تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الملف المصري 548



Haneen
2013-04-28, 12:45 PM
الملف المصري 548
25/4/2013

<tbody>




</tbody>
في هذا الملف:
الوطن المصرية تنشر


«كواليس» لقاء هيلارى كلينتون مع أعضاء المجلس العسكرى ... الجزء الاول
تنشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى «الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار» ... الجزء الثاني


«كواليس» لقاء هيلارى كلينتون مع أعضاء المجلس العسكرى
الجـــــزء (1)
المصدر: الوطن المصرية
بعد لقائها الرئيس محمد مرسى يوم السبت 14 يوليو 2012، أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون أنها ستلتقى فى اليوم التالى، الأحد 15 يوليو، المشير حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، للتباحث بشأن دور الجيش فى حماية الأمن القومى، والتحول الديمقراطى الذى حدث فى مصر، وسبل تسليم السلطة.
استفزّت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية أعضاء المجلس العسكرى وقادة الجيش، وأثارت استياءً عارماً فى الشارع المصرى؛ حيث بدت وكأنها تمثل انحيازاً واضحاً لطرف ضد طرف، وتدخلاً سافراً فى الشئون الداخلية المصرية.
لم يكن ذلك هو الموقف الوحيد لوزيرة لخارجية الأمريكية؛ فقد عبرت عن تدخلها السافر فى شئون البلاد قبل ذلك أكثر من مرة؛ ففى العشرين من يونيو 2102، وبعد إجراء الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية راحت كلينتون تمارس ضغوطها على المجلس العسكرى بقصد إرهابه وإخافته؛ حيث قالت خلال اجتماع لها بحضور وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جيمس بيكر: «نعتبر أنه من الضرورى أن يفى الجيش بالوعد الذى قطعه على نفسه أمام الشعب المصرى بتسليم السلطة إلى الفائز الشرعى فى الانتخابات التى جرت يوم الأحد 71 يونيو».
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية: «إن ما قامت به السلطات العسكرية المصرية خلال الأيام الماضية يُعَدُّ من الأمور المزعجة بوضوح»، مشيرة إلى أنه «يجب أن يتبنى الجيش دوراً مناسباً غير دور التدخل والهيمنة أو محاولة إفساد السلطة الدستورية».
وقالت: «إن العسكريين الذين يحكمون مصر لم يكفّوا عن قول الشىء فى العلن، ثم التراجع عنه فى الخفاء بطريقة ما، لكن رسالتنا هى دائماً نفسها.. يجب أن يحترموا العملية الديمقراطية».
أما صحيفة «نيويورك تايمز» فقد راحت هى الأخرى بعد إعلان النتيجة تحرِّض على طريقتها؛ حيث بدأت تعليقها فى هذا الوقت بالقول: «إن المشكلات حول السلطة ستبدأ بعد أداء محمد مرسى -المنتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين- اليمين الدستورية بوصفه أول رئيس مصرى منتخب انتخاباً ديمقراطياً، وإن هذا ربما سيكون إيذاناً بمرحلة جديدة من الصراع لتحديد مستقبل الدولة بعد عقود من الاستبداد المدعوم عسكرياً». وقالت: «إن أول ما يتوجب على مرسى أن يفعله الآن هو انتزاع السلطة من العسكر الذين حكموا مصر منذ خلع حسنى مبارك». لم يكن التحريض الأمريكى ضد الجيش المصرى وليد التو أو اللحظة؛ فأمريكا كانت دوماً تستهدف الجيش المصرى، وليس سراً أنها كانت تمارس هذه الضغوط على قيادة الجيش منذ تسلمها السلطة من الرئيس السابق حسنى مبارك.
فى المقابل، لم يكن الموقف الأمريكى من دعم جماعة الإخوان المسلمين وليد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وإنما يمتد هذا الموقف إلى عام 2005 تحديداً، عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس أن الولايات المتحدة ليست ضد وصول الإسلاميين للسلطة فى مصر.
وعندما جاء الرئيس الأمريكى باراك أوباما ليلقى خطابه إلى العالم العربى والإسلامى من جامعة القاهرة فى 4 يونيو 2009، كان لديه تصميم على دعوة ممثلى جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة) لحضور الخطاب والجلوس فى الصفوف الأولى، وهو ما دفع الباحث الأمريكى رايموند ستوك، الذى أعد بحثاً لمعهد دراسات الشئون الخارجية الأمريكية إلى القول: «إن دعوة أوباما لهذه الجماعة وفى هذا الوقت كانت تعنى إشارة ضمنية بإقصاء مبارك الذى استضاف أوباما رسمياً، وهو ما دفعه إلى عدم حضور الخطاب». وقال الباحث الأمريكى: «إن مصر فهمت هذه الدعوة على أن أوباما يقول للإسلاميين (أنتم المستقبل)، وهو ما أثار غضب القاهرة فى هذا الوقت».
ولم تنسَ واشنطن للمجلس العسكرى موقفه من قضية التمويل الأجنبى؛ فقد كان المجلس هو الذى وقف خلف إثارة هذه القضية التى أساءت إلى سمعة الولايات المتحدة داخل مصر وعرقلت مخططاتها لإثارة الفوضى بعد نجاح الثورة المصرية؛ حيث كانت الإدارة الأمريكية تراهن فى هذه الفترة على إثارة القلاقل فى البلاد، مما يؤدى إلى انتشار العنف وتراجع سلطة الدولة وتفكيك مؤسساتها.
لقد كلف المجلس العسكرى فى الأشهر الأولى التى تلت نجاح الثورة وتحديداً فى شهر يونيو عام 2011 بتشكيل لجنة تقصى حقائق حول التمويل الأجنبى لعدد من منظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجالات تنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ لوضع حد للأموال التى تتدفق والأيدى التى تعبث داخل البلاد. وبالفعل شكلت حكومة د. عصام شرف هذه اللجنة التى كان أحد أبرز أعضائها د. فايزة أبوالنجا؛ حيث أعدت هذه اللجنة تقريراً خطيراً أكد أن الأموال التى وصلت إلى هذه المنظمات فى الفترة من فبراير إلى نوفمبر 2011 قد بلغت حوالى 1200 مليون جنيه، وأن هناك عدداً من المنظمات الأجنبية التى تلعب دوراً مشبوهاً فى عملية التحريض على إثارة القلاقل ودفع الأموال، من بينها: المعهد الجمهورى الدولى الأمريكى، المعهد الديمقراطى القومى الأمريكى، منظمة بيت الحرية الأمريكى (فريدوم هاوس) وغيرها.
وعندما قررت الجهات المعنية فى الخامس من فبراير 2012 إحالة 44 متهماً من المصريين والأجانب من بينهم نجل وزير النقل الأمريكى إلى محكمة الجنايات وحظرت سفر بعضهم وداهمت مقرات 17 منظمة أهلية أجنبية ومحلية، تسبب ذلك فى حدوث أزمة عنيفة بين الحكومة الأمريكية والمجلس العسكرى الذى حمّلته الأولى المسئولية عن هذه الإجراءات، وراحت الإدارة الأمريكية فى هذا الوقت تحرض جميع الدوائر الغربية والإقليمية على ممارسة ضغوطها على المجلس العسكرى بهدف إجباره على التراجع ووقف إحالة هذه القضية للمحاكمة والسماح لجميع الموقوفين بالسفر إلى بلادهم.
سبق ذلك، وبالتحديد فى الرابع من فبراير 2012، أن التقت هيلارى كلينتون، على هامش مؤتمر أمنى دولى عُقد فى ميونيخ، وزير الخارجية المصرى محمد كامل عمرو؛ حيث أدلت بتصريحات صحفية عقب هذا اللقاء قالت فيها: «إن الحملة الأمنية التى يشنها الحكام العسكريون فى مصر على منظمات أهلية أمريكية ومحلية تدعو للديمقراطية من شأنها أن تهدد المعونات التى تقدمها واشنطن لمصر».
وقالت «كلينتون»: «نحن واضحون جداً، ونرى أن هناك مشكلات تنجم عن هذا الموقف من الممكن أن تؤثر على علاقتنا مع مصر، ونحن لا نريد ذلك». وأضافت كلينتون: «لقد عملنا بدأب خلال العام المنصرم على تخصيص المساعدة المالية وغيرها من أشكال الدعم للإصلاحات السياسية والاقتصادية فى مصر، وستتعين علينا مراجعة هذه الأمور بشكل دقيق عندما يحين وقت اتخاذ القرار، كى نقر إذا كنا سنخصص هذه الأموال من حكومتنا أم لا فى ظل هذه الظروف».
واستطردت «كلينتون»: «إن الولايات المتحدة لا ترى أى مبرر للمداهمات التى قامت بها السلطات المصرية لمقرات منظمات أهلية فى مصر، والتى استولت خلالها على وثائق وأجهزة كمبيوتر إلى جانب قرارها بمنع عدد من الموظفين الأمريكيين من السفر»!
فى هذا السياق، أذكر أن المشير طنطاوى قال لى: «الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً وتهديدات ضد مصر على خلفية قضية التمويل الأجنبى، وصلت إلى حد قطع المعونة العسكرية عن مصر ووقف توريد قطع الغيار للأسلحة المصرية».
كانت المعلومات تتدفق إلى المشير طنطاوى حول الإجراءات التى تعتزم واشنطن القيام بها ضد مصر بالاشتراك مع حلفائها الغربيين على وجه التحديد، وكان المشير فى المقابل يقول: «المهم أننا أوقفنا تدفق الأموال المشبوهة التى تأتى بطرق غير مشروعة بهدف إثارة القلاقل فى البلاد».
كان الهدف فى هذا الوقت هو تقديم رسالة قوية للأمريكيين مفادها أن «المجلس العسكرى يعرف طبيعة الدور الخفى لهذه الأموال وهذه التحركات التى تستهدف إيقاع البلاد فى حالة من الفوضى التى يمكن أن تؤدى إلى انهيار الدولة وتصدُّع أركانها».
لقد جاءت «كلينتون» هذه المرة 14 يوليو 2012، أى بعد تسلم الرئيس محمد مرسى مهام السلطة بنحو نصف شهر لتقول: «إنه قد حان الوقت ليسلم المجلس العسكرى السلطة كاملة إلى الرئيس المنتخب». وقد عبرت عن ذلك فى التصريح الذى أطلقته عقب لقائها الرئيس مرسى، وقبيل لقائها المشير طنطاوى فى اليوم التالى عندما راحت تقول: «نحن ندعم عودة الجيش لأداء مهامه فى حفظ الأمن القومى المصرى».
قبيل أن تصل كلينتون إلى القاهرة، كانت جماعة الإخوان المسلمين قد حرّضت على الدعوة إلى مليونية تحمل عنوان «إسقاط الإعلان الدستورى المكمل»، وتولت الدعوة حركة «حازمون» التى يتزعمها الشيخ حازم أبوإسماعيل، وإلى جواره شاركت حركة «6 أبريل» التى كان لها موقفها الرافض لدور المجلس العسكرى، وشارك أيضاً فى هذه المليونية بعض القوى الأخرى.
كان الهدف واضحاً، يتلخص فى ممارسة المزيد من الضغط على المجلس العسكرى لتسليم السلطة كاملة غير منقوصة إلى الرئيس مرسى، عبر إلغاء الإعلان الدستورى المكمل، بغض النظر عن مدى دستورية وشرعية هذا الإجراء من عدمهما.
وفى صباح الأحد 15 يوليو كان موعد لقاء الوزيرة الأمريكية مع المشير طنطاوى بمقر وزارة الدفاع؛ حيث حضر اللقاء عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فى مقدمتهم اللواء عبدالفتاح السيسى، عضو المجلس مدير المخابرات الحربية، واللواء محمد العصار، عضو المجلس المسئول عن ملف التسليح مع الولايات المتحدة، وآخرون، ولوحظ عدم حضور الفريق سامى عنان، رئيس الأركان، هذا اللقاء.
استمر اللقاء قرابة الساعة؛ حيث بدأ بكلمة ترحيب من المشير طنطاوى، ردت عليها وزيرة الخارجية الأمريكية بتوجيه الشكر إلى الجيش المصرى على وقوفه مع الثورة وتصميمه على إجراء انتخابات نزيهة وتسليمه السلطة للرئيس المنتخب، إلا أنها قالت: نتمنى أن يتم تسليم السلطة كاملة إلى الرئيس فى أقرب وقت ممكن، ليعود الجيش إلى ممارسة دوره فى حماية البلاد.
قال المشير طنطاوى: نحن كنا صادقين فى وعودنا، ورغم جميع الضغوط التى مورست علينا والمؤامرات التى استهدفت إفشالنا فإننا صممنا على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بنزاهة وشرف، رفضنا الانحياز لأى طرف على حساب الديمقراطية والشفافية، وسلمنا السلطة فى موعدها.
وعلقت كلينتون بالقول: لكن حتى الآن لم يجرِ تسليم السلطة كاملة للرئيس المنتخب.
قال المشير: الجيش ليس طامعاً فى السلطة.. نحن مسئولون عن السلطة التشريعية بمقتضى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011، فى حال غياب مجلس الشعب، وبمجرد انتخاب مجلس الشعب الجديد فى ضوء الدستور الجديد، سوف نسلم السلطة التشريعية على الفور إلى البرلمان.
قالت كلينتون: ولماذا لا يجرى تسليمها إلى الرئيس المنتخب؟!
قال المشير: الرئيس مسئول فقط عن السلطة التنفيذية، أما السلطة التشريعية فى غياب مجلس الشعب فهى تبقى فى حوزة المجلس العسكرى إلى حين انتخاب المجلس، وقد فعلنا ذلك من قبل فى 23 يناير الماضى حين سلمناها للمجلس المنتخب، لكن بعد حل المجلس عادت السلطة مرة أخرى إلى المجلس العسكرى.
قالت «كلينتون»: لكن هذا الوضع لا يلقى قبولاً فى الشارع المصرى، ومن شأنه إعاقة خطط الرئيس المنتخب فى تحقيق الديمقراطية.
قال المشير: الرئيس له كل الصلاحيات التنفيذية، لكن التشريع فى هذه الفترة هو من اختصاص المجلس العسكرى.
قالت «كلينتون»: إنهم يشتكون من خطورة الإعلان الدستورى المكمل، ويرون أن المجلس العسكرى يسعى إلى الانتقاص من سلطات الرئيس المنتخب.
قال المشير: هذا ليس صحيحاً، نحن ندعم الرئيس ونقلنا إليه السلطة كاملة فى 30 يونيو الماضى، والإعلان المكمل جاء لتنظيم بعض الأمور الخاصة بأداء الرئيس للقَسَم واختصاصات رئيس المجلس العسكرى داخل الجيش، وكذلك حقه فى تشكيل جمعية تأسيسية للدستور حال صدور حكم من محكمة القضاء الإدارى ببطلان الجمعية الحالية.
قالت «كلينتون»: لكن هناك اتهامات بأنكم تدخلتم لحل مجلس الشعب.
قال المشير: المحكمة الدستورية هى التى أصدرت الحكم، ولا علاقة للمجلس العسكرى بأحكام القضاء، ودورنا اقتصر فقط على إصدار قرار تنفيذى لهذا الحكم الباتِّ والنهائى، لكن ما يثار حول وجود دور للمجلس العسكرى أمر غير صحيح بالمرة.
قالت «كلينتون»: وأنا أود أن أعرب لك عن قلق الولايات المتحدة من إصرار المجلس العسكرى على التدخل فى شئون الحكم ومحاولة الانتقاص من سلطات الرئيس المنتخب.
قال المشير: نحن نرفض هذا الكلام، ونرفض التدخل فى العلاقة بين الجيش ورئيس الدولة، أنا لا أرى مشكلة، وعلاقتنا بالرئيس جيدة، وكنا صادقين مع الشعب المصرى فى كل الوعود، ولا أفهم معنى محاولات التحريض ضد الجيش.
قالت «كلينتون»: نحن لا نسعى إلى التحريض، لكننا نسعى إلى وضع حد للمشكلات الناشبة بين المجلس العسكرى ورئيس الدولة.
قال المشير: لا توجد أى مشكلات من الأساس، ليس لنا أى مطمع فى السلطة، وقد وفّينا بتعهداتنا، ولا يحق لأحد أن يحدد لنا دورنا فى بلدنا. نحن نعترض على تصريحك أمس بدعوة الجيش إلى تسليم السلطة والعودة إلى دوره فى حماية الأمن القومى، نحن لم نسعَ إلى السلطة، السلطة جاءت إلينا وأنتم اتصلتم فى هذا الوقت وقلتم إنكم لستم معترضين على تولى الجيش مهام السلطة فى البلاد عقب تنحى الرئيس السابق؛ لذلك لا نفهم معنى هذا التحريض وتصوير الجيش وكأنه اغتصب سلطة الرئيس.. حقائق الوضع عكس ذلك تماماً.
قالت «كلينتون»: نحن على ثقة أنكم ستسلمون السلطة التى فى حوزتكم فى أقرب فرصة إلى الرئيس.
قال المشير: نحن لدينا إعلان دستورى يحدد اختصاصاتنا، والجيش مسئول عن حماية البلاد وأمنها، وراعٍ لتجربتها إلى أن يتم الانتهاء من وضع الدستور، ثم تُجرى انتخابات مجلس الشعب، ساعتها سوف نعود إلى ثكناتنا.
قالت «كلينتون»: لكن ذلك من شأنه أن يفتح الطريق أمام صراع مفتوح.. لقد شاهدت مظاهرات كبيرة فى ميدان التحرير تطالبكم بتسليم السلطة وإلغاء الإعلان الدستورى المكمل.
قال المشير: نحن نعرف مَنْ يحرك هذه المظاهرات، لكن مسئوليتنا عن مراقبة وضع الدستور هى مسئولية تتعلق بأمن هذا البلد وحقوق فئاته المختلفة والحرص على مدنية الدولة المصرية، نحن لن نسمح لتيار واحد بأن يتولى وضع الدستور أو التحكم فى مصير البلد، هذا من صميم مسئوليتنا.
قالت «كلينتون»: لكن الرئيس يشكو من أن كثيراً من اختصاصاته لا تزال فى حوزتكم.
قال المشير: هذا غير صحيح، ومع ذلك فالعلاقة بيننا وبين الرئيس جيدة للغاية، وهو يعرف تماماً أن السلطة التشريعية ليست من اختصاصاته، ثم إننا سنسلمها إلى مجلس الشعب بمجرد انتخابه كما قلت.
تساءلت «كلينتون»: ومتى سيتم انتخابه؟!
قال المشير: بعد انتهاء الجمعية التأسيسية من وضع الدستور الجديد على الفور، هذه أمور جرى تحديدها، نحن الأحرص على تسليم اختصاص التشريع إلى أصحابه الحقيقيين.
قالت «كلينتون»: لقد كان لقائى مع الرئيس مرسى بالأمس مثمراً، وقد تحدثت معه عن حقوق المرأة والأقليات وتطوير العملية السياسية وحقوق الإنسان، وكان متفهماً لكل ذلك، ولكن الإعلان الدستورى المكمل ربما يحدُّ من طموحاته.
قال المشير: لا علاقة للإعلان الدستورى المكمل بممارسة الرئيس اختصاصاته ومهامه بالكامل، المسألة لن تزيد على أشهر قليلة ونسلم الاختصاصات للبرلمان، وساعتها سيتم إلغاء الإعلان الدستورى المكمل بمجرد الانتهاء من وضع الدستور.
قالت «كلينتون»: إن كل ما نهدف إليه هو أن تنتهى هذه الأزمة سريعاً، والولايات المتحدة تدعم ضرورة الإسراع فى نقل السلطة كاملة إلى الرئيس، حتى تشهد البلاد استقراراً وتنتهى الصراعات على الحكم.
قال المشير: لا توجد لدينا صراعات، هذا أمر داخلى، لا علاقة لكم به، مصر قادرة على حل مشكلاتها بنفسها، والمصريون لديهم حساسية خاصة من التدخل فى شئونهم الداخلية، وأنا أقترح أن ننتقل إلى بقية المواضيع.
وبالفعل تحدثت «كلينتون» عن عدد من الخطوات الأمريكية التى تهدف إلى دعم الاقتصاد المصرى ومن بينها: تفعيل اتفاق مبادلة الديون مع مصر بمبلغ مليار دولار بهدف شطب هذا المبلغ، تمويل مشروعات تستهدف خلق فرص عمل فى مجالات الإبداع والتكنولوجيا، كما جرى الحديث حول إنشاء صندوق برأسمال 60 مليون دولار لدعم المؤسسات التجارية المتوسطة والصغيرة وتقديم قرض إلى مصر بقيمة 250 مليون دولار.
انتهى اللقاء بين المشير طنطاوى والوفد الأمريكى برئاسة وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون، وقام المشير بتوديعها، ثم اتجه فوراً بعد ذلك لحضور حفل تسليم وتسلم قيادة الجيش الثانى الميدانى فى الإسماعيلية.
وقد ألقى المشير كلمة أمام قادة وضباط الجيش الثانى بهذه المناسبة؛ حيث قال: «لا شىء يثنى القوات المسلحة عن دورها فى حماية مصر وشعبها، وإن مصر لن تسقط، وإنها لكل المصريين وليست لمجموعة بعينها، وإن القوات المسلحة لن تسمح بذلك».
كانت تلك الكلمات تعنى موقفاً واضحاً من الجيش تجاه ما تشهده البلاد.. لقد أراد المشير طنطاوى أن يبعث برسالة للجميع، للأمريكيين وللرئيس ولجماعة الإخوان وللشعب المصرى، محتواها أن «الجيش لن يسمح لجماعة الإخوان بالسيطرة على مفاصل البلاد وفرض هيمنتها».
فى هذا الوقت، عقد مكتب إرشاد جماعة الإخوان اجتماعاً خاصاً لمناقشة دلالات هذا التصريح الذى أدلى به المشير وأبعاده، وخلصت المناقشات إلى ضرورة التحرك سريعاً لإلغاء الإعلان الدستورى المكمل، وهو أمر لن يتم إلا بإبعاد المشير طنطاوى ورئيس الأركان سامى عنان والقادة الأساسيين للجيش المصرى.. ولكن كان السؤال: كيف يتم ذلك؟ وما السند والمبرر لإقناع فئات كبيرة من الشعب المصرى لا تزال ترى أن الجيش هو عنصر التوازن وصمام الأمان فى مواجهة الرئيس وجماعة الإخوان؟!




«الوطن» تنشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى «الجيش والإخوان.. أسرار خلف الستار»
الجزء (2)
المصدر: الوطن المصرية
لم يتوقف الجدل حول الأسباب الحقيقية لإقالة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان، وعدد من قيادات القوات المسلحة، ودور الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى ذلك.
كانت هناك كثير من الحقائق غائبة عن المسرح، حاولت جماعة الإخوان استغلال الموقف لصالحها، روجت الكثير من الشائعات، والمعلومات المغلوطة، ثم إنها أرادت أن ترسخ فى ذهن العامة من الناس أن الرئيس هو الذى اختار بنفسه الفريق أول عبدالفتاح السيسى لمنصب وزير الدفاع، والفريق صدقى صبحى لمنصب رئيس هيئة الأركان.
كان الغرض من وراء ذلك إرهاب رموز مؤسسات الدولة المختلفة، الذين كانوا يعيشون صدمة تولى «عضو إخوانى» أعلى منصب تنفيذى فى البلاد، وكذلك تقديم الرئيس فى صورة «الرجل القوى» القادر على إصدار أصعب القرارات وأخطرها.
كان السؤال المطروح فى هذا الوقت: ماذا عن دور الفريق أول عبدالفتاح السيسى فيما جرى؟ وأين الحقيقة فى ضوء ما يتردد من معلومات متناقضة؟
إن الحقيقة هنا تؤكد أن العلاقة بين المشير طنطاوى والفريق أول عبدالفتاح السيسى لم تكن علاقة تقليدية، تخضع للمعايير المهنية والعسكرية فقط، بل كان المشير يعتبر السيسى «ابنه المفضل» داخل القوات المسلحة.
كان يثق فيه وفى إخلاصه وصدقه، منذ كان ضابطاً برتبة «مقدم» يتولى رئاسة فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع.
وعندما أسند المشير إليه رئاسة المخابرات الحربية فى أعقاب اختيار اللواء مراد موافى محافظاً لشمال سيناء، كان ذلك مؤشراً على الصعود السريع للواء «السيسى»، حتى بدا الأمر وكأن المشير يعده لمنصب مهم فى يوم ما.
ومع انطلاقة ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان اللواء السيسى هو الأقرب إلى المشير، يمده بالمعلومات والتقارير، ويضع أمامه دوماً تقدير الموقف بكل أمانة وموضوعية.
وقد لوحظ فى هذه الفترة وما تلاها أن المشير كان يلتقى دوماً فى مكتبه باللواء السيسى منفرداً ولساعات طوال، يستمع منه إلى رؤيته للموقف، وتحليل للمعلومات التى كانت تصل إلى المخابرات الحربية حول الأحداث التى شهدتها البلاد فى الفترة الانتقالية.
كان اللواء السيسى يحرص أيضاً على الحوار مع العديد من شباب الثورة والمثقفين والإعلاميين، ورموز الأحزاب والقوى السياسية، وكان يتواصل مع جميع القوى المجتمعية لمعرفة مواقفها فى الأحداث التى تمر بها البلاد.
وقد عقد فى مكتبه فى مبنى المخابرات الحربية عدة اجتماعات بحضور المشير طنطاوى والفريق سامى عنان مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ونائبه خيرت الشاطر، حيث دارت هذه اللقاءات جميعها حول الأزمات التى كانت تواجه المجلس العسكرى فى الفترة الانتقالية ودور الإخوان المسلمين فيها.
وكان الأستاذ والكاتب الكبير محمد حسنين هيكل يرى فى اللواء السيسى نموذجاً لقائد عسكرى منضبط ولديه رؤية وعمق ثقافى وقدرة على تحليل الوقائع والأحداث بشكل أثار إعجاب الأستاذ، الذى التقاه أكثر من مرة فى لقاءات متعددة.
عندما التقيت اللواء السيسى للمرة الأولى فى المجلس العسكرى ونقلت إليه وجهة نظر الأستاذ هيكل فيه، ابتسم بهدوء، وراح يثنى على الأستاذ ومواقفه.
وخلال جلسات الحوار التى جرت بين الأحزاب والمجلس العسكرى فى الفترة من 27 مارس وحتى النصف الأول من شهر يونيو 2012، كان موقعى دوماً فى الجلوس على مائدة الحوار إلى جواره، كان يتابع مجريات الحوار فى صمت، ولم يدلِ برأيه، وإن كان يسجل دوماً جميع الملاحظات التى تطرح فى جلسات الحوار.
فى الخامس عشر من أبريل 2012 عقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير حسين طنطاوى وبحضور عدد من قادته، اجتماعاً برؤساء الأحزاب السياسية الممثلة فى البرلمان، وعدد من النواب المستقلين، للتوصل إلى رؤية مشتركة لإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، بعد حكم محكمة القضاء الإدارى الذى قضى بحل الجمعية التأسيسية فى 10 أبريل 2012.
كان الدكتور محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة والمرشح الرئاسى «الاحتياطى»، حاضراً هذا اللقاء، وكانت الأزمة بين المجلس العسكرى والإخوان قد دخلت مرحلة جديدة من التصعيد، بعد اتهام الإخوان للمجلس بأنه يعد للتدخل وتزوير انتخابات الرئاسة لصالح أحد المرشحين العسكريين، بينما رد المجلس على هذه الاتهامات بالتذكير بأحداث 1954 بين الجيش والإخوان فى زمن عبدالناصر.
فى هذا الوقت، وقبيل بدء الاجتماع، كان هناك لقاء جانبى فى قاعة الاجتماعات بين الدكتور محمد مرسى والفريق سامى عنان لتصفية الأجواء، وقد حضرت جانباً منه، وفيه أبدى الفريق عنان تأكيده حيادية المجلس العسكرى إزاء جميع المرشحين للانتخابات الرئاسية.
وبعد انتهاء أعمال الاجتماع بين المجلس العسكرى والأحزاب وأثناء تناول غداء العمل بعد الاجتماع، طلبت من المشير طنطاوى ضرورة الجلوس مع د. محمد مرسى، والاستماع إلى وجهة نظره فيما يتعلق بالخلاف الناشب بين الإخوان والمجلس العسكرى.
قال لى المشير إنه مرتبط بموعد، وإنه سيغادر على الفور، وكلف اللواء محمد العصار واللواء ممدوح شاهين واللواء عبدالفتاح السيسى بعقد لقاء مع د. محمد مرسى، كما طلب منى ضرورة أن أحضر هذا اللقاء.
بدأ قادة الأحزاب ينصرفون بعد تناول الغداء مع المشير لحضور المؤتمر الصحفى الذى يعقد فى حديقة وزارة الدفاع المجاورة للمبنى، بهدف شرح الرؤية التى تم التوصل إليها للصحفيين والإعلاميين.
أبلغت الدكتور محمد مرسى بالاجتماع، كما أبلغ المشير طنطاوى القادة العسكريين الثلاثة بالحضور، والتقينا جميعاً فى غرفة الصالون الملحق بقاعة الاجتماعات الرئيسية بوزارة الدفاع.
بدأ اللقاء بكلمة منى عن الأزمة الراهنة وأسبابها، وقلت إن د. محمد مرسى يريد الحديث بكل صراحة حول هذا الموضوع، وإن هناك حرصاً منه وأيضاً من المجلس العسكرى على تفادى هذه الأزمة، بعدها على الفور استأذنت فى الانصراف تاركاً للحاضرين بحث أبعاد الأزمة وجهاً لوجه.
وبالفعل، بعد حوالى نصف الساعة جاء د. محمد مرسى إلى حيث يعقد المؤتمر الصحفى، وقد طُلب منه إلقاء كلمة على الحاضرين، وبعدها بدأنا نتجول معاً فى حديقة الوزارة بعيداً عن مكان عقد المؤتمر الصحفى، حيث أبلغنى د. مرسى بارتياحه لهذا اللقاء، وراح يثنى على المشير والفريق سامى وعلى القادة الثلاثة الذين حضروا هذا اللقاء.
يومها قلت للدكتور محمد مرسى إن المجلس العسكرى ليس لديه موقف، لا من الإخوان ولا من غيرهم، وإنه بالفعل يقف على مسافة واحدة من الجميع.
سألنى د. محمد مرسى: «وهل تعتقد أن المجلس العسكرى لن يتدخل فى الانتخابات لصالح أحد المرشحين العسكريين؟».
قلت له: «أنا واثق أن المشير لن يفعلها مهما كان الأمر».
قال: «وهل تثق أنهم سيسلمون السلطة فى الموعد لرئيس الجمهورية الذى سيجرى انتخابه؟».
قلت له: «نعم، وبكل تأكيد.. إننى أعرف أن المشير طنطاوى ورئيس الأركان سامى عنان ينتظران لحظة تسليم السلطة بفارغ الصبر».
استمر الحوار بيننا لبعض الوقت بينما نحن نتجول فى حديقة وزارة الدفاع، وتواعدنا بعد ذلك على استمرار الاتصالات.
وفى صباح اليوم التالى، كان الدكتور محمد مرسى يتصل بى ليشكرنى على النقل الأمين لوقائع كلمته خلال اجتماع المجلس العسكرى مع الأحزاب، وذلك فى البرنامج التليفزيونى الذى كنت أقدمه على قناة الحياة، ثم تواصل بيننا الحوار الذى كنا قد بدأناه فى أعقاب الاجتماع الأخير للمجلس العسكرى مع الأحزاب.
كان من الواضح من خلال كلام د. محمد مرسى أنه مرتاح إلى حد كبير لجلسة الأمس وللقادة العسكريين الثلاثة الذين التقى بهم، فقد أعرب عن تقديره لهم ولموقفهم فى رأب الصدع أكثر من مرة، كما أثنى على اللواء عبدالفتاح السيسى ورؤيته وعمق تفكيره وحرصه على تجاوز الأزمة.
فى شهر مايو 2012 وقبيل إجراء الانتخابات الرئاسية، عقد اجتماع مهم للمجلس العسكرى برئاسة المشير طنطاوى، كانت انتخابات الرئاسة على الأبواب، وفى هذا الاجتماع تحدث المشير مطولاً، وقال إن «المجلس العسكرى أدى دوره بكل أمانة وإخلاص، انحاز للثورة، وتحمل مسئولية الدفاع عنها، ورفض إطلاق رصاصة واحدة فى مواجهة المتظاهرين، لم يستجب لكل محاولات الابتزاز، وصمد فى مواجهة محاولة جر الجيش إلى الصدام مع الشعب»، وقال: «لقد تحملنا الكثير من الإهانات، لكن جيشنا العظيم كان مصمماً على أداء رسالته وإنجاز مهام المرحلة الانتقالية، وتسليم السلطة إلى رئيس منتخب».
وقال المشير بلغة حاسمة: «نحن مصممون على إجراء انتخابات نزيهة، لن يهمنا من الذى سيفوز، فكلهم مصريون، وكلهم وطنيون، وعلينا أن نرضخ لاختيار الشعب، لذلك علينا أن نفى بالعهد والوعد، وعلينا أن نتصدى لأى محاولة لتعطيل الانتخابات أو التدخل فيها».
وقال المشير: «بعد تسليم السلطة يجب علينا جميعاً، سواء أنا أو الفريق سامى أو كل المنضمين لعضوية المجلس الأعلى ممن هم فوق السن القانونية وتم استدعاؤهم وضمهم للمجلس للاستفادة من خبراتهم، أن ننهى دورنا، مع استمرار أعضاء المجلس الـ18 الأساسيين، بحيث سيجرى اختيار واحد من الأساسيين لمنصب وزير الدفاع، يكون شاباً وحريصاً على قواتنا المسلحة، ولدينا العديد ممن يصلحون لتولى هذا المنصب من بين أعضاء المجلس الأساسيين».
كان حديث المشير يشير إلى اللواء عبدالفتاح السيسى، أدرك الجميع نوايا المشير وعرفوا منذ ذلك الوقت أن اللواء السيسى سيكون هو المرشح لمنصب وزير الدفاع، وهو أمر لقى ترحيباً شديداً، وتم التعامل معه على هذا الأساس.
فى ذلك الوقت كان الفريق عبدالعزيز سيف الدين، قائد قوات الدفاع الجوى وعضو المجلس الأعلى، فى لقاء مع المستشار حاتم بجاتو، رئيس هيئة المفوضين بالمحكمة الدستورية، وعندما سأله المستشار بجاتو: من سيخلف المشير؟ قال الفريق عبدالعزيز: «لقد تلاقت إرادتنا فى المجلس العسكرى على اختيار اللواء عبدالفتاح السيسى حتى ولو دون إعلان».
كانت المعلومات قد وصلتنى من أكثر من مصدر، لقد قرر المشير تهيئة الأجواء لتولى اللواء السيسى مهام منصب وزير الدفاع فى الوقت المحدد.. وكان من رأى المشير أن الوقت المحدد لذلك هو بعد تسلم الرئيس لمهام السلطة فى 30 يونيو على الفور.
لم يبدِ الفريق سامى عنان رأياً فى ذلك الوقت، لقد سلم بما قاله المشير، فقد كان يريد هو الآخر أن يمضى بعد طول عناء وجهد كبير ومسئولية ظلت ملقاة على عاتقه إلى جانب الآخرين فى واحدة من أخطر مراحل التاريخ المعاصر.
وفى 14 يوليو 2012 اصطحب المشير طنطاوى معه إلى الجيش الثانى الميدانى أربعة من أعضاء المجلس العسكرى، وهم اللواء سامح صادق واللواء فؤاد عبدالحليم واللواء ممدوح عبدالحق واللواء إسماعيل عتمان.
وفى الطائرة طلب المشير من القادة الأربعة أن يكتب كل منهم فى ورقة خاصة اسم وزير الدفاع المقترح وكذلك رئيس الأركان، شريطة أن يتم استبعاد اسمه واسم الفريق سامى عنان.
فجاءت الإجابات الأربعة التى قرأها المشير من الأوراق التى تسلمها منهم لتجمع على اختيار اللواء عبدالفتاح السيسى، الذى كان مديراً للمخابرات الحربية فى ذلك الوقت، فى منصب وزير الدفاع، واللواء صدقى صبحى، الذى كان فى موقع قائد الجيش الثالث، فى منصب رئيس الأركان.
ابتسم المشير، وبدت عليه السعادة، وقال لهم: «وأنا أيضاً أرشح اللواء السيسى لمنصب وزير الدفاع، واللواء صدقى لمنصب رئيس الأركان، فهما من أكفأ القيادات وأكثرها قدرة على العطاء».
كنت أعرف أن المشير قد اتخذ قراره بترشيح اللواء عبدالفتاح السيسى لهذا المنصب، وعندما تردد أن المشير ينوى الاستقالة من منصبه سألنى الإعلامى عمرو أديب، مقدم برنامج القاهرة اليوم على قناة أوربت، قبل فتح باب الترشيح لانتخابات الرئاسة فى 8 من أبريل 2012: من البديل؟
قلت له على الفور: «إنه اللواء عبدالفتاح السيسى».
بعد هذا الاتصال مباشرة، اتصل بى الكثيرون يتساءلون عن مدى صدق هذه المعلومة ويبدون دهشتهم ويرجحون عدم مصداقية ما قلته، فقلت لهم: «الأيام بيننا».
فى الثلاثين من يونيو، وبعد أن سلم المشير طنطاوى السلطة إلى الرئيس محمد مرسى، كان المشير فى اليوم التالى يبلغ الرئيس أنه يرغب فى الاستقالة من منصبه، وترشيح اللواء عبدالفتاح السيسى الذى كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية والاستطلاع بدلاً منه.
لم يعترض الرئيس مرسى على اسم اللواء عبدالفتاح السيسى، لكنه طلب من المشير الاستمرار فى مهام منصبه لحين إعداد الدستور وإجراء انتخابات مجلس الشعب المقبل.
فى ذلك الوقت عقد اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد طالب العديد من أعضاء المجلس المشير بالتراجع عن التفكير فى تقديم الاستقالة، وانتظار تطورات الأحداث، غير أن هناك من كان يرى ضرورة التعجيل بها، وكان فى مقدمة هؤلاء الفريق عبدالعزيز سيف الدين، قائد قوات الدفاع الجوى، واللواء محمود نصر، عضو المجلس للشئون المالية.
وقد جرى الاتفاق فى ذلك الوقت على استمرار المجلس العسكرى فى أداء رسالته لحين الانتهاء من وضع الدستور وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، على أن تسلم السلطة إلى مجلس الشعب فى ظل دستور توافقى تتولى القوات المسلحة متابعة الانتهاء منه وفقاً للموعد الذى حدده الإعلان الدستورى المكمل.
ظل المشير طنطاوى يتردد على مكتبه فى وزارة الدفاع بعد قرار إقالته لعدة أيام، وكان الفريق أول عبدالفتاح السيسى يدير أعمال الوزارة من مبنى المخابرات الحربية، تاركاً الفرصة كاملة للمشير طنطاوى فى الذهاب إلى مكتبه لأى وقت يريد.
أما الفريق سامى عنان فقد ذهب فى اليوم التالى إلى مكتبه مرتدياً ملابسه المدنية، لملم أوراقه، وجلس مع الفريق صدقى صبحى، رئيس الأركان لمدة ثلاث ساعات لإطلاعه على جميع الملفات وإدارة العمل داخل الوزارة.
كان الفريق أول السيسى يكن كل الاحترام للمشير طنطاوى، وكان المشير قد فاتحه بأمر الترشيح قبل ذلك، وقال له: «استعد، أنت من سيتولى مسئولية الجيش المصرى من بعد».
وقبيل الثانى عشر من أغسطس2012، يوم الانقلاب الأبيض، كان الإعلامى د. توفيق عكاشة قد حذر على شاشة قناة الفراعين من أن هناك انقلاباً سيقوم به الرئيس مرسى خلال أيام معدودة، وراح يقدم معلومات قال فيها إن اللواء عبدالفتاح السيسى ينتمى إلى أسرة إخوانية، وإن عمه هو الأستاذ عباس السيسى عضو مكتب الإرشاد السابق بجماعة الإخوان.
وقد أثارت هذه المعلومات حالة من الجدل الشديد، واتصل بى فى هذا الوقت اللواء عباس مخيمر، أحد كبار ضباط المخابرات الحربية، منفعلاً ومؤكداً أن هذه المعلومات غير صحيحة ولا أساس لها وأن هدفها قطع الطريق أمام اللواء عبدالفتاح السيسى.
يومها قلت له: «من المؤكد أن الإعلامى توفيق عكاشة سوف يراجع موقفه إذا ما ظهرت له الحقيقة، وهو ما حدث بالفعل فى اليوم التالى».
مضت الأيام، وعندما التقيت المشير طنطاوى والفريق سامى عنان بعد قرار إقالتهما من منصبيهما، وجدت ارتياحاً كبيراً منهما لتولى الفريق أول السيسى منصب وزير الدفاع والفريق صدقى صبحى منصب رئيس الأركان.. قال لى الفريق عنان: «هذه سيمفونية تواصل الأجيال بين رجال الجيش الشرفاء، والفريق أول السيسى هو عنوان للالتزام والانضباط والكفاءة والوطنية».