تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء اسرائيلي 323



Aburas
2013-04-24, 09:29 AM
<tbody>
أقــلام وآراء إسرائيلي (323) الثلاثاء- 23/04/2013 م



</tbody>

<tbody>





</tbody>





<tbody>


في هــــــذا الملف
لمجد دولة الفصل العنصري
بقلم:د. مئير سايدلر/محاضر في قسم تراث اسرائيل في جامعة اريئيل،عن هآرتس

رجل مجنون في مكتب رئيس هيئة الاركان
بقلم:ألوف بن،عن هآرتس

نهاية للحاخامية العسكرية
بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس

نحن والاوغاد
بقلم:اسحق ليئور،عن هآرتس

عبادة الاصنام
بقلم:عاموس غلبوع،عن معاريف

اسبوع اوباما الصعب
بقلم:البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم

معركة الجهاد العالمي في سورية
بقلم:يورام شفايتسر وغال توران،عن نظرة عليا












</tbody>


لمجد دولة الفصل العنصري


بقلم:د. مئير سايدلر/محاضر في قسم تراث اسرائيل في جامعة اريئيل،عن هآرتس

لست أعلم ما الذي مر بذهن البروفيسور عليان القريناوي أول بروفيسور بدوي في البلاد كما ذكرت وسائل الاعلام حينما أشعل شعلة لمجد دولة اسرائيل. هل تأثر؟ أم شعر بالحياء شيئا ما؟ أو ربما كان بين بين؟ لا يمكن ان نعلم. لكن يصعب علي ان اؤمن بأن الفرح بالمنصب الجليل الذي حظي به في يوم الاستقلال الـ 65 لدولة اسرائيل لم يكن ممزوجا بمشاعر أكثر بهجة.
إن فكرة إشراك غير اليهود في مراسم يوم الاستقلال بعامة ومراسم اشعال الشعل لمجد دولة اسرائيل بخاصة، هي فكرة صحيحة مباركة. لكنني على يقين من ان اختيار المرشح المذكور لهذا المنصب جعل عددا من الناس يتعجبون لأن الحال واحدة من اثنتين فاما ان وضعنا بين الأقليات هو الاسوأ، وهذا هو الموجود، وإما ان شخصا ما لم يدقق في اختيار الشخص.
التقيت مع البروفيسور القريناوي أول مرة وآخرها في مؤتمر دولي عن اسرائيل في الشرق الاوسط تم في جامعة كلداري في كندا في خريف 2010. وحينما دخلت غرفة الاجتماعات تقدمت الى مجموعة محاضرين اشتملت عليه ايضا وسمعت أنه يعرض نفسه على أنه البروفيسور القريناوي الذي هاجر من البلاد الى كندا. وحينما رآني نظر الى نظرة قصيرة وأعلن على مسامعي ومسامع المحيطين بي وكان أكثرهم يهودا اسرائيليين: ‘أنا لن أتحدث إليك فأنت من المستوطنين’ (أقول من اجل الكشف الصحيح إنني أسكن في غوش دان حقا لكن لي لحية وقبعة دينية وكانت العلامة على قميصي قد أفصحت بأني أنتمي الى ‘المركز الجامعي اريئيل’).
وأقول بالمناسبة انه لم يوجد فرح بين المحاضرين الاسرائيليين الذين شهدوا الواقعة المخجلة برغم ان عددا منهم عبروا بعد ذلك على مسامعي عن تحفظ من سلوكه. وأتخيل انه لو كان الوضع عكسيا، أي لو قلت له ‘لن أتحدث إليك لأنك من المخلين بالقانون في النقب’ أو شيئا يشبه ذلك فلربما أظهروا حولاً مدنيا أكبر، لكن هذا تخمين فقط بالطبع.
بعد ذلك حاضر هذا الرجل متحدثا عن الأضرار التي يسببها الصراع الاسرائيلي العربي بنفوس المراهقين اليهود والعرب، وكانت محاضرة انحصرت في الكشف المجلجل المصحوب باحصاءات مدهشة تقول ان الصراع الاسرائيلي العربي لا يسهم حقا في سكينة نفوس هؤلاء الفتية. وفي النقاشات التي تمت في ورشات العمل التي صاحبت المؤتمر أسمى دولة اسرائيل عدة مرات ‘دولة فصل عنصري’. ورددت على أقواله تلك بقولي إن مجرد حقيقة انه أنهى شهادة الدكتوراة في دولة اسرائيل وأصبح حتى قبل ‘هجرته’ محاضرا في جامعة بن غوريون في النقب يشير الى الكذب في كلامه. ولم يعرف كيف يرد على ذلك لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في غضبه.
لست أعلم كيف عاد القريناوي الى دولة الفصل العنصري ووافق على ان يُعين رئيسا لواحد من المعاهد فيها. وأفترض انه وجدت صفقة خفية: فالجو بارد في كندا وقد يكون فهم هو ايضا انه كي يتقدم في حياته فان كونه البروفيسور البدوي الوحيد في دولة اسرائيل أفضل من ان يكون البروفيسور البدوي الوحيد في كندا، وحينها عقد حلفا يشبه حلف فاوست مع الشيطان وعاد الى دولة الفصل العنصري، وفرحت هذه من جهتها لجعله رئيسا لواحدة من مؤسساتها. إن البروفيسوريين البدو لا ينشأون هنا على الاشجار، واذا أمكن ان يُعرض واحد على الملأ (ولا سيما على أمم العالم) فربما يجعلنا ذلك نحظى بتأييد العالم المرجوة كثيرا. ولم يخرج المهاجر الغاضب من كندا خاسرا بسبب ذلك بل وافق في مقابل ذلك في واحد من اللقاءات الصحفية بذله مع تعيينه رئيسا لمعهد أحفا، على ان يُعرف نفسه بأنه ‘اسرائيلي فخور’.
أتمنى للبروفيسور القريناوي النجاح في عمله، وآمل ألا تشوش عليه الكآبة وتأنيب الضمير اللذان سببهما له حقيقة انه اضطر الى بلع الضفدع والثناء على دولة اسرائيل بدل التنديد بها فوق منابر دولية باعتبارها دولة فصل عنصري، ألا يشوشا عليه استمرار حياته المهنية.
وسأضيف توضيحا يبدو لي مهما وهو أنني لا يخطر ببالي أن أسلب البروفيسور القريناوي الحق في ان يعتقد ان المستوطنين هم أعداء البشر وان دولة اسرائيل هي دولة فصل عنصري بل أن يعبر عن ذلك علنا. لكن من يعتقد ان دولة اسرائيل هي دولة فصل عنصري لا يستطيع ان يشعل شعلة لمجدها. واذا كان القريناوي قد غير رأيه فعليه ان يوضح ذلك علنا كما عبر عن آرائه في الماضي.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
رجل مجنون في مكتب رئيس هيئة الاركان

بقلم:ألوف بن،عن هآرتس

في مساء يوم الاستقلال دعا رئيس هيئة الاركان الفريق بني غانتس مجموعة من محرري الصحف الكبار وقنوات التلفاز ومحطات المذياع الى توجيه ورفع كؤوس في مكتبه. وطال الحديث الذي عُرف بأنه ‘خلفية عميقة’ ولهذا لا يجوز الاقتباس منه. وبعد مرور ساعة أو ما يزيد عليها فُتح الباب ودخلت غرفة التباحث ضابطة برتبة رائدة، وقدمت الى رئيس هيئة الاركان قهوة سوداء في كأس زجاجية كبيرة.
قد تكون الضابطة مشغولة كل السنة بشؤون عملياتية عظيمة الأهمية، واشتهت في ذلك اليوم ان ترفه رب عملها بقهوة. وهذا أمر مشروع. ومع كل ذلك شعر القلب في مشهد من ‘الرجل المجنون’ بعالم يُديره الرجال وتخدم فيه النساء؛ ولم يضبط العقل الشرير نفسه وبدأ حسابات واقعية مثل: كم تساوي حقوق تقاعد الرائدة؟ أأربعة ملايين شيكل؟ أثمانية ملايين؟ أكل هذا المال كي تقدم الى القائد قهوة تركية في كأس كبيرة؟.
يثير غانتس الحنين الى اسرائيل في عصر ‘الرجل المجنون’ حينما كانت علمانية وموحدة ومتمسكة بالمهمة وترى الجيش الاسرائيلي منظمة مقدسة. إن محافظته وحذره هما اللذان أديا به الى القيادة العليا، والسجل الذي جمعه بعد أكثر من سنتين في عمله يُسوغ التوقعات، فلا يوجد في جيشه اخفاقات في العمليات ومؤامرات في القيادة العليا وعزل مجلجل لقادة كبار كما كان الامر عند أسلافه. وقد أدار عملية عمود السحاب في غزة بضبط للنفس نسبي وأنهاها بنجاح. ونبعت هفواته في الشؤون الدينية في الجيش تغيير صيغة ‘أذكر’ وتجاوز قبر الجندي غير اليهودي كما يبدو من جهل بالشريعة اليهودية، وسارع رئيس هيئة الاركان الى تحمل المسؤولية عن ذلك وازالة الضرر عن صورته.
لكن المجتمع الاسرائيلي تغير منذ ستينيات القرن الماضي ويصعب على رئيس هيئة الاركان ان يلائم نفسه مع التغييرات. فهو يؤدي ضريبة كلامية لدعوات ‘المساواة في عبء الخدمة’ من السياسيين الجديدين يئير لبيد ونفتالي بينيت. لكن غانتس يخشى ان يسلبوه العلمانيين بتقصير مدة الخدمة الالزامية أكثر مما يريد طلاب المعاهد الحريدية في الجيش.
إن التيار الرئيسي لـ ‘ريكي كوهين’ الذي يرسل أبناءه الى الجيش للخدمة الالزامية يخشى اليوم على مستقبله الاقتصادي ويحسد ناس الخدمة الدائمة مع مخصصات التقاعد السمينة. وهكذا يأتي غانتس من موقف دونٍ لمعركة على تقليص ميزانية الدفاع. أثار العقيد (احتياط) دورون ماينرت والعميد (احتياط) نتسان نوريال، اللذان تحدثا في ملحق ‘كلكليست’ عن مخصص التقاعد المبالغ فيه وعن الاسراف في الجيش، أثارا غضب رئيس هيئة الاركان. أما رئيس الوزراء السابق اهود اولمرت الذي وصف الاستعدادات الباهظة الكلفة للهجوم على ايران بأنها إسراف هاذٍ وهاجم التسلح بحاملات جنود مدرعة جديدة، فقد أصابه بالجنون ببساطة.
يعِد غانتس باصلاحات في الجيش لكن جوهره كله يقول، دعونا واتركونا نستمر كما نحن، وابحثوا عن المال في مكان آخر. والتحذيرات معروفة مثل أن المس بظروف الخدمة سيُبعد الصالحين عن الجهاز القتالي، واخراج الدبابات والطائرات القديمة من الخدمة لن يحرز تقليصا ذا شأن. وليس كل ذلك داحضا بالطبع، لكن المشكلة في الجيش تكمن في القيادات التي انتفخت. في الجدل في الميزانية يضعون الطيار في المقدمة ويتجاهلون العامل البسيط الذي يعمل منظما لوقف كبار المسؤولين سياراتهم في مقر سلاح الجو في الكرياه، وسيتمتع بعد قليل بتقاعد يبلغ ملايين لقاء عمل لا يحصلون عليه في الحياة المدنية إلا على أدنى قدر من الأجور وبصعوبة. هذا مُغضب ويثير الحسد بقدر لا يقل عن الرائدة التي تقدم القهوة.
لو أنه قلب الطاولات في القيادات وأعلن ووفى بأن ‘ما لا يطلق النار سيقلص’ وأغلق وحدات لا حاجة اليها واذاعة الجيش الاسرائيلي والمدراس الشرعي لبدت عظمة غانتس وأسهم في تغيير ثقافي في الجيش. لكنه يفضل ان يسلك سلوك رئيس لجنة خُدام الخدمة الدائمة والمتقاعدين وهذا مؤسف. وفي الجو الحالي في اسرائيل في الوقت الذي يصعب فيه حتى على نوحي دانكنر تغطية سحبه على المكشوف، فان موقف رئيس هيئة الاركان سيجعل من الصعب عليه ان يقنع الرأي العام بأنه لا يجوز المس بميزانية الدفاع.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


نهاية للحاخامية العسكرية

بقلم:أسرة التحرير،عن هآرتس

‘الفكر الذي يرى الاغيار موازين في حقوقهم في الدولة يتعارض ورأي التوراة، ولا يوجد سند فقهي لممثلي الدولة بالعمل خلافا لارادة التوراة’. هذا القول الذي يثير الحفيظة كان يمكن أن يستقبل كفضيحة حتى لو كان أطلقه مصدر هامشي ما، يختلف في سيادة المشرع في اسرائيل وفي صلاحية حكومتها. وهو باعث على الصدمة بأضعاف حين يتبين من تقرير حاييم لفنسون في ‘هآرتس′ أمس ان هذه فتوى من الحاخامية العسكرية.
ليس بالحاخامية العسكرية أي صلاحية لنشر الفتاوى. فبأي إدعاء تتجاسر على الافتاء عن ‘ممثلي الدولة’، أي عن القيادة السياسية التي يخضع الجيش لامرتها وعن المحاكم، ومن برأيها تلزم فتواها؟ من يسمح لضباط في الخدمة الدائمة، ممن يلبسون البزة العسكرية بعرض اسرائيل كدولة شريعة؟
اسرائيل ترى نفسها دولة يهودية وديمقراطية. وبالمقابل فان الجيش الاسرائيلي ليس جسما ديمقراطيا بل يعمل حسب سلسلة القيادة بل انه ليس يهوديا بل اسرائيليا. هذا جيش الدفاع الاسرائيلي، وليس جيش الدفاع اليهودي. يخدم فيه غير يهود، وهو ملزم بالدفاع عن مواطني الدولة دون التمييز بينهم على اساس ديني أو قومي. في الجيش الاسرائيلي يخدم أيضا جنود متدينون. وقريبا ستتقلص أيضا عدم المساواة الشديدة التي تسمح للاصوليين بالتملص بجموعهم من الخدمة الالزامية. فالجنود المتدينون والاصوليون جديرون ببعض المراعاة لاحتياجاتهم الخاصة وان كانت أقل من تلك الحالية، وليس على حساب العلمانيين بالتأكيد ليس حين يكونون مزودين بذخيرة روحية من البيت من مدرسة الحاخامين المناهضين للديمقراطية.
يتورط الجيش الاسرائيلي في السنوات الاخيرة المرة تلو الاخرى وكما يخيل بشدة اكبر في عهد رئيس الاركان بيني غانتس، في اجتياح الدين الى مناطق ليست له. على غانتس أن يصحو وان يضع حدا لذلك. والحاخامية العسكرية ملزمة بان تتقلص الى حجومها الطبيعية. يجب الغاؤها في صيغتها الحالية، وتنظيمها كسلاح لخدمات الدين وقطع الصلة بينها وبين الضابطية التي تقدم هذه الخدمات وبين الاحزاب الدينية والاصولية التي تؤثر على قرارات رئيس الاركان ووزير الدفاع عند تعيين الحاخام العسكري الرئيس.
كل الاديان تتمسك بالتقاليد، ولكن الحاخامية العسكرية بحد ذاتها ليست تقريبا مقدسة. مصدر الصلاحيات في الجيش الاسرائيلي يجب أن يكون واحدا، ووحيدا وموحدا: قانون الدولة، الذي يترجم في الخضوع العسكري للاوامر. ليس ‘رأي التوراة’، ليس الاقصاء العنصري للمساواة في الحقوق لـ ‘الاغيار’ وليس الطلب من ممثلي الدولة العمل فقط بقوة ‘السند الفقهي’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
نحن والاوغاد

بقلم:اسحق ليئور،عن هآرتس

من المؤكد ان من شاهد مطاردة المشتبه فيهم في عملية بوسطن تأثر كثيرا باعتباره إبن الغرب، فقد كان ثمة قنابل ومصابون ومنع انتقال وقوات شرطة ضخمة، وفشل موازٍ في الحد من شراء السلاح، ومحطات اذاعة مُلحة، وناس تُجرى معهم مقابلات صحفية يحاولون ان يقولوا ‘عرفت جوهار، وهو على الخصوص لطيف’، ويُجابون فورا: ‘كيف يكون لطيفا اذا أحدث فظاعة كهذه؟’. وهكذا يصنعون نظاما يعني دائما الغاء الاختلافات. فاليكم إسهاما امريكيا في ثقافة الغرب. وكل العالم يرى العدل: نحن والأوغاد.
إن بلادة الحس هذه لا تبدأ بالارهاب، فتصور الحرية الامريكي يقوم على اضطهاد مفرط دونما صلة بالجهاد. ويُسجن في سجون الولايات المتحدة اليوم نحو من 2.3 مليون انسان. ونسبة السجن فيها هي العليا في العالم إذ تبلغ أكثر من 700 لكل 100 ألف. وقد حدث التحول في العقود الثلاثة الاخيرة بحيث إن مُجلي امريكا عندنا لم يُحدّث علمهم الى الآن: لقد زادت النفقات على السجون مثلا أكثر من النفقات على الدراسات العليا بثلاثة أضعاف. ولا توجد ديمقراطية اخرى يُسجن فيها هذا العدد الكثير من الناس.
والى ذلك فان واحدا من كل تسعة سود في العشرينيات من عمره يخضع هناك لاحتجاز أو سجن. والفروق في نسب السجن بين السود والبيض (سبعة الى واحد) أعلى كثيرا من الفروق العنصرية في البطالة (اثنان الى واحد)، ووفيات الاطفال (اثنتان الى واحدة) وهي تقوم في تناقض خالص مع توزيع الثروة بالطبع.
إن معسكر التجميع الضخم هذا الذي يتسع البالغون من سكانه وعائلاتهم على الدوام يتم تصريف أموره بالاستعانة برواية متشددة هي ‘العدل يحارب الشر’. واذا شاهدنا مسلسلات تلفازية وحتى ‘الليبرالية’ منها، بدا ان الامريكيين فقدوا كل قدرة على قراءة الجريمة من غير ادعاء العدل ذاك الذي سلح جهاز القضاء نفسه به أصلا. فكل جريمة سياسية أو جنائية تسمى فقط في اطار الاستقطاب بين الخير المطلق والشر الخالص. وهذا هو اطار عرض ‘مكافحة الارهاب’. إن أكثر الامريكيين لا يمكثون في السجون لكن السجن الجماعي يُحصن عندهم قسوة عمياء بليدة. ولا يمكن تثبيت واقع كهذا بغير مساعدة دينية للعدل المطلق في مواجهة الشر الشيطاني، وأعني هوليوود.
ومع كل ذلك فان الشيء الأساسي ليس هنا، ليس في ادعاء العدل الامريكي ولا الجهادي بل عالم الظلام. منذ سنوات تتطاير أجزاء الجثث في الهواء وتُشوى في النار في أنحاء البلدان غير الغربية، ولندع فظاعات فيتنام. إن الاحتلال الامريكي للعراق وحده أوقع عشرات الآلاف من الضحايا. إن جموع الموتى غير الغربيين تمر بصورة متعبة على الشاشات اذا مرت أصلا، بل إن الـ ‘بي.بي.سي’ العالمية لا تتجاوز اطار تقديم التقارير الصحفية التي يُمليها التفكير الاستعماري الغربي وهو ان المس ‘بنا’ مركزي؛ أما المس بالآخرين فلا أهمية له حتى حينما تقتل الطائرات الامريكية من غير طيارين مئات الأبرياء في باكستان وتُدمر مناطق كاملة، آنذاك ايضا لا نهتم بالحياة التي تتحطم في الظلام وراء أسوار سجن العالم الوهمي. المهم فقط هل يخدم ذلك أمننا؟.
يمكن ان نتخيل انسانا نزيها ولنفترض انه موظف في اندونيسيا (أو في الهند أو الاردن) يشاهد الـ ‘سي.إن.إن’ في مقهى الحي، يهز رأسه ويقول لرفاقه في جدية: ‘مساكين الامريكيون، إن الحال هناك جيدة كثيرا، وفجأة يُفجرونهم، يا له من عار’. ولندع من يشمتون بالامريكيين. ولنفكر في أنه كم من الارهابيين الجدد يولدون في كل مقهى كهذا حينما يشاهدون شدة الاهتمام في بوسطن في مقابلة عدم الاكتراث الخالص بالفظاعة وراء مدى الاهتمام الغربي. أي ما يسمى ‘فظاعة’ وما لا يحظى حتى باسم.
ومن جهة اخرى فان بلادة الحس تثمر أرباحا ايضا لأن الارهابيين الجدد يمدون صناعات زاهرة لمحاربة الارهاب وببث حي. فلماذا لا يكون ذلك؟ ومع كل ذلك، ومن اجل التناسب عند الاسرائيلي الذي يكره ‘العرسات’: أنظروا الى طلاب الجامعات الرائعين في بوسطن الذين يصرخون في وحشية حينما يرون مهاجرا في التاسعة عشرة من عمره غارقا في دمه: يو إس إي، يو إس إي. ‘الفظاعة، الفظاعة’.
ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
عبادة الاصنام

بقلم:عاموس غلبوع،عن معاريف

قبل بضعة أسابيع نشر الصحفي بن كسبيت تقريرا عن جلعاد شاليت يعتمد أغلب الظن على مادة موثوقة جيء فيها بالرواية الكاملة لشاليط كما نقلت الى محققيه في الجيش الاسرائيلي عن ملابسات سقوطه في الاسر وعن حياته في الاسر. وقد صدمتني النتيجة. انتظرت أن أرى اذا كانت الصحافة الرسمية ستعطي تعبيرا مناسبا عن المكتشفات المقلقة الناشئة عن التقرير، ولكن مؤامرة الصمت حلت بالاعلام الرسمي لدينا.
ولما كان أمامنا موضوع مبدئي، فاني أطرح هنا اساس ما ورد في التقرير. لقد كان جلعاد نموذجا لـ ‘الرأس الصغير’ أو الاصح ‘رأس الدبوس′، الذي لم يستمع على الاطلاق الى الارشادات المفصلة التي اعطيت للمقاتلين عن الوضع وانتشار القوات في محيطه؛ وعندما هوجمت دبابته، ولكنها لم تتضرر، واثنان من الطاقم قفزا الى الخارج وقتلا، بقيت شاليط في الدبابة. قرر الا يقاتل مع أنه كان بوسعه أن يستخدم المدفع الذي كان الى جانبه دون أن يخرج رأسه. فقد انتظر الخير وأن ينتهي كل شيء. واحد من المخربين القى في الدبابة ثلاث قنابل يدوية (مما يدل على أنه لم تكن نية للاختطاف!) لم تلحق ضررا بشاليط، ولكنها أحدثت دخانا. والدخان هو الذي دفع شاليط الى الخروج دون سلاح. فقد أبقاه على أرضية الدبابة. خروجه فاجأ أحد المخربين الذي كان سلاحه ‘معلقا’ على ظهره. لو كان سلاحه في يده، لكان بوسع شاليط ان يقتله بسهولة شديدة، ولكن حتى هكذا، تماما الى جانبه كان مدفع خارجي للدبابة. ولكن شاليط لم يطلق النار، لم يفكر حتى باطلاقها. ‘لا تطلق النار، لا تطلق النار’، هتف بالعبرية نحو المخرب الذي بدأ ينقل سلاحه الى حالة النار.
هكذا حصل الامر. شاليط لم يكن في صدمة معركة، لم يقاتل كذاك الجندي الذي يرى بان ذخيرته تنفد ولا معنى للقتال ويجب الاستسلام. هو ببساطة سلم نفسه واستسلم وأعطى لحماس الجائزة الكبرى التي لم يتوقعوها. من هذه اللحظة شاليط كله يستسلم للمخربين ويطيع كل ما يقولاه له. مكان أسره كان عمليا فندقا من ثلاث نجوم على النمط الغزي. لم يعذبوه، لم يجوعوه، لم يذوِ في قبو مظلم، يعاني ويتعذب. خمس سنوات ونصف السنة في الاسر ليست بالطبع بهجة كبرى، ولكن حسب كل ما هو معروف لي، فانها لا توازي يوم واحد في السجن السوري مثلا.
رئيس أركاننا وصفه بالبطل، وشعب اسرائيل جعله صنما يُعبد، في زمن الاسر وبعده. أعتقد أن ” الاسرائيلية حول جلعاد شاليط هي مميزة وتعكس مرضا اجتماعيا جسيما.
لماذا؟ توجد دوما ‘أصنام’ من أنواع مختلفة. توجد أصنام رياضية وثقافية واستعراضية؛ اسحق رابين اصبح صنما بعد اغتياله، واقاموا له تمثالا وصورة في كل مكان؛ نوحي دانكنر كان صنما؛ أبطال الماضي اصبحوا عندنا شخصيات صنمية مثل ترمبلدور ومئير هار تسيون، مع أساطير وقصص؛ شارون هو الاخر تحول بالتدريج من شخصية مشهر بها الى شخصية صنمية تغتفر كل خطاياها؛ الرئيس اوباما كان لزمن قصير صنما. نسجد لكل انواع هذه الاصنام ونعجب بها. ما يميز كل الاصنام هو أنها نموذجا يحتذى، نريد أن نكون مثلها، نريد ان نصل الى الانجازات التي وصلت اليها في مجالاتها.
لدى جلعاد شاليط القصة مختلفة تماما. هذا صنم كاذب، بكل معنى الكلمة، لا يوجد أي مجال للاعجاب به. بل العكس، هذا نموذج سلبي فقط. كل التي نشأت حوله كانت في اساسها كذبا، ازدواجية واخفاء للحقيقة. ولا بد أن مؤمني الصنم جلعاد شاليط سيشتمون كل من يتجرأ على التشكيك فيه ولو بشائبة صغيرة. هذه طبيعة المؤمنين. ولكن حان الوقت للتوقف عن الكذب على أنفسنا. لوسائل الاعلام يوجد دور هام في تحطيم الصنم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
اسبوع اوباما الصعب

بقلم:البروفيسور ابراهام بن تسفي،عن اسرائيل اليوم

إن أحداث الاسبوع الاخير الفظيعة التي بدأت بالعملية التفجيرية في الماراثون في بوسطن، ثم بارسال مغلفات الريتسين الى البيت الابيض وتل الكابيتول وتفجير مصنع الأسمدة في تكساس وانتهت الى المطاردة الدراماتية للأخوين اللذين نفذا العملية، سرناييف، تكشف عن نقاط الضعف في توجه باراك اوباما بازاء خطر الارهاب.
يمكن ان نقول بصورة محددة إن التشخيص المتكلف الذي اعتمدت عليه سياسة البيت الابيض قد انهار تماما في مواجهة الدراما الدامية في الايام الاخيرة. وقد كان تناول اوباما لقضية تهديدات أمن امريكا يصاحب تقديره ان خطر الارهاب الدولي وتوابعه قد خفت على مر السنين الماضية منذ الحادي عشر من ايلول 2001. وعلى خلفية حقيقة ان القاعدة قد أصيبت اصابة شديدة بعد العملية في برجي التوائم، طمح الرئيس الى تسليط الضوء على مجاميع وتحديات اخرى، والى ان يتحلل في نفس الوقت من تراث سلفه جورج بوش الذي تحولت محاربة الارهاب التي لا هوادة فيها عنده الى السمة المميزة المركزية لفترته الرئاسية.
إن المذبحة الفظيعة في المدرسة في نيوتاون في كانون الاول الاخير حثت اوباما على ان يواجه بصورة أنشط وأقوى طوفان العنف والارهاب في الداخل. وهو يرى أن هذه التيارات الظلامية كانت نتيجة للتأليف القاتل بين الشخصية المضطربة لمنفذي العمليات وبين السهولة التي لا تحتمل لحيازتهم وسائل القتال. وطمح اوباما بواسطة اجراءات سن قوانين جديدة ترمي الى زيادة الرقابة على شراء السلاح الى تغيير ترتيبات قديمة. وهنا جاء الاسبوع الاخير وأحرق أوراق اللعب في الصعيدين.
في صعيد مكافحة الارهاب فان العملية التفجيرية في بوسطن أثبتت انه لا يمكن الفصل بين المجال الخارجي والداخلي فيما يتعلق بمصادر الارهاب لأنه لا يمكن رسم حدود ووصل ايديولوجيات وأمزجة متطرفة وعسكرية وهاذية بقطعة ارض محددة ما، لأن الاعتقادات والدوغمائيات العسكرية المختلفة تتجاوز خطوط الطول والعرض مثل الرمال المتحركة وتمنح بذلك المجموعات والأفراد غير المنظمين بالضرورة في خلية ارهابية محددة إلهاما وباعثا على الخروج في عملهم القاتل حتى في داخل القارة الامريكية.
وعلى ذلك يمكن ان نُقدر ان الأخوة تمرلان وجوهار سرناييف بعثهما الى عملية قتلهما تصورات انشأها الاسلام المتطرف حتى من غير ان تستعملهما جهة مؤسسية ما استعمالا مباشرا.
لكن ليس الشوق فقط الى التحرر من تراث الرئيس بوش هو الذي جعل ‘كل ناس اوباما’ يتجاهلون الخطر المباشر الذي يقف على أبوابهم بل محاولتهم العودة الى فترة الرئيس كلينتون بشأن سن قوانين بعيدة المدى في قضية حيازة السلاح وانتهت هي ايضا الى فشل مجلجل. وبرغم أنه كان يبدو أنه يمكن في ظل ‘صدمة نيوتاون’ تجنيد الجمهور ومُشرعيه لجهد حثيث في هذا المجال، تبين انه حتى الصيغة المقللة والمقلصة التي أراد اوباما ان يجيزها في مجلس الشيوخ لم تحظ بالأكثرية الضرورية.
إن القوة الضخمة لجماعة ضغط منظمة أصحاب البنادق وتأثيرها الكبير في النواة الصلبة للمعسكر الجمهوري، بددت رواسب القتل في نيوتاون وبوسطن وأثبتت مرة اخرى ان مجموعة كاملة من الخطب العصماء لا تستطيع ان تجتث أنماطا أساسية مدمرة في الثقافة السياسية للعم سام.
هكذا مُزق في الايام الاخيرة الغلاف الضعيف لحياة يومية وادعة. وقد عاد الخوف من الارهاب الى أنحاء امريكا بعد ان اختفت صدمة الحادي عشر من ايلول في ظاهر الامر في هاوية النسيان. وقد جعل هذا الخوف بوسطن مدينة مصابة بصدمة وتخاف خوفا وجوديا. لكن تبين في نفس الوقت ان التربية المستمرة على قيم الديمقراطية الغربية لا يمكن ان تضمن إيعاب معايير وقواعد لعب أكثر عدلا. تحتاج امريكا الى وقت كي تستوعب هذه القواعد.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
معركة الجهاد العالمي في سورية


بقلم:يورام شفايتسر وغال توران،عن نظرة عليا

التقديرات المتنوعة التي نشرت في السنوات الاخيرة عن طبيعة وموعد وصول حكم سلالة الاسد الى منتهاها والواقع الذي سيسود في سوريا في اليوم التالي تتواصل، ومن شبه المؤكد انها لن تنتهي الى أن يتم حسم ما في هذه الدولة الممزقة. وبالتوازي، يتواصل ايضا تردد الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بشأن السياسة الصحيحة والناجعة في نوع وطابع نقل المساعدة التي تمنح لمحافل المعارضة السورية، والتي تضم ايضا محافل اسلامية صلتها الدينية تتراوح بين التيار المتماثل مع الاخوان المسلمين وبين التيار السلفي الجهادي الذي تنتمي اليه محافل الجهاد العالمي.
وكانت اطلقت في الاسبوع الاخير عدة تصريحات على لسان محافل الجهاد العالمي في سوريا وفي خارجها يمكن الفهم منها ليس فقط الرؤيا المشتركة بينها بالنسبة لجعل سوريا في عصر ما بعد الاسد جزءا من الخلافة الاسلامية التي يتطلعون الى اقامتها بل وايضا الخلافات القائمة في أوساطهم حول طريقة ادارة الصراع لتحرير سوريا وسلوكهم تجاه السكان المحليين.
تعبير عن الرؤيا المشتركة يمكن أن نجده في تصريحات د. ايمن الظواهري، الزعيم الحالي لمنظمة القاعدة المركزية، والذي نشر في 7 نيسان 2013 دعوة للمقاتلين المتماثلين مع منظمته العمل على اقامة دولة اسلامية شرعية في سوريا. وفي حديثه شدد الظواهري على أهمية الدور الخاص للقاعدة في العراق في هذا الجهد والامكانية التي لاحت للمقاتلين لاستغلال هذه الفرصة التاريخية لاستعادة المجد واقامة الخلافة الاسلامية في قلب الهلال العربي. وبعد يومين من تصريحات الظواهري، نشر أبو بكر البغدادي، زعيم منظمة ‘الدولة الاسلامية في العراق’ المنظمة العليا لمحافل الجهاد العالمي في العراق، وابرزها منظمة القاعدة في العراق بيانا عن توسيع الخلافة الاسلامية في العراق الى منطقة الشام أيضا (سوريا)، وأعلن عن الوحدة بين المنظمة العراقية وبين جبهة النصرة. في علاقات المنظمتين حتى الان، كانت المنظمة في العراق مسؤولة عن نقل المجندين الجدد الذين تطوعوا للمشاركة في المعركة في سوريا ووصلوا من اماكن مختلفة في العالم وعن نقل وسائل القتال الى سوريا عبر العراق بل ووضع سياسة العمليات لجبهة النصرة. وفي حديثه ادعى البغدادي بان منظمته لم تنشر حتى الان هذه العلاقات سواء لاسباب امنية أم لرغبتها في ان يتمكن سكان سوريا من التعرف على جبهة النصرة بصفتها منظمة مستقلة تقاتل من أجل الشعب السوري، دون أن يتأثروا بالتشويهات الفكرية التي تخلقها عن قصد وسائل الاعلام الدولية، حول كل ما يتعلق بالقاعدة.
وفي غداة نشر تصريحات البغدادي، نشر بيان باسم ابو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، تنكر فيه للاعلان الذي جاء من العراق عن توحيد القوات بين القاعدة في العراق وبين منظمته. ورغم أنه أوضح بانه هو ومنظمته يواصلان الفخار بعلم الدولة الاسلامية للعراق، قضى بان ليس في نيتهما ان يتبناه كعلمهما واضاف بان أمر التوحيد علم به هو ورجاله من وسائل الاعلام فقط وهم لا يشاركون فيه. من الجهة الاخرى عاد الجولاني وأعلن عن تجديد بيعته هو ومنظمته لايمن الظواهري، ولكنه اضاف بان هذه البيعة لن تؤثر على السلوك السياسي للمنظمة في سوريا.
ويبين فحص تصريحات منظمات الجهاد العالمي في الايام الاخيرة بوضوح التوتر القائم بين الميلين. فمن جهة، رغبة زعيم جبهة النصرة، العاملة في سوريا، في التمسك بالتطلع الفكري لشركائه الايديولوجيين، وذلك في ضوء ضرورة الحفاظ على قنوات الدعم والمساعدة من جانب شركائه في طريق الجهاد العالمي في العراق وفي قيادة القاعدة المركزية. اما من الجهة الاخرى، فرغبته في الحفاظ على استقلاله العملي واستقلال منظمته وعلى ضرورة الحفاظ على قنوات التعاون مع مراكز القوى الاخرى العاملة في سوريا ومع السكان المدنيين المحليين. كما أن تصريحاته تأتي لتبديد المخاوف القائمة في الدول الغربية، الداعمة للمعارضة السورية، من امكانية أن يصل الدعم المالي والعسكري الذي ينقل الى سوريا الى محافل الجهاد العالمي ويستخدم في المستقبل من مقاتلي القاعدة للعمل ضد مصالحها.
وتجدر الاشارة الى أن السلوك الحذر لزعيم جبهة النصرة يقوم على اساس الدروس التي استخلصت من التجربة المريرة للقاعدة في العراق، والتي درج رجالها على أن يفرضوا بالقوة أنماط حياتهم على السكان المحللين، فاثاروا ضدهم رؤساء العشائر المحليين الذين تعاونوا في النهاية مع الجيش الامريكي في القتال ضدهم.
وينسجم الامر ايضا مع تعليمات بن لادن لشركائه في الحجاز، مثلما وجد هذا تعبيره في رسائله التي وضعت اليد عليها في منزله في أبوتباد، والتي دعا فيها الى مراعاة السكان المحليين والامتناع عن الاغتراب عنهم. ووجد تشوش العلاقة بين المنظمات الجهادية السلفية والقاعدة تعبيره في شطب كلمة القاعدة من اسمهم، مثلما فعلت منظمات جبهة النصرة وغيرها، التي تعمل مع القاعدة على جدول أعمال مشترك في دول الشرق الاوسط، المغرب والخليج.
ورغم الخلاف اللفظي الجاري هذه الايام في الخطاب الداخلي في أوساط المنظمات السلفية الجهادية العاملة معا على حسم المعركة في سوريا، والذي يكشف النقاب عن صدوع وخلافات تكتيكية في أوساط من يعرضون مرات عديدة في وسائل الاعلام العالمية ككتلة موحدة منسجمة، لا ينبغي الوقوع في الخطأ بالنسبة للاهداف المشتركة. فمعظمهم إن لم يكونوا جميعا يرون في المعركة في سوريا فرصة لان يقام فيها نظام اسلامي ينتهج الشريعة الاسلامية أو السيطرة على أجزاء منها وجعلها قاعدة انطلاق لمعركة جهاد اقليمية.
يمكن التقدير بان تواجد المقاتلين الشباب من قوميات مختلفة، بمن فيهم عشرات المتطوعين من الدول الغربية لا يبشر بالخير بالنسبة لامكانية الارهاب المتبلور في سوريا منذ اشهر عديدة. فتجمع الشباب المسلمين الذين وصلوا من أرجاء العالم في منطقة معينة، وتأهلوا للقتال، وجمعوا تجربة قتالية ويعملون من أجل هدف اسلامي مشترك، سبق أن حصل في الماضي في افغانستان وفي العراق، وأدى الى خلق مخزون من الكوادر الجديدة من المقاتلين الذين يمكن ارسالهم لاحقا الى اعمال جهادية في أرجاء العالم. بالنسبة للظواهري، الذي يبحث عن بلورة طريق القاعدة وشركائها في الجهاد العالمي وتوجيه عملهم تحت قيادته، فان هذه بشرى هامة وواضح أنه لا ينوي تفويتها.
وفي ضوء ذلك، يمكن التقدير بان امتناع الدول الغربية، بما فيها اسرائيل، عن التدخل في ما يجري في نطاقها حتى الان، سينتهي اذا ما وعندما يلوح وضع فيه تصبح سوريا دولة شريعة بروح السلفية الجهادية.
في مثل هذه الحالة لا يتوقع فقط مقاومة نشطة من جانب مجموعات مختلفة في سوريا تتعاون مع كل من يقاتل ضد الاسد بل وايضا تدخل عسكري خارجي يمنع هذه الدولة المركزية والهامة في الشرق الاوسط من أن تتحول الى مركز تآمري في المنطقة بل واكثر من ذلك.



ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ