المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 383



Aburas
2013-04-29, 10:16 AM
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age001.giffile:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age003.gif
file:///C:\Users\ARCHIV~1\AppData\Loca l\Temp\msohtmlclip1\01\clip_im age004.gif



في هذا الملــــف:
أسرار جاد الله.. والشجاعة بأثر رجعى
بقلم: أكرم القصاص – اليوم السايع
الفيس بوك
بقلم: هشام الجخ – اليوم السابع
إنجازات مرسى بين الحقيقة والوهم
بقلم: هانى عياد – اليوم السابع
دولة القانون الإخوانية
بقلم: أحمد عبد الحفيظ - الاهرام
اعترافات واجبة
بقلم: د‏.‏ سليمان عبد المنعم - الاهرام
الأردن والعواصف الإقليمية
بقلم: د. عبد الغفار عفيفى الدويك - الاهرام
اتجاهات السوق مصر وأمريكا‏..‏ وما بينهما
بقلم: نجلاء ذكري - الاهرام
الدوائر السياسية المغلقة..
بقلم: يوسف الكويليت - كلمة الرياض
‘القدس العربي’ في ذكرى صدورها
بقلم: عبد الباري عطوان – القدس العربي
اوباما مرتبك.. لكن التدخل وارد
رأي القدس العربي
تجريس البدري.. في ‘كمين’ ريهام!
بقلم: سليم عزوز – القدس العربي
رؤية ملكية متكاملة لحل أزمات المنطقة
بقلم: رأي الدستور
فـي البيـت الأبيـض
بقلم: محمد حسن التل - الدستور
الإسلاميون و شعارا «التمكين» و«التحرير»
بقلم: عريب الرنتاوي - الدستور







أسرار جاد الله.. والشجاعة بأثر رجعى
بقلم: أكرم القصاص – اليوم السايع
على عكس البعض ممن يحتفون بتصريحات المستشار فؤاد جاد الله، المستشار القانونى المستقيل للرئاسة، أعتقد أن هذه التصريحات مهما كانت قيمتها فإنها تعد من أسرار الرئاسة وأسرار عمل جاد الله، التى يفترض أن يصونها لكون بعضها يتعلق بأشخاص وسياسات وقرارات تتعلق بعضها بالأمن القومى، وليس من الشجاعة أن يخرج مسؤول سابق بعد أن يترك منصبه ليذيع أسرار عمله، ويقول إنه كان ضد هذا القرار أو ذاك، بل الشجاعة أن يبدى رأيه فى وقته. ولا يفترض أن نكيل بمكيالين ونحن نتعامل مع أسرار الدولة، خاصة ونحن فى حالة من السيولة تتفوق فيها النميمة على الحقيقة، وقد سبق أن انتقدنا تصريحات المهندس أبوالعلا ماضى عندما خرج ليذيع حديثا نسبه للرئيس مرسى يتهم فيه المخابرات برعاية البلطجة، واعتبرناه نوعا من الارتباط والتردى السياسى.
وفى حالة جاد الله، بالرغم من كل ما قاله المستشار المستقيل، فهو لم يضف جديدا، وإن كان أكد ما كان مجرد افتراضات حول آلية اتخاذ القرار فى مؤسسة الرئاسة، وكشف أيضا عن حالة الارتباك والتضارب، والغموض التى تلف المؤسسة الرئاسة.
من بين ما قاله جاد الله فى أسباب استقالته هو رفضه انفراد جماعة الإخوان بالسلطة ورغبتها فى الاحتكار، وأن الرئاسة تعمل لفصيل لخدمة الجماعة، وهو أمر ليس مفاجئا، لكن المفاجأة أن جاد الله نفسه كان محسوبا طوال الوقت ضمن خلايا الإخوان، ومن يعملون لصالح الجماعة، لكن السؤال الذى يتبادر: لماذا صمت جاد الله طوال هذه الشهور؟ ولماذا لم يعلن رأيه هذا من قبل؟
هى الحالة سابقا.. كما يسميها الأستاذ صلاح عيسى، عن الشجاعة التى تتملك من المسؤولين بعد خروجهم من المنصب ليتحولوا إلى النقد، ويخرج كل منهم ليعلن للناس أنه كان شجاعا، وكان يقول للرئيس «أنت رئيس» فى عينه، حدث ذلك كثيرا أيام مبارك، بل بعد تنحيه وجدنا مسؤولين كانوا صامتين أيام مبارك وأصبحوا أسودا بعد تنحيه.
وبالعودة إلى جاد الله هناك ما يشبه الحالة سابقا، حيث خرج بعض قيادات الإخوان ليهددوا جاد الله بفتح ملفاته، ما لم يصمت، وأشاروا ولمزوا إلى ما قالوا إنه فضائح أو مخالفات، وهى إدانة للجماعة والرئاسة، فى حال صحتها، لأنه لو كانوا يملكون أوراقا تدين المستشار وقت عمله، فإن صمتهم عليها يعتبر نوعا من التواطؤ على حساب الدولة والصالح العام.
وبمناسبة الصالح العام والوطن، فنحن أمام حالة من «الهجص» السياسى، فكل مسؤول يقبل منصبا يقول إنه يفعل ذلك من أجل الوطن والثورة، وعندما يستقيل يخرج ليعلن أن استقالته من أجل وجه الوطن والثورة، وفى كل الحالات لا أحد يصدق هذا ولا ذاك، فقط يمكنهم أن يصدقوا لو خرج المسؤول ليقول إنه يفعل هذا من أجل نفسه أولا، أما الوطن فهو كفيل بنفسه.
وعلى كل الأحوال لا يمكن إقرار أن تكون أسرار الرئاسة معروضة فى العلن، لا من جاد الله ولا من غيره، طالما قبل منصبه واستمر فيه، فليس من حقه أن يخرج ليقول «مش لاعب»، بل على المسؤول أن يتحمل مسؤولية عمله بكل نتائجه.

الفيس بوك
بقلم: هشام الجخ – اليوم السابع
بعد أن أكرمنى الله واختار ابنتى (جويرية) ذات الثلاثة شهور لتكون طائرا من طيور الجنة ذهبتُ إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة فى فعاليات احتفالية تقيمها الجالية المصرية هناك بمناسبة أعياد تحرير سيناء.. وقد كان لهذه السَفْرة دور كبير فى تخطى أوجاع وآلام الفراق خاصةً بعد تأديتى لمناسك العمرة هناك حيث أخرجتُ كل الحزن وكل البكاء أثناء الصلاة فى حِجر سيدنا (إسماعيل) عليه السلام محتسباً بلائى عند الله عز وجل. كنتُ قد وعدتُ بالمشاركة فى الحفل (مجانا وبدون أى أجر) قبل أن تحدث الوفاة.. ولم أُرِد أن أخلف وعدى مع المنظمين خاصةً أنهم أخبرونى أنهم قد باعوا عدد 18 ألف تذكرة لصالح الاتحاد العام للمصريين بالمملكة.. وأن الإقبال على الحفل كبير جدا وأن الجميع ينتظرونك ليقدموا لك واجب العزاء بأنفسهم. ذهبتُ بالفعل واستقبلنى كبار القيادات المصرية هناك وطلبت من المنظمين ألّا تطول فترة وقوفى على المسرح فتجاوبوا مشكورين.. وكان حفلا مميزا لن أنساه طيلة حياتى.
بعد الحفل توجهنا إلى مكة المكرمة واطمأن قلبى فى رحاب الكعبة الشريفة وبدأت أشعر بضرورة كتابة مرثية شعرية لابنتى (جويرية).
كتبت قصيدة قصيرة جدا.. مازلتُ أراها ضعيفة تقنياً .. ولكنها مؤثرة بالطبع نظرا لِهَوْل الحدث نفسه. نشرت مرثيتى على صفحتى الخاصة بموقع (الفيس بوك) قبل عودتى للقاهرة وألحقت بها صورة لجويرية الوليدة.
بعد أربع أو خمس ساعات كانت المشاركات (share) على القصيدة والصورة قد بلغت قرابة السبعة آلاف.. ولأول مرة يأخذنى الفضول لقراءة تعليقات الأشخاص الذين شاركونى القصيدة على صفحاتهم.. كانت معظم التعليقات بنسبة (%80) منطقية وطبيعية وتحوم حول العزاء والدعاء بالصبر أو الإعجاب بكلمات والقصيدة وما شابه.. ولكن الأمر الذى أذهلنى هو مجموعة الأصدقاء (القليلين) الذين اخترعوا أخباراً ليس لها أية علاقة بالحدث ونشروها وناقشوها وصنعوا منها مادةً خصبة للنقاش والجدال وتفرّعوا منها إلى أمور سياسية واجتماعية ليس لها أية أصل فى الواقع.
كتب أحدهم (هذه مرثية هشام الجخ لابنته وَعْد) وأنا ليس لى ابنة اسمها وعد.
وكتب آخر (هشام الجخ يفقد ابنته فى حادث سيارة أليم). وكتب ثالث (رغم أنى مش بطيق هشام الجخ ده.. لكن القصيدة حلوة).
وكتب رابع (هشام الجخ يرثى ابنته صاحبة الثلاث سنوات). وكتب خامس (هشام الجخ بنته لسة ميتة ورايح يعمل حفلة فى السعودية عشان الفلوس.. إخسسسسسسسس) مع العلم أن الحفل كان تطوعيا ولم أتقاضَ عليه قرشا واحدا.
واجتهد سادس وجاء بصور لى مع ابنتى الكبرى (مريم) ذات الست سنوات وألحق بها القصيدة ونشرها على ما تيسّر له من المواقع مدّعياً وفاتها. وقال سابع.. وقال ثامن… وانهالت التعليقات على كل منهم يناقشون الحقيقة التى أقرّوها هم بمعرفتهم وليس لى أنا أىّ دخل فى الموضوع.
ثم بدأت الأخبار المغلوطة تتحول إلى أشخاص.. وبدأت المكالمات تنهال عليّ من مصر وخارج مصر.. يستفهمون عن (حادث السيارة الأليم) وعن ابنتى (وعد) صاحبة الثلاث سنوات.
أدركت وقتها أن هذا الـ(فيس بوك) -رغم ما له من مميزات- قد يتحول فى وقت من الأوقات إلى آلة إعلامية مزيِّفة ومزرية ومؤذية أحيانا.
أرجو من حضراتكم التريُّث والتأنّى فى اتباع الشائعات وأذكركم بأن السلطان (قطز) اُغتيل بسبب شائعة.. وأن الحرب العالمية الثانية بدأت وانتهت بسبب شائعة.. وأن المسلمين كادوا أن يُهزَموا فى (أُحُد) بسبب شائعة.. وأن بداية ظهور الشيعة فى تاريخ الإسلام كانت بسبب شائعة.. وغيرها الكثير والكثير من اللحظات الفارقة التى غيّرت تاريخ الإنسانية وتاريخ الشعوب والحضارات كانت بسبب شائعات. وأذكركم بقول الله تعالى من سورة الحجرات
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
«يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».
إنجازات مرسى بين الحقيقة والوهم
بقلم: هانى عياد – اليوم السابع
بعد تسعة شهور فى الحكم، تمخضت «الجماعة» فولدت كتابا عن «إنجازات الرئيس»، تضمن مجموعة من الإنجازات التى لم يخطر ببال أى رئيس فى العالم أن يحققها أو يسعى إليها، من بينها – على سبيل المثال - أن الدكتور مرسى أول رئيس يحصل ابنه على أقل من 90% فى امتحان الثانوية العامة. من العبث هنا أن نلفت نظر مؤلف الكتاب المعجزة أن مصر لم تعرف المجاميع الخرافية فى الثانوية العامة إلا فى السنوات العشرين الماضية، وقبلها كان الحاصل على أكثر من 70% يجد له مكانا فيما يسمى الآن بكليات القمة، لكن ربما يكون مفيدا أن نعيد تذكيره - وقد اختار أن ينسب إلى محمد مرسى «إنجازات» أبنائه - أن مرسى هو أول رئيس يسب أبناؤه المصريين «اسمه سيادة الرئيس يا بغل»، و«ها اقلعك البدلة الميرى واقعدك فى بيتكوا»، وفى رواية أخرى «....ها اقعدك جنب أمك»)، وقد كان أولى بابن الرئيس أن يركز قليلا فى دراسته بدلا من سب الناس، حتى يحصل على مجموع مناسب فى الثانوية العامة، بدلا من أن نرى فشله فى الحصول على مجموع وقد أصبح إنجازا لأبيه.
دعك الآن من تلك «الإنجازات» اللوذعية التى تضمنها الكتاب المعجزة والتى تعكس فشل الإخوان الذريع فى إدارة البلاد، ولننتقل إلى إنجازات حقيقية لم يسع الإخوان إليها وقد كانت فى متناول أيديهم.
قامت ثورة يناير ضد الفساد والاستبداد فى الداخل والتبعية والخنوع للخارج، وبعد تسعة شهور من حكم مكتب الإرشاد مازالت كل ملفات الاستبداد والفساد «فى الحفظ والصون» لم يقترب منها أحد.
وعلى سبيل تنشيط الذاكرة، فقد حدث يوم 21 نوفمبر 2012، أن محمد مرسى فاجأ الجميع، بمن فيهم مستشاريه وكبار مساعديه، بإعلان دستورى، لم يخطئ كثيرا – ولا قليلا - من أسموه «إعلان العار»- عزل بموجبه النائب العام الفلول وجاء بنائب عام جديد، قيل إنه سوف يفتح ملفات الفساد، لكن كل الملفات بقيت مغلقة، مختومة بالشمع الأحمر لا يقترب منها أحد، رغم تعيين نائب عام قيل إنه جاء لمحاربة الفساد ومطاردة الفلول.
لو كانت لدى محمد مرسى أية رغبة فى تحقيق إنجازات لكان قد فتح ملف أراضى الدولة المسلوبة، التى حصل عليها نجوم عصابة مبارك «بتراب الفلوس» وأقاموا عليها منتجعات سياحية بدلا من استصلاحها وزراعتها كما هو منصوص عليها فى عقود «البيع»، لكنه لم يفعل.
ولو كان الدكتور محمد مرسى ينظر إلى ما هو أبعد من مصلحة جماعته لكان بوسعه أن يفتح ملف القروض المنهوبة، التى حصل عليها عدد من رجال الأعمال «المتعثرون»، وفر بعضهم خارج البلاد وتلكأ البعض الآخر فى السداد بعد جلسات متعددة ومطولة لجدولة الدين ثم إعادة جدولة الديون المجدولة، ولم نزل حتى الآن لا نعرف مَن مِن هؤلاء سدد ما اقترضه ومَن منهم لم يفعل، فلم يزل هذا الملف مغلقا، ولم يقترب منه أحد.
ولو أن الدكتور محمد مرسى يفكر فى غير مشروع تمكين الجماعة لكان بمقدوره أن يفتح ملف الخصخصة المتخم بالفساد والسرقة، حيث بيعت شركات ومصانع القطاع العام «بتراب الفلوس» وأثرى من ورائها نجوم عصابة مبارك، ولم يزل الملف طى الكتمان ولم يقترب منه أحد.
ولو كان مرسى يدرك هموم ومشاكل فقراء مصر، ويعرف أن «العدالة الاجتماعية» كانت ولم تزل من بين أهم شعارات ومطالب الثورة، لكان قد وضع حكم محكمة القضاء الإدارى الخاص بتحديد الحد الأدنى للأجور موضع التنفيذ، لكن «الرئيس» الذى لا يعرف من مصر وعنها سوى الأهل والعشيرة لم يفعل، ومازال «كبار» الموظفين والمسئولين يحصلون على عشرات الألوف من الجنيهات مرتبات شهرية، ومازال فقراء البلد «يكملون عشاهم نوما».
ولو كان محمد مرسى يسعى لتحقيق إنجازات للوطن وليس فقط لجماعته، لكان بوسعه أن يفتح ملف السكك الحديدية المتخم بالفساد والنهب، لكنه لم يفعل ومازالت دماء المصريين تسيل على القضبان، و«الرئيس» لا ينجز شيئا.
ترك محمد مرسى كل ملفات الفساد وراح يقود معركة جماعته الخارجة على القانون ضد القضاء، فى جولات متلاحقة منذ قرار إعادة مجلس شعب باطل قانونا، وحتى استعادة تراث «ترزية القوانين» لتفصيل قانون للسلطة القضائية على مقاس جماعة لا تعرف القانون ولا تعترف بالقضاء. وقد «أنجز» فى كل جولاتها فشلا ذريعا، اللهم إلا «إنجاز» فرض نائب عام لم يدخر وسعا فى مطاردة الثوار وملاحقة النشطاء، وغض الطرف عن جرائم مليشيات الإخوان منذ مجزرة قصر الاتحادية، وحتى جمعة تطهير القضاء.
وفى السياق تكرم ففتح ملف «هدايا الأهرام» وكأن المصريين قاموا بثورة لأن إبراهيم نافع أهدى حسنى مبارك ساعة قيمتها 2 مليون جنيه، بينما دماء المصريين تلون أسفلت الشوارع والحوارى، ونجوم عصابة مبارك مازالوا ينعمون فى هدوء بما نهبوه وسلبوه.
وكذلك فإن«اللاإنجاز» هو أعظم إنجازات الدكتور مرسى ومكتب إرشاده، ومعهم نائب عام... على عومهم.
أما عن «لا إنجازات» مرسى على الصعيد الخارجى، فهى تستحق حديثا مستقلا، قادما.
دولة القانون الإخوانية
بقلم: أحمد عبد الحفيظ - الاهرام
فوضي الشرعية التي نحياها منذ تسلم الرئيس مرسي سلطة الحكم هي أخطر نتائج ابتعاد القوات المسلحة عن المشهد السياسي نتيجة ذلك الهتاف المغرض الأبله يسقط حكم العسكر‏.‏
مما أفقدنا التوازن السياسي.اللازم ــ في الدولة الحديثة ــ لتوفير الاستقرار الديناميكي اللازم لتحقيق نهضتها الشاملة.ويكون القانون أحد أهم أدوات هذا الاستقرار,إذا جاءت نصوصه كقواعد عامة مجردة, كاشفة عن الضمير العام للمجتمع, متفاعلة مع ثقافته وهويته وأهدافه التي تحظي بالقبول العام, قواعد لايمكن العبث بها بإهمالها أو إهدارها,ولايجري تعديلها أو إلغاؤها إلا استجابة لتطور التفاعلات والاحتياجات الاجتماعية, ووفقا للقواعد والأسس الإجرائية المعتبرة. فلا تصدر القواعد القانونية بجميع درجاتها(دستور أو قانون, أو لائحة)ولا تعدل إلا باتباع الاجراءات الشكلية الصحيحة, والتوافق العام علي أحكامها الموضوعية. وقد افتقد الدستور والتشريعات الإخوانية كل هذه السمات, فعدنا إلي ممارسات النظام المخلوع في الابتعاد بالقانون عن أصل وظيفته, والعبث بقواعده الشكلية لتوظيفها في مجرد إصدار نصوص تفتقد لسمات العمومية والتجريد,وتنحرف إلي مجرد تحقيق الأهداف الخاصة لمصدريها.وهكذا جاء الدستور مجسدا للحيرة, منتجا للفوضي, فحرمت المحكمة الدستورية العليا من الرقابة اللاحقة علي القوانين الانتخابية, بغرض تأمين المجالس المنتخبة من الحل القضائي كما زعموا,لكن النصوص القاصرة المغرضة أدت إلي تأجيل العملية الانتخابية نفسها وزيادة حجم التدخل القضائي في الشأن الانتخابي بل وإدخال القضاء في الشأن التشريعي.
وجري تخصيص المادة الرابعة للأزهر الشريف, بما يخالف كل تراثه وتاريخه, فوقعنا فعلا في مرمي السلطة الدينية التي لا يعرفها الإسلام.كان ظنهم وغرضهم أن المادة سوف تسمح للأزهر بمزاحمة سلطة القضاء التي يسعون لتقليم أظافرها, ولما اكتشفوا أنها تسمح للأزهر بمزاحمتهم سلطة التشريع أيضا,أهدروها عند أول اختبار بمناسبة قانون الصكوك.ووضعوا نصوصا تكفل أقتسام السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية والحكومة بغرض فرض هيمنة الجماعة علي الرئيس سواء جاء منها أو من خارجها, لكنهم لم يقدموا تطبيقا واحدا لهذه المادة منذ صدور الدستور, فبقيت حكومتهم الضعيفة العاجزة تعمل في ظل الرئيس, وتوجيهاته.
وتم التغاضي عن سبق معارضة رئيس وكثير من أعضاء تأسيسية الدستور للنظام المخلوع لعدوانه علي استقلال القضاء, الذي من أهم معالمه ــ في رأيهم ــ افتعال مراكز قانونية تعسفية لبعض الهيئات لمنحها صفة قضائية لا تملكها.وجاءت رغبة الإخوان في تمرير الدستور بأي شكل, وخوفهم من عدم توافر العدد الكافي للإشراف علي عملية الاستفتاء علي الدستور بعد إضراب عدد ضخم من قضاة القضاء والمحاكم ومجلس الدولة عن الإشراف, فـ'دسترت' هذا'العدوان' في قلب أحكام السلطة القضائية في الدستور.وحرمت الفئات الشعبية من حق الترشيح خوفا من منافستهم انتخابيا,فقيدت حقوق الترشيح بحرمان المواطنين غير الحاصلين علي شهادة عليا من حق الترشح للشوري, وغير الحاصلين علي الشهادة الابتدائية من الترشح لمجلس النواب, في تعال واضح علي الشعب الذي يدعون تمثيله, تعال أكدوه بتغيير مسمي المجلس من مجلس الشعب لـ مجلس النواب.
ولم يتورع واضعو الدستور عن التزوير والخداع رغبة في الحصول علي الموافقة الشعبية في الاستفتاء, فوضعوا نصا باستمرار نسبة الـ50% للعمال والفلاحين مع توسيع التعريف بحيث يتيح فرص الترشح لمن ليسوا عمالا ولا فلاحين, وهو ما اوضحه قائلهم هدفه بأن' نكون وضعنا النص ولم نضعه في نفس الوقت'. وألغي النص علي الحد الأعلي في الملكية الزراعية,رغبة في انتاج إقطاع إخواني جديد. ومضت التشريعات علي نهج الدستور, فجاءت متسرعة مبتسرة تبغي حرمان المواطنين من حقوق التظاهر, وتسرف في سياسة الخصخصة إلي درجة تقنين بيع الأصول العامة لليهود والأجانب بموجب قانون الصكوك, واستمرت سياسات النظام المخلوع في الاستجابة غير الشفافة لشروط البنك الدولي واهمها تخفيض العملة الوطنية من خلال إشعال السوق السوداء لتجارة العملات الاجنية.
كل هذا وغيره بينما يتغني الإخوان بما يسمونه دولة القانون وما يزعمون أنه الشرعية الدستورية وصندوق الانتخاب00الخ مع ان ذلك كله يناقض بالكامل هذه المشاهد العبثية من الإعلانات الدستورية إياها إلي مظاهرات' جمعة تطهير القضاء'التي لايدرك أصحابها أن الرؤساء المنتخبين لايحكمون بإعلانات دستورية, وأن الأحزاب التي تحكم بموجب صندوق الانتخابات لا تتظاهر في الشوارع لتحقيق مطالبها, لأنها تستطيع ذلك بموجب سلطة الحكم.كما انها لاتتظاهر في الشوارع بينما مجلس شوري يشرع لتقييد حق التظاهر, وتتباري أبواقهم الإعلامية في إدانة مظاهرات الخصوم ومطالبة رئيسهم'المنتخب' بقمعها بأقصي قدر يستطيعه. لكنها الإزدواجية وأحلام التمكين التي هيأها لهم التوازن السياسي المفقود نتيجة غياب القوات المسلحة عن المشهد السياسي, وعجز القوي الأخري عن منازعة الإخوان, وهو وضع لاسبيل لتداركه إلا بانتخابات رئاسية مبكرة تتيح فرصة جديدة للحوار والجدل لنتوافق علي ضوابط استعادة التوافق السياسي من خلال وجود مؤقت دستوري محسوب ومتفق عليه للقوات المسلحة في المشهد السياسي القادم.
اعترافات واجبة
بقلم: د‏.‏ سليمان عبد المنعم - الاهرام
نحتاج اليوم الي اعتراف شجاع بأننا شركاء في المسؤولية عن أزمة الإعلام في مصر‏.‏ فبعض إعلامنا صاحب‏(‏ مواقف‏)‏ لكن المواقف لا تخلو أحيانا من‏(‏ مصالح‏).‏ وبعض إعلامنا‏(‏ يكشف‏)‏ الحقيقة للقارئ والمشاهد
لكن ذلك( يغطي) أحيانا ارتباطات دينية وسياسية واقتصادية. والي أن يتوافر لدينا نموذج لصحيفة أو فضائية يملكها المحررون أنفسهم أو يملكون النسبة الأكبر منها علي غرار تجربة صحيفة اللوموند الفرنسية يوما ما سنظل نفتقد إعلاما يفصل بين الملكية والإدارة, وبين الإدارة والرأي, وبين الرأي والخبر.
لكن الاعلام ليس وحده الطرف المسؤول عن ما آلت اليه أزماتنا في مصر اليوم. السلطة أيضا مسؤولة. ومثلما يحتاج الإعلام المصري الي مراجعة أمينة وشجاعة لأدائه المهني فإن السلطة في مصر مدعوة أيضا لإجراء مثل هذه المراجعة. أولي خطوات ذلك أن ندرك أنه لم يعد ملائما ولا مجديا إهدار الوقت في رفع دعاوي قضائية ضد هذه الصحيفة أو ذاك الصحفي. نعم هناك تجاوزات وربما سقطات إعلامية قانونية ومهنية لكن التفرغ لملاحقتها لن يكون لائقا بسلطة جاءت عقب ثورة شعبية كانت الحرية احد مطالبها الأساسية. هذه مسألة يجب أن نغلب فيها الحس السياسي علي حسابات الخصومة السياسية. في هذا السياق نستحضر موقفا لمحكمتنا الدستورية العليا يكشف عن فهم مستنير وتقدمي لحرية الرأي حتي في حالة الشطط والتجاوز, إذ تؤكد في حكم لها بتاريخ1995/5/20( طعن رقم42) أنه' إذا أريد لحرية التعبير أن تتنفس في المجال الذي لا يمكن أن تحيا بدونه فإن قدرا من التجاوز يتعين التسامح فيه, ولا يسوغ بحال أن يكون الشطط في بعض الآراء مستوجبا إعاقة تداولها'. إن استخدام المحكمة الدستورية العليا لمصطلح التسامح(وهو مصطلح ثقافي لا سياسي) في مواجهة التجاوز هو استخدام بليغ لا يخلو من دلالة لأنه إذا صح القول بأن النتائج الصائبة هي حصيلة الموازنة بين آراء متعددة جري التعبير عنها في حرية كاملة فإن من الصحيح كذلك كما تقول محكمتنا العليا أن الطبيعة الزاجرة للعقوبة التي توقعها الدولة علي من يخلون بنظامها لا تقدم ضمانا كافيا لصونه, وأن من الخطر فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يصد المواطنين عن ممارستها. فلا يجوز لأحد أن يفرض علي غيره صمتا ولو كان معززا بالقانون لأن حوار القوة إهدار لسلطان العقل ولحرية الإبداع والأمل والخيال.
سيظل خلافنا إذن حول المنطقة الرمادية في مساحة حرية الرأي ما بقي اختلافنا حول معادلة الاعتراف بالحق ومتطلبات تنظيمه. فمن المتعارف عليه في كل مدارس الفكر القانوني المعاصر أن الاعتراف بأصل الحق لا يمنع من تقرير ضوابط لتنظيم استخدامه بشرط ألا نسرف في الضوابط الي حد مصادرة أصل الحق. لكن السلطة في مصر مدعوة لأن تأخذ في الاعتبار سمات ومواءمات مرحلة التحول السياسي التي يجتازها المجتمع المصري, وأن كل تحول من هذا النوع يصاحبه بالضرورة مزاج اجتماعي قلق ومتوتر. ثم لا ننسي أن إرثنا التاريخي هزيل من ثقافة الحوار المتحضر وتقاليد النقاش العام. الممارسة وحدها بصحيحها وشططها, برقيها وانحطاطها كفيلة بتصويب هذه الثقافة وإنضاج هذه التقاليد.
ثمة حقيقة أخري يجب الاعتراف بها من قبل النظام السياسي القائم وتياره الحزبي في شكواهما من ظاهرة الافتراء او التحامل الاعلامي هي ضرورة القبول بمبدأ التنافس الإعلامي. فإذا كان للأحزاب والقوي السياسية الليبرالية أو اليسارية ظهيرها الثقافي وتأثيرها الإعلامي فأين هو الظهير الثقافي والتأثير الإعلامي للتيار الإسلامي؟ لدينا الآن ست صحف يومية ليبرالية قوية الانتشار وثلاث صحف قومية تئن جاهدة لمواكبة مرحلة التحول الراهن وهي مثقلة بتراكمات الماضي وصحيفة واحدة لحزب الحرية والعدالة تكاد تشبه صحيفة البرافدا السوفيتية القديمة التي لم يكن يقرأها سوي أعضاء الحزب الشيوعي. وما يقال عن الصحافة اليومية يمكن ان يقال عن الاعلام الفضائي. فهل يتصور أحد أن يكون أبرز الإعلاميين في قناة مصر25 علي هذا المستوي المهني المتواضع وربما البائس؟ تساؤل لا يقلل من الاحترام لأشخاصهم.
الأردن والعواصف الإقليمية
بقلم: د. عبد الغفار عفيفى الدويك - الاهرام
الأردن أحد أهم حصون الشرق العربي والجزيرة العربية لكن الاضرابات والفوضي الدائرة في كل من العراق وسوريا الآن‏,
وتحت مظلة نظرية المركز والهامش, تنبئ بانعكاسات وتداعيات علي أثر سقوط نظام بشار الاسد, وما يليها من احتمال نشوب حرب أهلية بين فصائل المعارضة السورية وإطالة أمد الفترة الانتقالية التي تعقبها والتي ستطول الي حين غير منظور, كما أن نتائجها ستكون بالغة التعقيد في ظل الحالة العشائرية القبلية الطائفية الممتدة علي طول ما سمي بالهلال الخصيب.
يري البعض أن الأردن في مأزق حقيقي نتيجة تدفق السلاح والنازحين وأنماط عديدة للخارجين علي القانون تحت لواء الجهاد حسب زعمهم!! وكذلك طول أمد الازمة في سوريا يعني تحول النازحين في الأردن الي لاجئين, ثم مقيمين ليشهد المجتمع الأردني تغيرا جذريا في تركيبته السكانية و الحزبية والسياسية.
ولقد تحركت بعض دول الخليج ومنظمات المجتمع المدني لمؤازرة الأردن في ادارة الازمات المتلاحقة الناجمة عن تردي الاوضاع وهو تحرك محمود لكنه محدود, ويري الخبراء أن زيارة أوباما الاخيرة للمنطقة كانت في إطار الاستعداد لمرحلة ما بعد الاسد, وخاصة في مجال الترتيبات الامنية, للحفاظ علي دولة الاردن, سواء بالدعم المادي أو اللوجستي وصولا للتعاون العسكري المباشر ووفقا لطبيعة تدهور الاوضاع, عقب سقوط الاسد.
وواقع الحال ينذر بسوء المآل حيث إن تداعيات الأحداث مع حضور اطماع الاطراف الاقليمية التي تبحث عن موطئ قدم علي خريطة المتغيرات الدائرة والقائمة علي الساحة الأردنية, فهناك جذور تاريخية لما يدور علي السطح منها جبهة النصرة واجنحتها العسكرية وهي عائدة بعد مشاركتها المسلحة في سوريا, والتي يشير العديد من الخبراء إلي صلتها بتنظيم القاعدة في العراق, وغير بعيد ان يكون هناك تنسيق مرحلي مع كتائب الحرس الثوري في العراق وسوريا.. هذه البيئة الداخلية تنذر بتغيرات حادة علي الساحة الأردنية و تنعكس بشكل مباشر علي أمن دول الخليج باعتبار ان الأردن هو العمق الاستراتيجي الطبيعي لها.. إن أدارة الازمات المقبلة علي الساحة الأردنية اكبر من الحاجة الي دعم مادي, بل في حاجة الي موقف سياسي عربي موحد يبني علي استراتيجية عربية لمؤازرة الأردن سياسيا وعسكريا واقتصاديا.. لأن تحول الأردن الي ساحة للنشاط الارهابي, علي غرار ما يدور في العراق والمحتمل ان يستمر في سوريا انما هو تهديد مباشر لمشروع تحول مجلس التعاون الخليجي الي اتحاد, ومن هذا المنطلق فإن الراصد للأحداث يجد نفسه أمام سيناريوهين علي أثر سقوط بشار الأسد, الاول تشاؤمي وهو مالا نريد الوصول اليه لمخاطره الاقليمية, والثاني تفاؤلي.
السيناريو التشاؤمي هو دخول الأردن في دوامة الفوضي غير الخلاقة, وما يستتبعه من تداعيات سلبية مؤثرة علي المشرق العربي ككل وتهدد امن الخليج العربي, كما تفقد القضية الفلسطينية فاعلية طرف استراتيجي مؤثر لتغيب قضية قدسنا الشريف في ضبابية ومتاهات العولمة... الي حين قد يطول أمده!!
السيناريو التفاؤلي, هو ان يبقي الأردن قويا مستقرا ودرعا للمشرق العربي.. في مواجهة تهديدات قادمة لا محالة أولها تهديد مدنية الدولة وليس آخرها الارهاب بل قد يصل الي التدخل الاجنبي في مراحله اللاحقة.
قد لا أكون مبالغا إذا ما أطلقت مناشدة عربية لمؤازرة الاردن سياسيا واقتصاديا وعسكريا, وحتي لا تصل بنا تداعيات الاحداث الي ما يسمي في أدبيات الامن القومي تهديدات حق البقاء لدولة عربية!!.
اتجاهات السوق مصر وأمريكا‏..‏ وما بينهما
بقلم: نجلاء ذكري - الاهرام
نجحت مصر وعبر دبلوماسيتها النشيطة والمتوازنة في رسم علاقة متفردة خاصة بالولايات المتحدة الأمريكية‏.‏ وهذه العلاقة مهما تصادف من صعوبات لن تنفصم ولن تتغير‏.
فهي علاقة بدأت لتبقي, والطرف الأمريكي الأكثر حرصا علي هذه العلاقة التي تعتمد في الأساس علي فكرة مصر كمفتاح للسلام والأمن في المنطقة. ومن ثم فالعلاقة الاستراتيجية بين البلدين تعتمد علي فكرة الحلفاء أكثر من فكرة الأصدقاء, فالحلفاء تربطهم مصالح استراتيجية دائمة, بينما الأصدقاء تربطهم علاقات ود وعاطفة قد تتغير إذا ما تضاربت المصالح.
وما بين الولايات المتحدة ومصر علي وجه الخصوص, والعرب علي وجه العموم, ستظل إسرائيل محور ارتكاز في هذه العلاقة, تحاول الولايات المتحدة إبداء أقصي درجات الحيادية, ولكنه الحياد الذي لا ينطلق من مصالح إسرائيل.
المسألة قد تبدو مرتبطة بالبترول العربي فمن يتحكم في تدفقاته يتحكم في مدفأة أوروبا, واحتياطيات نقد العالم, ولكن المسألة أكبر من ذلك.. فمعظم احتياطيات ومدخرات العالم العربي, تودع في أوراق دين أمريكية, وهذه الأموال في حد ذاتها إذا ما خرجت, ماذا يمكن أن يحدث للاقتصاد الأمريكي؟ الولايات المتحدة عبر مؤسساتها المالية تتحكم في استثمار معظم فوائض النفط, اليسير منها يدخل حدود العالم العربي, ومعظمها في الولايات المتحدة وأوروبا عبر بنوكها ومؤسساتها وشركاتها. وشائج وعلاقات الولايات المتحدة مع العالم العربي أكبر من أن تختزل في فكرة الحفاظ علي أمن إسرائيل.
نخرج من هذا كله بأننا لا نتحاور مع الجانب الأمريكي بحسابات دقيقة, ونحتاج إلي تصدير العقول القادرة علي التخاطب مع العقل الأمريكي, وبناء العديد من منصات المصالح السياسية والاقتصادية. الغرفة التجارية الأمريكية في مصر تقوم بهذا الدور منفردة منذ32 عاما, فأين جماعات الضغط والمصالح العربية والمصرية الأخري؟
الدوائر السياسية المغلقة..
بقلم: يوسف الكويليت - كلمة الرياض
أمريكا المثقلة بديونها، وتوسع دائرة حروبها وخلافاتها مع العالم، تبقى قوة لكنها تدنت عن عقود ما بعد زوال الاتحاد السوفيتي، وقد تعاملت معنا بمنطق أسلوب الهيمنة وسوء طالعنا أن إسرائيل الحليف الأساسي يتواجد على أرضنا، وعلى هذا الأساس صاغ ساستها نظاماً وقوانين وطرقاً لا تتغير أو تتبدل، وبالتالي فهي جزء من أزماتنا وحلولها.
سادت منطقتنا موجات من التقلبات الأيديولوجية والسياسية وحدثت انقسامات بين الحكومات والمجتمعات، وباسم هذه الانقسامات تحاربنا في الداخل وخضنا حروباً مع إسرائيل، وتعطلت التنمية لصالح هياج عاطفي كل أدعى أنه المحرر من عقد كثيرة استعمارية، وتخلف تعليمي وثقافي واقتصادي، والحصيلة جاءت بالأسوأ، فساد إداري ونهب ثروات، وسجون ومطاردات شملت أطيافاً عديدة فكرية ودينية واصلاحية، حتى أن المجتمع العربي أصبح الرجل المريض لكثرة عاهاته المستدامة.
كل يدعي أنه الحل، قوميون، شيوعيون، وبعثيون، ثم جاء التيار الإسلامي ليطرح أنه النتيجة النهائية لتعويض فشل النظم والحكومات السابقة لأن توجهها كان ضد المواطن وهويته وتطلعاته، ومع أن هذه التيارات كانت الأعمق في الحس والشعور العامين، فقد برزت تناقضات من داخل هذه الجماعات، لأنها طرحت نفسها من خلال قدسية شعاراتها، ولكنها جاءت بدون مشروع يخرج من نطاق الجماعة إلى الدولة الحديثة باشتراطاتها الصعبة والمعقدة، فانهارت الاقتصادات والمداخيل الأخرى، وذهبت إلى البحث عن منقذ عربي أو دولي، ولأن الريبة جاءت مصاحبة لوصولها الحكم، وتقلبات مواقفها وطروحاتها، فهي العالم الخارجي تعاطف معها ومنحها الثقفة، لأن «فوبيا» الإسلام قائمة، وحتى أمريكا التي طالما تعاملت مع كل نظام يخدم أهدافها، لم تعد المانح الكبير، أو من تفرض على غيرها أوامرها.
فمثلاً كانت تستنزف اليابان وألمانيا، ولاحقاً كوريا وغيرها، وهذه الدول لم تعد ضمن بيت الطاعة الأمريكي لشعورها أن زمن الوصاية انتهى وهناك قوى صاعدة سوف تكون المقابل بالقوة الاقتصادية والعسكرية، ومن ثم السياسية، والفاعل في المحيط العالمي ومنه العربي.
كيف بداخل هذه التعقيدات التي تمر بها منطقتنا نرى مستقبلنا العربي هل ستكون الحكومات الإسلامية الطريق الوحيد للخروج من الأزمات التي ولدتها الثورات، وما هي توجهاتها في صياغة قوانينها ونظمها ودساتيرها؟ وماذا عن الأقليات الدينية غير الإسلامية والقوميات غير العربية، وكيف ستدير دولة حديثة تجعل المستثمرين ينجذبون لتلك الدول بسلامة أموالهم، أم أن المشكل سيتسع وتبقى احتياجات المواطن أكثر ضغطاً عليها، بحيث تجرى تحولات معاكسة تستدعي ثورات جياع، وحرماناً سياسياً، وحريات مقموعة، وهنا يصبح مشروع الدولة الديموقراطية مجرد حلم أضاعته الوقائع المستجدة، ليتقدم الخبز على الأفكار وتتعقد الأمور لما هو أكثر سوءاً، وتصبح الحلول بدواء الجيش، وعودة الماضي ليتكرر بنفس الأساليب.
‘القدس العربي’ في ذكرى صدورها
بقلم: عبد الباري عطوان – القدس العربي
تدخل ‘القدس العربي’ اليوم عامها الخامس والعشرين، قوية، شابة، جريئة، تنحاز الى القارئ، وحقه في معرفة الحقيقة، او الجزء الأكبر منها، ليس لأن المسألة نسبية، وانما لأنها، اي الحقيقة، ليست حكرا على احد، ولأن الكمال لله جلّ وعلا ايضا.
اعترف، وبسبب المصاعب الكبيرة والخطيرة، التي واجهتنا منذ اليوم الاول لصدورنا، والتقلبات والزلازل والحروب التي واجهتها امتنا ومنطقتنا، ولم اتصور مطلقا، وربما مثلي الكثيرون، محبين وكارهين، بأن نعمر اكثر من اشهر او بضع سنوات، ولكننا نجحنا في ان نبقي انفسنا فوق الماء، في محيط هائج، وتيارات قوية، واسماك قرش عملاقة.
نعم.. غرّدنا خارج سرب معظم الانظمة، ان لم يكن كلها، لأنها ديكتاتورية فاسدة ظالمة وقمعية، اذلتنا وصادرت حقوقنا وحرياتنا، ورهنت ثرواتنا للأجنبي، وعندما انطلقت شرارة الثورات الوطنية الشريفة كنا من اوائل الواقفين في خندقها، وما زلنا وسنظل.
كانت ‘القدس العربي’ بين اول من عارض سيناريوهات التوريث في مصر وسورية وليبيا واليمن، وتعرضنا للحجب والمنع والمصادرة في اكثر من دولة، عندما كانت انظمة الحكم في ذروة قوتها وجبروتها، بينما كان بعض ‘الثوريين الجدد’ ينعمون بامتيازات قربهم من الانظمة الديكتاتورية.
وقفنا مع الثورات العربية، وما زلنا، لأنها ثورات مطالبها مشروعة في التغيير الديمقراطي، واجتثاث الديكتاتوريات ومنظومات الفساد والمحسوبية واهدار كرامة المواطن، ولكننا في الوقت نفسه عارضنا وما زلنا، التدخل العسكري الاجنبي في اي بلد عربي بدعوى تحريره، حيث اثبتت التجارب ان ‘التحرير’ على ايدي الولايات المتحدة وحلفائها بات يعني التدمير والتفتيت والتقسيم الطائفي، وما حدث في العراق، وربما سورية لاحقا، النموذج الحيّ لديمقراطية بوش وبلير.
‘ ‘
يحق لـ’القدس العربي’ ان تفتخر بأنها كانت من الاصوات القليلة التي خرقت جدار الصمت، واصرّت على توسيع هامش الحرية، واسقاط الكثير من المحرمات المحظور الاقتراب منها، سواء بالتغطية الاخبارية او الرأي او التحليل. وساهمنا بدور متواضع في توسيع هامش الآخرين، حتى اولئك الذين يختلفون مع خطنا السياسي والتحريري.
لم نكن مندفعين او عاطفيين عندما وقفنا بقوة ضد الحربين التدميريتين للعراق، وسبحنا عكس تيار الانظمة التي تسير في الفلك الامريكي، ووقفنا في خندق الشعوب، ونالنا من اجل ذلك الكثير من القذف والتجريح، ولكننا كظمنا الغيظ وترفعنا عن الهبوط الى مستويات متدنية، وما جرى ويجري في العراق العظيم من حرب طائفية وذوبان للهوية العربية الاسلامية الجامعة، وحمامات دم ومجازر، هي احد الأدلة على صواب موقفنا الذي نعتز به ونفتخر.
اخترنا دائما ان نقف بقوة ضد كل مؤسسات التضليل الاعلامي التي تريد حرف العقل العربي عن رؤية الحقيقة، لتخديره بشعارات كاذبة، وتزوير متعمد للوقائع على الارض، وبما يخدم في النهاية مخططات التفتيت الطائفي والعرقي، وتفجير الحروب الأهلية.
لم نكن طائفيين مطلقا ،ولن نكون، فقد ايّدنا انتفاضة البحرين من اجل التغيير الديمقراطي، مثلما ايّدنا انتفاضة الشعب المصري المباركة، ولم نكن، ولن نكون انتقائيين او طائفيين في مساندة الثورات الشعبية، نقول كلمتنا ونحن نعرف مسبقا النتائج التي ستترتب عليها منعا لدخول صحيفتنا وحجبا لمواقعنا.
هذه المواقف كلّفتنا الكثير وما زالت، حجبوا عنا الاعلانات حتى يقولوا إن الصحيفة ليس فيها اعلانات، وعندما تقدمنا بطلب الطباعة في مناطق الاعلام الحرة في اكثر من عاصمة عربية، اسوة بغيرنا، بما في ذلك الصحف والمحطات الاباحية الخليعة، اغلقوا الابواب في وجهنا.
واجهنا الافلاس اكثر من مرة، وزارنا جامعو الديون مرات عدة لعجزنا عن تسديد اجرة الشقة المتواضعة في الحي المتواضع الذي توجد فيه مكاتبنا، وحساباتنا تخضع لتدقيق قانوني في بلد لا يتهاون مطلقا مع اي خطأ، ويحاسب على كل مليم يدخل حسابنا.
ما يسعدنا اكثر اننا جمعنا الحُسنيين، فقرّاؤنا خليط من الشباب والكبار سنا، مثلما جمعنا النخبة المثقفة والمواطنين العاديين، ويتابعنا الحاكم والمحكوم، وتُترجم مقالاتنا وتقاريرنا الاخبارية الى العديد من اللغات يوميا.
لم نتخلّف مطلقا عن تطورات العصر وثورة الاتصال التي تجتاح العالم حاليا، فموقع صحيفتنا على الانترنت من اكثر المواقع العربية والعالمية متابعة، وقرّاؤنا ينتشرون في طول العالم وعرضه.
‘ ‘ ‘
يتصور البعض محقا، اننا نصدر من ناطحة سحاب، اسوة ببعض الصحف العربية الاخرى، وكم كنا نتمنى ذلك، وكان باستطاعتنا ذلك، ولكن الثمن الذي سندفعه في المقابل هو ان لا نكون نحن، وان نخسر استقلالنا وقارئنا، الامبراطور الحقيقي الذي نخضع لأوامره ومتطلباته، فهو سيدنا وقبلتنا المهنية والسياسية.
خيمتنا الصغيرة التي نصبناها في احد احياء لندن الفقيرة المتواضعة شامخة بفضل أسرة هذه الصحيفة، الذين لا يتجاوز عددهم العشرين شخصا، من موظفة الاستقبال وحتى رئيس التحرير، هؤلاء الابطال، نساء ورجالا، هم الذين صنعوا هذه المعجزة، وحافظوا على استمرارها لما يقرب من الربع قرن.
لا نكشف سرا اذا قلنا انه وفي اللحظات العصيبة التي عشناها، وما اكثرها في اوائل التسعينات، ان بعض زملائنا لم يقبض راتبا لخمسة اشهر، وبعضهم الآخر اكتفى بنصف راتب حتى لا يجوع اطفاله، واعطوا بسخاء وكرم دون ان يلتفتوا الى الوراء، او يضعفوا امام عروض مغرية كانت تريد اقتلاعهم من تربتهم، من اجل هدم هذا الصرح الاعلامي.
لا ندعي الكمال، فالكمال لله عزّ وجلّ، ولا ننفي اننا ارتكبنا اخطاء، فمن لا يعمل لا يخطئ، ولا نقول اننا الافضل وغيرنا الاسوأ، وانما نقول اننا تجربة ‘مختلفة’، شققنا لأنفسنا طريقا لم نتوقع ان يكون على هذه الدرجة من الوعورة، وانجازنا الاكبر، رغم كل ذلك، هو الصمود والبقاء.
اتقدم بالشكر الى القارئ العزيز الذي كان وما زال عونا لنا، يشدّ من إزرنا، ويقف الى جانبنا، ولم يخذلنا مطلقا وتصدى بصدره المليء بالايمان للكثير من الاسهم المسمومة التي صوبها نحونا رجالات الاجهزة الأمنية في النظم الديكتاتورية الفاسدة.
اخيرا، اوجه تحية من القلب الى زملائي جميعا في اسرة ‘القدس العربي’ الذين آمنوا بهذه التجربة، واخلصوا لها، وقدموا نموذجا في الوفاء، وقدرة كبيرة على التحمل، وظلوا على ظهر السفينة رغم الانواء والتهديدات وكلاب البحر. كل عام وانتم جميعا بألف خير.
اوباما مرتبك.. لكن التدخل وارد
رأي القدس العربي
من يتابع تصريحات المسؤولين الامريكيين والبريطانيين حول الاسلحة الكيماوية السورية، واستخدام النظام ‘المحدود’ لها ضد معارضيه، ويقارنها بنظيراتها التي صدرت قبيل ارسال عشرات الآلاف من الجنود لغزو العراق واحتلاله، يخرج بانطباع واضح بان هناك مخططا امريكيا جاهزا للتدخل عسكريا في سورية بصورة مباشرة او غير مباشرة.
الرئيس باراك اوباما يتقمص هذه الايام دور سلفه الرئيس جورج بوش، بل ويكرر تصريحاته نفسها ولكن تجاه سورية هذه المرة، في تعبئة واضحة للرأي العام الامريكي لدعم خطوته العسكرية القادمة.
البيت الابيض قال بالامس انه يملك ادلة قاطعة على استخدام النظام السوري اسلحة كيماوية ضد شعبه، وسارعت الحكومة البريطانية الى تأكيد امتلاكها لادلة اقوى جرى التوصل اليها من تحليل عينة للتربة من موقع قرب دمشق، ومن فحص اصابات بعض الضحايا من قبل باحثين متخصصين.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو حول السيناريو الذي ستتبعه الادارة الامريكية وحلفاؤها لتجريم النظام السوري اولا، والتأكد من انه اخترق ‘الخطوط الحمراء’ ثانيا وطبيعة التدخل العسكري واحتمالاته ثالثا.
من الصعب علينا التكهن بطبيعة هذا السيناريو، والجانب العسكري منه على وجه الخصوص، لكن ما يمكننا التأكد منه ان اجهزة الاستخبارات الامريكية والبريطانية بارعة في فبركة الادلة والاسانيد حول اسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية، مثلما هي بارعة في تسويقها الى الرأي العام العالمي، ولنا في تجربة العراق خير مثال.
توني بلير رئيس وزراء بريطانيا وقف امام البرلمان ملوحا بملف يدعي فيه انه يملك ادلة على قدرة النظام العراقي على تجهيز اسلحة الدمار الشامل في اقل من 45 دقيقة، اما كولن باول وزير الخارجية الامريكي الاسبق فوقف في مجلس الامن ملوحا بصور معامل النظام العراقي الكيماوية المتحركة لنكتشف ان الاثنين يكذبان، ولم يتردد الثاني عن الاعتذار عن اكذوبته، بينما ما زال الاول يكابر.
بالامس قال اوباما ان استخدام النظام السوري اسلحة كيماوية سيغير قواعد اللعبة، وقال انه لا يمكن الوقوف مكتوفي الايدي والسماح بالاستخدام الممنهج لاسلحة مثل الاسلحة الكيماوية.
اوباما متردد، فتارة يقول المتحدث باسم البيت الابيض ان الادلة قوية حول استخدام النظام لاسلحة الدمار الشامل، وتارة اخرى يقول هو بنفسه انه يريد تحقيقا شاملا للتوصل الى نتائج حاسمة. وهذا التردد مبعثه الخوف من النتائج.
الرئيس الامريكي يدرك جيدا ان النظام السوري لا يقف وحده، وان هناك قوى كبرى تدعمه، بعضها اقليمية مثل ايران، وبعضها دولية مثل روسيا والصين ودول البريكس، والتدخل العسكري ليس مضمون النتائج.
لم يفاجئنا قول خبراء عسكريين في سورية في تصريحات لهذه الصحيفة بان الرد السوري على اي تدخل امريكي او اسرائيلي سيكون بضرب تجمعات وقواعد امريكية في الاردن بالصواريخ المتوسطة المدى، فالنظام السوري يدرك جيدا ان رأسه هو المطلوب ولذلك لن يتورع عن استخدام كل ما في جعبته من اسلحة ضد من يريدون اطاحته.
في جميع الاحوال الازمة السورية تنزلق الى هاوية الحرب وبسرعة اكبر مما تتوقع اطرافها.
تجريس البدري.. في ‘كمين’ ريهام!
بقلم: سليم عزوز – القدس العربي
الأصل في البرامج التلفزيونية أنها تستقبل ضيوفاً، وللضيف في عرف العرب والعجم حقوقاً، لكن بعض هذه البرامج تنصب للضيوف كمائن، ويكون الهدف هو استدعاؤهم للتشهير بهم، وذلك من أجل إحداث ‘ فرقعة’ تنتج عنها شهرة المذيع، في ظل زحام في الفضائيات،لا يمكن كثيرين من الشهرة إلا عن طريق الإثارة واختراع ما هو غير مألوف، وقد عرفنا ‘مذيعة الكفن’، التي فاجأت المشاهدين بإخراج كفن، وأعلنت استعدادها ‘الفطري’ لأن تقتل على يد الإخوان المسلمين!
‘المذيعة الرحالة’ ريهام سعيد، المتنقلة إلى حيث يوجد العُشب والماء، ومن تلفزيون الريادة الإعلامية، إلى قناة المحور، إلى أن استقر بها المطاف مؤقتاً في قناة النهار، استضافت في برنامجها ‘صبايا الخير’ الشيخ يوسف البدري، الداعية المعروف، وهو برنامج لا نعرف مدلول اسمه، ولا يوجد مما يبث فيه ما يجعلنا نقف على معنى هذا الاسم، إلا إذا كانت المذكورة تقصد بذلك نفسها باعتبارها ‘صبية’، وهذا ولا شك يدفعنا للسؤال عن صيغة الجمع هنا، فهي ‘صبية’ وليست ‘صبايا’، لكن مقدمات البرامج في بلادنا لديهم حرية غير مسبوقة في اختيار الأسماء لبرامجهن، وان كانت لا تحمل دلالة معينة، فبرنامج آخر تقدمه ثلاث سيدات من ذوات الوزن الثقيل اسمه: ‘الستات ما يعرفوش يكذبوا’، وتبحث عن مدلول الاسم وأنت تشاهده فلا تجد على النار هدى، وربما الاسم المناسب له هو ‘رغي ستات’!
لا بأس، فهنا ‘صبايا’ وهناك ‘ستات’، وعليه ما دامت أسماء البرامج لا تمثل إطاراً حاكماً، فلا مانع عندي من أن تختار إحداهن اسماً لبرنامجها وليكن ‘السبعات’ على وزن ‘الستات’!
معرفتي بالشيخ يوسف البدري قديمة، ومنذ أن انضم إلى حزب ‘الأحرار’ بعد أن كان ممن يحرمون الحزبية، وخوضه لانتخابات مجلس الشعب في سنة 1987 بعد ان كان المجلس التشريعي هو صرح الشرك الأكبر لأنه يشرع في حين أن الله هو المشرع، وقد نجح في أن يسقط وزيراً هو جمال السيد وزير الإنتاج الحربي حينئذ، وجاء أداؤه في المجلس دالاً على شخصيته القلقة والمرتبكة، ففجأة وهو المعارض يذهب إلى القصر الجمهوري مع وفد من المجلس برئاسة الراحل رفعت المحجوب رئيس البرلمان، وهناك أعلن مبايعته لمبارك على الإمامة العظمى، ثم كان الأداء في المجمل فكاهياً!
ولي في الرجل رأي سلبي قديم، وقد حدث أن حُرق سياسياً، ولم يعد في الصدارة بظهور الدعاة الجدد ومن الشيخ عمر عبد الكافي، إلى عمرو خالد، وانزوى تماماً بظهور عدد من الشيوخ السلفيين بعد الثورة فتمددوا في المشهد، وتحولوا إلى نجوم، وكان البدري لفترة معينة قادراً بحضوره على ان يساهم في نجاح أي برنامج ميت، ولو كانت مقدمته مفيدة شيحة مثلاً، التي تشعر أن المجرى الملاحي لصوتها المار عبر حنجرتها تعتريه بعد المطبات، الشبيهة بالمطبات الهوائية. فهو صاحب أراء مثيرة يدافع عنها بجسارة، وبصوت مرتفع، وكأنه يعوض تأدية خطبة الجمعة التي حرم منها لسنوات، ولا اعرف هل عاد إلى منبره بعد الثورة مثل كل الدعاة الممنوعين بقرارات أمنية، أم أنه يرفض ذلك انصياعاً لولي الأمر، فهو من الجناح السلفي الذي يحرم الخروج على الحاكم!
الحنجرة القوية
كانت حنجرة البدري القوية، تمكنه من التغلب على مناظره، وكان عنيفاً في المواجهة، فقد كان يساعد من استضافوه في ‘التسخين’ والإثارة، وذات مرة احتد على الدكتورة نوال السعداوي في أحد البرامج التلفزيونية، فقالت له ما معناه التزم بأدب الحوار، فقال لها: ما جئت إلى هنا إلا لكي أعلمك أدب الحوار.
وقد شاهدته مؤخرا على الشاشة،ً وقد دبت فيه الشيخوخة فلم يعد قادراً على حسم المعارك الفضائية لصالحه بحنجرته، ودهشت عندما رأيته في برنامج ‘صبايا الخير’، ذلك بأنه لم يعد ظهوره لافتاً كما كان عليه الحال قبل الثورة في ظل عملية الشح، فقد ظهر كثيرون من السلفيين، صاروا نجوماً وانزوت ظاهرة الشيخ يوسف البدري، التي تبلورت مع الفراغ والقحط الذي كانت تعاني منه الساحة المصرية قبل الثورة، فقد ظهر برهامي، وعبد الله بدر، وأبو إسلام، وأم سلام، ومحمد حسين يعقوب، ومحمد حسان، وبكار، و’اخونا في الله’ صاحب العبارة التاريخية: ‘هاتوا لي رجل’، الذي أنساني الشيطان، وربما الزهايمر، اسمه!
بعد قليل علمت السبب في هذه الاستضافة التي كانت بلا معنى، فقد كانت بمثابة ‘كمين’، يستهدف التشهير بالرجل، ليتحقق المراد، لكي تلفت المذيعة الانتباه إليها، والى دورها الوطني في التصدي لتجار الدين. وبالفعل فلم تكد تنتهي الحلقة حتى فوجئنا بالترويج للقطة احتدام الخلاف بين المذيعة والضيف، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقرونة بالإعجاب من كثيرين، والإشادة بموقف المذيعة الباسلة التي تصدت لتجار الدين، مع أن المسألة وما فيها لا يمكن أن تحكم إلا في إطار أن مستضيفة أهانت ضيفها!
تعمد الاهانة كان واضحاً لكل المشاهدين، إذ استدعت ريهام سعيد واقعة عمرها ثلاث سنوات، هي الخاصة بقيام الشيخ بما يسمي بالرقية الشرعية لإحدى الصحافيات الشابات، وتبين أن هذا كله كان في إطار مغامرة صحافية، وان زميلة لها تقوم بتصوير المشهد، وسعى البدري للحصول منها على ما تم الاتفاق عليه من أموال نظير ذلك، وكان موضوعاً ساخناً تلقفته الفضائيات لفترة طويلة في زمن الفراغ، وهدد صاحبنا باللجوء للقضاء، ولم أتابع الأمر، لكن لا أنكر عليه قدرته الانتصار على وسائل الإعلام التي تهاجمه، فخاض معارك كثيرة ضد صحافيين حسمها لصالحه، وحصل أكثر من مرة على أحكام قضائية بالتعويض أصر على استلامها على ‘داير مليم’.
ذات مرة حصل على تعويض من الكاتب احمد عبد المعطي حجازي لأنه كتب يهاجمه في ‘الأهرام’، ولما لم يتمكن من الحصول على التعويض، قام بالحجز على أثاث منزله، وسعي لبيعه في ‘المزاد’، وهب خصوم الشيخ يهاجمونه ويتهمونه بأنه من طيور الظلام، لكنه لم يبال، وتدخلت لديه فقال لي إن حجازي اتهمه بالجنون، ووصفه بأوصاف غير لائقة.. فماذا فعل وهو المجني عليه، لم يضربه بسكين ليقال عنه انه إرهابي، ولكن لجأ إلى القضاء، وشعرت أن الجدل معه لن يفضي إلى نتيجة، وأنهيت المكالمة، بعد أن أعاد تذكيري بما قاله لي قديماً بأنه يتابع كتاباتي ويجدني أمارس علمانيتي على سجادة صلاة، وبحسب قوله إن شيخ الأزهر الأسبق عبد الحليم محمود قال للدكتور مصطفي محمود في مرحلة إلحاده: ‘يا بني أنت تلحد على سجادة صلاة’.. أي انه يمارس الإلحاد وهو مؤمن!
العلمانية
الشيخ تعرف حديثاً على اصطلاح ‘العلمانية’ وصار غير الإسلاميين عنده هم علمانيون، وكان أول اصطدام له به، عندما كنت في زيارته بمنزله منذ ربع قرن، إذ سأل عن معني علماني؟، وأخبره زميل من تلاميذ الشيخ صلاح أبو إسماعيل ‘والد حازم’ ضاحكاً: ‘إن العلمانيين يقضون حاجتهم وقوفاً’.. ولهذه قصة رويتها في مكان آخر!
استضافة البدري في برنامج تلفزيوني والرجل أفل نجمه بدا لي أمراً لافتاً، وبعد قليل إذا بالمذيعة سالفة الذكر تكشف المستور باستدعاء واقعة الرقية الشرعية عندما ألقت عليه سؤالاً وقفت على المستهدف منه وهو: هل يجوز وضع اليد على رأس المرأة عند رقيتها؟!
واحتد الشيخ لأنه فهم ما تمهد له، وإذا بالمذيعة تسحب طرحة وضعتها على رأسها، وعندما طلب منها أن تعيدها قالت: حجاب؟!.. الحجاب في القلب.. وهل هذا حجاب؟.. أي حجاب هذا الذي يظهر شعري من تحته؟!
وقد صفق لها الجمهور عبر ‘الفيس بوك’ فقد تصدت لتجار الدين، وكانت شجاعة وهي تكشف شعرها الناعم.
المعنى أن الرجل طلب منها أن تضع ‘طرحة’ على رأسها وأنها وافقت، وكانت النية مبيتة للاستجابة له واستدراجه حتى يوافق على الظهور، وبعدها يحدث ما يحدث فتهتف الجماهير للمذيعة التي تقف على ثغرة من ثغور الوطنية وتكشف تجار الدين، استغلالاً لحالة الاستقطاب السياسي التي تعيشها مصر الآن.
وموافقة المذكورة على وضع الطرحة، مع إيمانها بأن الحجاب في القلب، وان الطالب فيه ما فيه، هو أمر ينتقص من شجاعتها، لكن الذين هتفوا باسمها في الفضاء الافتراضي تعاملوا وفق قاعدة: ‘حبيبك يبلع لك الزلط.. وعدوك يتمني لك الغلط’
المثير للدهشة أن يصبح ما يتقاضاه الضيف مقابل ظهوره في برنامج تلفزيوني أداة للتجريس، فذكرت المذكور ة أكثر من مرة بدون مناسبة، أنه ‘أي الشيخ’ حصل على ألف جنيه. وكأنه حصل عليها كرشوة مقابل أداء دور، أو ليقبل ما ستفعله به سيادتها!
إن مصر بحاجة إلى جهاز رقابي مستقل لمواجهة هذا الانفلات الإعلامي غير المسبوق، وهذا الخروج الفج على قيم المهنة، لمواجهة ‘ردح الحواري’ الذي انتقل إلى شاشات التلفاز.
لغير المصريين الذين لا يعرفون معني مصطلح ‘ردح الحواري’، شاهدوا فيلم ‘خالتي فرنسا’.
أرض جو
يحاول أسامة كمال على قناة ‘القاهرة والناس′ أن يكون مثلهم.. فجاء من مدرسة الانضباط الإعلامي، محاولاً الانخراط في ظاهرة ‘إعلام التوجيه المدرسي’.. حيث يتعامل المذيع على طريقة السيد ناظر المدرسة، وهو يلقي توجيهاته في كلمة الصباح بالإذاعة المدرسية.
توقف برنامج حافظ المرازي لمرضه، في نفس اللحظة التي توقف فيها برنامج يسري فودة بعد تعرضه لحادث سير، ولا تزال لميس الحديدي ‘حية تسعي’.. ليس الموت فقط هو الذي يجتبي ويختار، فالمرض أيضاً.
في مقابلته مع خديجة بن قنة، بشرنا الدكتور محمد مرسي بأن التغيير الوزاري ‘خلال ساعات’، ومرت أيام ولم يعلن هذا التشكيل، على نحو دال على صدق القول الدارج ‘يوم الحكومة بسنة’.
حظوظ: ناس تحاورهم خديجة بن قنة.. وناس تحاورهم ضحى الزهيري.. سأخوض الانتخابات الرئاسية القادمة إن شاء الله.
بدأت أشعر بالغربة عندما اذهب إلى ‘الجزيرة’، أجيال دخلت من وراء ظهري.. أنا من جيل جميل عازر، وما دام اغتراب باغتراب، فمشاهدة روتانا أفلام أفضل!
إذا أردت نموذجاً على الإدارة الاحترافية لبرنامج يستضيف رأيين مختلفين.. فشاهد ‘ساعة حرة’ وحسين جرادي.
بكى ضابط ملتح على قناة ‘الرحمة’ لأن الدكتور مرسي ظلمهم، فهم موقوفون عن العمل منذ سنة، لأنهم أطلقوا لحاهم بالمخالفة للوائح. وقال إن تهمتنا هي التمسك بالهدي النبوي.. كأن الهدي النبوي نزل به الوحي في العامين الماضيين فقط، عندما أثيرت قضية الضباط الملتحين!


رؤية ملكية متكاملة لحل أزمات المنطقة
بقلم: رأي الدستور
قدّم جلالة الملك عبدالله الثاني في زيارته للولايات المتحدة الأميركية ولقائه مع الرئيس الأميركي “اوباما” وأركان ادارته وقيادات الكونجرس، قدم رؤية ملكية لحل الأزمة السورية، والقضية الفلسطينية، الى جانب اضاءة مسيرة الاصلاح المباركة التي يقودها لتؤتي أكلها لخير الوطن والمواطنين.
وفي هذا السياق، أكد جلالة الملك ومن واقع خبرته ومعايشته لأزمات المنطقة المتلاحقة، ان الازمة السورية وصلت الى مرحلة غير مسبوقة، وتنذر بكارثة خطيرة على مستوى المنطقة، ما يستدعي حلاً عاجلاً وسريعاً يقوم ويستند إلى الحلول السلمية.. ووقف سفك الدماء والحرب القذرة التي تطحن الشعب الشقيق، وأدت الى مقتل اكثر من 75 الفاً وتهجير أربعة ملايين، منهم اكثر من مليون لاجىء عبروا الحدود الى دول الجوار.
جلالة الملك وهو يستعرض تداعيات هذه الكارثة أشار بوضوح الى الكلفة الباهظة التي يتحملها الاردن، وتفوق قدراته المادية، وتأثيرها الخطير على البنية التحتية، وخدمات التعليم والصحة، في ضوء اقتصاده المرهق، وهو ما ادى الى رفع هذا الملف الخطير الى مجلس الامن، ووضعه امام مسؤولياته “لانقاذ الشعب الشقيق، من خلال المعونات العاجلة، واجتراح حلول سياسية قادرة على اطفاء الحريق الذي حوّل القطر الشقيق الى ارض محروقة، والمدن السورية الى مدن اشباح وموت.
وفي صلب الموضوع، دعا جلالة الملك الى حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً يقوم على حل الدولتين كسبيل وحيد لنزع فتيل الانفجار القادم، ولتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة، بعد أن ثبت بأن عدم حل هذه القضية، والتي تعتبر قضية العرب المركزية الاولى بما يضمن الحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني، فان المنطقة ستبقى أسيرة الاحتلال والخوف والارهاب الاسرائيلي.
ومن هنا ركز جلالته على ضرورة ان تعمل واشنطن على تهيئة الاجواء لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين وفق سقف زمني، ومرجعيات محددة تفضي الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وفي حدود الرابع من حزيران 1967.
وفي ذات السياق حذّر جلالة الملك اسرائيل من الاستمرار في الاستيطان والتهويد وخاصة في القدس المحتلة، وفي استباحة المسجد الاقصى، مؤكداً بأن هذه الاعتداءات تعتبر خطاً أحمر لأنها تمس عقيدة المسلمين من جاكرتا وحتى طنجة، فالقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ومعراج الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الى السموات العلى ومولد المسيح عليه السلام.
جلالة الملك وهو يقدم رؤيته لحل الازمة السورية والصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، استعرض بعمق مسيرة الاصلاح الاردنية، ومحددات ومرتكزات هذه المسيرة، ومن ابرزها انها تهدف الى ترسيخ الديمقراطية والتعددية وتقوم على التدرج، وتؤمن بالوسطية والاعتدال، ونهج الحوار، ما ادى الى وفاق وطني انعكس في تغيير ثلث مواد الدستور، واقامة محكمة دستورية، والتأكيد على الحريات الشخصية والفصل بين السلطات، ما أسفر عن اجراء انتخابات نزيهة وشفافة بشهادة كافة المنظمات الدولية والمحلية التي اشرفت على هذه الانتخابات، وشارك فيها اكثر من 56% من المواطنين، ما يؤشر الى اصرارهم على تحقيق الاصلاح والمشاركة في بناء الوطن، وفي تجديد الحياة السياسية، بدليل ان أغلبية اعضاء مجلس النواب هم اعضاء جدد.
مجمل القول : حرص جلالة الملك خلال زيارته لاميركا على تقديم رؤية متكاملة وخريطة طريق واضحة لحل الازمة السورية، تقوم وتستند إلى الحل السياسي، وعلى حل القضية الفلسطينية وفقاً لحل الدولتين, لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة، ونزع فتيل الانفجار القادم لا محالة.
فـي البيـت الأبيـض
بقلم: محمد حسن التل - الدستور
لا يمكن لأحد أن يقتنع أن هناك مصلحة تتحكم بالعقلية الأميركية خصوصاً على مستوى النخبة الحاكمة في الإدارة والكونغرس سوى المصلحة الأميركية المباشرة، والمصلحة الإسرائيلية من جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية. ولكنّ هناك هامش حركة كبيرًا لمن يريد النفاذ إلى هذه الذهنية، والاستفادة من النفوذ الأميركي في العالم كدولة عظمى تتحكم بالقرار الدولي.
خلال أسبوع من اللقاءات في العاصمة الأميركية واشنطن، وبالذات أمس عندما كنا بمعية الملك، في البيت الأبيض، استطعت أن ألمس إلى حدٍ لا بأس به كيفية إمكانية الحوار مع العقل الأميركي الذي يعتمد على الحجة القوية، والفكرة الواضحة والهدف المحدد دون مواربة أو تذاكٍ؛ وهذا ما أهّل الأردن بقيادة الملك أن يحتل مساحة واسعة من الاحترام والاهتمام الأميركييْن، إذْ يتسلح بأفكار محددة تجاه كل القضايا الإقليمية وتلك التي تخصه بذاته.
يعترف الأميركيون أن الملك عبدالله الثاني ثابت في خطه السياسي وفي التعبير عن هذا الخط في كل الملفات بكافة المنعطفات والمراحل؛ فعلى مستوى القضية الفلسطينية التي تشهد تراجعاً في الاهتمام على كل المستويات، نتيجة تصاعد الأزمة في سورية بقوة وتسارع، يستمر الملك ،دائماً، بعرض رؤيته ذاتها أمام الإدارة والكونغرس في أميركا: حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه كذلك في دولته المستقلة.
أما على صعيد الأزمة السورية، فالملك يقدمها برؤية واضحة، ومفهوم راسخ منذ اندلاعها... لا للتدخل العسكري مع دعم الحل السياسي بضغط دولي تحت قيادة واضحة، يحفظ سورية من الانزلاق نحو هاوية الصراع الطائفي، والتقسيم، وبالتالي التناحر، كما يحفظ المنطقة من اندلاع النار السورية خارج الحدود؛ الأمر الذي يهدد أمن المنطقة بكاملها.
عندما يعرض الملك المعادلة الأردنية أمام الأميركيين على المستوى الاقتصادي، يكون في هذه المرحلة متسلحاً بتجربة ديمقراطية متصاعدة ومتراكمة، فرغم كل الفوضى التي يشهدها الوطن العربي برز النموذج الأردني كنموذج متميز ويستحق الدعم، إذْ حقق الأردن أسباب الاستمرار في البناء والحياة، محصنا بصلابة القاعدة الشعبية وتماسكها وجدية العملية الديمقراطية؛ التي تسير على الطريق بثقة كاملة.

الأميركيون يقولون: إن الأردنّ نجح بالبدء بتطبيق نموذج ديمقراطي حقيقي على أرض الواقع، رغم كل الصعوبات التي تواجهه، سواء على الحدود أم على الجانب الاقتصادي، واستطاع أن يتخطى منعطفاتٍ خطيرة مرت بها المنطقة كان من الممكن أن تؤثر سلباً على أمنه واستقراره، لكن شكلت تجربته الديمقراطية وحالة الانفتاح التي يعيشها حماية له من هذه التأثيرات الجارفة.

طوال أسبوع كانت الملفات العربية الرئيسة، وملف الاقتصاد الأردني حاضرة على الساحة السياسية الأميركية، وخصوصاً أمس في البيت الأبيض إذْ كان الملك بمثابة سفير المنطقة العربية إلى بيت القرار الاميركي، حيث حمل هذه الملفات ليعرضها أمام القيادة الأميركية... عندما كان الملك يتحدث لأوباما أمس من السهل جداً أن يلاحظ المراقب أن الرئيس الأميركي كان يتخطى جانب المجاملة في الاستماع إلى درجة الإصغاء التام إذْ يدرك أن الملك يتحدث كلاعب أساس في المنطقة، ذي خبرةٍ عالية وعميقة في ظروفها، وكرمز في الاعتدال والواقعية، على المستوى الوطني والاقليمي؛ الأمر الذي تحتاجه السياسة الدولية في هذه الفترة بالذات، لإعادة التوازن إلى المنطقة، خدمة للسلم العالمي.
في المحصلة جاءت القمة الأردنية الأميركية أمس من ناحية التوقيت والمضمون، هامة بكل تفاصيلها، حيث عقدت في لحظة حرجة تمر بها منطقتنا.
بعيدا عن السياسة وتداخلاتها ومواقفها وتشعباتها .. وانت تجلس في المكتب البيضاوي الذي يدير الامريكيون العالم من خلاله تسال نفسك كم عمر حضارتهم وكم عمر حضارتنا ؟ والى اي مدى يمتد تاريخنا مقارنة بامتداد تاريخهم ؟ وكم حجم امكاناتهم مقارنة بامكانات امتنا ؟ وتسال نفسك اين هم واين نحن؟!
الإسلاميون و شعارا «التمكين» و«التحرير»
بقلم: عريب الرنتاوي - الدستور
تراجعت مكانة “القضية الفلسطينية” في خطاب الحركات الإسلامية خلال عامي “الربيع العربي” الفائتين، وبتنا نسمع على ألسنة كبار المسؤولين السياسيين و”الروحيين” فيها، حديثاً يميل لتغليب “التمكين” على “التحرير”، أي تمكين الحركات الإسلامة من السلطة والحكم، كمقدمة وشرط لـ”التحرير” حين تنضج شروط المعركة الكبرى، وتبدأ جحافل “الغزوات” بالتوجه إلى الجبهات والحدود.
و”التمكين” هنا، مفتوح على شتى التقديرات، سنوات وعقود وربما أجيال..فمن يدري متى سيعلن إخوان مصر انتهاء عملية “التمكن والتمكين”، أو متى يفرغ إخوان سوريا من حربهم على النظام، وحروبهم اللاحقة على مجادليهم وأخصامهم من سلفيين وعلمانيين و”شبيحة”..وكذا الحال بالنسبة لبقية هذه الحركات التي وصلت السلطة أو هي في طريقها إليها.
هذا التحول في خطاب الحركات الإسلامية و”سلالم أولوياتها”، ما كان ممكناً له أن يحدث لولا اندلاع ثورات الربيع العربي، ووصول الإسلاميين منفردين أو مع غيرهم، للسلطة والحكم، في أكثر من دولة عربية..لقد تبدل الخطاب والأولويات بتبدل المواقع..تبدلت المواقف جراء تبدل المواقع..والمؤكد اليوم بعد كل هذه السنوات والعقود من “التوظيف” و”الاستخدام” للقضية الفلسطينية، أنها لم تكن في صدارة الأولويات، اللهم إلا عند الحاجة لكسب التأييد وتحشيد الرأي العام وتأليبه ضد نظم الفساد والاستبداد المتخاذلة والمتواطئة والمتآمرة..أما اليوم، فيُعاد انتاج خطاب الأنظمة البائدة، بحرفيته تقريباً، مضافاً إليه الكثير من “الافتاء” المُعد سلفاً لـ”الرفق باليهود” و”حفظ العهود والمواثيق” و”دروس الحديبية” و”الصلح خير”.
مثل هذا الانهيار في مكانة القضية الوطنية للشعب الفلسطيني، وقع كالزلزال بلا شك على كثيرين ممن راهنوا على تحوّل الربيع العربي إلى رافعة كبرى لاستنهاض الكفاح (الجهاد) من أجل فلسطين..حتى أن حركة حماس التي انتشت بصعود نظرائها و”شقيقاتها” للحكم في مصر وتونس وغيرهما من الأقطار العربية، تجد اليوم، صعوبة فائقة في الترويج لـ”خيار المقاومة” بعد أن فقدت حلفاءها السابقين، وأدار حلفاؤها وأشقاؤها الجدد ظهورهم لمتطلبات إنفاذ هذا الخيار وحفظه وتصعيده، بل وكانوا الأنشط في مطاردة الأنفاق و”التهريب” والأسرع في عقد صفقات التهدئة والهدنة وقطع الالتزامات بحفظ الأمن الإسرائيلي والالتزام بها..ولمن يهوى “المكابرة” عليه أن يقدم لنا جردة حساب بما فعله نظام مرسي خلال العام الأخير، خلافاً لما كان يفعله نظام حسني في سنوات حكمه الأخيرة.
الحركة الإسلامية في فلسطين، لا تمتلك ترف انتظار “التمكين”..فالمقاومة هي مبرر وجودها، وهي “العلامة الفارقة” التي ميزتها عن “تيار المساومة والتفاوض”، والأهم أن شعبها وأرضها ومقدساتها ما زالت ترزح تحت نير الاحتلال وتتهددها جرافات الاستيطان وتضيق الخناق حول عنقها، إجراءات العزل والحصار.
هي– الحركة الإسلامية الفلسطينية - لا زالت تتحدث حتى اليوم عن هذا الخيار، ولكن بقليل من الأنياب والمخالب، وهي تعرف أن ظهرها مكشوف، وأن وجود الإخوان على رأس الحكم في مصر، لم يُفض إلى أي تغيير نوعي في قواعد اللعبة..هي لا تستطيع العودة لحلفاء الأمس في “معسكر المقاومة والممانعة”، وليست مطمئنة إلى مستقبلها ومستقبل “خيارها المقاوم” مع حلفائها الجدد من القاهرة إلى الدوحة مروراً بأنقرة.
لهذا نجد هذه الحركة تقف حائرة ومنقسمة عند المفترق الأخطر الذي بلغته منذ انطلاقتها قبل ربع قرن تقريباً..هل ستنصاع لحسابات “التمكين” وتنتظر “غودو الذي لن يأتي”..هل ستنصاع لاتجاهات هبوب الضغوط القطرية – التركية – المصرية الدافعة باتجاه التكيف مع “شروط” و”مستلزمات” عملية السلام والقبول الدولي..أو أنها ما زالت على عهدها “المقاوم”..هل ثمة طريق ثالث بين الطريقين، وهل هي جاهزة لولوجه واجتياز عتباته.

مثل هذه الأسئلة والتساؤلات، تجدها تدور في أذهان القادة والنشطاء والمناصرين، فتقسمهم إلى تيارات ومدارس مختلفة ومصطرعة أحياناً..وهي تدور في أذهان الشخص الواحد وداخل التيار الواحد..فلا أجوبة بسيطة عن هذه الأسئلة البسيطة.
تخطىء الحركة الإسلامية في فلسطين إن هي ركنت إلى “نظرية التمكين” او أخذت بها..لو فعلت ذلك تكون قارفت ذات “الخطيئة” التي قارفتها حركة القوميين العرب قبل نصف قرن من الزمان تقريباً، عندما وقعت في فخ “التمكين”، تمكين عبد الناصر والناصرية من امتلاك أوراق الحكم والسيطرة والقوة، قبل “توريطه” في حرب غير جاهز أو مستعد لها مع إسرائيل..يومها يذكر قدامى القوميين، كيف رُفع شعار “فوق الصفر وتحت التوريط”، وهو الشعار الذي يلخص حال المقاومة الإسلامية في فلسطين هذه الأيام.
يومها كانت حركة فتح في ذورة صعودها، وكان برنامجها الوطني و”كيانيتها الفلسطينية” في ذروة تألقهما..وكان “الكفاح المسلح” شعاراً جاذباً للمناضلين من دول العرب الـ22 والمسلمين الـ57 ومن قارات العالم الخمس..وما يعطي حماس اليوم، مهلة أفضل وأوسع للتفكير والتدبير، هو أن حركة فتح في “خريف عمرها”، وبدائل فتح وحماس على حد سواء، ليست متوفرة ولم تطل برأسها بعد..لكن هذه المهلة ليست مفتوحة على الزمن، والمؤكد أنها ليست بلا نهاية.
نعرف صعوبة انتقال حماس إلى خندق فتح، مع أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدعم هذا الاحتمال..ونعرف أكثر صعوبة العودة إلى “خيار المقاومة” بأساليبه وخطابه وتحالفاته، فقد جرت مياه كثيرة في أنهار الشرق الأوسط الكبير تجعل “ما مضى فات وانقضى”..فهل ثمة من متسع للتفكير بطريق ثالث، أو خيار آخر بين هذين الخيارين..خيار ينهض بالخطاب والمؤسسة الفلسطينييْن، ويعيد تعريف أهداف النضال في المرحلة المقبلة، ويصوغ بإبداع أدواته الكفاحية والنضالية..خطاب يعيد “توطين” الحركة الإسلامية الفلسطينية بعد أن ذهب كثيرون باتجاها “أسلمتها” و”تعريبها” من دون انكفاء أو انغلاق، من دون انفصال عن البعدين القومي والأممي للمسألة الفلسطينية..أسئلة وتساؤلات برسمنا جميعاً، وبالأخص الإسلاميين منا.