Haneen
2013-06-11, 12:14 PM
الاخوان المسلمين 55
3/6/2013
<tbody>
</tbody>
كيف صنعت أمريكا من الإخوان حكامًا لمصر ؟ «الحلقة الأولى»
معا برس
الخطوة الأولى: مكافآة الإخوان على انتهازيتهم
بينما كان شباب الثورة مستغرقين فى نضالاتهم ضد الاستبداد، كان شيئًا يُعد فى الخفاء فى أروقة الإدارة الأمريكية ومختبراتها البحثية لإجهاض الثورة المصرية وتنصيب الإخوان حكامًا على مصر، يضمنون المصالح الأمريكية فى المنطقة، ويحمون أمن إسرائيل. فى هذه الحلقات نكشف كيف حسم الأمريكيون منذ البداية قرار دعم الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة فى الأيام الأولى للثورة المصرية، وكيف وفرت مختبرات الأبحاث الأمريكية العاملة لدى وكالة الاستخبارات المركزية «CIA» الصيغة المناسبة للإخوان لتأسيس حزبهم، بما يتيح لهم التخلص من وعود تطبيق الشريعة، والتخلى عن معاداة إسرائيل، فى هذه الحلقات نفضح حقيقة الاتصالات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين، والضغوط الأمريكية التى مارسها البنتاجون والإدارة الأمريكية على المجلس العسكرى دعمًا للجماعة، وحقيقة تستر الإدارة الأمريكية على تفاصيل هروب مرسى من السجن، وأسرار استدعاء باترسون للسيطرة على مقاليد الأمور فى مصر، ودورها فى حماية نظام مرسى من الاحتجاجات التى اندلعت بعد إصداره الإعلان الدستورى المكمل.
قضية «اقتحام السجون المصرية» لم تناقش بشكل مفصل سوى بعد شهور من رحيل مبارك بينما كانت معلوماتها شبه كاملة فى أدراج الأمريكيين بعد وقوعها بساعات
نتنياهو كان على يقين بأن الإخوان سيشكلون دورًا هامًا فى حكم مصر القادم.. وشعر الأمريكيون أنفسهم بالحاجة إلى الدراسة بعيدا عن التكهنات الفاشلة التى أجراها باحثوهم فى السابق
الباحثون الأمريكيون تم تكليفهم بالإجابة على سؤال كيف ستكون علاقة الإخوان وإسرائيل؟
فى الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت مصر على موعد مع حراك شبابى ربما يغير ملامحها لعقود قادمة، هذا التحرك الذى لم يخلف ارتباكًا لدى مبارك ورجاله فحسب، بل خلف ارتباكًا واضحًا لدى الإدارة الأمريكية التى كانت ترى فى نظام مبارك حاميًّا لاستقرار المنطقة، وضامنًا لأمن إسرائيل تحديدا.. الآلاف من الشباب الذين اندفعوا إلى ميدان التحرير جعلوا وزيرة الخارجية الأمريكية ومساعديها ورجال سفارتها فى مصر يراقبون المشهد عن كثب، يجمعون أكبر قدر من المعلومات من خلال وكالات الأنباء، والمراسلين الأمريكيين فى ميدان التحرير، ومختبرات صناعة القرار، والعاملين لدى جهاز الاستخبارات المركزى (السى آى إيه)، وقد تفرغ المعنيون لتدارس التصريح الأنسب الذى يجب أن تطلقه الإدارة الأمريكية إزاء هذا الشأن المرتبك، واضعين فى الاعتبار أبعادًا عدة، بعد اتصالات أجروها بمعنيين من قطاعات مختلفة، من بينها تساؤل حول لمن الغلبة وأفكار أخرى حول سيناريو ماذا لو سقط مبارك. التقديرات أشارت فى هذا اليوم تحديدا إلى أن الأمر لم يكن يتجاوز حالة احتجاج غير مسبوقة من الوارد استيعابها فى النهاية، مع الأخذ فى الاعتبار ما جرى فى تونس.
فالخبراء الأمريكيون، وحتى هذه اللحظة، كانوا رافضين احتمالية أن يتكرر ما حدث فى تونس فى مصر، وفى هذا الشأن فقد قال ستيفن وولت، خبير السياسة الخارجية الأمريكى بجامعة هارفارد، الذى صاغ الحجج لهذا «يشير تاريخ الثورات العالمية إلى أن هذا النوع من الاندفاعات الثورية أمر نادر، بل إنه حتى فى حالة حدوث نوع من العدوى الثورية فإن وقعها يكون بطيئًا للغاية».
وفى ما بدا أنه مهلة تمنحها الإدارة الأمريكية لمبارك بمحاولة الخروج من مأزقه، أطلقت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون أول تصريحاتها الرسمية حول ما يحدث فى مصر مساء الخامس والعشرين من يناير، وفقًا لتقديرات الإدارة الأمريكة والمهلة الممنوحة لمبارك «أن الأمر سيتم استيعابه، وحكومة مصر مستقرة رغم الاحتجاجات»، وهو ما بدا دعمًا واضحًا لمبارك، وتأكيدا على إطلاق يده بالتصرف، غير أن خروج المتظاهرين بأعداد أكبر وإعلانهم الاعتصام بعد أن انسحبت الشرطة المصرية من المشهد فى الأيام التالية جعل الموقف يتغير، وبالتالى طريقة التعاطى معه. ومن على مكتبه الفخم وبين مساعديه الذين يملؤون غرفته، وقد ارتكنوا بجوار نافذة الغرفة تاركين الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مساحة الحديث مع نظيره المصرى المهدد، طلب أوباما من النظام المصرى ترك الفرصة لحرية التعبير وحق التظاهر فى مصر، وقد أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية عن تفاصيل تلك المكالمة، مشيرة إلى أن أوباما لم يهاجم النظام الحاكم بشكل مباشر، حيث إنه دعا إلى إصلاحات من خلال النظام، بنهاية اليوم الخامس للاحتجاج أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما يؤيد انتقال السلطة بشكل منظم فى مصر إلى حكومة تلبى طموحات الشعب المصرى، (راقب تعبير «حكومة» هنا). ثم قامت وزيرة الخارجية الأمريكية فى خطوة غير مسبوقة بالظهور فى 5 مقابلات متتالية فى برامج تليفزيونية صباحية، الواحدة تلو الأخرى للتعليق على الوضع فى مصر. وقد سئلت مرارا وتكرار أن تعلن عن تأييدها أو معارضتها للرئيس المصرى، إلا أنها تحاشت تمامًا الإجابة، وأكدت أن «الولايات المتحدة فى صف الشعب المصرى، ونريد مصر ديمقراطية تحترم حقوق شعبها». بنهاية اليوم الثامن كانت رسالة الرئيس الأمريكى باراك أوباما حاسمة ولا تحمل التأويل، وهى «أن انتقالًا منظمًا للسلطة يتعين أن يبدأ الآن»، أما روبرت جيبس، المتحدث باسم البيت الأبيض فقد أكد رسالة أعلى سلطة فى بلاده قائلا «التغيير يجب أن يبدأ الآن، وهذه الرسالة نقلها أوباما لمبارك خلال اتصالهما أمس بصراحة وصدق. يجب أن يبدأ التغيير والانتقال الآن». وهكذا فى خلال أيام قليلة تحول الدعم الأمريكى لمبارك إلى دعم لسيناريو ما بعد مبارك، بعد أن بدا من المشهد أن بقاء الرجل على كرسى الحكم صار مستحيلًا، وأن لجوءه إلى ما يمكن وصفه بإصلاحات هو أمر غير مقبول لدى المحتجين المصريين.
المتابع لتلك التصريحات بتفاصيل كلماتها المنتقاة وعلى ترتيبها السابق، يدرك أن الإدارة الأمريكية المعنية بمصالحها أعطت لمبارك مهلة كى يخرج من مأزقه، واضعة فى حساباتها كل الاحتمالات بما فى ذلك قدرة مبارك على استيعاب الحالة وتجاوزها، ثم ما لبثت أن حاولت الإمساك بالعصا من المنتصف، لكن النهاية التى بدت واضحة لنظامه أجبرت الأمريكيين على رفع أيديهم عن الرجل، بعد أن سمح لطنطاوى بالتدخل، ورحب الشعب بتدخل الجيش الذى صيغ بشكل درامى مؤثر أطلق فيه أحد قادة المجلس العسكرى التحية العسكرية للشهداء، لكن ما كان يجرى خلف الستار داخل أروقة الإدارة الأمريكية وبين دبلوماسيى سفارتها ومحليلها فى الخارجية والسى آى إيه فى مصر كان أمرًا شديد الارتباك حقًا. فهناك قضيتان فى أثناء الثمانية عشر يومًا، إضافة إلى مستجدات طارئة ويومية أصبحت محل التركيز، وما كلف به المحللون الأمريكيون المزودين للمخابرات الأمريكية بالمعلومات كان طلبًا بتحليل دقيق حول عدة أمور أبرزها «جماعة الإخوان المسلمين» و«اقتحام السجون المصرية» تلك القضية التى ربما لم تثر بشكل مفصل سوى بعد شهور من رحيل مبارك، بينما كانت معلوماتها شبه كاملة لدى الأمريكيين، وفى أدراج مكاتبهم بعد وقعها بساعات قليلة.
جماعة الإخوان المسلمين، التقى قيادتها بالأمريكيين قبل الثورة وربما بأعوام، فى أول بدء لاتصالات رسمية أمريكية إخوانية معلنة، أجريت تحت غطاء النقاش مع أعضاء البرلمان المصرى المستقلين (فى 2005 فاز 88 عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين بمقاعد البرلمان كمستقلين).
الأمريكان يتحسسون خطواتهم:
قبل الثورة كان الأمريكيون مهتمين حقًا بإدراك الحجم الحقيقى للإخوان المسلمين، فمبارك الذى أجرى تفهمًا ضمنيًّا مع تلك الجماعة استغل هذا الاتفاق للترويج الدائم للأمريكيين وترويعهم بأن بديله هو بديل إسلامى متشدد يهدد استقرار المنطقة، أما القوى السياسية المدنية الطامحة للتغيير فى مصر فلطالما أكدت أن الحجم الحقيقى للجماعة لا يزيد على نسبة التمثيل التى حازوها فى برلمان 2005. هذا ما وثقته وثائق «ويكليكس» فى أول تسريباتها قبل أعوام. لكن الأمر صار مختلفًا بعد الأيام الأولى من الثورة المصرية، والنظام أوشك على السقوط والهلع الإسرائيلى من قبل نتنياهو حول مستقبل بلاده المحفوف بمخاوف من الجماعة المتشددة كان مصدرًا للإلحاح المتوالى على الإدراة الأمريكية، فنتنياهو كان على يقين منذ اللحظات الأولى أن الإخوان سيشكلون دورًا هامًا فى حكم مصر القادم، وهنا شعر الأمريكيون نفسهم بالحاجة إلى الدراسة التفصيلية الدقيقة البعيدة عن التكهنات الفاشلة التى أجراها باحثوهم فى السابق، ووضعوا عليها رهانتهم التى لم تصدق حول مستقبل نظام مبارك وإصلاحاته البطيئة. ومن جديد وفى قوت قياسى أعيدت، ومن البداية صياغة التقارير الأمريكية من قبل محللى الإدارة حول الإخوان المسلمين، مدعومة بتاريخ الجماعة منذ أن تم تأسيسها انتهاءً بموقفها من الثورة المصرية، ومقدار مشاركتها فيها انتهاءً بنقطة غاية فى الأهمية هى النقطة المحورية، وهى كيف سيتعامل الإخوان المسلمون مع إسرائيل؟
فى الثالث من فبراير 2011، كتب كارى روسيفسكى ويكهام، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة إيمورى والمتخصص فى السياسة الخارجية وشؤون الشرق الأوسط تقريرا نشره على موقعه أحد مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة فى السياسة الخارجية وأرسل بالبريد الإلكترونى إلى أحد أهم مختبرات التفكير وصنع القرار فى تكساس بالولايات المتحدة، التى تقدم المعلومات لوكالة الاستخبارات المركزية، ودوائر صنع القرار بشكل دورى ودائم، التقرير جاء كتقدير موقف تحت عنوان «الإخوان المسلمين ما بعد مبارك- من هم وكيف سيشكلون مستقبل مصر»، التقرير كان يسهب فى الشرح حول ماهية الجماعة، وكأنه مرسل إلى شخص يسمع لأول مرة عن الإخوان المسلمين، كثير من التفاصيل، التى يبدو ربما ذكرها مملا، بداية من النشأة انتهاءً بلحظة الإرسال، لكن أهم ما برز فى التقرير هو تقدير كارى للجماعة قائلا: «الإخوان المسلمون يعلمون جيدا أن الانتقال السلس نحو الديمقراطية يحتاج إلى حكومة مقبولة لدى الجيش المصرى والغرب، لذلك فهم قد أشاروا إلى أنهم لا يريدون موقعًا فى تلك الحكومة تحديدا.. الإخوان المسلمون غاية فى الدهاء، والبراجماتية، شديدو الحذر من فقدان سمعة اكتسبوها بصعوبة بين المصريين، وشديدو الحذر من حدوث انقلاب عسكرى يسيطر على السلطة»، وختم كارى قائلا وموصيًّا «الجماعة أثبتت أنها قابلة للتطور، وأفضل وسيلة لتعزيز التزامها بالديمقراطية هو إدخالها إلى العملية
السياسية»، محذرا من ضرورة التأكد من «وجود ضوابط واتزانات»، فالإخوان المسلمون وفى مجال السياسة الخارجية «ضد الهمينة الأمريكية والصهيونية، ويطالبون بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وربما يسعون إلى إعادة النظر يومًا فى المعاهدة
المبرمة بين مصر وإسرائيل من خلال قنوات دستورية»، محذرًا «الإخوان المسلمون يبدو أنهم لن يكونوا داعمين لإسرائيل وأمريكا بنفس القدر الذى كان عليه مبارك»، وقد أوصى هنا الرجل ناصحًا بما يمكن وصفه كروشتة لصناع القرار بالتقليل من خطورة الجماعة واستيعابها «بتشجيع ومكافأة حكمها وبراجماتيتها»!
تقدير الموقف ربما كان الجزء الأهم فيه هو إثارة سؤال محورى حول الخطر الذى قد تمثله الجماعة للإسرائيليين، وهو ما تلاقى مع تصريحات نتنياهو التى من المؤكد أنها لم تفارق أذهان صناع القرار فى أمريكا، وفى ما بدا أنه تكليف أرسل المحللون العاملون لدى المختبر نفسه ووفقًا لتكليف المزيد من التقارير، لكنها هذه المرة لم تكن عامة كسابقتها، لكنها كانت محددة بشكل دقيق، وهدفها الإجابة عن تساؤل «كيف يرى الإخوان المسلمون إسرائيل؟» لكن التقرير التالى الذى أرسله شخص يدعى بخارى إلى المختبر حمل رسائل متضاربة ومحيرة، فتقريره جميع ما بين رسائل وتصريحات إعلامية دقيقة وحديثة لقادة جماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة بعام، لكنها تصريحات متضاربة فى الوقت نفسه، فما بين تصريحات العريان التى أكد فيها فى عام 2010 أن الجماعة ضد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأن الإخوان يحتفظون بحقهم فى المقاومة المسلحة، وما بين تصريحات محمد مرسى وقتها أيضا فى إجابة حول سؤال وجه إليه حول احتمالية أن تعيد الجماعة النظر فى المعاهدة، قائلا نصًا «لسنا فى مدينة الأحلام، we are not in dream land».. الكلام متناقض بشكل صارخ، لا يحتمل التوفيق بين عباراته، أو الخروج بشىء وسط، حتى إن كاتب التقرير ومرسله عمد فى مقدمته كى لا يختلط الأمر على المتلقى إلى الإشارة إلى أن عصام العريان هو صاحب التصريح الصحفى أما محمد مرسى فهو رجل «مدينة الأحلام».
3/6/2013
<tbody>
</tbody>
كيف صنعت أمريكا من الإخوان حكامًا لمصر ؟ «الحلقة الأولى»
معا برس
الخطوة الأولى: مكافآة الإخوان على انتهازيتهم
بينما كان شباب الثورة مستغرقين فى نضالاتهم ضد الاستبداد، كان شيئًا يُعد فى الخفاء فى أروقة الإدارة الأمريكية ومختبراتها البحثية لإجهاض الثورة المصرية وتنصيب الإخوان حكامًا على مصر، يضمنون المصالح الأمريكية فى المنطقة، ويحمون أمن إسرائيل. فى هذه الحلقات نكشف كيف حسم الأمريكيون منذ البداية قرار دعم الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة فى الأيام الأولى للثورة المصرية، وكيف وفرت مختبرات الأبحاث الأمريكية العاملة لدى وكالة الاستخبارات المركزية «CIA» الصيغة المناسبة للإخوان لتأسيس حزبهم، بما يتيح لهم التخلص من وعود تطبيق الشريعة، والتخلى عن معاداة إسرائيل، فى هذه الحلقات نفضح حقيقة الاتصالات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين، والضغوط الأمريكية التى مارسها البنتاجون والإدارة الأمريكية على المجلس العسكرى دعمًا للجماعة، وحقيقة تستر الإدارة الأمريكية على تفاصيل هروب مرسى من السجن، وأسرار استدعاء باترسون للسيطرة على مقاليد الأمور فى مصر، ودورها فى حماية نظام مرسى من الاحتجاجات التى اندلعت بعد إصداره الإعلان الدستورى المكمل.
قضية «اقتحام السجون المصرية» لم تناقش بشكل مفصل سوى بعد شهور من رحيل مبارك بينما كانت معلوماتها شبه كاملة فى أدراج الأمريكيين بعد وقوعها بساعات
نتنياهو كان على يقين بأن الإخوان سيشكلون دورًا هامًا فى حكم مصر القادم.. وشعر الأمريكيون أنفسهم بالحاجة إلى الدراسة بعيدا عن التكهنات الفاشلة التى أجراها باحثوهم فى السابق
الباحثون الأمريكيون تم تكليفهم بالإجابة على سؤال كيف ستكون علاقة الإخوان وإسرائيل؟
فى الخامس والعشرين من يناير 2011 كانت مصر على موعد مع حراك شبابى ربما يغير ملامحها لعقود قادمة، هذا التحرك الذى لم يخلف ارتباكًا لدى مبارك ورجاله فحسب، بل خلف ارتباكًا واضحًا لدى الإدارة الأمريكية التى كانت ترى فى نظام مبارك حاميًّا لاستقرار المنطقة، وضامنًا لأمن إسرائيل تحديدا.. الآلاف من الشباب الذين اندفعوا إلى ميدان التحرير جعلوا وزيرة الخارجية الأمريكية ومساعديها ورجال سفارتها فى مصر يراقبون المشهد عن كثب، يجمعون أكبر قدر من المعلومات من خلال وكالات الأنباء، والمراسلين الأمريكيين فى ميدان التحرير، ومختبرات صناعة القرار، والعاملين لدى جهاز الاستخبارات المركزى (السى آى إيه)، وقد تفرغ المعنيون لتدارس التصريح الأنسب الذى يجب أن تطلقه الإدارة الأمريكية إزاء هذا الشأن المرتبك، واضعين فى الاعتبار أبعادًا عدة، بعد اتصالات أجروها بمعنيين من قطاعات مختلفة، من بينها تساؤل حول لمن الغلبة وأفكار أخرى حول سيناريو ماذا لو سقط مبارك. التقديرات أشارت فى هذا اليوم تحديدا إلى أن الأمر لم يكن يتجاوز حالة احتجاج غير مسبوقة من الوارد استيعابها فى النهاية، مع الأخذ فى الاعتبار ما جرى فى تونس.
فالخبراء الأمريكيون، وحتى هذه اللحظة، كانوا رافضين احتمالية أن يتكرر ما حدث فى تونس فى مصر، وفى هذا الشأن فقد قال ستيفن وولت، خبير السياسة الخارجية الأمريكى بجامعة هارفارد، الذى صاغ الحجج لهذا «يشير تاريخ الثورات العالمية إلى أن هذا النوع من الاندفاعات الثورية أمر نادر، بل إنه حتى فى حالة حدوث نوع من العدوى الثورية فإن وقعها يكون بطيئًا للغاية».
وفى ما بدا أنه مهلة تمنحها الإدارة الأمريكية لمبارك بمحاولة الخروج من مأزقه، أطلقت وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون أول تصريحاتها الرسمية حول ما يحدث فى مصر مساء الخامس والعشرين من يناير، وفقًا لتقديرات الإدارة الأمريكة والمهلة الممنوحة لمبارك «أن الأمر سيتم استيعابه، وحكومة مصر مستقرة رغم الاحتجاجات»، وهو ما بدا دعمًا واضحًا لمبارك، وتأكيدا على إطلاق يده بالتصرف، غير أن خروج المتظاهرين بأعداد أكبر وإعلانهم الاعتصام بعد أن انسحبت الشرطة المصرية من المشهد فى الأيام التالية جعل الموقف يتغير، وبالتالى طريقة التعاطى معه. ومن على مكتبه الفخم وبين مساعديه الذين يملؤون غرفته، وقد ارتكنوا بجوار نافذة الغرفة تاركين الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى مساحة الحديث مع نظيره المصرى المهدد، طلب أوباما من النظام المصرى ترك الفرصة لحرية التعبير وحق التظاهر فى مصر، وقد أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية عن تفاصيل تلك المكالمة، مشيرة إلى أن أوباما لم يهاجم النظام الحاكم بشكل مباشر، حيث إنه دعا إلى إصلاحات من خلال النظام، بنهاية اليوم الخامس للاحتجاج أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكى باراك أوباما يؤيد انتقال السلطة بشكل منظم فى مصر إلى حكومة تلبى طموحات الشعب المصرى، (راقب تعبير «حكومة» هنا). ثم قامت وزيرة الخارجية الأمريكية فى خطوة غير مسبوقة بالظهور فى 5 مقابلات متتالية فى برامج تليفزيونية صباحية، الواحدة تلو الأخرى للتعليق على الوضع فى مصر. وقد سئلت مرارا وتكرار أن تعلن عن تأييدها أو معارضتها للرئيس المصرى، إلا أنها تحاشت تمامًا الإجابة، وأكدت أن «الولايات المتحدة فى صف الشعب المصرى، ونريد مصر ديمقراطية تحترم حقوق شعبها». بنهاية اليوم الثامن كانت رسالة الرئيس الأمريكى باراك أوباما حاسمة ولا تحمل التأويل، وهى «أن انتقالًا منظمًا للسلطة يتعين أن يبدأ الآن»، أما روبرت جيبس، المتحدث باسم البيت الأبيض فقد أكد رسالة أعلى سلطة فى بلاده قائلا «التغيير يجب أن يبدأ الآن، وهذه الرسالة نقلها أوباما لمبارك خلال اتصالهما أمس بصراحة وصدق. يجب أن يبدأ التغيير والانتقال الآن». وهكذا فى خلال أيام قليلة تحول الدعم الأمريكى لمبارك إلى دعم لسيناريو ما بعد مبارك، بعد أن بدا من المشهد أن بقاء الرجل على كرسى الحكم صار مستحيلًا، وأن لجوءه إلى ما يمكن وصفه بإصلاحات هو أمر غير مقبول لدى المحتجين المصريين.
المتابع لتلك التصريحات بتفاصيل كلماتها المنتقاة وعلى ترتيبها السابق، يدرك أن الإدارة الأمريكية المعنية بمصالحها أعطت لمبارك مهلة كى يخرج من مأزقه، واضعة فى حساباتها كل الاحتمالات بما فى ذلك قدرة مبارك على استيعاب الحالة وتجاوزها، ثم ما لبثت أن حاولت الإمساك بالعصا من المنتصف، لكن النهاية التى بدت واضحة لنظامه أجبرت الأمريكيين على رفع أيديهم عن الرجل، بعد أن سمح لطنطاوى بالتدخل، ورحب الشعب بتدخل الجيش الذى صيغ بشكل درامى مؤثر أطلق فيه أحد قادة المجلس العسكرى التحية العسكرية للشهداء، لكن ما كان يجرى خلف الستار داخل أروقة الإدارة الأمريكية وبين دبلوماسيى سفارتها ومحليلها فى الخارجية والسى آى إيه فى مصر كان أمرًا شديد الارتباك حقًا. فهناك قضيتان فى أثناء الثمانية عشر يومًا، إضافة إلى مستجدات طارئة ويومية أصبحت محل التركيز، وما كلف به المحللون الأمريكيون المزودين للمخابرات الأمريكية بالمعلومات كان طلبًا بتحليل دقيق حول عدة أمور أبرزها «جماعة الإخوان المسلمين» و«اقتحام السجون المصرية» تلك القضية التى ربما لم تثر بشكل مفصل سوى بعد شهور من رحيل مبارك، بينما كانت معلوماتها شبه كاملة لدى الأمريكيين، وفى أدراج مكاتبهم بعد وقعها بساعات قليلة.
جماعة الإخوان المسلمين، التقى قيادتها بالأمريكيين قبل الثورة وربما بأعوام، فى أول بدء لاتصالات رسمية أمريكية إخوانية معلنة، أجريت تحت غطاء النقاش مع أعضاء البرلمان المصرى المستقلين (فى 2005 فاز 88 عضوًا من جماعة الإخوان المسلمين بمقاعد البرلمان كمستقلين).
الأمريكان يتحسسون خطواتهم:
قبل الثورة كان الأمريكيون مهتمين حقًا بإدراك الحجم الحقيقى للإخوان المسلمين، فمبارك الذى أجرى تفهمًا ضمنيًّا مع تلك الجماعة استغل هذا الاتفاق للترويج الدائم للأمريكيين وترويعهم بأن بديله هو بديل إسلامى متشدد يهدد استقرار المنطقة، أما القوى السياسية المدنية الطامحة للتغيير فى مصر فلطالما أكدت أن الحجم الحقيقى للجماعة لا يزيد على نسبة التمثيل التى حازوها فى برلمان 2005. هذا ما وثقته وثائق «ويكليكس» فى أول تسريباتها قبل أعوام. لكن الأمر صار مختلفًا بعد الأيام الأولى من الثورة المصرية، والنظام أوشك على السقوط والهلع الإسرائيلى من قبل نتنياهو حول مستقبل بلاده المحفوف بمخاوف من الجماعة المتشددة كان مصدرًا للإلحاح المتوالى على الإدراة الأمريكية، فنتنياهو كان على يقين منذ اللحظات الأولى أن الإخوان سيشكلون دورًا هامًا فى حكم مصر القادم، وهنا شعر الأمريكيون نفسهم بالحاجة إلى الدراسة التفصيلية الدقيقة البعيدة عن التكهنات الفاشلة التى أجراها باحثوهم فى السابق، ووضعوا عليها رهانتهم التى لم تصدق حول مستقبل نظام مبارك وإصلاحاته البطيئة. ومن جديد وفى قوت قياسى أعيدت، ومن البداية صياغة التقارير الأمريكية من قبل محللى الإدارة حول الإخوان المسلمين، مدعومة بتاريخ الجماعة منذ أن تم تأسيسها انتهاءً بموقفها من الثورة المصرية، ومقدار مشاركتها فيها انتهاءً بنقطة غاية فى الأهمية هى النقطة المحورية، وهى كيف سيتعامل الإخوان المسلمون مع إسرائيل؟
فى الثالث من فبراير 2011، كتب كارى روسيفسكى ويكهام، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة إيمورى والمتخصص فى السياسة الخارجية وشؤون الشرق الأوسط تقريرا نشره على موقعه أحد مراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة فى السياسة الخارجية وأرسل بالبريد الإلكترونى إلى أحد أهم مختبرات التفكير وصنع القرار فى تكساس بالولايات المتحدة، التى تقدم المعلومات لوكالة الاستخبارات المركزية، ودوائر صنع القرار بشكل دورى ودائم، التقرير جاء كتقدير موقف تحت عنوان «الإخوان المسلمين ما بعد مبارك- من هم وكيف سيشكلون مستقبل مصر»، التقرير كان يسهب فى الشرح حول ماهية الجماعة، وكأنه مرسل إلى شخص يسمع لأول مرة عن الإخوان المسلمين، كثير من التفاصيل، التى يبدو ربما ذكرها مملا، بداية من النشأة انتهاءً بلحظة الإرسال، لكن أهم ما برز فى التقرير هو تقدير كارى للجماعة قائلا: «الإخوان المسلمون يعلمون جيدا أن الانتقال السلس نحو الديمقراطية يحتاج إلى حكومة مقبولة لدى الجيش المصرى والغرب، لذلك فهم قد أشاروا إلى أنهم لا يريدون موقعًا فى تلك الحكومة تحديدا.. الإخوان المسلمون غاية فى الدهاء، والبراجماتية، شديدو الحذر من فقدان سمعة اكتسبوها بصعوبة بين المصريين، وشديدو الحذر من حدوث انقلاب عسكرى يسيطر على السلطة»، وختم كارى قائلا وموصيًّا «الجماعة أثبتت أنها قابلة للتطور، وأفضل وسيلة لتعزيز التزامها بالديمقراطية هو إدخالها إلى العملية
السياسية»، محذرا من ضرورة التأكد من «وجود ضوابط واتزانات»، فالإخوان المسلمون وفى مجال السياسة الخارجية «ضد الهمينة الأمريكية والصهيونية، ويطالبون بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وربما يسعون إلى إعادة النظر يومًا فى المعاهدة
المبرمة بين مصر وإسرائيل من خلال قنوات دستورية»، محذرًا «الإخوان المسلمون يبدو أنهم لن يكونوا داعمين لإسرائيل وأمريكا بنفس القدر الذى كان عليه مبارك»، وقد أوصى هنا الرجل ناصحًا بما يمكن وصفه كروشتة لصناع القرار بالتقليل من خطورة الجماعة واستيعابها «بتشجيع ومكافأة حكمها وبراجماتيتها»!
تقدير الموقف ربما كان الجزء الأهم فيه هو إثارة سؤال محورى حول الخطر الذى قد تمثله الجماعة للإسرائيليين، وهو ما تلاقى مع تصريحات نتنياهو التى من المؤكد أنها لم تفارق أذهان صناع القرار فى أمريكا، وفى ما بدا أنه تكليف أرسل المحللون العاملون لدى المختبر نفسه ووفقًا لتكليف المزيد من التقارير، لكنها هذه المرة لم تكن عامة كسابقتها، لكنها كانت محددة بشكل دقيق، وهدفها الإجابة عن تساؤل «كيف يرى الإخوان المسلمون إسرائيل؟» لكن التقرير التالى الذى أرسله شخص يدعى بخارى إلى المختبر حمل رسائل متضاربة ومحيرة، فتقريره جميع ما بين رسائل وتصريحات إعلامية دقيقة وحديثة لقادة جماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة بعام، لكنها تصريحات متضاربة فى الوقت نفسه، فما بين تصريحات العريان التى أكد فيها فى عام 2010 أن الجماعة ضد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وأن الإخوان يحتفظون بحقهم فى المقاومة المسلحة، وما بين تصريحات محمد مرسى وقتها أيضا فى إجابة حول سؤال وجه إليه حول احتمالية أن تعيد الجماعة النظر فى المعاهدة، قائلا نصًا «لسنا فى مدينة الأحلام، we are not in dream land».. الكلام متناقض بشكل صارخ، لا يحتمل التوفيق بين عباراته، أو الخروج بشىء وسط، حتى إن كاتب التقرير ومرسله عمد فى مقدمته كى لا يختلط الأمر على المتلقى إلى الإشارة إلى أن عصام العريان هو صاحب التصريح الصحفى أما محمد مرسى فهو رجل «مدينة الأحلام».