المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 404



Haneen
2013-05-27, 09:22 AM
اقلام واراء عربي 404
21/5/2013

في هذا الملــــف:
الغارة الاسرائيلية: محاولة لخلط الاوراق لصالح الفوضى
بقلم: محمد حسام حافظ عن القدس العربي
ما ذنب غزة؟
بقلم: خليل قطاطو عن القدس العربي
لغز رجال السياسة والاقتصاد الفلسطينيين
بقلم: أحمد خليل عن الوطن السورية
65 عاماً على النكبة والعدوان مستمر
بقلم: يوسف مكي عن الخليج الاماراتية
الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. هل من جديد؟
بقلم: باسل غطاس عن المدينة السعودية
الرئيس وإدارة أزمة الجنود المختطفين
بقلم: حسن نافعة عن المصري اليوم
الأمير الخائب
بقلم: رشا عيسى عن تشرين السورية
السياسة التركية بين ظاهرتين متناقضتين
بقلم: جهاد الزين عن النهار البيروتية
الربيع العربي ... والتفكيك القومي
بقلم: مصطفى الفقي عن الحياة اللندنية
الغارة الاسرائيلية: محاولة لخلط الاوراق لصالح الفوضى
بقلم: محمد حسام حافظ عن القدس العربي
تمثل الغارة الاسرائيلية الأخيرة بلا شك استغلالاً بشعاً لما يحدث في سورية من صراع بين شعب وسـلطة. وربما نعلم جميعاً بأن الغارة ستكون بداية تدمير القدرة السورية المستقبلية على الردع العسكري، سواء بالسلاح الكيماوي أو بأي سلاح استراتيجي، بعدما يسقط نظام عمل صمام الأمان لاسرائيل طيلة الأربعين سنة الماضية. ولكن الغارة تحمل في الوقت ذاته الكثير من الدلالات والاشارات بالغة الأهمية في لحظة عصيبةٍ تحمل ثقل التاريخ والايديولوجية في آن معاً. فالشعب السوري لم يتقبل يوماً وجود كيان غاصب معتد على أرض فلسطين، كيان غارق في الايديولوجية والثيولوجية الكارهة، بل المحتقرة لكل ما حولها، سورية كانت حتى الماضي القريب جزءا حيوياً من كينونة فلسطين وشخصيتها في بلاد الشام.
شغلت القضية الفلسطينية تفكير وحياة السوريين وشكل الخبر الفلسطيني خبز سياسته ومعاشه منذ حرب فلسطين وحتى هذه اللحظة. ففي سورية 1948 البلد الذي استقل حديثاً باع السوريون والسوريات خواتم زواجهم للتبرع لجيش الانقاذ الذي انطلق من سورية، ولدعم الجيش السوري الفتي الذي لم يتجاوز عديده بضعة آلاف من الشبان غير المسلحين بالمعنى الحقيقي للكلمة. ولكن منذ ذلك العام المشؤوم ركب كثير من سياسيي هذا الشعب العنيد موجة القضية الفلسطينية، واستغلوا عمق حبه لأرضه، بل وزاودوا على وطنيته في كثير من الأحوال. وتمادى البعض في استنتاجه وتحليله فأضحى لديه الشعب مقاوما ورافضا لاسرائيل، لأن هذا السياسي أو ذاك العسكري الذي قدر له أن يجلس على رأس السلطة يوماً يدعي المقاومة متجاهلاً أن الشعب هو أساس المنعة وأن قلب كل سوري ينبض بكره الغزاة.
وفي حين يعلم السوريون تمام العلم بأن الكيان العبري البغيض لا يكترث الا بأمنه الذاتي، ولا يرى أي بأسٍ من سقوط السوريين شهداء وجرحى بأيدي جيشه الوطني، الذي بناه هذا الشعب بماله ودمه… كما يعلم السوريون تمام العلم بأن من يحمل فكر الصهاينة الآثم يطرب لسماع دوي الانفجارات التي تدمر سورية… ويعلم شعبنا أيضاً بأن الغارة الاسرائيلية تعني أن الأمور في جيش النظام وصلت فعلاً الى مراحل متقدمة من فقدان السيطرة والتحكم بالمخزون الأساسي للأسلحة السورية الاستراتيجية.
كل هذا نعلمه جيداً لكننا واعون أيضاً بأن الغارة الاسرائيلية الاخيرة، أو أي اعتداء اسرائيلي مستقبلي يحمل دلالات كثيرة، أهمها ان الكيان الاسرائيلي وحليفته امريكا ومن ورائهم معظم دول ما يسمى بالمجتمع الدولي، عازمون على استغلال الدم السوري لتصفية القضية العربية، واعادة ترتيب هذه المنطقة واضعاف دولها الأعرق وتحويلها لدويلات متشرذمة ذات صبغات مذهبية متناحرة، تلتفت فقط لمصالحها الضيقة، بينما يبقى الغول الاسرائيلي على بعد خطوات منها يراقب بكثب أي صحوة أو أمل بصحوة.
لقد اضحى واضحاً ان المطلوب هو زعزعة الكثير من الثوابت الراسخة لهوية الانسان العربي. وما ترك الشعب السوري تحت آلة القتل طوال سنتين ويزيد ومد الحبل للنظام ليمعن في جرائمه ورسم الخط الأحمر تلو الآخر ببلادة عجيبة، ومن ثم السماح بدخول اسرائيل على خط الازمة السورية بهذه الطريقة الوقحة، إلا مؤشر فاقع الدلالة على ما ذهبنا اليه.لا ريب أن الغارة ستخلط الأوراق في المنطقة لصالح الفوضى التي ركب النظام موجتها، حينما رفض الاصغاء لمنطق التاريخ في حتمية التغيير.
نعلم اليوم أن مصلحة العصابة الحاكمة في سورية قد اجتمعت مع الرؤية الاسرائيلية الهادفة إلى احداث الفوضى وخلط الأوراق، من خلال تفجير الموقف داخلياً وخارجياً… سواء بالسيارات المفخخة أو بالتفجيرات المفتعلة أو بالاعتداءات الاسرائيلية الخارجية. فالفوضى التي تجعل سورية واهنة الارادة ضعيفة التسليح تخدم حتماً الأهداف الاسرائيلية، لأن الأخيرة ستواجه مزقاً وأفراداً متناحرين في المستقبل إن استطاعوا أصلا الخروج من الفوضى الصومالية. وتلك الفوضى هي البديل المناسب لحاكمي سورية الحاليين، الذين اذا بردت جبهتها أشعلوا غيرها في لعبة سياسية دفع الآخرون ثمنها فأطالت عمر نظامهم ومنحت اسرائيل الأمان بالمقابل.
صحيحٌ أن السوريين يشعرون بحالة من المرارة العميقة مما وصلت اليه أمور بلدهم، ويرون أن هذا الواقع المؤلم يعني أن الشعب السوري بكليته والدولة السورية بكل مؤسساتها قد أصيبا في المعركة الحالية اصابة فادحة خطيرة، وأن الارادة السورية المطالبة بالتغيير قد تعبت وأصابها ما أصابها من الضعف والألم. ولكن السوريين يعلمون بالمقابل أيضاً أنه ما كان بإمكانهم الصبر أكثر مما فعلوا طيلة السنوات الماضية وأن مطالبهم العادلة بالتغيير والمحاسبة قد جوبهت بالحديد والنار والقتل والدم والتحريض الطائفي والمذهبي والعرقي، وانتهاك الأعراض والمحرمات. ويدركون أن تعامل النظام مع الثورة منذ اليوم الأول أظهر عقم محاولات الحوار وأنه سيستمر في الامعان بانتهاك حرمات هذا الشعب وقتله، في سبيل البقاء في السلطة حتى لو أفناه عن بكرة أبيه.
وأدرك السوريون مبكراً أن ارادة النظام الذي تخلى عن أدنى مسؤولياته الوطنية وتحول الى عصابة قتلة قد التقت مع ارادة داعميه الاقليميين، على عدم تسليم سورية إلى أبنائها إلا وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة.نعلم وسط هذا الانهاك الذي يعاني منه شعبنا أن النظام سوف يستنفر أدواته الاعلامية الاستفزازية، وسيعلن أن الغارة الاسرائيلية تثبت نظريات صموده وممانعته وأن الثورة أتت أو صبت في المصلحة الاسرائيلية، وأن كل سوري لا يقف مع النظام في هذا الظرف هو بالضرورة مع اسرائيل. وبالطبع سيقال كلام كثير من قبل المعارضة السياسية وسنسمع مواقف وأفكارا قد لا تفيد قضية السوريين، وقد لا تحترم تضحياتهم الكبيرة.
ومن جهة أخرى قد نرى بعض المعارضة السياسية تغازل الولايات المتحدة الأمريكية وتتجاهل ادانة اسرائيل، أو حتى قد تمد جسوراً مشبوهة نحوها، وهذا النوع من الانحدار ربما يحصل زمن الأزمات الكبرى، ولكن رغم الألم والجوع والدم والحصار ليس لنا إلا أن نراهن على وطنية السوريين النقية وعلى وعيهم المتقدم وقدرتهم على فرز الغث من السمين. وبما أن المرحلة الحالية وهي غاية في التعقيد السياسي والعسكري، فلن تمر من دون خسائر كبيرة، وإننا مطالبون جميعاً بالتخفيف من تلك الخسائر، ولا بد لنا من طمأنة بعضنا البعض الى المستقبل… ولا بد لنا جميعاً من مخاطبة الصامتين والطلب منهم التحرك اليوم لافهام العالم بأننا لم نعد نحتمل هذا الوضع، وأن الصامتين يهمهم انهاء الحال الراهن لصالح الشعب ولصالح التغيير السياسي… ولا يمكن أيضاً تجنب مخاطبة المؤيدين بأن سورية في خطر داهم بسبب التأييد الأعمى لشخص لم يرم اسرائيل حتى بالماء طيلة أربعين عاماً… في حين أتاح غباؤه المطبق وغروره الهائل واصراره على رؤيته المريضة لمجريات الأحداث أن تصل الأمور إلى حد دمار البلد، إما بيديه أو بأيدي اسرائيل.
لقد حان الوقت اليوم لنقول لمؤيدي النظام ولجميع العاملين في المراكز الحساسة في الدولة السورية أن الفظوا هذا النظام وأزلامه اليوم ولنبدأ بوضع المجريات على السكة الصحيحة.ومن جانب آخر لا بديل لمن يتصدرون المشهد ويعتبرون أنفسهم رجال المرحلة عن العمل السياسي الجاد والمحترف، من دون أدنى التفات لمصالحهم الضيقة سواء الشخصية أو المذهبية أو الحزبية. علينا أن نصرخ في وجه متصدري المشهد.. بأن كفى لعباً وولدنة.. والله لن يرحمكم التاريخ ولن يرحمكم شعبكم… ان التوافق أضحى واجباً أخلاقياً ودينياً وسياسياً وانسانياً لانهاء النظام والوقوف في وجه أي طامع خارجي. أما المعرقلون والمرجفون في الأرض فليتنحوا جانباً إن كان لديهم أدنى ذرة من الوطنية… وليغادر كل من كان سبباً في النزاعات الجانبية وتصدر الشاشات فوهن وأوهن، لكنه استمر بإصرار على متابعة الفشل.ولربما تشكل الغارة الاسرائيلية مناسبةً للتوافق ونبذ الخلاف وتحصين المناعة والارادة الوطنية، ليس لمؤيدي النظام وللصامتين القابضين على جمر النار من دون سبب فحسب، بل للمعارضة المتهافتة أيضاً.

ما ذنب غزة؟
بقلم: خليل قطاطو عن القدس العربي
خطف مجهولون سبعة جنود مصريين (غير مسلحين !!) في شمال سيناء. وزارة الدفاع المصرية لا تعرف الخاطفين (يكفي أنها تعرف المخطوفين !!). وكالات الانباء تقول أن الخاطفين ينتمون الى جماعات اسلامية متشددة تتبع لعشائر مصرية بدوية. يقال أيضا أن الخاطفين يطالبون بأطلاق سراح سجناء أسلاميين في السجون المصرية. لا ندري أسجن هؤلاء أيام مبارك ونسي النظام الأخواني أطلاق سراحهم أم أن ألأخوان أعتقلوهم، ام أن هناك تنسيقا مصريا أمريكيا في هذا الشأن على أعتبار أن فكر هذه الجماعات قريب من فكر القاعدة، وربما تكون هذه الجماعة هي نفسها التي تورطت بقتل الجنود المصريين في رمضان الفائت ولم تتوصل السطات المصرية لهم لحد الآن. أيا كان الوضع فالظاهر أن المشكلة مصرية مصرية بين الاسلاميين المعتدلين (الاخوان) والاسلاميين المتطرفين (التكفيريين). التكفيريون هؤلاء ببساطة فقدوا البوصلة، انهم يحاربون حكوماتهم (الكافرة بنظرهم) قبل أن يتفرغوا لمحاربة اسرائيل كما يدعون.
الاعلام المصري بعد كل حدث مثل هذا (وجلهم من الفلول) يشحذ سكاكينه ويلمع سيوفه ويوجه كل مدافعه، لا نحو التكفيريين أو العصابات المسلحة أيا كانت، بل نحو …….. غزة. التحقيقات أثبتت أن لا علاقة لغزة ولا للغزيين بمهاجمة الجنود المصريين أو خطفهم، ولا أحد يسمع أو يعقل وتستمر الحملة على غزة المسكينة وأهلها المحاصرين في شعب بني هاشم منذ سنوات.
الغريب في القصة كلها أن يقوم الجنود المصريون المرابطون على معبر رفح الفاصل بين غزة ومصر بأغلاق المعبر دون أي أمر عسكري أو اداري من وزارة الداخلية أو الدفاع أو الرئاسة المصرية. أما الأغرب من هذا كله ان لا تقوم الرئاسة المصرية أو وزارة الداخلية أو الدفاع بمساءلة هؤلاء الجنود عن هذا الفعل الأرعن ،غير المسؤول، او التحقيق معهم لقيامهم بأفعال دون أوامر عسكرية مباشرة أو غير مباشرة. يبدو أن هؤلاء الجنود يتلقون أوامرهم مباشرة من الاذاعات والتلفزيونات والجرائد المصرية المحرضة على غزة، ربما أختلط عليهم ألأمر، يبدو أنهم مسطولون (أو مبرشمون) والله أعلم.
قد نتفهم الموضوع لو أن الامر استمر لساعة أو أثنتين، اما أن يستمر لثلاثة أيام، حتى ساعة كتابة هذه السطور، فهذا أمر يحير عقول ذوي الألباب. الاحتمال الاخر هو أن أمرا عسكريا أو اداريا صدر بالفعل لأغلاق المعبر، وتتستر عليه الحكومة المصرية، والسؤال الكبير هو لماذا ؟
معبر رفح هوالمتنفس الوحيد لمليون ونصف غزي. فيهم الطلاب والمرضى والزائرون والتجار الذين لا استغناء لهم عن عبور المعبر بالاتجاهين. كل هؤلاء ماذا جنوا حتى تتعطل دراستهم واعمالهم ومصالحم التجارية، وتتدهور صحة المرضى منهم جراء اغلاق المعبر من قبل حفنة من الجنود يعبرون عن غضبهم لاختطاف زملائهم بمعاقبة أهل القطاع كله على ذنب لم يقترفوه أصلا.
كنا قد تفاءلنا بزوال حكم مبارك، وفوز الاخوان بالحكم معتقدين أن هذا سيخفف معاناة أهل القطاع. أغرق النظام المصري الثوري الجديد أنفاق غزة بالمياه العادمة، وهذا معقول ومقبول لو أن المعبر سيبقى مفتوحا دوما، عندها لا يبقى أي مبرر للانفاق والتهريب، ولكن بعدها أغلقت المعابر مرارا، واستمرت المعاناة.
الجنود المصريون السبعة المخطوفون لم يكونوا مسلحين، والجنود الذين أغلقوا المعبر يطالبون بتسليحهم حتى يحموا انفسهم من القتل او الخطف. غريب !!! الجنود المصريون في شمال سيناء غير مسلحين !!! هل هذا كان أحد شروط كامب ديفيد لارجاع سيناء للمصريين، ولماذا يسكت الرئيس مرسي على شروط مذلة كهذة، وهو وحزبه قالوا في كامب ديفيد (ايام مبارك) أكثر مما قال مالك في الخمر، فلماذا كلامه في السلطة يختلف الان عما كان عليه ايام المعارضة، وكأن كلام الليل يمحوه النهار.
الثورة المصرية تحتاج وقتا حتى تستقر الامور، وقد تكالبت عليها القوى لعرقلتها، ولكن، ربما يكون المستقبل أكثر أشراقا لمصر وللعرب ولغزة، من يدري؟

لغز رجال السياسة والاقتصاد الفلسطينيين
بقلم: أحمد خليل عن الوطن السورية
يواجه المفاوضون «السياسيون» الذين لم ينهكهم التفاوض بلا نتيجة منذ حوالي عقدين من الزمن، طريقا مسدودا في حين يحقق «تجار السلام»، بعيدا عن الأضواء، إنجازات في «الشراكة» والتطبيع مع نظرائهم في دولة الاحتلال ليست مشروطة بإنهاء الاحتلال.
فالتبادل التجاري بين دولة الاحتلال وبين الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة قد تضخم ليتجاوز ما يزيد على أربعة مليارات دولار أميركي سنويا، وهذا يجعل الضفة والقطاع معا ثاني أكبر «شريك» اقتصادي لدولة الاحتلال بعد الولايات المتحدة، وبناء عليه قرر الجانبان افتتاح مركز للتحكيم التجاري الإسرائيلي - الفلسطيني في القدس المحتلة كـ«مشروع مشترك» في شهر نوفمبر القادم .
هذا التوجه لـ «تجار السلام» لا يتعارض بل يتكامل ويتبادل الدعم مع استراتيجية المفاوضين السياسيين التي توفر لهم الغطاء السياسي، لكنه بالتأكيد توجه يتناقض بل يكاد يتصادم مع التوجه الشعبي والوطني العام.
بحجة أنهم يبنون مؤسسات بنى تحتية تحت الاحتلال لـ «دولة فلسطين» المأمولة، في تساوق مع الجهود التي بذلها رئيس وزراء حكومة تسيير الأعمال في رام الله، د. سلام فياض، خلال السنوات القليلة الماضية، وفي تقاطع مع المساعي الجديدة لوزير الخارجية الأميركي جون كيري لـ «التنمية الاقتصادية الفلسطينية»، يتحول «السلام التجاري» الذي يمارسونه عمليا على الأرض، إلى نسخة فلسطينية من مشروع «السلام الاقتصادي» الذي يتبناه رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتانياهو.

65 عاماً على النكبة والعدوان مستمر
بقلم: يوسف مكي عن الخليج الاماراتية
يصادف الخامس عشر من هذا الشهر مرور خمسة وستين عاماً على اغتصاب فلسطين، وإعلان الصهاينة قيام كيانهم الغاصب . والنكبة هي النتيجة الطبيعية لفشل الجيوش العربية، في هزيمة العصابات الصهيونية، بسبب غياب مستلزمات المواجهة، وفي مقدمها التنسيق بين القيادات العسكرية . فقد أعلن العرب الحرب على “إسرائيل” بعد رفضهم قرار التقسيم، الصادر عن الأمم المتحدة، رقم 188 في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني ،1947 الذي قضى بتقسيم فلسطين، مناصفة بين اليهود والعرب، ووضع مدينة القدس تحت إشراف دولي .
استند الرفض العربي لقرار التقسيم، إلى أسباب قومية وسياسية وديموغرافية . فقرار التقسيم هو استكمال لوعد بلفور عام 1917م، وبموجبه وعد اليهود بإقامة وطن قومي لهم على أرض فلسطين، بتجاهل مطلق لحقوق السكان الأصليين . وتزامن هذا الوعد مع اتفاقية سايكس -بيكو التي قسمت مشرق الوطن العربي، ووضعته تحت هيمنة بريطانيا وفرنسا . وهذا المشروع في حقيقته استكمال لاتفاقية سايكس- بيكو التي هدفت إلى تفتيت المشرق العربي .
إن مشروع التقسيم، يفصل مشرق الوطن عن مغربه، ورفضه يأتي ضمن سياقات حركة التحرر الوطني، الرافضة للاستعمار الاستيطاني الأوروبي، ممثلاً في الصهاينة، على الأرض العربية . يضاف إلى ذلك، أن مشروع التقسيم، لم يضع في الاعتبار، أن العرب وجدوا على أرض فلسطين، في حلقات متصلة وممتدة، لما يربو على ألفي عام، وأن اليهود المدونة أسماؤهم في سجلات الانتداب البريطاني، كسكان لفلسطين، لحين انتهاء الانتداب لم يتجاوز تعدادهم السبعة في المائة من السكان، وهذا هو ظلم آخر بحق العرب . لقد وجدت القيادات العربية في قرار التقسيم ظلماً فادحاً، تجاه الحقوق الفلسطينية، وقررت الدخول في مواجهة عسكرية، مع المهاجرين اليهود بهدف استعادة فلسطين، وإيقاف المجازر التي يرتكبونها بحق المدنيين العزل .
إثر انتهاء الحرب، بهزيمة مروعة للجيوش العربية . سئل المفكر العربي، ساطع الحصري، عن أسباب هزيمة الجيوش العربية في مواجهة الصهاينة، مع أنها سبعة جيوش . فأجاب المفكر العربي الحصري، لقد هزموا لأنهم سبعة جيوش . بمعنى أن الجيوش العربية لم تكن موحدة . لقد دخلت الحرب بنية مناصرة الأشقاء، لكنها لم تمتلك رؤية استراتيجية موحدة، فكانت النتيجة، استيلاء الصهاينة على قرابة 80 في المئة من فلسطين التاريخية، بتجاوز لقرار التقسيم الذي أشرنا له، وتشريد قرابة سبعمئة ألف فلسطيني، صودرت بيوتهم وممتلكاتهم، وعاشوا بقية حياتهم في مخيمات أقيمت لهم في البلدان العربية المجاورة .
منذ ذلك التاريخ، برزت معادلة صارمة، خلاصتها أن العرب ينتصرون على أعدائهم، عندما يتحقق لهم حد مقبول من التكامل والتنسيق والإرادة، ويهزمون حين يستغرقون قوتهم في صراعات مع بعضهم بعضاً .
بعد ثماني سنوات، من تأسيس الكيان الغاصب، وتحديداً عام 1956م، حدث العدوان الثلاثي: البريطاني- الفرنسي - “الإسرائيلي” الغاشم، على مصر . وغمرت المنطقة العربية، حالة غير معهودة من النهوض . فتحت السعودية مطاراتها، لاستقبال الطائرات العسكرية والمدنية المصرية، التي جثمت فوق مطاراتها لحين انتهاء العدوان . وساندت سوريا، ووقف الشعب العربي بأسره مع أرض الكنانة . واستشهد الطيار السوري جول جمّال، وهو يدافع عن الكرامة العربية . وأسهمت حقائق إقليمية ودولية في دعم صمود شعب مصر، في مقدمتها استعار الحرب الباردة بين الشرق والغرب . وانتهت الحرب بالخيبة وفشل مشروع العدوان .
وفي الستينات من القرن المنصرم، عاش المشرق العربي انقسامات وصراعات سياسية كبيرة . وبدلاً من التصدي للعدو المشترك للأمة، استهلكت قوانا في صراعات داخلية، وتاهت بوصلتنا التي يفترض أن تتحسب لغدر العدو، الذي لم يتردد مطلقاً في الإفصاح عن نوازعه، حيث السطو آنذاك على مياه نهر الأردن وتحويلها إلى صحراء النقب . فكانت نكسة يونيو/ حزيران ،1967 التي نتج عنها تضخم “إسرائيل” إلى أكثر من ثلاث مرات من حجمها، بعد تمكنها من بلع شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة ومدينة القدس الشرقية والضفة الغربية وهضبة الجولان .
كان مؤتمر القمة العربي بالخرطوم، قد انتهى ببرنامج سياسي وعسكري لإزالة آثار عدوان يونيو/ حزيران تعهدت دول النفط، بتقديم مبالغ سخية، إلى أن تتمكن الأقطار العربية، من استرجاع أراضيها . ورغم مرارة النكسة، فإن قرارات قمة الخرطوم، التي حملت لاءات ثلاث: لا مفاوضات ولا صلح ولا اعتراف، قد جعلت الموقف السياسي العربي، متماسكاً ومؤثراً، مؤكدة مقولة أن ما أخذ بالقوة لا يسترجع بغير القوة .
وتكرر الموقف التضامني في محطات أخرى من الصراع مع الصهاينة، مؤكداً المعادلة التي أشرنا لها . ولعل الأبرز فيها، هو المزاوجة في حرب أكتوبر 1973م، بين السلاح والاقتصاد والسياسة، حيث استخدم النفط العربي لدعم المعركة . لقد قهر العرب من خلال رسم الاستراتيجية الصحيحة، خرافة الجيش “الإسرائيلي” الذي لا يقهر . لقد انتصر السلاح، وتأكدت عزيمة الجيوش العربية في استخدامه، بجرأة وشجاعة واستعداد للتضحية، لكن السياسة لم تكن قد تهيأت لاستثمار ذلك، فكان انتصار السلاح وفشل السياسة.
وبالنسبة إلى الصهاينة، فإن نوازعهم التوسعية والعدوانية، تجاه الأقطار العربية، لم تتوقف أبداً . توسعت أذرع العدوان لتطال بلدانا عربية جديدة، شملت تونس والعراق والسودان . لم تحل اتفاقيات كامب ديفيد دون غزو بيروت . وحين وقع الرئيس عرفات، اتفاقية أوسلو عام ،1993 حسبت منظمة التحرير الفلسطينية أن مرحلة جديدة من السلام بالمنطقة في طريقها للانبثاق، لكن عرفات نفسه، انتهى به المطاف سجيناً في مقره الرئاسي برام الله، لينهي حياته مسموماً، على يد “الإسرائيليين” .
ويتمادى الصهاينة، مرة أخرى، في عدوانهم غير آبهين باتفاقيات وقف إطلاق النار، ومعظمها جرت بوساطة ورعاية دولية، وبقرارات أممية . فاعتداءاتهم على الضفة الغربية، يعجز هذا الحديث عن الإحاطة بتفاصيلها . وبالمثل هناك اعتداءات متكررة على قطاع غزة، أما لبنان فإن طائرات العدوان لا تتوقف يوماً عن التحليق فوق سمائه، خارقة مجاله الجوي، وضاربة بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق .
العدوان “الإسرائيلي” الأخير، على سوريا يأتي ضمن نهج عدواني مستمر، فهذا العدوان هو في كل الأحوال انتهاك خطر لسيادة دولة عربية . وما لم يتم التصدي لهذه العربدة، فإن الصهاينة سيواصلون اعتداءاتهم، غير آبهين بالمواثيق والأعراف الدولية وقرارات الأمم المتحدة . فليس من سبيل لوقف هذه العربدة، سوى موقف عربي شجاع لمواجهة العدوان . وقديماً قال أهلنا في مأثور ما قالوا “ما حك جلدك مثل ظفرك” .

الحكومة الإسرائيلية الجديدة.. هل من جديد؟
بقلم: باسل غطاس عن المدينة السعودية
لم تأت الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة بجديد في تركيب الخارطة السياسية ومواقفها من قضية الصراع في المنطقة وامكانيات الوصول إلى حل سلمي من خلال المفاوضات. فقد بقي لليمين أكثرية مطلقة وعاد نتانياهو لرئاسة الحكومة الاسرائيلية معتمدا على 68 عضوا (من 120 عدد أعضاء البرلمان الاسرائيلي).
وجاءت تركيبة الحكومة بائتلاف استثنى الأحزاب الدينية المتزمتة (الحرديم) وظهور تحالف غريب بين حزب يائير لبيد الجديد يش عتيد وحزب البيت اليهودي بقيادة نفتالي بينيت الذي أعاد توحيد قوى اليمين الصهيوني المتدين (حزب المفدال التاريخي). لم يتوقع أحد أن يصمد هذا التحالف المفاجئ طيلة فترة المفاوضات وهو المسؤول عن إقصاء الأحزاب الدينية المتزمتة وكسر رغبة نتانياهو المستميتة لضم الأحزاب الدينية وضرب التحالف الجديد وتفسيخه, فهل هذا تحالف انتهازي لفترة تشكيل الحكومة أم أنه يحمل مقومات للبقاء لفترة أطول. من الواضح أنه على الأقل يشكل تقاربا بين أوساط اليهود العلمانيين من المدن والمراكز السكانية الكبرى (الطبقة الوسطى والأزواج الشابة) وبين اليهود الصهيونيين المتدينين والذين سيطر عليهم المستوطنون في السنوات الأخيرة وأصبحو من أكثر الفئات عنصرية ويمينية.
هذا التقارب يرجع إلى عاملين هامين: الأول والأهم حاليا هو تقبل المجتمع الاسرائيلي للمستوطنين وعودتهم إلى دائرة المجتمع الشرعية بعد أن كانوا لعقود يلعبون دور الأزعر أو كاوبوي الحارة ومن ينفذ نيابة عن المجتمع الاسرائيلي بأسره جرائم الاحتلال وينظر اليهم على أنهم الإبن المشاكس. وبلا شك هناك داخل أوساط اليمين الصهيوني المتدين أيضا نزعة للابتعاد عن تلك الصورة والعودة إلى حضن الاجماع الصهيوني الدافئ خاصة أن هذا الإجماع هو الذي انزاح باتجاههم وليس العكس.
تركيبة الحكومة الجديدة جاءت لتعكس أسوأ سيناريو حتى ضمن النتائج المعروفة للانتخابات حيث يسيطر أسوأ ممثلي اليمين واليمين الاستيطاني على المواقع الرئيسية التي تؤثر على الاستيطان وعلى التهويد في القدس وغيرها : وزارة الأمن وزارة الاسكان ووزارة الصناعة والتجارة ولجنة المالية في الكنيست.
لا يغير من هذه الحقيقة شيئا تعيين تسيبي ليفني مسؤولة عن المفاوضات وحتى الدور المجمل للصورة ستفشل في تأديته حيث «ماذا تفعل الماشطة في الشعر العكش» خاصة وأن الماشطة نفسها لا تختلف عن الليكود ونتانياهو في الجوهر وانما فقط بالاسلوب. فليفني تسوق نفسها على أنها تستطيع المراوغة أفضل وإظهار إسرائيل وكأنها أقل تعنتا أو كأنها تعرض تنازلات أكثر كما وأن بوسعها نسج علاقات ثقة مع الجانب الفلسطيني وتعتقد جادة أن موضوع الصراع هو موضوع مفاوضات ومشاهد وصور وابتسامات أمام الكاميرا. ولا ننسى اصلا أنها لم تحصل إلا على ستة مقاعد فلا قوة تأثير كبيرة لديها. حزب يش عتيد ظل مخلصا لنهجه فابتعد عن الوزارات ذات الصلة المباشرة في الصراع وأخذ وزارات التي تعنى بالشأن الداخلي فقط.
من ناحية أخرى من المهم أن نلاحظ أن هناك أزمة اقتصادية على الأبواب ستجبر الحكومة على تقليص أكثر من 30 مليار شيكل في الميزانية مما يعني بالمس بالطبقات الفقيرة والوسطى مسا جديا وكذلك توجد معارضة قوية عدديا تملك 52 عضوا لكنها معارضة بقيادة حزب العمل لا تعرض بديلا سياسيا واضحا ومثابرا ولا تحاول أن تتميز عن الليكود ولا أن تطرح بديلا في القضية المركزية قضية الصراع والحل السلمي وانما التركيز على الجوانب الاقتصادية الداخلية ناهيك أن جزءا أساسيا من المعارضة يضم سبعة عشر نائبا من الأحزاب الدينية يسعون جاهدين للعودة للحكومة بكل ثمن. عليه لست شريكا في التقديرات المنتشرة أن عمر هذه الحكومة سيكون قصيرا ولا أرى ما سيزعزع استقرارها في المستقبل القريب. ولا أقترح على أحد التعويل على تغيير قريب في إسرائيل أو على إمكانية حدوث انطلاق أو إنفراج في ما يسمى تجاوزا عملية السلام.
ألأوراق الوحيدة التي يعول عليها هي تلك التي نملكها نحن (الفلسطينيون والعرب ) ولا نحسن أو لا نريد إستخدامها إبتداء باستعادة الوحدة الفلسطينية والتخلص من الآثار الكارثية للإنشقاق على الساحة الفلسطينية ووقف التعاون الأمني والتخلص عمليا ولو تدريجيا من ممارسات أوسلو والاتفاق على استراتيجية مقاومة مدنية وشعبية شاملة وفي نفس الوقت تعزيز قدرات الشعب الفلسطيني على الصمود خاصة في المناطق المتعرضة للتهويد والمصادرة والاقتلاع مثل القدس وسائر المدن الفلسطينية في الداخل خاصة عكا ويافا ومنطقة النقب التي تتعرض هذه الأيام لمحاولة مصادرة أكثر من نصف مليون دونم من أصحابها العرب البدو سكان المنطقة.
نعم هذه هي الطريق التي علينا سلوكها غير مستوحشين لصعوبتها أو لطولها أو لقلة سالكيها ومن العبث برأيي المراهنة على أي طريق أخرى.

الرئيس وإدارة أزمة الجنود المختطفين
بقلم: حسن نافعة عن المصري اليوم
يواجه الدكتور مرسى اختباراً فى غاية الصعوبة منذ اللحظة التى أقدمت فيها جماعة إرهابية مسلحة، يعتقد أنها تنتمى لإحدى فصائل «الجهاد الإسلامى»، على اختطاف عدد من الجنود المصريين العاملين فى سيناء. فقد فجرت هذه الجريمة أزمة كبرى بات عليه أن يثبت أنه يديرها بمنطق رجل الدولة المسؤول عن أمن الوطن، وليس بمنطق عضو مكتب الإرشاد فى جماعة مشكوك فى تعاطفها مع الخاطفين، على الأقل بسبب انتمائها الفكرى والسياسى لنفس «التيار».
لو كان الدكتور مرسى حريصاً حقاً على التصرف فى هذه الأزمة كرجل دولة لقام على الفور بعقد مؤتمر صحفى، وأعلن إدانته لجريمة اختطاف الجنود بشكل قاطع لا يحتمل أى لبس، ولطالب المختطفين بالإفراج عن الرهائن فوراً دون قيد أو شرط، ولعبر عن إصراره على ترك الخيارات كافة مفتوحة، بما فى ذلك إمكانية استخدام القوة لتحرير الرهائن إن لزم الأمر. ولأن تصرفاته عقب وقوع الجريمة البشعة لم تكن بمثل هذا الوضوح والحسم، فقد أعطى الدكتور مرسى انطباعاً عاماً لدى كثيرين بأنه يدير الأزمة بقلب عضو مكتب الإرشاد المتعاطف، وليس بعقل رئيس الدولة المسؤول عن أمن الوطن وكرامة مواطنيه. دليلنا على ذلك ما يلى:
١- صدور تصريحات منسوبة إلى الرئيس تؤكد «حرصه على دماء جميع المصريين خاطفين ومخطوفين»، هكذا دون تمييز بين المجرمين والضحايا.
٢- الإعلان عن قيام أحد مساعديه بالتوجه إلى سيناء لإجراء مفاوضات مع الخاطفين، أو مع شخصيات قريبة منهم، دون أن يكون واضحاً ما إذا كانت هذه الخطوة قد تمت بالتنسيق وبعد التشاور مع الجيش والأجهزة الأمنية. لكنها تركت فى جميع الأحوال انطباعاً عاماً بأن الرئيس يتبنى موقفاً أكثر ليونة تجاه الخاطفين، ويضع العراقيل أمام المحاولات الرامية للتعامل معهم بحسم.
٣- قيامه بدعوة عدد من الشخصيات العامة إلى لقاء لمناقشة الأزمة، وصف من جديد بأنه «حوار وطنى»، فى خطوة عكست ارتباكاً وعجزاً فى مواجهة أزمة محدودة النطاق، بأكثر مما عكست توافر نية حقيقية لحوار يخرج الوطن من أزمته السياسية الكبرى. ولأن الحضور اقتصر على شخصيات «أليفة وحليفة»، فقد كرس هذا اللقاء انطباعاً عاماً لدى كثيرين بأن جماعة الإخوان لاتزال تناور وتحاول توظيف قضايا لا تحتمل المناورة والتوظيف لتحقيق مصالح خاصة، وبالتالى لاتزال مستمرة فى العبث بأمن الوطن.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الدكتور مرسى كان قد اتخذ قراراً فور وصوله للسلطة، وصف وقتها بالشجاع من جانب البعض، بالإفراج عن عدد كبير من المحكوم عليهم فى قضايا سياسية، بما فى ذلك قضايا الإرهاب. بل تردد أن الإفراج أو العفو شمل عناصر قيل إنها على صلة بتنظيم القاعدة، الذى تروج إسرائيل هذه الأيام أنه يقوم بتشكيل فرع له فى سيناء، دون أن يكون واضحاً ما إذا كان جميع المفرج عنهم قد التزموا سلفاً بعدم اللجوء إلى العنف مجدداً، أو وضعوا تحت رقابة الأجهزة الأمنية.
وأياً ما كان الأمر، فلا جدال فى أن شريط الفيديو الذى سربته الجماعة الخاطفة، وظهر فيه الجنود المخطوفون وهم يتوسلون للدكتور مرسى كى يستجيب لمطالب الخاطفين، صادم لكل المصريين. ولأنه شريط يذكرهم بأيام الهزيمة فى ٦٧، فقد وقر فى يقين أغلبية المصريين أنهم يشهدون تحت حكم الدكتور مرسى حالياً، وبعد أكثر من عامين على ثورة يناير المجيدة، أياماً أسوأ من تلك التى عاشوها عقب هزيمة ٦٧. وإذا كان شعب مصر قد أحس بالانكسار حين وقع جنوده أسرى حرب فى يد العدو الإسرائيلى، فإنه سرعان ما استعاد كرامته وثقته بنفسه بعد أن كال لنفس العدو المغرور الصاع صاعين عام ١٩٧٣. أما اليوم فإحساسه بالمهانة يفوق إحساسه بالانكسار، وهى مهانة لن يمحوها إلا عبور من نوع جديد. فمتى يأتى ذلك اليوم؟

الأمير الخائب
بقلم: رشا عيسى عن تشرين السورية
عاد حاكم قطر ينظّر في الأزمة السورية، يريد من المجتمع الدولي التحرك سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإرهابيين على الأرض، ربما آلمه مشهد الآلية العسكرية الإسرائيلية وهي تحترق على الأرض السورية فأراد الانتقام، لم يقلها صراحة، بل توسل الدول التي لم يسمها بوضوح لكي تتحرك لبذل المزيد في إطار استهداف سورية، أمير محمية الشر أمسك لغة التآمر في ملتقى الدوحة المخصص بنسخته الجديدة لنشر مبادئ التآمر في المنطقة، وأراد تأجيج نيران الحرب على سورية بأي طريقة ولو كلفه الأمر بيع آبار الغاز بالجملة.
يتاجر حمد بالدماء السورية، يحاول عرقلة أي مبادرة للحل، فورته الأخيرة طبيعية فخسارته ليست بالأمر السهل، ومستوى ذكائه السياسي، شبه المعدوم لم يجعله يفكر بالأمر جيداً، فقد كان الأداة القوية للمستعمرين الجدد وبنك الأموال للإرهابيين، والمستضيف الجيد «للمعارضين» ممن يتخذون من مكاتب الدوحة مركزاً للانطلاق، وأبقى القضية الفلسطينية على الرف، واستخدمها لضرب سورية في بعض الأحيان، وأمّن لـ«إسرائيل» جبهة نظيفة من مبادئ المقاومة الحقيقية بخطف قيادة حماس برغبتهم طبعاً إلى الدوحة، وكل هذا لشراء مكانة فاعلة على مستوى المنطقة والعالم، حلمه لايزال من المستحيل تحقيقه لأن دوره ينحصر بقترة محددة، وقد بدأ الآن العد التنازلي لنهايتها، رغم أن المفاجآت قد تظل قائمة، لكن الأخطر تم تجاوزه.
ما دفع حمد اليوم إلى تكثيف الهجوم على سورية ومحاولة العودة بالأزمة إلى لحظة إشعالها، حصول تفاهمات روسية_ أميركية، وانكفاء الأوربيين وفي مقدمتهم فرنسا إلى الوراء، وسكوت الخليجيين المتخوفين على مشيخاتهم من ظل كبير قد يخيم عليهم، والانهزام الكبير للإرهابيين على الأرض، وظهور محور المقاومة بالمنطقة بصورته القوية الضاربة، وانفضاح دور «الثوار» فهم أصدقاء العدو الإسرائيلي وأداته لتدمير سورية.
بعد أكثر من سنتين على اندلاع الأزمة، على حمد إعادة التقاط الأنفاس_ إن كان قادراً_ فالجبهة التي ظن أنه يوازيها حجماً أعادته لحجمه الطبيعي، وانتقلت نحو خطط دفاعية واحتوائية أكثر فعالية، بالإضافة إلى الخطط الهجومية التي بدأت تؤتي ثمارها، وثمة مؤشرات على تطورات من النوع الذي يفرض على الفريق الآخر القلق أكثر من السابق.
كذلك هناك معطيات حقيقية تشير إلى أن الأزمة في سورية التي أربكت هذا المحور المعادي، ستعيد الحسابات إلى أرقامها الصحيحة قريباً.

السياسة التركية بين ظاهرتين متناقضتين
بقلم: جهاد الزين عن النهار البيروتية
الانطباعات المتولّدة عن بعض الأحاديث مع أتراك ناشطين في الشأن العام تجمعك بهم مناسبة مهنية، والمقالات الوفيرة في الصحافة التركية تؤكّد أن الأزمة السورية بدأت تثير قلقا عميقا لدى النخب التركية، السياسية والإعلامية، لا سيما بعد التفجير الإرهابي في الريحانيّة. وهناك من يُخبِر عن "أحداث مقلقة" لا يُعلَن عنها.
لا تخطئ العين في مطار اسطنبول: حشود من المسافرين ليلاً نهاراً، ليس فقط أفواجاً لا تنقطع من السواح بل أيضا وحدانٌ و زرافاتٌ من رجال الأعمال ومندوبي الشركات على ما تُظهِر اليافطاتُ التي يحملها مندوبو وسائقو سيارات الاستقبال الواقفون عند مخرج قاعة تفتيش الجمارك.
حيويّة هائلة وأزمات سير خانقة هما دائما سِمَتا اسطنبول عاصمة الاقتصاد الـ 16 في العالم كما أعاد التذكير بذلك رئيس الوزراء رجب طيّب أردوغان خلال زيارته إلى واشنطن في النصف الثاني من الأسبوع المنصرم وبرفقته تسعون رجل أعمال تركياً اصطحبهم معه لاحقا إلى "سليكون فالي" في كاليفورنيا عاصمة ثورة الاتصالات الأولى في العالم وإلى مقر شركة "مايكروسوفت" تحديدا. لكن أردوغان وضع هذه المرة ترتيباً إضافيا للاقتصاد التركي هو أنه الاقتصاد السادس في أوروبا وهذا له معنى في زمن تأزّم حادٍ في العديد من اقتصادات دولها. كما أنه أيضا في الملف الاقتصادي اشتكى علناً من خلل كبير في الميزان التجاري بين تركيا والولايات المتحدة لصالح الأخيرة. والحجم الإجمالي الحالي للمبادلات التجارية بين البلدين يبلغ عشرين مليار دولار.
لكن وبسبب "هيمنة" الملف السوري على الجزء السياسي من المباحثات مع الرئيس باراك أوباما وكبار مساعديه يمكن القول بدون مبالغة أنه في الجزء السياسي غير الاقتصادي من زيارته شكّل رجب طيّب أردوغان "وفدا سورياً" وفي المقدمة وزير خارجيته أحمد داود أوغلو المنخرط منذ البداية في ملف الصراع السوري وشخصية أمنية هامة بعدما باتت المهمات "السورية" للاستخبارات التركية كبيرة منذ بدأت الثورة المتحوّلة إلى حرب أهلية و تزايدت هذه المهمات بعد "امتداد" الأزمة بشكلٍ خطر إلى داخل تركيا إثر تفجير الريحانية البلدة التركية القريبة من محافظة إدلب وذات الكثافة السكانية السُنّية داخل محافظة هاتاي(لواء اسكندرون) مقارنةً ببلدات أخرى ذات كثافة علوية في تلك المنطقة الواقعة جنوب غرب تركيا. بينما ضمّ الطاقم الاقتصادي وزيري الاقتصاد وشؤون الاتحاد الأوروبي وانضم إليه لاحقا نائب رئيس الوزراء الذي مثّل أردوغان في زيارة قام بها للداعية الإسلامي التركي البارز فتح الله غولن المقيم في بنسلفانيا والذي يعتبر اليوم إحدى أهم الشخصيات التركية المؤثرة في سيطرة "الإسلاميين" على صناديق الاقتراع في الانتخابات التركية والذي يرعى شبكة عالمية من المدارس يبلغ عددُها خمسماية مدرسةٍ داخل وخارج تركيا من إفريقيا إلى آسيا الوسطى إلى أوروبا وأميركا.
أتردّد على تركيا بشكلٍ شبه دوري منذ العام 1992 (وقبلها زيارة لأنطاكيا – اسكندرون عام 1974 ). الصورة الفوتوغرافية والتماثيل الثابتة التي تجدها أينما كان في تركيا وبأشكال مختلفة هي صور وتماثيل مصطفى كمال أتاتورك مؤسِّس الجمهورية. وإلى جانبها كان يمكن أن تشاهد صورة بالصدفة هنا أوهناك لزعيم سياسي ومسؤول كبير وبشكل محدود(ما عدا فترات الانتخابات التي تغلب عليها "فوضى" الصور). لكن هذه هي المرة الأولى التي ألاحظ فيها أنه باستثناء صور أتاتورك ترتفع بشكل غير تقليدي صور زعيم سياسي أو رئيس وزراء في الشوارع وفي محلات تجارية صغيرة وكبيرة هي صور رجب طيّب أردوغان. أكرّر: ليس بكثافة صور أتاتورك وإنما أيضا تنتشر صورة أردوغان بشكلٍ غير مسبوق لا يوحي بأنه مفتعل كليا ولو كان بعضه منظّما طبعاً من الجهاز الدعائي لـــِ"حزب العدالة والتنمية" (akp). هذا المشهد الشارعي "الأردوغاني" لا أعرف إذا كانت له سابقة في عقود ما قبل التسعينات لشخصيات قيادية مرّت على الساحة والسلطة السياسيّتين كعصمت إينونو (وريث أتاتورك) وعدنان مندريس رئيس وزراء الخمسينات الشهير ولاحقا بولند أجاويد في السبعينات أو تورغوت أوزال في النصف الثاني من الثمانينات.
شيء ما يصبح "تأسيسيا" في صورة رجب طيّب أردوغان ربما لأنه بات فعلا أول من قاد نقل تركيا إلى "الجمهورية الثانية" بسيطرة مدنية (ذات لون ديني) على السياسة وبدون الوصاية السياسية للجيش. أو هو في طور استكمال الانتقال الدستوري.
لكن بالمقابل لا تخطئ العين القارئة للصحافة التركية والانطباعات المتولّدة عن بعض الأحاديث مع أتراك ناشطين في الشأن العام تجمعك بهم مناسبة مهنية (وكنتُ في اسطنبول مدعوّاً إلى ندوة تلفزيونية على قناة "التركية" الناطقة بالعربية ضمن برنامج "لقاءات تركية") أن الأزمة السورية بدأت تثير قلقا عميقا لدى النخب التركية ولاسيما السياسية والإعلامية. وهناك من يؤكّد وجود ما يسمّيه "أحداث مقلقة" لا يُعلن عنها. وبعض المعلّقين في الصحافة ومراكز الأبحاث يتحدثون عن مأزق تركي بل عن مجازفة تركية في الموضوع السوري حتى أن أحدهم دعا في مقال له الرئيس الأميركي أوباما إلى "إنقاذ تركيا" عبر مساعدتها على التوصل إلى مخرج للمسألة السورية. وقد تحوّلت عملية الريحانية الإرهابية إلى منعطف في النقاش حول الدور التركي في سوريا وصارت المخاوف في الصحافة التركية أكثر تعبيرا عن نفسها.
المعضلة الحالية في السياسة التركية كما أراها كمراقب هي أن هذه السياسة تشهد ظاهرتين متناقضتين. الأولى دينامية داخلية بقيادة ناجحة لـ "حزب العدالة والتنمية" بقيادة رجب طيّب أردوغان بلغت ذروتها الآن في "مسار السلام" (كما يسمّونه في تركيا) الذي انفتحت آفاقُه العملية مع الأكراد فيما يبدو مسار تثبيت الحكم المدني راسخا. أما الظاهرة الثانية فهي بروز معالم تخبّط جدية في السياسة التركية في سوريا إلى حد أن التباين مع السياسة الأميركية في هذا الموضوع سيطر على جدول أعمال مفاوضات أردوغان في واشنطن. والأصوات الناقدة هنا تعتبر أن مصدر الخطأ هو الرهان المتسرّع على سقوط سريع للنظام السوري ورئيسه بشار الأسد. وملفّا العلاقات مع دمشق وبغداد يترابطان في النقاش العام الدائر في تركيا على أكثر من مستوى منها لدى بعض السياسيين والصحافيين وجود تركيا في قلب الصورة الطائفية للمنطقة كدولة "سُنّية" في مواجهة نظامين "شيعيّيْن".
هكذا لن يكون سهلا إقتناع-وإقناع- رجب طيّب أردوغان بإظهار مرونة حيال الحل السياسي للمسألة السورية بعد أن أصبح من المتشدّدين فيها إن لم يكن الأكثر تشددا(بعد قطر أو مثلها) إلى حد الدخول في مخاطر مواجهة إقليمية... لن يكون ممكنا ذلك في وقتٍ هو في أعلى مراحل إحساسه بالقوة الذاتية الداخلية. أي باختصار: المجازفة أوالضعف أو التخبط في السياسة الإقليمية لاسيما في سوريا والعراق تقابلهما القوة الأكثر رسوخا في الوضع الداخلي خصوصا إذا تقدّم الحلُّ مع أكراد تركيا. ومن المهم ملاحظة أن النظرة السائدة حاليا في أوساط "حزب العدالة والتنمية" هي اعتبار الموضوع الكردي داخل تركيا والعلاقة مع أكراد شمال العراق ووضع أكراد سوريا عناصر متكاملة في سلّة واحدة باتت ترتبط ببعضها البعض في ما أصبح بعض المعلّقين الأتراك يسمّيه رهانا أردوغانياً على حلف تركي كردي؟
كان مسؤول الملف العراقي الأول ومسؤول الملف السوري الأول في فريق الرئيس أوباما، وهما تباعا نائب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية جون كيري، في واجهة المحادثات مع أردوغان في واشنطن. كلاهما رغم حرارة العلاقة الشخصية مع أردوغان، والتي تجلّت في زيارات عائلية قام كلٌ منهما بها لرئيس الوزراء التركي، يمثلان سياسياً الخيار الآخر الذي تنتهجه الإدارة الأميركية في كل من العراق وسوريا. في سوريا مع تأكيد واشنطن على تفضيلها الحل السياسي بالتعاون مع موسكو ولو أنها تعلن رغبتها في إقصاء الرئيس بشار الأسد، وفي العراق في مسايرة واشنطن للمصالح الأميركية وخصوصاً النفطية مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي أصبح خصماً لأردوغان وبالتالي عدم مجاراة واشنطن للاندفاعة التركية وخصوصا النفطية مع حكومة إقليم كردستان العراق.
وفي وقت تستمر المصالح الاقتصادية التركية على ضخامتها مع إيران وروسيا لا سيما في مجال استيراد الغاز الذي تنزعج واشنطن من التسديد التركي لثمنه إلى طهران عبر سبائك الذهب لتلافي العقوبات الدولية على طهران... في هذا الوقت تتواصل "الحرب بالوكالة" بين أنقرة من جهة، وطهران وموسكو من جهة ثانية، حربٌ ضاريةٌ على الأرض السورية.
هذه الحرب، التي تقرِّر حاليا مصيرَ أهم حلقة في النفوذ الإيراني في العالم العربي، وصلت على الأرجح إلى درجة سيتقرّر على ضوء نتائجها المصير السياسي لرجب طيّب أردوغان وربما كل "حزب العدالة والتنمية".
الربيع العربي ... والتفكيك القومي
بقلم: مصطفى الفقي عن الحياة اللندنية
يحار المرء من تتابع الأحداث على الساحة العربية ويكاد يجد بينها خيطاً مشتركاً يتمثل في الاستهداف الشامل للوطن العربي كله من قلبه إلى أطرافه، فنحن أمام تحولاتٍ غير مسبوقة وتطوراتٍ غير متوقعة، إذ لا يمكن أن نتصور أن ما جرى منذ نهاية عام 2010 حتى الآن هو مجرد أحداث قطرية منعزلة أو ثورات شعبية متصلة. إننا نشعر أحياناً بأن هناك عقلاً واحداً يسيطر على ما يجري ويقوم بتوجيهه في مسارات قد لا تبرأ من روح التآمر ولا تخلو من دوافع خارجية وضغوط أجنبية تمكنت من وضع تصور مسبق لخريطة الدول العربية في محاولة لإعادتها إلى أوضاعها القديمة قبل ظهور الدولة الوطنية بتمزيقها من الداخل وتفتيت تلك الكيانات العربية بشكل يعطي الدولة العبرية اليد العليا في كل ما تقوم به وما تسعى إليه، ورغم أننا لا نؤمن بالتفسير التآمري لحركة التاريخ ومسار التطور إلا أننا نؤمن في الوقت ذاته بوجود المؤامرة في الحياة السياسية، ولعلنا نتذكر الآن نظرية «الفوضى الخلاقة» التي ابتدعتها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندوليزا رايس، وأيضاً نظرية الداهية الأميركي ذي الأصل الألماني اليهودي هنري كيسنجر، عندما تحدث منذ عقود عدة عن «نظرية الغموض البناء». إننا أمام أوضاعٍ جديدة توحي برسم خريطة مختلفة للمنطقة وتدعونا إلى مناقشة ذلك من خلال المحاور التالية:
أولاً: تحدث الناشط السياسي المصري اليساري كمال أحمد ذات يوم عن الدورة الشريرة لنظم الحكم في بعض الدول العربية والتي تتتابع فيها حلقات متتالية من الاستعمار الأجنبي والاستبداد الداخلي، إذ إن كلاًّ منهما يؤدي إلى الآخر، فالشعور بالقهر في الداخل يستدعي التدخل من الخارج بينما تؤدي السيطرة الأجنبية أيضاً إلى ظهور نظمٍ عسكرية أو فردية، أو حتى دينية تعتمد أسلوباً فاشياً يؤدي إلى نوع من الاستبداد السياسي مع غياب الديموقراطية واستئثار مجموعة بالحكم على حساب غيرها وهو ما يؤدي إلى الدخول في نفق مظلم اندفعت إليه بعض الدول العربية في ظل نظمٍ جاءت بعد ثورات شعبية جرى إجهاضها لمصلحة الفصيل السياسي الأفضل تنظيماً والأكثر جاهزية.
ثانياً: نظر العالم إلى أحداث «الربيع العربي»، وهذا التعبير صناعة غربية، باعتبارها محاولة جادة للخلاص من الاستبداد والفساد والدفع بالشعوب إلى الأمام في مشروع نهضوي يرضي طموح الأجيال الجديدة المتعطشة إلى الحريات السياسية والانفتاح الاجتماعي ومسايرة العصر بكل معطياته وتحدياته ومشكلاته، ولكن الرياح جاءت بغير ما اشتهت السفن ووقع بعض دول الربيع العربي في مستنقع المؤامرات الإقليمية والتدخلات الأجنبية فضلاً عن الأبخرة السامة المتصاعدة داخلياً بعد رفع الأغطية عن القدور المكتومة عدة عقود من الزمان فأظهرت شعوب الربيع العربي في بدايات ثوراتها أفضل ما لديها ثم أظهرت بعد ذلك أيضاً أسوأ ما لديها.
ثالثاً: لو أخذنا الحالة المصرية واحتمالاتها المختلفة كنموذج يؤكد محاولات استغلال أحداث الربيع العربي لتحقيق نوع من التفتيت الوطني والتفكيك القومي لوجدنا أن البدايات كانت إيجابية وتوحي بآمال كبيرة ولكن الذي حدث بعد ذلك هو أنها أخذت منحنيات مختلفة أدت إلى وضع لم يكن متوقعاً بالمرة، فلقد لاحظنا على سبيل المثال أن الثمانية عشر يوماً الأولى بعد الثورة كانت خالية تماماً من أحداث “التحرش”، وكانت العلاقة بين الشباب والشابات على مستوى راقٍ للغاية كما أن المجاملات بين المسلمين والمسيحيين في الميدان كانت هي الأخرى ظاهرة رائعة، حتى أن بعض المسيحيين كانوا يصبون مياه الوضوء لرفاق الثورة من المسلمين فاستبشرنا خيراً أيامها واعتبرنا أن ما حدث نقلة نوعية على الطريق الصحيح ولكن ما هي إلا أيام قليلة حتى عادت الأمور إلى سيرتها الأولى وواجهت مصر أحداثاً طائفية في منطقة الجيزة، من ضواحي القاهرة. وشاع التحرش الجنسي في شوارع المدن وسقطنا في بؤرة الانفلات الأمني والتدهور الأخلاقي مع تراجع هيبة الدولة ودخول الأفكار الخبيثة والاقتراحات الملتوية حتى أصبحت قناة السويس وسيناء وأرض النوبة وغيرها مساراً لأطماع وموضوعاً لمخططات تحاول النيل من الدولة المصرية العريقة وتقدم نموذجاً لتحول «الربيع العربي» إلى حالة من التفكيك القومي.
رابعاً: إن ما جرى في العراق من تقسيم واقعي على الأرض وتفكيك لمفاصل الدولة العراقية، يؤكد هو الآخر أن الاستهداف مستمر وأن محاولة القضاء على السيادة الوطنية والوحدة الإقليمية هي أمور جاهزة تنتشر بشدة في المنطقة وتفرض نفسها على كل الأطراف، كما أن استهداف الوطن العربي بمحاولات التمزيق ليست جديدة علينا ولا غريبة، فالذاكرة القومية لا تنسى “سايكس - بيكو” ولا وعد بلفور ولا الخديعة الكبرى للعرب عند انتهاء الحرب العالمية الأولى ولا الأطماع المستمرة في ثروات العرب الطبيعية والبشرية. إننا نريد أن ندرك أن ما جرى وما يجري هو جزء من تصور مسبق لإعادة صياغة الخريطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، فما إن فرغ الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية من تفكيك الاتحاد السوفياتي السابق وتفتيت شرق أوروبا إلا واتجه إلى النطاق الثاني وهو الشرق الأوسط الذي كانت تسميه الاستخبارات البريطانية من قبل باسم «الشرق الأدنى» حسب التعبير الذي صاغته وزارة المستعمرات البريطانية في مطلع القرن العشرين.
خامساً: إن ما يجري في سورية هو مقدمة واضحة لتمزيق ذلك القطر العربي المتميز والذي كان يمثل دائماً القاعدة القومية والركيزة الثابتة التي يستند إليها الجانب العربي في صراعه مع إسرائيل، ونحن إذ نأسى لحجم الدماء التي تدفقت على أرض الشام، فإننا نشعر بأنه لا عودة إلى الأوضاع التي كانت قائمة من قبل، إذ إن النزيف الذي جرى على أرض سورية يؤكد لكل ذي بصيرة أن تفتيت سورية، ومن بعدها لبنان، وربما الأردن، هو امتداد لمحاولات تفتيت العراق ومصر ودول أخرى في الوطن العربي. لذلك، فإننا لا نتردد في تأكيد المعنى الذي نشعر به وهو أن الوطن العربي مستهدف وأن أحداث الربيع العربي ليست خالصة البراءة ولكن بعضها يبدو أقرب إلى الحق الذي يراد به باطل، كما أن المحصلة حتى الآن لا تدعو إلى الارتياح بل تشعرنا بدرجة من القلق المشروع على مستقبل المنطقة التي أصبحت مرتعاً للصراعات ومركزاً للأطماع وهدفاً للضغوط الأجنبية في كل اتجاه.
سادساً: إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية الرابضة على الحدود الشرقية للوطن العربي يجب أن تكون إضافة إيجابية له وليست خصماً منه، ومع ذلك فالغرب يذكي الصراع بينها وبين العرب ويثير نعرات قومية تحت مسميات دينية هي أقرب إلى الماضي منها إلى الحاضر أو المستقبل، فإذا كان البريطانيون قد جاملوا أهل السنّة في العراق عام 1920، فإن الولايات المتحدة الأميركية قد حاولت هي الأخرى مجاملة الشيعة هناك منذ عام 2003، وكلا الاتجاهين مغلوط، فالفوارق بين الشيعة والسنّة من الناحية الدينية محدودة، فالقرآن واحد والنبي واحد والقبلة واحدة والشهادتان شرط مشترك فضلاً عن أن أركان الإسلام الخمس واحدة أيضاً ولكن الخلاف مصطنع لضرب وحدة المنطقة وتمزيق أوصالها ونحن نتمنى على الأشقاء في إيران أن يدركوا ما وراء السياسات الحالية في المنطقة وأن يعلموا أن الأمن القومي الإيراني مرتبط بالأمن القومي العربي خصوصاً في منطقة الخليج، وليدرك الجميع أننا أمام صياغة واعدة لمستقبل أفضل إذا ما اقتنع الإيرانيون والعرب أن الماضي وراءهم والمستقبل أمامهم و «الخليج الإسلامي» يربطهم.
سابعاً: إن الدولة التركية صاحبة الميراث الثقيل في حكم المنطقة تستأثر هي الأخرى بدرجة من التأثير والتأثر في الشمال الغربي للإقليم العربي مع الاحتفاظ بعلاقات شبه طبيعية مع إسرائيل وغزل سياسي مع معظم العرب ودغدغة مستمرة لمشاعر المسلمين على أنقاض الإرث العثماني الذي رحل منذ منتصف عشرينات القرن الماضي. ويجب ألا ننسى هنا أن الطموحات التركية تريد أن تستخدم العرب من خلال دور شرق أوسطي يمكن أن تتقدم به أنقرة كأوراق اعتماد لدى الاتحاد الأوروبي والغرب عموماً.
هذه قراءة موجزة لتأثير ثورات «الربيع العربي» في الوحدة الجغرافية والمنظور التاريخي للمنطقة، وسوف نكتشف أن الأحداث أكبر مما تصورنا وأخطر مما توهمنا وأن تفكيك الأقطار العربية وتقسيم دول المنطقة الذي هو مطلب إسرائيلي قديم وحلمٌ لم يتوقف هو الذي جعل الدولة الصهيونية تمد ذراعاً نحو الفرات والآخر في اتجاه منابع النيل، لأنها تدرك أن التحكم في المياه هو تحكم في الحياة. إن الوطن العربي الذي عانى تاريخياً لا يزال حتى الآن يعاني حضارياً وثقافياً، لأن المشروع النهضوي الذي يفكر فيه البعض يحتاج إلى أسس راسخة للتقدم والبناء، للديموقراطية والتنمية، للحاضر والمستقبل.