Aburas
2013-03-12, 10:36 AM
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.giffile:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif
في هذا الملــــف:
من يعرقل «المصالحة الفلسطينية».. منذ أعوام؟!
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
لماذا لا ينتهي الانقسام الفلسطيني؟
بقلم: علي جرادات عن الخليج الإماراتية
أنقذوا القدس من عصابات التهويد
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
لماذا تراجع الإسلام السياسي؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
استقرار الفوضى
بقلم: عبد الله بن بجاد العتيبي عن الشرق الأوسط
«أمن إسرائيل».. تعريف كاذب وحقائق دامغة
بقلم: امديرس القادري عن السبيل الأردنية
الإسلام، الإسلامية، الإسلاموية
بقلم: زكي بيضون عن السفير البيروتية
عندما غاص «الإخوان» في الوحل
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
ظاهرة الزهايمر السياسى
بقلم: سيف الدين عبدالفتاح عن الشروق المصرية
مرسي.. وأشباح مبارك
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
من يعرقل «المصالحة الفلسطينية».. منذ أعوام؟!
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
كما في كل مرة، ومنذ عدة أعوام، طفت على سطح مستنقع «المصالحة الفلسطينية» التي يقسم الطرفان الفلسطينيان المتنازعان (فتح وحماس) أنهما جادَان بإنجازها، عقبات مفتعلة يمكن إضافتها إلى رزمة الإشكالات التي تعشش في ثقوب التفاهمات المنجزة حتى الآن.
ويبدو أن الأبرز فيها، حتى اللحظة، طلب «حماس» المفاجئ تأجيل اللقاء الذي كان مقرراً بين رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، ورئيس السلطة و«فتح» ومنظمة التحرير محمود عباس لـ«استكمال ملف المصالحة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية». أما السبب فيعود، حسب أوساط «حماس»، إلى تحديد القيادي في «فتح» عزام الأحمد، وخلال اجتماع في رام اللـه مع رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك، ثلاث قضايا غير مطروحة للنقاش أو التفاوض: «لا عودة لإعادة فتح مؤسسات حركة حماس في الضفة الغربية»، و«لا وجود لمعتقلين سياسيين لحركة «حماس» في الضفة، وأن الموجودين معتقلون جنائيون»، وأخيراً «لا انتفاضة ثالثة». وحيثية ذلك هي أن «الأحمد، ومن يمثل، يريدون «معرفة نوايا الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يزور المنطقة الشهر المقبل، وبالتالي، فإن تفاهم السلطة مع «حماس»، قبل معرفة النوايا، سيعرقل أجواء الزيارة، وسيكون من الصعب على أوباما أن يقنع الكونغرس بالإفراج عن 700 مليون دولار دعماً للسلطة الفلسطينية».
ومع ذلك، لا بد من التوضيح بأن نقطة الخلاف المركزية التي أعاقت، وللمرة الألف، إتمام وضع ما قيل إنه «اللمسات الأخيرة» على اتفاق المصالحة، تتعلق بعدم موافقة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل على إقرار قانون انتخابات موحد للشعب الفلسطيني، وإصراره على تحديد «سبع دوائر انتخابية»، إحداها للأراضي المحتلة عام 1967، وفق النظام المختلط (النسبي والقوائم) والدوائر الست الأخرى للفلسطينيين في الخارج، وفق نظام التمثيل النسبي. وإصراره أيضاً على ما سماه «مراعاة الخصوصية» لكل من المجلسين (التشريعي والوطني)، والمتأتية من اختلافهما في الدور والصلاحية، إضافة إلى ضرورة عدم تزامن انتخاب هذين المجلسين، وهو ما اعتبر، بنظر أوساط فصائل منظمة التحرير، بمنزلة تكريس للانقسام المتواصل منذ نحو ست سنوات.
يمكن التأكيد، بطبيعة الحال، أن الخلاف بشأن قانون، أو قانوني الانتخاب اللذين يلبسان المجلس التشريعي قبعة «الممثل الشرعي» الموازي لمنظمة التحرير ومجلسها الوطني، لم يكن الوحيد الذي برز على سطح لقاء القاهرة الأخير الذي كان ينبغي أن يكون «بروتوكولياً» يتم خلاله إعلان آليات تنفيذ ما سبق الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة، بعد أن جرى تذليل عقبة أولوية الانتخابات العامة، كما أرادت «فتح»، أو أولوية «حكومة المصالحة» المكونة من كفاءات وطنية برئاسة محمود عباس، كما رغبت «حماس»، من خلال اتفاق الجانبين على «التزامن» في إصدار مرسومي الحكومة والانتخابات. إذ، وعلى حواف هذا الخلاف المركزي، طفت خلافات أخرى، من نمط التباين حيال نواب المجلس التشريعي بين كونهم نواباً في المجلس الوطني الجديد، بشكل تلقائي، وبين خضوعهم للعملية الانتخابية، والاختلاف بشأن أهلية لجنة الانتخابات المركزية للإشراف على انتخابات المجلس الوطني، إضافة إلى الخلاف بشأن نسبة الحسم.
وعلى الرغم من أن الأوساط المتنفذة في الحركتين (فتح وحماس) اللتين ألقيتا القبض على مفاصل الشأن الفلسطيني، الوطنية والسياسية والاقتصادية وسواها، ولاسيما في الأراضي المحتلة عام 1967، تصر على أن ثمة فضاء واسعاً لإنجاز المصالحة وترجمتها على الأرض، إلا أن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك. ويكفي التدقيق في المهام المطلوبة من حكومة الكفاءات، في حال تشكيلها، للتيقن من حقيقة أن الحراك الفلسطيني المتعلق بالمصالحة ليس أكثر من عبث وهذيان وتقطيع وقت بانتظار ما تحمله المرحلة المقبلة من تطورات «إسرائيلية» وإقليمية ودولية، ومعرفة المدى الذي ستذهب الإدارة الأميركيّة في فترة رئاسة أوباما الثانيّة في مقاربتها لملف الصراع في المنطقة. إذ ينبغي لهذه الحكومة (قبل أن تذهب، وحتى تذهب) أن تحضَر للانتخابات التي لم يتم الاتفاق على قانونها ونظام إجرائها، وأن تعيد إعمار غزة، وتوحد مؤسسات السلطة الفلسطينية من أمنية ومدنية. وبعد كل ذلك يتم، وكما تصر «حماس»، تعيين موعد إجراء الانتخابات.
وإذا كان من غير الواقعي أو الأخلاقي تحميل حركة «حماس» مسؤولية وضع العصي في دواليب المصالحة التي تشكل مصلحة حيوية للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، لكون «فتح» تتحمل نصيباً وافراً من هذه المسؤولية، إضافة إلى تأثير الأطراف الخارجية، وبالأخص سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» التي تستطيع التحكم بقدرة الحكومة الفلسطينية المؤقتة المقبلة على العمل، وبإجراء الانتخابات أو عدم إجرائها، وباحترام نتائجها أو تعطيلها، وبعمل الأجهزة الأمنية، وذلك بدلالة الاعتقالات الأخيرة، التي أقدمت عليها هذه السلطات في الضفة، وطالت بعض النواب الفلسطينيين، وبعض منتسبي حركة «حماس»، غير أن الحركة الإسلامية مافتئت تقدم المؤشر تلو الآخر على عدم جديتها في إنجاز اتفاق المصالحة وترجمته على الأرض. ولعل الأبرز في هذه المؤشرات، خلال الأيام الأخيرة، وبعد إعلان مدير عام المكتب الإعلامي في حكومة «حماس» في قطاع غزة، إنشاء وكالة أنباء رسمية ستكون متحدثة باسم حكومة القطاع، في موازاة وكالة الأنباء الرسمية لمنظمة التحرير والسلطة (وفا)، إعلان عضو المكتب السياسي في «حماس» د. خليل الحية، يوم 15 الجاري، بأن حركته لن توافق على إجراء الانتخابات وإتمام المصالحة ما لم ينجز ملف الحريات العامة بالضفة المحتلة.
صحيح أنه يمكن قول الكثير في مواقف «فتح» و«حماس» اللتين تحرصان، من خلال تمسكهما المعلن بالمصالحة، على ألا تتحملا المسؤوليّة أمام الشعب عن استمرار الانقسام، وحتى يحاول كل منهما تحقيق أهدافه التكتيكيّة: «فتح» بالحصول على دعم جميع الفصائل لبرنامجها السياسي وقيادتها للسلطة والمنظمة، و«حماس» باستخدام المصالحة بوابة للحصول على الاعتراف والشرعية العربية والدولية، إلا أن الأهم هو اتضاح حقيقة عجز القيادات الفلسطينية، بمختلف مسمياتها وتلاوينها، عن تجاوز عقبة الانقسام، وتالياً عن تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية العليا، لا بل عدم قدرتها على قيادة حراك الشارع الفلسطيني، وترجمة شعار المقاومة الشعبية السلمية. أما الأسوأ فهو فضيحة عجز السلطتين المتناحرتين، في غزة ورام الله، عن تقديم الخدمات العامة البسيطة للمواطنين، من كهرباء وعلاج وتعليم، وصولاً إلى دفع رواتب الموظفين.
لماذا لا ينتهي الانقسام الفلسطيني؟
بقلم: علي جرادات عن الخليج الإماراتية
مؤسف أن يصبح من غير الممكن تناول أي من جوانب جوهر الملف الفلسطيني، أي الصراع مع الاحتلال، إلا ارتباطاً بالانقسام الداخلي بين حركتي “فتح” و”حماس” . فقد صار واضحاً أن قيادتيهما غير جادتين في إنهاء هذا الانقسام . بل، وصار جلياً أن كلاً منهما يبحث عن ذرائع للتهرب من تنفيذ اتفاقاتهما بشأنه . ومن فرط هذا وذاك، وبما يشي بغياب متبادل لإرادة تنفيذ هذه الاتفاقات، وما أكثرها، صار بوسع مشادة عابرة بين اثنين من قادة الحركتين، (عزام الأحمد وعزيز دويك)، تعطيل اللقاءات بينهما إلى أجل غير مسمى .
هنا يثور السؤال: هل يتعلق الأمر فعلاً بما بين الطرفين من خلاف سياسي أم بما بينهما من صراع على التفرد بالتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني؟ يجيز التفكير في هذا السؤال شواهد عدة تكثفها حقيقة أن الهبات الجماهيرية ضد الاحتلال تتوالى، وأن عدم توافر قيادة وطنية موحدة هو ما يحول دون تطور أي من هذه الهبات إلى انتفاضة شعبية تنقل الحركة الوطنية الفلسطينية من حال إلى حال مختلفة نوعياً، سواء لناحية علاقة أطراف هذه الحركة بعضها ببعض، أو لناحية علاقتها بشعبها، أو لناحية، (وهذا هو الأهم)، كيفية إدارتها للصراع مع الاحتلال .
ما يعني أن المسؤولية السياسية عن إجهاض هذه الهبات لا تقع فقط على عاتق قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعلن صراحة عن عدم اقتناعها بالانتفاضة كخيار سياسي، بل، تقع، أيضاً، وبالقدر ذاته، على عاتق قيادة “حماس” التي ما انفكت “تخطب” في الناس عن الانتفاضة، لكنها تريدها خارج نطاق “حصتها” من “سلطة” اسمية، وبما لا يهدد استمرارها، وبما لا يمس خيار سياسة “التهدئة” المبرمة مع الاحتلال بواسطة مصر ورعايتها . هذا فضلاً عن أن أياً من جولات الحوار بين الطرفين لم يبحث بجدية في البرنامج السياسي الوطني، وعن أن أياً من اتفاقاتهما المعطلة لم تحتوِ إلا على ما هو عام بشأنه . بل، إن كل ما ورد في هذه الاتفاقات وشى بتوافق الطرفين على تجديد المرحلة الانتقالية لاتفاق “أوسلو” التي انتهى عمرها الزمني في مايو/ أيار 1999 .
يحيل ما سبق إلى تاريخ تعقيدات مسألة التمثيل الفلسطيني، بعامة، وإلى تاريخ صراع الطرفين على هذه المسألة، بخاصة . إذ، وكما لدى كل الشعوب، يعد التعدد والتنوع لدى الفلسطينيين ظاهرة طبيعية . بل، وكان منطقياً أن يفرز تشتيتهم بعد احتلال أرضهم وضعية خاصة من التنوع والتعدد في الاجتماع والاقتصاد والفكر والسياسة . غير أن هذه الوضعية الخاصة والمعقدة شكّلت سيفاً ذا حدين، فهي، وإن أغنت مجتمعهم السياسي والمدني وزادته ثراء، فإنها وفرت لعدوهم، ومن يرعاه أو يواليه، مدخلاً للّعب على تناقضاتهم والعبث بوحدتهم الوطنية، وبمستواها السياسي بالذات .
هنا يكمن سر حرص الفلسطينيين على وحدة تمثيلهم السياسي واستقلاليته، وعدم تهاونهم مع أي طرف داخلي، مهما علا شأنه، يسهم، بوعي أو بجهالة، في تحويل الخلاف الفكري والسياسي المشروع إلى صراع على التمثيل الوطني، بحسبان أن ذلك بمعزل عن النوايا والتبريرات، إنما يصب الحب في طاحونة عدوهم الساعي بثبات إلى منع تكريس ما بلوروه وطوروه وكرسوه، بتضحياتهم الجسيمة ونضالهم المديد، من مؤسسات وطنية جامعة . لكن هذا الحرص لم يفضِ يوماً إلى تسامحهم مع أي تشكيل قيادي، مهما ارتفعت أسهمه النضالية، يحاول استخدام “قدسية” وحدة التمثيل السياسي الوطني واستقلاليته، تذكرة للتفرد والسيطرة، أو إجازة لتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف .
يفسر ما سبق سيادة الخلاف داخل الوحدة بين “فتح” كتيار مركزي في منظمة التحرير الفلسطينية وبين بقية الفصائل المنضوية في إطارها، منذ نشأتها إلى اليوم . فحتى بعد اتفاق “أوسلو” كمحطة شطرت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى فسطاطين، فإن أياً من فصائل المنظمة المعارضة لهذا الاتفاق لم يلجأ إلى تشكيل إطار موازٍ لها، بل حافظ معظمها على عضويته في جميع مؤسساتها، بما فيها التنفيذية، بينما حافظ بعضها على عضويته في مؤسستها التشريعية . وأكثر، فإنه يسجل لحركة “الجهاد الإسلامي” عدم التورط في خطيئة الاحتراب الداخلي، رغم أنها من أكثر الفصائل الفلسطينية، إن لم تكن أكثرها، جدية وانسجاماً في معارضة هذا الاتفاق .
لكن كل هذا بدأ يتغير، وإن بتدرج، منذ تأسيس حركة “حماس” في العام 1988 حيث لم تنجح كل محاولات ومساعي ووساطات واتفاقات ضمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني جامع . وبالتالي فإنه، وعلى الرغم من نجاح صيغة التنسيق بين قيادتي “المنظمة” و”حماس” في التخفيف من وطأة خلافهما على المجريات الميدانية للانتفاضة الشعبية الكبرى، (1987-1993)، وبقدرٍ أقل على مجريات انتفاضة الأقصى المسلحة، (2000-2004)، إلا أن عدم توصل الطرفين إلى صيغة ائتلافية على أساس الحد الأدنى الوطني المشترك أبقى الباب مفتوحاً على تحويل الخلاف الفكري السياسي الداخلي المشروع، بوصفه تناقضاً ثانوياً، إلى تناقض رئيس في مرحلة تحرر وطني ماانفك الشعب الفلسطيني يعيشها رغم نشوء سلطة وطنية انتقالية مقيدة ومحدودة، وفقاً لاتفاق “أوسلو” . وهذا من أسف ما حصل بالفعل في يونيو/ حزيران 2007 حيث انفجر هذا التناقض بإقدام قيادة “حماس” على ارتكاب خطيئة حسم قضايا الخلاف السياسي بوسائل عسكرية، بينما كان بالمقدور السيطرة على ما سبق هذه الخطوة من اقتتال داخلي محدود . وهو الأمر الذي أفضى، بمعزل عن النوايا والتبريرات، إلى تعميق الأزمة السياسية التي تعصف بالتنظيم السياسي الفلسطيني منذ الدخول في دهليز “أوسلو”، سواء لناحية ما تعيشه فصائل وأحزاب الحركة الوطنية من مظاهر التفكك والتشرذم والترهل، أو لناحية ما يعصف بالمؤسسات الوطنية التمثيلية الجامعة من انقسام عمودي أنتجه غياب وحدة الرؤية والبرنامج والقيادة، وعمقه استشراء ممارسات ترجيح الفئوي الخاص، بل والشخصي أحياناً، على حساب الوطني العام، مع كل ما أفضى إليه ذلك من تباين للأجندات وتعدد للرهانات وتحويل للخلاف الفكري السياسي إلى حالة ممتدة من الصراع على تمثيل شعب يجثم الاحتلال على صدره ويلعب، في السر حيناً، وفي العلن حيناً آخر، على انقسامات نخبه السياسية العبثية بلا شك أو ريب .
أنقذوا القدس من عصابات التهويد
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
المخططات التهويدية التي تستهدف مدينة القدس وبخاصة المواقع الإسلامية الاثرية، لاتقف عند أي حد، فهي تحاول احداث انقلاب في هوية المدينة العربية الإسلامية، عبر التهويد والتزوير للمكان والتاريخ، وخداع العالم بتسويق عبر افواج السياح الذين يجهلون تاريخ المنطقة وتاريخ ومكانة هذه المدينة الإسلامية المقدسة اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وعبر الآلة الاعلامية الغربية المضللة، التي تمارس الانحياز والتضليل بأبشع وأوسع صوره في ظل الصمت والتواطؤ الدولي.
وبالقدر الذي يكون فيه العرب والفلسطينيون خصوصا، والمسلمون عموما في حالة «خمول» و«هوان» و«تبعية» و«فقدان للبوصلة»، يكون فيه المشروع الاسرائيلي اقرب الى مرحلته النهائية الا وهي هدم المسجد الاقصى المبارك، وهي الضربة القاضية، التي يسبقها بوقت قليل، اقتسام المسجد الاقصى المبارك للصلاة بين «المسلمين واليهود»، وهو ما نشهد له من دلالات وعلامات كثيرة، واقلها اقامة صلوات تلمودية في ساحات المسجد الاقصى المبارك، كما فعلوا في المسجد الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل، حيث مر العدوان الاسرائيلي البشع على المسجد الابراهيمي كأمر واقع مع ان الوضع العربي والإسلامي ربما كان أفضل من الان من حيث التماسك العربي الذي تعرض لأسلحة التدمير والتشكيك حتى وصلنا الى مانحن عليه الان لاحول لنا ولاقوة ليس بالفعل فقط ولكن ايضا بالكلام.
فالتهويد في مدينة القدس معالم وتاريخاً، ماض وبشكل حثيث وممنهج، في طريقه المرسوم، وآخر العمليات التهويدية التي يقوم بها العدو الصهيوني حاليا هي الاعتداء على مقبرة «مأمن الله» التي تعد من أقدم المقابر الإسلامية التاريخية، وقد دفن فيها جمع كبير من الصحابة والتابعين والعلماء والمجاهدين ومن أعيان القدس الشريف على مر التاريخ، حيث يعتزم هذا العدو الغاصب، بناء متحف ومن المفارقات العجيبة الغريبة انه يطلق عليه «متحف التسامح»!!!، وحديقة للكلاب ومنطقة عروض للاحتفالات الصاخبة داخل أراضي هذه المقبرة الاثرية، (وهي وقف إسلاميٌّ خالص) بالقدس المحتلة.
لماذا تراجع الإسلام السياسي؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
تحت ضغط التظاهرات الشعبية المعارضة، تراجعت حركة "النهضة" في تونس عن تمسكها بشكل الحكومة التي أرادتها بعد انتخابات المجلس التأسيسي، وتخلت عن الحقائب "السيادية" رغم أن زعيمها راشد الغنوشي اعتبر سابقاً أن مثل هذا التخلي يعني الرضوخ لمؤامرة على الثورة.
وتحت ضغط القضاء، المترافق مع تحرك شعبي مستمر، تراجعت جماعة "الإخوان المسلمين" عن إجراء الانتخابات النيابية بأي ثمن وفي اسرع وقت. رغم أنها حاولت أن تلتف على القضاء، بعد المعارضة ومطالبها، معتبرة أن هذا الاستحقاق الانتخابي هو الذي سيعطيها الشرعية المطلقة في التشريع، وليس مجلس الشورى الذي يتولى هذا الأمر حالياً وفي غياب مجلس النواب.
في الحالين، سجل الإسلام السياسي تراجعاً أكيداً بعدما أبدى شهية لا تشبع للسلطة والسيطرة على مؤسساتها. وفي الحالين أيضاً، لا يمكن رد هذا التراجع إلى حس ديموقراطي أو إشراك المعارضة في ترتيب شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية. إذ أبدى كل من "النهضة" و"الإخوان"، في مرحلة سابقة، الاستعداد لكل أنواع التحالفات، بما فيها الإسلام الأصولي والسلفي الجهادي، المعادي بالتعريف للديموقراطية والانتخاب، من اجل مواجهات التيارات الليبرالية والمدنية، سواء في الشارع أو في صندوق الاقتراع.
ومع توقع استمرار وضع سياسي متأزم ومنفتح على احتمالات التصعيد والمواجهة مجدداً بين الحكم والمعارضة، في تونس ومصر، يمكن أن يعزى التراجع الذي اقدم عليه الإسلام السياسي إلى اعتباره أن ميزان القوى الداخلي يفرض هذا التراجع.
أسباب رئيسية ثلاثة قد تفسر اختلال ميزان القوى لغير مصلحة الإسلام السياسي.
السبب الأول هو الشراهة إلى السلطة والتي أبداها الحكام الجدد، على نحو كشف نياتهم في الهيمنة والسيطرة من دون شريك فعلي من جهة. ومن جهة أخرى، فشلهم المريع في إيجاد أي حل، ولو موقت للأزمات السياسية والمعيشية المتراكمة. فبدا الإسلام السياسي فاشلاً في الحكم، بما أبعد عنه ناخبين منحوه ثقتهم في البداية، معتبرين انه سيكون نموذجاً معاكساً لما قامت الثورة عليه. وليكتشفوا أن طريقة ممارسة الحكم لا تختلف كثيراً عن نهج الاستئثار السابق، اضافة إلى فقدان برنامج للحكم وقلة الخبرة في إدارة شؤون البلاد.
السبب الثاني يكمن في ثبات المجتمع الأهلي والمدني في موقفه من قضية الديموقراطية ورفض الديكتاتورية. وباستثناء شخصيات انتهازية لا تمثيل شعبياً لها، لم يتمكن الإسلام السياسي من اجتذاب أي من الأحزاب المدنية والليبرالية والعلمانية. لا بل ازدادت وتيرة الاعتراض على مشروع الدولة "الدينية" التي أرادها الإسلام السياسي. وبقيت شعارات الحرية والمساواة في المواطنة والحقوق المدنية تدوي في الشوارع التونسية والمصرية على نحو متزايد وتستقطب مزيداً من المحبطين من تجربتي "النهضة" في تونس و "الإخوان" في مصر. أي أن الصمود في مواجهة موجة "الدولة الدينية" زاد المجتمع المدني قوة ومنعة.
السبب الثالث، وربما الأهم، هو أن الإسلام السياسي لم يتمكن من اختراق مؤسسة الجيش، في تونس ومصر. وهذا يعني، انه لم يتمكن من استحواذ آلة قمع وبطش في مواجهة المعارضة، ولم يستطع أن يفرض بالقوة ما عجز عنه سلماً. وأظهرت تجربة اللجوء إلى الشرطة أن هذا الجهاز المشكوك في ولاءاته ونوعية تسليحه وتنظيمه غير فعال في مواجهة الحركة الاحتجاجية. في حين أن مؤسسة الجيش في تونس ومصر أعلنت مراراً، وكلما دعت الحاجة، أنها تقف إلى جانب المطالب الشعبية التي قامت الثورات على أساسها. وأنها لن تنحاز إلى طرف سياسي داخلي على حساب آخر. أي أن المؤسسة التي كان يمكن أن تقوم بالدور القمعي للتطلعات الشعبية "خذلت" الإسلام السياسي، وبقيت على حيادها حتى الآن. علماً أن هذا الحياد هو الذي ساهم في إسقاط النظامين اللذين قامت الثورة من اجل رحيلهما.
استقرار الفوضى
بقلم: عبد الله بن بجاد العتيبي عن الشرق الأوسط
أقرب وصف لما يجري في دول الاحتجاجات والانتفاضات العربية هو أنها تعيش مرحلة يمكن تسميتها بـ«استقرار الفوضى»، حيث الفوضى تعتبر الحاكم الرئيسي والتفسير الأصوب لكل التصرفات مهما اختلفت التيارات وتباينت التوجهات.
في تونس بدأت مرحلة الاغتيالات السياسية واستقالة الحكومات. وفي مصر أصبحت الفوضى سيدة الأحكام على كل مستوى وفي كل مجال، والقتل مستمر وانهيار الاقتصاد يتضاعف بسرعة مخيفة، وقد أصبحت السلطة هناك تخرج المظاهرات كما المعارضة تماما ومؤسسة الرئاسة تصدر القرارات ثم لا تستطيع تنفيذها، والقضاء تحاصره مجموعات مؤدلجة تمنعه من القيام بمهامه تحت سمع السلطة الأصولية الجديدة وبصرها وبأمرها في أحيان كثيرة.
في ليبيا يمكن أن يصح القول إن كل فصيل يمتلك قوة مسلحة موالية له قادرة على إلغاء اجتماعات الحكومة وحصار ممثلي الشعب، وإغلاق الطرق، والتواصل مع كافة القوى المتطرفة المسلحة جنوبا وشرقا وغربا. وفي اليمن الأمر لا يختلف كثيرا في صورته العامة، حيث إن «استقرار الفوضى» لا يعوق الحلول السياسية والأحزاب المتصارعة إلا بقدر ما يمنح «تنظيم القاعدة» مجالا رحبا للعمل والتخريب. وعموما فإن كثيرا من الجهود والصراعات والتناقضات هي قبل أن تكون تعبيرا عن المصالح المتناقضة والتوجهات المختلفة إنما تمثل تجليا لمنطق التاريخ ومكتنزاته وإفرازاته في الواقع والذي يصل في مؤداه الأخير إلى تخريب أي مسعى جاد قد يؤثر على «استقرار الفوضى».
يقف «استقرار الفوضى» على النقيض تماما من «استقرار الدولة»، فاستقرار الدولة يحتاج للعديد من المعطيات التي تستطيع الحفاظ على «هيبة الدولة» و«نمو الاقتصاد» و«تطوير الإدارة» وتوفير كافة «الاحتياجات الملحة» للمجتمع، والأصلية منها على وجه الخصوص من فرض الأمن والأمان ونشر التعليم وتوسيع دائرته وتطوير نوعيته وتقدم الخدمات الصحية وتوفير فرص العمل وإدارة عجلة الإنتاج والتنمية، أما «استقرار الفوضى» بالمقابل فهو يعني المرحلة الثانية بعد هدم «استقرار الدولة»، وهو ما ترويه كل الأخبار والوقائع والحوادث التي ينضح بها الإعلام قديمه وجديده ذلك القادم من دول الاحتجاجات العربية التي أصبح البحث عن «استقرار الدولة» حلم مواطنيها الدائم، وهو للأسف حلم لم يزل بعيد المنال.
قتلت على بساط الواقع كل الأحلام الوردية والخيالات الشاطحة التي سيطرت على الجماهير الغاضبة والمحتجة وسوقتها النخب الثقافية التي فقدت بوصلة وعيها وحيدت ثقافتها ومعرفتها في مغازلة بين الطرفين لم تدم طويلا حتى تكشف الواقع عن هيمنة شبه كاملة للتيارات الأصولية التي حرمت ذلك الغزل ومنعته من الاستمرار وألقت بكلكلها على المشهد برمته فتفرق الجمع وتخاصم الحلفاء وتخندق الفرقاء واستقرت الفوضى.
في «استقرار الفوضى» يصبح الفشل قدر الجميع ويصير العجز معبرا عن مجمل الأوضاع، لا تختلف في ذلك شهوة الاستحواذ على السلطة لدى التيارات الأصولية عن شتات المعارضة، فالجميع لا يمتلك رؤية ولا مشروعا ولا برنامجا للدولة، فالأصوليون يريدون قيادة دولة بآليات جماعة سرية، والمعارضة ترفض ذلك ولكنها لا تمتلك بديلا، والغرب الذي رعى هذا الانتقال الاحتجاجي من أول يوم يقف متفرجا ينتظر ما ستسفر عنه الأحداث وصراعات القوى، وإن كان قد جد له ميل للقوى الأصولية باعتبارها المخلص الجديد، وهو كل يوم يتنازل عن معاييره وقيمه لإنجاح مشروعها الذي يعترف بأنه لا يعرف أبعاده ولا مصيره بعد.
إن «استبداد الحرية» و«طغيان الديمقراطية» و«غوغائية الجماهير» كلها مفردات كبرى في رصف وتثبيت «استقرار الفوضى»، فالجميع في «استقرار الفوضى» يمتلك مشاريع وبرامج ويشكل تكتلات وتحالفات تكون قادرة على الدوام على «هدم» الآخر ومشاريعه وبرامجه ولكنها بالقدر ذاته عاجزة عن «البناء»، فقوة الهدم تكون أقوى وأبلغ أثرا وأسرع فعالية من قوة البناء في ظل «استقرار الفوضى».
في «الحرية» على سبيل المثال فإن الموروث العربي يربطها بتحرير العبيد، ولا يضفي عليها الأبعاد التي يكتنزها نفس المفهوم غربيا، فليس لدينا روسو ليحدثنا أن «الحرية هي الخضوع للقوانين»، ولا لدينا مونتيسكو ليقول لنا إنه «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين»، بل لدينا بالمقابل من يعتقد أن «الحرية» كفر و«الديمقراطية» مثلها، ولكنهم جميعا ينحازون إليها في شقها السياسي فحسب لأنه يخدم مصالحهم في لحظات «استقرار الفوضى» كما تصنع التيارات الأصولية ورموزها وفقهاؤها.
تجري فيما كان يعرف بـ«الربيع العربي» واحدة من أكبر الكذبات في التاريخ المعاصر، حيث تم اختطاف مفاهيم كبرى كـ«الحرية» و«الديمقراطية» و«العدالة» و«المساواة» و«الحقوق» ونحوها كثير، وتمت تعبئتها بمعان تختلف تماما عن السياق الغربي الذي انتشرت وتطورت تاريخيا فيه، وفي هذا واحدة من أهم ركائز «استقرار الفوضى»، حيث إن مهمة فرز المفاهيم ومحاكمتها هي مهمة نخبوية في الأساس، وهي تأخذ وقتا لتوضيحها وتمحيصها كما تأخذ وقتا أطول لإقناع عامة المتلقين من الناس بصحيحها وسقيمها.
تحت ظلال «استقرار الفوضى» تنمو نظريات المؤامرة لا كفعل سياسي واقعي تستبطنه السياسة كواحدة من مهماتها لتحقيق المصالح وتسعى إليه عبر خطط وبرامج واعية كما هو ظاهر لمن يقرأ التاريخ ويتمعن في صراعاته وتصرفات مراكز القوى فيه، بل كمنطق غرائبي خرافي يمثل دائما ملجأ لمن يفقد القدرة على الفهم أو العجز عن السيطرة فتنداح لدى العاجزين نظريات المؤامرة من كل شكل ولون، ويتفنن مروجو تلك النظريات في العزف على أنغامها المختلفة والمتناقضة، كنظريات المؤامرة السياسية أو الدينية، حيث تبرز في الأولى «الصهيوصليبية» وأمثالها كحل أخير، وتتصاعد في الثانية «الماسونية» وأضرابها، والحبل مرخى لمن أراد مزايدة في هذا السبيل أو ذاك، فاستقرار الفوضى يمنح مثل هذه التأويلات قصب السبق على خيارات الفكر ورؤى العقل ومنطق الواقع.
إن كل ما تقدم يؤكد أن «استقرار الفوضى» يلغي كل المعايير والمقاييس والموازين العقلية الواعية الواقعية، ويخلق معادلاته الخاصة حيث يصبح التناقض مستساغا في الطروحات والأفكار والمبادئ، ويصبح الثبات مقبولا في السياسات والتطورات والتغيرات.
أخيرا، إن «استقرار الفوضى» هو السقف العالي والمعبر اللاحب الذي تندرج تحته وتمر من خلاله كل الخيارات التي تتنقل بين السيئ والأسوأ، وهو من قبل ومن بعد المحضن الدافئ لانتشار التخلف لا التقدم، ولتفشي الأوباء القديمة لا الأفكار الحديثة.
«أمن إسرائيل».. تعريف كاذب وحقائق دامغة
بقلم: امديرس القادري عن السبيل الأردنية
من الطبيعي أن تسعى جميع دول العالم ذات النشأة الطبيعية لامتلاك أمنها الخاص بها، ومن حقها أيضا أن تضع المفهوم الأمني الذي يناسبها، هذه مسألة جدلية لا نناقش فيها بغض النظر عن التعاريف والمعاني والترجمات المختلفة التي قد ينحو نحوها العنوان الأمني الخاص بهذه الدولة أو تلك، وما نريد تسليط الأضواء عليه في هذه السطور، يتعلق بالكيان الصهيوني وتعرية تعريفه الإجرامي والكاذب للأمن.
وحتى نبني على أساسات واضحة تخدم الفكرة التي يسعى هذا المقال للوصول إليها، فمن الضروري تأكيد أن ما قلناه في السطور الأولى لا علاقة له لا من قريب أو من بعيد بكل ما قد يتعلق بعنوان «أمن إسرائيل» من زاوية التعريف والمفهوم؛ حيث إن الأمور هنا تنقلب رأسا على عقب، وتختلف بشكل كلي مع كل ما يسود ويطبق على سطح هذه البسيطة من سياسات أمنية، فهذا الكيان المصطنع سعى وما يزال نحو امتلاك حالة من التمايز الفريد من نوعه على صعيد أمنه الداخلي والخارجي؛ لأنه يشكل بالنسبة له الشرط الأول والأخير لمواصلة البقاء على قيد الحياة، فالأمن في «إسرائيل» أهم من الماء والهواء!
وعلى الرغم مما امتلكته «إسرائيل» ذاتيا على صعيد هاجسها وتخوفها الأمني الذي تستخدمه كحجة تغطي بها على الجوهر الإجرامي لكل سياساتها ومواقفها، فإنها وجدت في السياسات والمواقف الأمريكية والأوروبية على وجه الخصوص تبنيا كاملا وغير محدود لكل ما تحتاجه وتتمناه أمنيا، فالرئيس الحالي أوباما ألقى خطابا في صيف عام 2006، وقبل أن يفوز بولايته الأولى بعامين جاء فيه: «لا يخطرنّ ببال أحد أن أمريكا ستقف موقفا ألطف من موقف جورج بوش عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، ولا يتوهمنّ أحد أنه سيجد في ظل رئاستي أي موقف أقل صلابة اتجاه أمن إسرائيل»، وبذلك يكون أوباما قد أظهر وأثبت أنه يمتلك جواز السفر المطلوب للعبور الآمن نحو كرسي الرئاسة.
وإذا ما تحدث الأمريكيون والأوروبيون رسميا عن «أمن إسرائيل» فهم يقصدون بذلك أمن الاحتلال والاستيطان، وتوفير المجال الحيوي المطلوب لحماية وتغطية كل الجرائم التي قد يرتكبها هذا الكيان الصهيوني داخل فلسطين المحتلة وخارجها، بل هم مستعدون وبسبب انحيازهم الأعمى للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه، أو من يفكر بالقيام بأية أعمال قد تلحق الأذى والضرر بهذا الأمن.
إن «أمن إسرائيل» يظل واحداً من الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات الأمريكية، ديمقراطية كانت أو جمهورية، وحكومات أوروبا كانت تلحق بهذه الرعاية وهي صاغرة، وتنفذ ما هو مطلوب منها بلا أية مناقشة أو اعتراض، في الوقت الذي لا نزال كعرب ومسلمين نلهث ونجري وراء تفاصيل صغيرة عابرة، وتحاليل فارغة لخطبة هذا الرئيس الأمريكي أو لذاك المسؤول الأوروبي، ونتناسى أن كل ما يطرح في خطاباتهم ما هو إلا مجرد فهم وتطبيق والتزام مرحلي لاحتياجات هذه الاستراتيجية العامة.
إن الأمريكيين ورؤساءهم ومن ورائهم غالبية الأوروبين، وعلى اختلاف مذاهبهم ومشاربهم لا يتفقون على شيء كاتفاقهم على المشروع الصهيوني وأمنه الذي يشربونه مع حليب أمهاتهم ثقافيا، وتاريخيا، وتربويا، وإعلاميا، ودينيا، ومثلا أخلاقيا أعلى في كل ما قد يتعلق بفكرة «إسرائيل التاريخية»، ولذلك نجد المؤرخ الأمريكي كونراد شيري يروي ويقول: «إن تاريخ أمريكا هو القناعة الراسخة بأن الأمريكيين هم الإسرائيليون فعلا، وشعب الله المختار حقا».
أما الفيلسوف «ريتشارد بويكين» الإنجليزي فيقول في كتابه الذي يحمل عنوان «المواجهة بين عصر العقل وعصر الرؤيا»: «إن الإنكليز على طرف المحيط أكثر حماسة من اليهود لتأسيس الدولة اليهودية وبناء معبد سليمان، وإن صهيونيتهم هي التي صنعت الحركة الصهيونية اليهودية وانتشلتها من هامشيتها، وغذتها بالقوة وبالسلاح، وبالتدمير المنهجي للعالم الإسلامي والعربي، وإذا كان اليهود يريدون أرض إسرائيل، فإن الإنكليز يريدون أرض إسرائيل وإسماعيل وإبراهيم»!
الرئيس أوباما الذي سيزور المنطقة في نهاية هذا الشهر الجاري، يعلم قبل غيره أن لا شيء البتة سيتغير على زمن ولايته الثانية إلا ما يتعلق بأمن الكيان الصهيوني وحمايته، وبغض النظر عن كل ما يمكن أن تحمله خطاباته وتصريحاته من فبركة إعلامية، فهل ستدرك سلطة رام الله التي تستعد لاستقباله هذه الحقيقة؟ وهل ستفيق الأنظمة العربية من سباتها وخنوعها، وخصوصا تلك التي جاءت بفعل «الربيع العربي» وما أحدثه من تغيير؟ وهل صحيح أنها لا تزال لا تعرف عن العروبة إلا لبس العباءة، ومن الإسلام إلا باب النكاح، هل نتفاءل أم نتشاءم؟
نحن على يقين أن المجرم نتنياهو في تل الربيع يعرف جيداً ماذا يريد «للأمن الإسرائيلي»، ويعرف اكثر كل السبل المناسبة التي يجب عليه أن يسلكها لقطف الثمار الضرورية من وراء هذه الزيارة، أما نحن وكما جرت العادة، فالصقر، والسيف، والعباءة، والقلادة، وفوقها نفطنا وغازنا كلها جاهزة لتقديمها للضيف الكبير، وبعد أن يأخذ منا كل التطمينات اللازمة والضرورية التي تضمن بقاء الأمن الصهيوني بخير وفي أحسن حال.
الإسلام، الإسلامية، الإسلاموية
بقلم: زكي بيضون عن السفير البيروتية
منذ 11 أيلول 2001 يسهب ويتفنن فقهاء برامج الدردشة (talk show) على الشاشات الغربية في شرح الفرق بين الإسلام والإسلامية بداعي توعية المشاهدين وشحذ حسهم المدني. يجب عدم الاستهانة بشعرة معاوية بين المصطلحين، فالخلط بينهما يوقع صاحبه في مطبات عديدة وتترتب عليه عواقب أخلاقية وقانونية وتربوية جمّة. «الإسلاموفوبيا» هي عنصرية بشعة يمكن ملاحقتها قضائياً أما «الإسلاميوفوبيا» فموقف بديهي ينبع من الحس السليم ويجب على المسلمين قبل غيرهم أن يتبنوه إن كانوا يريدون إبعاد شبهة الإسلامية عن أنفسهم. الإسلامية سيئة وتتعارض مع قيم وقوانين الحضارة الغربية، بينما لا مشكلة مع الإسلام بحد ذاته. في هذا الإطار، يحصل باستمرار في فرنسا وغيرها من دول أوروبا الغربية أن تتعرض شخصية سياسية أو إعلامـية لحملة انتقادات بعد أن تضبط متلبسة بتصريحات «إسلاموفوبية» فيرد الشخص المعني علـى مهاجمـيه بأنه كـان يريد التكلم عن الإسلامية لكنه سها عن الحرفين الأخيرين. لا عجب أن العـديدين ما زالوا، على الرغم من جهود التوعية، يميلون إلى الخلط بين المصطلحين، فاللّغة نفسها لا تميز بينهما إذ ان هذا التمييز، من وجهة نظر نحوية، يضفي على حرفي الياء والتاء المربوطة وظيفة اصطلاحية غريبـة عنهما وهو لا معنى له في ما يخص الأديان الأخرى (هذه الملاحظة تشمل أيضاً الفرنسية والإنكليزية والألمانية). يحاول العرب أن يخففوا من الالتباس بإضافة حرفٍ ثالث فيترجمون الإسلامية بالإسلاموية، إلا أن ميلهم إلى حصر معنى الإسلاموية بتنظيمات جهادية مثل «القاعدة» يدل على أنهم لم يفهموا (أو لم يريدوا أن يفـهموا) مـن المصطلح سوى طابعه السلبي. كما هو معروف لدى متابعي برامج الدردشة، يستعمل لفظ الإسلامية أساساً لتسمية الإسلام السياسي، أي الإسلام الذي يدّعي حقاً في السياسة ويتعارض مع العلمانية الغربية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة. بالتالي التمييز بين الإسلامية والإسلام يفترض إمكانية إسـلام غير إسلامي، أي إسلام يقبل بالعلـمانية. لكن هل يعترف العالم المـسلم (أو على الأقل الجزء الأكبر منه) بإمكانـية كهـذه؟ هل مفهوم الإسـلام في الغـالبية العظـمى من دول هذا العـالم يمكن تميــيزه عن الإسلامية؟
كما هو معروف، التمييز بين المصطلحين استحدث عشوائياً وعلى عجل بعد انتشار الإيديولاجيات الجهادية المناهـضة للغرب في العالم المسلـم وانتـباه الغـرب إلى ضرورة التمييز بين هذا الواقع المستشري وجالياته المسلمة وإلى ضرورة فرض تمايزٍ كهذا وترسيخه. لذا يتكلم المسؤولون الفرنسيون مثلاً عن ضرورة أن تتخـذ الجالية المسلمة كمرجعية إسلاماً فرنسياً علمانياً يتمايز عن الإسلاميات الأجنبـية. لكن العلمانيـة نفسهـا تضـع حـدوداً لتدخل الدولة في هذا الشأن، فباستطاعة الدولة ومن واجبها أن تفـرض احترام القانون العلماني على المسلمين وأئمتهم، لكنها لا تستطيع مثلاً أن تنشئ مرجعية إسلامية علمانية تابعة لها، فذلك يناقض العلمانية باسمـها.
إذا كانت المشـكلة مفتعلـة إلى حد ما في الغـرب وكـان لا خـوف على العلمانية الـغربية من الإسلامية، فالأمر مختلف تماماً بالنسبة للشعوب العربية والمسلمة. إن الصعود الإسلامي يضع دول الربيع العربي أمام معضلة عتيقة عمرها من عمر الديموقراطية وهو كيف يمكن حماية هذه الأخيرة من نفسها؟ أي كيف يمكن منع قوى شعبوية وغير ديموقراطية من هزم الديموقراطية باسمها عن طريق الاقتراع كما فـعل النـازيون سابقاً ويحاول الإسلاميون أن يفعلوا اليوم؟
في هذا الإطار، اقترح عليّ أحد الأصدقاء بعد اطلاعه على نتائج الانتخابات التشريعية المصرية فكرة مفادها أنه إن كانت الأكثرية الشعبية ترفض العلمانية وتميل إلى إسلامية أكثر تشدّداً في دول مثل مصر حيث تقارب نسبة الأمية الأربعين بالمئة، فلمَ لا يتركز النضال على مطلب العلمانية الاختيارية؟ فمن أراد أن يُجلد ويُرجم وتُضـرب رقبته وتُقطـع يده وتُفـحص عذريته ويُكره على ارتداء البرقع من رأسه إلى أخمص قدميه في عز الحرّ فهنيئاً له بهذا الحق الديموقراطي ومن أراد أن يعيش وفق قوانين القرن الحادي والعشرين فليس عليه أن يزعل إن حرمه السلفيون والخمينيون من شرف الصلاة عليه والدفن في مدافنهم.
عندما غاص «الإخوان» في الوحل
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
كنا، ولا نزال، من «أشد» مؤيدي وصول أحزاب الإخوان المسلمين، التابعين للتنظيم السري العالمي، للحكم في الدول العربية التي لا يزال فيها من يعتقد أن في نواصي هؤلاء يكمن الخير! وسبب تأييدنا نابع من أنه يصعب إقناع اي متحمس من هؤلاء او جاهل بحقيقتهم بعدم صلاح أي فكر ديني أو مذهبي، في زمننا المعقد المتعدد الديانات والمذاهب، لحكم اي دولة، وتجربة إيران مع الحكم الديني خير مثال!
وحيث اننا أمة لا تقرأ التاريخ، ولا تتعظ حتى، فكان لا بد من دفع ثمن غال وإتاحة الفرصة للإخوان للوصول للحكم ليعرف الناس خيرهم من شرهم، وتسليمهم الحكم هو الأسلوب الأمثل لإظهار خواء ما يتصفون به من فكر تآمري وفراغ مذهبي، وعدم قدرة على إدارة دولة، سواء بسبب منطلقاتهم «الدينية» الضيقة، أو لاضطرارهم لحصر السلطة بايديهم من دون اعتبار لغيرهم. وقد جاء زلزال اغتيال النقابي التونسي، صديق صدام القديم، شكري بلعيد، ليهز اركان حكم الإخوان في تونس، ويدفعهم لعزل رئيس الوزراء الإخواني والإتيان بآخر غيره، وقبول المرشد الغنوشي التخلي عن جميع الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة لغير الإخوان!
كما أن قبول تولي الإخوان حكم دولة بمثل حجم وتعقيد مصر لم يكن سهلا، حيث كان من الضروري قيام دولة ما بدفع ثمن التجربة لينكشف هؤلاء! ووضعهم هنا يشبه وضع ذلك الأب الذي كان ابنه المراهق، البسيط الذكاء، يلح عليه في السماح له بقيادة مركبته، وبأنه يعرف القيادة جيدا.
وبالرغم من كل جهود والده لإقناعه بأنه لم يبلغ السن القانونية وسيصاب حتما بحادث وسيعرض السيارة للتلف، وسيسبب الخطر المميت لغيره إلا ان الابن كان مصرا على موقفه، وبالتالي لم يكن امام الأب من خيار، خوفا من قيامه بقيادة السيارة دون علمه، والتسبب في كارثة، من قبول طلب ابنه، مع يقينه بأن هذا سيتسبب حتما في وقوع حادث لهما، ولكن أي شيء أهون من فقد الابن كليا، فالتجربة كانت ضرورية ليعرف الابن، البسيط الذكاء، وابناء الحي المتحمسون لفكرته، بأنه غير كفؤ لقيادة مركبة لا في ذلك اليوم ولا في أي يوم آخر، بسبب قلة خبرته وقصوره العقلي!
وبالتالي لم يكن غريبا انهيار تحالف الإخوان مع الحزب الديني الآخر، حزب النور، ووقوع الطلاق السياسي بينهما، بعد أن كشف رئيس «النور» تراجع مرسي عن الاتفاق الذي تم بينهما، والذي نص على قيام الأخير بطرح مبادرتهم على جلسات الحوار الوطني، ولكن ذلك لم يتحقق لأن تعليمات وردت من مكتب إرشاد الإخوان منعت ذلك! ثم جاء أخيرا حكم محكمة القضاء الإداري، الذي أوقف تنفيذ قرار الرئيس المصري المتعلق بإجراء انتخابات مجلس النواب في 22 ابريل المقبل ليشكل ضربة أخرى للإخوان ودليلاً آخر على تخبطهم.
لقد شكل هذا الحكم، وسلسلة التراجعات والانتكاسات الرئاسية الدليل رقم 100 بعد الألف على عدم قدرتهم على الإمساك بزمام الأمور. ولا نود هنا الشماتة بأولئك الذين سبق أن ضربوا الدفوف وزغردوا لوصول الإخوان للحكم، فيكفيهم ما أصيبوا به من «فشلة»، لا ندري كيف لم يتوقعوها!
ظاهرة الزهايمر السياسى
بقلم: سيف الدين عبدالفتاح عن الشروق المصرية
جميعنا يعرف مرض «الزهايمر» الذى حمل اسم مكتشفه أو مرض (النسيان) كما يحلو للكثير تسميته، هذا المرض الذى يصيب المتقدمين فى السن ما زال الأطباء إلى يومنا هذا يبحثون له عن علاج، لم يكن يعرف الطبيب الألمانى لويس الزهايمر انه سيكتشف ذات يوم أحد أخطر الأمراض التى تصيب الجهاز العصبى لتدمر الخلايا العصبية المسئولة عن الذاكرة فى المخ.
عندما يتمّ العبث بوقائع التاريخ تمريرا أو تبديلا أو تحريفا، أو تناقض المواقف ونسخها لبعضها البعض، فإن الأمم يصيبها ما يصيب الأفراد من أمراض الذاكرة والوعى والانتباه؛ والذى من دلائله وشواهده غياب الذاكرة أو ضعفها والتوهان واضطراب الحُكم على الأشياء، نظرة فاحصة فى واقعنا السياسى تجعلك تكتشف تفشِّى هذا المرض «الزهايمر» فى سطور بعض السياسيين وفى عقولهم وفى خطابهم وسلوكهم؛ العقل السياسى بلغ مبلغا من الشيخوخة ما يستدعى مراجعة كل منابع شرايينه الرئيسية سياسيا وتنظيف سراديبه التاريخية.
يقصد بمعضلة الزهايمر فى السياسة أساسا أنها خرف يطغى على النظام السياسى بكل مكوناته سلطة ومعارضة وقوى سياسية، فالإصابة بالزهايمر السياسى تبدأ أعراضه بالتخبط فى القرارات والتصريحات السياسية التى يطلقها البعض من السياسيين ليعودوا ويقفوا بأنفسهم بوجه هذه التصريحات أو المواقف التى اتخذوها، والرموز السياسية التى تحسب فى خانة الحصافة يحسب لها الناس أنها مؤتمنة على تاريخ هذا البلد تنسى تاريخها القريب فكيف تحفظ تاريخنا البعيد.
إن المطلع على تاريخ السياسيين عموما، يراهم فى مرحلة الانتخابات أو عند الحاجة لدعم الناس يغدقون الوعود بالصلاح والإصلاح وتغيير الواقع، ولكن هذه الوعود غالبا ما تتبخر وتضيع فى ازدحام أروقة السياسة، أو إنها تنسى أو تُتناسى أو هو نوع من «الزهايمر السياسى» يصاب به السياسيون عند تسلم السلطة.
بعد هذا الاستعراض لظاهرة الزهايمر السياسى والدخول إلى المشهد الذى يرتبط بالمعارضة فى تكويناتها خاصة جبهة الإنقاذ، والسلطة فى تكويناتها خاصة الرئاسة والقوى السياسية التى تحملها، والمؤسسات المختلفة التى تمثل فواعل فى الدولة المصرية بعد الثورة يبدو غالب هؤلاء يعانون من زهايمر مركب وصمم سياسى مؤكد.
وفى هذا المقام نرى مؤسسة الرئاسة مثلت حالة دالة فى هذا المقام بفائض الوعود والعهود، خاصة تلك التى توثقت مع «الجبهة الوطنية» فيما سمى بتوافق «فيرمونت» بنقاطه الست، ورغم ذلك بدا للبعض أن يتحدث عن جبهات أخرى لتستنسخ تجربة للأسف الشديد أفشلها ذلك الزهايمر السياسى المصحوب بصمم سياسى.
وكذلك يتعلق الأمر بزهايمر القرارات التى تصدر عن مؤسسة الرئاسة فى كل مرة تصدر وفى كل مرة يُتراجع عنها، وفى كل مرة يطالب بعد كل قرار القيام بحوار، نحاكى الأخطاء تلو الأخطاء فى إطار يعكس فى حقيقة الأمر حال من الزهايمر السياسى.
وكذلك هناك زهايمر التعامل مع المحكمة الدستورية، لنجعل الشأن السياسى فى ساحات المحاكم ونمارس كل ما من شأنه أن نعود بممارسته السياسية إلى ساحات المحكمة الدستورية وفى كل مرة كان هذا الزهايمر متمثلا فى أحكام تعيد الأمور إلى النقطة الأولى والتى تجعل من ضرورة أن نتعلم من مسار الأحداث أن نتجنب ارتكاب ذات الأخطاء فى إطار من الزهايمر المركب.
وفى إطار من زهايمر الدستور كصياغات تشكل المجتمع وإمكانات بناء مساراته السياسية يبدو الدستور عملية مهمة لا تقترن بعمليات تمرير فى استفتاء، لكنها ترتبط بعمليات تفعيل بأرض الواقع ومن هنا يبدو هذا الزهايمر الدستورى بعدم متابعته فى مساراته المتنوعة من التعديل والتأويل والتفعيل.
وهذا زهايمر جماعة الإخوان وحزبها المتمثل فى الحرية والعدالة حينما أعلنوا بأعلى صوت أنهم سيتبعون مبدأ المشاركة لا حالة المغالبة ثم دخلوا ومن كل طريق إلى باب الغلبة والتغلب والاستحواذ والاحتكار، وهاهم يمارسون هذا الزهايمر الذى يتعلق بالترشح لانتخابات الرئاسة بعد أن أكدوا أنهم لن يقدمون مرشحا من داخلهم وها هم يمارسون فى الحكم أقصى درجات التبرير بعد أن كانوا يمارسون فى المعارضة أقصى درجات النقد، ويتابعون أمورهم فى الحكم أسلوب التبرير اعتمادا على نسيان الشعوب وتآكل ذاكرتها.
ويرتبط بذلك زهايمر القروض ذلك أن الحرية والعدالة وقفوا موقف المناوئ لقرض الصندوق إبان حكومة الجنزورى، وبعد ذلك دافعوا عن القرض وأهميته ويضفون عليه من كل طريق حله وشرعيته، وكذلك يمارسون نسخا لاتفاقاتهم فى إطار من الزهايمر السياسى مصحوبا ببعض الانتهازية حول قانون الانتخاب والتصويت عليه مرتين بشكل يتسم بالتناقض واختلاط المواقف.
هذا غيض من فيض بالنسبة لمن هم فى السلطة أو يساندونها، والأمر لا يختلف كثيرا عن معارضة تتخذ نفس المسار من أعراض الزهايمر التى تصيبها وصمم يصيب آلتها السمعية وممارستها.
ها هو زهايمر الانتخابات يصيب المعارضة، فلنتذكر فى انتخابات مجلس الشعب الأولى إبان تيسير المجلس العسكرى للمرحلة الأولى كان دفع المعارضة بضيق الوقت وعدم مناسبة الظرف وأن أمر الانتخابات لابد وأن يكون له من الإعداد، فمرة هم غير مستعدين ومرة أخرى الظروف غير مناسبة وليست ملائمة، فمتى إذا ستكونون مستعدين لدخول الانتخابات؟!، ذات الحجج وانتحال المعاذير هو سيد الخطاب لدى المعارضة فى حالة تؤشر على إصابة مزمنة بزهايمر سياسى تمكن من عقولهم ونفوسهم وسلوكهم وخطابهم، وها هو الزهايمر الانتخابى يصيب خطابهم حينما يطالبون بتأجيل انتخابات البرلمان بينما يطالبون بتعجيل انتخابات الرئاسة والمطالبة بها مبكرة، أليست تلك صناديق؟! أليست هذه انتخابات كانتخابات؟! أليست ذات الظروف تحيط بمطالبات التأجيل ومطالبات التعجيل فكيف تستقيم الأمور؟!
وهاهو زهايمر النائب العام فى المطالبة بإقالة النائب العام السابق، فإذا تم ذلك طالبوا بعودته وإقالة النائب العام الجديد فى إطار اضطراب فى الذاكرة يعبر عن حالة من الزهايمر السياسى.
وهاهى دعوة الجيش للعودة لمشهد السلطة فى إطار زهايمر يصيبهم حتى فى إطار ما يعتقدون به أيدلوجيا، بأى ليبرالية تؤمنون؟، والى أى أيدلوجية مدنية تستندون فى مطالبتكم بعودة الجيش فى سدة الحكم؟ وأى اختيار هذا بين عودة الجيش ورفض الصناديق؟ وأين هذا من مطالبتكم من قبل بمحاكمتهم على أحداث ماسبيرو وأخواتها.
ويتواكب مع ذلك دعوة أخرى فى إطار استدعاء الخارج على ألسنة بعض رموز من جبهة الإنقاذ، ثم بعد ذلك هم فى زيارة كيرى يرفضون تدخل الخارج لأنه يطالبهم بغير ما يعتقدون وإلى غير ما يرتكنون، وهم يذهبون للاجتماع بالسفيرة الأمريكية من قبل تارة واستدعاء الخارج تارة أخرى.
وها هم فى وقت من الأوقات يطالبون بالتطهير وعزل الفلول فإذا بهم يحتضنونهم وينسقون ويوثقون علاقاتهم بهم وقد أصابهم زهايمر الفلول، وهاهم فى النهاية ينتقلون من تأييد لألتراس الأهلى لتأييد لأهل بورسعيد فى حال من زهايمر مصحوب بسياق من الانتهازية السياسية.
وها هى بعض مؤسسات الدولة فى عهد مبارك المخلوع تزيّن له استبداده وفساده فإذا بهم الآن يركبون موكب الثورة، أو يستأسدون فى معارضة منظومة السلطة وعلى رأسها الرئاسة، وقد كانوا يحملون المباخر للنظام السابق ويسيرون فى مواكب تزوير الانتخابات، ويزينون للسلطة كل أفعالها الفاسدة المستبدة فى كثير من الخطابات.
ها هى المؤسسات تصاب بالزهايمر المؤسسى فى المواقف وفى الخطاب تعتمد فى ذلك على ضعف ذاكرة الشعوب والرهان على نسيانها وغفلتها.
وها هو الزهايمر الذى قد يصيب بعض الثوار حينما يتغافلون عن قيم ثورة 25 يناير فى الثمانية عشر يوما ويمارسون عملا ضد سلمية هذه الثورة وحضاريتها وعناصر الجامعية فيها وينزلقون إلى مهاوى الاستقطاب وإلى دركات الانقسام والتشرذم فى إصابة قاتلة بزهايمر ثورى يضرب الثورة فى مقتل.
إننا نعول فى كل هذا على ذاكرة الثورة وذاكرة الوطن وذاكرة هذا الشعب العظيم الذى يعى مصالحه ولا يغفل عن أهدافه ومكاسب ثورته وجامعية سفينة الوطن ومصالحها العليا. تعالوا إذا نخرج من حالة الزهايمر السياسى بكل أعراضه لأن ذاكرة الشعوب لن تغفر لنا ما أغفلنا وما تناسينا.
مرسي.. وأشباح مبارك
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
أن تكون رئيسا لمصر بعد مبارك.. وتجلس على الكرسي الذي تمدد عليه “الريس الكبير” ثلاثين سنة.. يشبه أن تكون رئيسا لدائرة تطهير نفايات القاهرة الكبرى.. ومعنيا بالقبض على الأشباح التي تزعج الناس.. وتتآمر على الثورة.
فمهنة التعاطي مع مكبات النفايات السياسية والمالية والإدارية والقضائية والأمنية والإعلامية والثقافية التي ملأ بها “عزيز مصر” أرض مصر.. هي بكل تأكيد وظيفة غير مغرية ولا مريحة ولا آمنة صحيا.. وليست مستساغة حتى لدى الأربعين مليون مصري ممن يعيش تحت حافة الفقر.. وينامون في العشوائيات والمقابر.
فأكداس النفايات التي راكمها مبارك وعلاء وجمال وعزت وسرور وحبيب.. بنشاط ومثابرة.. وأعانتهم عليها (السي آي إي والموساد وجماعة خلفان).. كانت كافية لتملأ جغرافيا مصر بأهرامات وأشكال لا حصر لها من أبي الهول.. تنافس أهرامات “خوفوخفرع ومنقرع”.. وتتفوق عليها.. بقي أن أهرامات الفراعنة القدامى من حجر مصقول.. وغاية بنائها هي تخليد ذكرى الفرعون.. ومنحه طريقا إلى العالم الآخر.. وتوفير مصدر دخل دائم للمصريين.. من باب عناية الأجداد بالأحفاد.. أما أهرامات مبارك فمن المخلفات السامة والقذرة والملوثة.. لنظام قام على الفساد والإفساد وبيع مصر في المزاد.. وهي مخلفات تستهدف خنق رئة مصر.. وتسميم جسدها المنهك.. وتلويث عقلها المحجور عليه منذ ثلاثين سنة.. وهي بكل تأكيد مخلفات وبقايا وعوادم غير قابلة للتحلل بسرعة.. بمعنى أنها مباءة لتكاثر الأشباح.. وتناسل الخفافيش الليلية وكل أنواع الوطاويط مصاصة الدماء البشرية.
ما يحدث في مصر حاليا.. يعني شيئا واحدا.. أن أشباح مبارك.. ومن على شاكلته من المسوخ البشرية.. قد خرجت من خرائبها.. وانتشرت في مدن مصر.. تتجول حرة طليقة.. تتسلل بين المتظاهرين.. ترعب وترهب.. وتقتحم مقرات جماعة الإخوان المسلمين.. وتطلق الرصاص وتشعل الحرائق وتوزع منشورات العصيان المدني.. وتحرض المعارضة على النفخ في بوق الفوضى والتحامل على الرئيس مرسي.
ولأن الأشباح لا تموت قبل أصحابها.. فقد تعهدت المعارضة “الفلولية” على إعادة كتابة تاريخ جديد للموتى.. باستدعائهم حالا من قبورهم.. ومطالبة الشعب المصري بضرورة رد الاعتبار إليهم.. وإسكانهم ثانية في قصر الاتحادية .
في مصر ـ كما في بلدان الربيع العربي الأخرى ـ الموتى يرفضون الموت ويقاومون بشدة قرار تقييدهم في سجل الراحلين.. ويرفضون أن يدفنوا.. وقد يمزقون أكفانهم.. وإذا تمكن حفار القبور من حشر أحدهم في قبره.. حاول المقبور ثقبه والخروج منه.
ولأن أشباح “الريس” من النوع العابر للبلدان.. فإن من هؤلاء الموتى من يهاجر إلى دبي لاستخراج شهادة حياة جديدة.. وجواز سفر جديد.. بأمل العودة لأداء الواجب الوطني.. حيث مومياء الفرعون الأكبر لا تزال حية في سجن المزرعة.. تأكل وتشرب وتتكلم.. وتلعب كرة الطاولة.. وتعالج في المستشفى العسكري.. منتظرة قرار التحنيط النهائي من النائب العام.
الحرب الدائرة بين مرسي وأشباح مبارك.. لا تريد أن تبقى مصرية.. فعصابات (البلاك بلوك ـ الكتلة السوداء ـ) التي دخلت على الخط.. حاملة في جيبها (مخططا إسرائيليا يستهدف شركات البترول والمواقع الحيوية).. وتضع أقنعة سوداء على وجوه أعضائها.. تتحدى وزارة الداخلية أن تضبط فردا منها أو أن تعرف مكان إقامته.. فالأشباح السوداء.. كما البيضاء والحمراء.. لا تملك عنوان إقامة.. ولا بطاقة تعريف!!
وجماعة الظل التي تسمي نفسها “الإنقاذ”.. والتي تخصصت في إشعال الحرائق في ثوب الرئيس مرسي.. واتهامه بالعجز عن أداء فروض القوامة الثورية.. تحج إلى شيخ الأزهر طلبا للبركة.. قبل أن تعود إلى ميدان التحريض لمعاودة النفخ في (الغلابى).
هذه الجماعة الشبحية.. ثلاثية الأرجل والأيدي.. تعتقد أن مرسي والمرشد قد استحوذا معا على طبق الفول (المدمس).. وعلى الدجاجة الذهبية التي تركها مبارك سهوا.. وهما يجلسان الآن في “الاتحادية” يمرحان ويأكلان هنيئا مريئا.. ويملآن سلتيهما من البيض الذهبي.. بانتظار أن تهب عليهما رياح الثورة.. فيلتحقا بشفيق في دبي.. أو يجاورا مبارك في المزرعة.
خلف هذه الأشباح.. ثمة عفاريت مطلقة السراح اختارت الإقامة في نادي القضاة.. وأرواح شريرة تسكن في الفضائيات.. وهوام ليلية تستأجر أعمدة ومساحات في الصحف المكتوبة والإلكترونية…. و”دابراكا” تتولى إعداد وصفات السحر الأسود.. بعد أن خانتها طلاسم الصندوق الانتخابي.
وأمام الأرتال المتحركة من الأشباح التي ترى ولا ترى (بضم الياء).. كان الله في عون الدكتور مرسي.. الذي ساقته أقدار الثورة المصرية إلى هذا المكان.. وأجلسته على هذا الكرسي الشائك المتقلب.. ووضعت في يده مكنسة مصر.. ليتحمل تبعة تطهير أضخم مكب نفايات عرفته أم الدنيا.. ومقارعة أضخم جيش من الأشباح في العالم.
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif
في هذا الملــــف:
من يعرقل «المصالحة الفلسطينية».. منذ أعوام؟!
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
لماذا لا ينتهي الانقسام الفلسطيني؟
بقلم: علي جرادات عن الخليج الإماراتية
أنقذوا القدس من عصابات التهويد
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
لماذا تراجع الإسلام السياسي؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
استقرار الفوضى
بقلم: عبد الله بن بجاد العتيبي عن الشرق الأوسط
«أمن إسرائيل».. تعريف كاذب وحقائق دامغة
بقلم: امديرس القادري عن السبيل الأردنية
الإسلام، الإسلامية، الإسلاموية
بقلم: زكي بيضون عن السفير البيروتية
عندما غاص «الإخوان» في الوحل
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
ظاهرة الزهايمر السياسى
بقلم: سيف الدين عبدالفتاح عن الشروق المصرية
مرسي.. وأشباح مبارك
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
من يعرقل «المصالحة الفلسطينية».. منذ أعوام؟!
بقلم: مأمون الحسيني عن الوطن السورية
كما في كل مرة، ومنذ عدة أعوام، طفت على سطح مستنقع «المصالحة الفلسطينية» التي يقسم الطرفان الفلسطينيان المتنازعان (فتح وحماس) أنهما جادَان بإنجازها، عقبات مفتعلة يمكن إضافتها إلى رزمة الإشكالات التي تعشش في ثقوب التفاهمات المنجزة حتى الآن.
ويبدو أن الأبرز فيها، حتى اللحظة، طلب «حماس» المفاجئ تأجيل اللقاء الذي كان مقرراً بين رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، ورئيس السلطة و«فتح» ومنظمة التحرير محمود عباس لـ«استكمال ملف المصالحة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية». أما السبب فيعود، حسب أوساط «حماس»، إلى تحديد القيادي في «فتح» عزام الأحمد، وخلال اجتماع في رام اللـه مع رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك، ثلاث قضايا غير مطروحة للنقاش أو التفاوض: «لا عودة لإعادة فتح مؤسسات حركة حماس في الضفة الغربية»، و«لا وجود لمعتقلين سياسيين لحركة «حماس» في الضفة، وأن الموجودين معتقلون جنائيون»، وأخيراً «لا انتفاضة ثالثة». وحيثية ذلك هي أن «الأحمد، ومن يمثل، يريدون «معرفة نوايا الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يزور المنطقة الشهر المقبل، وبالتالي، فإن تفاهم السلطة مع «حماس»، قبل معرفة النوايا، سيعرقل أجواء الزيارة، وسيكون من الصعب على أوباما أن يقنع الكونغرس بالإفراج عن 700 مليون دولار دعماً للسلطة الفلسطينية».
ومع ذلك، لا بد من التوضيح بأن نقطة الخلاف المركزية التي أعاقت، وللمرة الألف، إتمام وضع ما قيل إنه «اللمسات الأخيرة» على اتفاق المصالحة، تتعلق بعدم موافقة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل على إقرار قانون انتخابات موحد للشعب الفلسطيني، وإصراره على تحديد «سبع دوائر انتخابية»، إحداها للأراضي المحتلة عام 1967، وفق النظام المختلط (النسبي والقوائم) والدوائر الست الأخرى للفلسطينيين في الخارج، وفق نظام التمثيل النسبي. وإصراره أيضاً على ما سماه «مراعاة الخصوصية» لكل من المجلسين (التشريعي والوطني)، والمتأتية من اختلافهما في الدور والصلاحية، إضافة إلى ضرورة عدم تزامن انتخاب هذين المجلسين، وهو ما اعتبر، بنظر أوساط فصائل منظمة التحرير، بمنزلة تكريس للانقسام المتواصل منذ نحو ست سنوات.
يمكن التأكيد، بطبيعة الحال، أن الخلاف بشأن قانون، أو قانوني الانتخاب اللذين يلبسان المجلس التشريعي قبعة «الممثل الشرعي» الموازي لمنظمة التحرير ومجلسها الوطني، لم يكن الوحيد الذي برز على سطح لقاء القاهرة الأخير الذي كان ينبغي أن يكون «بروتوكولياً» يتم خلاله إعلان آليات تنفيذ ما سبق الاتفاق عليه في القاهرة والدوحة، بعد أن جرى تذليل عقبة أولوية الانتخابات العامة، كما أرادت «فتح»، أو أولوية «حكومة المصالحة» المكونة من كفاءات وطنية برئاسة محمود عباس، كما رغبت «حماس»، من خلال اتفاق الجانبين على «التزامن» في إصدار مرسومي الحكومة والانتخابات. إذ، وعلى حواف هذا الخلاف المركزي، طفت خلافات أخرى، من نمط التباين حيال نواب المجلس التشريعي بين كونهم نواباً في المجلس الوطني الجديد، بشكل تلقائي، وبين خضوعهم للعملية الانتخابية، والاختلاف بشأن أهلية لجنة الانتخابات المركزية للإشراف على انتخابات المجلس الوطني، إضافة إلى الخلاف بشأن نسبة الحسم.
وعلى الرغم من أن الأوساط المتنفذة في الحركتين (فتح وحماس) اللتين ألقيتا القبض على مفاصل الشأن الفلسطيني، الوطنية والسياسية والاقتصادية وسواها، ولاسيما في الأراضي المحتلة عام 1967، تصر على أن ثمة فضاء واسعاً لإنجاز المصالحة وترجمتها على الأرض، إلا أن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك. ويكفي التدقيق في المهام المطلوبة من حكومة الكفاءات، في حال تشكيلها، للتيقن من حقيقة أن الحراك الفلسطيني المتعلق بالمصالحة ليس أكثر من عبث وهذيان وتقطيع وقت بانتظار ما تحمله المرحلة المقبلة من تطورات «إسرائيلية» وإقليمية ودولية، ومعرفة المدى الذي ستذهب الإدارة الأميركيّة في فترة رئاسة أوباما الثانيّة في مقاربتها لملف الصراع في المنطقة. إذ ينبغي لهذه الحكومة (قبل أن تذهب، وحتى تذهب) أن تحضَر للانتخابات التي لم يتم الاتفاق على قانونها ونظام إجرائها، وأن تعيد إعمار غزة، وتوحد مؤسسات السلطة الفلسطينية من أمنية ومدنية. وبعد كل ذلك يتم، وكما تصر «حماس»، تعيين موعد إجراء الانتخابات.
وإذا كان من غير الواقعي أو الأخلاقي تحميل حركة «حماس» مسؤولية وضع العصي في دواليب المصالحة التي تشكل مصلحة حيوية للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، لكون «فتح» تتحمل نصيباً وافراً من هذه المسؤولية، إضافة إلى تأثير الأطراف الخارجية، وبالأخص سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» التي تستطيع التحكم بقدرة الحكومة الفلسطينية المؤقتة المقبلة على العمل، وبإجراء الانتخابات أو عدم إجرائها، وباحترام نتائجها أو تعطيلها، وبعمل الأجهزة الأمنية، وذلك بدلالة الاعتقالات الأخيرة، التي أقدمت عليها هذه السلطات في الضفة، وطالت بعض النواب الفلسطينيين، وبعض منتسبي حركة «حماس»، غير أن الحركة الإسلامية مافتئت تقدم المؤشر تلو الآخر على عدم جديتها في إنجاز اتفاق المصالحة وترجمته على الأرض. ولعل الأبرز في هذه المؤشرات، خلال الأيام الأخيرة، وبعد إعلان مدير عام المكتب الإعلامي في حكومة «حماس» في قطاع غزة، إنشاء وكالة أنباء رسمية ستكون متحدثة باسم حكومة القطاع، في موازاة وكالة الأنباء الرسمية لمنظمة التحرير والسلطة (وفا)، إعلان عضو المكتب السياسي في «حماس» د. خليل الحية، يوم 15 الجاري، بأن حركته لن توافق على إجراء الانتخابات وإتمام المصالحة ما لم ينجز ملف الحريات العامة بالضفة المحتلة.
صحيح أنه يمكن قول الكثير في مواقف «فتح» و«حماس» اللتين تحرصان، من خلال تمسكهما المعلن بالمصالحة، على ألا تتحملا المسؤوليّة أمام الشعب عن استمرار الانقسام، وحتى يحاول كل منهما تحقيق أهدافه التكتيكيّة: «فتح» بالحصول على دعم جميع الفصائل لبرنامجها السياسي وقيادتها للسلطة والمنظمة، و«حماس» باستخدام المصالحة بوابة للحصول على الاعتراف والشرعية العربية والدولية، إلا أن الأهم هو اتضاح حقيقة عجز القيادات الفلسطينية، بمختلف مسمياتها وتلاوينها، عن تجاوز عقبة الانقسام، وتالياً عن تحقيق الحد الأدنى من الأهداف الوطنية العليا، لا بل عدم قدرتها على قيادة حراك الشارع الفلسطيني، وترجمة شعار المقاومة الشعبية السلمية. أما الأسوأ فهو فضيحة عجز السلطتين المتناحرتين، في غزة ورام الله، عن تقديم الخدمات العامة البسيطة للمواطنين، من كهرباء وعلاج وتعليم، وصولاً إلى دفع رواتب الموظفين.
لماذا لا ينتهي الانقسام الفلسطيني؟
بقلم: علي جرادات عن الخليج الإماراتية
مؤسف أن يصبح من غير الممكن تناول أي من جوانب جوهر الملف الفلسطيني، أي الصراع مع الاحتلال، إلا ارتباطاً بالانقسام الداخلي بين حركتي “فتح” و”حماس” . فقد صار واضحاً أن قيادتيهما غير جادتين في إنهاء هذا الانقسام . بل، وصار جلياً أن كلاً منهما يبحث عن ذرائع للتهرب من تنفيذ اتفاقاتهما بشأنه . ومن فرط هذا وذاك، وبما يشي بغياب متبادل لإرادة تنفيذ هذه الاتفاقات، وما أكثرها، صار بوسع مشادة عابرة بين اثنين من قادة الحركتين، (عزام الأحمد وعزيز دويك)، تعطيل اللقاءات بينهما إلى أجل غير مسمى .
هنا يثور السؤال: هل يتعلق الأمر فعلاً بما بين الطرفين من خلاف سياسي أم بما بينهما من صراع على التفرد بالتمثيل السياسي للشعب الفلسطيني؟ يجيز التفكير في هذا السؤال شواهد عدة تكثفها حقيقة أن الهبات الجماهيرية ضد الاحتلال تتوالى، وأن عدم توافر قيادة وطنية موحدة هو ما يحول دون تطور أي من هذه الهبات إلى انتفاضة شعبية تنقل الحركة الوطنية الفلسطينية من حال إلى حال مختلفة نوعياً، سواء لناحية علاقة أطراف هذه الحركة بعضها ببعض، أو لناحية علاقتها بشعبها، أو لناحية، (وهذا هو الأهم)، كيفية إدارتها للصراع مع الاحتلال .
ما يعني أن المسؤولية السياسية عن إجهاض هذه الهبات لا تقع فقط على عاتق قيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي تعلن صراحة عن عدم اقتناعها بالانتفاضة كخيار سياسي، بل، تقع، أيضاً، وبالقدر ذاته، على عاتق قيادة “حماس” التي ما انفكت “تخطب” في الناس عن الانتفاضة، لكنها تريدها خارج نطاق “حصتها” من “سلطة” اسمية، وبما لا يهدد استمرارها، وبما لا يمس خيار سياسة “التهدئة” المبرمة مع الاحتلال بواسطة مصر ورعايتها . هذا فضلاً عن أن أياً من جولات الحوار بين الطرفين لم يبحث بجدية في البرنامج السياسي الوطني، وعن أن أياً من اتفاقاتهما المعطلة لم تحتوِ إلا على ما هو عام بشأنه . بل، إن كل ما ورد في هذه الاتفاقات وشى بتوافق الطرفين على تجديد المرحلة الانتقالية لاتفاق “أوسلو” التي انتهى عمرها الزمني في مايو/ أيار 1999 .
يحيل ما سبق إلى تاريخ تعقيدات مسألة التمثيل الفلسطيني، بعامة، وإلى تاريخ صراع الطرفين على هذه المسألة، بخاصة . إذ، وكما لدى كل الشعوب، يعد التعدد والتنوع لدى الفلسطينيين ظاهرة طبيعية . بل، وكان منطقياً أن يفرز تشتيتهم بعد احتلال أرضهم وضعية خاصة من التنوع والتعدد في الاجتماع والاقتصاد والفكر والسياسة . غير أن هذه الوضعية الخاصة والمعقدة شكّلت سيفاً ذا حدين، فهي، وإن أغنت مجتمعهم السياسي والمدني وزادته ثراء، فإنها وفرت لعدوهم، ومن يرعاه أو يواليه، مدخلاً للّعب على تناقضاتهم والعبث بوحدتهم الوطنية، وبمستواها السياسي بالذات .
هنا يكمن سر حرص الفلسطينيين على وحدة تمثيلهم السياسي واستقلاليته، وعدم تهاونهم مع أي طرف داخلي، مهما علا شأنه، يسهم، بوعي أو بجهالة، في تحويل الخلاف الفكري والسياسي المشروع إلى صراع على التمثيل الوطني، بحسبان أن ذلك بمعزل عن النوايا والتبريرات، إنما يصب الحب في طاحونة عدوهم الساعي بثبات إلى منع تكريس ما بلوروه وطوروه وكرسوه، بتضحياتهم الجسيمة ونضالهم المديد، من مؤسسات وطنية جامعة . لكن هذا الحرص لم يفضِ يوماً إلى تسامحهم مع أي تشكيل قيادي، مهما ارتفعت أسهمه النضالية، يحاول استخدام “قدسية” وحدة التمثيل السياسي الوطني واستقلاليته، تذكرة للتفرد والسيطرة، أو إجازة لتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الوطنية غير القابلة للتصرف .
يفسر ما سبق سيادة الخلاف داخل الوحدة بين “فتح” كتيار مركزي في منظمة التحرير الفلسطينية وبين بقية الفصائل المنضوية في إطارها، منذ نشأتها إلى اليوم . فحتى بعد اتفاق “أوسلو” كمحطة شطرت الحركة الوطنية الفلسطينية إلى فسطاطين، فإن أياً من فصائل المنظمة المعارضة لهذا الاتفاق لم يلجأ إلى تشكيل إطار موازٍ لها، بل حافظ معظمها على عضويته في جميع مؤسساتها، بما فيها التنفيذية، بينما حافظ بعضها على عضويته في مؤسستها التشريعية . وأكثر، فإنه يسجل لحركة “الجهاد الإسلامي” عدم التورط في خطيئة الاحتراب الداخلي، رغم أنها من أكثر الفصائل الفلسطينية، إن لم تكن أكثرها، جدية وانسجاماً في معارضة هذا الاتفاق .
لكن كل هذا بدأ يتغير، وإن بتدرج، منذ تأسيس حركة “حماس” في العام 1988 حيث لم تنجح كل محاولات ومساعي ووساطات واتفاقات ضمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية كإطار وطني جامع . وبالتالي فإنه، وعلى الرغم من نجاح صيغة التنسيق بين قيادتي “المنظمة” و”حماس” في التخفيف من وطأة خلافهما على المجريات الميدانية للانتفاضة الشعبية الكبرى، (1987-1993)، وبقدرٍ أقل على مجريات انتفاضة الأقصى المسلحة، (2000-2004)، إلا أن عدم توصل الطرفين إلى صيغة ائتلافية على أساس الحد الأدنى الوطني المشترك أبقى الباب مفتوحاً على تحويل الخلاف الفكري السياسي الداخلي المشروع، بوصفه تناقضاً ثانوياً، إلى تناقض رئيس في مرحلة تحرر وطني ماانفك الشعب الفلسطيني يعيشها رغم نشوء سلطة وطنية انتقالية مقيدة ومحدودة، وفقاً لاتفاق “أوسلو” . وهذا من أسف ما حصل بالفعل في يونيو/ حزيران 2007 حيث انفجر هذا التناقض بإقدام قيادة “حماس” على ارتكاب خطيئة حسم قضايا الخلاف السياسي بوسائل عسكرية، بينما كان بالمقدور السيطرة على ما سبق هذه الخطوة من اقتتال داخلي محدود . وهو الأمر الذي أفضى، بمعزل عن النوايا والتبريرات، إلى تعميق الأزمة السياسية التي تعصف بالتنظيم السياسي الفلسطيني منذ الدخول في دهليز “أوسلو”، سواء لناحية ما تعيشه فصائل وأحزاب الحركة الوطنية من مظاهر التفكك والتشرذم والترهل، أو لناحية ما يعصف بالمؤسسات الوطنية التمثيلية الجامعة من انقسام عمودي أنتجه غياب وحدة الرؤية والبرنامج والقيادة، وعمقه استشراء ممارسات ترجيح الفئوي الخاص، بل والشخصي أحياناً، على حساب الوطني العام، مع كل ما أفضى إليه ذلك من تباين للأجندات وتعدد للرهانات وتحويل للخلاف الفكري السياسي إلى حالة ممتدة من الصراع على تمثيل شعب يجثم الاحتلال على صدره ويلعب، في السر حيناً، وفي العلن حيناً آخر، على انقسامات نخبه السياسية العبثية بلا شك أو ريب .
أنقذوا القدس من عصابات التهويد
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
المخططات التهويدية التي تستهدف مدينة القدس وبخاصة المواقع الإسلامية الاثرية، لاتقف عند أي حد، فهي تحاول احداث انقلاب في هوية المدينة العربية الإسلامية، عبر التهويد والتزوير للمكان والتاريخ، وخداع العالم بتسويق عبر افواج السياح الذين يجهلون تاريخ المنطقة وتاريخ ومكانة هذه المدينة الإسلامية المقدسة اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وعبر الآلة الاعلامية الغربية المضللة، التي تمارس الانحياز والتضليل بأبشع وأوسع صوره في ظل الصمت والتواطؤ الدولي.
وبالقدر الذي يكون فيه العرب والفلسطينيون خصوصا، والمسلمون عموما في حالة «خمول» و«هوان» و«تبعية» و«فقدان للبوصلة»، يكون فيه المشروع الاسرائيلي اقرب الى مرحلته النهائية الا وهي هدم المسجد الاقصى المبارك، وهي الضربة القاضية، التي يسبقها بوقت قليل، اقتسام المسجد الاقصى المبارك للصلاة بين «المسلمين واليهود»، وهو ما نشهد له من دلالات وعلامات كثيرة، واقلها اقامة صلوات تلمودية في ساحات المسجد الاقصى المبارك، كما فعلوا في المسجد الابراهيمي الشريف في مدينة الخليل، حيث مر العدوان الاسرائيلي البشع على المسجد الابراهيمي كأمر واقع مع ان الوضع العربي والإسلامي ربما كان أفضل من الان من حيث التماسك العربي الذي تعرض لأسلحة التدمير والتشكيك حتى وصلنا الى مانحن عليه الان لاحول لنا ولاقوة ليس بالفعل فقط ولكن ايضا بالكلام.
فالتهويد في مدينة القدس معالم وتاريخاً، ماض وبشكل حثيث وممنهج، في طريقه المرسوم، وآخر العمليات التهويدية التي يقوم بها العدو الصهيوني حاليا هي الاعتداء على مقبرة «مأمن الله» التي تعد من أقدم المقابر الإسلامية التاريخية، وقد دفن فيها جمع كبير من الصحابة والتابعين والعلماء والمجاهدين ومن أعيان القدس الشريف على مر التاريخ، حيث يعتزم هذا العدو الغاصب، بناء متحف ومن المفارقات العجيبة الغريبة انه يطلق عليه «متحف التسامح»!!!، وحديقة للكلاب ومنطقة عروض للاحتفالات الصاخبة داخل أراضي هذه المقبرة الاثرية، (وهي وقف إسلاميٌّ خالص) بالقدس المحتلة.
لماذا تراجع الإسلام السياسي؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
تحت ضغط التظاهرات الشعبية المعارضة، تراجعت حركة "النهضة" في تونس عن تمسكها بشكل الحكومة التي أرادتها بعد انتخابات المجلس التأسيسي، وتخلت عن الحقائب "السيادية" رغم أن زعيمها راشد الغنوشي اعتبر سابقاً أن مثل هذا التخلي يعني الرضوخ لمؤامرة على الثورة.
وتحت ضغط القضاء، المترافق مع تحرك شعبي مستمر، تراجعت جماعة "الإخوان المسلمين" عن إجراء الانتخابات النيابية بأي ثمن وفي اسرع وقت. رغم أنها حاولت أن تلتف على القضاء، بعد المعارضة ومطالبها، معتبرة أن هذا الاستحقاق الانتخابي هو الذي سيعطيها الشرعية المطلقة في التشريع، وليس مجلس الشورى الذي يتولى هذا الأمر حالياً وفي غياب مجلس النواب.
في الحالين، سجل الإسلام السياسي تراجعاً أكيداً بعدما أبدى شهية لا تشبع للسلطة والسيطرة على مؤسساتها. وفي الحالين أيضاً، لا يمكن رد هذا التراجع إلى حس ديموقراطي أو إشراك المعارضة في ترتيب شؤون البلاد خلال المرحلة الانتقالية. إذ أبدى كل من "النهضة" و"الإخوان"، في مرحلة سابقة، الاستعداد لكل أنواع التحالفات، بما فيها الإسلام الأصولي والسلفي الجهادي، المعادي بالتعريف للديموقراطية والانتخاب، من اجل مواجهات التيارات الليبرالية والمدنية، سواء في الشارع أو في صندوق الاقتراع.
ومع توقع استمرار وضع سياسي متأزم ومنفتح على احتمالات التصعيد والمواجهة مجدداً بين الحكم والمعارضة، في تونس ومصر، يمكن أن يعزى التراجع الذي اقدم عليه الإسلام السياسي إلى اعتباره أن ميزان القوى الداخلي يفرض هذا التراجع.
أسباب رئيسية ثلاثة قد تفسر اختلال ميزان القوى لغير مصلحة الإسلام السياسي.
السبب الأول هو الشراهة إلى السلطة والتي أبداها الحكام الجدد، على نحو كشف نياتهم في الهيمنة والسيطرة من دون شريك فعلي من جهة. ومن جهة أخرى، فشلهم المريع في إيجاد أي حل، ولو موقت للأزمات السياسية والمعيشية المتراكمة. فبدا الإسلام السياسي فاشلاً في الحكم، بما أبعد عنه ناخبين منحوه ثقتهم في البداية، معتبرين انه سيكون نموذجاً معاكساً لما قامت الثورة عليه. وليكتشفوا أن طريقة ممارسة الحكم لا تختلف كثيراً عن نهج الاستئثار السابق، اضافة إلى فقدان برنامج للحكم وقلة الخبرة في إدارة شؤون البلاد.
السبب الثاني يكمن في ثبات المجتمع الأهلي والمدني في موقفه من قضية الديموقراطية ورفض الديكتاتورية. وباستثناء شخصيات انتهازية لا تمثيل شعبياً لها، لم يتمكن الإسلام السياسي من اجتذاب أي من الأحزاب المدنية والليبرالية والعلمانية. لا بل ازدادت وتيرة الاعتراض على مشروع الدولة "الدينية" التي أرادها الإسلام السياسي. وبقيت شعارات الحرية والمساواة في المواطنة والحقوق المدنية تدوي في الشوارع التونسية والمصرية على نحو متزايد وتستقطب مزيداً من المحبطين من تجربتي "النهضة" في تونس و "الإخوان" في مصر. أي أن الصمود في مواجهة موجة "الدولة الدينية" زاد المجتمع المدني قوة ومنعة.
السبب الثالث، وربما الأهم، هو أن الإسلام السياسي لم يتمكن من اختراق مؤسسة الجيش، في تونس ومصر. وهذا يعني، انه لم يتمكن من استحواذ آلة قمع وبطش في مواجهة المعارضة، ولم يستطع أن يفرض بالقوة ما عجز عنه سلماً. وأظهرت تجربة اللجوء إلى الشرطة أن هذا الجهاز المشكوك في ولاءاته ونوعية تسليحه وتنظيمه غير فعال في مواجهة الحركة الاحتجاجية. في حين أن مؤسسة الجيش في تونس ومصر أعلنت مراراً، وكلما دعت الحاجة، أنها تقف إلى جانب المطالب الشعبية التي قامت الثورات على أساسها. وأنها لن تنحاز إلى طرف سياسي داخلي على حساب آخر. أي أن المؤسسة التي كان يمكن أن تقوم بالدور القمعي للتطلعات الشعبية "خذلت" الإسلام السياسي، وبقيت على حيادها حتى الآن. علماً أن هذا الحياد هو الذي ساهم في إسقاط النظامين اللذين قامت الثورة من اجل رحيلهما.
استقرار الفوضى
بقلم: عبد الله بن بجاد العتيبي عن الشرق الأوسط
أقرب وصف لما يجري في دول الاحتجاجات والانتفاضات العربية هو أنها تعيش مرحلة يمكن تسميتها بـ«استقرار الفوضى»، حيث الفوضى تعتبر الحاكم الرئيسي والتفسير الأصوب لكل التصرفات مهما اختلفت التيارات وتباينت التوجهات.
في تونس بدأت مرحلة الاغتيالات السياسية واستقالة الحكومات. وفي مصر أصبحت الفوضى سيدة الأحكام على كل مستوى وفي كل مجال، والقتل مستمر وانهيار الاقتصاد يتضاعف بسرعة مخيفة، وقد أصبحت السلطة هناك تخرج المظاهرات كما المعارضة تماما ومؤسسة الرئاسة تصدر القرارات ثم لا تستطيع تنفيذها، والقضاء تحاصره مجموعات مؤدلجة تمنعه من القيام بمهامه تحت سمع السلطة الأصولية الجديدة وبصرها وبأمرها في أحيان كثيرة.
في ليبيا يمكن أن يصح القول إن كل فصيل يمتلك قوة مسلحة موالية له قادرة على إلغاء اجتماعات الحكومة وحصار ممثلي الشعب، وإغلاق الطرق، والتواصل مع كافة القوى المتطرفة المسلحة جنوبا وشرقا وغربا. وفي اليمن الأمر لا يختلف كثيرا في صورته العامة، حيث إن «استقرار الفوضى» لا يعوق الحلول السياسية والأحزاب المتصارعة إلا بقدر ما يمنح «تنظيم القاعدة» مجالا رحبا للعمل والتخريب. وعموما فإن كثيرا من الجهود والصراعات والتناقضات هي قبل أن تكون تعبيرا عن المصالح المتناقضة والتوجهات المختلفة إنما تمثل تجليا لمنطق التاريخ ومكتنزاته وإفرازاته في الواقع والذي يصل في مؤداه الأخير إلى تخريب أي مسعى جاد قد يؤثر على «استقرار الفوضى».
يقف «استقرار الفوضى» على النقيض تماما من «استقرار الدولة»، فاستقرار الدولة يحتاج للعديد من المعطيات التي تستطيع الحفاظ على «هيبة الدولة» و«نمو الاقتصاد» و«تطوير الإدارة» وتوفير كافة «الاحتياجات الملحة» للمجتمع، والأصلية منها على وجه الخصوص من فرض الأمن والأمان ونشر التعليم وتوسيع دائرته وتطوير نوعيته وتقدم الخدمات الصحية وتوفير فرص العمل وإدارة عجلة الإنتاج والتنمية، أما «استقرار الفوضى» بالمقابل فهو يعني المرحلة الثانية بعد هدم «استقرار الدولة»، وهو ما ترويه كل الأخبار والوقائع والحوادث التي ينضح بها الإعلام قديمه وجديده ذلك القادم من دول الاحتجاجات العربية التي أصبح البحث عن «استقرار الدولة» حلم مواطنيها الدائم، وهو للأسف حلم لم يزل بعيد المنال.
قتلت على بساط الواقع كل الأحلام الوردية والخيالات الشاطحة التي سيطرت على الجماهير الغاضبة والمحتجة وسوقتها النخب الثقافية التي فقدت بوصلة وعيها وحيدت ثقافتها ومعرفتها في مغازلة بين الطرفين لم تدم طويلا حتى تكشف الواقع عن هيمنة شبه كاملة للتيارات الأصولية التي حرمت ذلك الغزل ومنعته من الاستمرار وألقت بكلكلها على المشهد برمته فتفرق الجمع وتخاصم الحلفاء وتخندق الفرقاء واستقرت الفوضى.
في «استقرار الفوضى» يصبح الفشل قدر الجميع ويصير العجز معبرا عن مجمل الأوضاع، لا تختلف في ذلك شهوة الاستحواذ على السلطة لدى التيارات الأصولية عن شتات المعارضة، فالجميع لا يمتلك رؤية ولا مشروعا ولا برنامجا للدولة، فالأصوليون يريدون قيادة دولة بآليات جماعة سرية، والمعارضة ترفض ذلك ولكنها لا تمتلك بديلا، والغرب الذي رعى هذا الانتقال الاحتجاجي من أول يوم يقف متفرجا ينتظر ما ستسفر عنه الأحداث وصراعات القوى، وإن كان قد جد له ميل للقوى الأصولية باعتبارها المخلص الجديد، وهو كل يوم يتنازل عن معاييره وقيمه لإنجاح مشروعها الذي يعترف بأنه لا يعرف أبعاده ولا مصيره بعد.
إن «استبداد الحرية» و«طغيان الديمقراطية» و«غوغائية الجماهير» كلها مفردات كبرى في رصف وتثبيت «استقرار الفوضى»، فالجميع في «استقرار الفوضى» يمتلك مشاريع وبرامج ويشكل تكتلات وتحالفات تكون قادرة على الدوام على «هدم» الآخر ومشاريعه وبرامجه ولكنها بالقدر ذاته عاجزة عن «البناء»، فقوة الهدم تكون أقوى وأبلغ أثرا وأسرع فعالية من قوة البناء في ظل «استقرار الفوضى».
في «الحرية» على سبيل المثال فإن الموروث العربي يربطها بتحرير العبيد، ولا يضفي عليها الأبعاد التي يكتنزها نفس المفهوم غربيا، فليس لدينا روسو ليحدثنا أن «الحرية هي الخضوع للقوانين»، ولا لدينا مونتيسكو ليقول لنا إنه «تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين»، بل لدينا بالمقابل من يعتقد أن «الحرية» كفر و«الديمقراطية» مثلها، ولكنهم جميعا ينحازون إليها في شقها السياسي فحسب لأنه يخدم مصالحهم في لحظات «استقرار الفوضى» كما تصنع التيارات الأصولية ورموزها وفقهاؤها.
تجري فيما كان يعرف بـ«الربيع العربي» واحدة من أكبر الكذبات في التاريخ المعاصر، حيث تم اختطاف مفاهيم كبرى كـ«الحرية» و«الديمقراطية» و«العدالة» و«المساواة» و«الحقوق» ونحوها كثير، وتمت تعبئتها بمعان تختلف تماما عن السياق الغربي الذي انتشرت وتطورت تاريخيا فيه، وفي هذا واحدة من أهم ركائز «استقرار الفوضى»، حيث إن مهمة فرز المفاهيم ومحاكمتها هي مهمة نخبوية في الأساس، وهي تأخذ وقتا لتوضيحها وتمحيصها كما تأخذ وقتا أطول لإقناع عامة المتلقين من الناس بصحيحها وسقيمها.
تحت ظلال «استقرار الفوضى» تنمو نظريات المؤامرة لا كفعل سياسي واقعي تستبطنه السياسة كواحدة من مهماتها لتحقيق المصالح وتسعى إليه عبر خطط وبرامج واعية كما هو ظاهر لمن يقرأ التاريخ ويتمعن في صراعاته وتصرفات مراكز القوى فيه، بل كمنطق غرائبي خرافي يمثل دائما ملجأ لمن يفقد القدرة على الفهم أو العجز عن السيطرة فتنداح لدى العاجزين نظريات المؤامرة من كل شكل ولون، ويتفنن مروجو تلك النظريات في العزف على أنغامها المختلفة والمتناقضة، كنظريات المؤامرة السياسية أو الدينية، حيث تبرز في الأولى «الصهيوصليبية» وأمثالها كحل أخير، وتتصاعد في الثانية «الماسونية» وأضرابها، والحبل مرخى لمن أراد مزايدة في هذا السبيل أو ذاك، فاستقرار الفوضى يمنح مثل هذه التأويلات قصب السبق على خيارات الفكر ورؤى العقل ومنطق الواقع.
إن كل ما تقدم يؤكد أن «استقرار الفوضى» يلغي كل المعايير والمقاييس والموازين العقلية الواعية الواقعية، ويخلق معادلاته الخاصة حيث يصبح التناقض مستساغا في الطروحات والأفكار والمبادئ، ويصبح الثبات مقبولا في السياسات والتطورات والتغيرات.
أخيرا، إن «استقرار الفوضى» هو السقف العالي والمعبر اللاحب الذي تندرج تحته وتمر من خلاله كل الخيارات التي تتنقل بين السيئ والأسوأ، وهو من قبل ومن بعد المحضن الدافئ لانتشار التخلف لا التقدم، ولتفشي الأوباء القديمة لا الأفكار الحديثة.
«أمن إسرائيل».. تعريف كاذب وحقائق دامغة
بقلم: امديرس القادري عن السبيل الأردنية
من الطبيعي أن تسعى جميع دول العالم ذات النشأة الطبيعية لامتلاك أمنها الخاص بها، ومن حقها أيضا أن تضع المفهوم الأمني الذي يناسبها، هذه مسألة جدلية لا نناقش فيها بغض النظر عن التعاريف والمعاني والترجمات المختلفة التي قد ينحو نحوها العنوان الأمني الخاص بهذه الدولة أو تلك، وما نريد تسليط الأضواء عليه في هذه السطور، يتعلق بالكيان الصهيوني وتعرية تعريفه الإجرامي والكاذب للأمن.
وحتى نبني على أساسات واضحة تخدم الفكرة التي يسعى هذا المقال للوصول إليها، فمن الضروري تأكيد أن ما قلناه في السطور الأولى لا علاقة له لا من قريب أو من بعيد بكل ما قد يتعلق بعنوان «أمن إسرائيل» من زاوية التعريف والمفهوم؛ حيث إن الأمور هنا تنقلب رأسا على عقب، وتختلف بشكل كلي مع كل ما يسود ويطبق على سطح هذه البسيطة من سياسات أمنية، فهذا الكيان المصطنع سعى وما يزال نحو امتلاك حالة من التمايز الفريد من نوعه على صعيد أمنه الداخلي والخارجي؛ لأنه يشكل بالنسبة له الشرط الأول والأخير لمواصلة البقاء على قيد الحياة، فالأمن في «إسرائيل» أهم من الماء والهواء!
وعلى الرغم مما امتلكته «إسرائيل» ذاتيا على صعيد هاجسها وتخوفها الأمني الذي تستخدمه كحجة تغطي بها على الجوهر الإجرامي لكل سياساتها ومواقفها، فإنها وجدت في السياسات والمواقف الأمريكية والأوروبية على وجه الخصوص تبنيا كاملا وغير محدود لكل ما تحتاجه وتتمناه أمنيا، فالرئيس الحالي أوباما ألقى خطابا في صيف عام 2006، وقبل أن يفوز بولايته الأولى بعامين جاء فيه: «لا يخطرنّ ببال أحد أن أمريكا ستقف موقفا ألطف من موقف جورج بوش عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل، ولا يتوهمنّ أحد أنه سيجد في ظل رئاستي أي موقف أقل صلابة اتجاه أمن إسرائيل»، وبذلك يكون أوباما قد أظهر وأثبت أنه يمتلك جواز السفر المطلوب للعبور الآمن نحو كرسي الرئاسة.
وإذا ما تحدث الأمريكيون والأوروبيون رسميا عن «أمن إسرائيل» فهم يقصدون بذلك أمن الاحتلال والاستيطان، وتوفير المجال الحيوي المطلوب لحماية وتغطية كل الجرائم التي قد يرتكبها هذا الكيان الصهيوني داخل فلسطين المحتلة وخارجها، بل هم مستعدون وبسبب انحيازهم الأعمى للضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه، أو من يفكر بالقيام بأية أعمال قد تلحق الأذى والضرر بهذا الأمن.
إن «أمن إسرائيل» يظل واحداً من الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي رعتها كل الإدارات الأمريكية، ديمقراطية كانت أو جمهورية، وحكومات أوروبا كانت تلحق بهذه الرعاية وهي صاغرة، وتنفذ ما هو مطلوب منها بلا أية مناقشة أو اعتراض، في الوقت الذي لا نزال كعرب ومسلمين نلهث ونجري وراء تفاصيل صغيرة عابرة، وتحاليل فارغة لخطبة هذا الرئيس الأمريكي أو لذاك المسؤول الأوروبي، ونتناسى أن كل ما يطرح في خطاباتهم ما هو إلا مجرد فهم وتطبيق والتزام مرحلي لاحتياجات هذه الاستراتيجية العامة.
إن الأمريكيين ورؤساءهم ومن ورائهم غالبية الأوروبين، وعلى اختلاف مذاهبهم ومشاربهم لا يتفقون على شيء كاتفاقهم على المشروع الصهيوني وأمنه الذي يشربونه مع حليب أمهاتهم ثقافيا، وتاريخيا، وتربويا، وإعلاميا، ودينيا، ومثلا أخلاقيا أعلى في كل ما قد يتعلق بفكرة «إسرائيل التاريخية»، ولذلك نجد المؤرخ الأمريكي كونراد شيري يروي ويقول: «إن تاريخ أمريكا هو القناعة الراسخة بأن الأمريكيين هم الإسرائيليون فعلا، وشعب الله المختار حقا».
أما الفيلسوف «ريتشارد بويكين» الإنجليزي فيقول في كتابه الذي يحمل عنوان «المواجهة بين عصر العقل وعصر الرؤيا»: «إن الإنكليز على طرف المحيط أكثر حماسة من اليهود لتأسيس الدولة اليهودية وبناء معبد سليمان، وإن صهيونيتهم هي التي صنعت الحركة الصهيونية اليهودية وانتشلتها من هامشيتها، وغذتها بالقوة وبالسلاح، وبالتدمير المنهجي للعالم الإسلامي والعربي، وإذا كان اليهود يريدون أرض إسرائيل، فإن الإنكليز يريدون أرض إسرائيل وإسماعيل وإبراهيم»!
الرئيس أوباما الذي سيزور المنطقة في نهاية هذا الشهر الجاري، يعلم قبل غيره أن لا شيء البتة سيتغير على زمن ولايته الثانية إلا ما يتعلق بأمن الكيان الصهيوني وحمايته، وبغض النظر عن كل ما يمكن أن تحمله خطاباته وتصريحاته من فبركة إعلامية، فهل ستدرك سلطة رام الله التي تستعد لاستقباله هذه الحقيقة؟ وهل ستفيق الأنظمة العربية من سباتها وخنوعها، وخصوصا تلك التي جاءت بفعل «الربيع العربي» وما أحدثه من تغيير؟ وهل صحيح أنها لا تزال لا تعرف عن العروبة إلا لبس العباءة، ومن الإسلام إلا باب النكاح، هل نتفاءل أم نتشاءم؟
نحن على يقين أن المجرم نتنياهو في تل الربيع يعرف جيداً ماذا يريد «للأمن الإسرائيلي»، ويعرف اكثر كل السبل المناسبة التي يجب عليه أن يسلكها لقطف الثمار الضرورية من وراء هذه الزيارة، أما نحن وكما جرت العادة، فالصقر، والسيف، والعباءة، والقلادة، وفوقها نفطنا وغازنا كلها جاهزة لتقديمها للضيف الكبير، وبعد أن يأخذ منا كل التطمينات اللازمة والضرورية التي تضمن بقاء الأمن الصهيوني بخير وفي أحسن حال.
الإسلام، الإسلامية، الإسلاموية
بقلم: زكي بيضون عن السفير البيروتية
منذ 11 أيلول 2001 يسهب ويتفنن فقهاء برامج الدردشة (talk show) على الشاشات الغربية في شرح الفرق بين الإسلام والإسلامية بداعي توعية المشاهدين وشحذ حسهم المدني. يجب عدم الاستهانة بشعرة معاوية بين المصطلحين، فالخلط بينهما يوقع صاحبه في مطبات عديدة وتترتب عليه عواقب أخلاقية وقانونية وتربوية جمّة. «الإسلاموفوبيا» هي عنصرية بشعة يمكن ملاحقتها قضائياً أما «الإسلاميوفوبيا» فموقف بديهي ينبع من الحس السليم ويجب على المسلمين قبل غيرهم أن يتبنوه إن كانوا يريدون إبعاد شبهة الإسلامية عن أنفسهم. الإسلامية سيئة وتتعارض مع قيم وقوانين الحضارة الغربية، بينما لا مشكلة مع الإسلام بحد ذاته. في هذا الإطار، يحصل باستمرار في فرنسا وغيرها من دول أوروبا الغربية أن تتعرض شخصية سياسية أو إعلامـية لحملة انتقادات بعد أن تضبط متلبسة بتصريحات «إسلاموفوبية» فيرد الشخص المعني علـى مهاجمـيه بأنه كـان يريد التكلم عن الإسلامية لكنه سها عن الحرفين الأخيرين. لا عجب أن العـديدين ما زالوا، على الرغم من جهود التوعية، يميلون إلى الخلط بين المصطلحين، فاللّغة نفسها لا تميز بينهما إذ ان هذا التمييز، من وجهة نظر نحوية، يضفي على حرفي الياء والتاء المربوطة وظيفة اصطلاحية غريبـة عنهما وهو لا معنى له في ما يخص الأديان الأخرى (هذه الملاحظة تشمل أيضاً الفرنسية والإنكليزية والألمانية). يحاول العرب أن يخففوا من الالتباس بإضافة حرفٍ ثالث فيترجمون الإسلامية بالإسلاموية، إلا أن ميلهم إلى حصر معنى الإسلاموية بتنظيمات جهادية مثل «القاعدة» يدل على أنهم لم يفهموا (أو لم يريدوا أن يفـهموا) مـن المصطلح سوى طابعه السلبي. كما هو معروف لدى متابعي برامج الدردشة، يستعمل لفظ الإسلامية أساساً لتسمية الإسلام السياسي، أي الإسلام الذي يدّعي حقاً في السياسة ويتعارض مع العلمانية الغربية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة. بالتالي التمييز بين الإسلامية والإسلام يفترض إمكانية إسـلام غير إسلامي، أي إسلام يقبل بالعلـمانية. لكن هل يعترف العالم المـسلم (أو على الأقل الجزء الأكبر منه) بإمكانـية كهـذه؟ هل مفهوم الإسـلام في الغـالبية العظـمى من دول هذا العـالم يمكن تميــيزه عن الإسلامية؟
كما هو معروف، التمييز بين المصطلحين استحدث عشوائياً وعلى عجل بعد انتشار الإيديولاجيات الجهادية المناهـضة للغرب في العالم المسلـم وانتـباه الغـرب إلى ضرورة التمييز بين هذا الواقع المستشري وجالياته المسلمة وإلى ضرورة فرض تمايزٍ كهذا وترسيخه. لذا يتكلم المسؤولون الفرنسيون مثلاً عن ضرورة أن تتخـذ الجالية المسلمة كمرجعية إسلاماً فرنسياً علمانياً يتمايز عن الإسلاميات الأجنبـية. لكن العلمانيـة نفسهـا تضـع حـدوداً لتدخل الدولة في هذا الشأن، فباستطاعة الدولة ومن واجبها أن تفـرض احترام القانون العلماني على المسلمين وأئمتهم، لكنها لا تستطيع مثلاً أن تنشئ مرجعية إسلامية علمانية تابعة لها، فذلك يناقض العلمانية باسمـها.
إذا كانت المشـكلة مفتعلـة إلى حد ما في الغـرب وكـان لا خـوف على العلمانية الـغربية من الإسلامية، فالأمر مختلف تماماً بالنسبة للشعوب العربية والمسلمة. إن الصعود الإسلامي يضع دول الربيع العربي أمام معضلة عتيقة عمرها من عمر الديموقراطية وهو كيف يمكن حماية هذه الأخيرة من نفسها؟ أي كيف يمكن منع قوى شعبوية وغير ديموقراطية من هزم الديموقراطية باسمها عن طريق الاقتراع كما فـعل النـازيون سابقاً ويحاول الإسلاميون أن يفعلوا اليوم؟
في هذا الإطار، اقترح عليّ أحد الأصدقاء بعد اطلاعه على نتائج الانتخابات التشريعية المصرية فكرة مفادها أنه إن كانت الأكثرية الشعبية ترفض العلمانية وتميل إلى إسلامية أكثر تشدّداً في دول مثل مصر حيث تقارب نسبة الأمية الأربعين بالمئة، فلمَ لا يتركز النضال على مطلب العلمانية الاختيارية؟ فمن أراد أن يُجلد ويُرجم وتُضـرب رقبته وتُقطـع يده وتُفـحص عذريته ويُكره على ارتداء البرقع من رأسه إلى أخمص قدميه في عز الحرّ فهنيئاً له بهذا الحق الديموقراطي ومن أراد أن يعيش وفق قوانين القرن الحادي والعشرين فليس عليه أن يزعل إن حرمه السلفيون والخمينيون من شرف الصلاة عليه والدفن في مدافنهم.
عندما غاص «الإخوان» في الوحل
بقلم: أحمد الصراف عن القبس الكويتية
كنا، ولا نزال، من «أشد» مؤيدي وصول أحزاب الإخوان المسلمين، التابعين للتنظيم السري العالمي، للحكم في الدول العربية التي لا يزال فيها من يعتقد أن في نواصي هؤلاء يكمن الخير! وسبب تأييدنا نابع من أنه يصعب إقناع اي متحمس من هؤلاء او جاهل بحقيقتهم بعدم صلاح أي فكر ديني أو مذهبي، في زمننا المعقد المتعدد الديانات والمذاهب، لحكم اي دولة، وتجربة إيران مع الحكم الديني خير مثال!
وحيث اننا أمة لا تقرأ التاريخ، ولا تتعظ حتى، فكان لا بد من دفع ثمن غال وإتاحة الفرصة للإخوان للوصول للحكم ليعرف الناس خيرهم من شرهم، وتسليمهم الحكم هو الأسلوب الأمثل لإظهار خواء ما يتصفون به من فكر تآمري وفراغ مذهبي، وعدم قدرة على إدارة دولة، سواء بسبب منطلقاتهم «الدينية» الضيقة، أو لاضطرارهم لحصر السلطة بايديهم من دون اعتبار لغيرهم. وقد جاء زلزال اغتيال النقابي التونسي، صديق صدام القديم، شكري بلعيد، ليهز اركان حكم الإخوان في تونس، ويدفعهم لعزل رئيس الوزراء الإخواني والإتيان بآخر غيره، وقبول المرشد الغنوشي التخلي عن جميع الوزارات السيادية في الحكومة الجديدة لغير الإخوان!
كما أن قبول تولي الإخوان حكم دولة بمثل حجم وتعقيد مصر لم يكن سهلا، حيث كان من الضروري قيام دولة ما بدفع ثمن التجربة لينكشف هؤلاء! ووضعهم هنا يشبه وضع ذلك الأب الذي كان ابنه المراهق، البسيط الذكاء، يلح عليه في السماح له بقيادة مركبته، وبأنه يعرف القيادة جيدا.
وبالرغم من كل جهود والده لإقناعه بأنه لم يبلغ السن القانونية وسيصاب حتما بحادث وسيعرض السيارة للتلف، وسيسبب الخطر المميت لغيره إلا ان الابن كان مصرا على موقفه، وبالتالي لم يكن امام الأب من خيار، خوفا من قيامه بقيادة السيارة دون علمه، والتسبب في كارثة، من قبول طلب ابنه، مع يقينه بأن هذا سيتسبب حتما في وقوع حادث لهما، ولكن أي شيء أهون من فقد الابن كليا، فالتجربة كانت ضرورية ليعرف الابن، البسيط الذكاء، وابناء الحي المتحمسون لفكرته، بأنه غير كفؤ لقيادة مركبة لا في ذلك اليوم ولا في أي يوم آخر، بسبب قلة خبرته وقصوره العقلي!
وبالتالي لم يكن غريبا انهيار تحالف الإخوان مع الحزب الديني الآخر، حزب النور، ووقوع الطلاق السياسي بينهما، بعد أن كشف رئيس «النور» تراجع مرسي عن الاتفاق الذي تم بينهما، والذي نص على قيام الأخير بطرح مبادرتهم على جلسات الحوار الوطني، ولكن ذلك لم يتحقق لأن تعليمات وردت من مكتب إرشاد الإخوان منعت ذلك! ثم جاء أخيرا حكم محكمة القضاء الإداري، الذي أوقف تنفيذ قرار الرئيس المصري المتعلق بإجراء انتخابات مجلس النواب في 22 ابريل المقبل ليشكل ضربة أخرى للإخوان ودليلاً آخر على تخبطهم.
لقد شكل هذا الحكم، وسلسلة التراجعات والانتكاسات الرئاسية الدليل رقم 100 بعد الألف على عدم قدرتهم على الإمساك بزمام الأمور. ولا نود هنا الشماتة بأولئك الذين سبق أن ضربوا الدفوف وزغردوا لوصول الإخوان للحكم، فيكفيهم ما أصيبوا به من «فشلة»، لا ندري كيف لم يتوقعوها!
ظاهرة الزهايمر السياسى
بقلم: سيف الدين عبدالفتاح عن الشروق المصرية
جميعنا يعرف مرض «الزهايمر» الذى حمل اسم مكتشفه أو مرض (النسيان) كما يحلو للكثير تسميته، هذا المرض الذى يصيب المتقدمين فى السن ما زال الأطباء إلى يومنا هذا يبحثون له عن علاج، لم يكن يعرف الطبيب الألمانى لويس الزهايمر انه سيكتشف ذات يوم أحد أخطر الأمراض التى تصيب الجهاز العصبى لتدمر الخلايا العصبية المسئولة عن الذاكرة فى المخ.
عندما يتمّ العبث بوقائع التاريخ تمريرا أو تبديلا أو تحريفا، أو تناقض المواقف ونسخها لبعضها البعض، فإن الأمم يصيبها ما يصيب الأفراد من أمراض الذاكرة والوعى والانتباه؛ والذى من دلائله وشواهده غياب الذاكرة أو ضعفها والتوهان واضطراب الحُكم على الأشياء، نظرة فاحصة فى واقعنا السياسى تجعلك تكتشف تفشِّى هذا المرض «الزهايمر» فى سطور بعض السياسيين وفى عقولهم وفى خطابهم وسلوكهم؛ العقل السياسى بلغ مبلغا من الشيخوخة ما يستدعى مراجعة كل منابع شرايينه الرئيسية سياسيا وتنظيف سراديبه التاريخية.
يقصد بمعضلة الزهايمر فى السياسة أساسا أنها خرف يطغى على النظام السياسى بكل مكوناته سلطة ومعارضة وقوى سياسية، فالإصابة بالزهايمر السياسى تبدأ أعراضه بالتخبط فى القرارات والتصريحات السياسية التى يطلقها البعض من السياسيين ليعودوا ويقفوا بأنفسهم بوجه هذه التصريحات أو المواقف التى اتخذوها، والرموز السياسية التى تحسب فى خانة الحصافة يحسب لها الناس أنها مؤتمنة على تاريخ هذا البلد تنسى تاريخها القريب فكيف تحفظ تاريخنا البعيد.
إن المطلع على تاريخ السياسيين عموما، يراهم فى مرحلة الانتخابات أو عند الحاجة لدعم الناس يغدقون الوعود بالصلاح والإصلاح وتغيير الواقع، ولكن هذه الوعود غالبا ما تتبخر وتضيع فى ازدحام أروقة السياسة، أو إنها تنسى أو تُتناسى أو هو نوع من «الزهايمر السياسى» يصاب به السياسيون عند تسلم السلطة.
بعد هذا الاستعراض لظاهرة الزهايمر السياسى والدخول إلى المشهد الذى يرتبط بالمعارضة فى تكويناتها خاصة جبهة الإنقاذ، والسلطة فى تكويناتها خاصة الرئاسة والقوى السياسية التى تحملها، والمؤسسات المختلفة التى تمثل فواعل فى الدولة المصرية بعد الثورة يبدو غالب هؤلاء يعانون من زهايمر مركب وصمم سياسى مؤكد.
وفى هذا المقام نرى مؤسسة الرئاسة مثلت حالة دالة فى هذا المقام بفائض الوعود والعهود، خاصة تلك التى توثقت مع «الجبهة الوطنية» فيما سمى بتوافق «فيرمونت» بنقاطه الست، ورغم ذلك بدا للبعض أن يتحدث عن جبهات أخرى لتستنسخ تجربة للأسف الشديد أفشلها ذلك الزهايمر السياسى المصحوب بصمم سياسى.
وكذلك يتعلق الأمر بزهايمر القرارات التى تصدر عن مؤسسة الرئاسة فى كل مرة تصدر وفى كل مرة يُتراجع عنها، وفى كل مرة يطالب بعد كل قرار القيام بحوار، نحاكى الأخطاء تلو الأخطاء فى إطار يعكس فى حقيقة الأمر حال من الزهايمر السياسى.
وكذلك هناك زهايمر التعامل مع المحكمة الدستورية، لنجعل الشأن السياسى فى ساحات المحاكم ونمارس كل ما من شأنه أن نعود بممارسته السياسية إلى ساحات المحكمة الدستورية وفى كل مرة كان هذا الزهايمر متمثلا فى أحكام تعيد الأمور إلى النقطة الأولى والتى تجعل من ضرورة أن نتعلم من مسار الأحداث أن نتجنب ارتكاب ذات الأخطاء فى إطار من الزهايمر المركب.
وفى إطار من زهايمر الدستور كصياغات تشكل المجتمع وإمكانات بناء مساراته السياسية يبدو الدستور عملية مهمة لا تقترن بعمليات تمرير فى استفتاء، لكنها ترتبط بعمليات تفعيل بأرض الواقع ومن هنا يبدو هذا الزهايمر الدستورى بعدم متابعته فى مساراته المتنوعة من التعديل والتأويل والتفعيل.
وهذا زهايمر جماعة الإخوان وحزبها المتمثل فى الحرية والعدالة حينما أعلنوا بأعلى صوت أنهم سيتبعون مبدأ المشاركة لا حالة المغالبة ثم دخلوا ومن كل طريق إلى باب الغلبة والتغلب والاستحواذ والاحتكار، وهاهم يمارسون هذا الزهايمر الذى يتعلق بالترشح لانتخابات الرئاسة بعد أن أكدوا أنهم لن يقدمون مرشحا من داخلهم وها هم يمارسون فى الحكم أقصى درجات التبرير بعد أن كانوا يمارسون فى المعارضة أقصى درجات النقد، ويتابعون أمورهم فى الحكم أسلوب التبرير اعتمادا على نسيان الشعوب وتآكل ذاكرتها.
ويرتبط بذلك زهايمر القروض ذلك أن الحرية والعدالة وقفوا موقف المناوئ لقرض الصندوق إبان حكومة الجنزورى، وبعد ذلك دافعوا عن القرض وأهميته ويضفون عليه من كل طريق حله وشرعيته، وكذلك يمارسون نسخا لاتفاقاتهم فى إطار من الزهايمر السياسى مصحوبا ببعض الانتهازية حول قانون الانتخاب والتصويت عليه مرتين بشكل يتسم بالتناقض واختلاط المواقف.
هذا غيض من فيض بالنسبة لمن هم فى السلطة أو يساندونها، والأمر لا يختلف كثيرا عن معارضة تتخذ نفس المسار من أعراض الزهايمر التى تصيبها وصمم يصيب آلتها السمعية وممارستها.
ها هو زهايمر الانتخابات يصيب المعارضة، فلنتذكر فى انتخابات مجلس الشعب الأولى إبان تيسير المجلس العسكرى للمرحلة الأولى كان دفع المعارضة بضيق الوقت وعدم مناسبة الظرف وأن أمر الانتخابات لابد وأن يكون له من الإعداد، فمرة هم غير مستعدين ومرة أخرى الظروف غير مناسبة وليست ملائمة، فمتى إذا ستكونون مستعدين لدخول الانتخابات؟!، ذات الحجج وانتحال المعاذير هو سيد الخطاب لدى المعارضة فى حالة تؤشر على إصابة مزمنة بزهايمر سياسى تمكن من عقولهم ونفوسهم وسلوكهم وخطابهم، وها هو الزهايمر الانتخابى يصيب خطابهم حينما يطالبون بتأجيل انتخابات البرلمان بينما يطالبون بتعجيل انتخابات الرئاسة والمطالبة بها مبكرة، أليست تلك صناديق؟! أليست هذه انتخابات كانتخابات؟! أليست ذات الظروف تحيط بمطالبات التأجيل ومطالبات التعجيل فكيف تستقيم الأمور؟!
وهاهو زهايمر النائب العام فى المطالبة بإقالة النائب العام السابق، فإذا تم ذلك طالبوا بعودته وإقالة النائب العام الجديد فى إطار اضطراب فى الذاكرة يعبر عن حالة من الزهايمر السياسى.
وهاهى دعوة الجيش للعودة لمشهد السلطة فى إطار زهايمر يصيبهم حتى فى إطار ما يعتقدون به أيدلوجيا، بأى ليبرالية تؤمنون؟، والى أى أيدلوجية مدنية تستندون فى مطالبتكم بعودة الجيش فى سدة الحكم؟ وأى اختيار هذا بين عودة الجيش ورفض الصناديق؟ وأين هذا من مطالبتكم من قبل بمحاكمتهم على أحداث ماسبيرو وأخواتها.
ويتواكب مع ذلك دعوة أخرى فى إطار استدعاء الخارج على ألسنة بعض رموز من جبهة الإنقاذ، ثم بعد ذلك هم فى زيارة كيرى يرفضون تدخل الخارج لأنه يطالبهم بغير ما يعتقدون وإلى غير ما يرتكنون، وهم يذهبون للاجتماع بالسفيرة الأمريكية من قبل تارة واستدعاء الخارج تارة أخرى.
وها هم فى وقت من الأوقات يطالبون بالتطهير وعزل الفلول فإذا بهم يحتضنونهم وينسقون ويوثقون علاقاتهم بهم وقد أصابهم زهايمر الفلول، وهاهم فى النهاية ينتقلون من تأييد لألتراس الأهلى لتأييد لأهل بورسعيد فى حال من زهايمر مصحوب بسياق من الانتهازية السياسية.
وها هى بعض مؤسسات الدولة فى عهد مبارك المخلوع تزيّن له استبداده وفساده فإذا بهم الآن يركبون موكب الثورة، أو يستأسدون فى معارضة منظومة السلطة وعلى رأسها الرئاسة، وقد كانوا يحملون المباخر للنظام السابق ويسيرون فى مواكب تزوير الانتخابات، ويزينون للسلطة كل أفعالها الفاسدة المستبدة فى كثير من الخطابات.
ها هى المؤسسات تصاب بالزهايمر المؤسسى فى المواقف وفى الخطاب تعتمد فى ذلك على ضعف ذاكرة الشعوب والرهان على نسيانها وغفلتها.
وها هو الزهايمر الذى قد يصيب بعض الثوار حينما يتغافلون عن قيم ثورة 25 يناير فى الثمانية عشر يوما ويمارسون عملا ضد سلمية هذه الثورة وحضاريتها وعناصر الجامعية فيها وينزلقون إلى مهاوى الاستقطاب وإلى دركات الانقسام والتشرذم فى إصابة قاتلة بزهايمر ثورى يضرب الثورة فى مقتل.
إننا نعول فى كل هذا على ذاكرة الثورة وذاكرة الوطن وذاكرة هذا الشعب العظيم الذى يعى مصالحه ولا يغفل عن أهدافه ومكاسب ثورته وجامعية سفينة الوطن ومصالحها العليا. تعالوا إذا نخرج من حالة الزهايمر السياسى بكل أعراضه لأن ذاكرة الشعوب لن تغفر لنا ما أغفلنا وما تناسينا.
مرسي.. وأشباح مبارك
بقلم: عيسى جرادي عن البلاد الجزائرية
أن تكون رئيسا لمصر بعد مبارك.. وتجلس على الكرسي الذي تمدد عليه “الريس الكبير” ثلاثين سنة.. يشبه أن تكون رئيسا لدائرة تطهير نفايات القاهرة الكبرى.. ومعنيا بالقبض على الأشباح التي تزعج الناس.. وتتآمر على الثورة.
فمهنة التعاطي مع مكبات النفايات السياسية والمالية والإدارية والقضائية والأمنية والإعلامية والثقافية التي ملأ بها “عزيز مصر” أرض مصر.. هي بكل تأكيد وظيفة غير مغرية ولا مريحة ولا آمنة صحيا.. وليست مستساغة حتى لدى الأربعين مليون مصري ممن يعيش تحت حافة الفقر.. وينامون في العشوائيات والمقابر.
فأكداس النفايات التي راكمها مبارك وعلاء وجمال وعزت وسرور وحبيب.. بنشاط ومثابرة.. وأعانتهم عليها (السي آي إي والموساد وجماعة خلفان).. كانت كافية لتملأ جغرافيا مصر بأهرامات وأشكال لا حصر لها من أبي الهول.. تنافس أهرامات “خوفوخفرع ومنقرع”.. وتتفوق عليها.. بقي أن أهرامات الفراعنة القدامى من حجر مصقول.. وغاية بنائها هي تخليد ذكرى الفرعون.. ومنحه طريقا إلى العالم الآخر.. وتوفير مصدر دخل دائم للمصريين.. من باب عناية الأجداد بالأحفاد.. أما أهرامات مبارك فمن المخلفات السامة والقذرة والملوثة.. لنظام قام على الفساد والإفساد وبيع مصر في المزاد.. وهي مخلفات تستهدف خنق رئة مصر.. وتسميم جسدها المنهك.. وتلويث عقلها المحجور عليه منذ ثلاثين سنة.. وهي بكل تأكيد مخلفات وبقايا وعوادم غير قابلة للتحلل بسرعة.. بمعنى أنها مباءة لتكاثر الأشباح.. وتناسل الخفافيش الليلية وكل أنواع الوطاويط مصاصة الدماء البشرية.
ما يحدث في مصر حاليا.. يعني شيئا واحدا.. أن أشباح مبارك.. ومن على شاكلته من المسوخ البشرية.. قد خرجت من خرائبها.. وانتشرت في مدن مصر.. تتجول حرة طليقة.. تتسلل بين المتظاهرين.. ترعب وترهب.. وتقتحم مقرات جماعة الإخوان المسلمين.. وتطلق الرصاص وتشعل الحرائق وتوزع منشورات العصيان المدني.. وتحرض المعارضة على النفخ في بوق الفوضى والتحامل على الرئيس مرسي.
ولأن الأشباح لا تموت قبل أصحابها.. فقد تعهدت المعارضة “الفلولية” على إعادة كتابة تاريخ جديد للموتى.. باستدعائهم حالا من قبورهم.. ومطالبة الشعب المصري بضرورة رد الاعتبار إليهم.. وإسكانهم ثانية في قصر الاتحادية .
في مصر ـ كما في بلدان الربيع العربي الأخرى ـ الموتى يرفضون الموت ويقاومون بشدة قرار تقييدهم في سجل الراحلين.. ويرفضون أن يدفنوا.. وقد يمزقون أكفانهم.. وإذا تمكن حفار القبور من حشر أحدهم في قبره.. حاول المقبور ثقبه والخروج منه.
ولأن أشباح “الريس” من النوع العابر للبلدان.. فإن من هؤلاء الموتى من يهاجر إلى دبي لاستخراج شهادة حياة جديدة.. وجواز سفر جديد.. بأمل العودة لأداء الواجب الوطني.. حيث مومياء الفرعون الأكبر لا تزال حية في سجن المزرعة.. تأكل وتشرب وتتكلم.. وتلعب كرة الطاولة.. وتعالج في المستشفى العسكري.. منتظرة قرار التحنيط النهائي من النائب العام.
الحرب الدائرة بين مرسي وأشباح مبارك.. لا تريد أن تبقى مصرية.. فعصابات (البلاك بلوك ـ الكتلة السوداء ـ) التي دخلت على الخط.. حاملة في جيبها (مخططا إسرائيليا يستهدف شركات البترول والمواقع الحيوية).. وتضع أقنعة سوداء على وجوه أعضائها.. تتحدى وزارة الداخلية أن تضبط فردا منها أو أن تعرف مكان إقامته.. فالأشباح السوداء.. كما البيضاء والحمراء.. لا تملك عنوان إقامة.. ولا بطاقة تعريف!!
وجماعة الظل التي تسمي نفسها “الإنقاذ”.. والتي تخصصت في إشعال الحرائق في ثوب الرئيس مرسي.. واتهامه بالعجز عن أداء فروض القوامة الثورية.. تحج إلى شيخ الأزهر طلبا للبركة.. قبل أن تعود إلى ميدان التحريض لمعاودة النفخ في (الغلابى).
هذه الجماعة الشبحية.. ثلاثية الأرجل والأيدي.. تعتقد أن مرسي والمرشد قد استحوذا معا على طبق الفول (المدمس).. وعلى الدجاجة الذهبية التي تركها مبارك سهوا.. وهما يجلسان الآن في “الاتحادية” يمرحان ويأكلان هنيئا مريئا.. ويملآن سلتيهما من البيض الذهبي.. بانتظار أن تهب عليهما رياح الثورة.. فيلتحقا بشفيق في دبي.. أو يجاورا مبارك في المزرعة.
خلف هذه الأشباح.. ثمة عفاريت مطلقة السراح اختارت الإقامة في نادي القضاة.. وأرواح شريرة تسكن في الفضائيات.. وهوام ليلية تستأجر أعمدة ومساحات في الصحف المكتوبة والإلكترونية…. و”دابراكا” تتولى إعداد وصفات السحر الأسود.. بعد أن خانتها طلاسم الصندوق الانتخابي.
وأمام الأرتال المتحركة من الأشباح التي ترى ولا ترى (بضم الياء).. كان الله في عون الدكتور مرسي.. الذي ساقته أقدار الثورة المصرية إلى هذا المكان.. وأجلسته على هذا الكرسي الشائك المتقلب.. ووضعت في يده مكنسة مصر.. ليتحمل تبعة تطهير أضخم مكب نفايات عرفته أم الدنيا.. ومقارعة أضخم جيش من الأشباح في العالم.