتدين والمارقين.. ويتزاحم فيها المنافقون والدجالون.. ولا تعرف من الإسلام إلا بعض الأشكال المطلية بطبقة رقيقة من المظاهر الخادعة.
هذا على المستوى الرسمي.. أما على المستوى الشعبي.. فحال الإسلام ليس أفضل من حاله مع الحكومة.. فالعبرة ليست بالعناوين.. ولكن بالجوهر.
عندما قال اليهود للمسيح عليه السلام “نحن أبناء إبراهيم”.. رد عليهم “إن الله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة أبناء لإبراهيم”.. وعندما قالوا لنبينا (.. نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).. أجيبوا (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ.. المائدة 18).
اليوم يجسد هؤلاء اليهود والنصارى.. أكبر حالة زيف بشري في تاريخ الانتماء إلى دين سماوي.. فلا موسى ولا عيسى عليهما السلام يعرفان هؤلاء.. ولا هؤلاء يعرفون موسى وعيسى.. هم أتباع إبليس لا أكثر.
بمَ نختلف نحن مسلمي اليوم عن هؤلاء؟ وهل نحقق في حياتنا الخاصة والعامة معاني الانتماء الحقيقي للإسلام؟ ونمثل في سيرتنا حالة علاقة صادقة بنبينا الكريم أم هو مجرد ارتباط مغشوش؟
لندع الكلام جانبا.. ونأتي إلى الأفعال: هل يكون المسلم متخلفا، فاسدا، مستبدا، جاهلا، زائفا، مزورا، سلبيا، عدوانيا، هامشيا، عديم الفعالية؟
هل يكون المسلم سارقا للمال العام، مغتصبا لثروات الشعب، مضيعا للأمانة، خائنا للثقة، وسخ المظهر والمخبر، فوضويا، كذابا، ظالما، مجرما، منافقا؟
هل يقبض المسلم الرشوة أو يمنحها؟ هل يشرب الخمر أو يبيعها؟ هل يتاجر في المخدرات أو يتعاطاها؟ هل يبيح الربا والكسب الحرام لنفسه ولغيره؟ هل يقايض وطنه مقابل عمولة وسخة تصب له في حساب خارجي؟ هل يذل أمام صعاليك العالم من الملحدين والإباحيين؟ هل يستورد البضائع المغشوشة ليسمم الناس أو يقتلهم بها في الطرقات؟ هل يسمح للغير بانتهاك حرمة بلده بسبب الخوف أو بداعي العمالة؟
هل يمتنع المسلم عن أداء الزكاة المستحقة؟ أو عن أداء الضريبة العادلة لخزينة الشعب؟ هل يكون المسلم تكفيريا يوزع بطاقات الطرد من رحمة الله؟ أو إرهابيا يفجر القنابل وسط الآمنين ويزرع الرعب في كل مكان؟ أو مفتريا على دين الله يفتي بجهله أو هواه؟ وهل.. وهل..
بالإجماع.. لا يكون المسلم هكذا.. وهذه ليست صورته.. وعندما يحصل ذلك.. يكسر حلقة الوصل بينه وبين هذا النبي العظيم.. وينتقل سريعا إلى المربع الآخر.. أعني إلى حالة الزيف القصوى.. حين يقول ما لا يفعل.. ويخفي ما لا يظهر.. ويدعي ما ليس حقيقة.
ثمة خلق استثنائي كان يطبع سيرة نبينا.. تكاد تخلو منه حياة المسلمين.. أعني به اللين والرحمة والرأفة.. فلم يعرف عنه أنه كان غليظ القلب كالصخرة.. (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ـ التوبة 128).. لم يضرب أحدا بيده.. ولم يوبخ أو ينتهر خادما.. إلا ما كان انتصارا لدين الله.. ولم يكن فظ اللسان، أو بذيء المقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ… ـ آل عمران 159).. كان يأسى لآلام الآخرين وأحزانهم.. يأخذ بأيديهم إن عجزوا.. ويعينهم على النهوض إن سقطوا.. ويلملم جراحهم إن أصابهم قرح.. ويدعو الله لهم بكل خير.. فأين نحن من هذا يا ترى؟
القوي يلوي رقبة الضعيف.. والفاسد يأخذ بخناق المصلح ويرميه في السجن.. والغني لا يغنيه ما في يده.. فيسلب حق الفقير والمسكين.. لا يحجزه عن ذلك حرام أو سحت.. لا أحد يلتفت إلى معاناة أحد أو يشعر بضيق حاله.. ولا أحد ينصت لأنات معذب أو مكلوم.
يقتلون بعضهم بعضا.. ويعذبون بعضهم بعضا.. ويستنجدون بالأجنبي ليفتكوا بأبناء بلدهم.. لا ينصرون مظلوما.. ولا يكبحون جماح ظالم.. المتخمون منهم يموتون من التخمة.. والمعدمون يموتون جوعا.. وأصحاب الكراسي لا ينتبهون إلى حال المهمشين والضعفاء ممن يقبضون أجورهم بأسمائهم.
وفي النهاية.. قد يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم.. ويستغفرون الله.. ويحمدونه على خيره.. وقد يعتمرون كل سنة مرة أو أكثر.. وربما قالوا نحن في الجنة.. وغيرنا في النار!!
بما نحن عليه.. تقوم بيننا وبين نبينا مسافة بملايين السنين الضوئية.. مسافة تحكمها في الغالب علاقة عكسية.. ولأننا تبدلنا.. واكتسبنا جلودا جديدة.. ولغة جديدة.. وقلوبا جديدة.. لا يعرفها هو.. فإنه بالنتيجة لا يعرفنا.. وبزيفنا ولون حياتنا.. نحن نثبت أننا لا نعرفه.. ولو أضأنا مليون شمعة من حولنا في ليلة مولده.. نحن لا نعرفه.. لأننا أطفأنا كل الشموع التي أضاءها فينا.. ومضينا في طريق ليست هي طريقه.
«الربيع» يزهر خيبة... ودما!
بقلم: مراد علالة عن الصحافة التونسية
في نفس المكان الذي تحدث فيه الرئيس الامريكي باراك أوباما منوها بالثورة التونسية في يوم من الأيام، وتفاعل معه جميع نواب الشعب الأمريكي الذين انتفضوا بدورهم ووقفوا وصفقوا طويلا على غير عادتهم للشعب التونسي الذي أزاح رمزا من رموز الدكتاتورية في العالم، حضرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون هذه الأيام بعد ان شفاها الله، وقدمت شهادتها في الكونغرس الأمريكي بالذات حول واقعة سحل السفير الأمريكي في بنغازي وأطلقت العنان لأحكام معهودة ألقاها من الادارة الامريكية التي «لن تترك شمال افريقيا والشرق الأوسط للارهابيين» أو غير الارهابيين.
هيلاري كلينتون صارحتنا بأن بلادها في حالة «صراع ضروري» وتحدثت أيضا عن تزايد تهديد الاسلاميين في أنحاء المنطقة وكشفت علمها بأن سلاح ما يسمى بالثوار في سوريا أو المجاهدين في مالي مأتاه ليبيا...!
وقد كان بالامكان أن ينزل علينا هذا الكلام بردا وسلاما ونحن نحتفل بذكرى 14 جانفي في تونس و25 يناير في مصر و17 فبراير في ليبيا و18 آذار في سوريا لو كانت نوايا وأفعال أمريكا في المنطقة نقية ونزيهة وداعمة حقيقية لإرادة الشعوب العربية في التحرر والإنعتاق ولو لم تستهن هذه الدولة العظمى في لحظة ما بانتفاضاتنا وضحت بالقيم والمبادئ من أجل مصالحة انتهازية ومشبوهة مع جماعات الإسلام السياسي المتلحفة بعباءة الدين والمنتفخة بخراج النفط والغاز والخانعة لتعاليم «زعماء الأمة الجدد» في الخليج العربي.
ولا تقف أمريكا وحيدة في جبهة المعادين والمنافقين والغادرين لشعوبنا، فها هي بريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها من الدول الغربية تأمر رعاياها بمغادرة مدينة بنغازي الليبية بالذات مهد ما أسموه ومولوه ودعموه ووصفوه بـ«الثورة» قبل عامين للاطاحة بمن وصفوه ايضا بالدكتاتور الراحل معمر القذافي!.
أهذا الربيع الذي بشرونا به في بنغازي أو في عموم ليبيا التي لا سلطان فيها اليوم للأمن والأمان كما يقال ولا وجود لدولة أصلا تفي بما يتطلبه منها شعبها؟
وحتى في سورية الأبية، هاهم اليوم بعد ان جروا شعبها للاقتتال، يتنصلون من مسؤولياتهم في حماية اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف لا انسانية عند «الاشقاء» في دول الجوار، والادهى من ذلك انهم بدؤوا يكتشفون ان مراهنتهم على المعارضة السورية المسلحة كالرهان على حصان خاسر أو كما قال أحد الساسة التونسيين رهان على نمر صغير، وجد الحظوة والرعاية والمال والسلاح وإعلام العار الحقيقي، ولمّا بدأ يكبر شرع في سحب واتهام من أطعموه وأغدقوا عليه الثناء و التبشير بالديمقراطية والرفاه والتسامح والسلم والنماء. وها هي فلول الجهاديين تقضّ مضجع الغرب في شمال افريقيا والشرق الأوسط وتذكره بأن «ربيعهم»يزهر ارهابا وعنفا وحقدا وفقرا وجهلا أقصى وأقسى من شتائهم القارس المقيت.
وليس مصادفة، أن تكون الخيبة والبرودة سمة الاحتفالات بـ 14 جانفي في تونس، ويكون الدم علامة فارقة في احتفالات مصر بثورتها أيضا ومن يدري كيف سيكون حال الأشقاء في ليبيا في غضون أسبوعين من الآن، دون أن ننسى حال ملايين السوريين الذين تاقوا للخروج من الدكتاتورية الحاكمة فزج بهم في دكتاتورية العناء والاستغباء!.
ولأن في شعوبنا ايمان قوي بالوطن وايمان اقوى بارادة الحياة، فإن أبطال ميدان التحرير في مصر او ساحة القصبة بتونس او غيرها من ساحات وشوارع العزة في بلداننا يدركون بأن ثوراتهم لم تكتمل وان انتصاراتهم الأولى سرقت منهم او حولت وجهتها والأهم من ذلك انهم واعون بأن الثورة دائمة اولا تكون والثورة التي لا تغير الواقع الذي هو ليس على ما يرام لا ترتقي الى ثورة وتظل سحابة ربيع فقط!
استخدام تكتيكات الحرب الباردة لمواجهة إيران
بقلم: دانييل بيبس عن واشنطن تايمز/ ترجمة جريدة عٌمان
بينما يسعى الأمريكيون لإيجاد بديل للخيار الصعب بين قبول امتلاك إيران للأسلحة النووية وتوجيه ضربة استباقية لمنشآتها النووية، يخرج أحد المحللين ليقدم طريقا ثالثا، الشيء المثير فيه أنه مستوحى من سياسة سابقة انتهجتها الإدارة الأمريكية ضد عدو مختلف- إنها أسلوب تعامل إدارة الرئيس ريجان مع الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من أن هذا النموذج غير مرجح في الوقت الراهن، إلا أنه يوفر فكرة تستحق الدراسة.
يقول القاضي الأمريكي السابق أبراهام سوفير والمستشار القانوني لوزارة الخارجية، وحاليا زميل بمعهد هوفر، في كتابه الذي يحمل عنوان «التعامل مع إيران: القوة والدبلوماسية والتهديد الإيراني» أنه ومنذ سقوط الشاه خلال إدارة الرئيس كارتر، استجابت واشنطن للعدوان الإيراني بتطبيق عقوبات غير فعالة وتوجيه تحذيرات وإدانات خاوية لا طائل منها.
لم تركز الحكومة الأمريكية، كما يقول سوفير، منذ عام 1988م على القوة العسكرية الإيرانية التي تحمي النظام الإسلامي للدولة وتنفذ الهجمات في الخارج. هذه القوة تسمى الباسداران أو سيباه باللغة الفارسية، وتسمى باللغة العربية الحرس الثوري الإيراني. أنشئت هذه القوة الخاصة التي يبلغ تعدادها حوالي 125000 جندي في عام 1980، وتلعب دوراً كبيراً في الحياة السياسية والاقتصادية الإيرانية. وتمتلك جيشاً خاصاً بها ووحدات تابعة للقوات البحرية والجوية، وتتحكم في برامج الصواريخ البالستية وتشترك في إدارة البرنامج النووي الإيراني. كما أن هذه القوة تدير قوات الباسيج التي تطبق الأعراف والعادات الإسلامية في إيران. علاوة على ذلك، فإن قوات الحرس الثوري الإيراني أكثر أهمية من قوات الجيش النظامية، ويتولى عناصر قوة القدس التي يبلغ قوامها 15000 جندي مهمة نشر الثورة الخومينية في الخارج من خلال التسلل والاغتيالات. كما يشغل خريجوها مناصب مهمة في الحكومة الإيرانية.
لعبت قوة الحرس الثوري الإيراني دوراً مهماً في الهجمات التي تعرض لها الأمريكيون وحلفاؤهم ومصالحهم، لا سيما بمشاركة أتباع الحرس الثوري الإيراني وشركائه بمن فيهم حزب الله وحماس وحركة مقتدى الصدر وطالبان والقاعدة. أما عمليات الحرس الثوري الإيراني فتتضمن تفجير ثكنات البحرية الأمريكية والسفارة الأمريكية في لبنان عام 1983، وتفجير أهداف يهودية في الأرجنتين عامي 1992، 1994، وتفجير بنايات الخبر في عام 1996، ومحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن في عام 2011، وتزويد حركة حماس بالصواريخ في حربها مع إسرائيل في عام 2012. –على حد زعم الكاتب-.
لقد أسفرت عمليات الحرس الثوري الإيراني عن مقتل ما يزيد عن 1000 جندي أمريكي والعديد من أفراد القوات المسلحة من دول أخرى فضلاً عن سقوط عدد من المدنيين أيضا. وقد أدانت الحكومة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني كما أعتبرته مسؤولا عن نشر أسلحة الدمار الشامل.
ينادي سوفير باتباع نهج دقيق ذي شقين تجاه طهران يتضمن «مواجهة الأعمال العدوانية التي ينفذها الحرس الثوري الإيرانية مباشرة والتفاوض مع إيران».
المواجهة تعني أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن «تستغل كافة الخيارات المتاحة لها لكي تتمكن من كبح الحرس الثوري الإيراني وإضعافه مع عدم توجيه أي ضربة استباقية على المواقع النووية الإيرانية». يقول سوفير: إن القوات الأمريكية لديها الحق بل وينبغي عليها استهداف مصانع الأسلحة ومنشئات تخزينها، وكافة المرافق التابعة للحرس الثوري الإيراني مثل قواعده وموانيه وشاحناته وطائراته وسفنه وشحنات الأسلحة التي يتم تصديرها فضلاً عن وحدات الحرس الثوري الإيراني. والهدف من كل هذا كما يقول سوفير ليس مجرد قمع أعمال العنف التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني فحسب، وإنما تقويض مصداقيته ونفوذه، وإقناع إيران بالتفاوض بشأن برنامجها النووي في أقرب فرصة ممكنة.
أما التفاوض فيعني الحديث إلى إيران حول القضايا العالقة بدلا من محاولة معاقبتها دونما أي اكتراث بالعواقب. وقد نقل سوفير عن المبعوث الأمريكي السابق إلى أفغانستان جيمس دوبنز قوله، «لقد حان الوقت لكي نطبق على إيران تلك السياسات التي مكنتنا من الانتصار في الحرب الباردة، وحررت حلف وارسو، وأعادت توحيد أوروبا: تلك السياسات تتضمن الانفراج والاحتواء، والاتصال حالما كان ذلك ممكناً، والمواجهة عند الضرورة. لقد تحدثنا إلى روسيا في عهد ستالين، وتحدثنا إلى الصين خلال فترة حكم ماو. وأدى الحديث المباشر الحالتين إلى حملهما على تغيير نظاميهما وليس نحن. لقد حان الوقت للحديث إلى إيران بدون أي شروط بحيث تكون المفاوضات شاملة.» ويرى سوفير أن الدبلوماسية هي المحرك الذي يحول الطاقة الخام والقوة الملموسة إلى نتائج سياسية مهمة».
يقول سوفير عندما تسير المواجهة والتفاوض عندنا جنباً إلى جنب، فإنهما سوف يمثلان ضغطاً كبيراً على طهران لتحسين سلوكها بوجه عام (على سبيل المثال، فيما يتعلق بالإرهاب) وربما يؤدي ذلك إلى إغلاق البرنامج النووي، في حين تبقى الضربة الاستباقية على الطاولة إذا فشلت كافة الجهود الأخرى.
في تقديمه لكتاب «الحديث إلى طهران» أشار وزير الخارجية السابق جورج شولتز إلى أنه يعتبر فكرة سوفير كبديل كان ينبغي العمل به منذ وقت طويل. وفي الحقيقة، لقد حان الوقت لمواجهة انتهاكات الحرس الثوري الإيراني بلغة القوة لأنها اللغة التي يمكن أن تساعد في تجنب المزيد من الحروب.
مسؤولية الاحتجاج والتظاهر
بقلم: احمد بوكيوض عن بيان اليوم المغربية
تميزت نهاية الأسبوع الماضي بدعوتين إلى التظاهر والاحتجاج . الأولى صادرة عن ما سمي ببيان 13 يناير وتدعو إلى «الثورة على الأوضاع» والثانية صادرة عن « 20 فبراير» وتدخل في سياق الوقفات التي دأبت عليها هذه « الحركة»، لكنها كانت « متميزة « بالعنف والمواجهات بمدينة سيدي افني . الدعوة الاولى لم تحظ بأية استجابة، وسجلت وسائل الإعلام أن كل المدن المغربية كانت تعيش حياتها العادية و لم يظهر أي أثر ل « الثورة» المزعومة، بل إن بعض المواقع الإخبارية أفردت حيزا كبيرا للتهكم والسخرية من تلك الدعوة ومن «الثوار» الأشباح .
هذه الدعوة، في شكلها ومضمونها، ما كان لها أن تلقى غير هذا الموقف. وهو موقف يعبر عن نضج ووعي الشباب المغربي، وكل المواطنين الذين تجاهلوا تلك الدعوة المشبوهة والصادرة من جهات افتراضية واهمة وشبحية .
كما أن هذا الموقف الواعي يشكل رسالة لكل من تذهب به الأهواء إلى ممارسة هواية الاستهتار والتلاعب بوسائل الاتصال وخلق البلبلة في المجتمع .
بالنسبة إلى الدعوة الثانية فقد أفضت في سيدي افني إلى أحداث عنف و مواجهات بين المحتجين والقوات العمومية، وهي أحداث لها سابقاتها وتذكر بالخصوص بما عرفته المدينة من اضطرابات وعنف سنة 2008 . ويبدوا أن « 20 فبراير» مجرد يافطة يتخفى وراءها الفاعل والموجه الحقيقي للأحداث .
كما أن هذه الأحداث بحجمها وعنفها لا يمكن تفسيرها بقوة أو قدرة «20 فبراير» بالمدينة أو الإقليم، فهذه «الحركة» تقلصت، إن لم نقل اندثرت وانتهت، منذ الانسحابات المعروفة .
ان أحداث يوم الأحد الماضي، وعودة الاحتقان إلى الأجواء بهذه المدينة، فسرته التقارير الصحفية ,الواردة من هناك، بأكثر من سبب يتعلق بالأساس بتلبية مطالب اقتصادية واجتماعية، وتنفيذ بعض الوعود والالتزامات. ونحو هذه المطالب والقضايا كان ينبغي ان تتوجه الجهود لحلها ومعالجة أسبابها، واتباع أساليب الحوار والتواصل مع فئات السكان المعنية .
لقد لوحظ في المدة الأخيرة أن الحركات الاحتجاجية والمطلبية في المدن الصغرى أو البعيدة، على عكس الحواضر الكبرى، أصبحت تنتهي بالاصطدامات وأعمال عنف لا مبرر لها في دولة القانون والحقوق والواجبات « قبل افني كان هناك فكيك وسيدي يوسف بنعلي ووجدة ..». وتفرض مثل هذه الاحداث على كل السلطات والأطراف أن تتحلى بما يكفي من الحذر والتبصر لتجنب الوقوع في كل ما من شانه فتح الابواب امام موجات الاحتقان .
وبهذا الخصوص لوحظ كذلك ان ما وقع يوم الاحد الماضي تزامنت معه تصريحات احد البرلمانيين التي تتحدث عما ستقوم به الحكومة في موضوع التظاهر والاحتجاج، وقدمت وكأنها تصريحات باسم الحكومة او دفاعا عنها . فيما كانت كلها مركزة على أن « الدولة العميقة « ماضية في قمع الحريات، وأن ما يقع سببه يأتي من جهات داخل الدولة تشوش على ارادة الحكومة .
لانظن أن الحكومة في حاجة إلى «دفاع» كهذا. وهو على كل حال أبعد ما يكون عن أن يكون دفاعا أو تعريفا بما قامت به الحكومة أو ستقوم . إنه كلام يشكل هو بالذات تشويشا على المواطنين وعلى المشهد السياسي ويزرع الشك والتشكيك حتى في إمكانية ممارسات الحريات وحق الأفراد والجماعات في الاحتجاج والتظاهر .
إن المسؤولية اليوم تقتضي أن يكون كل مسؤول مسؤولا في كل ما يصدر عنه، سواء تعلق الأمر بمثل هذا البرلماني الذي يقال عنه انه «مثير للجدل» أو بالمسؤولين الذين يتعاملون مباشرة مع الحركات الاحتجاجية، أو السلطة الحكومية في كل مستوياتها .
ومن نافلة القول إن ممارسة حرية الاحتجاج والاعتصام والتظاهر في الشارع العام هي أيضا مسؤولية دقيقة تفترض من كل الأطراف تقديرها حق قدرها.
من الحديث عن أمن الوطن أصبحنا نتحدث عن أمن المدن
بقلم: د.موسى قريفة عن الوطن الليبية
لا جدال بان مفهوم الوطني مفهوما شاملا يمس كل العناصر والمستويات والمؤسسات التي تضمن أمن وسلامة الوطن، إنسانا وثرابا...وماء..وجوا ..فضاء. وقد بينت مجريات ويوميات الثورة الليبية، والتفاعلات الاجتماعية والسياسية التى نعيشها مند التحرير ضعف الوعى و الادراك الشعبي، والرسمي لمفهوم الامن الوطني أو القومي...البعض يرى الامن و يدركه و يقيمه من خلال أمنه الشخصي أو مستوى الامن في حيه أو شارعة أو مدينته في أحسن الاحوال... اليوم للاسف، أصبح الحديث عن تأمين مدينة بنغازي و طرابلس و سبها والكفرة ...و ..و ....عوضا لحديث عن أمن ليبيا...و ربما سنتحدث قريبا عن أمن و تأمين الشارع و الحي عوضا عن المدينة أو القرية....يا له من تسارع مخيف نحو المجهول الامني...
أصبحنا من الحديث عن أمن الوطن نتحدث عن أمن المدن!...هل يحصل لنا مثل ما حصل في التعامل مع تصفية مفهوم القضية الفلسطينية ..تم إختصار وإختزال فلسطين سياسيا وأمنيا في الضفة وغزة ...هل نمر بمرحلة تتخترل فيها ليبيا سياسيا وأمنيا لمدن...و أمن طرابلس و بنغازي وسبها والكفرة و..و ... ليسهل ابتلاعها سياسيا من قبل بعض الدول..ولتغييب الاحساس شعبي والرسمي بمفهوم الامن الوطني ... نعم أمن وتأمين المدن مهما جدا ..لكن لا يمكن حصول ذلك دون النظر اليه من خلال منطومة وطنية شاملة متكاملة تضم كل مستويات الامن الوطني...كما إن ما يحصل من إنحسار وتراجع لمفهوم الامن من المفهوم الوطنى للمفهوم المديني والمناطقي أمرا مفزعا سياسيا وأمنيا...أن يتراجع مفهوم وإدراك الامن الوطني الى أمن للمدن ، والى هذا المستوى المخجل...هل جاء ذلك نتيجة منهجية وعمل مخطط لاختزال ليبيا سياسيا وأمنيا ليسهل أبتلاعها من الدول الطامعة في أراضيها وثرواتها وان كان ذلك بعيد المنال الثروات بحكم بقاء الحالة الليبية معلقة تحت البند السابع بالامم المتحدة .
-1-
نتيجة لهذا الادراك الضعيف للامن الوطني أو القومي ظهرت مفاهيم جديدة ضيقة و بديلة عن هذا المفهوم و شموليته .ودلالاته الثقافية والسياسية والوطنية..هذه المدينة امنة..تلك غير امنة...و..و ..للاسف غابت الرؤية والنظرة الوطنية الواحدة للامن..و ربما يتضح ذلك من خلال التناول و التعاطى الضعيف لما حصل ويحصل في مالي وأبعاده وإسقاطاته الامنية والاجتماعية لسياسية على ليبيا، وما حصل بحقل الغاز الجزائري، و ما نُسب من تصريحات لرئيس الوزراء المصري ان كان صحيحا ...جميعها أحداثا تمس الامن الوطني بشكل مباشر أو غير مباشر ...و لكن ردود الفعل و التفاعل معها على المستوى الرسمي والشعبي كان ضعيفا باهثا و مرتبكا...اذا ما أستثنينا بعض المبادرات الذاتية التي قام ويقوم بها بعض من الثوار بالتوجه طواعية وبدوافع وطنية نحو الحدود الليبية المصرية أوالجنوبية أو الجزائرية لتعزيز الامن على الحدود، وتأمين حقول النفط برغم قلة الاسلحة و الامكانيات كما أكد ذلك قبل قليل رئيس جهاز حرس الحدود في مداخلة بنشرة بقناة ليبيا الاحرار.
على الليبيين والمؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية النظر الى الامن من منظور إستراتيجي وطني..أي انه لا معنى لتأمين وتوفير الامن و الاستقرار بالمدن والاحياء وحدود ليبيا غير مؤمنة ، والمصدر الوحيد الذي يدور عجلة إقتصادها الا وهو النفط ربما يكون مهددا عما قريب لا قدر الله... وعندها سنصل عنق الازمة وندخل نفق الفوضى الاجتماعية، و الاقتصادية ، والسياسية ...لا معنى لتأمين أي مدينة دون تأمين الحدود، وأمن ومستقبل الوطن وليبيا السياسي. يا سيادة رئيس واعضاء المؤتمر الوطني، ياسيد رئيس الوزراء لا يمكن تحقيق أمن المدن ما لم يتم تحقيق أمن ليبيا من منظور وطني شامل...ويجب إتخاد قرارات وطنية عاجلة بإقالة كل من يتبث أدائه قصر نظره الامني، وعدم قدرته على مواجهة إستحقاقات معركة بناء المنطومة والمؤسسات وثقافة أفراد وعقيدة الامن الوطني أولا.
-2-
على الذين يتحدثون عن أمن المدن و الشوارع والاحياء ، ان يعوا ان المدينة والحي، والشارع سيكون مظلما ومضطربا اذا لم نؤمن الحدود والمنافذ والشواطئ وحقول النفط ، وندرك أن الامن الوطني مسؤولية وطنية تقع على الجميع وليس على تلك المدن أو الواحات أو الثوار الذين يفزعون للقيام بذلك كفزعة وطنية دون مقابل، ومع ذلك يعانون للاسف من التهميش والاقصاء، وهم لا ينعمون بحياة المدينة الحضرية، ويذبرون ترحالهم وإقامتهم وأسلحتهم من أموالهم الخاصة...ويفترشون الارض ويتغطون السماء في هذه الليالي الشتوية القارصة...ويصارعون العواصف الرملية، ومخاطر الصحاري والتصدي لمهربي البشر والمخدرات والاسلحة. ..بينما نسمع تصريحات وشطحات ثورية ووطنية نارية لم تتجاوز ردهات فندق وقاعات ريكسوس..وفضائع سرقة المال العام، والصراع السياسي على السلطة والمواقع والوظائف ومفاصل القرار بالدولة.
" الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي " في قفص واحد
بقلم: شفيق أحمد علي عن النيلين السودانية
في العشرين من يناير الحالي 2013. . أقسم الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليمين الدستورية ، وأصبح رسميا رئيسا لأمريكا لفترة ثانية ممثلا للحزب "الديموقراطي" . . وفي أمريكا ـ كما نعلم ـ حزبان كبيران هما الحزب الجمهوري ، والحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس باراك أوباما
. . ومنذ 143 عاما في عمق التاريخ . . وتحديدا ، منذ عام 1870والأمريكان يتخذون "الحمار" شعارا لحزبهم الديموقراطي ، و"الفيل" شعارا لمنافسه الحزب الجمهوري. . فهل تعرف سبب اختيار الأمريكان للفيل ، أو للحمار بالذات ؟! وهل تعرف أيضا ، من الذي أبتكر أصلا هذه الشعارات.؟!!
نبدأ ـ أولا ـ بشعار "الحمار" الذي يرمز للحزب الديموقراطي . .ومبتكره هو رسام كاريكاتير أمريكي أسمه "توماس ناست". . وهذا الرسام كان عضوا بارزا في الحزب الجمهوري في ذلك الوقت . . وكان أيضا صديقا حميما لواحد من قادة الحزب الجمهوري أسمه "أدوين ستانتون". . وفي عام 1870 توفى ستانتون هذا ، وبدعوى أن السياسة هي فن "السفالة" ، ولا تعرف الأخلاق. . ظل الحزب الديموقراطي يهاجم منافسه "ستانتون" زعيم الحزب الجمهوري حتى بعد وفاته. . فما كان من صديقه رسام الكاريكاتير"توماس ناسيت" إلا أن رسم الحزب الديموقراطي ، علي شكل "حمار" يعتدي ويرفس بشراسة جثة أسد ميت ، ملامح وجهه هي نفس ملامح صديقه الجمهوري "ستانتون". .
وراح ناست يروج لهذا الرسم ، وينشره في العديد من الصحف الأمريكية. . وبعدها بأربعة سنوات فقط ، أي في عام 1874 . . أبتكر نفس الرسام "توماس ناست" شعارا مميزا للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه. . فرسم حزبه الجمهوري علي شكل "فيل" . . معتبرا أن الفيل حيوان ضخم ، يتسم بالهدوء ، والقوة ، والذكاء . . وهي صفات ـ في رأي ناست ـ يتصف بها حزبه الجمهوري . .
لكن المؤرخ الأمريكي موريس بيرمان ، في كتابه الأخير( أمريكا : نهاية الإمبراطورية ) وضع كل من الفيل الجمهوري ، والحمار الديموقراطي في قفص مشترك معتبرا أنهما شييء واحد . . أما الكاتبة الأمريكية ويني كيللر ، فقد كانت أكثر دقة ، وأكثر صوابا حينما ، قالت في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ، بأن أمريكا بها حزب واحد فقط يحتكر السلطة ، أسمه الحزب ( الديمهوري ) حيث لا توجد اختلافات جوهرية ، بين كل من الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي . . مثلما لا توجد اختلافات جوهرية بين الإصابة "بالسرطان" والإصابة "بالسكتة القلبية" . . فكلاهما يؤدي إلى الموت.!
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age005.gif
الدخان الأبيض للمصالحة الفلسطينية
بقلم: عبدالعاطي محمد عن الوطن القطرية
على مدى 6 سنوات راوحت المصالحة الفلسطينية مكانها دون إنجاز حقيقي، إلى أن تبدلت الأحوال المحيطة إقليميا وكذلك المزاج الفلسطيني العام، وكلاهما أجبر كلا من الطرفين المتخاصمين فتح وحماس على الجلوس معا مرة أخرى في القاهرة في بدايات صيف 2011 ثم في بدايات العام الجديد 2013 مع التأكيد على استمرار الحوار في فبراير. وفي اللقاءات الأخيرة لم يكن الهدف التوصل إلى صيغة جديدة لأوراق مصرية أو فلسطينية مشتركة بقدر ما كان الهدف الدخول مباشرة إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه وعلى وجه التحديد الاتفاق على ما يمكن تسميته بنقطة الانطلاق. وعند هذه المحطة تحديدا تصاعد الخلاف مرة أخرى وإن لم يكن بنفس الحدة التي صاحبت مختلف اللقاءات القديمة وقت أن كان النظام المصري القديم وسيطا. وفي ظل ما ترشح من معلومات فإن المسكوت عنه الذي هو مصدر القلق بين الطرفين لا يزال متركزا حول السؤال العريض: من يقود الفلسطينيين سلما أو مقاومة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي؟
النقاط التي تضمنها اتفاق القاهرة 2011 تحت رعاية النظام المصري الجديد بقيادة الدكتور محمد مرسي أو بالأحرى جماعة الإخوان المسلمين الجماعة الأم لحركة حماس لا تشوبها شائبة، بل وصفت بأنها خريطة طريق واقعية ومرضية لكل من فتح وحماس وحظيت بموافقة من بقية الفصائل الفلسطينية المؤثرة. وقد تضمنت إعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية وإقامة حكومة وحدة وطنية لفترة انتقالية تتولى إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وكذلك إعادة تشكيل قوى الأمن بما ينهي صداما قديما وحديثا بين أطرافها. وكان المعنى الرئيسي الكامن خلف هذا الاتفاق هو أن القيادة الفلسطينية عموما يجب أن تكون جماعية بغض النظر عن تحديد الطرف المباشر لإدارة السلطة وتصريف شؤون الحكومة وأن تتحقق الثقة المتبادلة بين كل الفصائل الفلسطينية. وبهذه الخريطة للطريق وهذين الهدفين العريضين ساد الاعتقاد بأن الطريق إلى إقامة الدولة الفلسطينية ومن ثم إنهاء الاحتلال أصبح ممهدا وواضحا لا يختلف عليه اثنان.
ومع وصول قيادة جديدة في مصر ذات توجه إسلامي تختلف جذريا اهتماماتها ومبادئها عن القيادة القديمة خلال عهد مبارك، ووسط تصاعد موجات التغيير في المنطقة العربية تحت مسمى الربيع العربي وما أحدثته من حسابات مختلفة قياسا على الماضي بالنسبة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة وقوى دولية إقليمية أخرى مؤثرة مثل إيران وتركيا، أصبح ملف المصالحة الفلسطينية في وضعية مختلفة تماما جعلته جاهزا للتقدم إلى الأمام. فقد زالت حساسيات حماس من الوسيط المصري القديم وانفتحت الحركة على النظام الجديد مما أكسبها قدرا عاليا من الثقة في طرح مطالبها والتأكد من أنها ستنفذ، وبالمقابل استوعبت فتح بقيادة أبو مازن الأحداث سريعا وتوافقت معها وطوت صفحة ارتباطها بالنظام القديم ولحقت بالتعاون مع النظام المصري الجديد.
الظروف الموضوعية التي طالت فتح وحماس بعد ثورة 25 يناير في مصر شكلت جديدا فيما يتعلق بملف المصالحة الفلسطينية حيث لم تعد المصالحة ضغطا سياسيا يجريه الوسيط المصري على كل من الطرفين ومن ثم كان كل منهما يسعى إلى الفكاك من هذا الضغط مادام هو بهذه الوضعية وإنما أصبحت مصلحة لكل منهما مطلوبة للحفاظ على أوضاعه السياسية وحماية له في المستقبل، أي أنها مفيدة لكل منهما وليست ضغطا يمثل قيدا على حركة كل منهما لا ترغب فيه. ومن ناحية أخرى تبدلت الأجواء العامة من حالة التشكك والتخوف المتبادل إلى بناء الثقة وزوال الهواجس ومن ثم إمكانية الجلوس على مائدة مفاوضات دون مواقف مسبقة تهدف أساسا إلى أن تنقضي المفاوضات دون إحراز أي تقدم.
وما ساعد على ذلك أن الطرف الإسرائيلي غاب عن المشهد لأول مرة استناداً إلى توقف المفاوضات بين عباس وحكومة نتانياهو مما كان يعد من أسباب عدم ثقة حماس في فتح، كما غاب الطرف الأميركي لانشغاله بالانتخابات الرئاسية من جهة ولإدراكه حجم التغيير الذي وقع في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، ذلك التغيير الذي لا يسمح بحرية حركة مطلقة من جانبه لصالح إسرائيل كما كان يحدث في الماضي.
صحيح أن واشنطن لا تزال تضع حماس في قائمة الجماعات الإرهابية، ولكنها لم تكرر هذا الإدعاء وتلح عليه إعلاميا وسياسيا بعد ثورات الربيع العربي. ومن جهة أخرى فإن الاتصالات القديمة خلال عصر مبارك كانت قد نجحت في إيقاف الحملات الإعلامية الشرسة بين فتح وحماس لدرجة أن السلطة الفلسطينية توقفت تماما عن وصف ما جرى في غزة عام 2005 بالانقلاب على الشرعية، بل على العكس تماما بدأت في التقارب مع الحركة ومد يديها لها لإعادة فتح ملف المصالحة لتحقيق إنجاز ملموس فيه. ولا يخفى أيضاً أن دولة قطر لعبت دورا بارزا في تلطيف الأجواء واستطاعت بوسائل عديدة أن تجعل الطرفين يزدادان اقترابا وذلك ما بين عقد لقاءات بين عباس ومشعل وبين تقديم أوجه دعم مادي مؤثرة لقطاع غزة للمساعدة في تخفيف الحصار.
ومن جانبها لعبت مصر محمد مرسي دورا أكثر حيوية في نفس الاتجاه ليس فقط من خلال فتح معبر رفح وتقديم المساعدات للقطاع والتغاضي عن تجارة الأنفاق، وإنما أيضا بالمبادرة في الاتصال بالطرفين لإتمام المصالحة بجدية شديدة وحظيت اتصالاتها بقدر كبير من الثقة من جانب الطرفين. وعلى صعيد المصالح وحتى لا تصبح المصالحة ضغطا وإنما مصلحة مفيدة للطرفين فإن عباس الذي وصل إلى نقطة اللاعودة تقريبا مع حكومة نتانياهو ومن ثم فقدانه الأمل - في الظروف الراهنة - في أي عملية سلام مقبلة وجد أن رهانه على السلام مع إسرائيل رهان خاسر لدرجة أنه هدد بأن يحل السلطة الفلسطينية ويسلمها لنتانياهو.
بهذا المعنى فقد واحدا من أصول شرعيته وهي القدرة على إنجاز المفاوضات مع إسرائيل. وذهب إلى الأمم المتحدة وحصل على عضوية لفلسطين كدولة مراقب فاتحا بذلك مصدرا جديدا للضغط على إسرائيل وللتأسيس على أرضية جديدة لأي مفاوضات مقبلة إن قدر لها أن تعود. وفي طريقه إلى نيويورك كانت حماس قد قدمت له هدية سياسية لم تكن واردة من قبل وهي دعم توجهه إلى المنظمة الدولية ولو من منطلق المصالح العملية لا المبادئ، وشيء من هذا لم يكن يحدث مطلقا من حماس في الماضي. ومع تغير توجهات عباس قررت إسرائيل عقابه بإيقاف حصيلة الضرائب التي يتم تحصيلها على الصادرات الفلسطينية إلى إسرائيل وعلى الواردات الداخلة إلى القطاع مما وضع السلطة الفلسطينية في مأزق مالي لا تحسد عليه.
ومما صعب من الموقف أن الدعم المالي الذي قررته قمة بغداد العربية لم يصل منه دولار واحد إلى السلطة الفلسطينية. التي أصبحت بهذه الأوضاع السيئة في مهب الريح ليس فقط ككيان إداري يقود الفلسطينيين وإنما كممثل شرعي للفلسطينيين، فما كان منه إلا أن يضطر للانفتاح على حركة حماس كشريك وليس كعدو أو منافس لدود. وبالمقابل فإن حماس التي استطاعت أن تصمد نحو 7 سنوات في وجه الحصار واجهت مصاعب مختلفة على أرض الواقع في القطاع.
فمن جهة تعثرت أوضاعها المالية ولم تنقذها سوى المساعدات القطرية والمصرية وهي في كل حال لا تكفي لاحتياجات القطاع، كما واجهت مصاعب أمنية من تصاعد دور الجماعات المتطرفة المضادة لها، بالإضافة إلى تكرار الاعتداءات الإسرائيلية وكان آخرها عملية عمود السحاب. وبعد أن نجحت القيادة المصرية الجديدة في توقيع اتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل تحسنت أوضاع القطاع نسبيا بعد أن وافقت إسرائيل على دخول مواد البناء وغيرها من مواد وسلع أساسية إلى القطاع عبر المعابر. ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية للقطاع وتحقق الثقة السياسية في الوسيط المصري الجديد تأكدت حماس أنه من الحماقة التفريط في هذا الإنجاز و ذاك باستمرار الاعتراض على اتفاق المصالحة أو وضع العصا في العجلة.
وفي هذا الإطار جاءت موافقة فتح على أن تحتفل حماس بالذكرى الـ 25 لإنشائها في الضفة وموافقة حماس على أن تحتفل فتح بالذكرى 48 لإنشائها في القطاع دليلا على تغير الأجواء بين الجانبين في اتجاه دعم جهود المصالحة.
مثل هذه الظروف الدافعة لإتمام المصالحة من منطلق أنها مصلحة وليست ضغطا وعودة لبناء الثقة بين كل الفلسطينيين، مضت الخطوات سريعة وواثقة قدما في تطبيق اتفاق القاهرة 2011 الذي -كما سبق القول -لم يكن يحتمل إضافة أي تعديلات أو يشهد خلافات على العناصر والمبادئ. ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن وذلك عندما بدا أن كلا من الطرفين مختلف مع الآخر فيما يسمى بنقطة الانطلاق أو بالأحرى بأي خطوات المصالحة يبدأ العمل لإدخالها مدخل التنفيذ. حماس رأت أنه من الضروري أن يتم تطبيق الاتفاق بكل بنوده كحزمة واحدة (المنظمة، والحكومة، والانتخابات، والأمن)، بينما رأت فتح أنه يتعين البدء أولا بإجراء الانتخابات.
إن المسكوت عنه في كل ما سبق هو أنه بالرغم من كل المؤشرات الإيجابية على التغيير الكبير الذي حدث في ملف المصالحة في اتجاه تحقيقها، فإن ما يكمن في الصدور من تنافس على القيادة الفلسطينية هو مصدر الخطر فما يقوله كل منهما من تصريحات طيبة بشأن المصالحة يصطدم برغبة دفينة عند كل منهما للانفراد بقيادة الحركة الفلسطينية، فقبل أن يصل عباس ومشعل إلى القاهرة أخيرا لبحث سبل تنفيذ الاتفاق قال موسى أبو مرزوق نائب خالد مشعل إن عباس يبيع نتانياهو للسلطة الفلسطينية، وفي المقابل أجاب مستشارو السلطة قائلين: “لن نسمح لمشعل بأن يعلو فوق رؤوسنا ويحتل مكاننا في القيادة الفلسطينية” في إشارة ضمنية لإمكان أن يأتي مشعل رئيسا مستقبليا للسلطة الفلسطينية أو بالأحرى أن يجرى إحلال حماس محل فتح في قيادة الفلسطينيين. وإذا ما كان من استحقاق مطلوب من القيادة المصرية الجديدة فهو وضع هذا الاستقطاب والثنائية جانبا وإقناع كل الفصائل بأن القيادة الجماعية بالأوزان النسبية لكل فصيل فلسطيني هي الحل، أي العمل الآن وليس غدا على إعادة تشكيل منظمة التحرير بقيادات جديدة واستراتيجية ومبادئ جديدة أيضا لا تقطع مع الماضي بأي حال وإنما تبني على ما تحقق، حينئذ يتصاعد الدخان الأبيض للمصالحة الفلسطينية.
يا شرفاء مصر ارحموا الفلسطينيين
بقلم: عبد الباري عطوان عن القدس العربي
عندما تتأزم اوضاع داخلية في بعض الدول العربية تلجأ اطراف مشبوهة الى البحث عن كبش فداء ضعيف دون سند، وغالبا ما تنطبق هذه الحالة على الفلسطينيين المقيمين فيها، فيتم تلفيق الاتهامات، ونشر الشائعات المفبركة، لتأتي النتائج حملات من التحريض والكراهية، تتطور الى مجازر في معظم الأحيان.
حدث هذا في الكويت، بعد احتلالها من قبل صدام حسين، ودفع الفلسطينيون ثمنا باهظا، رغم ان الغالبية الساحقة منهم (400 الف) كانوا ضد الاحتلال ومع الانسحاب الكامل، وفي العراق تعرضوا لمجازر نفذتها ميليشيات طائفية حاقدة بسبب التهمة نفسها، وتكررت المأساة في مخيم اليرموك السوري، وقبل هذا وذاك في مخيم نهر البارد شمالي لبنان. ولا ننسى طرد العقيد معمر القذافي لهم لمجرد اختلافه مع القيادة الفلسطينية.
وسائل اعلام مصرية، وتلفزيونية على وجه الخصوص، تبث هذه الايام انباء عن تسلل سبعة آلاف من قوات حركة حماس عبر انفاق الحدود المصرية مع قطاع غزة، للقيام بأعمال تخريب في مصر احيانا، وحماية قصر الاتحادية الرئاسي احيانا اخرى، وفتح السجون واطلاق المجرمين في احيان ثالثة.
هذه الاعداد تتناسل وتتضاعف،حسب ادعاءاتهم، بصورة مرعبة وفي اليوم الواحد، وكذلك الدور 'الارهابي' الذي يمارسه هؤلاء الغزاة الحمساويون في ارض الكنانة، لترجيح كفة الرئيس مرسي، وحركة الاخوان عموما، في مواجهة اعدائهم من الليبراليين والعلمانيين الذين ينضوون تحت مظلة جبهة الانقاذ المعارضة بزعامة الدكتور محمد البرادعي.
اختيار حركة حماس، والشعب الفلسطيني من خلالها، اختيار محسوب بعناية، فالحركة اسلامية اخوانية، ومقربة جدا من الحركة الأم في مصر، وتشكل امتدادا لها، وتمثل ذراعها العسكرية في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، ولذلك فإن عملية شيطنتها التي تتم حاليا تلقى بعض التجاوب في اوساط بعض الجهات المصرية الساخطة على الاخوان، وتريد اسقاط الدكتور مرسي الذي يعتبر رأس حربتها.
حركة 'حماس' لا تملك سبعة آلاف مقاتل حتى ترسلهم عبر الانفاق الى ميدان التحرير او قصر الاتحادية، واذا كانت تملك فائضا بهذا العدد الضخم فإن السؤال هو كيف قطع هؤلاء مسافة 400 كيلو متر في صحراء سيناء، وبعد ذلك عبروا القناة الى القاهرة دون ان ينتبه اليهم الأمن المصري؟ واذا كان هؤلاء نجحوا فعلا في خداع هذا الأمن العريق المدرب، ونحن لا نعتقد ذلك، فهذه اهانة لمصر وامنها.
حركة الاخوان المسلمين التي تملك عشرات الملايين من الانصار داخل مصر لا تحتاج الى بضعة اشخاص من حركة 'حماس' المحاصرة في قطاع غزة لحماية القصر الذي يقيم فيه رئيس مصر، كما ان الحركة التي لم ترسل ايا من انصارها لتخريب منشآت مصرية في زمن الرئيس حسني مبارك الذي كان يكن لها عداء وكراهية غير مسبوقة، لا يمكن ان تقدم على اي اساءة لمصر وشعبها في زمن رئيس يودها ويعطف عليها، ويخفف قيود الحصار المفروضة عليها.
قبل هذه الحملة المغرضة التي ترمي الى بذر المزيد من بذور الفتنة بين الشعبين الفلسطيني والمصري، افقنا قبل اشهر على اخرى اكثر شراسة تقول ان هناك خطة لتوطين ابناء قطاع غزة في صحراء سيناء، وان حكم الاخوان المسلمين في مصر متورط فيها، وذهب من يقفون خلف هذه الحملة الى حد الحديث عن مليارات تمّ رصدها لتمويل هذه الخطة.
الذين يروّجون لمثل هذه الفتن، ويلعبون على ورقة التوطين، لمعرفتهم بحساسيتها لدى الشعب المصري الذي يقدس تراب ارضه، ويرفض رفضا قاطعا التفريط بذرة منه لاي كان، وهذا امر نكبّره ونجلّه، لا يعرفون ان ابناء قطاع غزة رفضوا رفضا مطلقا الانتقال الى صحراء سيناء، وان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومن منطلق قومي عروبي اسلامي شجعهم على ذلك، عندما اقام مشاريع إعمار فيها لتنميتها اولا، واستيعاب العمالة العاطلة عن العمل من المصريين والفلسطينيين.
الأكثر من ذلك انه رغم الحصار التجويعي الخانق على قطاع غزة الذي استمر حوالى ثماني سنوات، لم يترك فلسطيني واحد القطاع للإقامة في سيناء رغم وجود اكثر من الف نفق تحت حدود الجانبين.
ونذّكر الجميع ان الاسرائيليين عند احتلالهم للقطاع وسيناء بعد حرب عام 1967 (كانت غزة خاضعة للإدارة المصرية) اقاموا معسكرا للاجئين الفلسطينيين على الحدود، نصفه في سيناء والنصف الآخر في قطاع غزة، سمي مخيم كندا، لانه اقيم فوق معسكر للوحدة الكندية في قوات الامم المتحدة التي كانت موجودة في القطاع بمقتضى اتفاقية الهدنة عام 1948، وعندما سحبت قواتها بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد من سيناء كان المطلب الاول لاهالي المخيم في النصف الواقع في الجانب الآخر للحدود مع مصر هو العودة الى القطاع، وهكذا كان بفضل اتفاقات اوسلو، اي لم يفضلوا مطلقا الاقامة على ارض غير فلسطينية تمسكا بأرضهم وقضيتهم، مع تأكيدهم في الوقت نفسه على حبهم لمصر وشعبها وشكرها من اعماق قلوبهم لاستضافتهم طوال تلك المدة.
مسلسل التكريه بالفلسطينيين مستمر وبشراسة منذ توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وهو مسلسل لا يفرق بين انصار فتح او انصار حركة حماس، بل انه بدأ قبل ظهور الاخيرة، اي حماس، بعشرين عاما على الاقل.
بعد ذهاب الرئيس الراحل محمد انور السادات الى القدس وتوقيع اتفاقات كامب ديفيد، التي اذلت، وما زالت تذل الشعب المصري، انطلقت اقلام مصرية في شن حملة تحريض مرعبة ضد الفلسطينيين، تركز على انهم ينعمون بالفيلات الفاخرة جدا في الاردن ودول الخليج، بينما المصريون يتضورون جوعا. وفي ذروة حرب الكويت وما بعدها، باشرت الاقلام نفسها او من توارث المؤسسات الصحافية والتلفزيونية بعدها، بتكرار حملة الكراهية هذه بالقول ان الفلسطينيين يغلقون ابواب الرزق في وجه اشقائهم المصريين في منطقة الخليج.
انصار نظام الفساد السابق الذي اطاح به الشعب المصري في ثورته المجيدة هم الذين يقفون خلف جميع هذه الحملات، وعادوا لبث سموم فتنتهم هذه مرة اخرى في ظل حالة الانقسام الحالية التي تمزق مصر وتهدد وحدتها الوطنية، بل وانهيارها كدولة، اذا لم يتم تطويقها بسرعة. ألم يقل هؤلاء ان من فجّر كنيسة القديسين في الاسكندرية وقبل سقوط النظام بأشهر معدودة، جاءوا عبر الانفاق من قطاع غزة، لنتبين بعد ذلك ان الحبيب العادلي وزير داخلية مبارك هو الذي يقف ورجاله خلف تلك المجزرة لتفجير حرب اهلية طائفية في مصر؟
ما كنت لأكتب هذه المقالة حول هذا الموضوع لاعتقادي الراسخ ان الشعب المصري اكبر واعرق واكثر وعيا من ان تنطلي عليه هذه الاكاذيب المسمومة، لولا ان زميلة صحافية من صحيفة 'الاهرام' اتصلت بي غاضبة، ومعاتبة، وقالت لي بصوت متهدج انها لم تتصور يوما ان يقدم فلسطينيون على مثل هذه الافعال المنكرة في حق مصر.
فإذا كانت صحافية مخضرمة مثل زميلتي هذه، احبت فلسطين من قلبها مثل كل ابناء مصر، وتظاهرت لكسر الحصار عن قطاع غزة، وحملت المساعدات لأهله المحاصرين، وتعرّضت للاعتداء بالضرب من شرطة الحبيب العادلي، تصدّق مثل هذه الاكاذيب والافتراءات، فكيف هو حال ملايين البسطاء في ارض الكنانة محدودي الثقافة والتعليم الذين تستهدفهم فضائيات واقلام مغرضة ما زالت تحنّ لعودة النظام السابق؟
نحن نحب مصر ونراها القاطرة التي يمكن ان تقود الأمة الى برّ الامان وتخرجها من حال التيه والتبعية التي تعيشها منذ اكثر من قرن، نحب مصر ايا كان حاكمها، لأننا نفرق دائما بين مصر الشعب ومصر الحاكم، فإذا كان جيدا مخلصا محبا لشعبه، فهذا 'نور على نور'، اما اذا كان فاسدا وسيئا فنحن مع الشعب المصري وفي خندقه، ولو بالقلب، للتخلص منه ومن طغيانه وفساده.
الشعب الفلسطيني مع مصر، ويتمنى لها الاستقرار والرخاء، والخروج من هذه الازمة بأقل الخسائر، وكل ما نتمناه ان يرحمنا 'سحرة فرعون' ويرحموا شعبهم قبلنا من فتنتهم وسحرهم الاسود، ونؤكد ان هؤلاء لا يمثلون مصر ولا شعبها الطيب الكريم المعطاء.
اليسار الصهيوني لن يغرد خارج سرب اليمين
بقلم: عدنان بكرية عن القدس العربي
بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات الاسرائيلية والتي انتهت بتعادل 'اليسار' واليمين الصهيوني بعدد المقاعد البرلمانية وتهافت الإعلام العربي على توصيف الوضع، وكأن هناك زلزالا وانقلابا حدث على الخارطة السياسية في اسرائيل!
لا بد لي من التوقف عند عدة نقاط هامة لما حدث والتحذير من عدم الاندفاع والانجراف وراء شكليات لن تبدل وتغير في السياسة الاسرائيلية الرسمية حتى لو استطاع ما يسمى باليسار من تشكيل الحكومة.
صحيح أن اليسار الصهيوني سيعقد مهمة نتنياهو بتشكيل الحكومة، لكنه غير قادر على طرح بديل حقيقي يستند الى برنامج سياسي مختلف، وهو أيضا لم ولن يغرد خارج سرب الفكر الصهيوني في ما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي -الاسرائيلي.
أولا: توصيف اليسار واليمين لا ينطبق بتاتا على الوضع الاسرائيلي، فكلاهما وجهان لعملة واحدة لا يختلفان شيئا بشأن التسوية مع الشعب الفلسطيني، وكلاهما متفقان على الاستمرار باحتلال الأراضي الفلسطينية والعربية، انطلاقا من بدعة الضرورة الأمنية وحماية امن اسرائيل والمراهنة على إحداث اليسار انقلابا، ليس له مكان.. فاليسار حكم اسرائيل عقودا من الزمن، وكان أكثر بطشا وقمعا وأكثر تنكرا للحق الفلسطيني، وكلنا يذكر رابين المحسوب على حمائم اليسار واتباعه سياسة ونهج تكسير العظام إبان الانتفاضة الأولى.. احتلال كل فلسطين جرى في حقبة من يسمي نفسه اليسار!
ليس هناك يسار اسرائيلي بالمفهوم السياسي، بل هناك الظالم والاقل ظلما.. هناك قمع واقل قمعا، وفي المحصلة وإذا تعلق الأمر بالنزاع العربي - الاسرائيلي فان كل الأحزاب الصهيونية ستكون متفقة على التنكر للحق الفلسطيني.
اليمين الاسرائيلي أكثر وضوحا وشفافية ممن يسمي نفسه يسارا فهو لا يخفي من نواياه وبرنامجه شيئا وهو يعلنها بصريح العبارة دون لف ودوران. اما ما يسمى باليسار فهو ينتهج أسلوب المراوغة والتسويف والثعلبة في التعاطي مع القضايا السياسية، وشمعون بيرس خير دليل على هذا النهج.
ثانيا: التعادل البرلماني بين الطرفين لم يأت بدافع القناعات السياسية للمواطن الاسرائيلي، بل هو نتاج للوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري الذي تمر به البلاد ونتاجا للإحباط الذي يحياه المواطن الاسرائيلي.. أصلا لقد غابت السياسة عن البرامج الانتخابية، ولم يكن لها تأثير خلال الانتخابات الحالية لأن كل الأحزاب من أقصى اليسار الى أقصى اليمين شبه متفقة في ما يخص القضية الفلسطينية وسبل حلها.
من هنا فان المراهنة على انقلاب في السياسة الاسرائيلية لهو أمر خاطئ، وليس له ما يبرره وحتى لو شكل ما يسمى باليسار الحكومة الاسرائيلية فان القضية الفلسطينية ستبقى تراوح مكانها دون تقدم يذكر لأن هذا اليسار اجبن من ان يتخذ قرارات مصيرية تخص الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، وهو غير قادر على رسم إستراتيجية سلمية خارج حدود وإطار إرادة اليمين ولن يغرد خارج سرب اليمين.
يائير لبيد الوجه الجديد يخوض الانتخابات للمرة الأولى ويحصد 19 مقعدا.. منذ اللحظة الاولى سارع الإعلام باحتسابه على قوى اليسار، لكن سرعان ما ظهر على الشاشة ليقول لن أكون في معسكر يضم العرب، وبالتحديد حنين زعبي.. هذا هو النموذج لما يسمى باليسار الصهيوني.. الازدراء والاستعلاء النابع من العنصرية والقهر القومي.. فيا أيها العرب لا تراهنوا على التغيير بل راهنوا على أنفسكم وقدراتكم.
حماس والأردن
بقلم: بسام العموش عن العرب اليوم الأردنية
تدفعنا الزيارة الأخيرة التي قام بها قادة حماس للأردن للتوقف عند الدلالات السياسية للزيارة والعلاقة بين حماس والأردن اليوم وغداً. هناك سياسات متباينة في ظاهر الأمر مثل الموقف من عملية السلام وموضوع المقاومة والعلاقة مع سورية وإيران ودول الربيع العربي التي آلت فيها السلطة للإخوان وعلى رأسها مصر، لكن المدقق قد يكون قادراً على تفهم الطرفين لسياسة كل فريق، فالأردن لا يستطيع استنكار المقاومة لأنه يرى التعنت في الجانب الصهيوني المتمثل في إعاقة عملية السلام ورفض القرارات الدولية واستمرار الاستيطان والعبث بالمقدسات واستمرار الاعتقالات والحصار الكبير لقطاع غزة.
والأردن يخشى من علاقة حماس بإيران لكنه يتفهمها باعتبار أن الدول العربية كلها تتعامل مع النظام الإيراني حتى التي لها خلاف مع إيران مثل الإمارات والبحرين، فإذا كان هذا جائزاً للدولة بناء على قاعدة المصالح فإن كل مراقب لا يستطيع أن يطلب من حماس قطع علاقتها بإيران لأن مرحلة المقاومة تتطلب الحصول على الدعم من كل داعم حتى لو كان دعماً معنوياً. ويقال في علاقتها بسورية ما قلناه في إيران مع ملاحظة انهيار علاقة حماس بالنظام السوري بعد الأحداث الدامية الجارية في سورية.
وحماس من جانبها تتفهم أن منطق الدولة مختلف عن منطق الحركة فللدولة مصالحها ومساراتها خاصة دولة مثل الأردن حيث محدودية الموارد وخطورة الموقع الجغرافي وسياسة التوازنات التي يسلكها النظام الأردني.
هناك نقط التقاء بين حماس والأردن، فقد تجاوز الطرفان قصة إبعاد حماس وإغلاق مكاتبها حيث كان قراراً تتطلبه مصلحة الأردن العليا، وما عاد البحث في تلك القصة مفيداً بل التطلع للمستقبل هو المناسب حيث يستطيع الطرفان نسج علاقة متميزة تتكئ على إيجابيات تاريخية منها احتضان الحركة في بداية نشأتها وإنقاذ حياة خالد مشعل وتحرير موسى أبو مرزوق وفك أسر الشهيد أحمد ياسين، والأمر الهام سياسياً التوافق التام بين الأردن وحماس على رفض ومقاومة الوطن البديل، كما أن علاقة حماس تساعد على تخفيف الاحتقان بين إخوان الأردن والدولة الأردنية خاصة بعد الانتخابات الأخيرة حيث يمكن أن تلعب حماس دوراً إيجابياً لتبقى علاقة الإخوان بالنظام كما كانت عبر التاريخ الطويل.
لكل ما سبق فإنني مع تطوير العلاقة بين حماس والأردن، فالرابح الطرفان، وقد يلعب الأردن دوراً في المحافل الدولية بحسن علاقته بحماس والسلطة بعد أن أصبحت مصر غير متفرغة للقضية الفلسطينية لانشغالها بالأمن الداخلي.
وإن وجود المستشفى الأردني العسكري في غزة التي تسيطر عليها حماس هو خيط مهم للجميع حيث الدور الأردني المقبول إسرائيلياً ودولياً بعيداً عن السفن التي تحاول كسر الحصار من دون جدوى .
كفى رهاناً على الانتخابات واليسار الإسرائيلي
بقلم: عليان عليان عن السبيل الأردنية
جاءت نتائج الانتخابات الإسرائيلية، والاصطفافات التي تبلورت لحظة إعلان النتائج لتشكل لطمةً لرهان البعض في الساحة الفلسطينية وللجامعة العربية على معسكر ما يسمى «أحزاب اليسار» والوسط الصهيونية؛ بحيث بات بوسع نتنياهو أن يستمر في سياسة تكثيف الاستيطان والحرب والعدوان والمضي قدما في تهويد القدس والتنكر لقرارات الشرعية الدولية.
صحيح أنه حصل تساو بين مقاعد اليمين واليسار بواقع 60 نائباً لكل معسكر، لكن هذا التساوي لا يعكس وحدة الاطراف في كل معسكر حيال القضايا الداخلية، وإن كان يعكس القواسم مشتركة بين المعسكرين حيال المفاوضات، مع الجانب الفلسطيني؛ بمعنى أن الخلاف بين اليمين واليسار الصهيوني حيال الموقف من الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة، يتمثل في الفرق في درجة التطرف وليس اكثر.
لقد تمنت القيادة الفلسطينية أن تشكل أحزاب ما تسمى اليسار والوسط الصهيونية، بالاضافة إلى القوائم العربية 12 نائباً كتلة مانعة، تحول دون تشكيل نتنياهو الحكومة القادمة الذي حصل مع ليبرمان في إطار تكتل «ليكود بيتنا» على 31 نائباً، بتراجع مقداره 11 نائباً عن انتخابات الكنيست السابقة، لكن حزب «هناك مستقبل» (يش عتيد) الوسطي 19 نائباً بزعامة يائير ليبيد خذل المراهنين عليه في أن يكون خشبة الخلاص لمعسكر ما يسمى اليسار الصهيوني.
وبالتالي لم يعد بمقدور حزب العمل بزعامة شيلي يحموفيتش (15 نائباً)، و»ميريتس» (6 نواب)، وحزب الحركة بزعامة تسيفي ليفتي (6 نواب)، وحزب كاديما (نائبان)، أن تشكل مع القوائم العربية (12 نائباً) الحكومة القادمة.
ليبيد الوسطي وجه ضربة لأطراف ما يسمى اليسار والوسط (حزب العمل، وميريتس، وكاديما، وحزب الحركة، والقوائم العربية) حين أعلن أنه ليس معنياً بتشكيل جبهة في مواجهة نتنياهو، وانه مستعد للمشاركة في حكومة برئاسته طالما أنه يستجيب نسبياً لمطالبه في قضايا إدارة الدولة، وتغيير في وسائل الحكم، وفي القضايا الاقتصادية المتعلقة بالميزانية والبطالة وكلفة السكن وغيرها.
ومن ثم فإن ليبيد سهل مهمة نتنياهو في عدم الخضوع لأحزاب الحريديم المتطرفة جداً (شاس، البيت اليهودي، يهدوت هتوراه) التي في حال ضمها وفق برنامجها ستزيد من عزلة «إسرائيل» الدولية أكثر مما هي معزولة؛ وبالتالي فقد بات مؤكداً أن تحالف نتنياهو ليبرمان ليبيد هو الذي سيشكل الحكومة بأغلبية معقولة.
فالليكود في ضوء هذه الخارطة التحالفية سيظل على ذات مواقفه في تكثيف الاستيطان، وتهويد القدس، والرفض عملياً لقيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967، ورفض حق العودة.. إلخ، وليبرمان سيظل على ذات الموقف مع نتنياهو بنكهة أكثر تطرفاً.
أما ليبيد فيشاطر نتنياهو كل مواقفه السابقة، ويشاطره ذات الموقف الخاص بالبناء الاستيطاني في منطقة E1 شرق القدس؛ لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، ولعزل القدس بشكل كامل عن محيطها العربي، لكنه يمايز نفسه شكلاً في سياق تكتيكي، وليس أكثر بالحديث عن حل الدولتين.
ما يجب تأكيده هنا أن تراجع «الليكود بيتنا» ليس مرده إلى جنوح الرأي العام الاسرائيلي نحو الوسط واليسار، وليس لأن جمهور اليمين أراد معاقبته على موقفه من المفاوضات مع الفلسطينين، بل مرده يعود إلى عدة عوامل أبرزها:
أولاً: فشله الذريع في العدوان على قطاع غزة، وانتصار المقاومة التكتيكي في حرب الأيام الثمانية في تشرين الثاني من العام الماضي.
ثانياً: فشله الاقتصادي الذي تمثل في عجز الموازنة ومقداره 10 مليارات دولار، وانعكاس هذا العجز؛ عبر إجراءات اقتصادية قاسية، شملت تقليص الإنفاق على الخدمات العامة، وزيادة في قيمة الضرائب المباشرة وغير المباشرة، وغلاء كبير في الأسعار، وإقالة آلاف الموظفين من القطاع العام، وتأجيل مشاريع البنية التحتية وغيرها من الإجراءات التي تثقل كاهل الإسرائيليين.
لكن هنالك عوامل أخرى، صبت بطريقة غير مباشرة في خانة تراجع «الليكود بيتنا» لصالح ما يسمى معسكر اليسار، تتمثل فيما يأتي:
أولاً: ارتفاع نسبة التصويت في الوسط العربي في مناطق 1948 مقارنةً بالانتخابات السابقة لصالح القوائم العربية، حيث وصلت إلى نحو في المئة 53,5 في المئة، ناهيك عن أن كماً لا بأس به من الأصوات العربية صب لصالح ما تسمى الأحزاب اليسارية الصهيونية.
ثانياً: العامل الدولي الذي كان له تأثيره في الناخب الإسرائيلي بشكل عام، وعلى الكتلة المترددة العائمة المحايدة الواقفة بين معسكر اليمين، وما يسمى معسكر اليسار والوسط بشكل خاص، حيث صوتت هذه الكتلة في جزء كبير منها لصالح المعسكر الثاني.
وقد تمثل هذا العامل بشكل رئيسي في تحذير حليفين رئيسيين لـ»إسرائيل»، وهما الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجية بريطانيا وليام هيج عشية الانتخابات الإسرائيلية، من أن سياسات نتنياهو في مجال المفاوضات والاستيطان، وإفشاله حل الدولتين ستزيد من عزلة «اسرائيل» الدولية، وتجر عليها عواقب كارثية.
ثالثاً: اكتواء هذه الكتلة العائمة، شأنها شأن بقية أطراف المجتمع الاسرائيلي بنار سياسات نتنياهو الاقتصادية، واستخدامه الفزاعة الايرانية؛ لتمرير مشاريع مكلفة كشف النقاب عن بعضها، كشراء غواصات لا لزوم لها بقيمة 500 مليون يورو -حسب مواقف قائد سلاح البحرية الإسرائلي، وجهاز الأمن الإسرائيلي- في حين لم يكشف النقاب عن البعض الآخر حيث يرى قطاع واسع من الإسرائيليين، أن هذه المشاريع لصالح مجده الشخصي على حساب الأوضاع الاقتصادية الصعبة للإسرائليين.
رابعاً: شعور هذه الكتلة العائمة أن حرب نتنياهو على غزة أحدثت نتائج سلبية على أمن الكيان الصهيوني، وفقدان الاستقرار فيه، وأنها عكست ضعفاً في القدرات التخطيطية، وفي قراءة قدرات المقاومة الفلسطينية، وعدم إيلاء المجتمع الدولي الأهمية المطلوبة؛ ما أوقع «إسرائيل» في عزلة خانقة.
ما يهمنا ونحن نتابع نتائج الانتخابات وتداعياتها أن نشير إلى أن مسألة اليمين واليسار نسبية وشكلية بالنسبة للموقف من الموضوع الفلسطيني، بحيث يمكننا الجزم بأن كل الاحزاب الصهيونية على اختلاف تلاوينها عدوة للشعب الفلسطيني ولتطلعاته وثوابته الوطنية، وأن الفرق بينها هو في درجة الغلو والتطرف، وفي طريق إدارة الصراع؛ فالبعض يستخدم الوضوح الكامل في رفض حقوقنا الوطنية والتاريخية، والبعض الآخر يستخدم أسلوب القفاز الناعم، وهو أكثر خطورة؛ لأنه يحقق اختراقات هائلة لجهة دفع الجانب الفلسطيني إلى الاستمرار في نهج المفاوضات دون أي تثمير لها.
كفى رهاناً على لعبة اليمين واليسار في الكيان الصهيوني، كفى رهاناً على الانتخابات الاسرائيلية التي لم تخرج يوماً عن التنكر للثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني، وعن التنكر لكل قرارات الشرعية الدولية وللقانون الدولي واتفاقات جنيف.
كفى رهاناً على لعبة اليمين واليسار، فاليمين واليسار المزعوم تجمعهما قواسم وثوابت مشتركة؛ هي: القدس بشطريها عاصمة موحدة للكيان الصهيوني/ ضم الكتل الاستيطانية الكبرى للكيان الصهيوني/ بقاء قوات الاحتلال والمستوطنات في منطقة الاغوار، واستثمارها اقتصاديا لمصلحة «اسرائيل» / رفض العودة إلى حدود 1967 وخطوط الهدنة لعام 1949/ الرفض المطلق لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وأخيراً وفي ضوء ما تقدم، يترتب على القيادة الفلسطينية أن تغادر خيار الرهان على تغيير قواعد اللعبة السياسية في الكيان الصهيوني -ولو نسبياً- لصالح القضية الفلسطينية، ولا بد من أن تجري مراجعة شاملة لنهج المفاوضات البائس باتجاه مغادرته نهائيا، في إطار استراتيجية تعتمد الوحدة الوطنية، وخيار المقاومة بكافة أشكالها كخيار رئيسي ووحيد لدحر الاحتلال؛ بحيث يكون العمل السياسي والدبلوماسي في إطار تثمير المقاومة، وليس على حسابها.
الحوار الإسرائيلي
بقلم: محمد سلماوي عن المصري اليوم
ما هى قصة الحوار هذه، التى كلما تأزمت الأمور دعا الرئيس محمد مرسى إلى إجرائه؟.. إن الأزمات الكبرى تحتاج إلى إجراءات جريئة وجذرية، وليس إلى جلسات للحديث حول الموائد، خاصة حين تكون مواقف كل الأطراف معروفة ومعلنة مسبقاً، فالحل فى هذه الحالة يكون باتخاذ القرار الذى يلقى القبول، فتزول حدة المواجهة بين الجانبين وتهدأ الأزمة.
أما المطالبة بالتحاور والنقاش، فى وقت تزداد فيه الأزمة اشتعالاً، فهى لا تعدو كونها محاولة لكسب مزيد من الوقت على أرض الواقع، وتلك هى السياسة التى برعت فيها إسرائيل طوال العقود الماضية، حيث كانت تدعو دائماً للمفاوضات فى الوقت الذى كانت تقوم فيه بتنفيذ مخططاتها فى الأراضى المحتلة، وكان الطرف العربى يساق بسذاجة إلى مائدة المفاوضات متصوراً أنه بقوة الحجة سيتمكن من وقف زحف قوى الاحتلال، لكن تلك كانت لعبة أضاع فيها المفاوض العربى سنوات طويلة، اكتشف بعدها أنه تراجع على أرض الواقع، بينما إسرائيل هى التى تقدمت، فقد فرض على المفاوض العربى تهدئة كل أشكال المقاومة، خاصة المسلح منها، بحجة إعطاء الفرصة للمفاوضات، بينما كانت إسرائيل مستمرة فى مصادرة المزيد من الأراضى العربية وتنفيذ مخططات التهويد دون توقف، وفى النهاية حين فطن الجانب العربى إلى تلك الخدعة وأوقف المفاوضات، كان عليه أن يواجه الأمر الواقع على الأرض، الذى تغير تماماً خلال سنوات المفاوضات، فصارت الآن القدس كلها تحت السيطرة الإسرائيلية بعد أن محيت كل مظاهر هويتها العربية، فأراضى الفلسطينيين تمت مصادرتها والأسماء العربية للشوارع تم تغييرها، وأصبح الإسرائيليون يصفون المدينة بأنها «العاصمة الأبدية لإسرائيل».. متى تم كل ذلك؟ تم أثناء انشغال العرب بالمفاوضات.
ألا يذكرك هذا ببعض ما يجرى عندنا الآن، حيث تجرى عمليات أخونة الدولة على قدم وساق برئيس يأخذ تعليماته من الجماعة، ودستور يرسخ أقدام حكم الإخوان، وحكومة تخدم مصالحهم وقانون انتخابات يضمن لهم الأغلبية، فى الوقت الذى يطلب فيه مرسى من قوى المعارضة أن تمضى الوقت فى الجلوس حول موائد الحوار التى فى بعض الأحيان لا يحضرها، وفى كل الأحيان لا يلتزم بنتائجها؟
لقد فرغ الإخوان من تطبيق سياسات النظام السابق التى كانوا يعارضونها من الاستحواذ والإقصاء إلى الحكم بقانون الطوارئ، وصاروا الآن، على ما يبدو، يطبقون سياسات إسرائيل التى كانوا يعارضونها هى الأخرى.
الاستنساخ «الإخواني»
بقلم : عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
الوضع في مصر مرشح إلى مزيد من التوتر والعنف، في الوقت الذي كان يُفترض أن يتجه إلى الاستقرار بعد إتمام خطوات إحلال سلطة جديدة بدل تلك التي سقطت مع النظام السابق. لا بل يمكن القول إن أولى هذه الخطوات، وهي انتخابات الرئاسة، هي التي أسست لحل عدم الاستقرار والتوتر والعنف.
لقد كان حصول مرشح «الإخوان المسلمين»، الدكتور محمد مرسي، على أعلى نسبة من الأصوات ليصبح رئيساً للجمهورية مرتبطاً بجملة النزاعات التي كانت تشغل الساحة المصرية آنذاك، وليس تأييداً للجماعة وبرنامجها. كما أن ترشيح مرسي نفسه الذي جاء بالصدفة وكبديل من مرشح آخر هو خيرت الشاطر الذي كان يُخشى أن يمنع من الترشح لأسباب قانونية ودستورية، عنى أن الرجل لا يملك برنامجه الخاص، وإنما ينفذ أوامر جماعته.
في هذا المعنى أن الجماعة التي أيدت التوريث، قبل الثورة، لم تكن مهيأة، لا في برامجها ولا في مرشحها لتولي حكم كل البلاد، وما فيها من مشاكل وقضايا موروثة ومستجدة. لذلك كان تعاملها مع انتخاب مرسي على أنه فرصة لا تعوض للتمسك بالسلطة، كما تعامل جميع الانقلابيين الذي استولوا على السلطة بالقوة.
هذه السياسة الانقلابية لـ «الإخوان»، والتي تراكم التنديد بالنظام السابق، استهدفت الوضع المستجد بعد انهيار هذا النظام. كما استهدفت القوى السياسية الناشئة بعد الانهيار. وبهذا الاستهداف، جاءت سلسلة قرارات مرسي، سواء تلك المتعلقة بتعيين الإسلاميين في المواقع الحكومية والإدارية أو بتلك التي يطلق عليها في مصر «أخونة» الدولة.
وهنا يكمن ما يمكن اعتباره جذر العنف في مصر. إذ إن «الإخوان» افترضوا أن المرحلة تقتضي الإسراع بوضع سلسلة قوانين واعتماد إجراءات توفر لهم وحدهم القدرة على الإمساك بالسلطة وتمنع غيرهم من الاقتراب منها. في نوع من استنساخ تجربة النظام السابق وحزبه. لكن فات الجماعة أن الذين ثاروا على النظام السابق فعلوا ما فعلوه بالضبط لاستئثاره بالسلطة ولمنعه من استنساخه عبر التوريث.
ففي هذا الاستنساخ وضعت الجماعة نفسها خارج أهداف الثورة، عبر قيام دولة مدنية وتعددية تتساوى فيها الحقوق والواجبات. وذلك في الوقت الذي لا تزال القوى المنادية بالتغيير قادرة على الفعل في الشارع والتحرك، ولم تتمكن الجماعة بعد من أن تنزل بها ضربة قاضية من أجل ضبطها.
كما فشلت الجماعة في فهم أن التأييد الخارجي، خصوصاً الغربي، للعملية الانتخابية في مصر لا يضمن لها التأييد الداخلي الذي تتوخاه. فالنظام السابق بقي، حتى ساعات قبل سقوطه، يعتبر أحد أعمدة الاستقرار في المنطقة. لكن التأييد الخارجي لم يفده عندما خرج الشعب، بكل قواه، للمطالبة بسقوطه. لقد أهملت الجماعة الرأي العام الداخلي، وتعاملت معه باستهتار وأحياناً بازدراء، خصوصاً عبر ذلك الحوار الرئاسي الذي يكرر صيغة «الجبهة الوطنية» الانقلابية حيث تتحاور قوى السلطة مع نفسها.
ويبدو الآن أن وصف «الثورة المضادة» الذي تطلقه الجماعة على معارضيها ينطبق أكثر ما ينطبق عليها وعلى سلوكها وإدارتها للبلاد. ما دامت لم تعترف بعد بأنه ينبغي العبور إلى المعالجة السياسية للأزمة المتراكمة في مصر، عبر مشاركة كل القوى، وصولاً إلى إقامة الدولة المدنية التعددية والديموقراطية. وهذا ما لا يبدو أن مرسي، ومن ورائه جماعة «الإخوان»، في وارد القبول به. لتستمر تجربة القوى في الشارع مع النسخة المستنسخة للنظام السابق.
أوباما والربيع الإخواني: سياسة «التجريب»!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
راهن الكثير على أن ولاية أوباما الثانية ستشهد تغييرات واسعة في سياسته الخارجية التي كانت محل انتقاد، لا سيما أنها لم تكن على وتيرة واحدة، بمعنى آخر لا يستطيع المراقب السياسي أن يضعها في إطار رؤية محددة، فهي تفتقد «الحسم» في سوريا، لكنها حاسمة جدا في مساندة ودعم الحلفاء الجدد «الإسلام السياسي» ومنحهم المزيد من الفرص رغم الأخطاء الكبرى التي ستنعكس بالدرجة الأولى على أميركا نفسها في حال تفاقم الأوضاع في المنطقة، والسؤال ما الذي يحدث في العقل الأوبامي وداخل أروقة البيت الأبيض؟
يمكن القول: إن الولايات المتحدة منذ أن اتخذت قرار استبدال الأنظمة السلطوية التي لا تحظى بتأييد شعوبها بالإسلام السياسي على اعتبار أنه يمثل قوة ضاربة في الشارع، وهي تمارس سياسة «التجريب» فيما يخص العلاقات الخارجية، فالمصالح الأميركية قائمة كما نعلم على مبدأ صياغة التوازنات الدولية طمعا في تعزيز دور الولايات المتحدة ومكانتها في العالم.
سياسة «التجريب» قد تؤدي إلى فتوحات اقتصادية أو تحولات فيما يخص الفرص الممنوحة لدول كانت تصنف على أنها دول معادية، والأصل أن التجريب بمعناه العلمي هو تكرار التجربة للوصول إلى نتائج مغايرة باستخدام أدوات وعوامل جديدة، لكنه بهذا المعنى في عالم السياسة «خطر» جدا إذا لم تدرس العواقب بشكل جيد، وهو الخطأ الذي تحاول الولايات المتحدة المضي فيه قدما، وعذرها في ذلك مع أوباما هو أن قدومه لسدة الرئاسة بتلك الطريقة الدرامية كقصة نجاح شخص عصامي أوقعته في مأزق الانسلاخ من الإدارة السابقة والوقوع في فخ «التجريب»، ورغم كل ما يقال عن الإدارات السابقة التي ترأسها جمهوريون من نقد وتجريم لاستخدامها القوة العسكرية كسلاح وحيد في حفظ المصالح؛ فإن استبدالها بالقوة الناعمة وبشكل حصري أيضا غير طريقة تلقي الموقف الأميركي سواء من قبل حلفائها الجدد (الإسلاميين) أو خصومها السابقين كإيران وسوريا وكل دول وحركات وميليشيات الممانعة.
وإذا كانت معززات النفوذ الأميركي في المنطقة ليست عسكرية فحسب، فالتفوق العلمي والاكتساح الثقافي المدعوم باقتصاد متين صنعا الصورة الأميركية الأسطورية لكن التفوق العسكري كان يجعلها متقدمة بمسافة كبيرة على منافسيها الصين وروسيا وباقي الدول الأوروبية، ومن المهم التذكير هنا بأن أميركا ما زالت تستحوذ على أكثر من نصف الإنفاق العالمي على التسليح.
سياسة «أوباما» التجريبية وخصوصا مع الإسلام السياسي كانت مبنية على نجاح التجربة التركية، وهو ما حفز الأميركيين على تكرار التجربة دون التنبه إلى اختلاف المناخ والعوامل المؤثرة، تراجع علمانية تركيا سياسيا وصعود القوى الجديدة التي كانت تمثل الطبقة الوسطى وتحالف التجار لم يتأسس على أنقاض العلمانية، وإنما على تطويرها بحيث تستوعب أطيافا أخرى تتفق معها في خطوطها العريضة لكنها تستند إلى هوية إسلامية كان الحزب حريصا على تحييدها في صعوده السياسي، كما أن طموح تركيا بقيادة العالم الإسلامي عبر تحالفها مع الإسلام السياسي في دول ما بعد الربيع العربي وإن حظي بمباركة أميركية، إلا أنه تم رفضه بشدة من قبل كوادر الإسلام السياسي وحلفائها السلفيين فهو في نظرهم إسلام معلمن لا يمكن أن يكون بديلا لأطروحات الحاكمية وتطبيق الشريعة وكل الشعارات المستندة إلى «هوية» طاردة لأي اختلاف أو تنوع داخل المنظومة الفكرية للإسلام السياسي وعلى رأسهم «الإخوان».
التجريب الأوبامي في رهانه على «الإخوان» في طريقه للفشل كما تدل كل المؤشرات، حيث صورة «الإخوان» في أدنى مستوياتها وتنحدر بشكل سحيق، فلا يمكن للجماعة أن تدعي تسيد المشهد المصري أمام كل هذه المظاهرات التي تجتاح المدن الكبرى وتسقط العشرات من الأبرياء، وربما مع استمرار الوضع ستتجاوز أرقام الضحايا «ثورتها الأولى» في ظل ارتباك الرئيس محمد مرسي المشدود لأهله وعشيرته، كما أن تحالف الجماعة مع المجلس العسكري بعد سقوط مبارك لن يفيد الآن بعد أن تخلى «الإخوان» عن وعودهم ليس للعسكر بل للشعب وباقي القوى السياسية وقاموا بالسيطرة على كل مفاصل الدولة ومؤسساتها وصولا إلى تحقيق حكم المرشد حيث يعتلي الرئيس العرش بصلاحيات مفتوحة وغير مسبوقة.
مأزق الحالة المصرية و«الإخوان» فيها يمارسون التجريب لكن ليس بطريقة سياسية وإنما «أمنية» ضاغطة وهو ما سيفقدهم شرعيتهم لكن ذلك أيضا مرهون بعوامل أخرى يدرك «الإخوان» أنها لم تتخلق بعد، وأهمها وجود كيان معارض يحظى بقبول الشارع ويستطيع أن يتفق على أهداف محددة وليس مجرد عداء «الإخوان» كما هو الحال في جبهة الإنقاذ التي لا تتفق على شيء سوى مضادة منطق الجماعة فحسب، لكن الخطر القادم من المناطق خارج القاهرة يبدو أنه سيخلق كيانات جديدة تفيق معها هويات صغيرة جهوية ومناطقية تنذر باشتباكات عنيفة ومع سقوط الضحايا يصبح خط الرجعة صعبا للغاية مع حالة التردي الاقتصادي وغياب أي مشاريع تنموية جادة لانتشال الوضع من القاع.
في مقالة هامة للغاية كتبها حسين آغا في «ذي نيويورك ريفيو» على جزأين بعنوان هذه ليست ثورة أشار إلى لقطة هامة وهي أن ما يحدث هو جزء من لعبة الكراسي الموسيقية في مصر، يلعب السلفيون اليوم الدور الذي لعبه الإخوان المسلمون من قبل، والإخوان المسلمون يلعبون الدور الذي لعبه من قبل نظام مبارك. وفي فلسطين، الجهاد الإسلامي هو حماس الجديدة التي تطلق الصواريخ إحراجا لحكام غزة، وحماس هي فتح الجديدة التي تزعم أنها حركة مقاومة في حين تحكم الخناق على من يجرأون على المقاومة، وفتح محض نسخة من الأوتوقراطيات العربية القديمة التي كانت تنتقدها فيما مضى. ترى - ويتساءل - كم نبتعد بالضبط عن اليوم الذي سوف يقدم فيه السلفيون أنفسهم للعالم بوصفهم البديل الأفضل من الجهاديين؟
إشكالية التجريب الأوبامي أنها اطمأنت إلى تصورات الإسلام السياسي حول المصالح الغربية ومصالح إسرائيل وهو ما دافع «الإخوان» عنه بشراسة كصفقة سياسية في مقابل رفع اليد عن أدائهم السياسي الداخلي حتى لو بلغ سحق كل المعارضين والاستيلاء الكامل على السلطة على طريقة «الخلافة» وهو الأمر الذي أراح الأتباع والكوادر التي تعمل في الجماعة ومع حلفائها، فهي لا تكف عبر رسائلها في الـ«يوتيوب» والإنترنت عن ضرورة عدم السماح لأي أحد بالاقتراب من السلطة بعد أن من الله بها على أهل الحق.
إنه كما يقول حسين آغا مجددا «سباق أولمبي للجري على الحبل. إن قوة الإسلام السياسي تأتي أساسا من عدم ممارسته. ونجاحه مؤخرا قد لا يكون إلا مؤشرا على قرب سقوطه. كم كانت الحياة أبسط على الجانب الآخر».
شراهة «الإخوان» للسلطة
بقلم: عبد الحميد الأنصاري عن الاتحاد الإماراتية
في مقالته «هل أخطأنا الطريق نحو الربيع؟»، وصف الكاتب والإعلامي السعودي سليمان الهتلان، واقع العالم العربي اليوم بأنه أسوأ مما كان عليه قبل عامين، حين انطلاق ما سمي «ثورات الربيع العربي». وأتصور أن هذا الوصف صحيح، ويشاركه فيه كثيرون اليوم، ويصدق تماماً على ما يحصل في المجتمعات العربية التي شهدت تلك الانتفاضات الجماهيرية.
ولنأخذ على سبيل المثال ما يحصل في مصر كأبرز نموذج لحالة بلدان «الربيع العربي» في العام الثالث على حراكها الشعبي، ترى من كان يتصور، وقت قيام ثورة 25 يناير قبل عامين، أن تتردى الأوضاع في مصر لتبلغ هذه الدرجة من السوء والخطورة في ظل حكم جماعة «الإخوان»؟! أليس أمراً يدعو للأسى والحزن والحسرة بل والألم، أن تأتي الذكرى الثانية لثورة 25 يناير والتي قام بها شباب متمرد على الأوضاع المهينة للكرامة، وحالم في غد أفضل، ومصر تعيش حالة غليان سياسي واجتماعي وأمني، واضطرابات واسعة، واحتجاجات عنيفة، وانفلات أمني، ومواجهات دامية وبخاصة في مدن القناة راح ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى، مما استدعى فرض حالة الطوارئ لمدة شهر؟!
هذه هي الحصيلة الأولية لحكم جماعة «الإخوان» في ستة أشهر فقط... ومن يدري فقد يكون الآتي أعظم وأفدح! مصر اليوم تثور على حكم «الإخوان» وذكرى الثورة تحولت إلى ثورة ضد «الإخوان»، والذين لم ينفعهم الاستنجاد بأتباعهم وأنصارهم من الدعاة المتعاطفين معهم في مختلف الدول العربية والذين هبوا إليها وتوافدوا على مصر لنجدة «الإخوان» وتهدئة الجماهير في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير.
ما هو حاصل في مصر، يحصل مثله وإن بدرجات مختلفة في كافة هذه المجتمعات التي شهدت ثورات «الربيع العربي» وكان مصيرها أن تقع في أيدي جماعات أيديولوجية لا تحسن إدارة الأمور وتنقصها الخبرة والتجربة السياسية السليمة، وهي جميعاً ذات منهج إقصائي وتخويني لمن يعارضها أو ينتقد سياساتها.
لقد احتفينا كثيراً بهذه التغيرات أول قيامها كما احتفى بها الكثيرون من المثقفين والناشطين ودعاة الحرية والديمقراطية والإصلاح، وعقدنا الآمال الكبيرة في النهوض والتجاوز وتحقيق الحرية والديمقراطية والعدالة والمعيشة الكريمة، وظننا كما ظن الكثيرون أن ما كان يسمى بعقدة الاستعصاء العربي الديمقراطي قد حُلّت مثلما فعلت شعوب كثيرة أخرى، لكننا اليوم تأكدنا واكتشفنا أن كل هذا كان وهماً كبيراً ونوعاً من الأماني الخادعة، وكان جرياً خلف سراب خادع. ها هي اليوم هذه التغيرات تدخل عامها الثالث، في ارتداداتها وتوابعها، وتداعياتها، تفرز «فراعنة» جدداً، وبخاصة في مصر، يسعون إلى الهيمنة على كافة مقدرات وأقدار مصر، عندهم شراهة عجيبة للسلطة وهم مستعجلون جداً للاستحواذ ويستخدمون كافة الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة لإحكام قبضتهم على كافة مؤسسات الدولة وتفاصيلها، يرهبون القضاء ويتدخلون في أحكام القضاء ويحاصرون مقرات العدالة ويتدخلون في شؤونها ويفصلون دستوراً على هواهم، لا يكتفون بالهيمنة على الرئاسة والسلطتين، التنفيذية والتشريعية، بل يسعون بكل الأساليب للاستحواذ على مؤسستي القضاء والأزهر الشريف، كما استولوا من قبل على النقابات والجمعيات المدنية المختلفة، لكن هذا الذي يحصل من قبل «الإخوان» وهم في السلطة، ليس بالأمر المستغرب على جماعة عاشت 84 عاماً في المعارضة والسجون والمنافي والعمل السري المستمر والطويل، وهي تتصور وتؤمن بأن الجميع في الداخل وفي الخارج يتآمر عليها.
هكذا تصور أدبيات وطروحات جماعة «الإخوان» والمجتمع على امتداد هذه العقود الزمنية الطويلة. إن مؤسسات الدولة والمجتمع في مصر من تشريعية وتنفيذية وقضائية وإعلامية وعسكرية ودينية... كلها تتآمر على «الإخوان» كما القوى الدولية الخارجية: إسرائيل وأميركا والغرب، كلها متواطئة مع الداخل ضدها! جماعة عاشت 80 عاماً في ظل هذه التصورات والهواجس التآمرية ثم وجدت نفسها فجأة في السلطة، من الطبيعي أن ترتاب في الجميع، في الخصوم والمعارضين، في مؤسسات الدولة المختلفة، وفي مؤسسات الخارج أيضاً، ومن الطبيعي أن تلجأ إلى الأساليب والوسائل الانتهازية وأن تظهر غير ما تبطن حماية لأهدافها ومشاريعها، فتصادق أميركا والغرب وإسرائيل وتهادنهم ريثما تمكن لنفسها في الداخل، فتزحف بأقصى طاقاتها على كافة مؤسسات الدولة المصرية بهدف التمكين الشامل والتأمين الكامل لنفسها ولأعضائها وللمتعاطفين معها، مستخدمة في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، عبر أسلوب الصدمات المفاجئة وانتهاز المناسبات والفرص السياسية المواتية ضد من تعتقد أنهم الخصوم المتآمرين عليها.
لعل في هذا التوضيح بعض الإجابة على تساؤلات عديدة مطروحة من كثير من الباحثين والكتاب حول الأسباب والعوامل التي تدفع جماعة «الإخوان» في مصر للمسارعة الشديدة والاستعجال المربك في الاستحواذ على كافة مقاليد السلطة والتشريع والجيش والقضاء والتوجيه، لدرجة أن البعض ذكر أن جماعة «الإخوان» في مصر استطاعت أن تحقق في 40 يوماً من تولي مرشحها منصب رئاسة الجمهورية، ما احتاج «حزب العدالة والتنمية» في تركيا 9 سنوات لتحقيقه، خاصة تحجيم المؤسسة العسكرية، وما احتاجه عبدالناصر الذي كان مختبئاً خلف الرئيس محمد نجيب ومجلس قيادة الثورة، وهو سنتان (1952-1954) ليكشف أجنداته السلطوية، إذ لم تحتج جماعة «الإخوان» لأكثر من ستة أشهر حتى تنفرد بالسلطة وتهيمن على كافة المؤسسات، مع العلم -طبقاً للكاتب السوري محمد سيد رصاص- أنه في حالة مشابهة للحالة المصرية، وهي حالة إيران بعد ثورة الملالي عام 1979، حيث لم يكن الخميني مستعجلاً، بل ظل يستعين بالكفاءات المدنية الليبرالية حتى منتصف عام 1981 لينفرد بالسلطة ويتخلص ممن شاركوه في الثورة من الليبراليين.
إنه لأمر محزن حقاً أن يؤول «الربيع العربي» إلى هذه الأوضاع المأساوية، ثورات يقوم بها شباب حالم يضحي بنفسه في سبيلها ثم يخطفها آخرون من أيدي أصحابها الذين قاموا بها ليصبحوا مهمشين مبعدين بل ومطاردين متهمين، هذا ليس بغريب، فقد قال المنشق الإخواني (الخرباوي)، إن «الإخوان» يستعملون الديمقراطية مرة واحدة مثل المناديل.
عن الجحيم العربي
بقلم: أنس زاهد عن المدينة السعودية
تحدثت بالأمس عن خطورة أي تحرك شعبي يهدف إلى إسقاط نظام طغياني ما، ما دام الشعب يفتقر إلى التراكم الثقافي والحضاري الذي يؤهله لاسقاط الاستبداد وليس المستبد وحده.
الآن وبعد مرور أكثر من عامين على إسقاط نظامي بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر، يبدو الوضع أكثر سوءا بمراحل.. والأسوأ هو عدم وجود أية بارقة أمل لتصحيح الأوضاع في المستقبل القريب، أو حتى متوسط المدى.
هذا الاستنتاج لا يعني كما قد يفهم البعض، أنني أسوّق للديكتاتورية أو أهاجم الوضع الحالي في ما يسمى ببلاد الربيع العربي، لحساب الأنظمة المستبدة التي تم إسقاطها نتيجة للانتفاضات الشعبية. من هذه الناحية فإن موقفي من الأساليب القمعية والطابع البوليسي الذي كانت تدار تلك الدول - وما تزال -بوحي منه، لم يتغير. كل ما في الأمر أنني لم أعد أؤمن بأن الانتفاضات أو الثورات الشعبية يمكن أن تصنع تغييراً حقيقياً في ظل هذا الواقع الذي يسيطر عليه انخفاض مستوى الوعي، وعدم توفر التراكمات التاريخية والحضارية اللازمة لجعل التغيير نحو الأفضل، نتيجة طبيعية لأي تحرك شعبي.
إنني لا أشكك في دور الأنظمة التي تم إسقاطها عبر الانتفاضات الشعبية، في تجهيل شعوبها، وفي تبديد المكتسبات التي حققتها تلك الشعوب، وفي تجريف أرضية الوعي الصلبة التي امتلكتها بفضل تجربتها في مقاومة المستعمر التي ارتكزت في جزء منها على التفاعل الحضاري معه. لكن مسؤولية تلك الأنظمة عن إشاعة الجهل ومحاربة الوعي شيء، وأساليب المقاومة شيء مختلف تماما. ولقد أثبتت التجربة على مدار عامين كاملين، رسوب الشعوب في اختبار الوعي، وعدم قدرة النخبة على إفراز القيادات والرموز التي تمتلك مشاريع بديلة وواضحة المعالم وتحظى بالحد الأدنى من الإجماع الشعبي.
إن الثورات لا تنجح في ظل افتقار عامل الإجماع الشعبي. وفي الحالة العربية فإن الشعوب المعنية أجمعت فقط على إسقاط الأنظمة التي تحكمها، في حين أنها عجزت عن الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق ولا أقول الإجماع، فيما يخص هوية الدولة وطبيعة النظام البديل... لقد تحولت بوادر الربيع إلى جحيم. هذا هو الواقع.
انهيار وهم السحر الإسلامي
بقلم: أسعد عبود عن الثورة السورية
مرة أخرى يحذر مسؤول مصري كبير – وزير الدفاع هذه المرة - من انهيار الدولة إن استمر الصراع السياسي فيها؟! الحقيقة أن مصر لا تبدو مهددة بالانهيار...أبداً..
إنما الذي بدأ بالانهيار هو السحر الموعود من الإسلاميين في السياسة عموماً و الرهان على الإخوان المسلمين تحديداً، في كل المواقع التي اختيروا لقيادتها، مصر- تونس - السودان وظلهم على ليبيا، وأسلوبهم في سورية...الخ...
منذ ألغت الجزائر الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون عام 1991، تخفت إمكاناتهم و مواقفهم وراء سحر صنعه أمران هما : البعد عن السلطة، وحقيقة موقفهم من قضايا المنطقة والتدخل الخارجي فيها، ولاسيما القضية الفلسطينية، إلى أن أظهروا اندفاعتهم عبر حراك الشارع العربي الباحث عن الحرية والديمقراطية وعدم حرجهم من التعاون مع الخارج لإسقاط الأنظمة والسيطرة على السلطة!! ثم كانت مواقفهم المعلنة من العدو الصهيوني . حيث أعلن الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي الصداقة العميقة مع إسرائيل، وأكد المسلحون في سورية ومن معهم غطاءً أو دعماً استعدادهم للتعاون مع الكيان الصهيوني، و تلقي مساعدات وأسلحة منه.
ذلك جديد فعلياً لكنه غير مفاجئ. تاريخ الإخوان يؤكد حقيقة دورهم المتفاهم دائماً مع الغرب. الجديد المفاجئ هو موقف الغرب منهم، وهو الموقف الذي يكذب كلياً حقيقة أن يكون هذا الغرب يريد من الحراك العربي بناء الدولة العربية الديمقراطية المعاصرة.
لا يريدون إلا النفط و أمن إسرائيل، ومن أجل ذلك ومع إدراكهم لاستعداد الإسلاميين للتفاهم والتعاون مع إسرائيل وحماية المصالح الغربية في النفط العربي، فتحوا لهم الأبواب بشكل موارب قليلاً! ولعلهم فوجئوا ولو قليلاً بنقص الكفاءة السياسية والإدارية لديهم. فدخلت البلدان التي حكموها أو سعوا إليها في دويخة لا تحتاج وصفاً من أحد عندما يرى مسؤول مصري كبير في حكومة الإخوان أن مصر مهددة بالانهيار!
و يستمر النفاق الغربي و تلفيق المواقف؟! يجري ما يجري في مصر والغرب غير معني في حين يحرك قواته لغزو مالي.
العنجهية الاستعمارية الفرنسية في الشمال الإفريقي يماثلها تماماً عنجهية الموقف من الحراك والأزمة في سورية. فرنسا مع حرب المسلحين المعلنة على سورية، وهي مع حصار المعارضة السورية لتكون فقط الائتلاف، يعني الإخوان! أما التطريزات على واجهة الائتلاف فليست أكثر من غطاء مهما علت القامات وعظمت الأفكار.
نستخدم غالباً عبارة «الغرب» للدلالة على السياسات الاستعمارية في منطقتنا، ونحن محقون في ذلك. لكن من المؤكد أن هذا الغرب غير متساوٍ، في كفاءته على الأقل.
والغرب فيه أوروبا فاشلة و أميركا ناجحة. ولاسيما هي ناجحة في تركها أوروبا محلاً للسخرية بقراراتها ومواقفها، لتكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة. وللعالم شرق تتعدد قواه وتنطق باسمه روسيا. ومن لقاء روسيا وأميركا يمكن فهم حقيقة ما يجري ، وما ينتظر بعد انقضاء مرحلة وهم السحر الإسلامي.
حكم "الإخوان" يترنّح ويظهر فقر مقارباتنا للربيع العربي
بقلم: وسام سعادة عن المستقبل البيروتية
ثمّة مقاربتان، غليظتان، الأجدى تنحيتهما جانباً، عند مقاربة المناخات الربيعية و"الربيعية المضادة" في البلدان العربية، وخصوصاً مصر.
فمن جهة، هناك المقاربة "المخاضية" التي يجنح أصحابها الى طمأنة الذات بأنّ "كل شيء مخاض"، فيتبرّمون من كل نازع الى النقد والرويّة، واذا ما استطاعوا ينظرون الى كل شيء على أنّه احتفالية، حتى اذا حلّت النوائب، أو انسدّت السبل أمام العناصر الأكثر ديموقراطية وحداثية، أو مالت الأرض كما الصناديق الى التيارات الاسلاموية، واظبوا على امتداح مفارقات المخاض، وصار المخاض عندهم "غيباً متحرّكاً" يشبه في شيء منه "الغيب المؤدلج" لدى التيارات الاسلاموية.
ومن جهة ثانية، ثمة المقاربة التي تسقط من الميادين حقّها، ومن دينامية الجموع دورها في تأسيس معان جديدة للممارسة السياسية لا عهدة للقوالب التحليلية التقليدية بها. فاذا كان أهل الفرقة الأولى يرون انّ كل شيء مخاض، وكل مخاض يأتي بالجديد، وانّ الجماهير تصنع التاريخ، وينبغي امتداحها من دون أي انتقاد جديّ، ووصفها دائماً بأحسن مما هي، فان أهل الفرقة الثانية يميلون بدلاً من ذلك الى تصوير أمور الربيع على انّها ناشئة عن دخول الأنظمة التسلّطية العربية في مرحلة موتها السريري ثم انهيارها، الأمر الذي ولّد حركات شعبية على هامشه، بل وحركات مطبوعة بخاتم الانهيار، في ثقافتها ومعاشها.
أهمّ ما يتيحه الوضع المصريّ اليوم، بالدينامية التي تنتاب شارعه، هو ضرب هاتين المقاربتين "المخاضوية" (الشعبوية) و"الانهياروية (الرائجة في أوساط الليبرالية العربية). المسائل أعقد من هذه الصياغات المبكرة لسؤال الربيع العربيّ وجوابه. ما يحصل في مصر وغيرها ليس مخاضاً دائماً وحيوياً ليس إلا، وما يحصل في مصر وغيرها ليس انهياراً متواصلاً لنظام قديم، في ظل العجز عن توليد نظام جديد. ما يحصل يتضمّن بالتأكيد في لوحة متداخلة، مشاهد انهيار نظام وتصدّع مجتمع، وتصدّع الجماعات المختلفة في المجتمع. لكن أيضاً ثمّة دينامية لا تختزل في كل هذا، وتحتاج بالفعل الى بعض الصفاء الذهني لوصفها. دينامية يكرّسها شباب الثورة المصرية بشكل كبير، بما لهم وبما عليهم. بالسياسة التي لا يلبث ان يظهر انهم بدأوا يحترفونها حتى يهجرونها حتى يلجون اليها ثانية. فهم عندما ركّزوا على فلول النظام السابق لم يروا أطماع العسكر وعندما ركّزوا على العسكر لم يروا مكائد الاخوان. لكنهم بالنتيجة نجحوا في تقويض الجميع، من حيث يدرون أو لا يدرون. العسكر، الاخوان، القوى السياسية، فلول النظام السابق. ولمزيد من التحديد: نجحوا في الاشهر الماضية، وربما في الايام المنصرمة اكثر من أي وقت مضى، في إدخال منطق "حكم الاخوان" في وضعية لا يحسد عليها، لسبب بسيط: هي وضعية استنزاف لا يمكن أن يخرج منها، الا بالخروج من الحكم، او بإخراجه من الحكم.
بعضُ ما يعزّز هذه الدينامية، الجائز أن تسمّى ثورية بمعنى ما، هو أنّ جميع القوى السياسية بلا استثناء تشترك في ثلاث: لا تملك برنامجاً لحلّ الأزمة ومتابعة عملية التحوّل الديموقراطيّ بشكل ثابت. تدّعي كل واحدة منها أنّها ذات الموقف الأقرب الى جهة الحق، من دون أن تدّعي الحدّ الأدنى من وعود الخلاص، ومن دون أن تتمثّل ولو بالحدّ الأدنى صورة المخلّص الكاريزمي، علماً أن تاريخ مفهوم الثورة في القرنين الماضيين لم يكن لينفصل أبداً عن ثنائية وعود الخلاص، وتمثّل أو استدعاء المخلّص. وثالثاً، فإنّ هذه القوى تجمع بين اعتراف كل منها بافتقاده التصور الشامل لحل الأزمة، وبين تعفّف كل منها عن النزعة الخلاصية، وبين تنازعها المعاني المتشظية للمشروعية، والأهلية، الا أنها تكابر في الوقت نفسه على ما تستدعيه هذه الحالة من تقاسم "جماعيّ" للمسؤولة، ما يبرز بالشكل الفاضح من خلال شهوة الاستئثار التي حملت "الاخوان المسلمين" الى محاولة قلب الطاولة على الجميع، من دون خلاصية ولا مخلّص، فكانت النتيجة انّ الدينامية الميدانية أدخلت "الاخوان" في عملية استنزاف ضارية.
من أين تأتي هذه الدينامية بالطابع غير المسبوق، الطابع المسفّه سواء بسواء للمقاربتين "المخاضوية" و"الانهياروية"؟ الاجابة صعبة. تتطلّب حدّاً معيّناً من التذكير بنظرية والي نصر حول صعود الرأسمالية الاسلامية، وبنظرية ديفيد هاري حول المدن المتمرّدة في بداية قرننا هذا. بشكل عام، المقاربة التي تصلح لمركز الربيع العربي، مدينة القاهرة، لا يمكن ان تسري بحد ذاتها على مجمل الاقاليم العربي. لكننا بحاجة بالفعل الى مقاربة ما يحصل من موقع انه دينامية مدينة، ميغالوبول، والى الفشل المريع لتجربة الاخوان في الحكم، وتهافت هذا الحكم بشكل متسارع، على انّه نتيجة فشلهم أمام الميغالوبول. فاستراتيجية حصار المدينة بالريف الاسلامي، من خارجها وحولها ومن داخلها، لا يمكن ان تنجح عندما تكون المدينة بهذا الحجم، سواء في مصر او الاسكندرية. "العمران" ينتصر على "الاخوان" لان استنزاف حكم الاخوان قد تحول الى دينامية ميدانية لا جواب اخوانياً قادراً على ردعها... والقاهرة "المتمردة" تبدو اكثر من اي وقت مركز هذا الربيع، ومختبر الافكار التي تساق بصدده.
العثمانيون الجدد والحكومة الراشدة..!
بقلم: جمال جصاني عن الصباح العراقية
يبدو ان قدر هذا الوطن القديم قد انتقل من كونه بستاناً لقبيلة قريش، الى حدائق خلفية لقبائل اخرى انحدرت الينا قبل أكثر من 500 عام مما يعرف اليوم بدول الجوار. وبالرغم من التحولات الهائلة التي شهدها العالم على مختلف المستويات، وخاصة القيمية والحقوقية منها، الا ان سدنة وعسس الثوابت في مضاربنا المنسية، يجدون في ترساتنهم الصدئة كل الصلافة اللازمة لاعادة انتاج منظومات الخراب والقهر التي أوصلتنا الى هذا الحال الذي لن تحسدنا عليه قبائل الهوتو والتوتسي.
لقد استبشرنا خيراً برياح التغيير التي وصلت الى منطقتنا، ومع انها قد وصلت متأخرة، لكنها وكما يقال خير من ان لا تصل ابدا. والجارة تركيا كانت سباقة في هذا المجال لاسباب جيوسياسية معروفة، لقربها من موطن الحداثة (الغرب) وامتلاكها للنظام العلماني الذي شيده مؤسس تركيا الحديثة كمال آتاتورك. في البدء تعاطفنا كثيراً مع حماسة مهندس السياسة الخارجية الجديدة أحمد داود اوغلو المعروفة بسياسة (تصفير الأزمات) ورسمنا في مخيلاتنا حزمة من الصور البهية عن النتائج التي ستتمخض عن هذه الستراتيجية الحكيمة، واعتقدنا انها نتاج روح الديمقراطية الجديدة عند الدولة الجارة. لكن وقبل أن يمر وقت طويل حتى بدأت تتصاعد اعمدة دخان من نوع آخر، لا علاقة لها بقيم ومبادئ الحداثة والديمقراطية وحقوق الانسان، وبمرور الوقت وتطور الاحداث في المنطقة والعالم، اكتشفنا زيف تلك الصور التي تبخرت أمام عنفوان طربوش عثماني جديد يحن لحريم السلطان.
السلطان الجديد الذي تلقف مقاليد الامور عبر الآليات الديمقراطية، التي اتاحها له النظام العلماني الذي اطاح بامبراطورية التخلف العثمانية، كشف عن حنين لا يليق بمن يدعي ليلاً ونهاراً عن مناصرته لحرية عيال الله وكرامتهم ودفاعه عن النظام الديمقراطي. فبعد سلسلة من المواقف والممارسات المعادية للتجربة الديمقراطية الفتية في هذا الوطن المنكوب بالفايروسات العابرة للجغرافية الوطنية (العثمانية والصفوية) توج اوردغان منهجه غير المتوازن هذا في كلمته للمؤتمرين تحت رعايته في اسطنبول يوم 26/1/2013 تحت عنوان (نصرة انتفاضة الشعب العراقي) حيث دعا الى (اقامة حكومة راشدة في العراق) هذه الدعوة التي افصحت عن أمر واحد لا شريك له الا وهو ان احلام السلطنة قد افقدت اوردغان رشده..! ولم يعد يفرق بين نظام يعتمد الصناديق الديمقراطية والتي تمثل ذروة الرشد الذي وصلت اليه سلالات بني آدم وآخر يحن الى الخوازيق العثمانية وصولاتها الهمجية.
الأزمة المصرية سياسية وليست أمنية
بقلم: عبدالله الأيوبي عن اخبار الخليج البحرينية
من السابق لأوانه التكهن بما سوف تؤول إليه الأحداث الجارية في مصر حاليا خاصة بعد إعلان الرئيس محمد مرسي حالة الطوارئ في محافظات القناة الثلاث وهي بورسعيد والسويس والإسماعيلية التي شهدت أكثر من غيرها من المدن المصرية اضطرابات وصدامات بين المحتجين وقوات الأمن بعد أحكام الإعدام التي صدرت فيما سمي «بمذبحة ملعب فريق المصري البورسعيدي» واستمرت وتصاعدت وانتقلت إلى القاهرة مع بدء استقبال الشعب المصري للذكرى الثانية لثورة الخامس والعشرين من يناير، وهي المناسبة التي كان من المفترض أن تخرج خلالها الجماهير المصرية رافعة ورود الفرح بالانتصار لا مواجهة حالات من القمع والقتل ليعيد إلى ذاكرتها أحداث ما قبل نجاح الثورة.
صعوبة التكهن بخط مسار الأحداث التي تشهدها مصر في الوقت الحاضر لا يعني انعدام الرؤية للوصول إلى معرفة أولية تدل على هذا الاتجاه الذي من المرجح أن تسلكه هذه الأحداث، وتقديم قراءة أولوية للاتجاه المتوقع أن تسفر عنها من نتائج، ليس مستبعدا أن تؤثر على الخريطة السياسية في مصر، رغم إعلان حالة الطوارئ ودعوة الرئيس مرسي الموجهة إلى القوى السياسية المصرية للبدء في حوار وطني يساعد على الخروج من الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد.
ومع أن محافظات الشمال شهدت درجات أعلى من الحدة في الاشتباكات وسقوط العديد من القتلى والجرحى جراء ذلك، وإن كانت مقدمة تلك الأحداث جاءت على خلفية الأحكام القضائية الخاصة بأحداث مباراة المصري البورسعيدي مع الأهلي القاهري، إلا أن ما حدث في القاهرة من تظاهرات وصدامات واستمرار حالة الاحتقان السياسية وعدم الاستقرار الأمني يؤكد أن المشكلة الكبرى التي تواجه مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير هي مشكلة سياسية خالصة، ومن غير المستبعد أن تختلط معها المشاكل الأخرى لتزيد من الطين بله، كما يقول المثل.
لكن القلاقل الأمنية التي تشهدها مصر حاليا ما هي إلا نتاج لطبيعة المأزق السياسي الذي تسببت فيه القيادة المصرية الجديدة بعد أن «استعجلت» الاستحواذ على ثمار الثورة التي شاركت فيها جميع مكونات الشعب المصري وليس مكونا سياسيا أو أيديولوجيا واحدا، حيث ظهر ذلك جليا خلال الخطوات التي سلكتها القيادة الجديدة للوصول إلى الدستور الحالي الذي هو جزء من هذه المشكلة وأن الإصرار على التمسك به ومن ثم إقراره صعد من حالات عدم الثقة بين الأطراف المختلفة مما جعل الوضع في مجمله مسرحا للتصعيد والانفجار في أي لحظة .فالأوضاع في مصر ليست مرشحة للتطبيع خاصة بعد رفض القوى السياسية المؤثرة في الساحة المصرية الدعوة الصادرة عن الرئيس مرسي وتحميلها السلطة السياسية الجديدة مسئولية الدماء التي أريقت خلال المواجهات الأخيرة وكذلك المواجهات التي اندلعت على أثر إصدار الرئيس مرسي إعلانه الدستوري الأول وما تلا ذلك من إقرار للدستور (الإخواسلفي) الذي وضعته الجمعية التأسيسية التي غلب على تشكيلها ممثلو جماعة الإخوان المسلمين وأشقاؤهم السلفيون، إن بذور الأزمة الحاصلة في مصر حاليا هي من صنيعة القوى التي أرادت أن تسرع في تنفيذ سياسة الإقصاء والتهميش باستخدام أدوات ومفاتيح تشريعية.
الجميع، وخاصة الحريصين على مصلحة ومستقبل مصر وشعبها العزيز على قلوب أبناء الأمة العربية كلهم، يتفقون مع ما ذهب إليه الرئيس محمد مرسي في خطاب إعلان حالة الطوارئ في المحافظات الثلاث من «أنه لا بديل عن الحوار بين أبناء الشعب المصري، وهو السبيل الوحيد للعبور بمصر إلى الاستقرار والأمن»، وهذا بالضبط ما كانت تدعو إليه القوى الوطنية المصرية التي شاركت في الثورة وقدمت أبناءها وقودا لإنجاحها، وقد لاقى موقف هذه القوى الداعي للحوار قبل إقرار الدستوري (الإخواسلفي) الصد والتجاهل من جانب القيادة الجديدة في مصر ومناصريها من تيار الإخواسلفيين.
فالذين خرجوا إلى الشوارع في الذكرى الثانية للثورة الشعبية المصرية، لم يخرجوا من أجل زعزعة استقرار بلدهم الذي ضحوا من أجله وتحملوا التنكيل والقتل على أيدي قوات ورجال أمن النظام السابق، وإنما خرجوا من أجل عدم مصادرة الحقوق التي ضحوا من أجلها، فهذه حقيقة يجب أن تعترف القيادة الجديدة بوجودها وبمشروعية المطالب التي ترفعها الجماهير المصرية في مختلف المدن المصرية، فالقضية أكبر من احتجاج على الأحكام القضائية التي تثار الآن حولها شبهة التسييس، وإنما القضية الأكبر من ذلك تتمحور حول تحقيق الأهداف الجامعة للجماهير المصرية وليست تلك الأهداف ذات المنفعة العقدية والأيديولوجية الحزبية.
مرسي يحقق حلم موشيه دايان
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
"اذا استطعنا إسقاط عسكر عبدالناصر وإيصال الاخوان المسلمين الى سدة الحكم فسنشم رائحة الموت والدماء في كل بقعة من مصر, فلتكن تلك غايتنا وحربنا بمساعدة الاصدقاء الاميركيين". هذا الكلام ليس لسياسي عربي, بل لموشيه دايان, وزير الحرب الاسرائيلي عام 1968, وما قاله قبل 45 عاما يتحقق اليوم على أرض مصر بعد ان أمسكت جماعة الاخوان المسلمين بزمام الحكم, وراحت تسعى الى إنشاء ديكتاتورية جديدة مغلفة بالشعارات الالهية والدينية.
طوال العقود الماضية كانت كوادر الاخوان المسلمين تربَّى في أحضان الاستخبارات الاميركية والبريطانية, وترضع من الثدي الاسرائيلي حتى ما بعد الفطام, وما شهدته مصر في الاشهر الاخيرة من فوضى وانفلات توج باعلان مرسي حال الطوارىء في بعض محافظاتها أليس بمثابة ترجمة لأمنيات دايان? فما أعلنه الرئيس المصري في خطابه الاخير بقوله:" حقنا للدماء, وحفظاً للأمن ضد مثيرى الشغب, قررت إعلان حالة الطوارئ بمحافظات بورسعيد والسويس والإسماعيلية", لم يكن حقنا للدماء إنما هو هدر لها لأنه منح القوات المسلحة سلطة اعتقال كل من يخالف قراره, هارباً بذلك من عدم تلبية مطالب شعبه الذي خرج بالملايين الى الشوارع لاسقاط "حكم المرشد".
بدلا من ان يقول مرسي للناس الذين يخاطبهم بـ "أهلي وعشيرتي" في خطبه:" حقنا للدماء قررت التنحي من رئاسة الجمهورية", نراه يجر مصر الى حيث أراد دايان, ويعلن حال الطوارىء, هذه الطوارىء التي كان ينتقدها طوال حكم الرئيس السابق حسني مبارك, علما ان مصر, وقتذاك, كانت تعيش أجواء حرية تعبير عن الرأي أكبر بكثير مما هي عليه حاليا, بل ان مئات التظاهرات كانت تخرج في مختلف مدنها من دون اي اشتباكات بين أنصار الحزب الوطني والمتظاهرين كما هي الحال اليوم مع جماعة الاخوان المسلمين وأنصارها في التيار السلفي وغيرها من القوى الاسلامية.
اعتدنا طوال العقود الماضية ان تكيل جماعة "الاخوان" ومعها التيارات الدينية بمكيالين, بل إنها جعلت للدين مكاييله الخاصة ليصبح أداتها في الاغتيال والتخريب والتآمر, وها هي اليوم وبلسان ممثل المرشد في رئاسة الجمهورية تعلن حال الطوارىء ومنع التجول لوقف سيل الغضب الشعبي من ان يهدم أسوار نظامها الذي تشيده بالجماجم والاشلاء لأن مصر في حساباتها ليست أكثر من عزبة لها وشعبها عبيد المرشد, ولا حق لهم بالاعتراض على إرادته التي يتصورها إرادة إلهية كما هي حال سدنة القمع الايراني الناهل من معينهم في الحكم والسلطة.
نسي مرسي ان هذا الشعب هو من مهد له الطريق للوصول الى كرسي رئاسة الجمهورية, وان الثوار الذي طمحوا الى مصر جديدة هم من قدم التضحيات الغالية لاقتلاع الفساد الذي عشعش في مؤسسات الدولة, وليس للإتيان بمن يعتبر الشعب قاصرا يحتاج الى مرشد يقوده, ولا من يستبدل ب"فساد إلهي" فساد بعض المسؤولين إبان حكم الرئيس حسني مبارك.
كل مرة يريد مرسي ان يكحلها يعميها, ففي كل خطبه وتصريحاته منذ بدء الازمة استخدم لغة التهديد والوعيد, و وجه الاتهامات الى القوى الخفية التي تريد النيل من مصر, وهي حجة المحكوم بهاجس المؤامرة الذي تربى على التآمر والخداع, بينما الحقيقة ان الشعب المصري كفر, ومنذ الايام الاولى لحكم "الاخوان", بهم لما ارتكبوه من جرائم ضد الدولة والشعب.
المثير للسخرية ان مرسي جعل من نفسه الخصم والحكم فيما الخصام معه, فالذي شدد في خطابه الأخير على احترام أحكام القضاء كان أول من هتك أستار القضاء وتعدى عليه حين تدخل فيه وعين محازبيه في بعض المواقع لاغيا استقلال هذه السلطة التي لم يسبق لأي رئيس مصري ان مسَّ بها. فلو كان مرسي فعلا يحترم إرادة الشعب المصري لتنحى منذ اللحظة الاولى التي تظاهر فيها ملايين المصريين ضده مطالبين برحيله, ولم يأمر القوات المسلحة باعتقالهم, كما لم يغض الطرف عن أنصاره عندما أطلقوا النار على المتظاهرين, لكن يبدو ان ما قاله يوماً المتنبي يعكس حال مرسي ويعبر عنه أصدق تعبير:
أُعِيذها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً
أن تحسَبَ الشحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدنْيَا بِنَاظِرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ"
فالحاكم الذي تستوي عنده الانوار والظلم لا يرى شعبه إنما يرى كرسي الحكم فقط, حتى لو كانت قوائمها من عظام أبناء وطنه.
عن الهوية.. والدولة
بقلم: عبدالله دوبلة عن الصحوة اليمنية
لا الهويات الكبرى معيار لنشوء الدول الكبيرة، ولا الهويات الصغرى معيار موضوعي أيضا للتفتت إلى دويلات أصغر. في الأخير ليست الهويات ذلك المعيار السياسي الذي أتت منه الدولة الجديدة الآن.
ربما أحتاج هنا إلى شرح سريع لمفهومي عن الدولة القديمة والجديدة، وهو ما أقصد به ذلك التحول على شرعية الدولة من شرعية (الملك عن الإله، أو الملك عن عصبية القبيلة والأسرة) إلى شرعية (المواطنين) من خلال العقد الاجتماعي للدولة (الدستور) للتعبير عن مفهوم الدولة الجديدة، والتي تظل رغم ذلك التقدم على مفهوم شرعية الدولة تحتفظ لمسألة وجودها وسيادتها الجغرافية بما ورثته عن الدول القديمة، وهو ما تعبر عنه الدول الآن في مفهوم احترام سيادة الدولة على أراضيها ووحدتها، والتي لا تكون عادة أراض خالصة لهوية أو قومية واحدة، حيث هناك دول من (هويات) عدة، كما أن هناك هوية واحدة تتوزع على عدة دول.
ولا علاقة هنا بين تشكل دولة من هوية واحدة أو توزعها على دول عدة وبين مسألة حداثة تلك الدولة سياسيا أو تخلفها.. فأن تكون الدولة حكرا على هوية واحدة، ليس هو المعيار على التحول إلى الدولة الحديثة والرشيدة، بل هو ربما إرث قديم عن الشوفينية الأوروبية فترة انتعاش الأحزاب والحركات (القومية) كالنازية والفاشية، والقومية هنا في المفهوم الأوروبي لا تتطابق مع مقابلها في المفهوم العربي عن القومية، بل هي ربما أقرب لمفهوم (الوطنية القطرية عندنا، أو الأمة الصغيرة القائمة على العرق). ربما لو قلنا ( القومية المصرية) باستثناء أهل النوبة في الجنوب وبدو سيناء والواحات الغربية ومن لهم أصول عربية أو عرقيات أخرى ليست أصيلة عن العرق الفرعوني المصري القديم، من سكان الدولة المصرية الآن. مثلا.
فالدولة الأمة أو الدولة الشعب، دولة الهوية، هو مفهوم قديم وموروث عن الدولة القديمة (شرعية الملك عن سلطة الله، أو الملك عن سلطة القبيلة أو الأسرة والتغلب بها، أو الشعب الأمة في حالة واسعة من تلك العصبيات القديمة التي كانت تنشئ الدول القديمة ليس إلا. فيما يمكن القول أن دولة المواطنين هي التوصيف الأنسب لتعريف الدولة الجديدة.
إبعاث الهويات الأكثر صغراً الآن عن هويات أصغر كمعيار للمطالبة بالاستقلال والحصول على دويلات جديدة على أساس الهوية، هو مؤشر مهم لمعرفة تلك الدول الفاشلة في التحول إلى دول جديدة، حيث معيار (المواطنة) في بنية الدولة ووظيفتها هو الحكم، غير أنها أيضا الدولة الهوية ليست البديل الأفضل لفشل الدولة، حيث لا تعبر ولن تعبر في ذاتها عن حالة سياسية متقدمة لحداثة السياسة والدولة، بقدر ما هي حلقة أخرى ومكررة عن الصراعات القديمة حول مفاهيم السلطة والدولة والعصبيات التي تظل وستظل تتوالد باستمرار حول مفهوم الهوية، من هوية إلى هوية أصغر مع كل جولة صراع..
فالهوية ذاتها مسألة ملتبسة، ومن الصعب فعلاً قياسها، أو القياس بها لتفصيل دولة، في حالتنا اليمنية مثلا صحيح أننا لسنا متشابهون تماماً، غير أننا لسنا مختلفون تماماً بذلك القدر الذي يجعل العيش المشترك في دولة واحدة صعبا أو مستحيلا. أو حتى يمكن معه الرسم والتخطيط لدويلات هويات واضحة من هنا تبدأ هويتك أو هنا تنتهي هويتي.
حتى التاريخ السياسي للدول لا ينفع كمعيار لدعم فكرة الدولة الواحدة، بذات القدر الذي لا ينفع لرسم خطوط لدويلات متعددة أيضا. و لا أدري من أين أتى ذلك الإحساس أن اليمن كانت دولة واحدة، لا أتكلم هنا عن الساسة في دولتي الجنوب والشمال قبل الوحدة بل عن ذلك الإحساس والوعي الشعبي الطاغي بالوحدة، مع أن اليمن الجغرافية لم تشهد منذ مئات السنين دول مركزية إلا نادرا. مع أن حتى هذا ليس شرطا مانعا لآن تكون أي بلد دولة واحدة.
في الواقع ليس هناك أي دولة في هذا العالم متقدمة كانت أو متخلفة، تحظى بذلك الاستقرار التاريخي لهوية وجغرافية الدولة التي هي عليه الآن. ليس هناك أي دولة تحظى بهذا الاطمئنان التاريخي للأسف.
وحدها تلك الدول الجديدة والمتحولة إلى دول (المواطنة) من تحظى بفرص أكبر لإدارة الاختلاف البشري الفطري وصراعهم الدائم على الحقوق، والمصالح، والكرامة.
كعرب عموماً.. فوّتت علينا مسألة الهويات، (الكبرى) وشعاراتها في القرن العشرين فرصة بناء دول حديثة ورشيدة، وأخشى أن تفوتها الآن الهويات (الأصغر). فالمواطنة لا الهويات هي ما تحتاجه الدول لتكون رشيدة ومستقرة الآن.
هذا النبي.. لا يعرفكم.. ولا تعرفونه
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
حين أقرأ المادة الثانية من الدستور “الإسلام دين الدولة”.. أسأل نفسي: وهل الدولة التي دينها الإسلام موجودة فعلا؟ أم أنها مجرد دولة على الورق؟ وفي أحسن الظروف دولة مناسبات؟
أسأل عنها.. وأحاول العثور عليها في أي مكان.. أبحث عنها في طيات خمسين سنة من التاريخ فلا يتجلى لها أثر.. وأسلط عليها المجهر والتلسكوب فلا تبين.. أنقب عنها في دفاتر الحكومة فلا أحس أنها معنية بها.. أنادي عليها بأعلى صوتي فلا يرتد إليّ صداها.
وعندما أيأس.. أراجع نفسي وأقول.. لعلّي أبحث عن الدولة الخطأ.. في الزمن الخطأ.. وفي المكان الخطأ.. فالدولة التي دينها الإسلام.. قد تكون ـ في عرفهم السياسي والأخلاقي ـ هي الدولة التي تسمح باستيراد الخمور وتوزيعه على البائعين والشاربين.. وتتغاضى عن الفاسدين واللصوص ومزوري الانتخابات.. ولا تأخذ على أيدي المرتدين والمارقين.. ويتزاحم فيها المنافقون والدجالون.. ولا تعرف من الإسلام إلا بعض الأشكال المطلية بطبقة رقيقة من المظاهر الخادعة.
هذا على المستوى الرسمي.. أما على المستوى الشعبي.. فحال الإسلام ليس أفضل من حاله مع الحكومة.. فالعبرة ليست بالعناوين.. ولكن بالجوهر.
عندما قال اليهود للمسيح عليه السلام “نحن أبناء إبراهيم”.. رد عليهم “إن الله قادر على أن يقيم من هذه الحجارة أبناء لإبراهيم”.. وعندما قالوا لنبينا (.. نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).. أجيبوا (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ.. المائدة 18).
اليوم يجسد هؤلاء اليهود والنصارى.. أكبر حالة زيف بشري في تاريخ الانتماء إلى دين سماوي.. فلا موسى ولا عيسى عليهما السلام يعرفان هؤلاء.. ولا هؤلاء يعرفون موسى وعيسى.. هم أتباع إبليس لا أكثر.
بمَ نختلف نحن مسلمي اليوم عن هؤلاء؟ وهل نحقق في حياتنا الخاصة والعامة معاني الانتماء الحقيقي للإسلام؟ ونمثل في سيرتنا حالة علاقة صادقة بنبينا الكريم أم هو مجرد ارتباط مغشوش؟
لندع الكلام جانبا.. ونأتي إلى الأفعال: هل يكون المسلم متخلفا، فاسدا، مستبدا، جاهلا، زائفا، مزورا، سلبيا، عدوانيا، هامشيا، عديم الفعالية؟
هل يكون المسلم سارقا للمال العام، مغتصبا لثروات الشعب، مضيعا للأمانة، خائنا للثقة، وسخ المظهر والمخبر، فوضويا، كذابا، ظالما، مجرما، منافقا؟
هل يقبض المسلم الرشوة أو يمنحها؟ هل يشرب الخمر أو يبيعها؟ هل يتاجر في المخدرات أو يتعاطاها؟ هل يبيح الربا والكسب الحرام لنفسه ولغيره؟ هل يقايض وطنه مقابل عمولة وسخة تصب له في حساب خارجي؟ هل يذل أمام صعاليك العالم من الملحدين والإباحيين؟ هل يستورد البضائع المغشوشة ليسمم الناس أو يقتلهم بها في الطرقات؟ هل يسمح للغير بانتهاك حرمة بلده بسبب الخوف أو بداعي العمالة؟
هل يمتنع المسلم عن أداء الزكاة المستحقة؟ أو عن أداء الضريبة العادلة لخزينة الشعب؟ هل يكون المسلم تكفيريا يوزع بطاقات الطرد من رحمة الله؟ أو إرهابيا يفجر القنابل وسط الآمنين ويزرع الرعب في كل مكان؟ أو مفتريا على دين الله يفتي بجهله أو هواه؟ وهل.. وهل..
بالإجماع.. لا يكون المسلم هكذا.. وهذه ليست صورته.. وعندما يحصل ذلك.. يكسر حلقة الوصل بينه وبين هذا النبي العظيم.. وينتقل سريعا إلى المربع الآخر.. أعني إلى حالة الزيف القصوى.. حين يقول ما لا يفعل.. ويخفي ما لا يظهر.. ويدعي ما ليس حقيقة.
ثمة خلق استثنائي كان يطبع سيرة نبينا.. تكاد تخلو منه حياة المسلمين.. أعني به اللين والرحمة والرأفة.. فلم يعرف عنه أنه كان غليظ القلب كالصخرة.. (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ منْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ـ التوبة 128).. لم يضرب أحدا بيده.. ولم يوبخ أو ينتهر خادما.. إلا ما كان انتصارا لدين الله.. ولم يكن فظ اللسان، أو بذيء المقال (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ… ـ آل عمران 159).. كان يأسى لآلام الآخرين وأحزانهم.. يأخذ بأيديهم إن عجزوا.. ويعينهم على النهوض إن سقطوا.. ويلملم جراحهم إن أصابهم قرح.. ويدعو الله لهم بكل خير.. فأين نحن من هذا يا ترى؟
القوي يلوي رقبة الضعيف.. والفاسد يأخذ بخناق المصلح ويرميه في السجن.. والغني لا يغنيه ما في يده.. فيسلب حق الفقير والمسكين.. لا يحجزه عن ذلك حرام أو سحت.. لا أحد يلتفت إلى معاناة أحد أو يشعر بضيق حاله.. ولا أحد ينصت لأنات معذب أو مكلوم.
يقتلون بعضهم بعضا.. ويعذبون بعضهم بعضا.. ويستنجدون بالأجنبي ليفتكوا بأبناء بلدهم.. لا ينصرون مظلوما.. ولا يكبحون جماح ظالم.. المتخمون منهم يموتون من التخمة.. والمعدمون يموتون جوعا.. وأصحاب الكراسي لا ينتبهون إلى حال المهمشين والضعفاء ممن يقبضون أجورهم بأسمائهم.
وفي النهاية.. قد يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم.. ويستغفرون الله.. ويحمدونه على خيره.. وقد يعتمرون كل سنة مرة أو أكثر.. وربما قالوا نحن في الجنة.. وغيرنا في النار!!
بما نحن عليه.. تقوم بيننا وبين نبينا مسافة بملايين السنين الضوئية.. مسافة تحكمها في الغالب علاقة عكسية.. ولأننا تبدلنا.. واكتسبنا جلودا جديدة.. ولغة جديدة.. وقلوبا جديدة.. لا يعرفها هو.. فإنه بالنتيجة لا يعرفنا.. وبزيفنا ولون حياتنا.. نحن نثبت أننا لا نعرفه.. ولو أضأنا مليون شمعة من حولنا في ليلة مولده.. نحن لا نعرفه.. لأننا أطفأنا كل الشموع التي أضاءها فينا.. ومضينا في طريق ليست هي طريقه.
«الربيع» يزهر خيبة... ودما!
بقلم: مراد علالة عن الصحافة التونسية
في نفس المكان الذي تحدث فيه الرئيس الامريكي باراك أوباما منوها بالثورة التونسية في يوم من الأيام، وتفاعل معه جميع نواب الشعب الأمريكي الذين انتفضوا بدورهم ووقفوا وصفقوا طويلا على غير عادتهم للشعب التونسي الذي أزاح رمزا من رموز الدكتاتورية في العالم، حضرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون هذه الأيام بعد ان شفاها الله، وقدمت شهادتها في الكونغرس الأمريكي بالذات حول واقعة سحل السفير الأمريكي في بنغازي وأطلقت العنان لأحكام معهودة ألقاها من الادارة الامريكية التي «لن تترك شمال افريقيا والشرق الأوسط للارهابيين» أو غير الارهابيين.
هيلاري كلينتون صارحتنا بأن بلادها في حالة «صراع ضروري» وتحدثت أيضا عن تزايد تهديد الاسلاميين في أنحاء المنطقة وكشفت علمها بأن سلاح ما يسمى بالثوار في سوريا أو المجاهدين في مالي مأتاه ليبيا...!
وقد كان بالامكان أن ينزل علينا هذا الكلام بردا وسلاما ونحن نحتفل بذكرى 14 جانفي في تونس و25 يناير في مصر و17 فبراير في ليبيا و18 آذار في سوريا لو كانت نوايا وأفعال أمريكا في المنطقة نقية ونزيهة وداعمة حقيقية لإرادة الشعوب العربية في التحرر والإنعتاق ولو لم تستهن هذه الدولة العظمى في لحظة ما بانتفاضاتنا وضحت بالقيم والمبادئ من أجل مصالحة انتهازية ومشبوهة مع جماعات الإسلام السياسي المتلحفة بعباءة الدين والمنتفخة بخراج النفط والغاز والخانعة لتعاليم «زعماء الأمة الجدد» في الخليج العربي.
ولا تقف أمريكا وحيدة في جبهة المعادين والمنافقين والغادرين لشعوبنا، فها هي بريطانيا وفرنسا والمانيا وغيرها من الدول الغربية تأمر رعاياها بمغادرة مدينة بنغازي الليبية بالذات مهد ما أسموه ومولوه ودعموه ووصفوه بـ«الثورة» قبل عامين للاطاحة بمن وصفوه ايضا بالدكتاتور الراحل معمر القذافي!.
أهذا الربيع الذي بشرونا به في بنغازي أو في عموم ليبيا التي لا سلطان فيها اليوم للأمن والأمان كما يقال ولا وجود لدولة أصلا تفي بما يتطلبه منها شعبها؟
وحتى في سورية الأبية، هاهم اليوم بعد ان جروا شعبها للاقتتال، يتنصلون من مسؤولياتهم في حماية اللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف لا انسانية عند «الاشقاء» في دول الجوار، والادهى من ذلك انهم بدؤوا يكتشفون ان مراهنتهم على المعارضة السورية المسلحة كالرهان على حصان خاسر أو كما قال أحد الساسة التونسيين رهان على نمر صغير، وجد الحظوة والرعاية والمال والسلاح وإعلام العار الحقيقي، ولمّا بدأ يكبر شرع في سحب واتهام من أطعموه وأغدقوا عليه الثناء و التبشير بالديمقراطية والرفاه والتسامح والسلم والنماء. وها هي فلول الجهاديين تقضّ مضجع الغرب في شمال افريقيا والشرق الأوسط وتذكره بأن «ربيعهم»يزهر ارهابا وعنفا وحقدا وفقرا وجهلا أقصى وأقسى من شتائهم القارس المقيت.
وليس مصادفة، أن تكون الخيبة والبرودة سمة الاحتفالات بـ 14 جانفي في تونس، ويكون الدم علامة فارقة في احتفالات مصر بثورتها أيضا ومن يدري كيف سيكون حال الأشقاء في ليبيا في غضون أسبوعين من الآن، دون أن ننسى حال ملايين السوريين الذين تاقوا للخروج من الدكتاتورية الحاكمة فزج بهم في دكتاتورية العناء والاستغباء!.
ولأن في شعوبنا ايمان قوي بالوطن وايمان اقوى بارادة الحياة، فإن أبطال ميدان التحرير في مصر او ساحة القصبة بتونس او غيرها من ساحات وشوارع العزة في بلداننا يدركون بأن ثوراتهم لم تكتمل وان انتصاراتهم الأولى سرقت منهم او حولت وجهتها والأهم من ذلك انهم واعون بأن الثورة دائمة اولا تكون والثورة التي لا تغير الواقع الذي هو ليس على ما يرام لا ترتقي الى ثورة وتظل سحابة ربيع فقط!
استخدام تكتيكات الحرب الباردة لمواجهة إيران
بقلم: دانييل بيبس عن واشنطن تايمز/ ترجمة جريدة عٌمان
بينما يسعى الأمريكيون لإيجاد بديل للخيار الصعب بين قبول امتلاك إيران للأسلحة النووية وتوجيه ضربة استباقية لمنشآتها النووية، يخرج أحد المحللين ليقدم طريقا ثالثا، الشيء المثير فيه أنه مستوحى من سياسة سابقة انتهجتها الإدارة الأمريكية ضد عدو مختلف- إنها أسلوب تعامل إدارة الرئيس ريجان مع الاتحاد السوفييتي. وعلى الرغم من أن هذا النموذج غير مرجح في الوقت الراهن، إلا أنه يوفر فكرة تستحق الدراسة.
يقول القاضي الأمريكي السابق أبراهام سوفير والمستشار القانوني لوزارة الخارجية، وحاليا زميل بمعهد هوفر، في كتابه الذي يحمل عنوان «التعامل مع إيران: القوة والدبلوماسية والتهديد الإيراني» أنه ومنذ سقوط الشاه خلال إدارة الرئيس كارتر، استجابت واشنطن للعدوان الإيراني بتطبيق عقوبات غير فعالة وتوجيه تحذيرات وإدانات خاوية لا طائل منها.
لم تركز الحكومة الأمريكية، كما يقول سوفير، منذ عام 1988م على القوة العسكرية الإيرانية التي تحمي النظام الإسلامي للدولة وتنفذ الهجمات في الخارج. هذه القوة تسمى الباسداران أو سيباه باللغة الفارسية، وتسمى باللغة العربية الحرس الثوري الإيراني. أنشئت هذه القوة الخاصة التي يبلغ تعدادها حوالي 125000 جندي في عام 1980، وتلعب دوراً كبيراً في الحياة السياسية والاقتصادية الإيرانية. وتمتلك جيشاً خاصاً بها ووحدات تابعة للقوات البحرية والجوية، وتتحكم في برامج الصواريخ البالستية وتشترك في إدارة البرنامج النووي الإيراني. كما أن هذه القوة تدير قوات الباسيج التي تطبق الأعراف والعادات الإسلامية في إيران. علاوة على ذلك، فإن قوات الحرس الثوري الإيراني أكثر أهمية من قوات الجيش النظامية، ويتولى عناصر قوة القدس التي يبلغ قوامها 15000 جندي مهمة نشر الثورة الخومينية في الخارج من خلال التسلل والاغتيالات. كما يشغل خريجوها مناصب مهمة في الحكومة الإيرانية.
لعبت قوة الحرس الثوري الإيراني دوراً مهماً في الهجمات التي تعرض لها الأمريكيون وحلفاؤهم ومصالحهم، لا سيما بمشاركة أتباع الحرس الثوري الإيراني وشركائه بمن فيهم حزب الله وحماس وحركة مقتدى الصدر وطالبان والقاعدة. أما عمليات الحرس الثوري الإيراني فتتضمن تفجير ثكنات البحرية الأمريكية والسفارة الأمريكية في لبنان عام 1983، وتفجير أهداف يهودية في الأرجنتين عامي 1992، 1994، وتفجير بنايات الخبر في عام 1996، ومحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن في عام 2011، وتزويد حركة حماس بالصواريخ في حربها مع إسرائيل في عام 2012. –على حد زعم الكاتب-.
لقد أسفرت عمليات الحرس الثوري الإيراني عن مقتل ما يزيد عن 1000 جندي أمريكي والعديد من أفراد القوات المسلحة من دول أخرى فضلاً عن سقوط عدد من المدنيين أيضا. وقد أدانت الحكومة الأمريكية الحرس الثوري الإيراني كما أعتبرته مسؤولا عن نشر أسلحة الدمار الشامل.
ينادي سوفير باتباع نهج دقيق ذي شقين تجاه طهران يتضمن «مواجهة الأعمال العدوانية التي ينفذها الحرس الثوري الإيرانية مباشرة والتفاوض مع إيران».
المواجهة تعني أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن «تستغل كافة الخيارات المتاحة لها لكي تتمكن من كبح الحرس الثوري الإيراني وإضعافه مع عدم توجيه أي ضربة استباقية على المواقع النووية الإيرانية». يقول سوفير: إن القوات الأمريكية لديها الحق بل وينبغي عليها استهداف مصانع الأسلحة ومنشئات تخزينها، وكافة المرافق التابعة للحرس الثوري الإيراني مثل قواعده وموانيه وشاحناته وطائراته وسفنه وشحنات الأسلحة التي يتم تصديرها فضلاً عن وحدات الحرس الثوري الإيراني. والهدف من كل هذا كما يقول سوفير ليس مجرد قمع أعمال العنف التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني فحسب، وإنما تقويض مصداقيته ونفوذه، وإقناع إيران بالتفاوض بشأن برنامجها النووي في أقرب فرصة ممكنة.
أما التفاوض فيعني الحديث إلى إيران حول القضايا العالقة بدلا من محاولة معاقبتها دونما أي اكتراث بالعواقب. وقد نقل سوفير عن المبعوث الأمريكي السابق إلى أفغانستان جيمس دوبنز قوله، «لقد حان الوقت لكي نطبق على إيران تلك السياسات التي مكنتنا من الانتصار في الحرب الباردة، وحررت حلف وارسو، وأعادت توحيد أوروبا: تلك السياسات تتضمن الانفراج والاحتواء، والاتصال حالما كان ذلك ممكناً، والمواجهة عند الضرورة. لقد تحدثنا إلى روسيا في عهد ستالين، وتحدثنا إلى الصين خلال فترة حكم ماو. وأدى الحديث المباشر الحالتين إلى حملهما على تغيير نظاميهما وليس نحن. لقد حان الوقت للحديث إلى إيران بدون أي شروط بحيث تكون المفاوضات شاملة.» ويرى سوفير أن الدبلوماسية هي المحرك الذي يحول الطاقة الخام والقوة الملموسة إلى نتائج سياسية مهمة».
يقول سوفير عندما تسير المواجهة والتفاوض عندنا جنباً إلى جنب، فإنهما سوف يمثلان ضغطاً كبيراً على طهران لتحسين سلوكها بوجه عام (على سبيل المثال، فيما يتعلق بالإرهاب) وربما يؤدي ذلك إلى إغلاق البرنامج النووي، في حين تبقى الضربة الاستباقية على الطاولة إذا فشلت كافة الجهود الأخرى.
في تقديمه لكتاب «الحديث إلى طهران» أشار وزير الخارجية السابق جورج شولتز إلى أنه يعتبر فكرة سوفير كبديل كان ينبغي العمل به منذ وقت طويل. وفي الحقيقة، لقد حان الوقت لمواجهة انتهاكات الحرس الثوري الإيراني بلغة القوة لأنها اللغة التي يمكن أن تساعد في تجنب المزيد من الحروب.
مسؤولية الاحتجاج والتظاهر
بقلم: احمد بوكيوض عن بيان اليوم المغربية
تميزت نهاية الأسبوع الماضي بدعوتين إلى التظاهر والاحتجاج . الأولى صادرة عن ما سمي ببيان 13 يناير وتدعو إلى «الثورة على الأوضاع» والثانية صادرة عن « 20 فبراير» وتدخل في سياق الوقفات التي دأبت عليها هذه « الحركة»، لكنها كانت « متميزة « بالعنف والمواجهات بمدينة سيدي افني . الدعوة الاولى لم تحظ بأية استجابة، وسجلت وسائل الإعلام أن كل المدن المغربية كانت تعيش حياتها العادية و لم يظهر أي أثر ل « الثورة» المزعومة، بل إن بعض المواقع الإخبارية أفردت حيزا كبيرا للتهكم والسخرية من تلك الدعوة ومن «الثوار» الأشباح .
هذه الدعوة، في شكلها ومضمونها، ما كان لها أن تلقى غير هذا الموقف. وهو موقف يعبر عن نضج ووعي الشباب المغربي، وكل المواطنين الذين تجاهلوا تلك الدعوة المشبوهة والصادرة من جهات افتراضية واهمة وشبحية .
كما أن هذا الموقف الواعي يشكل رسالة لكل من تذهب به الأهواء إلى ممارسة هواية الاستهتار والتلاعب بوسائل الاتصال وخلق البلبلة في المجتمع .
بالنسبة إلى الدعوة الثانية فقد أفضت في سيدي افني إلى أحداث عنف و مواجهات بين المحتجين والقوات العمومية، وهي أحداث لها سابقاتها وتذكر بالخصوص بما عرفته المدينة من اضطرابات وعنف سنة 2008 . ويبدوا أن « 20 فبراير» مجرد يافطة يتخفى وراءها الفاعل والموجه الحقيقي للأحداث .
كما أن هذه الأحداث بحجمها وعنفها لا يمكن تفسيرها بقوة أو قدرة «20 فبراير» بالمدينة أو الإقليم، فهذه «الحركة» تقلصت، إن لم نقل اندثرت وانتهت، منذ الانسحابات المعروفة .
ان أحداث يوم الأحد الماضي، وعودة الاحتقان إلى الأجواء بهذه المدينة، فسرته التقارير الصحفية ,الواردة من هناك، بأكثر من سبب يتعلق بالأساس بتلبية مطالب اقتصادية واجتماعية، وتنفيذ بعض الوعود والالتزامات. ونحو هذه المطالب والقضايا كان ينبغي ان تتوجه الجهود لحلها ومعالجة أسبابها، واتباع أساليب الحوار والتواصل مع فئات السكان المعنية .
لقد لوحظ في المدة الأخيرة أن الحركات الاحتجاجية والمطلبية في المدن الصغرى أو البعيدة، على عكس الحواضر الكبرى، أصبحت تنتهي بالاصطدامات وأعمال عنف لا مبرر لها في دولة القانون والحقوق والواجبات « قبل افني كان هناك فكيك وسيدي يوسف بنعلي ووجدة ..». وتفرض مثل هذه الاحداث على كل السلطات والأطراف أن تتحلى بما يكفي من الحذر والتبصر لتجنب الوقوع في كل ما من شانه فتح الابواب امام موجات الاحتقان .
وبهذا الخصوص لوحظ كذلك ان ما وقع يوم الاحد الماضي تزامنت معه تصريحات احد البرلمانيين التي تتحدث عما ستقوم به الحكومة في موضوع التظاهر والاحتجاج، وقدمت وكأنها تصريحات باسم الحكومة او دفاعا عنها . فيما كانت كلها مركزة على أن « الدولة العميقة « ماضية في قمع الحريات، وأن ما يقع سببه يأتي من جهات داخل الدولة تشوش على ارادة الحكومة .
لانظن أن الحكومة في حاجة إلى «دفاع» كهذا. وهو على كل حال أبعد ما يكون عن أن يكون دفاعا أو تعريفا بما قامت به الحكومة أو ستقوم . إنه كلام يشكل هو بالذات تشويشا على المواطنين وعلى المشهد السياسي ويزرع الشك والتشكيك حتى في إمكانية ممارسات الحريات وحق الأفراد والجماعات في الاحتجاج والتظاهر .
إن المسؤولية اليوم تقتضي أن يكون كل مسؤول مسؤولا في كل ما يصدر عنه، سواء تعلق الأمر بمثل هذا البرلماني الذي يقال عنه انه «مثير للجدل» أو بالمسؤولين الذين يتعاملون مباشرة مع الحركات الاحتجاجية، أو السلطة الحكومية في كل مستوياتها .
ومن نافلة القول إن ممارسة حرية الاحتجاج والاعتصام والتظاهر في الشارع العام هي أيضا مسؤولية دقيقة تفترض من كل الأطراف تقديرها حق قدرها.
من الحديث عن أمن الوطن أصبحنا نتحدث عن أمن المدن
بقلم: د.موسى قريفة عن الوطن الليبية
لا جدال بان مفهوم الوطني مفهوما شاملا يمس كل العناصر والمستويات والمؤسسات التي تضمن أمن وسلامة الوطن، إنسانا وثرابا...وماء..وجوا ..فضاء. وقد بينت مجريات ويوميات الثورة الليبية، والتفاعلات الاجتماعية والسياسية التى نعيشها مند التحرير ضعف الوعى و الادراك الشعبي، والرسمي لمفهوم الامن الوطني أو القومي...البعض يرى الامن و يدركه و يقيمه من خلال أمنه الشخصي أو مستوى الامن في حيه أو شارعة أو مدينته في أحسن الاحوال... اليوم للاسف، أصبح الحديث عن تأمين مدينة بنغازي و طرابلس و سبها والكفرة ...و ..و ....عوضا لحديث عن أمن ليبيا...و ربما سنتحدث قريبا عن أمن و تأمين الشارع و الحي عوضا عن المدينة أو القرية....يا له من تسارع مخيف نحو المجهول الامني...
أصبحنا من الحديث عن أمن الوطن نتحدث عن أمن المدن!...هل يحصل لنا مثل ما حصل في التعامل مع تصفية مفهوم القضية الفلسطينية ..تم إختصار وإختزال فلسطين سياسيا وأمنيا في الضفة وغزة ...هل نمر بمرحلة تتخترل فيها ليبيا سياسيا وأمنيا لمدن...و أمن طرابلس و بنغازي وسبها والكفرة و..و ... ليسهل ابتلاعها سياسيا من قبل بعض الدول..ولتغييب الاحساس شعبي والرسمي بمفهوم الامن الوطني ... نعم أمن وتأمين المدن مهما جدا ..لكن لا يمكن حصول ذلك دون النظر اليه من خلال منطومة وطنية شاملة متكاملة تضم كل مستويات الامن الوطني...كما إن ما يحصل من إنحسار وتراجع لمفهوم الامن من المفهوم الوطنى للمفهوم المديني والمناطقي أمرا مفزعا سياسيا وأمنيا...أن يتراجع مفهوم وإدراك الامن الوطني الى أمن للمدن ، والى هذا المستوى المخجل...هل جاء ذلك نتيجة منهجية وعمل مخطط لاختزال ليبيا سياسيا وأمنيا ليسهل أبتلاعها من الدول الطامعة في أراضيها وثرواتها وان كان ذلك بعيد المنال الثروات بحكم بقاء الحالة الليبية معلقة تحت البند السابع بالامم المتحدة .
-1-
نتيجة لهذا الادراك الضعيف للامن الوطني أو القومي ظهرت مفاهيم جديدة ضيقة و بديلة عن هذا المفهوم و شموليته .ودلالاته الثقافية والسياسية والوطنية..هذه المدينة امنة..تلك غير امنة...و..و ..للاسف غابت الرؤية والنظرة الوطنية الواحدة للامن..و ربما يتضح ذلك من خلال التناول و التعاطى الضعيف لما حصل ويحصل في مالي وأبعاده وإسقاطاته الامنية والاجتماعية لسياسية على ليبيا، وما حصل بحقل الغاز الجزائري، و ما نُسب من تصريحات لرئيس الوزراء المصري ان كان صحيحا ...جميعها أحداثا تمس الامن الوطني بشكل مباشر أو غير مباشر ...و لكن ردود الفعل و التفاعل معها على المستوى الرسمي والشعبي كان ضعيفا باهثا و مرتبكا...اذا ما أستثنينا بعض المبادرات الذاتية التي قام ويقوم بها بعض من الثوار بالتوجه طواعية وبدوافع وطنية نحو الحدود الليبية المصرية أوالجنوبية أو الجزائرية لتعزيز الامن على الحدود، وتأمين حقول النفط برغم قلة الاسلحة و الامكانيات كما أكد ذلك قبل قليل رئيس جهاز حرس الحدود في مداخلة بنشرة بقناة ليبيا الاحرار.
على الليبيين والمؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية النظر الى الامن من منظور إستراتيجي وطني..أي انه لا معنى لتأمين وتوفير الامن و الاستقرار بالمدن والاحياء وحدود ليبيا غير مؤمنة ، والمصدر الوحيد الذي يدور عجلة إقتصادها الا وهو النفط ربما يكون مهددا عما قريب لا قدر الله... وعندها سنصل عنق الازمة وندخل نفق الفوضى الاجتماعية، و الاقتصادية ، والسياسية ...لا معنى لتأمين أي مدينة دون تأمين الحدود، وأمن ومستقبل الوطن وليبيا السياسي. يا سيادة رئيس واعضاء المؤتمر الوطني، ياسيد رئيس الوزراء لا يمكن تحقيق أمن المدن ما لم يتم تحقيق أمن ليبيا من منظور وطني شامل...ويجب إتخاد قرارات وطنية عاجلة بإقالة كل من يتبث أدائه قصر نظره الامني، وعدم قدرته على مواجهة إستحقاقات معركة بناء المنطومة والمؤسسات وثقافة أفراد وعقيدة الامن الوطني أولا.
-2-
على الذين يتحدثون عن أمن المدن و الشوارع والاحياء ، ان يعوا ان المدينة والحي، والشارع سيكون مظلما ومضطربا اذا لم نؤمن الحدود والمنافذ والشواطئ وحقول النفط ، وندرك أن الامن الوطني مسؤولية وطنية تقع على الجميع وليس على تلك المدن أو الواحات أو الثوار الذين يفزعون للقيام بذلك كفزعة وطنية دون مقابل، ومع ذلك يعانون للاسف من التهميش والاقصاء، وهم لا ينعمون بحياة المدينة الحضرية، ويذبرون ترحالهم وإقامتهم وأسلحتهم من أموالهم الخاصة...ويفترشون الارض ويتغطون السماء في هذه الليالي الشتوية القارصة...ويصارعون العواصف الرملية، ومخاطر الصحاري والتصدي لمهربي البشر والمخدرات والاسلحة. ..بينما نسمع تصريحات وشطحات ثورية ووطنية نارية لم تتجاوز ردهات فندق وقاعات ريكسوس..وفضائع سرقة المال العام، والصراع السياسي على السلطة والمواقع والوظائف ومفاصل القرار بالدولة.
" الفيل الجمهوري والحمار الديمقراطي " في قفص واحد
بقلم: شفيق أحمد علي عن النيلين السودانية
في العشرين من يناير الحالي 2013. . أقسم الرئيس الأمريكي باراك أوباما اليمين الدستورية ، وأصبح رسميا رئيسا لأمريكا لفترة ثانية ممثلا للحزب "الديموقراطي" . . وفي أمريكا ـ كما نعلم ـ حزبان كبيران هما الحزب الجمهوري ، والحزب الديموقراطي الذي ينتمي إليه الرئيس باراك أوباما
. . ومنذ 143 عاما في عمق التاريخ . . وتحديدا ، منذ عام 1870والأمريكان يتخذون "الحمار" شعارا لحزبهم الديموقراطي ، و"الفيل" شعارا لمنافسه الحزب الجمهوري. . فهل تعرف سبب اختيار الأمريكان للفيل ، أو للحمار بالذات ؟! وهل تعرف أيضا ، من الذي أبتكر أصلا هذه الشعارات.؟!!
نبدأ ـ أولا ـ بشعار "الحمار" الذي يرمز للحزب الديموقراطي . .ومبتكره هو رسام كاريكاتير أمريكي أسمه "توماس ناست". . وهذا الرسام كان عضوا بارزا في الحزب الجمهوري في ذلك الوقت . . وكان أيضا صديقا حميما لواحد من قادة الحزب الجمهوري أسمه "أدوين ستانتون". . وفي عام 1870 توفى ستانتون هذا ، وبدعوى أن السياسة هي فن "السفالة" ، ولا تعرف الأخلاق. . ظل الحزب الديموقراطي يهاجم منافسه "ستانتون" زعيم الحزب الجمهوري حتى بعد وفاته. . فما كان من صديقه رسام الكاريكاتير"توماس ناسيت" إلا أن رسم الحزب الديموقراطي ، علي شكل "حمار" يعتدي ويرفس بشراسة جثة أسد ميت ، ملامح وجهه هي نفس ملامح صديقه الجمهوري "ستانتون". .
وراح ناست يروج لهذا الرسم ، وينشره في العديد من الصحف الأمريكية. . وبعدها بأربعة سنوات فقط ، أي في عام 1874 . . أبتكر نفس الرسام "توماس ناست" شعارا مميزا للحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه. . فرسم حزبه الجمهوري علي شكل "فيل" . . معتبرا أن الفيل حيوان ضخم ، يتسم بالهدوء ، والقوة ، والذكاء . . وهي صفات ـ في رأي ناست ـ يتصف بها حزبه الجمهوري . .
لكن المؤرخ الأمريكي موريس بيرمان ، في كتابه الأخير( أمريكا : نهاية الإمبراطورية ) وضع كل من الفيل الجمهوري ، والحمار الديموقراطي في قفص مشترك معتبرا أنهما شييء واحد . . أما الكاتبة الأمريكية ويني كيللر ، فقد كانت أكثر دقة ، وأكثر صوابا حينما ، قالت في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ، بأن أمريكا بها حزب واحد فقط يحتكر السلطة ، أسمه الحزب ( الديمهوري ) حيث لا توجد اختلافات جوهرية ، بين كل من الحزب الجمهوري والحزب الديموقراطي . . مثلما لا توجد اختلافات جوهرية بين الإصابة "بالسرطان" والإصابة "بالسكتة القلبية" . . فكلاهما يؤدي إلى الموت.!