Haneen
2013-05-07, 11:40 AM
اقلام واراء عربي 390
5/5/2013
<tbody>
</tbody>
مقالات مختارة من الصحف العربية
في هذا الملــــف:
دولة فلسطين ‘غير العضو’.. والذاكرة القصيرة للسلطة!
بقلم: فراس أبو هلال (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
السلام مقابل التنفّس
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2)
خالد الحروب (كاتب فلسطيني) عن الحياة اللندنية
سوريا والغارة الإسرائيلية
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
ما وراء الأخبار.. وعد حمد و«ربيع» تسليم المفاتيح!
بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
الربيع العربي بين الرجاء والخوف
بقلم: هاني فحص عن السفير البيروتية
الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة
بقلم: جلال أمين عن الشروق المصرية
انه الشرق الأوسط الجديد
بقلم: يحيى محمود عن الرأي الأردنية
دولة فلسطين ‘غير العضو’.. والذاكرة القصيرة للسلطة!
بقلم: فراس أبو هلال (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
في إطار ترويجها المستميت لفكرة التوجه للأمم المتحدة والحصول على صفة ‘دولة غير عضو’ لفلسطين، قالت منظمة التحرير الفلسطينية ـ هل يذكر أحد هذا الاسم بالمناسبة؟- وقالت السلطة، وقال المدافعون عن الفكرة ان هذه الصفة ستمكن الفلسطينيين من الانضمام لمؤسسات أممية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، لا يستطيع الفلسطينيون من دون هذه العضوية الانتساب إليها.
وقد أضاف بعض المتحمسين فائدة أخرى من هذه العضوية، وهي أنها ستعطي الفرصة لـ’الدولة’ الوليدة للتوجه إلى مؤسسات حقوقية ومحاكم دولية بهدف تقديم دعاوى ضد جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي قالت مصادر دبلوماسية وإعلامية انه لن يحدث، خصوصا أن بعض الدول التي صوتت لصالح القرار كانت قد اشترطت على الفلسطينيين الامتناع عن التوجه للمحاكم الدولية ضد ‘إسرائيل’ مقابل تصويتها إلى جانبهم.
بالطبع نفت المصادر الفلسطينية هذه ‘المزاعم’ في ذلك الوقت، وأكدت أنها ستحتفظ بحقها باستخدام كل الميزات التي سيحصل عليها الفلسطينيون بعد حصولهم على هذه الصفة، واتهمت من يروجونها بمحاولة الانتقاص من هذا ‘الانتصار الوطني’.
ولكن السلطة الفلسطينية التي يبدو أنها تراهن على ‘الذاكرة القصيرة’ للناس، خالفت هذه التأكيدات وبأسرع مما توقع أكثر الفلسطينيين تشاؤما، وقدمت وعدا للإدارة الأمريكية بعد ستة أشهر من ‘الإنجاز العظيم’ ليس فقط بعدم ملاحقة ‘إسرائيل’ قضائيا، بل حتى بعدم السعي لمجرد الانضمام لمؤسسات ووكالات الأمم المتحدة، بحجة تقديم مبادرات ‘حسن نية’ لواشنطن، ولتأكيد التزام السلطة ‘بإعطاء فرصة لدفع المسيرة السلمية’.
وقد ارتكبت السلطة الفلسطينية بهذا الوعد خطأ مزدوجا، فهي أولا تتخلى عن حق الفلسطينيين وليس حقها كسلطة بالانضمام إلى المؤسسات الدولية، خصوصا أن حصول فلسطين على صفة دولة ‘غير عضو’ صوّر باعتباره انجازا لفلسطين ولشعبها وليس للسلطة، وبالتالي فإن من حق من قيل لهم ان ‘الدولة’ ستعطيهم الفرصة للانضمام إلى المؤسسات الدولية أن يحصلوا على هذه الفرصة، والا يتم التلاعب بحقهم بهذه البساطة وبهذه السرعة وبهذا الثمن.
أما الخطأ الثاني الذي ترتكبه السلطة، فهو استمرارها بالمسار العبثي القائم على تقديم كل ما تملكه من أوراق – قليلة بالأصل- بشكل مجاني ومن دون الحصول على مقابل، إذ أننا إذا تجاوزنا الرفض المبدأي لتخلي السلطة عن حق الشعب الفلسطيني بالمراكمة على ‘إنجاز′ الدولة، فإن المطلوب على الأقل أن تمارس قيادة السلطة السياسة والتفاوض بحرفية، بحيث لا تقدم مثل هذه الورقة من دون أن تحصل على ‘تنازلات’ من الجانب الأمريكي أو من جانب دولة الاحتلال.
ومن الواضح أن السلطة تعتقد أن ذاكرة الفلسطينيين لن تسعفهم لتذكر الوعود التي قطعتها عندما قررت التوجه إلى الأمم المتحدة، ولهذا فإنها تقدم على هذه الخطوة من دون وجل، وتضيفها إلى خطوات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها مهازل دبلوماسية، كان آخرها إقدام السلطة على سحب مشاريع القرارات التي تقدمت بها لإدانة ‘إسرائيل’ في اليونسكو، ومحاولتها الترويج لسحب هذه القرارات على أنها إنجاز يسجل لصالحها.
وفي إطار الحديث عن المهازل الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية، بل للمجموعة العربية برمتها، لابد أن يذكر هنا أن قرار محكمة لاهاي في عام 2004 بعدم قانونية بناء جدار العزل العنصري، لم تجر له أي متابعة قانونية، ولم يبن عليه بالتوجه إلى الأمم المتحدة مثلا ولا أي مؤسسة من مؤسساتها، فيما لا يزال الفلسطينيون والعرب يذكرون – على خلاف ما تعتقد السلطة – أن تقرير غولدستون الشهير أصبح طي الكتمان هو الآخر.
من نافلة القول ان المسار الدبلوماسي والقانوني لا يعول عليه كثيرا في القضايا المتعلقة بدولة الاحتلال، لأنها تحظى برعاية أمريكية وبمواقف أوروبية مائعة، ولكن هذا المسار يمكن أن يمثل خطوات صغيرة يستطيع الفلسطينيون والعرب أن يبنوا عليها، ليحققوا المزيد من العزلة السياسية على تل أبيب في العالم، وهو من أكثر الأسلحة التي تخشاها ‘إسرائيل’، حسب تصريحات قادتها المتكررة.
ويبقى القول ان السلطة الفلسطينية التي تعلن كل يوم التزامها بالمسار السلمي وبـ’النضال’ الدبلوماسي، لا تترك أي فرصة لتقديم الدليل تلو الآخر على فشلها في هذا المسار، وعلى فقدانها للأدوات ‘الحرفية’ للعمل السياسي التفاوضي، من خلال تقديمها الهدايا المجانية لأمريكا و’إسرائيل’، مراهنة بذلك على ما تعتقد أنه ذاكرة قصيرة للشعب الفلسطيني والعربي، وهو رهان أثبت الثورات الشعبية العربية أنه خاسر بلا شك.
السلام مقابل التنفّس
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
الترحيب الذي صدر عن “إسرائيل” بشأن تنازل العرب الجديد المتمثّل بتعديل مبادرتهم للتسوية، نظر إليها من زاوية التطبيع، وأنها باتت قابلة للنقاش فحسب، أي أن هذه التعديلات تتيح إقامة علاقات بين “إسرائيل” وكل العرب، أما مقابل ماذا هذا التطبيع الجماعي، فهذا ما لم يتطرّق إليه أي مسؤول “إسرائيلي” . هذا يؤكد منهجاً ونوايا قائمة منذ بدايات عملية التسوية، إذ إن “إسرائيل” لا تنظر سوى إلى ما تريده ولا شأن لها بمطالب الفلسطينيين والعرب، إن بقي لهم مطالب .
تسيبي ليفني ذات الخلفية الموسادية والعائدة للحكومة “الإسرائيلية” من بوابة ملف المفاوضات والقضاء، الأوضح اعترافاً بمغامراتها المغطاة بفتاوى الحاخامات لمصلحة “إسرائيل”، التقت وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لبحث التنازل العربي المقبل، وهي أدرجت المبادرة العربية ضمن موضوعات التفاوض وليس قبولها كما هي حتى بعد التفاوض . وعلى الأرجح أن هذا الموقف جاء بالتوافق مع واشنطن، لا سيما أنه صدر بعد لقاء الوزيرة مع “كيري” القابل للدهن في الوجبات السريعة .
بنيامين نتنياهو كان الأكثر وضوحاً في موقفه من التقهقر العربي، فهو لا يرى أن الصراع يدور حول الأرض، بل حول الاعتراف المطلوب ب “إسرائيل” ك “دولة للشعب اليهودي” . وبما أن فلسطين لا تتسع لليهود البالغ عددهم العشرين مليوناً في العالم، فإن “السلام الحقيقي” سيتطلب تعديلاً في العقل العربي لتوسيع حدود “دولة الشعب اليهودي” . لهذا السبب، لم تضع “إسرائيل” حدوداً لها حتى الآن . بعض المسؤولين الفلسطينيين تحدّث عما هو أوسع من التطبيع العربي الجماعي، وقدموا ل “إسرائيل” وعوداً بعلاقات مع سبع وخمسين دولة إسلامية، إن هي قبلت بالمبادرة العربية، وهذا قبل التعديل، ولا نعرف أن هذا “الأُفر” ما زال قائماً بعد التعديل، أم أنه خضع لتعديل آخر يقول لها اقبلي بالتعديلات وخذي مع كل اعترافين عربي وإسلامي اعترافاً ثالثاً مجاناً، والإعلان مستمر حتى نفاد المخزون من الثوابت الفلسطينية والعربية والإسلامية .
هذه معطيات الحقل، أما حسابات البيدر فهي شيء مختلف . التاريخ ليس حقائق فحسب، بل مسارات حصرية باتجاه حتميات تصوغها الشعوب وليست الحكومات التي لا تستشير شعوباً حول مصيرها، ثم تتحدّث كالببغاء عن الديمقراطية والحرية . التاريخ لا يعترف بالضعفاء والمتنازلين، وإن منحهم بعضاً من تعرّجات مساره، وهو يعدّل هذا المسار بأقوى مما يعدّل المتسوّلون مستوى رفع أيديهم المفتوحة ودرجة انحناء الرؤوس .
ما تبقى من المعارضة الفلسطينية انتقد التعديلات على المبادرة التي سبق له أن رفضها حين صدورها . فهل يعني رفض التعديلات قبولاً بالمعارضة الأصلية؟ . إذا كان الأمر كذلك، نكون في السياق المعتاد ذاته القائم على رفض كل تنازل جديد والتمسك بالوضع الذي كان قبله، وهو وضع كان تنازلاً بالنسبة لما هو قبل الذي قبله . المثقفون العرب المخروقون يعزفون على هذه النغمة، فهم يجلدون فكرة “الرفض” دائماً، ولا تكف أسطوانتهم عن الدوران: كان على العرب قبول قرار التقسيم، وعندما كرّست “إسرائيل” احتلال فلسطين وأرضاً عربية أخرى، كان على العرب الاعتراف بقرار ،242 وبعد جنون الاستيطان، كان على العرب قبول “كامب ديفيد”، وفي النهاية قد يجدون أنفسهم أمام “السلام” على قاعدة اعتراف العرب جميعاً ب”إسرائيل” التوراتية مقابل اعترافها بأنهم كائنات حية من حقها أن تتنفّس .
المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2)
خالد الحروب (كاتب فلسطيني) عن الحياة اللندنية
تقول مقدمة «المشروع النهضوي العربي» الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2010 إن فكرة المشروع بدأت في التبلور عام 1988، وأن باحثين بدأوا عملياً تقليب وصوغ أفكاره الاولى في العام 1996، ثم تطوّر تشكّله في ندوات ولقاءات في السنوات اللاحقة إلى أن صدر كما هو بين أيدينا الآن. معنى ذلك أنه خلاصة تداول فكري وبحثي بين عشرات، إن لم يكن المئات، من المثقفين العرب امتد على مدار عقدين من الزمن، أو أربعة عشر عاماً على أقل تقدير. وعليه لنا أن نتوقع إتصاف المشروع والنص بالصلابة والدقة والتمحيص الذي تتيحه كل تلك السنوات، وتوفره إسهامات كل أولئك المشاركين وندواتهم من بيروت إلى القاهرة إلى فاس وغيرها. ورغم ما تشير إليه مقدمة الكتيب من ان نص المشروع أنتجه مفكرون ومثقفون وناشطون عرب من خلفيات فكرية مختلفة إلا انه بالإمكان القول بأنه يقدم عملياً رؤية القوميين العرب لراهن ومستقبل العالم العربي تحت عنوان «المشروع النهضوي العربي». ويستحق المشروع والنص وما فيه من طروحات مهمة وغنية وخلافية وقفة نقدية موسعة بغية إثراء النقاش العام حول الحاضر والغد العربي، وهو ما ستحاول القيام به هذه المقاربة.
يفصل الكتيب بإسهاب المنطلقات الفكرية والرؤى النظرية التي «يجب» أن يستند إليها «المشروع النهضوي العربي» الذي يجتمع حوله القوميون. وبصرف النظر عن الموقف من المشروع برمته أو مكوناته يجب القول ابتداءً إن إصدار أي تيار سياسي وفكري في المنطقة العربية رؤيته بتفصيل ووضوح كافيين للنقاش العام هو خطوة إيجابية تستحق الإشادة. فهنا نستطيع التعرف إلى معالم الفكر السياسي والتطلع المستقبلي واختبار الأفكار ونقدها وكذا فحص آليات التطبيق. إضافة إلى ذلك توفر لنا تلك المعرفة إمتلاك أدوات موضوعية لنقد ومحاسبة أي تيار بناءً على إعلاناته الفكرية والسياسية، وهذا - وهذا وحده - يعمق تداول الأفكار ونقاشها والسجال حول إمكانات تطبيقها ومدى واقعيتها وخدمتها للجمهور الذي تستهدف خدمته. وقبل الشروع في تأمل ونقد ما جاء في «المشروع النهضوي العربي» ربما جاز التمني هنا على بقية التيارات السياسية أن تطرح أيضاً للجمهور رؤاها «النهضوية» البعيدة المدى تحت الشمس وللنقاش العام. نريد أن نرى ما يمكن أن يسمّيه الإسلاميون «المشروع النهضوي الإسلامي»، وما يمكن أن يسمّيه اليساريون «المشروع النهضوي اليساري»، وما يمكن أن يسمّيه الليبراليون «المشروع النهضوي الليبرالي».
السمة التي مّيزت التيار القومي العربي في الوقت الراهن، ومكّنته من إصدار مشروعه المُقترح لنهضة العرب هو وجود تجمع وقطب فكري وسياسي يتحدث باسم القوميين يتمحور حول «المؤتمر القومي العربي» ومركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. فبالمقارنة، لم يتمتع أي تيار آخر في المنطقة العربية يروم التعبير الجماعي عن مكوناته أو فروعه في العالم العربي بناطق رسمي أو قطب فكري وسياسي يستطيع الزعم بأنه يعبّر عن رؤية جماعية عابرة للحدود الوطنية. حتى حركة «الإخوان المسلمين» التي لها فروع ربما في كل الدول العربية عانت ولا تزال تعاني من حيرة وارتباك مثير عند مواجهة سؤال ما بعد الدولة الوطنية، وينكشف هذا الارتباك اكثر في المرحلة الراهنة وبعد الثورات العربية ووصول الاسلاميين الى الحكم. بمعنى أن الاسلاميين وحركة «الاخوان» تحديداً لا تطرح مشروعاً أو رؤية تفصيلية على مستوى العالم العربي أو الإسلامي تقول فيه ما الذي تعمل على تحقيقه في كل فضاء من الفضاءات: الوطني، العربي، الإسلامي. والأمر نفسه ينطبق على قوى اليسار والقوى الليبرالية التي هي أضعف بكثير من التيار الإسلامي ويشتغل ويُستنزف كل منها في دائرة الوطني.
لكن يجب ألا يمر هذا من دون أن نذكّر أنفسنا بأن وجود عنوان فكري وسياسي ونخبوي للتيار القومي وإن كان يقدم ميزة تفضيلية فإنه لا يعكس بأي حال من الأحوال ميزة تفوق من ناحية القوة والتأثير على مستوى الرأي العام والفاعلية السياسية. بل ربما العكس تماماً، أي أن غياب أحزاب وحركات قومية فاعلة في كل بلد من البلدان العربية ربما أتاح بروز نخبة قومية تتحدث باسم تيار قومي (غير موجود بالمعنى التنظيمي او الحزبي على الأرض) حيث لا توجد خلافات أو صراعات حقيقية بين تلك الأحزاب المُفترضة على من يمثل من، ومن ينطق بماذا.
في كل الأحوال تتوافر لدينا الآن وثيقة فكرية مهمة تنقل السجال حول الفكر القومي العربي إلى مرحلة أكثر معاصرة، وتكرس عنوان الفكر القومي في الوقت الراهن. فإن كانت عقود الاربعينات والخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين قد أتاحت متابعة فرصة مباشرة للتعرف غلى الفكر القومي العربي ومعالمه عن طريق أدبيات الأحزاب القومية، أو منظّري القومية العربية الكبار، فإن من يقوم بذلك الدور الآن هو الأدبيات التي تصدر عن المؤتمر القومي العربي ومركز دراسات الوحدة العربية، وحديثاً المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الفارق الكبير واللافت بين الحالتين هو عدم وجود حامل سياسي (حزب فاعل، أو سلطة حاكمة) في الحالة الثانية أي الراهنة يمكن أن يعمل على تطبيق الأفكار التي ترد في الأدبيات. ثمة فارق كبير آخر يتمثل في جماعية التعبير عن الفكرة وعدم نسبها لفرد أو منظر محدد. فـ «المشروع النهضوي العربي» لا يكتبه منظر واحد ننسب إليه الأفكار. ليس هنا أي ساطع حصري، أو ميشيل عفلق، او قسطنطين زريق، أو منيف الرزاز أو عبدالله الريماوي أو غيرهم. بل هناك نص جماعي يستقوي بسمته العامة والجماعية تلك، لكنه في الوقت نفسه يتيح إمكان المراوغة والتفلت لأي مُساهم شارك في صوغه بالقول إنه وافق على هذا الجزء ولم يوافق على ذاك. وهي مشكلة دائمة تواجه النصوص المشتركة حيث تضيع المسؤولية الفكرية ويتم التهرب من المآزق الحقيقية بما يقود في كثير من الاحيان إلى تعثر السجال وافتقاد النقاش للغنى المطلوب.
يتوزع «المشروع النهضوي العربي» على ثمانية فصول هي: «في ضرورة النهضة»، «التجدد الحضاري»، «الوحدة»، «الديموقراطية»، «التنمية المستقلة»، «العدالة الاجتماعية»، «الاستقلال الوطني والقومي»، «آليات تحقيق المشروع». وكل فصل من هذه الفصول يستحق نقاشاً مستقلاً وموسعاً. لكن من المهم والمفيد الإشارة إلى بعض الملاحظات النقدية التقديمية العامة. أولها الاهتمام البارز والمركزي بقضية الديموقراطية وأولويتها وموضعتها في قلب الأفكار التي يتبناها المشروع. وهذا يعد نقلة أساسية ومهمة في الفكر القومي العربي الحديث مقارنة بالمشروعات القومية الكلاسيكية التي وإن اهتم بعضها بالديموقراطية فإن ذلك الاهتمام بقي هامشياً وجزئياً. الملاحظة الثانية النزعة التوفيقية التي غلبت على المشروع حيث أراد صوغ مشروع يكون محط توافق قومي، إسلامي، يساري، ليبرالي.
وبسبب هذا الهاجس الذي بدا كبيراً في أذهان من صاغوا المشروع فإن خلاصاته التوافقية الهادفة إلى بناء «كتلة تاريخية» ظلت تتسم بالعمومية والغموض الذي أريد منه أن يرضي كل الأطراف. لم تكن هناك حاجة إلى مثل هذه المغامرة الفكرية الفاشلة مُسبقاً، إذ لا يمكن صوغ مشروع فكري يوفق بين ايديولوجيات متنافسة. يمكن الوصول إلى توافقات سياسية جبهوية موقتة أو مطولة تتسم بتنازلات مُتبادلة، لكن هذه العملية لا تنطبق على تخليق جبهوية ايديولوجية تجمع ما هو متناقض تعريفاً.
محاولة التوفيق الفكري شلت كثيراً من نصوص «المشروع» وأبقتها في منتصف الطريق، كما سنناقش ذلك لاحقاً. كان حرياً بـ «المشروع النهضوي العربي» أن يقدم رؤية القوميين العرب وحدهم من دون لبس، ومن دون محاولة أو ادعاء تمثيل بقية التيارات الفكرية والسياسية في المنطقة العربية. كل تيار من تلك التيارات يعبّر عن رؤيته الخاصة بطريقته المنفصلة، وعندها نستطيع أن نساجل كل فكرة على حدة، ويستطيع الجمهور أن يُفاضل بينها ويحكم. بيد ان يفاقم من شلل هذه التلفيقية الايديولوجية هو الأبوية المُستبطنة في نص «المشروع النهضوي العربي»، وهي ابوية فكرية وايديولوجية وسياسية.
لا يترك النص أي مساحة ديموقراطية أو صحية للاختلاف مع طروحاته. وإذ يقر بأن من المفهوم ان يكون هناك معترضون على «المشروع» فإنه سرعان ما يتهمهم بأنهم مرتبطون بـ «الأجنبي» ويخدمون أهدافه، مسطراً ما يلي: «... فمن المؤكد وقوف فئات أخرى في المجتمع ضده (أي المشروع النهضوي). فئات قد أدت بها الظروف المحلية والدولية، والأثرة السلبية، إلى ربط نفسها ارتباطاً نفعياً بالأجنبي، وإيجاد المتعاونين المحليين الذي ييسرون تنفيذ مآرب هذا الأجنبي، ويجنون من ذلك المنافع ضد إرادة معظم فئات الأمة ومصالحها. ومع مضي مشروع الوحدة العربية قدماً في حيز التنفيذ وبروز محاسنه وجني ثماره يزداد المقتنعون بجدواه ويتحولون إلى منادين به ومنضوين تحت لواء تنفيذه، ويلقى السائرون في ركب الأجنبي مصير سابقيهم».
سوريا والغارة الإسرائيلية
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
رسالتان يمكن قراءتهما من الغارة الإسرائيلية على سوريا مساء الجمعة الماضي، والتي أعلن عنها مسؤولون أميركيون، الرسالة الأولى هي أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي رددها في خطابه الثلاثاء الماضي. والثانية أن قدرات الأسد الدفاعية ليست بتلك الصورة التي يرددها الأميركيون!
الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شحنة من الصواريخ المتطورة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق أن استهدفت إسرائيل شحنة أسلحة قيل إنها كانت في طريقها لحزب الله، كما أن إسرائيل التي أقرت بتوجيه الضربة الأخيرة للأراضي السورية قال مسؤول في وزارة دفاعها لمحطة «سي إن إن» الأميركية التي نقلت خبر الغارة، إن إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم لضمان عدم نقل الأسلحة للجماعات «الإرهابية»، وإنها فعلت ذلك بالماضي، و«ستفعلها مستقبلا في حال اضطرت لذلك». ومن هنا فإن هذه الغارة الجوية هي بمثابة رسالة لحزب الله مفادها أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي توعد فيها بأن لدى النظام الأسدي أصدقاء بالمنطقة والعالم، أي إيران وحزب الله، ولن يسمحوا بسقوط الأسد، كما أن إسرائيل تريد القول بأنها جاهزة لو حاول حزب الله التحرك، أو فتح جبهة، خدمة للأسد أو إيران.
وبالطبع، فمن شأن ذلك أن يزيد الأزمة السورية تعقيدا، لكن من قال أصلا إن الأزمة السورية ليست معقدة، وتصل للحظة الانفجار، فالمشهد الآن هو كالتالي: الأسد يعتدي على الحدود الأردنية، بينما حزب الله يشارك في قتل السوريين، وإسرائيل تقوم باصطياد ما يحلو لها في الأراضي السورية، فهل هناك تعقيد أكثر من هذا؟ وعليه فإن الرسالة الثانية للغارة الإسرائيلية هي أن نظام الدفاعات الجوية الأسدية ليس بتلك القوة التي يصورها الأميركيون في حال الرغبة في فرض مناطق حظر طيران، أو حتى القيام بعمل عسكري، من قبل الناتو، أو تحالف الراغبين، فالطيران الإسرائيلي يحلق في الأجواء السورية واللبنانية كيفما شاء، وأنظمة الأسد الدفاعية تغط في سبات عميق، بل إن كل همها الآن هو قصف السوريين، وليس التصدي للإسرائيليين. ونقول إن هذه رسالة للمجتمع الدولي حتى ولو كانت الطائرات الإسرائيلية أصابت أهدافها من خارج الأجواء السورية، كما أعلن، فذلك يعني أيضا أنه بمقدور الأميركيين والمجتمع الدولي تقليم أظافر الأسد في ساعات محدودة، جويا، وعكس كل ما يقال عن أنظمة الأسد الدفاعية.
وهذا ليس تبسيطا، وإنما محاولة لكشف حجم المبالغة حول قدرات قوات الأسد الجوية؛ فالنظام الأسدي اليوم بمثابة الجثة الميتة التي تنتظر من يواريها الثرى، وهذا ما أثبتته، وتثبته، الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وعليه فإن السؤال الآن هو نفس السؤال المطروح، وبعمر الثورة: ما الذي ينتظره الأميركيون، والمجتمع الدولي حتى يتدخلوا؟ إلى متى الانتظار وفي سوريا يجتمع ما لا يجتمع؛ حيث «القاعدة»، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل؟
ما وراء الأخبار.. وعد حمد و«ربيع» تسليم المفاتيح!
بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
مشروعات عقارات أم لغة أوطان ما يجري التعامل معه «عربياً» وفي أقل تعريف استعرابياً إزاء القضية الفلسطينية؟!! هل نحن أمام مشهد يتم فيه استبدال وعد بلفور الذي من خلاله منح أرضاً لا يملكها لعصابة لا تستحقها وحرم منها أصحابها الأصليين بوعد الحمدين أو ما يمكن إطلاق تسمية عليه من الآن فصاعداً وعد حمد الذي قارب القفز فوق وعد بلفور بالأهداف والتآمر على القضية.
مبدئياً لم تعد العلاقة العلنية مع الكيان الصهيوني هي الحدث الأبرز لعرب ما سمي تضليلاً «الربيع العربي»، بل شكلت مدخلاً عريضاً لكشف كامل أبعاد المستور من أن هذا «الربيع» لم يكن إلا معركة بمشاهد مخادعة لتخرج بعنوان عريض في النهاية هو معركة تسليم المفاتيح.. وبالعودة إلى آخر إبداعات «الربيع» إعلان ما تسمى الجامعة العربية وللمرة الأولى في تاريخها عن موافقتها على تبني مشروعات سميت «تبادلاً للأراضي» في حين أنها في الحقيقة تنازلاً عن القضية..
يبدو أن لحظة ما آن أوانها... مشروعات التسوية تم عبر عشرات السنين تمويتها.. لا اتفاقات ولا ملاحق ولا خرائط طرق.. «حلّ الدولتين» تمت إذابته وحدوده بالاستيطان والجدار والتهجير وسلسلة الاعتداءات لاستبعاده.. هل هذا كله عبث مصادفة أم هو عمل ممنهج.. وتأتي النهاية لاغتيال مبادرة عربية على علاتها وإذلالاتها لأنها أبقت بعض حياء، والمطلوب تنازل حتى عن ورقة التوت..
من الطبيعي أن يطرب كل من سمع من أعداء العرب أمريكا و«إسرائيل» المعزوفة الجديدة ويعدها خطوة كبيرة جداً إلى الأمام.. وأيضاً ليست كافية وفق معايير النيات الأمريكية- الصهيونية التي تنتظر المزيد.. والمزيد المطلوب ليس حدود فلسطين وحدها.. والآتي الأعظم سيشهد لأن «إسرائيل» بالأساس ستعطي أرضاً فلسطينية وتأخذ أرضاً فلسطينية إضافة إلى أن الأرض التي ستبقى للكيان الصهيوني في إطار هذا الوعد هي المستوطنات.. أي أن الضفة الغربية ستبقى ممزقة وكانتونات.. وبعيداً عن هذا أو ذاك، هي خطوة منقوصة وليست كافية لأصحاب هذا المشروع، ويلزمها «تطوير» يشطب حق العودة فعلاً بعد أن شطب وعداً..! ويشترط اســتبداله بالاعتــراف بـ «يهودية» الكيان.. أليس هذا وعداً أميركياً يجري العمل عليه كل يوم وساعة ويأتي اليوم وعد حمد ليستكمله، ما يعني أن لا تفسير آخر لدولة كهذه سوى الإذن بالسطو على فلسطين كلها حيث لا يبقى فيها فلسطيني واحد في الضفة ولا في أراضي 1948 ويبقى قطاع غزة مساحة للاختناق بالحصار والمحارق الدورية.
كنا نشكو من أن القضية المركزية للعرب باتت في مؤخرة الاهتمامات العربية أو وضعت على الرف، وأن الصراع العربي مع العدو الصهيوني سقط من قاموس المواجهة..
لكننا اليوم نشهد، والعالم معنا، أن هذه القضية عادت إلى الواجهة ولكن مع تغيير بسيط يحمل عنواناً وحيداً وهو واجهة التنازلات الأخيرة، ويا ليتها بقيت على الرف لأنها ربما كانت ستبقى للأجيال القادمة ولربما من دون تفريط أو تنازلات؟! فهل أدمنّا لعبة المعارك الخاسرة؟ نخشى أن يكون الأمر كذلك..!
الربيع العربي بين الرجاء والخوف
بقلم: هاني فحص عن السفير البيروتية
القوة الظاهرة والمبالَغ فيها، في حركة الاسلام السياسي، ليست من السلامة من العاهات الفعلية او المحتملة، بحيث تدعو الى الاطمئنان الى مستقبلها ومستقبلنا معها.
إن ما قد يدعونا الى الاطمئنان ولو نسبياً، هو التخفيف من استشعار القوة الفائضة، انطلاقاً من حساب الوقائع المتحققة، وبالعودة الى التاريخ القريب والبعيد أيضاً، للدول والأحزاب والقوى التي أغرتها الفراغات الكبيرة في حال من سبقها، بالمبالغة في تقدير انتصارها، فانتكست، وكان وقع انتكاسها ثقيلاً عليها وعلى البشرية جمعاء (النازية أوضح الأمثلة ولا ننسى الشيوعية) وقبل هذا وذاك، لن تكون حركة الاسلام السياسي، من دون تفريق عميق غير متوفر، بين أحزابها وتشكيلاتها المؤتلفة أو المختلفة، سياسياً أو فكرياً أو مذهبياً، لن تكون بخير وعافية وتتجنب المزالق والمآزق، إلا إذا تنكبت سبيل الذرائعية والنفعية والانتهازية، وتمسكت بالمعيارية الإنسانية، أي الدولة المدنية التي تحتكم للقانون والقيم الروحية في الأديان وتحقق العدالة والتي هي، اي الدولة المدنية، أي دولة المواطنة، هي المميز الوحيد المتاح والضامن لوجودها ووجودنا ومستقبلها ومستقبلنا.
هذا كلام قديم ومتجدد، يجدده مشهد الربيع العربي ووقائعه السالبة والموجبة، الحقيقية أو المبالغ فيها، لمصلحة الإسلام السياسي بكل تنوّعاته وتناقضاته، أو ضده، كما تجدده وتعمقه وتدعو الى التصديق على صحته، مآلات الأمور في تجربة مصر وتونس خاصة، معطوفاً عليها خوف حقيقي من مشابهة الحالة السورية لها، مع احتمال أن يكون هذا المآل السوري مناسبة لاختلاط العلامات الليبية بالعلامات المصرية والتونسية فيه. في حين ان التجربة اليمنية حتى الآن، وبسبب غياب المشروع السياسي الإسلامي أو عدم بروزه، والذي لا يعني غياب الإسلام، تعدنا أكثر من غيرها، ومن دون إهمال للصعوبات والإعاقات التاريخية الداخلية، أو المفتعلة من الخارج العربي والإقليمي والدولي.. تعدنا - أي التجربة اليمنية - بمآل أكثر انسجاماً مع ضرورات التغيير وإشكالياته التاريخية، المختلفة تعريفاً عن الإعاقات الإيديولوجية، ما قد يشجعنا على أن نقر بتقدم في اليمن أبعد من جماليات الخطاب وحداثته لدى التيار الوطني السوري المتعدد وغيره. والذي نخاف أن ينقلب الى لغة إيديولوجية متعددة ومتقابلة، بسبب أنه لم يرقِ حتى الآن الى رؤية جامعة أو مشروع أو برنامج مطلبي واضح وقائم على نظام معرفي مركب من الثابت والمتغير والمختلف.. ونخاف أيضاً أن تنقلب اللغة الجبهوية العميقة بين الأطراف الوطنية الليبرالية واليسارية المعدَّلة، وبين «الإخوان المسلمين»، الى لغة مسايرة متبادلة، بناء على استشعار القوة لدى «الإخوان» والشعور بالضعف لدى الآخرين، ما يدفع الى تفجير الاختلاف وتصعيده الى خلاف وصراع، تتسع معه فضاءات «الإخوان» لاحتضان التطرف ومشاركته.. أو استلحاقه والاستقواء به. في حين تكون القوى الأخرى (الوطنية الحداثية) قد وجدت نفسها مضطرة الى التماسك، لا على أطروحة أو مشروع، بل ضد الآخر .. وفي حالة شعبية أدّت بها التجارب مع أحلام الدولة الحديثة التي مسخت، الى الذهاب الى فضاء الاسلام السياسي، على استعداد وجهوزية دائماً لتقوية العصبية بالتطرف وترجيح الهوية الفرعية (أكثرية أو أقلية) على الهوية المركبة.
بإمكاني تلخيص هواجسي أو مخاوفي، بأن غياب البرنامج، في الربيع العربي، قد يؤدي كما أدى في مصر وتونس، الى غلبة الإيديولوجيا على المطلب وإدارة الحراك وبناء السلطة البديلة، واللوازم الإيديولوجية متوفرة أكثر لدى الإسلاميين، ما قد يعني إغراءهم بإلغاء الآخرين، مباشرة أو مداورة.. ولكن، وبناء على معطيات مصر وتونس، يستطيع أي رافض أو متحفظ على الإسلام السياسي، أن يتوقع أن يكون مصير الإسلاميين في السلطة، الى فشل، يضاف الى فشل الشموليات الأخرى كالشيوعية التي عاشت عمراً مديداً نسبياً وأنجزت شيئاً، ولكنها ألغت الحرية والتعدد فألغت كل شيء.
لعل التركيب الإسلامي العربي الشيعي اللبناني، في دمي وحبري وذاكرتي وأحلامي، هو الذي يلزمني أن أعود الى الراهن السوري واحتمالاته، ومصادر الخوف عليه من مشهده.. الذي انجلى عن سقوط أدبي ذريع للنظام، من دون أن يكون هناك صورة مكتملة أو شبه مكتملة لبديله الجدير بحمل مشروع الدولة العصرية الأصيلة الجامعة والحاضنة، ما يعني أنه قد يسقط الحاكم أو الحكم، ولكن قيمه تبقى قابلة لأن يعاد إنتاجها على يدي الخصم، ويعود المواطن لاحقاً ليستذكر ملامح الحاكم الساقط في وجه وعقل وأداء بديله.. (خليفته).. ومبكراً، قال كثير من العراقيين بناء على ما رأوا وسمعوا: إن صدام موجود بنسبة أو بأخرى في كل الذين أتوا بعده، وكلما كان موقع الشخص متقدماً أكثر في بناية السلطة العراقية كانت صدّاميته أشد وضوحاً وأخطر.
هنا نسجل خوفنا من أخبار العنف المذهبي المبالغ فيها قطعاً، ولكن ذلك يحدث قطعاً، باعتبارها قتلاً للهوية المركبة وإعادة تأسيس للهوية الأحادية القاتلة.. هذا يستدعي، وفي سوريا خصوصاً، التعجيل الى تأسيس جبهة عميقة وعريضة، تغري التطرف بالاعتدال والمذهبية بالوطنية، لأن غيابها يغري الاعتدال والوطنية والاسلام والعروبة بالتطرف.
هناك جروح عميقة وقروح وأعطاب مقيمة في ذاكرتنا الربيعية.. فالنكبة كانت في الربيع العربي وكذلك النكسة، وحرب لبنان ربيعية الخ وفي كل هذه المحطات وغيرها كانت رياح الخماسين أو رياح السمّوم، تهب شديدة لاذعة ومدمرة، ومانعة للرياح اللواقح، التي تحمل اللقاح الى الزهور لتخصب، فتسقط ويأتي الصيف قاحلاً. وتنعــكس الآثار سلبياً على المزارعين والفقراء، وإيجابـياً على الحليفين التاريخيين، الحاكم المستبد والتاجر الفاسد.
وهذا أمر له ما يشبهه في الاجتماع والسياسة والتاريخ، ومثلنا الملموس الآن، هو الربيع العربي الذي اخذ تسميته من مواعيده، وقد يستحقها من الوقائع، بالسلب، أي إذا غلبت الأخطاء، أو الفوضى، أو التطرف، أو القتل على الهوية، أو أخذ الحق أو الباطل باليد، اي إسقاط القانون، أي إسقاط الدولة، الى التباس البدل بالمبدَل منه، (كما في خريف البطريرك).. مع ما يقتضي ذلك من العمى الإيديولوجي الديني أو المذهبي أو العرقي أو العلماني.. ومع هذه الحال المحتملة، يعود الارتهان لنا، وتخسر المراهنة علينا، ويصبح الخارج، كل خارج داخلاً، وتسقط السيادة والاستقلال، وتتم التواطؤات مع الأصدقاء والأعداء، للشراكة في إعادة إنتاج الاستبداد والفساد، من دون أن ترتقي صناديق الاقتراع لتكون دليلاً على الديموقراطية.
هذه المخاوف لا مجال لنفيها، لأنها ملموسة، ولا داعي لتضخيمها، وفي المثال السوري: هناك شغل لئيم على تسجيل جرائم النظام على حساب المعارضة، وهذا يستدعي احتياطاً أكثر.. علماً بأن الشعب الذي يؤيد ويضحّي ويصبر يبقى على استعداد دائم للمحاسبة.. مع احتمال لا بدّ من التوقف عنده، هو الارتداد الشعبي، إذا لم تثبت قوى الثورة انها أفضل نوعياً، كمياً وكيفياً، من النظام. أو أفضل بكثير، بحيث تكون التضحيات العظمى لا تشكو من تفاوت كبير بينها وبين النتائج.
الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة
بقلم: جلال أمين عن الشروق المصرية
ها قد كاد يكتمل عامان ونصف العام على قيام ثورة 25 يناير 2011 والمصريون فى حالة حيرة شديدة، لا يصدقون ما جرى لهم، ولا يكفون عن التساؤل: إلى أين هم ذاهبون؟
إذا استرجعت ما حدث فى هذين العامين ونصف العام، تعود إلى أسئلة كثيرة ثارت بذهنى منذ اليوم الأول من الثورة، بل وأيضا خلال السنة السابقة عليها، ولم أعثر حتى الآن على إجابة مرضية، ولم أسمع من أحد (على كثرة ما نسمعه من تحليلات) ما يشفى الغليل.
فلنعد إلى ما قبل الثورة بنحو عام. سطع فجأة نجم الدكتور محمد البرادعى، ذلك الرجل المحترم والحائز على جائزة نوبل، وقدمته وسائل الإعلام على أنه زعيم محتمل لثورة مصرية. فلما جاء إلى القاهرة واستقبلته آلاف مؤلفة من الشباب فى المطار، استقبال الأبطال والزعماء، ثار فى نفسى السؤال الآتى: لقد تعودنا من الجهات المسئولة عن الأمن فى مصر أن تحتاط ضد أى احتمال لثورة أو شغب، فلماذا تركوا هذا يحدث فى مطار القاهرة، وفى استقبال زعيم جديد محتمل؟
عندما قامت ثورة 25 يناير، قال بعض المحللين إن من أسباب قيامها، بالإضافة إلى أسباب السخط الكثيرة فى مصر، وصول عدوى الثورة من تونس إلى القاهرة. ولكنى لم أسترح لهذا التفسير. فقد بدا لى أن ثورة فى بلد مجاور قد تشجع على قيام بوادر ثورة، أما نجاحها فى إسقاط رئيس النظام فيحتاج إلى أشياء أخرى مهمة. ومن ثم تساءلت: ما الذى جعل أجهزة الأمن تبدى كل هذا التهاون فى التعامل مع الشباب فى الميادين، وقد عودتنا المرة بعد المرة، أن تحتاط لهذا بألف طريقة، من بينها احتلال الميادين نفسها من قبل أن يصل إليها الثوار. فلماذا لم يحدث هذا فى هذه المرة؟
ثم انهمرت الأسئلة المحيّرة، الواحد بعد الآخر، ما سر إطلاق سراح المسجونين من بعض السجون ليشيعوا فى البلد الفوضى؟ وما سر ذلك التهاون المدهش فى التعامل مع مهاجمى الكنائس؟ وما سر السماح لبعض المسجونين المهمين، ممن اشتركوافى قتل السادات، بالظهور فى التليفزيون مع أكثر المذيعين شهرة، لتبرير أعمال إجرامية سبق لهم ارتكابها؟ مَن المسئول عن السماح بذلك؟ ومنذ متى يجرى مثل هذا من وراء ظهر أجهزة الأمن؟
ظهرت على شاشة التليفزيون أيضا شخصية أخرى، هى شخصية شاب كان قد اعتقل لدى وصوله من الخارج بعد قيام الثورة بأيام قليلة، وقيل إن الإفراج عنه، بعد اعتقال استمر 12 يوما، جاء بتدخل من الإدارة الأمريكية. ظهر وهو يبكى فى التليفزيون، فلم يقنعنى، ولما قرأت فيما بعد كتابا له عن دوره فى الثورة، وكان الكتاب قد ظهر أولا فى أمريكا ثم ترجم إلى العربية، لم يقنعنى أيضا إذ وجدت تاريخه الشخصى والعائلى لا ينسجم مع إشعال ثورة فى البلاد، وهو على أى حال سرعان ما اختفى ولم يبد له أى دور فى تطور أحداث الثورة فما سر هذا الشاب أيضا؟
ابتهجنا بشدة بامتناع الجيش عن ضرب الثوار حتى سقط الرئيس، بل بدا أن قادة الجيش قد لعبوا دورا مؤكدا فى الضغط على الرئيس للتنحى عن منصبه، ولكن لماذا قام المجلس العسكرى بعد تسلمه الحكم، بهذه التصرفات الغريبة التى لا تنسجم بالمرة مع روح الثورة وأهدافها، التى افترضنا أن المجلس العسكرى يتعاطف معها؟ ما هذا الاختيار الغريب، لرئيس الوزراء، واحدا بعد آخر، لا يعبر أى منهما عن روح الثورة، أحدهما كان عضوا بلجنة السياسات فى النظام السابق، والآخر كان رئيسا للوزراء فيه، مع تمسك المجلس العسكرى بكل منهما لمدة أطوال بكثير من صبر الناس واحتمالهم؟
لماذا رفض المجلس العسكرى اقتراحا وجيها بتكوين مجلس رئاسى يضم بعض المدنيين الذين يتمتعون بثقة الناس؟ ولماذا إضاعة الوقت فى تعديل دستورى يتعلق بمواد عبّر الناس عن رأيهم فيها مسبقا بقيامهم بالثورة، ثم استفتاء على التعديل، فى ظل تدهور اقتصادى وأمنى، بدلا من القيام مباشرة بوضع دستور جديد؟ ومن المستفيد من شغل الناس بحوارات عقيمة ومناقشة وثائق لا قيمة لها؟ والوقت يمر وحالة الأمن تزداد ترديا، والوضع الاقتصادى يزداد صعوبة؟ ولماذا لم يصنع أى شىء جدى لاسترداد الأموال المنهوبة والمهربة من رجال النظام السابق؟ وما هذه المحاكمات الهزلية للرئيس ورجاله، والقبض ثم الإفراج عن رجال ذلك العهد دون مبررات مفهومة لتقديم هذا الرجل دون ذاك للمحاكمة؟ وترك البعض يسافرون دون غيرهم؟ وتجميد أموال البعض وترك أموال الأكثر خطورة؟
وما سر القبض على بعض الأمريكيين المهمين بتهمة غريبة هى عدم الحصول على تصريح بتكوين جمعية، مع أن الجمعيات التى تترك بلا تصريح لها تاريخ طويل فى مصر؟ وما الذى جعلهم يفرج عنهم فجأة؟ من الذى تدخل ولماذا؟
أما ترك الاقتصاد يتدهور فحدِّث عنه ولا حرج. هل كانت معالجة هذا التدهور الاقتصادى صعبة حقا إلى هذا الحد؟ وما الذى جعل قرض صندوق النقد الدول ىعرض ثم يسحب، ثم يعرض من جديد ثم لا يحدث فيه أى تطور؟
ثم ما كل هذه القسوة فجأة فى معاملة الثوار، وقد كنتم تتكلمون عنهم كلاما رائعا منذ قليل؟ ما كل هذا القتل وإصابة الأعين والسحل والكشوف على العذرية... إلخ. من أين جاءت هذه القسوة المفاجئة وما مبرراتها؟
أما الترشيحات لرئاسة الجمهورية فلم تكن أقل مدعاة للدهشة. لماذا لم يضبط أمر هذه الترشيحات وترك من هب ودب ليرشح نفسه، ولماذا يدفع البعض إلى الترشح ثم يدفع البعض إلى الانسحاب؟ ثم استبعاد بعض المرشحين بمبررات واهية، مع السماح لرجال من فلول العهد السابق بالترشح، حتى انتهى الأمر إلى تنافس بين شخصين مدهشين، أحدهما من الفلول والآخر لا نكاد نعرف عنه شيئا، وقيل إنه جاء فقط بالنيابة عن غيره؟ وقد نجح أحدهما بفارق ضئيل جدا، علما بأن معظم من أعطوا صوتهم لأحدهما لم يقصدوا انتخابه هو، بل كانوا يقصدون فقط ألا يصوتوا للآخر! فهل هذه نتيجة طبيعية لثورة شعبية رائعة؟ ثم إذا بالرجل الذى فاز بالرئاسة يفاجئنا بعد أيام قليله من فوزه بتنحية العسكريين مع شكرهم شكرا جزيلا، وترفيه بعضهم فلماذا قبل العسكريين هذه المعاملة بهذه السهولة؟
أما ما حدث فى ظل الرئيس الجديد، وما لم يحدث أيضا، فحدِّث عنه ولا حرج. لماذا رئيس الوزراء هذا بالذات؟ وفى البلد كثيرون ممن يعبرون عن روح الثورة وأهدافها بأفضل منه بكثير؟ ولماذا التمسك به رغم ازدياد السخط عليه؟ ولماذا إهمال القضايا الرئيسية كمكافحة ارتفاع الأسعار وتوفير السلع الضرورية وضبط الأمن وعلاج تدهور السياحة... إلخ؟ والاهتمام بدلا من ذلك بأمور مدهشة كإصدار قرار بإغلاق المحلات فى العاشرة مساء؟ ولماذا تلغى القوانين بعد صدورها بساعات... إلخ؟
أثناء ذلك أيضا تحدث أحداث مدهشة فى سيناء، وتصدر تصريحات تؤكد أن سيناء ستبقى مصرية (وهل أصبح هذا محل شك؟) وكلام كثير عن قناة السويس مع التأكيد على أنها ستظل أيضا مصرية (وهل هذه أيضا أصبحت محل شك؟) ومشروع اسمه الصكوك الإسلامية يشبه مشروعا باسم الصكوك الشعبية كان قد طرح فى أواخر النظام السابق. وتصريح من قائد من قادة الحزب الحاكم بأنه لا مانع من استعادة اليهود الذين تركوا مصر فى الماضى لأموالهم. وعندما يحتج الكثيرون على التصريح ويستغربون صدوره، يقول صاحب التصريح إنه كان يعبر عن رأيه الشخصى وليس رأى الجماعة أو رأى الحكومة. فلماذا لم تستنكر الجماعة أو الحكومة هذا التصريح، بل ولماذا لم يعاقبوا صاحبه على إصداره؟
وأثناء ذلك أيضا يأتى رجل أمريكى مهم بعد آخر، للالتقاء بالمسئوين المصريين ثم ينصرف. فما الذى يقال فى هذه الاجتماعات التى لابد أن تكون مهمة؟ ولماذا إسرائيل صامتة إلى هذا الحد؟ ولماذا قطر نشيطة إلى هذا الحد... إلخ؟
البعض يسمى إثارة مثل هذه الأسئلة «نظرية المؤامرة» أو الأفضل من ذلك، ما هى إجاباتكم عنها؟
انه الشرق الأوسط الجديد
بقلم: يحيى محمود عن الرأي الأردنية
بعد سلسلة من التسريبات الغامضة التي سبقت قمة الدوحة العربية حول توجه لتعديل مبادرة السلام العربية ،شهدت واشنطن قبل ايام الاعلان العربي بلسان قطري عن التعديل الذي يلغي الشرط العتيد القاضي بانسحاب اسرائيل الى حدود عام 67 في اي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية.
ورغم المرور السهل لهذا التعديل في الجانب العربي والترحيب به في الجانب الاسرائيلي، الا ان الرسالة الاسرائيلية الاهم جاءت في اليوم التالي للتعديل ،مطالبة بتعديل جديد يتعلق بمسالة اللاجئين الذين لاتقبل اسرائيل بان تجعل مسالة عودتهم مسالة تفاوض باي حال.
وبغض النظر عن مدى الاحساس القطري بتحقيق اختراق يسبق المفاوضات التي يجري التفاوض على استئنافها بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، الا ان ما يجري على الارض في محيط القضية الفلسطينية هو الذي سيحسم الامر في نهاية المطاف.
وباستذكار ما كان يجري طرحه قبل سنوات حول مشروع الشرق الاوسط الجديد يتضح ان قواعد لعبة المفاوضات حول القضية الفلسطينية كانت تنتظر طوال الوقت ما تجري بلورته على ارض الواقع الان.
ومن المرجح انها ستظل تنتظر ما ستسفر عنه حالة المخاض الحالية على وقع النيران السورية لاعادة ترتيب الخارطة الامنية والسياسية في المنطقة، بعد ان اطاحت عاصفة التغيير التي تجتاح المنطقة بما كان يسمى بمعسكري الممناعة والاعتدال.
وما يجري الحديث عنه الان من تحالفات اقليمية جديدة يجري بناؤها ليس الا احد مؤشرات عملية فك واعادة تركيب المنطقة وفقا لمشروع الشرق الاوسط الجديد العتيد.
وفي هذا السياق لايجب الاستهانة بما يجري تسريبه عن اعادة رسم للخرائط الجغرافية ايضا . وهي التسريبات التي تتحدث عن اقتطاعات من اراضي هذه الدولة او تلك وضم للاراضي والمواطنين هنا او هناك في اطار المشروع.
وبغض النظر عن حجم الحقيقة و الخيال في ما يجري طرحه حول اعادة هيكلة اراضي الدول في المنطقة وحدودها الجديدة، الا ان ما يجري الان خلف الكواليس يؤسس في الحد الادنى لصيغة جديدة من العلاقات الامنية السياسية الاقتصادية في الاقليم ،على وقع الازمة السورية وارتباطات اطرافها العربية والاقليمية الإيرانية التركية الاسرائيلية.وهو الامر الذي سينعكس بالطبع على القضية الفلسطينية ومفاوضات حلها.
وخلاصة القول ان تعديل المبادرة العربية لم يشكل نقطة تحول مهمة رغم التنازل المهم عن شرط الانسحاب الكامل من الضفة الغربية الذي تضمنه بقيادة قطرية.
فالحل النهائي مرتبط بما تشهده المنطقة من تطورات تتسارع خطاها الان على وقع الازمة السورية، التي تقرر ان تكون الحلقة الاهم في تسخين نيران تطويع المنطقة وفقا لمقاسات مشروع الشرق الاوسط الجديد العتيد.
5/5/2013
<tbody>
</tbody>
مقالات مختارة من الصحف العربية
في هذا الملــــف:
دولة فلسطين ‘غير العضو’.. والذاكرة القصيرة للسلطة!
بقلم: فراس أبو هلال (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
السلام مقابل التنفّس
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2)
خالد الحروب (كاتب فلسطيني) عن الحياة اللندنية
سوريا والغارة الإسرائيلية
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
ما وراء الأخبار.. وعد حمد و«ربيع» تسليم المفاتيح!
بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
الربيع العربي بين الرجاء والخوف
بقلم: هاني فحص عن السفير البيروتية
الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة
بقلم: جلال أمين عن الشروق المصرية
انه الشرق الأوسط الجديد
بقلم: يحيى محمود عن الرأي الأردنية
دولة فلسطين ‘غير العضو’.. والذاكرة القصيرة للسلطة!
بقلم: فراس أبو هلال (كاتب فلسطيني) عن القدس العربي
في إطار ترويجها المستميت لفكرة التوجه للأمم المتحدة والحصول على صفة ‘دولة غير عضو’ لفلسطين، قالت منظمة التحرير الفلسطينية ـ هل يذكر أحد هذا الاسم بالمناسبة؟- وقالت السلطة، وقال المدافعون عن الفكرة ان هذه الصفة ستمكن الفلسطينيين من الانضمام لمؤسسات أممية ووكالات تابعة للأمم المتحدة، لا يستطيع الفلسطينيون من دون هذه العضوية الانتساب إليها.
وقد أضاف بعض المتحمسين فائدة أخرى من هذه العضوية، وهي أنها ستعطي الفرصة لـ’الدولة’ الوليدة للتوجه إلى مؤسسات حقوقية ومحاكم دولية بهدف تقديم دعاوى ضد جرائم الاحتلال المستمرة بحق الشعب الفلسطيني، وهو الأمر الذي قالت مصادر دبلوماسية وإعلامية انه لن يحدث، خصوصا أن بعض الدول التي صوتت لصالح القرار كانت قد اشترطت على الفلسطينيين الامتناع عن التوجه للمحاكم الدولية ضد ‘إسرائيل’ مقابل تصويتها إلى جانبهم.
بالطبع نفت المصادر الفلسطينية هذه ‘المزاعم’ في ذلك الوقت، وأكدت أنها ستحتفظ بحقها باستخدام كل الميزات التي سيحصل عليها الفلسطينيون بعد حصولهم على هذه الصفة، واتهمت من يروجونها بمحاولة الانتقاص من هذا ‘الانتصار الوطني’.
ولكن السلطة الفلسطينية التي يبدو أنها تراهن على ‘الذاكرة القصيرة’ للناس، خالفت هذه التأكيدات وبأسرع مما توقع أكثر الفلسطينيين تشاؤما، وقدمت وعدا للإدارة الأمريكية بعد ستة أشهر من ‘الإنجاز العظيم’ ليس فقط بعدم ملاحقة ‘إسرائيل’ قضائيا، بل حتى بعدم السعي لمجرد الانضمام لمؤسسات ووكالات الأمم المتحدة، بحجة تقديم مبادرات ‘حسن نية’ لواشنطن، ولتأكيد التزام السلطة ‘بإعطاء فرصة لدفع المسيرة السلمية’.
وقد ارتكبت السلطة الفلسطينية بهذا الوعد خطأ مزدوجا، فهي أولا تتخلى عن حق الفلسطينيين وليس حقها كسلطة بالانضمام إلى المؤسسات الدولية، خصوصا أن حصول فلسطين على صفة دولة ‘غير عضو’ صوّر باعتباره انجازا لفلسطين ولشعبها وليس للسلطة، وبالتالي فإن من حق من قيل لهم ان ‘الدولة’ ستعطيهم الفرصة للانضمام إلى المؤسسات الدولية أن يحصلوا على هذه الفرصة، والا يتم التلاعب بحقهم بهذه البساطة وبهذه السرعة وبهذا الثمن.
أما الخطأ الثاني الذي ترتكبه السلطة، فهو استمرارها بالمسار العبثي القائم على تقديم كل ما تملكه من أوراق – قليلة بالأصل- بشكل مجاني ومن دون الحصول على مقابل، إذ أننا إذا تجاوزنا الرفض المبدأي لتخلي السلطة عن حق الشعب الفلسطيني بالمراكمة على ‘إنجاز′ الدولة، فإن المطلوب على الأقل أن تمارس قيادة السلطة السياسة والتفاوض بحرفية، بحيث لا تقدم مثل هذه الورقة من دون أن تحصل على ‘تنازلات’ من الجانب الأمريكي أو من جانب دولة الاحتلال.
ومن الواضح أن السلطة تعتقد أن ذاكرة الفلسطينيين لن تسعفهم لتذكر الوعود التي قطعتها عندما قررت التوجه إلى الأمم المتحدة، ولهذا فإنها تقدم على هذه الخطوة من دون وجل، وتضيفها إلى خطوات أقل ما يمكن أن توصف بها أنها مهازل دبلوماسية، كان آخرها إقدام السلطة على سحب مشاريع القرارات التي تقدمت بها لإدانة ‘إسرائيل’ في اليونسكو، ومحاولتها الترويج لسحب هذه القرارات على أنها إنجاز يسجل لصالحها.
وفي إطار الحديث عن المهازل الدبلوماسية للسلطة الفلسطينية، بل للمجموعة العربية برمتها، لابد أن يذكر هنا أن قرار محكمة لاهاي في عام 2004 بعدم قانونية بناء جدار العزل العنصري، لم تجر له أي متابعة قانونية، ولم يبن عليه بالتوجه إلى الأمم المتحدة مثلا ولا أي مؤسسة من مؤسساتها، فيما لا يزال الفلسطينيون والعرب يذكرون – على خلاف ما تعتقد السلطة – أن تقرير غولدستون الشهير أصبح طي الكتمان هو الآخر.
من نافلة القول ان المسار الدبلوماسي والقانوني لا يعول عليه كثيرا في القضايا المتعلقة بدولة الاحتلال، لأنها تحظى برعاية أمريكية وبمواقف أوروبية مائعة، ولكن هذا المسار يمكن أن يمثل خطوات صغيرة يستطيع الفلسطينيون والعرب أن يبنوا عليها، ليحققوا المزيد من العزلة السياسية على تل أبيب في العالم، وهو من أكثر الأسلحة التي تخشاها ‘إسرائيل’، حسب تصريحات قادتها المتكررة.
ويبقى القول ان السلطة الفلسطينية التي تعلن كل يوم التزامها بالمسار السلمي وبـ’النضال’ الدبلوماسي، لا تترك أي فرصة لتقديم الدليل تلو الآخر على فشلها في هذا المسار، وعلى فقدانها للأدوات ‘الحرفية’ للعمل السياسي التفاوضي، من خلال تقديمها الهدايا المجانية لأمريكا و’إسرائيل’، مراهنة بذلك على ما تعتقد أنه ذاكرة قصيرة للشعب الفلسطيني والعربي، وهو رهان أثبت الثورات الشعبية العربية أنه خاسر بلا شك.
السلام مقابل التنفّس
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
الترحيب الذي صدر عن “إسرائيل” بشأن تنازل العرب الجديد المتمثّل بتعديل مبادرتهم للتسوية، نظر إليها من زاوية التطبيع، وأنها باتت قابلة للنقاش فحسب، أي أن هذه التعديلات تتيح إقامة علاقات بين “إسرائيل” وكل العرب، أما مقابل ماذا هذا التطبيع الجماعي، فهذا ما لم يتطرّق إليه أي مسؤول “إسرائيلي” . هذا يؤكد منهجاً ونوايا قائمة منذ بدايات عملية التسوية، إذ إن “إسرائيل” لا تنظر سوى إلى ما تريده ولا شأن لها بمطالب الفلسطينيين والعرب، إن بقي لهم مطالب .
تسيبي ليفني ذات الخلفية الموسادية والعائدة للحكومة “الإسرائيلية” من بوابة ملف المفاوضات والقضاء، الأوضح اعترافاً بمغامراتها المغطاة بفتاوى الحاخامات لمصلحة “إسرائيل”، التقت وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لبحث التنازل العربي المقبل، وهي أدرجت المبادرة العربية ضمن موضوعات التفاوض وليس قبولها كما هي حتى بعد التفاوض . وعلى الأرجح أن هذا الموقف جاء بالتوافق مع واشنطن، لا سيما أنه صدر بعد لقاء الوزيرة مع “كيري” القابل للدهن في الوجبات السريعة .
بنيامين نتنياهو كان الأكثر وضوحاً في موقفه من التقهقر العربي، فهو لا يرى أن الصراع يدور حول الأرض، بل حول الاعتراف المطلوب ب “إسرائيل” ك “دولة للشعب اليهودي” . وبما أن فلسطين لا تتسع لليهود البالغ عددهم العشرين مليوناً في العالم، فإن “السلام الحقيقي” سيتطلب تعديلاً في العقل العربي لتوسيع حدود “دولة الشعب اليهودي” . لهذا السبب، لم تضع “إسرائيل” حدوداً لها حتى الآن . بعض المسؤولين الفلسطينيين تحدّث عما هو أوسع من التطبيع العربي الجماعي، وقدموا ل “إسرائيل” وعوداً بعلاقات مع سبع وخمسين دولة إسلامية، إن هي قبلت بالمبادرة العربية، وهذا قبل التعديل، ولا نعرف أن هذا “الأُفر” ما زال قائماً بعد التعديل، أم أنه خضع لتعديل آخر يقول لها اقبلي بالتعديلات وخذي مع كل اعترافين عربي وإسلامي اعترافاً ثالثاً مجاناً، والإعلان مستمر حتى نفاد المخزون من الثوابت الفلسطينية والعربية والإسلامية .
هذه معطيات الحقل، أما حسابات البيدر فهي شيء مختلف . التاريخ ليس حقائق فحسب، بل مسارات حصرية باتجاه حتميات تصوغها الشعوب وليست الحكومات التي لا تستشير شعوباً حول مصيرها، ثم تتحدّث كالببغاء عن الديمقراطية والحرية . التاريخ لا يعترف بالضعفاء والمتنازلين، وإن منحهم بعضاً من تعرّجات مساره، وهو يعدّل هذا المسار بأقوى مما يعدّل المتسوّلون مستوى رفع أيديهم المفتوحة ودرجة انحناء الرؤوس .
ما تبقى من المعارضة الفلسطينية انتقد التعديلات على المبادرة التي سبق له أن رفضها حين صدورها . فهل يعني رفض التعديلات قبولاً بالمعارضة الأصلية؟ . إذا كان الأمر كذلك، نكون في السياق المعتاد ذاته القائم على رفض كل تنازل جديد والتمسك بالوضع الذي كان قبله، وهو وضع كان تنازلاً بالنسبة لما هو قبل الذي قبله . المثقفون العرب المخروقون يعزفون على هذه النغمة، فهم يجلدون فكرة “الرفض” دائماً، ولا تكف أسطوانتهم عن الدوران: كان على العرب قبول قرار التقسيم، وعندما كرّست “إسرائيل” احتلال فلسطين وأرضاً عربية أخرى، كان على العرب الاعتراف بقرار ،242 وبعد جنون الاستيطان، كان على العرب قبول “كامب ديفيد”، وفي النهاية قد يجدون أنفسهم أمام “السلام” على قاعدة اعتراف العرب جميعاً ب”إسرائيل” التوراتية مقابل اعترافها بأنهم كائنات حية من حقها أن تتنفّس .
المشروع النهضوي العربي: من أبوية النص إلى أبوية الثورات (1-2)
خالد الحروب (كاتب فلسطيني) عن الحياة اللندنية
تقول مقدمة «المشروع النهضوي العربي» الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2010 إن فكرة المشروع بدأت في التبلور عام 1988، وأن باحثين بدأوا عملياً تقليب وصوغ أفكاره الاولى في العام 1996، ثم تطوّر تشكّله في ندوات ولقاءات في السنوات اللاحقة إلى أن صدر كما هو بين أيدينا الآن. معنى ذلك أنه خلاصة تداول فكري وبحثي بين عشرات، إن لم يكن المئات، من المثقفين العرب امتد على مدار عقدين من الزمن، أو أربعة عشر عاماً على أقل تقدير. وعليه لنا أن نتوقع إتصاف المشروع والنص بالصلابة والدقة والتمحيص الذي تتيحه كل تلك السنوات، وتوفره إسهامات كل أولئك المشاركين وندواتهم من بيروت إلى القاهرة إلى فاس وغيرها. ورغم ما تشير إليه مقدمة الكتيب من ان نص المشروع أنتجه مفكرون ومثقفون وناشطون عرب من خلفيات فكرية مختلفة إلا انه بالإمكان القول بأنه يقدم عملياً رؤية القوميين العرب لراهن ومستقبل العالم العربي تحت عنوان «المشروع النهضوي العربي». ويستحق المشروع والنص وما فيه من طروحات مهمة وغنية وخلافية وقفة نقدية موسعة بغية إثراء النقاش العام حول الحاضر والغد العربي، وهو ما ستحاول القيام به هذه المقاربة.
يفصل الكتيب بإسهاب المنطلقات الفكرية والرؤى النظرية التي «يجب» أن يستند إليها «المشروع النهضوي العربي» الذي يجتمع حوله القوميون. وبصرف النظر عن الموقف من المشروع برمته أو مكوناته يجب القول ابتداءً إن إصدار أي تيار سياسي وفكري في المنطقة العربية رؤيته بتفصيل ووضوح كافيين للنقاش العام هو خطوة إيجابية تستحق الإشادة. فهنا نستطيع التعرف إلى معالم الفكر السياسي والتطلع المستقبلي واختبار الأفكار ونقدها وكذا فحص آليات التطبيق. إضافة إلى ذلك توفر لنا تلك المعرفة إمتلاك أدوات موضوعية لنقد ومحاسبة أي تيار بناءً على إعلاناته الفكرية والسياسية، وهذا - وهذا وحده - يعمق تداول الأفكار ونقاشها والسجال حول إمكانات تطبيقها ومدى واقعيتها وخدمتها للجمهور الذي تستهدف خدمته. وقبل الشروع في تأمل ونقد ما جاء في «المشروع النهضوي العربي» ربما جاز التمني هنا على بقية التيارات السياسية أن تطرح أيضاً للجمهور رؤاها «النهضوية» البعيدة المدى تحت الشمس وللنقاش العام. نريد أن نرى ما يمكن أن يسمّيه الإسلاميون «المشروع النهضوي الإسلامي»، وما يمكن أن يسمّيه اليساريون «المشروع النهضوي اليساري»، وما يمكن أن يسمّيه الليبراليون «المشروع النهضوي الليبرالي».
السمة التي مّيزت التيار القومي العربي في الوقت الراهن، ومكّنته من إصدار مشروعه المُقترح لنهضة العرب هو وجود تجمع وقطب فكري وسياسي يتحدث باسم القوميين يتمحور حول «المؤتمر القومي العربي» ومركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. فبالمقارنة، لم يتمتع أي تيار آخر في المنطقة العربية يروم التعبير الجماعي عن مكوناته أو فروعه في العالم العربي بناطق رسمي أو قطب فكري وسياسي يستطيع الزعم بأنه يعبّر عن رؤية جماعية عابرة للحدود الوطنية. حتى حركة «الإخوان المسلمين» التي لها فروع ربما في كل الدول العربية عانت ولا تزال تعاني من حيرة وارتباك مثير عند مواجهة سؤال ما بعد الدولة الوطنية، وينكشف هذا الارتباك اكثر في المرحلة الراهنة وبعد الثورات العربية ووصول الاسلاميين الى الحكم. بمعنى أن الاسلاميين وحركة «الاخوان» تحديداً لا تطرح مشروعاً أو رؤية تفصيلية على مستوى العالم العربي أو الإسلامي تقول فيه ما الذي تعمل على تحقيقه في كل فضاء من الفضاءات: الوطني، العربي، الإسلامي. والأمر نفسه ينطبق على قوى اليسار والقوى الليبرالية التي هي أضعف بكثير من التيار الإسلامي ويشتغل ويُستنزف كل منها في دائرة الوطني.
لكن يجب ألا يمر هذا من دون أن نذكّر أنفسنا بأن وجود عنوان فكري وسياسي ونخبوي للتيار القومي وإن كان يقدم ميزة تفضيلية فإنه لا يعكس بأي حال من الأحوال ميزة تفوق من ناحية القوة والتأثير على مستوى الرأي العام والفاعلية السياسية. بل ربما العكس تماماً، أي أن غياب أحزاب وحركات قومية فاعلة في كل بلد من البلدان العربية ربما أتاح بروز نخبة قومية تتحدث باسم تيار قومي (غير موجود بالمعنى التنظيمي او الحزبي على الأرض) حيث لا توجد خلافات أو صراعات حقيقية بين تلك الأحزاب المُفترضة على من يمثل من، ومن ينطق بماذا.
في كل الأحوال تتوافر لدينا الآن وثيقة فكرية مهمة تنقل السجال حول الفكر القومي العربي إلى مرحلة أكثر معاصرة، وتكرس عنوان الفكر القومي في الوقت الراهن. فإن كانت عقود الاربعينات والخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين قد أتاحت متابعة فرصة مباشرة للتعرف غلى الفكر القومي العربي ومعالمه عن طريق أدبيات الأحزاب القومية، أو منظّري القومية العربية الكبار، فإن من يقوم بذلك الدور الآن هو الأدبيات التي تصدر عن المؤتمر القومي العربي ومركز دراسات الوحدة العربية، وحديثاً المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. الفارق الكبير واللافت بين الحالتين هو عدم وجود حامل سياسي (حزب فاعل، أو سلطة حاكمة) في الحالة الثانية أي الراهنة يمكن أن يعمل على تطبيق الأفكار التي ترد في الأدبيات. ثمة فارق كبير آخر يتمثل في جماعية التعبير عن الفكرة وعدم نسبها لفرد أو منظر محدد. فـ «المشروع النهضوي العربي» لا يكتبه منظر واحد ننسب إليه الأفكار. ليس هنا أي ساطع حصري، أو ميشيل عفلق، او قسطنطين زريق، أو منيف الرزاز أو عبدالله الريماوي أو غيرهم. بل هناك نص جماعي يستقوي بسمته العامة والجماعية تلك، لكنه في الوقت نفسه يتيح إمكان المراوغة والتفلت لأي مُساهم شارك في صوغه بالقول إنه وافق على هذا الجزء ولم يوافق على ذاك. وهي مشكلة دائمة تواجه النصوص المشتركة حيث تضيع المسؤولية الفكرية ويتم التهرب من المآزق الحقيقية بما يقود في كثير من الاحيان إلى تعثر السجال وافتقاد النقاش للغنى المطلوب.
يتوزع «المشروع النهضوي العربي» على ثمانية فصول هي: «في ضرورة النهضة»، «التجدد الحضاري»، «الوحدة»، «الديموقراطية»، «التنمية المستقلة»، «العدالة الاجتماعية»، «الاستقلال الوطني والقومي»، «آليات تحقيق المشروع». وكل فصل من هذه الفصول يستحق نقاشاً مستقلاً وموسعاً. لكن من المهم والمفيد الإشارة إلى بعض الملاحظات النقدية التقديمية العامة. أولها الاهتمام البارز والمركزي بقضية الديموقراطية وأولويتها وموضعتها في قلب الأفكار التي يتبناها المشروع. وهذا يعد نقلة أساسية ومهمة في الفكر القومي العربي الحديث مقارنة بالمشروعات القومية الكلاسيكية التي وإن اهتم بعضها بالديموقراطية فإن ذلك الاهتمام بقي هامشياً وجزئياً. الملاحظة الثانية النزعة التوفيقية التي غلبت على المشروع حيث أراد صوغ مشروع يكون محط توافق قومي، إسلامي، يساري، ليبرالي.
وبسبب هذا الهاجس الذي بدا كبيراً في أذهان من صاغوا المشروع فإن خلاصاته التوافقية الهادفة إلى بناء «كتلة تاريخية» ظلت تتسم بالعمومية والغموض الذي أريد منه أن يرضي كل الأطراف. لم تكن هناك حاجة إلى مثل هذه المغامرة الفكرية الفاشلة مُسبقاً، إذ لا يمكن صوغ مشروع فكري يوفق بين ايديولوجيات متنافسة. يمكن الوصول إلى توافقات سياسية جبهوية موقتة أو مطولة تتسم بتنازلات مُتبادلة، لكن هذه العملية لا تنطبق على تخليق جبهوية ايديولوجية تجمع ما هو متناقض تعريفاً.
محاولة التوفيق الفكري شلت كثيراً من نصوص «المشروع» وأبقتها في منتصف الطريق، كما سنناقش ذلك لاحقاً. كان حرياً بـ «المشروع النهضوي العربي» أن يقدم رؤية القوميين العرب وحدهم من دون لبس، ومن دون محاولة أو ادعاء تمثيل بقية التيارات الفكرية والسياسية في المنطقة العربية. كل تيار من تلك التيارات يعبّر عن رؤيته الخاصة بطريقته المنفصلة، وعندها نستطيع أن نساجل كل فكرة على حدة، ويستطيع الجمهور أن يُفاضل بينها ويحكم. بيد ان يفاقم من شلل هذه التلفيقية الايديولوجية هو الأبوية المُستبطنة في نص «المشروع النهضوي العربي»، وهي ابوية فكرية وايديولوجية وسياسية.
لا يترك النص أي مساحة ديموقراطية أو صحية للاختلاف مع طروحاته. وإذ يقر بأن من المفهوم ان يكون هناك معترضون على «المشروع» فإنه سرعان ما يتهمهم بأنهم مرتبطون بـ «الأجنبي» ويخدمون أهدافه، مسطراً ما يلي: «... فمن المؤكد وقوف فئات أخرى في المجتمع ضده (أي المشروع النهضوي). فئات قد أدت بها الظروف المحلية والدولية، والأثرة السلبية، إلى ربط نفسها ارتباطاً نفعياً بالأجنبي، وإيجاد المتعاونين المحليين الذي ييسرون تنفيذ مآرب هذا الأجنبي، ويجنون من ذلك المنافع ضد إرادة معظم فئات الأمة ومصالحها. ومع مضي مشروع الوحدة العربية قدماً في حيز التنفيذ وبروز محاسنه وجني ثماره يزداد المقتنعون بجدواه ويتحولون إلى منادين به ومنضوين تحت لواء تنفيذه، ويلقى السائرون في ركب الأجنبي مصير سابقيهم».
سوريا والغارة الإسرائيلية
بقلم: طارق الحميد عن الشرق الأوسط
رسالتان يمكن قراءتهما من الغارة الإسرائيلية على سوريا مساء الجمعة الماضي، والتي أعلن عنها مسؤولون أميركيون، الرسالة الأولى هي أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي رددها في خطابه الثلاثاء الماضي. والثانية أن قدرات الأسد الدفاعية ليست بتلك الصورة التي يرددها الأميركيون!
الغارة الإسرائيلية التي استهدفت شحنة من الصواريخ المتطورة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، حيث سبق أن استهدفت إسرائيل شحنة أسلحة قيل إنها كانت في طريقها لحزب الله، كما أن إسرائيل التي أقرت بتوجيه الضربة الأخيرة للأراضي السورية قال مسؤول في وزارة دفاعها لمحطة «سي إن إن» الأميركية التي نقلت خبر الغارة، إن إسرائيل ستقوم بكل ما يلزم لضمان عدم نقل الأسلحة للجماعات «الإرهابية»، وإنها فعلت ذلك بالماضي، و«ستفعلها مستقبلا في حال اضطرت لذلك». ومن هنا فإن هذه الغارة الجوية هي بمثابة رسالة لحزب الله مفادها أن إسرائيل لا تكترث بتهديدات حسن نصر الله التي توعد فيها بأن لدى النظام الأسدي أصدقاء بالمنطقة والعالم، أي إيران وحزب الله، ولن يسمحوا بسقوط الأسد، كما أن إسرائيل تريد القول بأنها جاهزة لو حاول حزب الله التحرك، أو فتح جبهة، خدمة للأسد أو إيران.
وبالطبع، فمن شأن ذلك أن يزيد الأزمة السورية تعقيدا، لكن من قال أصلا إن الأزمة السورية ليست معقدة، وتصل للحظة الانفجار، فالمشهد الآن هو كالتالي: الأسد يعتدي على الحدود الأردنية، بينما حزب الله يشارك في قتل السوريين، وإسرائيل تقوم باصطياد ما يحلو لها في الأراضي السورية، فهل هناك تعقيد أكثر من هذا؟ وعليه فإن الرسالة الثانية للغارة الإسرائيلية هي أن نظام الدفاعات الجوية الأسدية ليس بتلك القوة التي يصورها الأميركيون في حال الرغبة في فرض مناطق حظر طيران، أو حتى القيام بعمل عسكري، من قبل الناتو، أو تحالف الراغبين، فالطيران الإسرائيلي يحلق في الأجواء السورية واللبنانية كيفما شاء، وأنظمة الأسد الدفاعية تغط في سبات عميق، بل إن كل همها الآن هو قصف السوريين، وليس التصدي للإسرائيليين. ونقول إن هذه رسالة للمجتمع الدولي حتى ولو كانت الطائرات الإسرائيلية أصابت أهدافها من خارج الأجواء السورية، كما أعلن، فذلك يعني أيضا أنه بمقدور الأميركيين والمجتمع الدولي تقليم أظافر الأسد في ساعات محدودة، جويا، وعكس كل ما يقال عن أنظمة الأسد الدفاعية.
وهذا ليس تبسيطا، وإنما محاولة لكشف حجم المبالغة حول قدرات قوات الأسد الجوية؛ فالنظام الأسدي اليوم بمثابة الجثة الميتة التي تنتظر من يواريها الثرى، وهذا ما أثبتته، وتثبته، الغارات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، وعليه فإن السؤال الآن هو نفس السؤال المطروح، وبعمر الثورة: ما الذي ينتظره الأميركيون، والمجتمع الدولي حتى يتدخلوا؟ إلى متى الانتظار وفي سوريا يجتمع ما لا يجتمع؛ حيث «القاعدة»، وإيران، وحزب الله، وإسرائيل؟
ما وراء الأخبار.. وعد حمد و«ربيع» تسليم المفاتيح!
بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
مشروعات عقارات أم لغة أوطان ما يجري التعامل معه «عربياً» وفي أقل تعريف استعرابياً إزاء القضية الفلسطينية؟!! هل نحن أمام مشهد يتم فيه استبدال وعد بلفور الذي من خلاله منح أرضاً لا يملكها لعصابة لا تستحقها وحرم منها أصحابها الأصليين بوعد الحمدين أو ما يمكن إطلاق تسمية عليه من الآن فصاعداً وعد حمد الذي قارب القفز فوق وعد بلفور بالأهداف والتآمر على القضية.
مبدئياً لم تعد العلاقة العلنية مع الكيان الصهيوني هي الحدث الأبرز لعرب ما سمي تضليلاً «الربيع العربي»، بل شكلت مدخلاً عريضاً لكشف كامل أبعاد المستور من أن هذا «الربيع» لم يكن إلا معركة بمشاهد مخادعة لتخرج بعنوان عريض في النهاية هو معركة تسليم المفاتيح.. وبالعودة إلى آخر إبداعات «الربيع» إعلان ما تسمى الجامعة العربية وللمرة الأولى في تاريخها عن موافقتها على تبني مشروعات سميت «تبادلاً للأراضي» في حين أنها في الحقيقة تنازلاً عن القضية..
يبدو أن لحظة ما آن أوانها... مشروعات التسوية تم عبر عشرات السنين تمويتها.. لا اتفاقات ولا ملاحق ولا خرائط طرق.. «حلّ الدولتين» تمت إذابته وحدوده بالاستيطان والجدار والتهجير وسلسلة الاعتداءات لاستبعاده.. هل هذا كله عبث مصادفة أم هو عمل ممنهج.. وتأتي النهاية لاغتيال مبادرة عربية على علاتها وإذلالاتها لأنها أبقت بعض حياء، والمطلوب تنازل حتى عن ورقة التوت..
من الطبيعي أن يطرب كل من سمع من أعداء العرب أمريكا و«إسرائيل» المعزوفة الجديدة ويعدها خطوة كبيرة جداً إلى الأمام.. وأيضاً ليست كافية وفق معايير النيات الأمريكية- الصهيونية التي تنتظر المزيد.. والمزيد المطلوب ليس حدود فلسطين وحدها.. والآتي الأعظم سيشهد لأن «إسرائيل» بالأساس ستعطي أرضاً فلسطينية وتأخذ أرضاً فلسطينية إضافة إلى أن الأرض التي ستبقى للكيان الصهيوني في إطار هذا الوعد هي المستوطنات.. أي أن الضفة الغربية ستبقى ممزقة وكانتونات.. وبعيداً عن هذا أو ذاك، هي خطوة منقوصة وليست كافية لأصحاب هذا المشروع، ويلزمها «تطوير» يشطب حق العودة فعلاً بعد أن شطب وعداً..! ويشترط اســتبداله بالاعتــراف بـ «يهودية» الكيان.. أليس هذا وعداً أميركياً يجري العمل عليه كل يوم وساعة ويأتي اليوم وعد حمد ليستكمله، ما يعني أن لا تفسير آخر لدولة كهذه سوى الإذن بالسطو على فلسطين كلها حيث لا يبقى فيها فلسطيني واحد في الضفة ولا في أراضي 1948 ويبقى قطاع غزة مساحة للاختناق بالحصار والمحارق الدورية.
كنا نشكو من أن القضية المركزية للعرب باتت في مؤخرة الاهتمامات العربية أو وضعت على الرف، وأن الصراع العربي مع العدو الصهيوني سقط من قاموس المواجهة..
لكننا اليوم نشهد، والعالم معنا، أن هذه القضية عادت إلى الواجهة ولكن مع تغيير بسيط يحمل عنواناً وحيداً وهو واجهة التنازلات الأخيرة، ويا ليتها بقيت على الرف لأنها ربما كانت ستبقى للأجيال القادمة ولربما من دون تفريط أو تنازلات؟! فهل أدمنّا لعبة المعارك الخاسرة؟ نخشى أن يكون الأمر كذلك..!
الربيع العربي بين الرجاء والخوف
بقلم: هاني فحص عن السفير البيروتية
القوة الظاهرة والمبالَغ فيها، في حركة الاسلام السياسي، ليست من السلامة من العاهات الفعلية او المحتملة، بحيث تدعو الى الاطمئنان الى مستقبلها ومستقبلنا معها.
إن ما قد يدعونا الى الاطمئنان ولو نسبياً، هو التخفيف من استشعار القوة الفائضة، انطلاقاً من حساب الوقائع المتحققة، وبالعودة الى التاريخ القريب والبعيد أيضاً، للدول والأحزاب والقوى التي أغرتها الفراغات الكبيرة في حال من سبقها، بالمبالغة في تقدير انتصارها، فانتكست، وكان وقع انتكاسها ثقيلاً عليها وعلى البشرية جمعاء (النازية أوضح الأمثلة ولا ننسى الشيوعية) وقبل هذا وذاك، لن تكون حركة الاسلام السياسي، من دون تفريق عميق غير متوفر، بين أحزابها وتشكيلاتها المؤتلفة أو المختلفة، سياسياً أو فكرياً أو مذهبياً، لن تكون بخير وعافية وتتجنب المزالق والمآزق، إلا إذا تنكبت سبيل الذرائعية والنفعية والانتهازية، وتمسكت بالمعيارية الإنسانية، أي الدولة المدنية التي تحتكم للقانون والقيم الروحية في الأديان وتحقق العدالة والتي هي، اي الدولة المدنية، أي دولة المواطنة، هي المميز الوحيد المتاح والضامن لوجودها ووجودنا ومستقبلها ومستقبلنا.
هذا كلام قديم ومتجدد، يجدده مشهد الربيع العربي ووقائعه السالبة والموجبة، الحقيقية أو المبالغ فيها، لمصلحة الإسلام السياسي بكل تنوّعاته وتناقضاته، أو ضده، كما تجدده وتعمقه وتدعو الى التصديق على صحته، مآلات الأمور في تجربة مصر وتونس خاصة، معطوفاً عليها خوف حقيقي من مشابهة الحالة السورية لها، مع احتمال أن يكون هذا المآل السوري مناسبة لاختلاط العلامات الليبية بالعلامات المصرية والتونسية فيه. في حين ان التجربة اليمنية حتى الآن، وبسبب غياب المشروع السياسي الإسلامي أو عدم بروزه، والذي لا يعني غياب الإسلام، تعدنا أكثر من غيرها، ومن دون إهمال للصعوبات والإعاقات التاريخية الداخلية، أو المفتعلة من الخارج العربي والإقليمي والدولي.. تعدنا - أي التجربة اليمنية - بمآل أكثر انسجاماً مع ضرورات التغيير وإشكالياته التاريخية، المختلفة تعريفاً عن الإعاقات الإيديولوجية، ما قد يشجعنا على أن نقر بتقدم في اليمن أبعد من جماليات الخطاب وحداثته لدى التيار الوطني السوري المتعدد وغيره. والذي نخاف أن ينقلب الى لغة إيديولوجية متعددة ومتقابلة، بسبب أنه لم يرقِ حتى الآن الى رؤية جامعة أو مشروع أو برنامج مطلبي واضح وقائم على نظام معرفي مركب من الثابت والمتغير والمختلف.. ونخاف أيضاً أن تنقلب اللغة الجبهوية العميقة بين الأطراف الوطنية الليبرالية واليسارية المعدَّلة، وبين «الإخوان المسلمين»، الى لغة مسايرة متبادلة، بناء على استشعار القوة لدى «الإخوان» والشعور بالضعف لدى الآخرين، ما يدفع الى تفجير الاختلاف وتصعيده الى خلاف وصراع، تتسع معه فضاءات «الإخوان» لاحتضان التطرف ومشاركته.. أو استلحاقه والاستقواء به. في حين تكون القوى الأخرى (الوطنية الحداثية) قد وجدت نفسها مضطرة الى التماسك، لا على أطروحة أو مشروع، بل ضد الآخر .. وفي حالة شعبية أدّت بها التجارب مع أحلام الدولة الحديثة التي مسخت، الى الذهاب الى فضاء الاسلام السياسي، على استعداد وجهوزية دائماً لتقوية العصبية بالتطرف وترجيح الهوية الفرعية (أكثرية أو أقلية) على الهوية المركبة.
بإمكاني تلخيص هواجسي أو مخاوفي، بأن غياب البرنامج، في الربيع العربي، قد يؤدي كما أدى في مصر وتونس، الى غلبة الإيديولوجيا على المطلب وإدارة الحراك وبناء السلطة البديلة، واللوازم الإيديولوجية متوفرة أكثر لدى الإسلاميين، ما قد يعني إغراءهم بإلغاء الآخرين، مباشرة أو مداورة.. ولكن، وبناء على معطيات مصر وتونس، يستطيع أي رافض أو متحفظ على الإسلام السياسي، أن يتوقع أن يكون مصير الإسلاميين في السلطة، الى فشل، يضاف الى فشل الشموليات الأخرى كالشيوعية التي عاشت عمراً مديداً نسبياً وأنجزت شيئاً، ولكنها ألغت الحرية والتعدد فألغت كل شيء.
لعل التركيب الإسلامي العربي الشيعي اللبناني، في دمي وحبري وذاكرتي وأحلامي، هو الذي يلزمني أن أعود الى الراهن السوري واحتمالاته، ومصادر الخوف عليه من مشهده.. الذي انجلى عن سقوط أدبي ذريع للنظام، من دون أن يكون هناك صورة مكتملة أو شبه مكتملة لبديله الجدير بحمل مشروع الدولة العصرية الأصيلة الجامعة والحاضنة، ما يعني أنه قد يسقط الحاكم أو الحكم، ولكن قيمه تبقى قابلة لأن يعاد إنتاجها على يدي الخصم، ويعود المواطن لاحقاً ليستذكر ملامح الحاكم الساقط في وجه وعقل وأداء بديله.. (خليفته).. ومبكراً، قال كثير من العراقيين بناء على ما رأوا وسمعوا: إن صدام موجود بنسبة أو بأخرى في كل الذين أتوا بعده، وكلما كان موقع الشخص متقدماً أكثر في بناية السلطة العراقية كانت صدّاميته أشد وضوحاً وأخطر.
هنا نسجل خوفنا من أخبار العنف المذهبي المبالغ فيها قطعاً، ولكن ذلك يحدث قطعاً، باعتبارها قتلاً للهوية المركبة وإعادة تأسيس للهوية الأحادية القاتلة.. هذا يستدعي، وفي سوريا خصوصاً، التعجيل الى تأسيس جبهة عميقة وعريضة، تغري التطرف بالاعتدال والمذهبية بالوطنية، لأن غيابها يغري الاعتدال والوطنية والاسلام والعروبة بالتطرف.
هناك جروح عميقة وقروح وأعطاب مقيمة في ذاكرتنا الربيعية.. فالنكبة كانت في الربيع العربي وكذلك النكسة، وحرب لبنان ربيعية الخ وفي كل هذه المحطات وغيرها كانت رياح الخماسين أو رياح السمّوم، تهب شديدة لاذعة ومدمرة، ومانعة للرياح اللواقح، التي تحمل اللقاح الى الزهور لتخصب، فتسقط ويأتي الصيف قاحلاً. وتنعــكس الآثار سلبياً على المزارعين والفقراء، وإيجابـياً على الحليفين التاريخيين، الحاكم المستبد والتاجر الفاسد.
وهذا أمر له ما يشبهه في الاجتماع والسياسة والتاريخ، ومثلنا الملموس الآن، هو الربيع العربي الذي اخذ تسميته من مواعيده، وقد يستحقها من الوقائع، بالسلب، أي إذا غلبت الأخطاء، أو الفوضى، أو التطرف، أو القتل على الهوية، أو أخذ الحق أو الباطل باليد، اي إسقاط القانون، أي إسقاط الدولة، الى التباس البدل بالمبدَل منه، (كما في خريف البطريرك).. مع ما يقتضي ذلك من العمى الإيديولوجي الديني أو المذهبي أو العرقي أو العلماني.. ومع هذه الحال المحتملة، يعود الارتهان لنا، وتخسر المراهنة علينا، ويصبح الخارج، كل خارج داخلاً، وتسقط السيادة والاستقلال، وتتم التواطؤات مع الأصدقاء والأعداء، للشراكة في إعادة إنتاج الاستبداد والفساد، من دون أن ترتقي صناديق الاقتراع لتكون دليلاً على الديموقراطية.
هذه المخاوف لا مجال لنفيها، لأنها ملموسة، ولا داعي لتضخيمها، وفي المثال السوري: هناك شغل لئيم على تسجيل جرائم النظام على حساب المعارضة، وهذا يستدعي احتياطاً أكثر.. علماً بأن الشعب الذي يؤيد ويضحّي ويصبر يبقى على استعداد دائم للمحاسبة.. مع احتمال لا بدّ من التوقف عنده، هو الارتداد الشعبي، إذا لم تثبت قوى الثورة انها أفضل نوعياً، كمياً وكيفياً، من النظام. أو أفضل بكثير، بحيث تكون التضحيات العظمى لا تشكو من تفاوت كبير بينها وبين النتائج.
الثورة المصرية: أسئلة بلا أجوبة
بقلم: جلال أمين عن الشروق المصرية
ها قد كاد يكتمل عامان ونصف العام على قيام ثورة 25 يناير 2011 والمصريون فى حالة حيرة شديدة، لا يصدقون ما جرى لهم، ولا يكفون عن التساؤل: إلى أين هم ذاهبون؟
إذا استرجعت ما حدث فى هذين العامين ونصف العام، تعود إلى أسئلة كثيرة ثارت بذهنى منذ اليوم الأول من الثورة، بل وأيضا خلال السنة السابقة عليها، ولم أعثر حتى الآن على إجابة مرضية، ولم أسمع من أحد (على كثرة ما نسمعه من تحليلات) ما يشفى الغليل.
فلنعد إلى ما قبل الثورة بنحو عام. سطع فجأة نجم الدكتور محمد البرادعى، ذلك الرجل المحترم والحائز على جائزة نوبل، وقدمته وسائل الإعلام على أنه زعيم محتمل لثورة مصرية. فلما جاء إلى القاهرة واستقبلته آلاف مؤلفة من الشباب فى المطار، استقبال الأبطال والزعماء، ثار فى نفسى السؤال الآتى: لقد تعودنا من الجهات المسئولة عن الأمن فى مصر أن تحتاط ضد أى احتمال لثورة أو شغب، فلماذا تركوا هذا يحدث فى مطار القاهرة، وفى استقبال زعيم جديد محتمل؟
عندما قامت ثورة 25 يناير، قال بعض المحللين إن من أسباب قيامها، بالإضافة إلى أسباب السخط الكثيرة فى مصر، وصول عدوى الثورة من تونس إلى القاهرة. ولكنى لم أسترح لهذا التفسير. فقد بدا لى أن ثورة فى بلد مجاور قد تشجع على قيام بوادر ثورة، أما نجاحها فى إسقاط رئيس النظام فيحتاج إلى أشياء أخرى مهمة. ومن ثم تساءلت: ما الذى جعل أجهزة الأمن تبدى كل هذا التهاون فى التعامل مع الشباب فى الميادين، وقد عودتنا المرة بعد المرة، أن تحتاط لهذا بألف طريقة، من بينها احتلال الميادين نفسها من قبل أن يصل إليها الثوار. فلماذا لم يحدث هذا فى هذه المرة؟
ثم انهمرت الأسئلة المحيّرة، الواحد بعد الآخر، ما سر إطلاق سراح المسجونين من بعض السجون ليشيعوا فى البلد الفوضى؟ وما سر ذلك التهاون المدهش فى التعامل مع مهاجمى الكنائس؟ وما سر السماح لبعض المسجونين المهمين، ممن اشتركوافى قتل السادات، بالظهور فى التليفزيون مع أكثر المذيعين شهرة، لتبرير أعمال إجرامية سبق لهم ارتكابها؟ مَن المسئول عن السماح بذلك؟ ومنذ متى يجرى مثل هذا من وراء ظهر أجهزة الأمن؟
ظهرت على شاشة التليفزيون أيضا شخصية أخرى، هى شخصية شاب كان قد اعتقل لدى وصوله من الخارج بعد قيام الثورة بأيام قليلة، وقيل إن الإفراج عنه، بعد اعتقال استمر 12 يوما، جاء بتدخل من الإدارة الأمريكية. ظهر وهو يبكى فى التليفزيون، فلم يقنعنى، ولما قرأت فيما بعد كتابا له عن دوره فى الثورة، وكان الكتاب قد ظهر أولا فى أمريكا ثم ترجم إلى العربية، لم يقنعنى أيضا إذ وجدت تاريخه الشخصى والعائلى لا ينسجم مع إشعال ثورة فى البلاد، وهو على أى حال سرعان ما اختفى ولم يبد له أى دور فى تطور أحداث الثورة فما سر هذا الشاب أيضا؟
ابتهجنا بشدة بامتناع الجيش عن ضرب الثوار حتى سقط الرئيس، بل بدا أن قادة الجيش قد لعبوا دورا مؤكدا فى الضغط على الرئيس للتنحى عن منصبه، ولكن لماذا قام المجلس العسكرى بعد تسلمه الحكم، بهذه التصرفات الغريبة التى لا تنسجم بالمرة مع روح الثورة وأهدافها، التى افترضنا أن المجلس العسكرى يتعاطف معها؟ ما هذا الاختيار الغريب، لرئيس الوزراء، واحدا بعد آخر، لا يعبر أى منهما عن روح الثورة، أحدهما كان عضوا بلجنة السياسات فى النظام السابق، والآخر كان رئيسا للوزراء فيه، مع تمسك المجلس العسكرى بكل منهما لمدة أطوال بكثير من صبر الناس واحتمالهم؟
لماذا رفض المجلس العسكرى اقتراحا وجيها بتكوين مجلس رئاسى يضم بعض المدنيين الذين يتمتعون بثقة الناس؟ ولماذا إضاعة الوقت فى تعديل دستورى يتعلق بمواد عبّر الناس عن رأيهم فيها مسبقا بقيامهم بالثورة، ثم استفتاء على التعديل، فى ظل تدهور اقتصادى وأمنى، بدلا من القيام مباشرة بوضع دستور جديد؟ ومن المستفيد من شغل الناس بحوارات عقيمة ومناقشة وثائق لا قيمة لها؟ والوقت يمر وحالة الأمن تزداد ترديا، والوضع الاقتصادى يزداد صعوبة؟ ولماذا لم يصنع أى شىء جدى لاسترداد الأموال المنهوبة والمهربة من رجال النظام السابق؟ وما هذه المحاكمات الهزلية للرئيس ورجاله، والقبض ثم الإفراج عن رجال ذلك العهد دون مبررات مفهومة لتقديم هذا الرجل دون ذاك للمحاكمة؟ وترك البعض يسافرون دون غيرهم؟ وتجميد أموال البعض وترك أموال الأكثر خطورة؟
وما سر القبض على بعض الأمريكيين المهمين بتهمة غريبة هى عدم الحصول على تصريح بتكوين جمعية، مع أن الجمعيات التى تترك بلا تصريح لها تاريخ طويل فى مصر؟ وما الذى جعلهم يفرج عنهم فجأة؟ من الذى تدخل ولماذا؟
أما ترك الاقتصاد يتدهور فحدِّث عنه ولا حرج. هل كانت معالجة هذا التدهور الاقتصادى صعبة حقا إلى هذا الحد؟ وما الذى جعل قرض صندوق النقد الدول ىعرض ثم يسحب، ثم يعرض من جديد ثم لا يحدث فيه أى تطور؟
ثم ما كل هذه القسوة فجأة فى معاملة الثوار، وقد كنتم تتكلمون عنهم كلاما رائعا منذ قليل؟ ما كل هذا القتل وإصابة الأعين والسحل والكشوف على العذرية... إلخ. من أين جاءت هذه القسوة المفاجئة وما مبرراتها؟
أما الترشيحات لرئاسة الجمهورية فلم تكن أقل مدعاة للدهشة. لماذا لم يضبط أمر هذه الترشيحات وترك من هب ودب ليرشح نفسه، ولماذا يدفع البعض إلى الترشح ثم يدفع البعض إلى الانسحاب؟ ثم استبعاد بعض المرشحين بمبررات واهية، مع السماح لرجال من فلول العهد السابق بالترشح، حتى انتهى الأمر إلى تنافس بين شخصين مدهشين، أحدهما من الفلول والآخر لا نكاد نعرف عنه شيئا، وقيل إنه جاء فقط بالنيابة عن غيره؟ وقد نجح أحدهما بفارق ضئيل جدا، علما بأن معظم من أعطوا صوتهم لأحدهما لم يقصدوا انتخابه هو، بل كانوا يقصدون فقط ألا يصوتوا للآخر! فهل هذه نتيجة طبيعية لثورة شعبية رائعة؟ ثم إذا بالرجل الذى فاز بالرئاسة يفاجئنا بعد أيام قليله من فوزه بتنحية العسكريين مع شكرهم شكرا جزيلا، وترفيه بعضهم فلماذا قبل العسكريين هذه المعاملة بهذه السهولة؟
أما ما حدث فى ظل الرئيس الجديد، وما لم يحدث أيضا، فحدِّث عنه ولا حرج. لماذا رئيس الوزراء هذا بالذات؟ وفى البلد كثيرون ممن يعبرون عن روح الثورة وأهدافها بأفضل منه بكثير؟ ولماذا التمسك به رغم ازدياد السخط عليه؟ ولماذا إهمال القضايا الرئيسية كمكافحة ارتفاع الأسعار وتوفير السلع الضرورية وضبط الأمن وعلاج تدهور السياحة... إلخ؟ والاهتمام بدلا من ذلك بأمور مدهشة كإصدار قرار بإغلاق المحلات فى العاشرة مساء؟ ولماذا تلغى القوانين بعد صدورها بساعات... إلخ؟
أثناء ذلك أيضا تحدث أحداث مدهشة فى سيناء، وتصدر تصريحات تؤكد أن سيناء ستبقى مصرية (وهل أصبح هذا محل شك؟) وكلام كثير عن قناة السويس مع التأكيد على أنها ستظل أيضا مصرية (وهل هذه أيضا أصبحت محل شك؟) ومشروع اسمه الصكوك الإسلامية يشبه مشروعا باسم الصكوك الشعبية كان قد طرح فى أواخر النظام السابق. وتصريح من قائد من قادة الحزب الحاكم بأنه لا مانع من استعادة اليهود الذين تركوا مصر فى الماضى لأموالهم. وعندما يحتج الكثيرون على التصريح ويستغربون صدوره، يقول صاحب التصريح إنه كان يعبر عن رأيه الشخصى وليس رأى الجماعة أو رأى الحكومة. فلماذا لم تستنكر الجماعة أو الحكومة هذا التصريح، بل ولماذا لم يعاقبوا صاحبه على إصداره؟
وأثناء ذلك أيضا يأتى رجل أمريكى مهم بعد آخر، للالتقاء بالمسئوين المصريين ثم ينصرف. فما الذى يقال فى هذه الاجتماعات التى لابد أن تكون مهمة؟ ولماذا إسرائيل صامتة إلى هذا الحد؟ ولماذا قطر نشيطة إلى هذا الحد... إلخ؟
البعض يسمى إثارة مثل هذه الأسئلة «نظرية المؤامرة» أو الأفضل من ذلك، ما هى إجاباتكم عنها؟
انه الشرق الأوسط الجديد
بقلم: يحيى محمود عن الرأي الأردنية
بعد سلسلة من التسريبات الغامضة التي سبقت قمة الدوحة العربية حول توجه لتعديل مبادرة السلام العربية ،شهدت واشنطن قبل ايام الاعلان العربي بلسان قطري عن التعديل الذي يلغي الشرط العتيد القاضي بانسحاب اسرائيل الى حدود عام 67 في اي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية.
ورغم المرور السهل لهذا التعديل في الجانب العربي والترحيب به في الجانب الاسرائيلي، الا ان الرسالة الاسرائيلية الاهم جاءت في اليوم التالي للتعديل ،مطالبة بتعديل جديد يتعلق بمسالة اللاجئين الذين لاتقبل اسرائيل بان تجعل مسالة عودتهم مسالة تفاوض باي حال.
وبغض النظر عن مدى الاحساس القطري بتحقيق اختراق يسبق المفاوضات التي يجري التفاوض على استئنافها بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، الا ان ما يجري على الارض في محيط القضية الفلسطينية هو الذي سيحسم الامر في نهاية المطاف.
وباستذكار ما كان يجري طرحه قبل سنوات حول مشروع الشرق الاوسط الجديد يتضح ان قواعد لعبة المفاوضات حول القضية الفلسطينية كانت تنتظر طوال الوقت ما تجري بلورته على ارض الواقع الان.
ومن المرجح انها ستظل تنتظر ما ستسفر عنه حالة المخاض الحالية على وقع النيران السورية لاعادة ترتيب الخارطة الامنية والسياسية في المنطقة، بعد ان اطاحت عاصفة التغيير التي تجتاح المنطقة بما كان يسمى بمعسكري الممناعة والاعتدال.
وما يجري الحديث عنه الان من تحالفات اقليمية جديدة يجري بناؤها ليس الا احد مؤشرات عملية فك واعادة تركيب المنطقة وفقا لمشروع الشرق الاوسط الجديد العتيد.
وفي هذا السياق لايجب الاستهانة بما يجري تسريبه عن اعادة رسم للخرائط الجغرافية ايضا . وهي التسريبات التي تتحدث عن اقتطاعات من اراضي هذه الدولة او تلك وضم للاراضي والمواطنين هنا او هناك في اطار المشروع.
وبغض النظر عن حجم الحقيقة و الخيال في ما يجري طرحه حول اعادة هيكلة اراضي الدول في المنطقة وحدودها الجديدة، الا ان ما يجري الان خلف الكواليس يؤسس في الحد الادنى لصيغة جديدة من العلاقات الامنية السياسية الاقتصادية في الاقليم ،على وقع الازمة السورية وارتباطات اطرافها العربية والاقليمية الإيرانية التركية الاسرائيلية.وهو الامر الذي سينعكس بالطبع على القضية الفلسطينية ومفاوضات حلها.
وخلاصة القول ان تعديل المبادرة العربية لم يشكل نقطة تحول مهمة رغم التنازل المهم عن شرط الانسحاب الكامل من الضفة الغربية الذي تضمنه بقيادة قطرية.
فالحل النهائي مرتبط بما تشهده المنطقة من تطورات تتسارع خطاها الان على وقع الازمة السورية، التي تقرر ان تكون الحلقة الاهم في تسخين نيران تطويع المنطقة وفقا لمقاسات مشروع الشرق الاوسط الجديد العتيد.