Aburas
2013-04-29, 10:14 AM
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.giffile:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif
في هــــــــــذا الملف:
«الكونفدرالية» تعني سقوط النظام
بقلم: عمر عياصرة عن السبيل الأردنية
وكالة الأونروا وكواليس الدبلوماسية السرية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
شيخ الأسرى الفلسطينيين… أغرب من الخيال!
بقلم: فايز رشيد (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
جون كيري والإخوان.. اللف والدوران
بقلم: يحيى مصطفى كامل(كاتب مصري) عن القدس العربي
«مقاومة» في المعادلة العربية
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
«مقاومة» و«ممانعة».. في خدمة «مشروع الشرق الأوسط الجديد»
بقلم: إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
أردوغان الذي يصارع على أكثر من جبهة
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
كلمة الرياض: سوريا.. هل تكون قاعدة حرب سنية.. شيعية؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
صواريخ إيلات و”قبة الأوهام” الحديدية
بقلم: مأمون الحسيني عن الخليج الاماراتية
تخندق أردني ـ إسرائيلي
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
حول الطائفية و"الاخوان المسلمين" والثورة
بقلم: غسان المفلح عن السياسة الكويتية
«الكونفدرالية» تعني سقوط النظام
بقلم: عمر عياصرة عن السبيل الأردنية
من المؤكد أن لقاءات الملك في واشنطن (أوباما، الكونغرس، منظمات يهودية) ستتناول ملف التسوية وعودة المفاوضات التي من المؤكد أن عمان ستكون المكان المناسب لها.
في هذه الأثناء نلاحظ أن جون كيري وزير الخارجية الامريكي «ماخذ راحته» جداً بالحديث عن «الكونفدرالية» كمشروع حل يغطي به فشل مقاربة حل الدولتين.
الملك معني جداً بإفهام الامريكيين أن طرح «الكونفدرالية»، أو مجرد البحث عن علاقة وحدية مع الضفة الغربية في هذا التوقيت هو كانتحار للنظام السياسي الأردني.
الاردنيون اليوم يقلقهم هذا الأمر بشكل واضح، وما يزيد من منسوب توترهم أنه يأتي في ظرف دقيق تمر به البلد، سواء من ناحية اقتصادية او سياسية.
ما يجب أن يفهمه الأمريكيون من الملك تحديدا (من راس النبع) أن قرار «الكونفدرالية» لا يمكن أن يتخذ في الغرف المغلقة، ولا يمكن أن يمر هكذا ككل ما كان سابقاً.
أبو مازن ومنيب المصري وعبد السلام المجالي وغيرهم من عرابي «الكونفدرالية» او (ملك لحكومتين) كلهم لا يدركون دقة اللحظة، فما تزال تعشعش في أذهانهم لحظات «وادي عربة» ومرورها السلس، فظنوا أن الكرة قد تعاد.
هؤلاء لا يدركون أن منسوب الوعي الشعبي الوطني وبنيته وردود فعله قد تغير، الاردنيون لن يمرروا مشروعا مشبوها يسعى لضرب هُويتنا الوطنية من ناحية، وتقديم القرابين على حساب فلسطين ولمصلحة امريكا و«اسرائيل».,, نعم، نحن نعيش اصعب ضائقة اقتصادية في تاريخنا السياسي والاجتماعي، لكننا لن ننتحر كي لا نجوع، ولن نموت ولن نأكل بثديينا.
الملك مطالب مرة أخرى بإعمال النظر في تداعيات أي قرار يذهب بنا لصيغة وحدية مهما كان اسمها، تحل بها مشاكل «اسرائيل»، وتضرب الاندماج الاجتماعي هنا في عمان دون رأفة ولا انتظار.
نعم، أنا وكل الاردنيين قلقون، هناك ضغط اقتصادي، وهناك مطبخ ما نزال نبحث في زواريبه عن بعد وطني فلا نجد، وهناك امريكا تبتز، ونخشى أن ينتحر المطبخ بقرارات رعناء.,,, يجب إغلاق ملف «الكونفدرالية» حالاً ودون تردد، وهذا الطي للملف لا يكون بمجرد تصريحات، فقد شبعنا منها كثيرا.
الحل هو بنقل الملف إلى الارادة الشعبية، ووضعنا بصورة تطوراته وضغوطاته وابتزازاته؛ فقد استبد بنا القلق، وبتنا نخشى على اندماجنا الاجتماعي، لكننا نحذر من أن «الكونفدرالية» وفق منطق كيري وأبو مازن هي معادل موضوعي لسقوط النظام.
وكالة الأونروا وكواليس الدبلوماسية السرية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
تُشير العديد من المعطيات المتوفرة إلى أن مصيراً جديداً تُحاول الولايات المتحدة وإسرائيل صناعته لإنهاء عمل وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى والمعروفة تحت مسمى وكالة (الأونروا)، وإحالتها للتقاعد، وتحويل مهام عملها للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين (سوريا، لبنان، الأردن) إضافة للسلطة الفلسطينية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
المعطيات المتوفرة لم تتأت من فراغ، بل جاءت في سياقات طويلة من العمل الدؤوب منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ إنطلاقة تسوية مدريد عام 1991، لإنهاء عمل الوكالة بما تحمله من معنى ورمزية تتعلق بجوهر القضية الفلسطينية المتمثل بقضية اللاجئين والإقتلاع القومي للشعب العربي الفلسطيني من فوق أرض وطنه التاريخي وأقامة الدولة العبرية الصهيونية. فالجهود التي بذلت ومازالت تبذل من قبل بعض الأطراف الدولية النافذة داخل كواليس الدبلوماسية السرية ليس معزولاً عن الأزمات التي أمست منذ أكثر من عقد من الزمن تحيط بوكالة الأونروا بعد تراجع خدماتها المقدمة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وبعد الجفاف المتواصل في إيراداتها المالية من الدول المانحة، فالولايات المتحدة الأميركية تعمل منذ عقد ونيف من الزمن على تمرير القرارات التي تفتح الطريق أمام إنهاء عمل الوكالة وإحالتها على التقاعد، بينما يتمسك ببقائها واستمرارها العالم بأسره نظراً لما تحمله من دلالات قاطعة تتعلق بحق العودة وحقوق اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار إنشائها في الثامن من ديسمبر 1949 وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) وهو القرار الذي ربط بين إنهاء عمل الوكالة والحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس عودتهم إلى أوطانهم الأصلية في فلسطين المحتلة.
وقبل أيام خلت، كان وزير الخارجية الكندي (جون بيرد) في فلسطين المحتلة، في زيارة خاصة، قِيلَ بأن الهدف الأساسي منها كان البحث بإمكانية إستيعاب كندا لنحو مائتي ألف لاجىء فلسطيني جلهم من فلسطينيي سوريا، وقد اجتمع مع عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ووزير الحرب الجنرال موشيه يعلون، ووزير التجارة والصناعة نفتالي بينيت، ورئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أفيغدور ليبرمان وكان من بينهم أيضاً الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي قال للصحافيين في ختام لقائه مع الوزير الكندي «إن كندا تستطيع المساهمة بشكل كبير في عملية السلام، وخاصة في حل قضية اللاجئين، فكندا أبدت في الماضي ترحيباً باستيعاب نحو 521 ألف لاجئ فلسطيني على أراضيها، يمنحون الجنسية الكندية ويعيشون فيها إلى الأبد، فهي بذلك تنقذ هؤلاء اللاجئين من معاناتهم الرهيبة في مخيمات اللاجئين وتساعد على إنجاح الحل الواقعي لقضية اللاجئين بألا يعودوا إلى إسرائيل».
وعليه، إن زيارة الوزير الكندي لإسرائيل وتصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز تذهب بالإتجاه الذي أوردناه، وهو إتجاه المساعي الأميركية ــ الإسرائيلية لإنهاء وشطب عمل وكالة الأونروا، سعياً وراء إنهاء المعاني والرمزية التي تَحمِلُها ووأد قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تُشكل لب القضية الفلسطينية، فأكثر من (70 %) من أبناء الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين الذين تم إقتلاعهم من فوق ترابهم الوطني في فلسطين المحتلة عام 1948 إبان النكبة الكبرى.
كما علينا في هذا الجانب أن نورد عدداً من المعطيات الهامة التي تؤكد بأن مخاطر إنهاء عمل الوكالة جاثمة، وأن على النظام الرسمي العربي التحرك من اجل مواجهة عملية تصفية وكالة الأونروا وإنها مهام عملها. وبعض المعطيات التي نود إيرادها هي :
أولاً : تقدّم قبل فترة عدة سنوات في مجلس الشيوخ الأميركي، النواب : الجمهوريان نورم كولمان ولوت ترنت، والديمقراطيان ريتشارد دوربن وفرانك لوتنبرغ، بمشروع قرار، إلى مجلس الشيوخ، حول اللاجئين في «الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا»، يركزون فيه على فكرة «للاجئين الفلسطينيين حقوق… وهناك لاجئون يهود… لهم الحقوق ذاتها أيضا»، وتكمن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في التوطين والمساواة حيث هم، في ظل عملية التبادل السكاني التي حصلت بين يهود البلدان العربية الذين هاجروا إلى إسرائيل وبين اللاجئين الفلسطينيين الذين حلوا في البلدان العربية، وعليه يقترح النواب الأربعة، إعتبار مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بديلاً لعمل وكالة الأونروا.
ثانياً: وفي ظاهرة خطيرة، تحدث ولأول مرة منذ تأسيس الوكالة عام 1949، قامت الوكالة قبل عام مضى بشطب أسماء (168940) لاجئا فلسطينيا مسجلا في سجلاتها (فقد تم شطب إسم 19219 لاجئا من لبنان، ومن سوريا 9024 لاجئاً، ومن الأردن 19886 لاجئا، ومن غزة 211 لاجئا، ومن الضفة 121023 لاجئا) وقد تراجعت الوكالة عن ذلك بعد الحملة السياسية والدبلوماسية التي تم فيها مواجهة بعض الأطراف المتنفذة والتي تأتمر بأوامر أميركية خارج نطاق مرجعية الوكالة المتمثلة بالأمم المتحدة.
ثالثاً : قُدم مشروع قانون لمجلس الشيوخ الأميركي من قبل السيناتور الجمهوري (مارك كيرك) الذي يعتبر أحد المؤيدين المركزيين لإسرائيل في واشنطن والذي طالب الإدارة الأميركية بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين وتفسير إرتفاع عددهم من (750) ألف لاجئ في عام 1950 إلى خمسة ملايين لاجئ اليوم على الرغم من وفاة عدد كبير من هؤلاء الذين هجروا من ديارهم. لكن وبعد حملة سياسية عربية وفلسطينية ناجحة عادت الخارجية الأميركية وقالت «إن الولايات المتحدة تعترف بوجود خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وأنها تتبنى قرار الأونروا بشأن حق أنسال اللاجئين بمكانة لاجئ» وأن «هذا التعديل يعتبر تدخلاً في موضوع يجب أن يتم حله في المفاوضات».
رابعاً: إقرار مجلس الشيوخ الأميركي قبل عدة أشهر قراراً يقضي بإعادة النظر في حجم التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة (الأونروا) والتي تؤكد في تعريف نفسها «إنها ستواصل العمل على تقديم المساعدات للاجئين حتى إيجاد حل لقضيتهم». فقد صادقت لجنة الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ (26/05/2012)، على تعديل صغير في قانون المساعدات الخارجية وتقليص الدعم الأميركي للأونروا، فالولايات المتحدة تقوم سنوياً بتحويل مبلغ (250) مليون دولار للأونروا.
أخيراً، إن الجهد العربي والدولي مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى للمحافظة على عمل وكالة الأونروا واستمرارها إلى حين تحقيق عودة كل اللاجئين الفلسطينيين طبقاً لقرار إنشائها. وفي هذا السياق تُشكر دولة الكويت على الدفعة الأخيرة من المساعدات التي قدمتها قبل أيام دعماً لبرامج عمل الوكالة داخل أوساط فلسطينيي سوريا، وبقيمة (15) مليون دولار وذلك من أصل مجموع تبرعها البالغ (300) مليون دولار للأمم المتحدة.
شيخ الأسرى الفلسطينيين… أغرب من الخيال!
بقلم: فايز رشيد (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
أكثر من 42 عاماً (أغلبها) قضاها في زنزانة منفردة، وكأنه خارج حدود الزمن والتاريخ، لا يسمع ولا يكلّم غير سجّانيه، زنزانة منفردة، رطبة، عتيقة، لا يتصل بأحد ولا يزوره أحد. فعلياً هو في غياهب النسيان. معزول، لا يسمع أخباراً ولا يقرأ صحيفةً، فقط بين يديه القرآن الكريم الذي صاحبه طوال فترة سجنه.
أكثر من 42 عاماً وهو بين أيدي الجلادين، يدفعون إليه بوجبات طعام لا يسمن ولا يُغني من جوع. تتوالى النهارات والليالي عليه مغموسةً بالوحدة والوحشة والابتعاد عن أي مظهر حياتي. ما يشعره بالكون هو سجّانه فقط، كان يتغير هو الآخر بين الفينة والأخرى! لا نكتب روايةً خيالية. إنها قصة سجين فلسطيني اسمه، الشيخ حسن اللاوي من القرية الفلسطينية ‘كفر اللبد’. انهى علومه في كلية العلوم بنابلس في أوائل الثلاثينيات. عمل مدرسا وإماماً متنقلاً بين العديد من قرى وبلدات فلسطين وشرق الأردن. استقر به المطاف أثناء ثورة عام 1936 في المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف.
حين كان في المسجد، اقتحم ضابطان وبعض الجنود الإنكليز، الحرم الشريف، جاءوا يبحثون عن الثوار. استباحوا الحرم الطاهر، لم يحتمل الشيخ حسن المنظر، استفزّه البريطانيون، بحث عن سلاح فلم يجد تحت يديه سوى خنجر، تناوله وطعن به ضابطاً بريطانياً من المهاجمين. اعتقله الجنود، حوكم.. كان ذلك في عام 1939 حكم عليه بالإعدام وأودع سجن عكا في المنطقة التي احتلت في عام 1948، بسبب مكانته الدينية والعلمية تدخل مفتي القدس وشيوخ وأئمة مساجد فلسطين وخُفف عنه الحكم إلى السجن مدى الحياة. الشيخ حسن كان متزوجاً وله ابن وابنة صغيران. ما لبثت أن ماتت طفلته في العام التالي لاعتقاله، ثم ماتت زوجته. بقى ابنه الذي التحق بعائلة عمّه. كان له من العمر أربع سنوات. كان اقرباؤه يزورونه في السجن حتى حدوث النكبة واحتلال الجزء الأكبر من فلسطين في عام 1948. غادرت عائلة شقيقه ومعها غازي (ابن الشيخ حسن) بعد أن جرى تهجيرها مثل ثلاثة أرباع مليون فلسطيني، أُجبروا على الفرار والهجرة بفعل العصابات الصهيونية الإرهابية، أثناء حملات التطهير العرقي الصهيوني للفلسطينيين. استقر المقام بالعائلة في الأردن، لم يعرف أقرباؤه، هل تم إطلاق سراح الشيخ حسن أم أنه مات؟ أو جرى قتله في السجن! أو أن البريطانيين قاموا بترحليه معهم وأودعوه سجناً في بريطانيا؟
قدّموا طلبات كثيرة للصليب الأحمر الدولي في الأردن، ولكن ما من جواب. أنكرته سلطات الاحتلال الصهيوني.
الشيخ حسن في زنزانته لم يعرف شيئاً عن اغتصاب فلسطين ولا عن أحداثها. افتقد أهله، اعتقد أنهم ماتوا جميعاً، فلسنوات طويلة لم يقم أحد بزيارته.
بقي الأمر هكذا حتى عام 1967 حين قام الكيان الصهيوني باحتلال باقي الأرض الفلسطينية وسيناء والجولان ومناطق من جنوب لبنان. كبر الابن قام بزيارة إلى اقرباء بعيدين له في الضفة الغربية. تقصّى الأخبار عن والده، عرف من إحدى العمات البعيدات، أنه في سجن عكا، وهي حاولت زيارة الشيخ، لكن سلطات الاحتلال لم تسمح لها، بسبب قرابتها البعيدة للشيخ. ذهب الابن إلى عكا، وكان سجن عكا قد تم هدمه، أخبروه أن والده موجود في ملجأ للعجزة في منطقة (برديس حنا) قرب الخضيرة. تعب كثيرا حتى وجد الملجأ، وبعد جهود مضنية، سمحوا له بزيارة والده. يقول الابن عن أبيه: عندما قابلته، ذهلت، فقد وقع بصري على شيخ طاعن في السن، تغطي وجهه وصدره لحية بيضاء طويلة. لقد بدا والدي وقتها كرجل قادم من عالم آخر بملابسه الممزقة والمرقعة. نظر إليّ ولم يعرفني. عذرته، فقد فارقني وعمري 4 سنوات. قلت له أنا ابنك الوحيد غازي… أشاح بوجهه عني بعيداً، ولم يصدق أنني ابنه! ثم كيف يتعرف علي وهو يعتقد أنني – أنا وأقاربه- قد تركناه طوال هذه السنين، من دون أن نسأل عنه أو نزوره. ويستطرد الابن، مما زاد في آلامي أنني لم أكن أستطع أن أفعل له شيئاً وهو يعيش بين المعتوهين والمعقدين، لا سيما أنني أعلم أنه لا يعاني من أي شيء في عقله أو جسده.
طلب الابن من إدارة الملجأ تسليم أبيه له، رفضت وادّعت أن الأب هو من مسؤولية وزارة الداخلية الإسرائيلية ولا بد من أخذ موافقتها. أوكل الابن الأمر إلى محام من منطقة عام 1948. واستمرت المماطلة منذ عام 1967- 1983 ففي عام 1983 وافقت إسرائيل على إطلاق سراح الأب شريطة مغادرته إلى الخارج. لم تُعطه هوية أو إثباتا يفيد بأنه حي ومن فلسطين. إسرائيل أجبرت الابن غازي على التوقيع بأنه المسؤول مسؤولية تامة عن مصير والده. لقد أُطلق سراح الشيخ حسن، وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت. لم تشأ إسرائيل أن يموت لديها، وإلا لم تكن لتوافق على إطلاق سراحه. تركوه: شيخاً هرماً، عليلاً بأمراض عدّة. تركوه شبه إنسان جاء من اعماق الماضي السحيق. لم يرحموا شيخوخته وقصته المأساوية. جاء الشيخ إلى الأردن، سكن في بيت ابنه غازي وقد أصبح له سبعة ابناء وبنات. لم يتفاعل الشيخ مع عائلة ابنه ولا مع الناس، وكأنه يعيش في الوهم. كان الابن قبل قدومهما إلى الأردن قد اصطحبه لزيارة قريته كفر اللبد، لم يتعرف عليها أو على أحدٍ منها. اصطحبه الابن إلى القدس وإلى الحرم القدسي لعله يستعيد بعضا من ذاكرته! لم يتعرف على الحرم وأنكر أن هذه المدينة هي بيت المقدس. عاش الأب ثلاثة شهور فقط ثم مات. لقد عاش وحيداً ومات وحيداً.
هذه هي مأساة مناضل وأسير فلسطيني، لو جرى كتابة رواية بهذا المضمون، لاعتقد القارئ بأنها رواية خيالية، لكن ما كتبناه جزء يسير من معاناة ومأساة هذا المناضل الوطني الفلسطيني. لو أن الأحداث التي مرّ بها، عاشها إنسان يهودي أو أمريكي أو غربي عموماً، لرأيناها رواية مكتوبة ومترجمة إلى كل اللغات، ولشاهدناها فيلماً سينمائياً ومسلسلاً تلفزيونياً، ولما بقي مطلق إنسان على وجه البسيطة لا يعرف ما حصل مع صاحبها.
منذ ما يقارب القرن، يعاني الفلسطيني عذاباتٍ مريرة، لربما أشد معاناة مماعاشه الشيخ حسن. لكن المعاناة الفلسطينية تظل للأسف في وسطها المحدود. مناضل يُسجن في عهدين: بريطاني وصهيوني. تنكره إسرائيل (الدولة الديمقراطية التي تحافظ على حقوق الإنسان! كما يدّعي الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة).
قصة هذا المناضل البطل جاءت إليّ في وقتها، في يوم الأسير الفلسطيني في 17 نيسان/ إبريل الحالي، علّها تكون مدخلاً من أجل الحرص على الاطلاع على أوضاع ما يقارب الخمسة آلاف سجين وسجينة من الفلسطينيين، بينهم الشيوخ والمرضى والأطفال والنساء ومن بينهن الحوامل. ما يزيد عن الخمسين أسيراً يعانون من مرضى السرطان، ومنذ عام 1967 استشهد 207 أسرى من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، منهم من جرى قتله على أيدي المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) ومنهم من توفي نتيجة الإهمال في العلاج وآخرهم الشهيد ميسرة أبو حمدية.
أبطالنا في الأسر بإراداتهم الصلبة وبعنفوانهم وإبائهم وفلسطينيتهم المزروعة عميقاً في عقولهم، ينتصرون على الجلاّدين الصهانية من السجّانين، لم يستطيع هؤلاء هزم الإرادة لديهم، يخرجون من السجن وهم أكثر التصاقاً بوطنهم الأصيل وأرضهم الطيبة الحانية، يخرجون أشد انتماء، لقضيتهم الوطنية ولحقوق شعبهم ولوطنهم العربي الكبير. ما من سلاح بين أيديهم سوى الإضراب، وها هو سامر العيساوي يتجاوز في إضرابه عن الطعام التسعة أشهر.
الجلاّد الصهيوني تفوق على النازية في أساليبه التي يقترفها ضد أسرانا، لكن مهما عذّبوا أسرانا الأبطال، سيظلون فلسطينيين: يخـــــتزلون وطنهم أنفاساً دافئة في صدورهم وحقيقةً جميلة في قلوبهم، ومعنى خالداً في عقولهم، وتاريخا عريقا يسري في دمائهـــــم. نعم …انهم فلسطينيون. كل التحــــية لذكرى شـــيخ الأسرى الشيخ حسن اللاوي ولكل أسرانا في المعتقلات والسجون الصهيونية.
جون كيري والإخوان.. اللف والدوران
بقلم: يحيى مصطفى كامل(كاتب مصري) عن القدس العربي
يوماً بعد يوم تنحسر مساحة ما يمكن أن يقال تعليقاً على مجريات الأوضاع في مصر، ليس لأن شيئاً، بل قل أشياء لا تحدث فهي متوفرة، كارثية ومضحكة في آنٍ معاً والحمد لله، ولكن لأنها مكررة تؤكد بمزيدٍ من الدلالة والإيضاح كل ما قيل وأعيد عن الاستعصاء والفشل، اللذين باتا يشكلان السمة الأبرز والألصق بهذا النظام، كما أنها لا تعدو كونها خطوات متعثرة على طريق مشروع ‘التمكين’، تلك الكلمة – المشروع التي ابتذلت من كثرة تكرارها، على الرغم من كونها موجودة وحقيقية.
لكن الجديد الآن هو تصريحات أو ‘تقييم’ جون كيري عن مصر في جلسة الاستماع في الكونغرس، وما تزامن معها تقريباً على المستوى الداخلي من معارك القضاء المخيفة التي انتهت باستقالة وزير العدل، وذلك النمط الذي تكرس في أسلوب الصراع بين ‘فرقاء’ الوطن.
فيما يخص كيري، فالحقيقية أن الرجل، كثر الله خيره، لم يقصر، فقد لخص وأوضح مؤكداً كل تحليلاتنا وقراءاتنا في ردود الفعل الأمريكية إبان تفجر الغضب الشعبي في 25 يناير؛ فليس من شكٍ بتاتاً أن أمريكا فوجئت بذلك الحراك الشعبي، وأن المفاجأة لم تكن سارة، خاصةً حين تكشف مدى ضعف وتهافت نظام مبارك المتهالك تحت وطأة شيخوخةٍ نخرة، وبالتالي سوء تقدير أمريكا للوضع الداخلي في مصر، وما قد ينم عنه ذلك أو يُقرأ من خلال السطور عن سوء أداء أو تقدير أجهزة استخباراتها، التي تهدي صانع القرار الأمريكي، لكن كدولةٍ عظمى وكبيرة بحق، تصرفت الولايات المتحدة ببراغماتية ومرونة تسعى لحماية مصالحها وسمحت، أو لنكن أدق أصرت على التخلص من مبارك، تلك الورقة المحروقة.
ومن نفس المنطلق شرعت تعقد تحالفاتٍ مع القوى على الأرض، وهي على أية حال لم تكن تبدأ من الصفر، فهي تربطها علاقةٌ قديمة مع المؤسسة العسكرية (أشار إليها كيري بثلاثة عقود من التنسيق والتعاون) والإخوان الذي التقوا بهم من قبل وحرصوا على وجود قنوات اتصالٍ بهم. بواقعية محترفي السياسة قبلت الولايات المتحدة بصعود الإخوان المسلمين نظراً لإدراكها انهم الفصيل الأفضل تنظيماً على الارض (على الأقل حينذاك) وكونهم من الناحية الفعلية، وخلف الرطانة الأيديولوجية، يتطابقون مع مبارك في كل انحيازاته الاجتماعية السياسية، وبالتالي فهم الأكثر يمينيةً واقتراباً من الولايات المتحدة… قد لا تستسيغ الإدارة الأمريكية تلك الصبغة الإسلاموية، خاصةً حين تصدر تصريحاتٌ عنصرية ومعادية ضد اليهود من شخصٍ كرئيس الدولة، إلا أنها وفي سياق تطميناتٍ وتعهداتٍ موثقةٍ بالالتزام باتفاقية السلام وبأمن الدولة العبرية، لا تتعامل معها الا على انها ليس أكثر من ‘طق حنك’ أو’فضفضة’، الغرض منها الفرقعة الإعلامية التي اعتادتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قادة وساسة بلداننا الذين دأبوا على لعن أمريكا وشجبها والتنديد بها جهاراً نهاراً، وتقبيل الأيادي ليلاً وسراً.
الجديد حقاً في تصريحات السيد كيري هو ذلك التعبير عن نفاد الصبر واليأس من مقدرة د. مرسي (والجماعة من ورائه) على الارتقاء إلى مستوى تفهم الواقع، الذي ما يني يزداد تعقيداً ويؤذن بالانفجار ومحاولة الخروج من خندق تصوراتهم الأحادية اللون والاقصائية، والانخراط في حوارٍ حقيقي وجاد مع الفصائل الثورية الأخرى للعبور بالبلاد من هذا المأزق.
غنيٌ عن الذكر أننا لسنا من السذاجة بمكان لكي نتصور أن السيد كيري وحكومته يصدران عن اهتمامٍ حقيقي بشعب مصر وحرصٍ على وحدتنا الوطنية، فمصالح الولايات المتحدة تقتضي أن تظل مصر متماسكة… لن أقول قوية ومستقلة، وإلا كنت متجاوزاً على جوهر السياسة الأمريكية الاستعمارية – الجديدة ومكانة إسرئيل المحورية منها، وإنما فقط متماسكة من منطلق حرص أمريكا على استقرار المنطقة وأمن الدولة العبرية واستمرار تدفق النفط ، وإدراك أمريكا (الذي لا شك يفوق إدراك الجماعة ) أن الانفجار، الذي ذكرنا عرضاً إذا جاء فلا يستطيع أحدٌ كائناً من كان التنبؤ إلام سيؤدي، ووحده الله يعلم من سيسقط وأي واقعٍ سيفرز… وعلى الأغلب سيعادي أمريكا بطبائع الأمور والمزاج العام السائد بين الشعب وكثيرٍ من ‘النخب’ السياسية على حد سواء… ويا لها من مفارقةٍ مضحكةٍ تلك: الإدارة الأمريكية اتسمت بالمرونة وقبلت بالإسلاميين، بينما اتسموا هم بالجمود وانعزلوا عن فصائل تمثل قطاعاتٍ عديدة في شعبهم.
الأهم في رأيي من تعليقه على الحكومة وأبعد خطراً، هو إثناء السيد كيري ومديحه المفرط وإشادته حد الغزل بالمؤسسة العسكرية وأدائها، فالرجل يحدثنا عن انضباطهم وفضلهم في الحفاظ على وحدة البلاد ووفائهم بالتزاماتهم الخ..
ليس ذلك فحسب، بل إنه يعزو ذلك أو يؤكد الدور المحوري للتقارب أو الشراكة في صورة دوراتٍ تدريبية ومساعداتٍ فنية وتنسيقٍ أمني وما أشبه، بين المؤسسة العسكرية المصرية ومثيلتها في الولايات المتحدة على كل المستويات والرتب طيلة الثلاثة عقودٍ الماضية، منذ توقيع اتفاقية السلام المسخ المنكودة، فضلاً عن تأكيده المشيد بدورهم عبر الاتصال المباشر مع نظيرهم الإسرائيلي في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود.
كلامٌ مزعج جداً، وهذا أقل ما يوصف به، والمشكلة لا تكمن في كشفه وتقييمه لطبيعة دور القوات المسلحة منذ الأيام الأولى للثورة وحتى الآن، فذلك لا يدهشنا، وإنما هي التساؤلات عمن يأمر ويحرك، بالإضـــــافة إلى الاعتراف الضــــمني الذي يشــارف الصراحة بوجود سلطتين في البلد، الأولى مدنية منتخــــبة، منزوعة الدسم وربما عديمة كل الصلاحيات، يئست الإدارة الأمريكية من إمكان صلاحها ومواكبتها للتطورات وارتقائها لمستوى الأحداث، والأخرى عسكرية منضبطة وفعالة، مرتبطة عضوياً بشكلٍ مزعج ومقلق مع الولايات المتحدة، ويمكن التعويل والاعتماد عليها. والحديث في مجمله يستدعي إلى الأذهان لا محالة النموذج التركي السابق الشهير حيث اضطلع الجيش بمهمة ‘حامي العلمانية’، أي محرك الدمى والرقيب على الساسة، الذي كان يتدخل كل عشرة سنين تقريباً بانقلاب، الأمر الذي يضفي على الواقع ظلالا كئيبة فوق كآبته الأصلية.
في المقابل، نرى الجماعة منساقةً في مشروعها من دون محاولة التوقف لإعادة التقييم والاستدراك أمام وضعٍ يزداد ترديه بصورة يومية على جميع الصعد، أمنياً واقتصادياً وتفسخاً اجتماعياً، وما معركتهم الأخيرة ضد القضاة سوى خطوةٍ أخرى على طريق التمكين. لست ممن يؤمنون بقدسية القضاة وطهرانيتهم، فهذا من قبيل الهراء الذي يخرج عن السياق الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن الفساد (بفرض أن المقصود هو التطهير) لا يقاس بالسن…هي كلمة حق يراد بها باطل والمقصود تفكيك أي مؤسسة قادرة على الحفاظ بقدرٍ ولو ضئيل من الاستقلالية عن النظام (وهو ما أثبتته تاريخياً في أمثلةٍ عديدة ليس هنا المجال لذكرها) والوقوف عقبةً في وجه مساعي السيطرة والاستحواذ.
في خلفية هذا المشهد، تدور معارك شبه يومية بين أنصار الجماعة ومعارضيهم، حرب شوارع صغيرة ومعارك كر وفر ترسخ الفوضى وتبتذل معاني العنف والدم والقتل.
إن مصر تتمزق وتنهار أمام أعيننا، والنظام ماضٍ في عناده ومكابرته وتعاميه عن الواقع، فالوضع غبي يجمع بين تناقضات عجيبة، من ناحية هناك تبلد النظام وهناك سخونة الشارع.. الكل ينتظر شيئاً ما يحسم تلك الحال من انعدام الاستقرار وفشل الدولة؛ المشكلة أن أحداً لا يملك تلك القوة، باستثناء المؤسسة العسكرية نظرياً.
وفي ضوء تصريحات السيد كيري (وما قد تشير إليه من ضوءٍ أخضرٍ وشيك…) واستمرار ذلك الأداء المبهر والمعارك العظيمة التي يخوضها د. مرسي وجماعته هل يتعين علينا أن ننتظر البيان العسكري رقم واحد للانقلاب من قبل ‘زمرة من الضباط الشرفاء’؟
«مقاومة» في المعادلة العربية
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
ما قاله أحد مسؤولي «حزب الله» اللبناني عن مشاركته في القتال داخل سورية الى جانب النظام لا يكشف فقط طبيعة العلاقة التي يريدها هذا الحزب لجمهوره، الشيعي في غالبيته الساحقة، بالدولة اللبنانية، وإنما يكشف ايضاً طبيعة العلاقة التي يريدها النظام السوري لجمهوره مع الدولة السورية.
لقد أصبح الانتماء المذهبي - السياسي هو الوطن، بعدما كان يمثل «أشرف الناس». ومن هو خارج هذا الانتماء يُقبل انتسابه الى هذا الوطن شرط التخلي عن مواطنيته القانونية والدستورية. هكذا يطالب الحزب جميع اللبنانيين الذين يريدون ان يحظوا باعترافه بهم ان يتحولوا عن الوطن الى تأييد قتاله الى جانب أبناء مذهبه خارج حدود لبنان المعترف بها دولياً. والمسألة لا تتعلق هنا بمجرد تحرك عدد قليل من الاشخاص في ظل مهمة ما يريد الحزب تنفيذها في الخارج، أو بمجرد عملية يمكن للقيادة التنصل منها وتنسبها الى عناصر غير منضبطة او مخترقة، وانما تتعلق بقوات عسكرية تابعة مباشرة للحزب وتأتمر بأمر قيادته المركزية، في إطار غرفة عمليات مشتركة.
سواء كان الذين يقول الحزب انه يقاتل من أجل حمايتهم في سورية لبنانيين أم من جنسية وطنية اخرى، سواء كانوا شيعة أو ينتمون الى مذهب آخر، سواء تعرضوا لاعتداء ومحاولة تهجير أو هم من اعتدوا على آخرين، فكل ذلك لا يلغي حقيقة اساسية في سلوك الحزب وهي انه يؤكد مسؤوليته، كحزب، عن حماية اشخاص بعينهم حماية قانونية وأمنية. فيسلخهم عن وطنهم الذي هو من ينبغي ان يتولى هذه المسؤولية والحماية. وكما هو معروف فإن الذين يقول الحزب انه يحيمهم من الشيعة، فإن الحزب يعمل بشكل واع من أجل سلخ الشيعة اللبنانيين عن الوطن الللبناني وإلحاقهم بـ «الوطنية» المذهبية، لتتخذ مواقف الحزب من كل احداث المنطقة معاني جديدة كليا، خصوصاً عنما يشير الى وضع الشيعة في الخليج عموماً. فهو يسلخهم عن بيئتهم الخليجية ويضعهم في «الوطن» المذهبي. لتتأسس «وطنية» جديدة على مستوى المنطقة، انطلاقاً من اقتتال سيورث بالتأكيد مضاعفات خطيرة على التعايش بين مكونات الوطن الدستوري والقانوني.
ولا يخفى على أحد، خصوصاً «حزب الله» ومرجعيته ايران، على ان الشيعة أقلية عددية في المنطقة العربية، لا يمكن ان يتاح لها مهما بلغت درجت التعبئة والتسليح من إخضاع الآخرين. خصوصاً بعد انكشاف تجربة حكم النظام السوري خلال العقود الاربعة الماضية.
هكذا تتحول سياسة «حزب الله» في سورية الى نقطة تحول في الانشقاق المذهبي والى تهديد للشيعة العرب على المدى الطويل بالدرجة الاولى.
في موازاة ذلك، تنكشف كل المناورات السياسية التي يستخدمها الحزب في لبنان. ولتسقط بذلك معاني المعادلة الشهيرة التي على أساسها لا يزال الحزب راضياً بنوعية المعادلة السياسية في لبنان، وهي معادلة «الجيش والشعب والمقاومة». فالحزب الذي لا يعترف بالوطن اللبناني ولا بدولته ولا بدور جيشه، يحوّل الوطن اللبناني مجرد «قاعدة» عسكرية له مستقلة عن الدولة وأجهزتها، بما فيها الجيش، والمنوط بها وحدها حماية اللبنانيين. ولتتغير وظيفة المقاومة في المعادلة من مواجهة اسرائيل الى الإنخراط في قتال في الداخل العربي على أساس مذهبي.
وليس القلق العربي الكبير من التعامل الايراني مع العرب والتحركات في داخل بعض البلدان العربية والتي تتهم طهران بتحريكها، وما يشهده العراق من تصعيد من الحكم ازاء مطالب السُنّة سوى ترجمة للوظيفة الجديدة للمقاومة.
«مقاومة» و«ممانعة».. في خدمة «مشروع الشرق الأوسط الجديد»
بقلم: إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
الشيخ نبيل قاووق، نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله وأحد أبرز قادته في جنوب لبنان، اعتاد اللبنانيون على خطبه الصريحة في المناسبات الاحتفالية، بمختلف أحجامها وأنواعها، غير أن اللازمة الدائمة التي لا تحول ولا تزول في خطب الشيخ قاووق هي الإصرار على ثابتة «المقاومة».
في قاموس الشيخ «المقاومة» كلمة تختصر كل شيء. إنها ثابتة في الزمان والمكان. فوق مستوى التعريف والشرح والتحليل. «المقاومة» هنا فلسفة وجود وعصب حياة... التشكيك فيها جريمة والتساؤل حولها خطيئة.
بالأمس، كان جمهور جنوب لبنان على موعد مع خطاب آخر للشيخ قاووق، تطرق فيه – طبعا – إلى «المقاومة». والجديد المثير في الخطاب أنه جاء على خلفية التقارير الميدانية من الريف المحيط بمدينة القصير الحدودية السورية. في ريف القصير يمارس شباب «الحزب» نوعا مختلفا من «المقاومة»... هي مقاومة قيام سوريا حرة يحكمها شعبها، بدلا من طغمة أمنية – طائفية «احتلت» منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.
وما يضع الأمور في إطارها الصحيح كلام الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله وفدا عرمرميا من جماعات «8 آذار» المؤمنة بطروحاته «القومية» و«إصراره» على تحرير فلسطين، إذ قال ما معناه إنه لا يجوز للبنان أن ينأى بنفسه عن الوضع في سوريا، بل يجب عليه المشاركة في مقاتلة «الجماعات المسلحة». وأضاف أن «تحرير» القصير خطوة على الطريق لـ«تحرير» حمص.
كلام الأسد واضح إذن. وموقفه قاطع من أي مبادرة سلمية دولية، فهو منشغل بواجب «تحرير» مدن سوريا – من سكانها على الأرجح – بعدما تعذر عليه تحرير فلسطين.
عودة إلى الشيخ قاووق...
الشيخ قال بالأمس: «المقاومة تمثل اليوم ضرورة وطنية استراتيجية لمواجهة أي محاولة إسرائيلية لاستثمار الأزمة في سوريا (كذا)، كما أن الواجب الوطني يفرض علينا أن نحصن الوطن وإنجازات المقاومة من أي محاولة إسرائيلية... الواجب الوطني يفرض علينا أيضا أن لا نسمح لأميركا وإسرائيل بتحقيق أي مكاسب على حساب قوة لبنان. قوة لبنان هي في معادلة الجيش والشعب والمقاومة». ثم استطرد: «كما انتصرنا على إسرائيل عسكريا نحن ننتصر على أميركا سياسيا، إن بتشكيل الحكومة وإن بالانتخابات النيابية، ولن تحصد أميركا غير الخيبة على الرغم من كل السموم الأميركية التي تبثها في الواقع اللبناني».
ما أتذكره، كمراقب، ويتذكره جيدا اللبنانيون أن حزب الله وافق على قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يمنع وجوده العسكري – أو «المقاوم» – جنوب نهر الليطاني. وهذه الموافقة ساعدت «الحزب» على توجيه سلاحه.. أولا إلى الداخل اللبناني اعتبارا من 2008، ثم خلال العامين الماضيين إلى الداخل السوري. وهذا يعني أن الجبهة الوحيدة الهادئة حاليا بالنسبة لـ«المقاومة» هي الجبهة الجنوبية التي قامت «المقاومة» أصلا من أجلها، أي تحرير جنوب لبنان.. ومن ثم فلسطين.
كيف تحولت «المقاومة» من الجنوب إلى الشمال؟ وكيف تنظر إسرائيل وينظر داعموها في الولايات المتحدة إلى هذا التحول؟ ما سر الارتياح الإسرائيلي لما يجري في سوريا منذ أكثر من سنتين؟... ثم ما سر الإصرار الأميركي على ترك سوريا تتمزق من الداخل؟.. مع أنه ثبت بالأرقام والأحداث أن الانهيار البطيء حوّل أراضيها إلى وجهة مثالية للأصوليين الجهاديين يأتونها من مختلف أنحاء العالم.. وإذا كان لنا تصديق السيد الأخضر الإبراهيمي، الموفد الدولي – العربي، يقاتل في سوريا اليوم نحو 40 ألف مقاتل أجنبي.
باعتقادي الإجابة على السؤال الأول بسيطة، وهي أنه ما عادت هناك «مقاومة»، بل هي التزام بمشروع إقليمي تكشف الأيام أن تفاصيله قيد المساومة دوليا. «المقاومة» اليوم هي المسمى المهذب للدور الموكل لحزب الله في تنفيذ تفاصيل مشروع «سايكس - بيكو» جديد، باسم إيران وبمباركة إسرائيل، تحت رعاية روسية – أميركية.
إسرائيل، من جانبها، مرتاحة للحقد الفئوي المضاد الذي يثيره قمع دموي يمارسه نظام فئوي، مدعوما بمقاتلي تنظيم فئوي، في ساحتين لمتاخمتين لها هما سوريا ولبنان. ومن المستبعد جدا أن يكون حزب الله، ومن خلفه الحكم الإيراني، قد فوجئ.. أولا برد الفعل المتشدد في الشارع السني في سوريا ولبنان، وثانيا بزحف الجماعات الجهادية على الداخل السوري من كل فج عميق.
قبل سنوات بدأنا نسمع عما سمي بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». ويومذاك قيل لنا إن وراءه تيارات غربية – صهيونية على رأسها «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة. وبعد نشر خرائط تقسيمية للمنطقة مدعومة بتوصيات لبعض مراكز الأبحاث، هب كثيرون مطلقين دعوات حارة للتصدي للمشروع. لكنّ أحدا، ولا سيما أصحاب الحناجر القوية، لم يشرح للناس آلية تنفيذ مخطط من هذا النوع، بل يظهر أن هؤلاء توهموا أن معدي «مشروع الشرق الأوسط الجديد» سينجزونه بقرار سياسي معلن. لكن ما أثبته مرور الزمن أن أولئك الذي كانوا أشرس مهاجميه لفظيا... كانوا على رأس المساهمين في تنفيذ بنوده فعليا.
اليوم يقود حزب الله ونظام بشار الأسد، اللذان يجسدان – كما قيل لنا – زبدة «المقاومة» و«الممانعة»، عبر تدمير سوريا ولبنان وتمزيق نسيج مجتمعيهما، عملية التنفيذ الفعلي لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».
أن يقدم مسلحون جهاديون من خارج سوريا، بالأمس، على خطف أسقفين قرب حلب – أحدهما كان مرشحا للبطريركية قبل أن ينتخب شقيقه للمنصب – وأن يتسارع إيقاع التهجير والفرز الطائفي والنهوض بـ«الواجب الاستشهادي» في أراضي المحافظات السورية، أمام تواطؤ عنيد من المجتمع الدولي، فهذا دليل قاطع على التنفيذ الدقيق لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». «مقاومة» و«ممانعة» من هذا النحو مكونان ضروريان لإنجازه.
أردوغان الذي يصارع على أكثر من جبهة
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
الإنجازات السياسية التي يحققها رجب طيب أردوغان في الداخل التركي والأهداف اليومية التي يسجلها في مرمى المعارضة باحتراف لا يمكن القول إنها تتحقق أيضا على رقعة الشطرنج الإقليمية في هذه الآونة تحديدا. التفوق التركي في السياسة الخارجية التي رسم الخوجا داود أوغلو معالمها ووضع أطرها يهتز في أكثر من مكان، وأنقرة باتت تواجه مشكلة زيادة عدد المتاريس وتحصين مواقعها السياسية والأمنية والاستراتيجية حيال أكثر من ملف وأزمة ورياح عاصفة تهدد من كل صوب بعكس ما تشتهي السفن التركية.
كنا نظن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري حضر للمرة الثالثة إلى تركيا خلال أقل من شهرين للمشاركة في إنجاح أعمال مؤتمر أصدقاء الشعب السوري وتوسيع رقعة الاعتراف بالمعارضة السورية وزيادة التأييد السياسي والعسكري لها، فجاء يتحدث عن دعم لوجيستي غير قاتل وضرورة التمسك باتفاقيات جنيف وطاولة الحوار، لا بل وقف هو أمام العدسات التركية يتحدث عن سلبيات الزيارة المحتملة لأردوغان إلى غزة في هذه الظروف غير الملائمة وكأنه ينقل المطالب الإسرائيلية والنصائح الفلسطينية التي يرددها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومن إسطنبول نفسها حول المخاطر والانشقاقات الجديدة التي قد تقود إليها مثل هذه الزيارة.
وكنا نعتقد أن إسرائيل قبلت الهزيمة والتراجع أمام التصلب التركي فإذا بها تطل علينا بخبر نشرته إحدى الصحف البريطانية تعرض فيه إسرائيل على تركيا صواريخ متطورة بعيدة المدى مقابل السماح لها باستخدام قاعدة عسكرية قرب العاصمة التركية نفسها استعدادا لأي مواجهة إسرائيلية مع إيران.. لا بل نحن كنا نستعد لوصول مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب عميدرور إلى أنقرة سعيا للتوصل إلى اتفاق مع المسؤولين الأتراك حول قضية تعويض ذوي القتلى الأتراك في «أسطول الحرية»، فإذا بتل أبيب تروج لأخبار تتحدث عن التمسك باتفاقيات التعاون في مجالات الطاقة مع قبرص الجنوبية واستبعاد قبول الاستفادة من الخدمات التركية لنقل غازها إلى أوروبا، وأن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لن تعود أبدا إلى سابق عهدها.
وكنا نتوقع أن تنجح أنقرة في إقناع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هامش أعمال مجموعة التخطيط الاستراتيجي التركي - الروسي في إسطنبول بتليين المواقف وتغييرها حيال الأزمة السورية فإذا به يسارع لإطلاق تهديداته وتحذيراته على مرأى ومسمع الأتراك فيحمل المعارضة السورية مسؤولية إيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم في سوريا ويقطع الطريق على أي قرارات قد تصدر عن مؤتمر إسطنبول تتعارض مع مصالح روسيا وما تقوله في مسار المعضلة السورية وسبل حلها.
مصير حكومة هيتو التي وضعت أسسها في تركيا أيضا ما زال غير معروف، وأنقرة تتهم بأنها هي التي تسرعت بالوقوف إلى جانب طرح من هذا النوع من دون اتفاق شرائح المعارضة السورية على تحديد مهام ودور هذه الحكومة، البعض يحاول أن يترك تركيا أيضا أمام ورطة دعم مشروع الإسلام السياسي في سوريا بين كفتي الإخوان و«القاعدة» على حساب استبعاد القوى الليبرالية والعلمانية من المشاركة في صناعة مسار العملية السياسية.
آخر التحركات ضد أنقرة جاءت هذه المرة من قبل ذوي المخطوفين اللبنانيين في أعزاز الذين يحملون أردوغان وحكومته جزءا كبيرا من المسؤولية في الاختطاف وتعقيد خطوات الإفراج عن المحتجزين فسارعوا منذ أسبوع لاستهداف المصالح التركية في لبنان.. احتجاز الشاحنات التركية المحملة بأسماك «جمال باشا أردوغان» وتشميع مكاتب الخطوط الجوية التركية وإغلاق المركزين التجاري والثقافي في بيروت والاعتصام أمام مبنى السفارة والتلويح باللجوء لاختطاف مواطنين أتراك والمطالبة بمغادرة السفير التركي للأراضي اللبنانية.
خبر قصير جاء في آخر لحظة يقول إن طالبان احتجزت 8 مواطنين أتراك بعد هبوط اضطراري لطائرتهم في أفغانستان.
الكثيرون يريدون تصفية حساباتهم مع أنقرة بسبب ملفات إقليمية كثيرة يتقدمها الملف السوري والإيراني والإسرائيلي والفلسطيني، وحكومة العدالة والتنمية التي تعرف أنها محاولات لن تتوقف بل على العكس ستتزايد، كلما قاومت ونجحت في التصدي لهذه الهجمات المباشرة أو عبر وكلاء، تعرف أيضا أنها لا بد أن تكون جاهزة للمنازلة طالما أنها أعطت قرارها حيال أكثر من أزمة إقليمية محيطة حتى ولو كان الثمن التفاهم الأميركي - الروسي - الإيراني - الإسرائيلي ضد مصالحها.
كلمة الرياض: سوريا.. هل تكون قاعدة حرب سنية.. شيعية؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
الأسد الأب قتل ما يزيد على ثلاثين ألفاً في حماة، والابن قتل ما يصل إلى ثمانين ألفاً في عامين من الشعب السوري، ولا مانع من إلحاق الملايين إلى المقابر سواء بأسلحة كيماوية أو عادية عندما يقوي إرادته بدعم روسيا وإيران وحزب الله، لكن دخول الأخير الحرب مع الأسد ضد الشعب السوري لا يتجدد خطره على جملة قرى في منطقة القصير، إذ إن هذا الإعلان سوف يدفع بسنة لبنان حماية أبناء طائفتهم واخوتهم واللعبة أكبر من أن يتحملها بلد مأزوم أصلاً بتعدد ولاءاته وعدم استقراره وتنافر عناصره..
الحكومة اللبنانية خارج الخدمة في هذا الصراع، لأنها غير قادرة على تحجيم مغامرات حزب الله، وفي داخلها انقسامات حادة، والجيش يعتبر ما يجري صراعاً بين السوريين والشيعة اللبنانيين وهو أيضاً يخشى أن يتمزق لو تدخل في الأحداث الجارية، والنتيجة ان النظام السوري وحزب الله وإيران يسعون لبناء دولة العلويين على الساحل في حال سقوط دمشق وبخطط بدأت مع الأيام الأولى للثورة، وقد لا تنتهي أمام التحالف الجديد بخلقها على الواقع بتطهير القرى في منطقة القصير من سكانها، وإعادة توطين شيعة لبنان على الحدود مع علويي سوريا، ولو نجح هذا المخطط، فإن الحرب الأهلية في كلا البلدين ستستعر بين سنة وشيعة، وقد يضاف لها عناصر مسيحية وكردية تلتقي أهدافها مع طرفي الحرب، وتطيل عمرها إلى سنوات غير معلومة..
دولة العلويين بدأت خيوطها قبل جلاء القوات الفرنسية، وطرحت من جديد أيام الأسد الأب، وهي الآن قيد التنفيذ، لكن هل هناك مقومات لدولة كهذه وماهي المعايير التي ستقوم عليها سياسياً واقتصادياً، ومن سيعترف بها من قوى دولية ومنظمات عالمية، وما تأثيرها على تركيا التي تؤوي أعداداً كبيرة من العلويين، عندما تخرج من نزاع مع الأكراد، إلى دولة علوية قد تدفع بعناصر تركية إنشاء الدولة الأكبر، وهذه المرة على الأرضين السورية والتركية؟
ثم ماذا عن تآلف، أو تحالف سني لبناني - سوري، وربما عراقي لفتح الحدود بين هذه البلدان لدعم المعارضة السورية، وإعلان الحرب على الطائفتين العلوية والشيعية ثم بدء تدفق البشر والسلاح من أطراف وقوى مختلفة لتحوّل سوريا إلى قاعدة كبرى لمنظمات متطرفة تخلط الأوراق الإقليمية مع العربية في عمليات إرهاب، وتدخلات قد تدفع إسرائيل لخوض حروب مع جيوش عصابات قد تلغي مشروع أمن المنطقة كله؟
أوروبا الغربية التي تتفرج وتنتظر الاذن من أمريكا دعم المعارضة الداعية لسوريا ديموقراطية يمثل فيها كل الأطراف وفق نظام تعددي، وقانون يساوي بين الجميع، قد تجد تلك الدول أنها فوتت الفرصة بخلق طرف يحافظ على وحدة الشعب والجغرافيا السوريين من التمزق ولا يسمح لأطراف راديكالية أن تجد مناخاً لها بمعاداة كل الأطراف، وخاصة وجود عملي للقاعدة التي توجد نواتها بجبهة النصرة، وربما تلتف على غيرها من القوى المسلحة، وخاصة ان حزب الله قدم المبرر أن ينشأ تيار إسلامي يواجهه بنفس الشعارات بعد حملته على سوريا، وقد لا تقتصر المسألة على هذه الحدود إذا ما تطورت الأمور إلى صراع كبير بين الاقلية الشيعية في العالم والأكثرية السنية، وكيف سيصبح أمن المنطقة والعالم معاً؟.
صواريخ إيلات و”قبة الأوهام” الحديدية
بقلم: مأمون الحسيني عن الخليج الاماراتية
أعاد السجال السياسي والأمني والإعلامي، ما بين مصر و”إسرائيل”، والمتعلق بالمكان الذي انطلقت منه القذيفتان الصاروخيتان اللتان سقطتا في مدينة إيلات الواقعة على خليج العقبة، قبل أيام، تسليط الضوء على منسوب الابتزاز المتصاعد الذي تمارسه “تل أبيب” على القيادة المصرية الجديدة التي تفعل ما بوسعها لدرء تهمة “التقصير” في معالجة الوضع الأمني على الحدود بين الجانبين عن نفسها، كما فتح (السجال) صفحة إضافية في كتاب منظومة “القبة الحديدية” التي نشرت إحدى بطارياتها في إيلات بعد ورود تحذيرات مصرية بإمكانية تعرض المدينة للقصف، ومدى فعالية وجدوى هذه المنظومة التي أنفقت عليها وزارة الدفاع الأمريكية، وفق وكالة “فرانس برس”، 204 ملايين دولار في 2011 و70 مليوناً في ،2012 إضافة إلى تخصيص 220 مليون دولار للسنة المالية ،2014 و167 مليون دولار في العام 2015 .
في الجانب الأول، وخلف غبار الإصرار “الإسرائيلي” على أن مطلقي الصواريخ على إيلات ينتمون إلى خلية “إرهابية” خرجت من غزة للعمل انطلاقاً من سيناء، وتأكيد المصادر العسكرية المصرية أن جماعة “شورى المجاهدين” الموجودة في غزة هي من أطلق هذه الصواريخ، ثمة من يعتقد بأن “إسرائيل” هي من خططت، أو ربما نفذت عملية الإطلاق . وحيثيات هذا الاتهام لا تتعلق فقط بالقضايا الفنية أو الميدانية، من نمط عدم إطلاق بطارية “القبة الحديدية” صواريخ اعتراضية، رغم اكتشافها الصواريخ، وإطلاق صفارات الإنذار في المدينة، أو سقوط هذه الصواريخ في منطقة خالية، ناهيك عن وجود كم وافر من الرادارات “الإسرائيلية” على طول الحدود المصرية التي استكمل بناء الجدار الإلكتروني فيها بطول 240 كم، والقادرة على كشف عمق سيناء، وتحديد أية تحركات في الجانب الآخر، وإنما تتصل (الحيثيات) كذلك بحاجة “تل أبيب” إلى إعادة إنتاج صورة الدولة المحاطة بالأعداء و”الإرهابيين”، وسعيها إلى التمدد عسكرياً في سيناء وإقامة منطقة عازلة ذات أهداف سياسية مستقبلية هناك تحت ذريعة فقدان الدولة المصرية سيطرتها على المنطقة التي تتحول إلى مسرح لتهديد “دول الجوار” .
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن “إسرائيل” تواجه مصاعب أمنية جمّة، ليس فقط على الحدود مع سيناء، وإنما في مختلف الجبهات . ولا ينبع ذلك فقط من الضعف الاستخباراتي الذي تدّعيه الأجهزة فقط، وإنما، وبالأساس، من غياب القدرة على ترسيخ ردع فعَال تحت ظلال الظروف المستجدة التي تلف المنطقة برمتها . ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الإدارة الأمريكية إلى إبرام صفقة الأسلحة الضخمة مع “تل أبيب” التي تضم، وفق ما أفادت صحيفة “معاريف” العبرية، طائرات تزويد طائرات بالوقود جواً، وصواريخ قادرة على تدمير منظومات الدفاع الجوي، ومنظومات رادار يمكن تركيبها على بعض الطائرات “الإسرائيلية”، إضافة إلى طائرات V-Os y 22 القادرة على الطيران بشكل عمودي التي ستكون الدولة العبرية الدولة الوحيدة خارج الولايات المتحدة التي تملكها .
في الجانب الآخر المتصل بالقبة الحديدية، ورغم ارتباط عدم تشغيل بطاريتها التي نصبت في إيلات مؤخراً، بالشكوك المتزايدة حيال علاقة “إسرائيل” بإطلاق الصاروخين على المدينة السياحية التي سبق أن تعرضت لست هجمات صاروخية في السنوات الثلاث الأخيرة، فإن أسئلة كثيرة عاودت الإطلال برأسها حول حقيقة فعالية وجدوى هذه المنظومة التي تتضمن كل بطارية منها راداراً لكشف الطائرات وتعقّبها، ومنظومة تحكم في الإطلاق، وثلاث قاذفات مزودة كل منها ب 20 صاروخاً اعتراضياً، ما يتيح إسقاط صواريخ يبلغ مداها من 4 إلى 70 كيلو متراً لدى إطلاقها . ولعل الأشد إلحاحاً في هذه الأسئلة هي تلك التي وضعت إشارات استفهام حول ادعاء الجيش “الإسرائيلي” أن نسبة النجاح في اعتراض الصواريخ المنطلقة من غزة، خلال العدوان الأخير على القطاع العام الماضي، بلغت 84 في المئة، لا سيما بعد تأكيد ثلاثة علماء من الولايات المتحدة، أن لا صحة البتة لادّعاء الجيش، وتقدير البروفيسور اليهودي الأمريكي ثيودور بوستول أن نجاح المنظومة “الإسرائيلية”، خلال العدوان، يتراوح بين خمسة وعشرة في المئة لا أكثر .
ويبدو أن الكفاءة المتدنية لبطاريات هذه المنظومة التي أشاع الجيش وأجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” حولها الأساطير، لم تكن هي السبب الوحيد وراء إحجام كوريا الجنوبية التي تحتاج بشدة إلى منظومات دفاع صاروخية هذه الأيام، عن شراء هذه البضاعة بعد عرضها من قبل تل أبيب مرات عدة، وبعد رفض الأخيرة مقايضة بطاريات القبة بمنظومة أسلحة وطائرات تدريب كورية جنوبية . ذلك أن أسباباً أخرى لا تقل أهمية تقف وراء هذا الإحجام، لعل أهمها الثمن الباهظ للمنظومة “الإسرائيلية” التي تسهم الإدارة الأمريكية في تمويلها . إذ، وبخلاف منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ بعيدة المدى الأخرى التي تعادل في تكلفتها المنظومة المهاجمة، تنفرد “القبة الحديدية” بتكلفة خاصة واستثنائية، حيث تبلغ تكلفة كل بطارية منها نحو 50 مليون دولار، فيما تبلغ تكلفة كل صاروخ تطلقه المقاومة ما بين 50 إلى 80 ألف دولار .
تخندق أردني ـ إسرائيلي
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
بعد أن فشلت المجموعات الإرهابية المسلحة في تحقيق الحلم الأمريكي ـ الإسرائيلي بإسقاط الدولة السورية، رغم كل ما حصلت عليه من أموال وأسلحة ومقاتلين، وغطاء سياسي..
بعد كل هذا وذاك بات تحرك الولايات المتحدة الأمريكية مكشوفاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هؤلاء الإرهابيين التكفيريين الذين تحولت «انتصاراتهم» الوهمية على شاشات الجزيرة والعربية إلى كذبة لم يعد القلاّب والزيات وأبو نوار ولا غيرهم ممن يطلقون على أنفسهم صفة المحللين السياسيين أو العسكريين قادرين على تسويقها.. ذلك لأن تقهقر إرهابيي جبهة النصرة والمجموعات التكفيرية الأخرى وتقدم الجيش العربي السوري في جميع المناطق التي كان المسلحون يعيثون فساداً فيها، ومقتل عدد كبير منهم ومن قادتهم، كل ذلك بات يؤكد بأن الجيش العربي السوري لم ولن يعجز عن دخول وتطهير أي منطقة يريد تطهيرها من الإرهابيين، وهذا ما أفقد أمريكا صوابها، فحاولت زج عملائها وأدواتها من الأفراد والدول في المعركة مباشرة ضد الشعب السوري.. حيث أتت المصالحة التركية ـ الإسرائيلية المزعومة، والتنسيق الإسرائيلي ـ الأردني للسماح للطائرات الإسرائيلية استخدام الأجواء الأردنية للتجسس على سورية والتنسيق الأردني ـ الخليجي وتحت الرعاية الأمريكية لإدخال الأسلحة، ولتدريب وتجميع المقاتلين على الأراضي الأردنية من ثم زجهم في أتون النار التي أشعلوها ضد الشعب السوري.. كل ذلك يؤكد فشل الإدارة الأمريكية في تحقيق أهدافها المشبوهة في المنطقة كما يؤكد أن الشعب السوري وجيشه الباسل وقيادته الواثقة تخطت المراحل الأصعب في هذه المؤامرة الكونية، وأن حلمهم في إسقاط الدولة السورية صار كحلم إبليس في الجنة..
لكن ما يمكن ملاحظته بوضوح الآن أن معسكر الحرب على الشعب السوري بات أكثر علانية من ذي قبل وهو يضم بشكل سافر أمريكا ـ «إسرائيل» ـ تركيا ـ قطر ـ السعودية ـ فرنسا ـ بريطانيا ـ تنظيم القاعدة ومجموعات تكفيرية تم استجلاب مقاتليها من أكثر من 24 جنسية.. وفشل هذا المعسكر العدواني في كسر إرادة الشعب السوري هو ما جعلهم يستصرخون صرخة الهزيمة، وهو ما جعل رئيس الائتلاف الذي شكلوه في الدوحة وفق المقاسات الأمريكية ـ الإسرائيلية يستقيل مرات عديدة وربما في اليوم الواحد، كما جعلت ما يسمى «الجيش الحر» يرفض رئيس حكومة التآمر هيتو الحامل للجنسية والأوامر الأمريكية، كما جعلت العديد من أعضاء «ائتلاف الدوحة» يعلنون انشقاقهم عن تلك الكيانات التي لم تقدم شيئاً سوى التآمر على الشعب السوري بكل مكوناته.
ألم يحن لهؤلاء المتآمرين أن يكفوا عن تآمرهم وعن المراهنة على أعداء الوطن؟
ألم يحن لهؤلاء الحفاظ على ما تبقى من ماء وجوههم اليابسة والعودة للتفكير في مصالح وطنهم، أم أن الأموال القطرية قد أعمت بصرهم وبصيرتهم؟.. لم يعد هنالك سوى الحل السياسي والجلوس إلى طاولة الحوار الوطني لإنهاء الأزمة، ووقف شلال الدم، ومداواة الجراح. ومن ير غير ذلك فهو واهم إلى حد الجنون.
حول الطائفية و"الاخوان المسلمين" والثورة
بقلم: غسان المفلح عن السياسة الكويتية
بعد كل مجزرة ترتكبها قوات الاسد و"شبيحته" من المرتزقة والمدنيين المجيشين طائفيا, ونهباً بمعنى أن رزق غيرهم حلال عليهم إذا سرقوه وتقاسموه. آخر هذه المجازر كان في ضاحية جديدة الفضل الدمشقية وذهب ضحيتها اكثر من 400 شهيد معظمهم من الاطفال والنساء, تتبارى بعض الاصوات لتقول شيئين:
الاول- ألم نقل لكم ان الحل العسكري الذي اتخذته معارضة الخارج, وعلى رأسها الاخوان المسلمين هو السبب? مع انهم يعرفون ان الحل العسكري ليس حلا قامت به الثورة والناس بتخطيط وتدبير مسبقين, بل من فرضه هو ما كان يقوم به جيش آل الاسد من قتل واعتقالات وهتك بيوت واعراض, ضد المتظاهرين السلميين وتعذيبهم وقتلهم تحت شعار" بدكن حريي?" وتقطيع المدن وتهجير سكانها حتى قبل ان تخرج منها طلقة واحدة, وهذا ما حدث في درعا مهد الثورة قبل ان تخرج منها رصاصة واحدة, وهذا ما حدث في حمص قلب الثورة, وتظاهرة الساعة وما فعل فيها جيش الاسد ومخابراته تشهد على ذلك.. فكما الثورة انطلقت عفوية بناء على معطيات مباشرة وغير مباشرة أيضا خيار العسكرة فرض على الناس تحت شعاري قوات الاسد" بدكن حريي" و"الاسد او نحرق البلد", وبالتالي يحاول هؤلاء السادة الحديث عن حل سياسي! علما ان الثورة في بداياتها كانت تتحدث عن حلول سياسية حتى في شعاراتها قبل حتى ان تتشكل هيئة التنسيق نفسها.. ماذا كانت النتيجة?
الثاني- أن من ارتكب المجزرة او تلك هم ضباط من الطائفة السنية, او بعض منهم, وليس من الطائفة العلوية, ويريدون الحديث عن أن النظام ليس نظاما طائفيا, يرمون الثورة وقواها بالطائفية مستندين إلى موقفهم المسبق من رفضهم للثورة أساسا لأنها عرت الجميع, وبالتالي يرون ان عدوهم الاول هو مؤسسة الاخوان المسلمين. مع انهم يعرفون ايضا ان الثورة لم يقم بها "الاخوان", و"الاخوان" هم آخر قوة اعلنت وقوفها مع الثورة بشكل واضح اي بعد اقل من شهر من انطلاقها, بناء على حسابات سياسية للجماعة, لكنها ولكونها مؤسسة حزبية في النهاية سرعان ما اصبحت قوة ملحوظة في الثورة, وعنصراً اساسياً في تكويناتها السياسية.
البنية العسكرية الامنية للنظام هي من تقوم بهذه المجازر وهي بنية عناصر الولاء الاساسية فيها طائفية, الفاعل التاريخي وصاحب القرار في هذه البنية هو طائفي بامتياز, وماتبقى كله تفاصيل لا قيمة لها, بعد أن دمر هذا الفاعل الطائفي البلد, ولاسباب تتعلق باستمرار آل الاسد في السلطة, وماتعنيه هذه القضية بالنسبة إلى من تربوا على هذه المسلمة" إما الاسد او نحرق البلد". الفاعل التاريخي الطائفي, في تراتبية تصل ذروتها عند آل الاسد, في قنوات تفاعل سياسية ومصلحية وايديولوجية يغلب عليها الطابع الشفاهي في تبادل الرسائل بين الذروة والقاعدة وبالعكس, وعلى مدار اكثر من اربعة عقود, وما يحدث هو نتيجة لهذا, ولهذا السبب بالذات أيضا لابد أن تكون هناك دوائر موالاة من كل الطوائف, وإلا كيف يكون الفاعل التاريخي طائفياً? يكون فاعلاً طائفياً عندما يشعر من معه انهم لاقيمة لهم امام الفاعل الطائفي, سواء اكان ضابطا او مخبرا...الفعل الطائفي يحتاج إلى فاعل ويحتاج إلى من تقع عليه ممارسة هذا الفاعل لفعله... وفي المقابل لايعني هذا القول ان الطائفة كلها طائفية...عندما نقول النظام طائفي وهو كذلك لايعني ان الطائفة من ترتكب المجازر, بل النظام الطائفي بغض النظر عن ادواته, سواء كان جل جنودها من الطائفة أو من طوائف اخرى.
طائفي لأنه يحتاج إلى بنية عسكرية مضمونة الولاء, مرشية, وعقيدية. والبعث عقيدتها الظاهرية! يحتاج إلى عسكر يحمون الحل العسكري الامني الذي تعامل النظام من خلاله مع المجتمع منذ عام 1968 تاريخ التحضير للانقلاب الاسدي على رفاقه. لأن قائد الانقلاب يفكر بشكل طائفي انطلاقا من مصلحته, اعاد تشكيل البنية العسكرية الامنية هذه وفقا لهذا المعطى.
هذه البنية العسكرية الامنية مركز القرار فيها واحد, وهو آل الاسد ما تبقى كلهم جنود لاقيمة لهم باتخاذ القرار, وإن كان لهم قيمة بالذبح والتدمير وحماية آل الاسد. هؤلاء مقتنعون انهم يدافعون عن الطائفة? كيف وصلوا إلى هذه القناعة حتى يرتكبوا هذه المجازر بدم بارد?
الاخوان المسلمون كما قلت اصبحوا عنصرا مؤثرا في تكوينات الثورة السياسية, لسببين:
الاول- لضعف التيارات الاخرى في الفعل المؤسسي. الثاني- لأنهم يعملون كمؤسسة ويتعاطون سياسة, ولا ينظروا إلى العوامل الشخصانية في تحديد سياساتهم ومواقفهم, كبقية افراد التيارات الاخرى, وقلت افراد لأنهم كذلك. ومن الملاحظ ان هؤلاء منذ اليوم الاول للثورة وهم يحاولون القيام بتأسيسات جديدة لكن كلها تفشل, والفشل ليس سببه "الاخوان", وهنا اسجل نقطة: "الاخوان" كثيرا ما قبلوا في تحالفاتهم ان يكون صوت رمز ليبرالي او علماني مساو لصوتهم في مؤسساتهم التحالفية, وهو في النهاية فرد وهم مؤسسة.
الاخوان المسلمون بحاجة إلى ان ينتقلوا النقلة الاهم في تاريخهم وهو تحولهم لحزب على المستوى الوطني ليس سلوك "الاخوان" من يجعل النظام يتصرف طائفيا, وهذه ايضا قضية يعرفها القاصي والداني في سورية.
ل¯ "الاخوان" اخطاؤهم التي تحدثت عنها كثيرا في مقالاتي, برنامجهم الذي ايضا اختلفت معه في نقاط كثيرة, لكن ل¯ "الاخوان" السوريين تجربة تختلف عن بقية فروع "الاخوان" في المنطقة العربية, انهم سوريون اولا وقبل ان يكونوا مافوق سوريين, ولهم تجربة تحالفية غير متوفرة لدى الفروع الاخرى من "الاخوان".
الهجمة على "الاخوان" الآن هدفها تحطيم مؤسسة يمكن ان تكون قاطرة للثورة, واذا تحطمت ستصبح المعارضة السياسية في خبر كان مؤسساتيا, وخير مثال على ذلك هيئة التنسيق الوطنية, مجموعة "ختايرة" كحالتي يتعكزون على بعضهم بعضاً من دون فعل ملموس سوى التهجم على الاطراف الاخرى, حتى انهم لم يستطيعوا اخراج تظاهرة صغيرة تطالب مثلا بعبد العزيز الخير في قلب دمشق.
الآن هناك محاولة لتشكيل قطب ديمقراطي, غايته مواجهة هيمنة "الاخوان" على المجلس والائتلاف الوطني كما يقولون, "الاخوان" لهم الهيمنة هذا صحيح, ولكن كيف يتصرفون بهذه الهيمنة? وكيف تصرف ويتصرف الاخرون? اسئلة اجبت عنها في مقالات سابقة.
من جهتي ابارك للشباب هذه الخطوة, واشكر دعوتهم, لكنني وجدت فيها من الارتجالية والقصدية وبعضا من الشخصانية, ما جلعني لا اوافق على الخطوة, واتمنى ان تكون معرفتي هذه غير صحيحة, ويتكون فعلا قطب ديمقراطي علماني حقيقي.
لنخرج من هذا الامر نحو فضاء اكثر اتساعا, ليأتي "اخوان" سورية إلى السلطة, اكيد أنهم افضل بلا مقارنة من هذا النظام, افضل لسورية, ولن يأتوا إلا وفقا للديمقراطية, وإذا حاولوا مخالفة الدستور الديمقراطي, عندها سيكون لنضالنا العلماني معنى, لكن لا يمكن مقارنتهم بنظام آل الاسد لا من قريب ولا من بعيد بأي حال من الاحوال, وليس من مصلحة الثورة تحطيم مؤسستهم, مع ذلك إذا نجحت التيارات الاخرى بقيادة الثورة كليا واستبعدتهم ديمقراطيا عن الهيمنة فهذا حقها, لكنني لا ارى في الافق ما يبشر بذلك...أما عن التجربة المصرية والقياس اعتقد ان ما يحدث في مصر هو عبارة عن معركة ديمقراطية مفتوحة وحقيقية. والمقارنة ظالمة للمصريين جميعا و ل¯ "الاخوان" السوريين خصوصا, سيكون لنا حديث عن هذا الموضوع.. رغم موقف الرئيس المصري السلبي نسبيا من الثورة السورية. لكن حكومته لم تعتد على حرية المعتقد ومؤسساتها في مصر الدستورية, ولم تسن قانوناً بمنع الكحول! ونضال التيارات المصرية لن يتوقف حتى تترسخ المؤسسة الديمقراطية المصرية, وتصبح مصر دولة ديمقراطية ذات وزن.
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif
في هــــــــــذا الملف:
«الكونفدرالية» تعني سقوط النظام
بقلم: عمر عياصرة عن السبيل الأردنية
وكالة الأونروا وكواليس الدبلوماسية السرية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
شيخ الأسرى الفلسطينيين… أغرب من الخيال!
بقلم: فايز رشيد (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
جون كيري والإخوان.. اللف والدوران
بقلم: يحيى مصطفى كامل(كاتب مصري) عن القدس العربي
«مقاومة» في المعادلة العربية
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
«مقاومة» و«ممانعة».. في خدمة «مشروع الشرق الأوسط الجديد»
بقلم: إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
أردوغان الذي يصارع على أكثر من جبهة
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
كلمة الرياض: سوريا.. هل تكون قاعدة حرب سنية.. شيعية؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
صواريخ إيلات و”قبة الأوهام” الحديدية
بقلم: مأمون الحسيني عن الخليج الاماراتية
تخندق أردني ـ إسرائيلي
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
حول الطائفية و"الاخوان المسلمين" والثورة
بقلم: غسان المفلح عن السياسة الكويتية
«الكونفدرالية» تعني سقوط النظام
بقلم: عمر عياصرة عن السبيل الأردنية
من المؤكد أن لقاءات الملك في واشنطن (أوباما، الكونغرس، منظمات يهودية) ستتناول ملف التسوية وعودة المفاوضات التي من المؤكد أن عمان ستكون المكان المناسب لها.
في هذه الأثناء نلاحظ أن جون كيري وزير الخارجية الامريكي «ماخذ راحته» جداً بالحديث عن «الكونفدرالية» كمشروع حل يغطي به فشل مقاربة حل الدولتين.
الملك معني جداً بإفهام الامريكيين أن طرح «الكونفدرالية»، أو مجرد البحث عن علاقة وحدية مع الضفة الغربية في هذا التوقيت هو كانتحار للنظام السياسي الأردني.
الاردنيون اليوم يقلقهم هذا الأمر بشكل واضح، وما يزيد من منسوب توترهم أنه يأتي في ظرف دقيق تمر به البلد، سواء من ناحية اقتصادية او سياسية.
ما يجب أن يفهمه الأمريكيون من الملك تحديدا (من راس النبع) أن قرار «الكونفدرالية» لا يمكن أن يتخذ في الغرف المغلقة، ولا يمكن أن يمر هكذا ككل ما كان سابقاً.
أبو مازن ومنيب المصري وعبد السلام المجالي وغيرهم من عرابي «الكونفدرالية» او (ملك لحكومتين) كلهم لا يدركون دقة اللحظة، فما تزال تعشعش في أذهانهم لحظات «وادي عربة» ومرورها السلس، فظنوا أن الكرة قد تعاد.
هؤلاء لا يدركون أن منسوب الوعي الشعبي الوطني وبنيته وردود فعله قد تغير، الاردنيون لن يمرروا مشروعا مشبوها يسعى لضرب هُويتنا الوطنية من ناحية، وتقديم القرابين على حساب فلسطين ولمصلحة امريكا و«اسرائيل».,, نعم، نحن نعيش اصعب ضائقة اقتصادية في تاريخنا السياسي والاجتماعي، لكننا لن ننتحر كي لا نجوع، ولن نموت ولن نأكل بثديينا.
الملك مطالب مرة أخرى بإعمال النظر في تداعيات أي قرار يذهب بنا لصيغة وحدية مهما كان اسمها، تحل بها مشاكل «اسرائيل»، وتضرب الاندماج الاجتماعي هنا في عمان دون رأفة ولا انتظار.
نعم، أنا وكل الاردنيين قلقون، هناك ضغط اقتصادي، وهناك مطبخ ما نزال نبحث في زواريبه عن بعد وطني فلا نجد، وهناك امريكا تبتز، ونخشى أن ينتحر المطبخ بقرارات رعناء.,,, يجب إغلاق ملف «الكونفدرالية» حالاً ودون تردد، وهذا الطي للملف لا يكون بمجرد تصريحات، فقد شبعنا منها كثيرا.
الحل هو بنقل الملف إلى الارادة الشعبية، ووضعنا بصورة تطوراته وضغوطاته وابتزازاته؛ فقد استبد بنا القلق، وبتنا نخشى على اندماجنا الاجتماعي، لكننا نحذر من أن «الكونفدرالية» وفق منطق كيري وأبو مازن هي معادل موضوعي لسقوط النظام.
وكالة الأونروا وكواليس الدبلوماسية السرية
بقلم: علي بدوان عن الوطن القطرية
تُشير العديد من المعطيات المتوفرة إلى أن مصيراً جديداً تُحاول الولايات المتحدة وإسرائيل صناعته لإنهاء عمل وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى والمعروفة تحت مسمى وكالة (الأونروا)، وإحالتها للتقاعد، وتحويل مهام عملها للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين (سوريا، لبنان، الأردن) إضافة للسلطة الفلسطينية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
المعطيات المتوفرة لم تتأت من فراغ، بل جاءت في سياقات طويلة من العمل الدؤوب منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ إنطلاقة تسوية مدريد عام 1991، لإنهاء عمل الوكالة بما تحمله من معنى ورمزية تتعلق بجوهر القضية الفلسطينية المتمثل بقضية اللاجئين والإقتلاع القومي للشعب العربي الفلسطيني من فوق أرض وطنه التاريخي وأقامة الدولة العبرية الصهيونية. فالجهود التي بذلت ومازالت تبذل من قبل بعض الأطراف الدولية النافذة داخل كواليس الدبلوماسية السرية ليس معزولاً عن الأزمات التي أمست منذ أكثر من عقد من الزمن تحيط بوكالة الأونروا بعد تراجع خدماتها المقدمة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وبعد الجفاف المتواصل في إيراداتها المالية من الدول المانحة، فالولايات المتحدة الأميركية تعمل منذ عقد ونيف من الزمن على تمرير القرارات التي تفتح الطريق أمام إنهاء عمل الوكالة وإحالتها على التقاعد، بينما يتمسك ببقائها واستمرارها العالم بأسره نظراً لما تحمله من دلالات قاطعة تتعلق بحق العودة وحقوق اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار إنشائها في الثامن من ديسمبر 1949 وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) وهو القرار الذي ربط بين إنهاء عمل الوكالة والحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس عودتهم إلى أوطانهم الأصلية في فلسطين المحتلة.
وقبل أيام خلت، كان وزير الخارجية الكندي (جون بيرد) في فلسطين المحتلة، في زيارة خاصة، قِيلَ بأن الهدف الأساسي منها كان البحث بإمكانية إستيعاب كندا لنحو مائتي ألف لاجىء فلسطيني جلهم من فلسطينيي سوريا، وقد اجتمع مع عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ووزير الحرب الجنرال موشيه يعلون، ووزير التجارة والصناعة نفتالي بينيت، ورئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أفيغدور ليبرمان وكان من بينهم أيضاً الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي قال للصحافيين في ختام لقائه مع الوزير الكندي «إن كندا تستطيع المساهمة بشكل كبير في عملية السلام، وخاصة في حل قضية اللاجئين، فكندا أبدت في الماضي ترحيباً باستيعاب نحو 521 ألف لاجئ فلسطيني على أراضيها، يمنحون الجنسية الكندية ويعيشون فيها إلى الأبد، فهي بذلك تنقذ هؤلاء اللاجئين من معاناتهم الرهيبة في مخيمات اللاجئين وتساعد على إنجاح الحل الواقعي لقضية اللاجئين بألا يعودوا إلى إسرائيل».
وعليه، إن زيارة الوزير الكندي لإسرائيل وتصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز تذهب بالإتجاه الذي أوردناه، وهو إتجاه المساعي الأميركية ــ الإسرائيلية لإنهاء وشطب عمل وكالة الأونروا، سعياً وراء إنهاء المعاني والرمزية التي تَحمِلُها ووأد قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تُشكل لب القضية الفلسطينية، فأكثر من (70 %) من أبناء الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين الذين تم إقتلاعهم من فوق ترابهم الوطني في فلسطين المحتلة عام 1948 إبان النكبة الكبرى.
كما علينا في هذا الجانب أن نورد عدداً من المعطيات الهامة التي تؤكد بأن مخاطر إنهاء عمل الوكالة جاثمة، وأن على النظام الرسمي العربي التحرك من اجل مواجهة عملية تصفية وكالة الأونروا وإنها مهام عملها. وبعض المعطيات التي نود إيرادها هي :
أولاً : تقدّم قبل فترة عدة سنوات في مجلس الشيوخ الأميركي، النواب : الجمهوريان نورم كولمان ولوت ترنت، والديمقراطيان ريتشارد دوربن وفرانك لوتنبرغ، بمشروع قرار، إلى مجلس الشيوخ، حول اللاجئين في «الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا»، يركزون فيه على فكرة «للاجئين الفلسطينيين حقوق… وهناك لاجئون يهود… لهم الحقوق ذاتها أيضا»، وتكمن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في التوطين والمساواة حيث هم، في ظل عملية التبادل السكاني التي حصلت بين يهود البلدان العربية الذين هاجروا إلى إسرائيل وبين اللاجئين الفلسطينيين الذين حلوا في البلدان العربية، وعليه يقترح النواب الأربعة، إعتبار مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بديلاً لعمل وكالة الأونروا.
ثانياً: وفي ظاهرة خطيرة، تحدث ولأول مرة منذ تأسيس الوكالة عام 1949، قامت الوكالة قبل عام مضى بشطب أسماء (168940) لاجئا فلسطينيا مسجلا في سجلاتها (فقد تم شطب إسم 19219 لاجئا من لبنان، ومن سوريا 9024 لاجئاً، ومن الأردن 19886 لاجئا، ومن غزة 211 لاجئا، ومن الضفة 121023 لاجئا) وقد تراجعت الوكالة عن ذلك بعد الحملة السياسية والدبلوماسية التي تم فيها مواجهة بعض الأطراف المتنفذة والتي تأتمر بأوامر أميركية خارج نطاق مرجعية الوكالة المتمثلة بالأمم المتحدة.
ثالثاً : قُدم مشروع قانون لمجلس الشيوخ الأميركي من قبل السيناتور الجمهوري (مارك كيرك) الذي يعتبر أحد المؤيدين المركزيين لإسرائيل في واشنطن والذي طالب الإدارة الأميركية بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين وتفسير إرتفاع عددهم من (750) ألف لاجئ في عام 1950 إلى خمسة ملايين لاجئ اليوم على الرغم من وفاة عدد كبير من هؤلاء الذين هجروا من ديارهم. لكن وبعد حملة سياسية عربية وفلسطينية ناجحة عادت الخارجية الأميركية وقالت «إن الولايات المتحدة تعترف بوجود خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وأنها تتبنى قرار الأونروا بشأن حق أنسال اللاجئين بمكانة لاجئ» وأن «هذا التعديل يعتبر تدخلاً في موضوع يجب أن يتم حله في المفاوضات».
رابعاً: إقرار مجلس الشيوخ الأميركي قبل عدة أشهر قراراً يقضي بإعادة النظر في حجم التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة (الأونروا) والتي تؤكد في تعريف نفسها «إنها ستواصل العمل على تقديم المساعدات للاجئين حتى إيجاد حل لقضيتهم». فقد صادقت لجنة الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ (26/05/2012)، على تعديل صغير في قانون المساعدات الخارجية وتقليص الدعم الأميركي للأونروا، فالولايات المتحدة تقوم سنوياً بتحويل مبلغ (250) مليون دولار للأونروا.
أخيراً، إن الجهد العربي والدولي مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى للمحافظة على عمل وكالة الأونروا واستمرارها إلى حين تحقيق عودة كل اللاجئين الفلسطينيين طبقاً لقرار إنشائها. وفي هذا السياق تُشكر دولة الكويت على الدفعة الأخيرة من المساعدات التي قدمتها قبل أيام دعماً لبرامج عمل الوكالة داخل أوساط فلسطينيي سوريا، وبقيمة (15) مليون دولار وذلك من أصل مجموع تبرعها البالغ (300) مليون دولار للأمم المتحدة.
شيخ الأسرى الفلسطينيين… أغرب من الخيال!
بقلم: فايز رشيد (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
أكثر من 42 عاماً (أغلبها) قضاها في زنزانة منفردة، وكأنه خارج حدود الزمن والتاريخ، لا يسمع ولا يكلّم غير سجّانيه، زنزانة منفردة، رطبة، عتيقة، لا يتصل بأحد ولا يزوره أحد. فعلياً هو في غياهب النسيان. معزول، لا يسمع أخباراً ولا يقرأ صحيفةً، فقط بين يديه القرآن الكريم الذي صاحبه طوال فترة سجنه.
أكثر من 42 عاماً وهو بين أيدي الجلادين، يدفعون إليه بوجبات طعام لا يسمن ولا يُغني من جوع. تتوالى النهارات والليالي عليه مغموسةً بالوحدة والوحشة والابتعاد عن أي مظهر حياتي. ما يشعره بالكون هو سجّانه فقط، كان يتغير هو الآخر بين الفينة والأخرى! لا نكتب روايةً خيالية. إنها قصة سجين فلسطيني اسمه، الشيخ حسن اللاوي من القرية الفلسطينية ‘كفر اللبد’. انهى علومه في كلية العلوم بنابلس في أوائل الثلاثينيات. عمل مدرسا وإماماً متنقلاً بين العديد من قرى وبلدات فلسطين وشرق الأردن. استقر به المطاف أثناء ثورة عام 1936 في المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف.
حين كان في المسجد، اقتحم ضابطان وبعض الجنود الإنكليز، الحرم الشريف، جاءوا يبحثون عن الثوار. استباحوا الحرم الطاهر، لم يحتمل الشيخ حسن المنظر، استفزّه البريطانيون، بحث عن سلاح فلم يجد تحت يديه سوى خنجر، تناوله وطعن به ضابطاً بريطانياً من المهاجمين. اعتقله الجنود، حوكم.. كان ذلك في عام 1939 حكم عليه بالإعدام وأودع سجن عكا في المنطقة التي احتلت في عام 1948، بسبب مكانته الدينية والعلمية تدخل مفتي القدس وشيوخ وأئمة مساجد فلسطين وخُفف عنه الحكم إلى السجن مدى الحياة. الشيخ حسن كان متزوجاً وله ابن وابنة صغيران. ما لبثت أن ماتت طفلته في العام التالي لاعتقاله، ثم ماتت زوجته. بقى ابنه الذي التحق بعائلة عمّه. كان له من العمر أربع سنوات. كان اقرباؤه يزورونه في السجن حتى حدوث النكبة واحتلال الجزء الأكبر من فلسطين في عام 1948. غادرت عائلة شقيقه ومعها غازي (ابن الشيخ حسن) بعد أن جرى تهجيرها مثل ثلاثة أرباع مليون فلسطيني، أُجبروا على الفرار والهجرة بفعل العصابات الصهيونية الإرهابية، أثناء حملات التطهير العرقي الصهيوني للفلسطينيين. استقر المقام بالعائلة في الأردن، لم يعرف أقرباؤه، هل تم إطلاق سراح الشيخ حسن أم أنه مات؟ أو جرى قتله في السجن! أو أن البريطانيين قاموا بترحليه معهم وأودعوه سجناً في بريطانيا؟
قدّموا طلبات كثيرة للصليب الأحمر الدولي في الأردن، ولكن ما من جواب. أنكرته سلطات الاحتلال الصهيوني.
الشيخ حسن في زنزانته لم يعرف شيئاً عن اغتصاب فلسطين ولا عن أحداثها. افتقد أهله، اعتقد أنهم ماتوا جميعاً، فلسنوات طويلة لم يقم أحد بزيارته.
بقي الأمر هكذا حتى عام 1967 حين قام الكيان الصهيوني باحتلال باقي الأرض الفلسطينية وسيناء والجولان ومناطق من جنوب لبنان. كبر الابن قام بزيارة إلى اقرباء بعيدين له في الضفة الغربية. تقصّى الأخبار عن والده، عرف من إحدى العمات البعيدات، أنه في سجن عكا، وهي حاولت زيارة الشيخ، لكن سلطات الاحتلال لم تسمح لها، بسبب قرابتها البعيدة للشيخ. ذهب الابن إلى عكا، وكان سجن عكا قد تم هدمه، أخبروه أن والده موجود في ملجأ للعجزة في منطقة (برديس حنا) قرب الخضيرة. تعب كثيرا حتى وجد الملجأ، وبعد جهود مضنية، سمحوا له بزيارة والده. يقول الابن عن أبيه: عندما قابلته، ذهلت، فقد وقع بصري على شيخ طاعن في السن، تغطي وجهه وصدره لحية بيضاء طويلة. لقد بدا والدي وقتها كرجل قادم من عالم آخر بملابسه الممزقة والمرقعة. نظر إليّ ولم يعرفني. عذرته، فقد فارقني وعمري 4 سنوات. قلت له أنا ابنك الوحيد غازي… أشاح بوجهه عني بعيداً، ولم يصدق أنني ابنه! ثم كيف يتعرف علي وهو يعتقد أنني – أنا وأقاربه- قد تركناه طوال هذه السنين، من دون أن نسأل عنه أو نزوره. ويستطرد الابن، مما زاد في آلامي أنني لم أكن أستطع أن أفعل له شيئاً وهو يعيش بين المعتوهين والمعقدين، لا سيما أنني أعلم أنه لا يعاني من أي شيء في عقله أو جسده.
طلب الابن من إدارة الملجأ تسليم أبيه له، رفضت وادّعت أن الأب هو من مسؤولية وزارة الداخلية الإسرائيلية ولا بد من أخذ موافقتها. أوكل الابن الأمر إلى محام من منطقة عام 1948. واستمرت المماطلة منذ عام 1967- 1983 ففي عام 1983 وافقت إسرائيل على إطلاق سراح الأب شريطة مغادرته إلى الخارج. لم تُعطه هوية أو إثباتا يفيد بأنه حي ومن فلسطين. إسرائيل أجبرت الابن غازي على التوقيع بأنه المسؤول مسؤولية تامة عن مصير والده. لقد أُطلق سراح الشيخ حسن، وهو قاب قوسين أو أدنى من الموت. لم تشأ إسرائيل أن يموت لديها، وإلا لم تكن لتوافق على إطلاق سراحه. تركوه: شيخاً هرماً، عليلاً بأمراض عدّة. تركوه شبه إنسان جاء من اعماق الماضي السحيق. لم يرحموا شيخوخته وقصته المأساوية. جاء الشيخ إلى الأردن، سكن في بيت ابنه غازي وقد أصبح له سبعة ابناء وبنات. لم يتفاعل الشيخ مع عائلة ابنه ولا مع الناس، وكأنه يعيش في الوهم. كان الابن قبل قدومهما إلى الأردن قد اصطحبه لزيارة قريته كفر اللبد، لم يتعرف عليها أو على أحدٍ منها. اصطحبه الابن إلى القدس وإلى الحرم القدسي لعله يستعيد بعضا من ذاكرته! لم يتعرف على الحرم وأنكر أن هذه المدينة هي بيت المقدس. عاش الأب ثلاثة شهور فقط ثم مات. لقد عاش وحيداً ومات وحيداً.
هذه هي مأساة مناضل وأسير فلسطيني، لو جرى كتابة رواية بهذا المضمون، لاعتقد القارئ بأنها رواية خيالية، لكن ما كتبناه جزء يسير من معاناة ومأساة هذا المناضل الوطني الفلسطيني. لو أن الأحداث التي مرّ بها، عاشها إنسان يهودي أو أمريكي أو غربي عموماً، لرأيناها رواية مكتوبة ومترجمة إلى كل اللغات، ولشاهدناها فيلماً سينمائياً ومسلسلاً تلفزيونياً، ولما بقي مطلق إنسان على وجه البسيطة لا يعرف ما حصل مع صاحبها.
منذ ما يقارب القرن، يعاني الفلسطيني عذاباتٍ مريرة، لربما أشد معاناة مماعاشه الشيخ حسن. لكن المعاناة الفلسطينية تظل للأسف في وسطها المحدود. مناضل يُسجن في عهدين: بريطاني وصهيوني. تنكره إسرائيل (الدولة الديمقراطية التي تحافظ على حقوق الإنسان! كما يدّعي الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة).
قصة هذا المناضل البطل جاءت إليّ في وقتها، في يوم الأسير الفلسطيني في 17 نيسان/ إبريل الحالي، علّها تكون مدخلاً من أجل الحرص على الاطلاع على أوضاع ما يقارب الخمسة آلاف سجين وسجينة من الفلسطينيين، بينهم الشيوخ والمرضى والأطفال والنساء ومن بينهن الحوامل. ما يزيد عن الخمسين أسيراً يعانون من مرضى السرطان، ومنذ عام 1967 استشهد 207 أسرى من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، منهم من جرى قتله على أيدي المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) ومنهم من توفي نتيجة الإهمال في العلاج وآخرهم الشهيد ميسرة أبو حمدية.
أبطالنا في الأسر بإراداتهم الصلبة وبعنفوانهم وإبائهم وفلسطينيتهم المزروعة عميقاً في عقولهم، ينتصرون على الجلاّدين الصهانية من السجّانين، لم يستطيع هؤلاء هزم الإرادة لديهم، يخرجون من السجن وهم أكثر التصاقاً بوطنهم الأصيل وأرضهم الطيبة الحانية، يخرجون أشد انتماء، لقضيتهم الوطنية ولحقوق شعبهم ولوطنهم العربي الكبير. ما من سلاح بين أيديهم سوى الإضراب، وها هو سامر العيساوي يتجاوز في إضرابه عن الطعام التسعة أشهر.
الجلاّد الصهيوني تفوق على النازية في أساليبه التي يقترفها ضد أسرانا، لكن مهما عذّبوا أسرانا الأبطال، سيظلون فلسطينيين: يخـــــتزلون وطنهم أنفاساً دافئة في صدورهم وحقيقةً جميلة في قلوبهم، ومعنى خالداً في عقولهم، وتاريخا عريقا يسري في دمائهـــــم. نعم …انهم فلسطينيون. كل التحــــية لذكرى شـــيخ الأسرى الشيخ حسن اللاوي ولكل أسرانا في المعتقلات والسجون الصهيونية.
جون كيري والإخوان.. اللف والدوران
بقلم: يحيى مصطفى كامل(كاتب مصري) عن القدس العربي
يوماً بعد يوم تنحسر مساحة ما يمكن أن يقال تعليقاً على مجريات الأوضاع في مصر، ليس لأن شيئاً، بل قل أشياء لا تحدث فهي متوفرة، كارثية ومضحكة في آنٍ معاً والحمد لله، ولكن لأنها مكررة تؤكد بمزيدٍ من الدلالة والإيضاح كل ما قيل وأعيد عن الاستعصاء والفشل، اللذين باتا يشكلان السمة الأبرز والألصق بهذا النظام، كما أنها لا تعدو كونها خطوات متعثرة على طريق مشروع ‘التمكين’، تلك الكلمة – المشروع التي ابتذلت من كثرة تكرارها، على الرغم من كونها موجودة وحقيقية.
لكن الجديد الآن هو تصريحات أو ‘تقييم’ جون كيري عن مصر في جلسة الاستماع في الكونغرس، وما تزامن معها تقريباً على المستوى الداخلي من معارك القضاء المخيفة التي انتهت باستقالة وزير العدل، وذلك النمط الذي تكرس في أسلوب الصراع بين ‘فرقاء’ الوطن.
فيما يخص كيري، فالحقيقية أن الرجل، كثر الله خيره، لم يقصر، فقد لخص وأوضح مؤكداً كل تحليلاتنا وقراءاتنا في ردود الفعل الأمريكية إبان تفجر الغضب الشعبي في 25 يناير؛ فليس من شكٍ بتاتاً أن أمريكا فوجئت بذلك الحراك الشعبي، وأن المفاجأة لم تكن سارة، خاصةً حين تكشف مدى ضعف وتهافت نظام مبارك المتهالك تحت وطأة شيخوخةٍ نخرة، وبالتالي سوء تقدير أمريكا للوضع الداخلي في مصر، وما قد ينم عنه ذلك أو يُقرأ من خلال السطور عن سوء أداء أو تقدير أجهزة استخباراتها، التي تهدي صانع القرار الأمريكي، لكن كدولةٍ عظمى وكبيرة بحق، تصرفت الولايات المتحدة ببراغماتية ومرونة تسعى لحماية مصالحها وسمحت، أو لنكن أدق أصرت على التخلص من مبارك، تلك الورقة المحروقة.
ومن نفس المنطلق شرعت تعقد تحالفاتٍ مع القوى على الأرض، وهي على أية حال لم تكن تبدأ من الصفر، فهي تربطها علاقةٌ قديمة مع المؤسسة العسكرية (أشار إليها كيري بثلاثة عقود من التنسيق والتعاون) والإخوان الذي التقوا بهم من قبل وحرصوا على وجود قنوات اتصالٍ بهم. بواقعية محترفي السياسة قبلت الولايات المتحدة بصعود الإخوان المسلمين نظراً لإدراكها انهم الفصيل الأفضل تنظيماً على الارض (على الأقل حينذاك) وكونهم من الناحية الفعلية، وخلف الرطانة الأيديولوجية، يتطابقون مع مبارك في كل انحيازاته الاجتماعية السياسية، وبالتالي فهم الأكثر يمينيةً واقتراباً من الولايات المتحدة… قد لا تستسيغ الإدارة الأمريكية تلك الصبغة الإسلاموية، خاصةً حين تصدر تصريحاتٌ عنصرية ومعادية ضد اليهود من شخصٍ كرئيس الدولة، إلا أنها وفي سياق تطميناتٍ وتعهداتٍ موثقةٍ بالالتزام باتفاقية السلام وبأمن الدولة العبرية، لا تتعامل معها الا على انها ليس أكثر من ‘طق حنك’ أو’فضفضة’، الغرض منها الفرقعة الإعلامية التي اعتادتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة من قادة وساسة بلداننا الذين دأبوا على لعن أمريكا وشجبها والتنديد بها جهاراً نهاراً، وتقبيل الأيادي ليلاً وسراً.
الجديد حقاً في تصريحات السيد كيري هو ذلك التعبير عن نفاد الصبر واليأس من مقدرة د. مرسي (والجماعة من ورائه) على الارتقاء إلى مستوى تفهم الواقع، الذي ما يني يزداد تعقيداً ويؤذن بالانفجار ومحاولة الخروج من خندق تصوراتهم الأحادية اللون والاقصائية، والانخراط في حوارٍ حقيقي وجاد مع الفصائل الثورية الأخرى للعبور بالبلاد من هذا المأزق.
غنيٌ عن الذكر أننا لسنا من السذاجة بمكان لكي نتصور أن السيد كيري وحكومته يصدران عن اهتمامٍ حقيقي بشعب مصر وحرصٍ على وحدتنا الوطنية، فمصالح الولايات المتحدة تقتضي أن تظل مصر متماسكة… لن أقول قوية ومستقلة، وإلا كنت متجاوزاً على جوهر السياسة الأمريكية الاستعمارية – الجديدة ومكانة إسرئيل المحورية منها، وإنما فقط متماسكة من منطلق حرص أمريكا على استقرار المنطقة وأمن الدولة العبرية واستمرار تدفق النفط ، وإدراك أمريكا (الذي لا شك يفوق إدراك الجماعة ) أن الانفجار، الذي ذكرنا عرضاً إذا جاء فلا يستطيع أحدٌ كائناً من كان التنبؤ إلام سيؤدي، ووحده الله يعلم من سيسقط وأي واقعٍ سيفرز… وعلى الأغلب سيعادي أمريكا بطبائع الأمور والمزاج العام السائد بين الشعب وكثيرٍ من ‘النخب’ السياسية على حد سواء… ويا لها من مفارقةٍ مضحكةٍ تلك: الإدارة الأمريكية اتسمت بالمرونة وقبلت بالإسلاميين، بينما اتسموا هم بالجمود وانعزلوا عن فصائل تمثل قطاعاتٍ عديدة في شعبهم.
الأهم في رأيي من تعليقه على الحكومة وأبعد خطراً، هو إثناء السيد كيري ومديحه المفرط وإشادته حد الغزل بالمؤسسة العسكرية وأدائها، فالرجل يحدثنا عن انضباطهم وفضلهم في الحفاظ على وحدة البلاد ووفائهم بالتزاماتهم الخ..
ليس ذلك فحسب، بل إنه يعزو ذلك أو يؤكد الدور المحوري للتقارب أو الشراكة في صورة دوراتٍ تدريبية ومساعداتٍ فنية وتنسيقٍ أمني وما أشبه، بين المؤسسة العسكرية المصرية ومثيلتها في الولايات المتحدة على كل المستويات والرتب طيلة الثلاثة عقودٍ الماضية، منذ توقيع اتفاقية السلام المسخ المنكودة، فضلاً عن تأكيده المشيد بدورهم عبر الاتصال المباشر مع نظيرهم الإسرائيلي في حفظ الأمن والاستقرار على الحدود.
كلامٌ مزعج جداً، وهذا أقل ما يوصف به، والمشكلة لا تكمن في كشفه وتقييمه لطبيعة دور القوات المسلحة منذ الأيام الأولى للثورة وحتى الآن، فذلك لا يدهشنا، وإنما هي التساؤلات عمن يأمر ويحرك، بالإضـــــافة إلى الاعتراف الضــــمني الذي يشــارف الصراحة بوجود سلطتين في البلد، الأولى مدنية منتخــــبة، منزوعة الدسم وربما عديمة كل الصلاحيات، يئست الإدارة الأمريكية من إمكان صلاحها ومواكبتها للتطورات وارتقائها لمستوى الأحداث، والأخرى عسكرية منضبطة وفعالة، مرتبطة عضوياً بشكلٍ مزعج ومقلق مع الولايات المتحدة، ويمكن التعويل والاعتماد عليها. والحديث في مجمله يستدعي إلى الأذهان لا محالة النموذج التركي السابق الشهير حيث اضطلع الجيش بمهمة ‘حامي العلمانية’، أي محرك الدمى والرقيب على الساسة، الذي كان يتدخل كل عشرة سنين تقريباً بانقلاب، الأمر الذي يضفي على الواقع ظلالا كئيبة فوق كآبته الأصلية.
في المقابل، نرى الجماعة منساقةً في مشروعها من دون محاولة التوقف لإعادة التقييم والاستدراك أمام وضعٍ يزداد ترديه بصورة يومية على جميع الصعد، أمنياً واقتصادياً وتفسخاً اجتماعياً، وما معركتهم الأخيرة ضد القضاة سوى خطوةٍ أخرى على طريق التمكين. لست ممن يؤمنون بقدسية القضاة وطهرانيتهم، فهذا من قبيل الهراء الذي يخرج عن السياق الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن الفساد (بفرض أن المقصود هو التطهير) لا يقاس بالسن…هي كلمة حق يراد بها باطل والمقصود تفكيك أي مؤسسة قادرة على الحفاظ بقدرٍ ولو ضئيل من الاستقلالية عن النظام (وهو ما أثبتته تاريخياً في أمثلةٍ عديدة ليس هنا المجال لذكرها) والوقوف عقبةً في وجه مساعي السيطرة والاستحواذ.
في خلفية هذا المشهد، تدور معارك شبه يومية بين أنصار الجماعة ومعارضيهم، حرب شوارع صغيرة ومعارك كر وفر ترسخ الفوضى وتبتذل معاني العنف والدم والقتل.
إن مصر تتمزق وتنهار أمام أعيننا، والنظام ماضٍ في عناده ومكابرته وتعاميه عن الواقع، فالوضع غبي يجمع بين تناقضات عجيبة، من ناحية هناك تبلد النظام وهناك سخونة الشارع.. الكل ينتظر شيئاً ما يحسم تلك الحال من انعدام الاستقرار وفشل الدولة؛ المشكلة أن أحداً لا يملك تلك القوة، باستثناء المؤسسة العسكرية نظرياً.
وفي ضوء تصريحات السيد كيري (وما قد تشير إليه من ضوءٍ أخضرٍ وشيك…) واستمرار ذلك الأداء المبهر والمعارك العظيمة التي يخوضها د. مرسي وجماعته هل يتعين علينا أن ننتظر البيان العسكري رقم واحد للانقلاب من قبل ‘زمرة من الضباط الشرفاء’؟
«مقاومة» في المعادلة العربية
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
ما قاله أحد مسؤولي «حزب الله» اللبناني عن مشاركته في القتال داخل سورية الى جانب النظام لا يكشف فقط طبيعة العلاقة التي يريدها هذا الحزب لجمهوره، الشيعي في غالبيته الساحقة، بالدولة اللبنانية، وإنما يكشف ايضاً طبيعة العلاقة التي يريدها النظام السوري لجمهوره مع الدولة السورية.
لقد أصبح الانتماء المذهبي - السياسي هو الوطن، بعدما كان يمثل «أشرف الناس». ومن هو خارج هذا الانتماء يُقبل انتسابه الى هذا الوطن شرط التخلي عن مواطنيته القانونية والدستورية. هكذا يطالب الحزب جميع اللبنانيين الذين يريدون ان يحظوا باعترافه بهم ان يتحولوا عن الوطن الى تأييد قتاله الى جانب أبناء مذهبه خارج حدود لبنان المعترف بها دولياً. والمسألة لا تتعلق هنا بمجرد تحرك عدد قليل من الاشخاص في ظل مهمة ما يريد الحزب تنفيذها في الخارج، أو بمجرد عملية يمكن للقيادة التنصل منها وتنسبها الى عناصر غير منضبطة او مخترقة، وانما تتعلق بقوات عسكرية تابعة مباشرة للحزب وتأتمر بأمر قيادته المركزية، في إطار غرفة عمليات مشتركة.
سواء كان الذين يقول الحزب انه يقاتل من أجل حمايتهم في سورية لبنانيين أم من جنسية وطنية اخرى، سواء كانوا شيعة أو ينتمون الى مذهب آخر، سواء تعرضوا لاعتداء ومحاولة تهجير أو هم من اعتدوا على آخرين، فكل ذلك لا يلغي حقيقة اساسية في سلوك الحزب وهي انه يؤكد مسؤوليته، كحزب، عن حماية اشخاص بعينهم حماية قانونية وأمنية. فيسلخهم عن وطنهم الذي هو من ينبغي ان يتولى هذه المسؤولية والحماية. وكما هو معروف فإن الذين يقول الحزب انه يحيمهم من الشيعة، فإن الحزب يعمل بشكل واع من أجل سلخ الشيعة اللبنانيين عن الوطن الللبناني وإلحاقهم بـ «الوطنية» المذهبية، لتتخذ مواقف الحزب من كل احداث المنطقة معاني جديدة كليا، خصوصاً عنما يشير الى وضع الشيعة في الخليج عموماً. فهو يسلخهم عن بيئتهم الخليجية ويضعهم في «الوطن» المذهبي. لتتأسس «وطنية» جديدة على مستوى المنطقة، انطلاقاً من اقتتال سيورث بالتأكيد مضاعفات خطيرة على التعايش بين مكونات الوطن الدستوري والقانوني.
ولا يخفى على أحد، خصوصاً «حزب الله» ومرجعيته ايران، على ان الشيعة أقلية عددية في المنطقة العربية، لا يمكن ان يتاح لها مهما بلغت درجت التعبئة والتسليح من إخضاع الآخرين. خصوصاً بعد انكشاف تجربة حكم النظام السوري خلال العقود الاربعة الماضية.
هكذا تتحول سياسة «حزب الله» في سورية الى نقطة تحول في الانشقاق المذهبي والى تهديد للشيعة العرب على المدى الطويل بالدرجة الاولى.
في موازاة ذلك، تنكشف كل المناورات السياسية التي يستخدمها الحزب في لبنان. ولتسقط بذلك معاني المعادلة الشهيرة التي على أساسها لا يزال الحزب راضياً بنوعية المعادلة السياسية في لبنان، وهي معادلة «الجيش والشعب والمقاومة». فالحزب الذي لا يعترف بالوطن اللبناني ولا بدولته ولا بدور جيشه، يحوّل الوطن اللبناني مجرد «قاعدة» عسكرية له مستقلة عن الدولة وأجهزتها، بما فيها الجيش، والمنوط بها وحدها حماية اللبنانيين. ولتتغير وظيفة المقاومة في المعادلة من مواجهة اسرائيل الى الإنخراط في قتال في الداخل العربي على أساس مذهبي.
وليس القلق العربي الكبير من التعامل الايراني مع العرب والتحركات في داخل بعض البلدان العربية والتي تتهم طهران بتحريكها، وما يشهده العراق من تصعيد من الحكم ازاء مطالب السُنّة سوى ترجمة للوظيفة الجديدة للمقاومة.
«مقاومة» و«ممانعة».. في خدمة «مشروع الشرق الأوسط الجديد»
بقلم: إياد أبو شقرا عن الشرق الأوسط
الشيخ نبيل قاووق، نائب رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله وأحد أبرز قادته في جنوب لبنان، اعتاد اللبنانيون على خطبه الصريحة في المناسبات الاحتفالية، بمختلف أحجامها وأنواعها، غير أن اللازمة الدائمة التي لا تحول ولا تزول في خطب الشيخ قاووق هي الإصرار على ثابتة «المقاومة».
في قاموس الشيخ «المقاومة» كلمة تختصر كل شيء. إنها ثابتة في الزمان والمكان. فوق مستوى التعريف والشرح والتحليل. «المقاومة» هنا فلسفة وجود وعصب حياة... التشكيك فيها جريمة والتساؤل حولها خطيئة.
بالأمس، كان جمهور جنوب لبنان على موعد مع خطاب آخر للشيخ قاووق، تطرق فيه – طبعا – إلى «المقاومة». والجديد المثير في الخطاب أنه جاء على خلفية التقارير الميدانية من الريف المحيط بمدينة القصير الحدودية السورية. في ريف القصير يمارس شباب «الحزب» نوعا مختلفا من «المقاومة»... هي مقاومة قيام سوريا حرة يحكمها شعبها، بدلا من طغمة أمنية – طائفية «احتلت» منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن.
وما يضع الأمور في إطارها الصحيح كلام الرئيس السوري بشار الأسد لدى استقباله وفدا عرمرميا من جماعات «8 آذار» المؤمنة بطروحاته «القومية» و«إصراره» على تحرير فلسطين، إذ قال ما معناه إنه لا يجوز للبنان أن ينأى بنفسه عن الوضع في سوريا، بل يجب عليه المشاركة في مقاتلة «الجماعات المسلحة». وأضاف أن «تحرير» القصير خطوة على الطريق لـ«تحرير» حمص.
كلام الأسد واضح إذن. وموقفه قاطع من أي مبادرة سلمية دولية، فهو منشغل بواجب «تحرير» مدن سوريا – من سكانها على الأرجح – بعدما تعذر عليه تحرير فلسطين.
عودة إلى الشيخ قاووق...
الشيخ قال بالأمس: «المقاومة تمثل اليوم ضرورة وطنية استراتيجية لمواجهة أي محاولة إسرائيلية لاستثمار الأزمة في سوريا (كذا)، كما أن الواجب الوطني يفرض علينا أن نحصن الوطن وإنجازات المقاومة من أي محاولة إسرائيلية... الواجب الوطني يفرض علينا أيضا أن لا نسمح لأميركا وإسرائيل بتحقيق أي مكاسب على حساب قوة لبنان. قوة لبنان هي في معادلة الجيش والشعب والمقاومة». ثم استطرد: «كما انتصرنا على إسرائيل عسكريا نحن ننتصر على أميركا سياسيا، إن بتشكيل الحكومة وإن بالانتخابات النيابية، ولن تحصد أميركا غير الخيبة على الرغم من كل السموم الأميركية التي تبثها في الواقع اللبناني».
ما أتذكره، كمراقب، ويتذكره جيدا اللبنانيون أن حزب الله وافق على قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يمنع وجوده العسكري – أو «المقاوم» – جنوب نهر الليطاني. وهذه الموافقة ساعدت «الحزب» على توجيه سلاحه.. أولا إلى الداخل اللبناني اعتبارا من 2008، ثم خلال العامين الماضيين إلى الداخل السوري. وهذا يعني أن الجبهة الوحيدة الهادئة حاليا بالنسبة لـ«المقاومة» هي الجبهة الجنوبية التي قامت «المقاومة» أصلا من أجلها، أي تحرير جنوب لبنان.. ومن ثم فلسطين.
كيف تحولت «المقاومة» من الجنوب إلى الشمال؟ وكيف تنظر إسرائيل وينظر داعموها في الولايات المتحدة إلى هذا التحول؟ ما سر الارتياح الإسرائيلي لما يجري في سوريا منذ أكثر من سنتين؟... ثم ما سر الإصرار الأميركي على ترك سوريا تتمزق من الداخل؟.. مع أنه ثبت بالأرقام والأحداث أن الانهيار البطيء حوّل أراضيها إلى وجهة مثالية للأصوليين الجهاديين يأتونها من مختلف أنحاء العالم.. وإذا كان لنا تصديق السيد الأخضر الإبراهيمي، الموفد الدولي – العربي، يقاتل في سوريا اليوم نحو 40 ألف مقاتل أجنبي.
باعتقادي الإجابة على السؤال الأول بسيطة، وهي أنه ما عادت هناك «مقاومة»، بل هي التزام بمشروع إقليمي تكشف الأيام أن تفاصيله قيد المساومة دوليا. «المقاومة» اليوم هي المسمى المهذب للدور الموكل لحزب الله في تنفيذ تفاصيل مشروع «سايكس - بيكو» جديد، باسم إيران وبمباركة إسرائيل، تحت رعاية روسية – أميركية.
إسرائيل، من جانبها، مرتاحة للحقد الفئوي المضاد الذي يثيره قمع دموي يمارسه نظام فئوي، مدعوما بمقاتلي تنظيم فئوي، في ساحتين لمتاخمتين لها هما سوريا ولبنان. ومن المستبعد جدا أن يكون حزب الله، ومن خلفه الحكم الإيراني، قد فوجئ.. أولا برد الفعل المتشدد في الشارع السني في سوريا ولبنان، وثانيا بزحف الجماعات الجهادية على الداخل السوري من كل فج عميق.
قبل سنوات بدأنا نسمع عما سمي بـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». ويومذاك قيل لنا إن وراءه تيارات غربية – صهيونية على رأسها «المحافظون الجدد» في الولايات المتحدة. وبعد نشر خرائط تقسيمية للمنطقة مدعومة بتوصيات لبعض مراكز الأبحاث، هب كثيرون مطلقين دعوات حارة للتصدي للمشروع. لكنّ أحدا، ولا سيما أصحاب الحناجر القوية، لم يشرح للناس آلية تنفيذ مخطط من هذا النوع، بل يظهر أن هؤلاء توهموا أن معدي «مشروع الشرق الأوسط الجديد» سينجزونه بقرار سياسي معلن. لكن ما أثبته مرور الزمن أن أولئك الذي كانوا أشرس مهاجميه لفظيا... كانوا على رأس المساهمين في تنفيذ بنوده فعليا.
اليوم يقود حزب الله ونظام بشار الأسد، اللذان يجسدان – كما قيل لنا – زبدة «المقاومة» و«الممانعة»، عبر تدمير سوريا ولبنان وتمزيق نسيج مجتمعيهما، عملية التنفيذ الفعلي لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد».
أن يقدم مسلحون جهاديون من خارج سوريا، بالأمس، على خطف أسقفين قرب حلب – أحدهما كان مرشحا للبطريركية قبل أن ينتخب شقيقه للمنصب – وأن يتسارع إيقاع التهجير والفرز الطائفي والنهوض بـ«الواجب الاستشهادي» في أراضي المحافظات السورية، أمام تواطؤ عنيد من المجتمع الدولي، فهذا دليل قاطع على التنفيذ الدقيق لـ«مشروع الشرق الأوسط الجديد». «مقاومة» و«ممانعة» من هذا النحو مكونان ضروريان لإنجازه.
أردوغان الذي يصارع على أكثر من جبهة
بقلم: سمير صالحة عن الشرق الأوسط
الإنجازات السياسية التي يحققها رجب طيب أردوغان في الداخل التركي والأهداف اليومية التي يسجلها في مرمى المعارضة باحتراف لا يمكن القول إنها تتحقق أيضا على رقعة الشطرنج الإقليمية في هذه الآونة تحديدا. التفوق التركي في السياسة الخارجية التي رسم الخوجا داود أوغلو معالمها ووضع أطرها يهتز في أكثر من مكان، وأنقرة باتت تواجه مشكلة زيادة عدد المتاريس وتحصين مواقعها السياسية والأمنية والاستراتيجية حيال أكثر من ملف وأزمة ورياح عاصفة تهدد من كل صوب بعكس ما تشتهي السفن التركية.
كنا نظن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري حضر للمرة الثالثة إلى تركيا خلال أقل من شهرين للمشاركة في إنجاح أعمال مؤتمر أصدقاء الشعب السوري وتوسيع رقعة الاعتراف بالمعارضة السورية وزيادة التأييد السياسي والعسكري لها، فجاء يتحدث عن دعم لوجيستي غير قاتل وضرورة التمسك باتفاقيات جنيف وطاولة الحوار، لا بل وقف هو أمام العدسات التركية يتحدث عن سلبيات الزيارة المحتملة لأردوغان إلى غزة في هذه الظروف غير الملائمة وكأنه ينقل المطالب الإسرائيلية والنصائح الفلسطينية التي يرددها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومن إسطنبول نفسها حول المخاطر والانشقاقات الجديدة التي قد تقود إليها مثل هذه الزيارة.
وكنا نعتقد أن إسرائيل قبلت الهزيمة والتراجع أمام التصلب التركي فإذا بها تطل علينا بخبر نشرته إحدى الصحف البريطانية تعرض فيه إسرائيل على تركيا صواريخ متطورة بعيدة المدى مقابل السماح لها باستخدام قاعدة عسكرية قرب العاصمة التركية نفسها استعدادا لأي مواجهة إسرائيلية مع إيران.. لا بل نحن كنا نستعد لوصول مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب عميدرور إلى أنقرة سعيا للتوصل إلى اتفاق مع المسؤولين الأتراك حول قضية تعويض ذوي القتلى الأتراك في «أسطول الحرية»، فإذا بتل أبيب تروج لأخبار تتحدث عن التمسك باتفاقيات التعاون في مجالات الطاقة مع قبرص الجنوبية واستبعاد قبول الاستفادة من الخدمات التركية لنقل غازها إلى أوروبا، وأن العلاقات بين تل أبيب وأنقرة لن تعود أبدا إلى سابق عهدها.
وكنا نتوقع أن تنجح أنقرة في إقناع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هامش أعمال مجموعة التخطيط الاستراتيجي التركي - الروسي في إسطنبول بتليين المواقف وتغييرها حيال الأزمة السورية فإذا به يسارع لإطلاق تهديداته وتحذيراته على مرأى ومسمع الأتراك فيحمل المعارضة السورية مسؤولية إيصال الأمور إلى ما هي عليه اليوم في سوريا ويقطع الطريق على أي قرارات قد تصدر عن مؤتمر إسطنبول تتعارض مع مصالح روسيا وما تقوله في مسار المعضلة السورية وسبل حلها.
مصير حكومة هيتو التي وضعت أسسها في تركيا أيضا ما زال غير معروف، وأنقرة تتهم بأنها هي التي تسرعت بالوقوف إلى جانب طرح من هذا النوع من دون اتفاق شرائح المعارضة السورية على تحديد مهام ودور هذه الحكومة، البعض يحاول أن يترك تركيا أيضا أمام ورطة دعم مشروع الإسلام السياسي في سوريا بين كفتي الإخوان و«القاعدة» على حساب استبعاد القوى الليبرالية والعلمانية من المشاركة في صناعة مسار العملية السياسية.
آخر التحركات ضد أنقرة جاءت هذه المرة من قبل ذوي المخطوفين اللبنانيين في أعزاز الذين يحملون أردوغان وحكومته جزءا كبيرا من المسؤولية في الاختطاف وتعقيد خطوات الإفراج عن المحتجزين فسارعوا منذ أسبوع لاستهداف المصالح التركية في لبنان.. احتجاز الشاحنات التركية المحملة بأسماك «جمال باشا أردوغان» وتشميع مكاتب الخطوط الجوية التركية وإغلاق المركزين التجاري والثقافي في بيروت والاعتصام أمام مبنى السفارة والتلويح باللجوء لاختطاف مواطنين أتراك والمطالبة بمغادرة السفير التركي للأراضي اللبنانية.
خبر قصير جاء في آخر لحظة يقول إن طالبان احتجزت 8 مواطنين أتراك بعد هبوط اضطراري لطائرتهم في أفغانستان.
الكثيرون يريدون تصفية حساباتهم مع أنقرة بسبب ملفات إقليمية كثيرة يتقدمها الملف السوري والإيراني والإسرائيلي والفلسطيني، وحكومة العدالة والتنمية التي تعرف أنها محاولات لن تتوقف بل على العكس ستتزايد، كلما قاومت ونجحت في التصدي لهذه الهجمات المباشرة أو عبر وكلاء، تعرف أيضا أنها لا بد أن تكون جاهزة للمنازلة طالما أنها أعطت قرارها حيال أكثر من أزمة إقليمية محيطة حتى ولو كان الثمن التفاهم الأميركي - الروسي - الإيراني - الإسرائيلي ضد مصالحها.
كلمة الرياض: سوريا.. هل تكون قاعدة حرب سنية.. شيعية؟!
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
الأسد الأب قتل ما يزيد على ثلاثين ألفاً في حماة، والابن قتل ما يصل إلى ثمانين ألفاً في عامين من الشعب السوري، ولا مانع من إلحاق الملايين إلى المقابر سواء بأسلحة كيماوية أو عادية عندما يقوي إرادته بدعم روسيا وإيران وحزب الله، لكن دخول الأخير الحرب مع الأسد ضد الشعب السوري لا يتجدد خطره على جملة قرى في منطقة القصير، إذ إن هذا الإعلان سوف يدفع بسنة لبنان حماية أبناء طائفتهم واخوتهم واللعبة أكبر من أن يتحملها بلد مأزوم أصلاً بتعدد ولاءاته وعدم استقراره وتنافر عناصره..
الحكومة اللبنانية خارج الخدمة في هذا الصراع، لأنها غير قادرة على تحجيم مغامرات حزب الله، وفي داخلها انقسامات حادة، والجيش يعتبر ما يجري صراعاً بين السوريين والشيعة اللبنانيين وهو أيضاً يخشى أن يتمزق لو تدخل في الأحداث الجارية، والنتيجة ان النظام السوري وحزب الله وإيران يسعون لبناء دولة العلويين على الساحل في حال سقوط دمشق وبخطط بدأت مع الأيام الأولى للثورة، وقد لا تنتهي أمام التحالف الجديد بخلقها على الواقع بتطهير القرى في منطقة القصير من سكانها، وإعادة توطين شيعة لبنان على الحدود مع علويي سوريا، ولو نجح هذا المخطط، فإن الحرب الأهلية في كلا البلدين ستستعر بين سنة وشيعة، وقد يضاف لها عناصر مسيحية وكردية تلتقي أهدافها مع طرفي الحرب، وتطيل عمرها إلى سنوات غير معلومة..
دولة العلويين بدأت خيوطها قبل جلاء القوات الفرنسية، وطرحت من جديد أيام الأسد الأب، وهي الآن قيد التنفيذ، لكن هل هناك مقومات لدولة كهذه وماهي المعايير التي ستقوم عليها سياسياً واقتصادياً، ومن سيعترف بها من قوى دولية ومنظمات عالمية، وما تأثيرها على تركيا التي تؤوي أعداداً كبيرة من العلويين، عندما تخرج من نزاع مع الأكراد، إلى دولة علوية قد تدفع بعناصر تركية إنشاء الدولة الأكبر، وهذه المرة على الأرضين السورية والتركية؟
ثم ماذا عن تآلف، أو تحالف سني لبناني - سوري، وربما عراقي لفتح الحدود بين هذه البلدان لدعم المعارضة السورية، وإعلان الحرب على الطائفتين العلوية والشيعية ثم بدء تدفق البشر والسلاح من أطراف وقوى مختلفة لتحوّل سوريا إلى قاعدة كبرى لمنظمات متطرفة تخلط الأوراق الإقليمية مع العربية في عمليات إرهاب، وتدخلات قد تدفع إسرائيل لخوض حروب مع جيوش عصابات قد تلغي مشروع أمن المنطقة كله؟
أوروبا الغربية التي تتفرج وتنتظر الاذن من أمريكا دعم المعارضة الداعية لسوريا ديموقراطية يمثل فيها كل الأطراف وفق نظام تعددي، وقانون يساوي بين الجميع، قد تجد تلك الدول أنها فوتت الفرصة بخلق طرف يحافظ على وحدة الشعب والجغرافيا السوريين من التمزق ولا يسمح لأطراف راديكالية أن تجد مناخاً لها بمعاداة كل الأطراف، وخاصة وجود عملي للقاعدة التي توجد نواتها بجبهة النصرة، وربما تلتف على غيرها من القوى المسلحة، وخاصة ان حزب الله قدم المبرر أن ينشأ تيار إسلامي يواجهه بنفس الشعارات بعد حملته على سوريا، وقد لا تقتصر المسألة على هذه الحدود إذا ما تطورت الأمور إلى صراع كبير بين الاقلية الشيعية في العالم والأكثرية السنية، وكيف سيصبح أمن المنطقة والعالم معاً؟.
صواريخ إيلات و”قبة الأوهام” الحديدية
بقلم: مأمون الحسيني عن الخليج الاماراتية
أعاد السجال السياسي والأمني والإعلامي، ما بين مصر و”إسرائيل”، والمتعلق بالمكان الذي انطلقت منه القذيفتان الصاروخيتان اللتان سقطتا في مدينة إيلات الواقعة على خليج العقبة، قبل أيام، تسليط الضوء على منسوب الابتزاز المتصاعد الذي تمارسه “تل أبيب” على القيادة المصرية الجديدة التي تفعل ما بوسعها لدرء تهمة “التقصير” في معالجة الوضع الأمني على الحدود بين الجانبين عن نفسها، كما فتح (السجال) صفحة إضافية في كتاب منظومة “القبة الحديدية” التي نشرت إحدى بطارياتها في إيلات بعد ورود تحذيرات مصرية بإمكانية تعرض المدينة للقصف، ومدى فعالية وجدوى هذه المنظومة التي أنفقت عليها وزارة الدفاع الأمريكية، وفق وكالة “فرانس برس”، 204 ملايين دولار في 2011 و70 مليوناً في ،2012 إضافة إلى تخصيص 220 مليون دولار للسنة المالية ،2014 و167 مليون دولار في العام 2015 .
في الجانب الأول، وخلف غبار الإصرار “الإسرائيلي” على أن مطلقي الصواريخ على إيلات ينتمون إلى خلية “إرهابية” خرجت من غزة للعمل انطلاقاً من سيناء، وتأكيد المصادر العسكرية المصرية أن جماعة “شورى المجاهدين” الموجودة في غزة هي من أطلق هذه الصواريخ، ثمة من يعتقد بأن “إسرائيل” هي من خططت، أو ربما نفذت عملية الإطلاق . وحيثيات هذا الاتهام لا تتعلق فقط بالقضايا الفنية أو الميدانية، من نمط عدم إطلاق بطارية “القبة الحديدية” صواريخ اعتراضية، رغم اكتشافها الصواريخ، وإطلاق صفارات الإنذار في المدينة، أو سقوط هذه الصواريخ في منطقة خالية، ناهيك عن وجود كم وافر من الرادارات “الإسرائيلية” على طول الحدود المصرية التي استكمل بناء الجدار الإلكتروني فيها بطول 240 كم، والقادرة على كشف عمق سيناء، وتحديد أية تحركات في الجانب الآخر، وإنما تتصل (الحيثيات) كذلك بحاجة “تل أبيب” إلى إعادة إنتاج صورة الدولة المحاطة بالأعداء و”الإرهابيين”، وسعيها إلى التمدد عسكرياً في سيناء وإقامة منطقة عازلة ذات أهداف سياسية مستقبلية هناك تحت ذريعة فقدان الدولة المصرية سيطرتها على المنطقة التي تتحول إلى مسرح لتهديد “دول الجوار” .
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل حقيقة أن “إسرائيل” تواجه مصاعب أمنية جمّة، ليس فقط على الحدود مع سيناء، وإنما في مختلف الجبهات . ولا ينبع ذلك فقط من الضعف الاستخباراتي الذي تدّعيه الأجهزة فقط، وإنما، وبالأساس، من غياب القدرة على ترسيخ ردع فعَال تحت ظلال الظروف المستجدة التي تلف المنطقة برمتها . ولعل هذا أحد الأسباب التي دفعت الإدارة الأمريكية إلى إبرام صفقة الأسلحة الضخمة مع “تل أبيب” التي تضم، وفق ما أفادت صحيفة “معاريف” العبرية، طائرات تزويد طائرات بالوقود جواً، وصواريخ قادرة على تدمير منظومات الدفاع الجوي، ومنظومات رادار يمكن تركيبها على بعض الطائرات “الإسرائيلية”، إضافة إلى طائرات V-Os y 22 القادرة على الطيران بشكل عمودي التي ستكون الدولة العبرية الدولة الوحيدة خارج الولايات المتحدة التي تملكها .
في الجانب الآخر المتصل بالقبة الحديدية، ورغم ارتباط عدم تشغيل بطاريتها التي نصبت في إيلات مؤخراً، بالشكوك المتزايدة حيال علاقة “إسرائيل” بإطلاق الصاروخين على المدينة السياحية التي سبق أن تعرضت لست هجمات صاروخية في السنوات الثلاث الأخيرة، فإن أسئلة كثيرة عاودت الإطلال برأسها حول حقيقة فعالية وجدوى هذه المنظومة التي تتضمن كل بطارية منها راداراً لكشف الطائرات وتعقّبها، ومنظومة تحكم في الإطلاق، وثلاث قاذفات مزودة كل منها ب 20 صاروخاً اعتراضياً، ما يتيح إسقاط صواريخ يبلغ مداها من 4 إلى 70 كيلو متراً لدى إطلاقها . ولعل الأشد إلحاحاً في هذه الأسئلة هي تلك التي وضعت إشارات استفهام حول ادعاء الجيش “الإسرائيلي” أن نسبة النجاح في اعتراض الصواريخ المنطلقة من غزة، خلال العدوان الأخير على القطاع العام الماضي، بلغت 84 في المئة، لا سيما بعد تأكيد ثلاثة علماء من الولايات المتحدة، أن لا صحة البتة لادّعاء الجيش، وتقدير البروفيسور اليهودي الأمريكي ثيودور بوستول أن نجاح المنظومة “الإسرائيلية”، خلال العدوان، يتراوح بين خمسة وعشرة في المئة لا أكثر .
ويبدو أن الكفاءة المتدنية لبطاريات هذه المنظومة التي أشاع الجيش وأجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” حولها الأساطير، لم تكن هي السبب الوحيد وراء إحجام كوريا الجنوبية التي تحتاج بشدة إلى منظومات دفاع صاروخية هذه الأيام، عن شراء هذه البضاعة بعد عرضها من قبل تل أبيب مرات عدة، وبعد رفض الأخيرة مقايضة بطاريات القبة بمنظومة أسلحة وطائرات تدريب كورية جنوبية . ذلك أن أسباباً أخرى لا تقل أهمية تقف وراء هذا الإحجام، لعل أهمها الثمن الباهظ للمنظومة “الإسرائيلية” التي تسهم الإدارة الأمريكية في تمويلها . إذ، وبخلاف منظومات الصواريخ المضادة للصواريخ بعيدة المدى الأخرى التي تعادل في تكلفتها المنظومة المهاجمة، تنفرد “القبة الحديدية” بتكلفة خاصة واستثنائية، حيث تبلغ تكلفة كل بطارية منها نحو 50 مليون دولار، فيما تبلغ تكلفة كل صاروخ تطلقه المقاومة ما بين 50 إلى 80 ألف دولار .
تخندق أردني ـ إسرائيلي
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
بعد أن فشلت المجموعات الإرهابية المسلحة في تحقيق الحلم الأمريكي ـ الإسرائيلي بإسقاط الدولة السورية، رغم كل ما حصلت عليه من أموال وأسلحة ومقاتلين، وغطاء سياسي..
بعد كل هذا وذاك بات تحرك الولايات المتحدة الأمريكية مكشوفاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هؤلاء الإرهابيين التكفيريين الذين تحولت «انتصاراتهم» الوهمية على شاشات الجزيرة والعربية إلى كذبة لم يعد القلاّب والزيات وأبو نوار ولا غيرهم ممن يطلقون على أنفسهم صفة المحللين السياسيين أو العسكريين قادرين على تسويقها.. ذلك لأن تقهقر إرهابيي جبهة النصرة والمجموعات التكفيرية الأخرى وتقدم الجيش العربي السوري في جميع المناطق التي كان المسلحون يعيثون فساداً فيها، ومقتل عدد كبير منهم ومن قادتهم، كل ذلك بات يؤكد بأن الجيش العربي السوري لم ولن يعجز عن دخول وتطهير أي منطقة يريد تطهيرها من الإرهابيين، وهذا ما أفقد أمريكا صوابها، فحاولت زج عملائها وأدواتها من الأفراد والدول في المعركة مباشرة ضد الشعب السوري.. حيث أتت المصالحة التركية ـ الإسرائيلية المزعومة، والتنسيق الإسرائيلي ـ الأردني للسماح للطائرات الإسرائيلية استخدام الأجواء الأردنية للتجسس على سورية والتنسيق الأردني ـ الخليجي وتحت الرعاية الأمريكية لإدخال الأسلحة، ولتدريب وتجميع المقاتلين على الأراضي الأردنية من ثم زجهم في أتون النار التي أشعلوها ضد الشعب السوري.. كل ذلك يؤكد فشل الإدارة الأمريكية في تحقيق أهدافها المشبوهة في المنطقة كما يؤكد أن الشعب السوري وجيشه الباسل وقيادته الواثقة تخطت المراحل الأصعب في هذه المؤامرة الكونية، وأن حلمهم في إسقاط الدولة السورية صار كحلم إبليس في الجنة..
لكن ما يمكن ملاحظته بوضوح الآن أن معسكر الحرب على الشعب السوري بات أكثر علانية من ذي قبل وهو يضم بشكل سافر أمريكا ـ «إسرائيل» ـ تركيا ـ قطر ـ السعودية ـ فرنسا ـ بريطانيا ـ تنظيم القاعدة ومجموعات تكفيرية تم استجلاب مقاتليها من أكثر من 24 جنسية.. وفشل هذا المعسكر العدواني في كسر إرادة الشعب السوري هو ما جعلهم يستصرخون صرخة الهزيمة، وهو ما جعل رئيس الائتلاف الذي شكلوه في الدوحة وفق المقاسات الأمريكية ـ الإسرائيلية يستقيل مرات عديدة وربما في اليوم الواحد، كما جعلت ما يسمى «الجيش الحر» يرفض رئيس حكومة التآمر هيتو الحامل للجنسية والأوامر الأمريكية، كما جعلت العديد من أعضاء «ائتلاف الدوحة» يعلنون انشقاقهم عن تلك الكيانات التي لم تقدم شيئاً سوى التآمر على الشعب السوري بكل مكوناته.
ألم يحن لهؤلاء المتآمرين أن يكفوا عن تآمرهم وعن المراهنة على أعداء الوطن؟
ألم يحن لهؤلاء الحفاظ على ما تبقى من ماء وجوههم اليابسة والعودة للتفكير في مصالح وطنهم، أم أن الأموال القطرية قد أعمت بصرهم وبصيرتهم؟.. لم يعد هنالك سوى الحل السياسي والجلوس إلى طاولة الحوار الوطني لإنهاء الأزمة، ووقف شلال الدم، ومداواة الجراح. ومن ير غير ذلك فهو واهم إلى حد الجنون.
حول الطائفية و"الاخوان المسلمين" والثورة
بقلم: غسان المفلح عن السياسة الكويتية
بعد كل مجزرة ترتكبها قوات الاسد و"شبيحته" من المرتزقة والمدنيين المجيشين طائفيا, ونهباً بمعنى أن رزق غيرهم حلال عليهم إذا سرقوه وتقاسموه. آخر هذه المجازر كان في ضاحية جديدة الفضل الدمشقية وذهب ضحيتها اكثر من 400 شهيد معظمهم من الاطفال والنساء, تتبارى بعض الاصوات لتقول شيئين:
الاول- ألم نقل لكم ان الحل العسكري الذي اتخذته معارضة الخارج, وعلى رأسها الاخوان المسلمين هو السبب? مع انهم يعرفون ان الحل العسكري ليس حلا قامت به الثورة والناس بتخطيط وتدبير مسبقين, بل من فرضه هو ما كان يقوم به جيش آل الاسد من قتل واعتقالات وهتك بيوت واعراض, ضد المتظاهرين السلميين وتعذيبهم وقتلهم تحت شعار" بدكن حريي?" وتقطيع المدن وتهجير سكانها حتى قبل ان تخرج منها طلقة واحدة, وهذا ما حدث في درعا مهد الثورة قبل ان تخرج منها رصاصة واحدة, وهذا ما حدث في حمص قلب الثورة, وتظاهرة الساعة وما فعل فيها جيش الاسد ومخابراته تشهد على ذلك.. فكما الثورة انطلقت عفوية بناء على معطيات مباشرة وغير مباشرة أيضا خيار العسكرة فرض على الناس تحت شعاري قوات الاسد" بدكن حريي" و"الاسد او نحرق البلد", وبالتالي يحاول هؤلاء السادة الحديث عن حل سياسي! علما ان الثورة في بداياتها كانت تتحدث عن حلول سياسية حتى في شعاراتها قبل حتى ان تتشكل هيئة التنسيق نفسها.. ماذا كانت النتيجة?
الثاني- أن من ارتكب المجزرة او تلك هم ضباط من الطائفة السنية, او بعض منهم, وليس من الطائفة العلوية, ويريدون الحديث عن أن النظام ليس نظاما طائفيا, يرمون الثورة وقواها بالطائفية مستندين إلى موقفهم المسبق من رفضهم للثورة أساسا لأنها عرت الجميع, وبالتالي يرون ان عدوهم الاول هو مؤسسة الاخوان المسلمين. مع انهم يعرفون ايضا ان الثورة لم يقم بها "الاخوان", و"الاخوان" هم آخر قوة اعلنت وقوفها مع الثورة بشكل واضح اي بعد اقل من شهر من انطلاقها, بناء على حسابات سياسية للجماعة, لكنها ولكونها مؤسسة حزبية في النهاية سرعان ما اصبحت قوة ملحوظة في الثورة, وعنصراً اساسياً في تكويناتها السياسية.
البنية العسكرية الامنية للنظام هي من تقوم بهذه المجازر وهي بنية عناصر الولاء الاساسية فيها طائفية, الفاعل التاريخي وصاحب القرار في هذه البنية هو طائفي بامتياز, وماتبقى كله تفاصيل لا قيمة لها, بعد أن دمر هذا الفاعل الطائفي البلد, ولاسباب تتعلق باستمرار آل الاسد في السلطة, وماتعنيه هذه القضية بالنسبة إلى من تربوا على هذه المسلمة" إما الاسد او نحرق البلد". الفاعل التاريخي الطائفي, في تراتبية تصل ذروتها عند آل الاسد, في قنوات تفاعل سياسية ومصلحية وايديولوجية يغلب عليها الطابع الشفاهي في تبادل الرسائل بين الذروة والقاعدة وبالعكس, وعلى مدار اكثر من اربعة عقود, وما يحدث هو نتيجة لهذا, ولهذا السبب بالذات أيضا لابد أن تكون هناك دوائر موالاة من كل الطوائف, وإلا كيف يكون الفاعل التاريخي طائفياً? يكون فاعلاً طائفياً عندما يشعر من معه انهم لاقيمة لهم امام الفاعل الطائفي, سواء اكان ضابطا او مخبرا...الفعل الطائفي يحتاج إلى فاعل ويحتاج إلى من تقع عليه ممارسة هذا الفاعل لفعله... وفي المقابل لايعني هذا القول ان الطائفة كلها طائفية...عندما نقول النظام طائفي وهو كذلك لايعني ان الطائفة من ترتكب المجازر, بل النظام الطائفي بغض النظر عن ادواته, سواء كان جل جنودها من الطائفة أو من طوائف اخرى.
طائفي لأنه يحتاج إلى بنية عسكرية مضمونة الولاء, مرشية, وعقيدية. والبعث عقيدتها الظاهرية! يحتاج إلى عسكر يحمون الحل العسكري الامني الذي تعامل النظام من خلاله مع المجتمع منذ عام 1968 تاريخ التحضير للانقلاب الاسدي على رفاقه. لأن قائد الانقلاب يفكر بشكل طائفي انطلاقا من مصلحته, اعاد تشكيل البنية العسكرية الامنية هذه وفقا لهذا المعطى.
هذه البنية العسكرية الامنية مركز القرار فيها واحد, وهو آل الاسد ما تبقى كلهم جنود لاقيمة لهم باتخاذ القرار, وإن كان لهم قيمة بالذبح والتدمير وحماية آل الاسد. هؤلاء مقتنعون انهم يدافعون عن الطائفة? كيف وصلوا إلى هذه القناعة حتى يرتكبوا هذه المجازر بدم بارد?
الاخوان المسلمون كما قلت اصبحوا عنصرا مؤثرا في تكوينات الثورة السياسية, لسببين:
الاول- لضعف التيارات الاخرى في الفعل المؤسسي. الثاني- لأنهم يعملون كمؤسسة ويتعاطون سياسة, ولا ينظروا إلى العوامل الشخصانية في تحديد سياساتهم ومواقفهم, كبقية افراد التيارات الاخرى, وقلت افراد لأنهم كذلك. ومن الملاحظ ان هؤلاء منذ اليوم الاول للثورة وهم يحاولون القيام بتأسيسات جديدة لكن كلها تفشل, والفشل ليس سببه "الاخوان", وهنا اسجل نقطة: "الاخوان" كثيرا ما قبلوا في تحالفاتهم ان يكون صوت رمز ليبرالي او علماني مساو لصوتهم في مؤسساتهم التحالفية, وهو في النهاية فرد وهم مؤسسة.
الاخوان المسلمون بحاجة إلى ان ينتقلوا النقلة الاهم في تاريخهم وهو تحولهم لحزب على المستوى الوطني ليس سلوك "الاخوان" من يجعل النظام يتصرف طائفيا, وهذه ايضا قضية يعرفها القاصي والداني في سورية.
ل¯ "الاخوان" اخطاؤهم التي تحدثت عنها كثيرا في مقالاتي, برنامجهم الذي ايضا اختلفت معه في نقاط كثيرة, لكن ل¯ "الاخوان" السوريين تجربة تختلف عن بقية فروع "الاخوان" في المنطقة العربية, انهم سوريون اولا وقبل ان يكونوا مافوق سوريين, ولهم تجربة تحالفية غير متوفرة لدى الفروع الاخرى من "الاخوان".
الهجمة على "الاخوان" الآن هدفها تحطيم مؤسسة يمكن ان تكون قاطرة للثورة, واذا تحطمت ستصبح المعارضة السياسية في خبر كان مؤسساتيا, وخير مثال على ذلك هيئة التنسيق الوطنية, مجموعة "ختايرة" كحالتي يتعكزون على بعضهم بعضاً من دون فعل ملموس سوى التهجم على الاطراف الاخرى, حتى انهم لم يستطيعوا اخراج تظاهرة صغيرة تطالب مثلا بعبد العزيز الخير في قلب دمشق.
الآن هناك محاولة لتشكيل قطب ديمقراطي, غايته مواجهة هيمنة "الاخوان" على المجلس والائتلاف الوطني كما يقولون, "الاخوان" لهم الهيمنة هذا صحيح, ولكن كيف يتصرفون بهذه الهيمنة? وكيف تصرف ويتصرف الاخرون? اسئلة اجبت عنها في مقالات سابقة.
من جهتي ابارك للشباب هذه الخطوة, واشكر دعوتهم, لكنني وجدت فيها من الارتجالية والقصدية وبعضا من الشخصانية, ما جلعني لا اوافق على الخطوة, واتمنى ان تكون معرفتي هذه غير صحيحة, ويتكون فعلا قطب ديمقراطي علماني حقيقي.
لنخرج من هذا الامر نحو فضاء اكثر اتساعا, ليأتي "اخوان" سورية إلى السلطة, اكيد أنهم افضل بلا مقارنة من هذا النظام, افضل لسورية, ولن يأتوا إلا وفقا للديمقراطية, وإذا حاولوا مخالفة الدستور الديمقراطي, عندها سيكون لنضالنا العلماني معنى, لكن لا يمكن مقارنتهم بنظام آل الاسد لا من قريب ولا من بعيد بأي حال من الاحوال, وليس من مصلحة الثورة تحطيم مؤسستهم, مع ذلك إذا نجحت التيارات الاخرى بقيادة الثورة كليا واستبعدتهم ديمقراطيا عن الهيمنة فهذا حقها, لكنني لا ارى في الافق ما يبشر بذلك...أما عن التجربة المصرية والقياس اعتقد ان ما يحدث في مصر هو عبارة عن معركة ديمقراطية مفتوحة وحقيقية. والمقارنة ظالمة للمصريين جميعا و ل¯ "الاخوان" السوريين خصوصا, سيكون لنا حديث عن هذا الموضوع.. رغم موقف الرئيس المصري السلبي نسبيا من الثورة السورية. لكن حكومته لم تعتد على حرية المعتقد ومؤسساتها في مصر الدستورية, ولم تسن قانوناً بمنع الكحول! ونضال التيارات المصرية لن يتوقف حتى تترسخ المؤسسة الديمقراطية المصرية, وتصبح مصر دولة ديمقراطية ذات وزن.