تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 437



Haneen
2013-07-07, 09:35 AM
اقلام واراء عربي 437
30/6/2013

في هذا الملف


حماسة كيري تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط

كارين ديونغ وويليام بوث – الشرق الأوسط


القدس وفلسطين هم أردني مقدس

رأي الدستور الأردنية


«فليقتل الأشرار بعضهم بعضاً»

مصطفى زين – الدستور الأردنية


اليوم.. يكرم الشعب أو يهان

علي سالم – الشرق الأوسط


مصر...على شفير الهاوية

جهاد المحيسن – الغد الأردنية


هل تنجو مصر من الفوضى؟

ﻓهد اﻟﺨﯿﻄﺎن– الغد الأردنية


لا أنقذ مصر ولا نفسه ولا الجماعة!

طارق الحميد – الشرق الأوسط


ماذا لو عاد الإخوان ؟

عمر كلاب – الدستور الأردنية


ظهيرة حزيرانية أخرى!

خيري منصور – الدستور الأردنية


سيناريو الفوضى والانقلاب مفضوحا في مصـر

ياسر الزعاترة – الدستور الأردنية


تفكير فى أول يوليو

فهمي هويدي – النهار اللبنانية


الإسلام هو الحل! فماذا عن الآخرين؟

فؤاد مرعي – السفير اللبنانية


الجيش في زمن «الربيع العربي»

عريب الرنتاوي - الدستور الأردنية


ربيع الأردن ... الطريق الثالث

محمد حسن التل – الدستور الأردنية


سياسة النظام وتغييرات الخريطة السكانية

فايز سارة – الشرق الأوسط


انتحار اللبنانيين.. الدولة أو الهاوية

ريتا فرج – السفير اللبنانية


الديموقراطية الليبرالية أو الحروب الدينية

خالد الحروب – الحياة اللندنية


لإيران مشروعها... ما هو مشروع السعودية؟

خالد الدخيل – الحياة اللندنية



حماسة كيري تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط
كارين ديونغ وويليام بوث – الشرق الأوسط
سواء تمكن من إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، أو فشل في نهاية المطاف كما فشل كثيرون من قبله، لا يستطيع أحد أن ينكر أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بذل قصارى جهده في هذا الصدد.
وخلال رحلته الحالية التي تعد الخامسة له للمنطقة منذ توليه منصب وزير الخارجية في شهر فبراير (شباط) الماضي، التقى كيري بعد ظهر الجمعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد اللقاء الأول الذي استمر لمدة 15 ساعة في محادثات ماراثونية امتدت حتى منتصف الليل.
وخلال الفترة بين الاجتماعين مع نتنياهو، انتقل كيري عبر الضفة الغربية إلى العاصمة الأردنية عمان، والتقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وقام الأردنيون بإعادته إلى القدس مرة أخرى في طائرة هليكوبتر عسكرية.
وقال كيري لنتنياهو بابتسامة أمام الكاميرات: «قريبا جدا». وجلس الزعيمان على نفس المقاعد في نفس الجناح في فندق «ديفيد سيتادل» بالقدس، وتصافحا بنفس الطريقة، مع اختلاف ربطات العنق. ويوم السبت، يعتزم كيري العودة إلى عمان لعقد اجتماع آخر مع عباس، وفقا لمسؤول بارز بوزارة الخارجية الأميركية.
وخلال الأسبوع الماضي، ناضل كيري مع الحلفاء العرب فيما يتعلق بسوريا، ودخل في مشاورات فيما يتعلق بمفاوضات محتملة مع حركة طالبان الأفغانية، وأدلى بدلوه في الجدل الدائر بشأن إدوارد سنودن.
ولكن الشيء الواضح هو أن عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية هي المحرك الأساسي لهذه الرحلة، ففي هذا المكان، بحسب أصدقاء وزملاء وبعض من المستفيدين من حماسته، خاض كيري تجربة كبيرة في السياسة الخارجية والعلاقات والدروس السياسية.
وأعلن كيري عن خطط لبرنامج بقيمة 4 مليارات دولار يهدف لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني، كما انضم لوزير الدفاع تشاك هيغل في تعيين الجنرال المتقاعد جون ألين، قائد القوات الأميركية السابق في أفغانستان، مبعوثا خاص للقضايا الأمنية الإسرائيلية. ويعتقد كيري أن نهجه الذي لا يقاوم - المتمثل في مزيج من الأمن والضمانات الدبلوماسية، بالإضافة إلى الاقتراحات الاقتصادية - سيكون جذابا لكلا الطرفين.
وقاوم الإسرائيليون والفلسطينيون إغراءات مماثلة من قبل الكثير من وزراء الخارجية السابقين على مدى عقود. ويلقي بعض الساخرين بنظراتهم على العاطفة الكبيرة التي يبديها كيري، ويتساءلون عما إذا كان يعيش في عالم افتراضي بعد خسارته للانتخابات الرئاسية عام 2004.
وبينما يرعى الرئيس أوباما عملية السلام بكل قوة، لم يركز البيت الأبيض كثيرا على الجهود التي يبذلها كيري في هذا السياق. ومع ذلك، أشار مسؤول رفيع في الحكومة الأميركية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن أوباما هو الذي أعطى كيري الضوء الأخضر للمضي قدما.
ورغم عدم ضمان النجاح، قال أوباما في مؤتمر صحافي في عمان في شهر مارس (آذار) الماضي: «ما أستطيع أن أؤكده هو أننا سنبذل مزيدا من الجهد. ما أستطيع أن أؤكده هو أن وزير الخارجية جون كيري سوف يقضي قدرا كبيرا من الوقت في مناقشات مع الطرفين».
ومن بين الأشياء التي تجعل كيري يعتقد أن الأمر مختلف هذه المرة هو إلحاح الوضع، في ضوء الأزمات التي تجتاح المنطقة، وحالة الملل التي تنتاب المجتمع الدولي لما بات ينظر إليه على أنه تعنت كبير من جانب إسرائيل، علاوة على عدم قدرة الفلسطينيين على عدم تنظيم الوضع السياسي والاقتصادي الداخلي، وهو ما جعل كيري يحذر مرارا من أن «النافذة تغلق» أمام إجراء محادثات ذات معنى.
ويملك كيري ثقة كبيرة في جدوى طاقته ومهاراته الخاصة خلال اللقاءات الدبلوماسية وجها لوجه مع المسؤولين، كما يملك خبرة كبيرة في السياسة، ولديه علاقات كبيرة مع معظم اللاعبين الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط بفضل العقود التي عمل خلالها في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بما في ذلك أربع سنوات كرئيس للجنة خلال ولاية أوباما الأولى.
ويقول السياسيون الإسرائيليون، بغض النظر عن وجهة نظرهم في أي مفاوضات محتملة، إن كيري يتعامل مع إسرائيل باحترام وتفاهم، وإنه يتخذ الموقف الصحيح.
تنطوي خطة كيري على الكثير من الجهود السابقة، حيث يقوم جزء كبير منها على المبادرة العربية لعام 2002 التي تضمن أمن إسرائيل وتحمل وعدا بوجود علاقات دبلوماسية وتقدم حلا للقضية الشائكة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم.
عرض كيري خطته الخاصة ببرنامج تكلفته 4 مليارات دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني خلال خطابه في منتدى الاقتصاد العالمي في شهر مايو (أيار) بالأردن. واستعان بشخصيات قيادية في عالم الأعمال الأميركي من أجل وضع نماذج للنمو الاقتصادي في فلسطين والإقليم تستفيد منها إسرائيل والأردن وفلسطين.
وقال دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، له باع طويل في إرساء دعائم السلام في المنطقة، إن تحمس كيري أثار إعجابه ويأمل أن يتمكن من الحفاظ عليه في مواجهة الاختلافات الكبيرة. ويواجه كل من عباس ونتنياهو تحديات سياسية داخلية، لكن لم يظهر بعد أي دليل على رغبتهما في القيام بما يتطلبه التوصل إلى حل طويل المدى. مع ذلك ورغم الشكوك التي تثيرها التجربة يبدو أن بعض الأطراف الإقليمية الفاعلة أصبحت متحمسة لمحاولات كيري.

القدس وفلسطين هم أردني مقدس
رأي الدستور الأردنية
ان انحياز الاردن للسلام يشكل خيارا استراتيجيا لا رجعة عنه كونه الوحيد القادر على انتشال المنطقة من الفوضى واشاعة الامن والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة من خلال حل القضية الفلسطينية حلا عادلا يفضي الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني وفي حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين وفقا للقرار الاممي 194.
وفي هذا الصدد فلا بد من الاشارة الى حرص جلالة الملك عبدالله الثاني في كافة لقاءاته مع زعماء دول العالم وخاصة مع الرئيس الامريكي وقادة الدول الاوروبية التأكيد على ضرورة حل الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي حلا عادلا، كسبيل وحيد لتحرير المنطقة من الارتهان للاحتلال والخوف والارهاب.. فلا سلام ولا امن ولا استقرار الا باقامة الدولة الفلسطينية والمستقلة وهذا ما اكد عليه خطاب جلالته التاريخي في اجتماعات الامم المتحدة العام الماضي، داعيا المجتمع الدولي ان ينهض بواجبه باقامة الدولة الفلسطينية.
ولم يكتف الاردن بحراك جلالة الملك الدبلوماسي، وانما استضاف ممثلين عن الفلسطينيين والاسرائيليين في مسعى جاد لكسر الجمود في عملية السلام. وبحث السبل الكفيلة باستئناف المفاوضات بين الجانبين للخروج من المأزق الذي وصلت اليه العملية السلمية بفعل العدوان الصهيوني المستمر سواء اكان استيطانا، او تهويدا للقدس والاقصى، واقتراف جرائم تطهير عرقي تصب في ترويع الشعب الشقيق واجباره على الاستسلام للمشروع الصهيوني.
ومن هنا فان المباحثات المكوكية التي أجراها وزير الخارجية الامريكي جون كيري مع الرئيس الفلسطيني في عمان، ونتنياهو في القدس تؤكد الدور الاردني الفاعل والعامل على كسر الجمود في العملية السلمية والعودة بالقضية الفلسطينية الى صدارة الاجندة الدولية بعد طول غياب بفعل المستجدات والمتغيرات التي تعصف بالمنطقة وادت الى تغيبها عن صدارة الاحداث، ما اعطى العدو الصهيوني الفرصة لتكريس الامر الواقع وتنفيذ مخططاته التوسعية التهويدية، مستغلا الاوضاع الفلسطينية البائسة والعربية المتردية، وقد عصفت بها الاختلافات والخلافات وها هو شرر نيران الحروب المذهبية يشي بحرق الاخضر واليابس.
لقد اثبت الاردن وبقيادة جلالة الملك حرصه الاكيد على انهاء معاناة الشعب الشقيق، والذي لن يتم ولن يتحقق الا بحل عادل للقضية الفلسطينية فهي وكما أكد جلالته ويؤكد دائما اساس عدم الاستقرار في المنطقة والسبب الرئيس لكل الحروب، وستبقى كذلك حتى يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية والتاريخية المشروعة في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وحق عودة اللاجئين.
مجمل القول: ان محادثات وزير الخارجية الامريكية جون كيري في الاردن ولقائه مع جلالة الملك عبدالله الثاني ورحلاته المكوكية الى القدس في مسعى جاد لكسر الجمود والعودة لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين يؤكد دور الاردن الحقيقي والفاعل للخروج من المأزق الذي وصلت اليه العملية السلمية، وانحيازه التام لتحقيق السلام الشامل والدائم والذي لن يتحقق الا باقامة الدولة الفلسطينية والتي هي مصلحة اردنية مثلما هي مصلحة فلسطينية كما يكرر جلالته دائما والركيزة الاساسية لعودة الامن والاستقرار للمنطقة بعد تحريرها من الخوف والارهاب والاحتلال الاسرائيلي.

«فليقتل الأشرار بعضهم بعضاً»
مصطفى زين – الدستور الأردنية
نصح منظّر المحافظين الجدد، صاحب نظرية الرعب الإسلامي ، دانيال بايبس الولايات المتحدة والغرب بعدم السماح بانتصار فريق على آخر في الحرب الدائرة في سورية: كي تبقى قوى الشر يقاتل بعضها بعضاً .
واستشهد بايبس بوقائع من التاريخ الحديث والمعاصر. في عام 1982 استطاعت القوات الإيرانية أن تحرز تقدماً ملحوظاً على القوات العراقية، ما حدا بالولايات المتحدة إلى دعم بغداد لتعدل ميزان القوى. وعندما تقدم العراق عقدت واشنطن ما عرف بصفقة إيران غيت ، زودت بموجبها طهران أسلحة للمحافظة على هذا التوازن. وفي الحرب العالمية الثانية كانت القوات الألمانية في موقع الهجوم على الاتحاد السوفياتي فعمد روزفلت إلى دعم ستالين لتبقى القوات النازية مشغولة في الجبهة الشرقية، فاستطاع الحلفاء تسجيل نصر حاسم في المعارك على الجبهات الغربية.
يستنتج بايبس من هاتين الواقعتين التاريخيتين، أن على الغرب دعم طرفي النزاع في سورية سياسياً وعسكرياً فيصبح الطرفان أقل خطراً علينا . وطالب القوى الغربية بدفع الأعداء إلى طريق مسدودة من خلال دعم الطرف الخاسر لجعل الصراع يطول أكثر .
عند هذه النقطة يصاب بايبس بنوبة ضمير فيأسف لسقوط القتلى. لكن كل شيء يهون عندما يتعلق الأمر بتحقيق المصالح الاستراتيجية، فـ ستالين كان وحشاً أسوأ بكثير من الأسد .
الرجل الأكثر حماسة للصهيونية لم يكتشف النار. بل شرح وقائع تاريخية معروفة للجميع، خصوصاً للذين يخططون لضرب عدوين أو اكثر في وقت واحد. وكان بإمكانه أن يضيف هولاند وأوباما وكاميرون، وإسرائيل بطبيعة الحال، إلى استشهاده بهتلر وستالين وروزفلت خلال الحرب العالمية الثانية.
كانت الدول المعنية بالحرب على سورية طوال السنتين الماضيتين تراهن على قوة المعارضة لإسقاط النظام، وتحضّر لمرحلة ما بعد الأسد، فيما يختلف بعضها مع بعض على هوية الحاكم وتوجهاته السياسية الخارجية، غير آبهة بما يحل بالشعب السوري، ولا بالدماء التي تراق يومياً، على رغم البكاء في الإعلام ومن على شاشات الفضائيات. وقد تحول تصوير المآسي إلى تحريض على ارتكاب المزيد منها، بدلاً من أن يشكل صدمة للضمير العالمي لكبح السياسيين عن الاستمرار في لعبة الموت والرقص حول الجثث.
بعد تقدم الجيش السوري في القصير واستعداده لشن حملة على المسلحين في حلب وريفها، اعتبرت الدول الأوروبية، في مقدمها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وكل اللوبيات الضاغطة على إدارة أوباما، أن التوازن العسكري بين المسلحين والجيش النظامي قد فقد لمصلحة الأخير، فتداعى الجميع لإرسال المزيد من السلاح المعارضة، حتى لو وقع في يد جبهة النصرة المصنفة إرهابية.
وهكذا، قررت الإدارة الأميركية تسليح المعارضة بعدما تجاوزت الحكومة الخط الأحمر باستخدامها الأسلحة الكيماوية ، على ما أعلن البيت الأبيض.
وفي باريس ولندن، لم يتوان المسؤولون عن التهديد بإرسال المزيد من الأسلحة إلى المعارضة التي طلبتها في الأسابيع الأولى لاندلاع الأحداث، لا بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين ألحت على تطبيق النموذج الليبي في المعركة.
وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس دعا إلى وقف تقدم قوات النظام في حلب، وإلى المزيد من السلاح لاستعادة التوازن، وإذا لم يتم ذلك لن يكون هناك مؤتمر في جنيف ولن توافق المعارضة على الحضور .
يخيل لمن يقرأ تصريحات المسؤولين الفرنسيين والبريطانيين والأميركيين، أن بايبس يخطط وهم ينفذون. لكن واقع الأمر أنهم يطبقون ثوابت السياسة الاستعمارية الكلاسيكية، وهو يدرسها ويعيد إنتاجها نظرياً.
المرحلة الجديدة في سورية مرحلة إعادة التوازن إذن كي تبقى قوى الشر يقاتل بعضها بعضاً .
... فلتدمَّر سورية حجراً حجراً، وليُقتل السوريون، ولتحيَ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.

اليوم.. يكرم الشعب أو يهان
علي سالم – الشرق الأوسط
هذا العصر لا يعرف المنجمين، كل ما نستطيعه هو التحديق في لوحة الحاضر ومحاولة التعرف على طبيعة العلاقة بين ألوانها وما يمكن أن تنتج عنه من صورة كلية، أي واقع جديد بلغة السياسة. القوات المسلحة المصرية تنتشر الآن في طول البلاد وعرضها بعد أن نشرت تشكيلاتها لحماية كل المنشآت الحيوية، ملايين البشر نزلوا إلى ميادين القاهرة، وأخذوا طريقهم إلى قصر الاتحادية وأماكن أخرى، الهدف المعلن هو مطالبة رئيس الدولة بقبول عمل انتخابات رئاسية مبكرة بأمل أن يفشل فيها ولديهم كل الأسباب التي تدعم هذا الأمل. غير أن رئيس الدولة وجماعته، من المستحيل أن يوافقا على هذا الطلب. لأنهما يعرفان جيدا أن النزول عن سدة الحكم، تحتم السير في طريق ينتهي بسجن طرة ثم الدخول في معمعة المحاكمات التي لا تنتهي، وأنه حتى الأمل في أحكام براءة، ستقف لها بالمرصاد تلك الجملة الشهيرة «ما لم يكن مطلوبا أو محبوسا على ذمة قضية أخرى»، ستكون هناك دائما قضية أخرى. أوضح الألوان في الصورة هو الشرعية، شرعية الحكم، هي علاقة تعاقدية، الطرف الأول فيها هو الشعب الذي اختار الرئيس ليحكمه لمدة أربعة أعوام، وهو عقد - كما يعتقد الطرف الثاني - ليس قابلا للإلغاء، غير أن الطرف الأول يرى أن العقد مفسوخ من تلقاء نفسه لعدم وصول البضاعة المطلوبة والمتعاقد عليها إلى الشعب وهي العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
المدهش والمثير، أن نظام الحكم نفسه هو أول من قام بضرب شرعيته في مقتل وذلك عندما تمت محاصرة مبنى المحكمة الدستورية العليا. من حاصروا مبنى المحكمة وروعوا القضاة لم يأتوا من الفضاء الخارجي. أنا أعتقد أن اللاوعي الجمعي للمصريين في تلك اللحظات اتخذ القرار بانعدام شرعية النظام، وأن ما يعطي النظام الحق في محاصرة أكثر الرموز شرعية في العصر الحديث، هو ذاته ما يعطي للشعب الحق في محاصرة النظام وإلغاء تعاقده معه. عندما تسقط الشرعيات، ستوجد إلى الأبد شرعية القوة مع كل احترامي للجملة الشهيرة لفيلسوف الحكم الإنجليزي جيمس ستيوارت مل «القوة لا تنتج حقا شرعيا».. بعيدا عن النفاق السياسي وخداع الذات، كانت القوة هي الوسيلة الوحيدة لاستعادة الشرعية في مكان تنكر فيه أصحابه للشرعية وأهانوها. والقوة الوحيدة القادرة على استعادة الشرعية في مصر هي القوات المسلحة ورجالها الذين قيل عنهم إن رجالها من ذهب. غير أنه على أصحاب هذه المقولة أن يعرفوا أن الرجال الذين صيغوا من الذهب لن يعملوا لحساب هؤلاء المصنوعين من الصفيح. القوة تكتسب شرعيتها من طبيعة الطريق الذي ستمشى فيه. عندما تمشى في طريق العدل والنزاهة العقلية والخلقية والوضوح والصدق مع الذات والغير، ستفوق شرعيتها كل شرعيات الدنيا. وفي كل الأحوال، ومهما يحدث، العدالة لها اسم واحد هو العدالة. لا يوجد ما يسمى العدالة الثورية أو العدالة الانتقالية، هناك العدالة فقط. العدالة ليست في حاجة إلى إضافات أو مكسبات طعم.. على الثوار أن يعرفوا ذلك.
لا مفر من أن يكون أصحاب القوة هم المسؤولين عن الشرعية، إنه الواجب كما يفرضه الشرف الإنساني. اليوم مساء ستعرف أنت وأعرف أنا مدى ما في هذا التحليل من صحة وخطأ..

مصر...على شفير الهاوية
جهاد المحيسن – الغد الأردنية
ﻧﺤﻦ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ ﻣﻮﻋﺪ اﻟﺤﺴﻢ، ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﻘﻮى واﻷﺣﺰاب اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﻨﺎوﺋﺔ ﻟﻠﺮﺋﯿﺲ اﻟﻤﺼﺮي ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺮﺳﻲ، وﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ، ﻓﺒﻌﺪ ﻋﺎم ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ ﻣﺮﺳﻲ، ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﻦ ﻟﻤﻠﻤﺔ اﻟﻘﻮى اﻟﻮطﻨﯿﺔ اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ إطﺎر وطﻨﻲ ﺟﺎﻣﻊ، ﻳﺨﺮج ﻣﺼﺮ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻤﺮاوﺣﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻌﯿﺸﮫﺎ، ﺑﻌﺪ ﻧﺠﺎح اﻟﺜﻮرة اﻟﺸﻌﺒﯿﺔ ﻓﻲ إﺳﻘﺎط ﻣﺒﺎرك.
اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﻌﻤﻮدي ﻓﻲ اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ، وﻣﺎ ﺗﺒﻌﻪ ﻣﻦ اﺳﺘﻘﻄﺎﺑﺎت ﺣﺎدة ﻓﻲ اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ، ﻳﻨﺬر ﺑﺄن اﻟﺒﻼد ﻣﻘﺒﻠﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت، ﻣﻤﺎ ﻳﻨﺬر ﺑﺨﻄﺮ ﻛﺒﯿﺮ ﻳﺤﺪق ﺑﻤﺼﺮ واﻟﻤﺼﺮﻳﯿﻦ، وﻳﺆدي إﻟﻰ ﻣﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻹﺿﻌﺎف ﻟﻤﻔﮫﻮم "اﻟﺪوﻟﺔ اﻟﻌﻤﯿﻘﺔ" اﻟﺘﻲ طﺎﻟﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺼﺮ ﺗﺘﻐﻨﻰ بها.
اﻟﻘﺮاءة اﻟﻤﻮﺿﻮﻋﯿﺔ ﻟﺤﺎﻟﺔ اﻻﺳﺘﻘﻄﺎب اﻟﺤﺎﻟﯿﺔ، وﻧﺰول اﻵﻻف إﻟﻰ اﻟﺸﻮارع ﻣﻦ ﻛﻼ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ، ﻓﺮﻳﻖ ﻳﺪﻋﻮ إﻟﻰ "رﺣﯿﻞ" اﻟﺮﺋﯿﺲ، واﻟﻔﺮﻳﻖ اﻟﺜﺎﻧﻲ ﻳﺘﺤﺪث ﻋﻦ أن "اﻟﺸﺮﻋﯿﺔ ﺧﻂ أﺣﻤﺮ"، وﻣﺎ ﺗﺒﻌﮫﺎ ﻣﻦ اﺷﺘﺒﺎﻛﺎت ﺑﯿﻦ اﻟﻄﺮﻓﯿﻦ، ﻻ ﺗﺒﺸﺮ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ، هذه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﻓﺸﻞ ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ اﻟﻮﺻﻮل ﻋﻠﻰ ﺗﻔﺎھﻤﺎت ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﺒﻼد،
ﺣﺎﻟﺔ اﻻﺳﺘﻘﻄﺎب ﺗﻠﻚ.
ﻳﺘﺤﻤﻞ اﻟﺮﺋﯿﺲ وﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿﺔ اﻷﻛﺒﺮ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻻﻧﻘﺴﺎم اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮫﺎ اﻟﺒﻼد، ﻓﻘﺪ "ﻓﺸﻠﺖ" ﻣﺆﺳﺴﺔ اﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺗﺠﺎوز اﻟﺤﺎﻟﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻠﺖ إﻟﯿﮫﺎ ﻣﺼﺮ، ﻓﻘﺪ أﺻﺮ اﻟﺮﺋﯿﺲ واﻹﺧﻮان ﻣﻦ وراﺋﻪ ﻋﻠﻰ إﻋﺎدة إﻧﺘﺎج أﻧﻤﻮذج دﻛﺘﺎﺗﻮرﻳﺔ اﻟﺤﻜﻢ اﻟﺘﻲ ﺧﺮج ﻋﻠﯿﮫﺎ اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن أﺳﺎﺳﺎً، وﺗﻌﺎﻣﻞ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﺳﯿﺎﺳﯿﺎ ﻣﻊ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﻘﻮى اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﻛﻘﻮى ﻣﻌﺎدﻳﺔ، وﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز ﺗﻨﻈﯿﻤﻪ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻟﯿﺼﺒﺢ زﻋﯿﻤﺎ ﻟﻤﺼﺮ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ أطﯿﺎﻓها اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ، وﻛﺮس ﺣﻜﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻧﺴﻲ أن اﻟﻤﺠﺘﻤﻌﺎت ﻗﺪ ﺗﻐﯿﺮت، وﻟﻦ ﺗﻘﺒﻞ ﺑﺴﯿﺎدة اﻟﺤﺰب اﻟﻮاﺣﺪ.
وھﻮ ﺑﺬﻟﻚ أﻋﺎد إﻧﺘﺎج ﺗﺠﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻪ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ ﻣﺼﺮ، ﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺧﻠﻖ ﺣﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻻﺣﺘﻘﺎن اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ اﻟﺘﻲ ﻧﺮى ﺗﻌﺒﯿﺮاﺗها اﻟﯿﻮم ﻓﻲ ﺷﻜﻞ اﻟﺘﻈﺎھﺮات اﻟﺘﻲ اﺗﺨﺬت طﺎﺑﻌﺎ ﻋﻨﯿﻔﺎ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﺣﯿﺎن. وﻋﻠﻰ ﺻﻌﯿﺪ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﻟﻢ ﻳﺘﻤﻜﻦ اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﻦ ﺗﺠﺎوز اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ اﻟﺨﺎرﺟﯿﺔ ﻟﻠﺒﻼد واﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺘﺒﻌﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺳﻠﻔﻪ.
ﺑﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻜﺲ ﺑﺪت أﻛﺜﺮ اﻟﺘﺼﺎﻗﺎ ﺑﺎﻟﻤﺸﺮوع اﻟﻐﺮﺑﻲ، وﺗﻢ ﺗﻮظﯿﻒ ﺟﺰء منها ﻟﺨﺪﻣﺔ ﻣﺸﺎرﻳﻌﮫﺎ ﻓﻲ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺑﺨﺎﺻﺔ ﻣﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺴﻮرﻳﺔ ، وﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ اﻟﻐﻤﻮض ﻣﻊ دوﻟﺔ اﻻﺣﺘﻼل اﻹﺳﺮاﺋﯿﻠﻲ!
وذﻟﻚ ﻛﻠﻪ، ﻻ ﻳﻌﻔﻲ اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ ﻣﻦ ﻣﺴﺆوﻟﯿﺘﮫﺎ ﺗﺠﺎه ﺣﺎﻟﺔ اﻻﺳﺘﻘﻄﺎب ﺗﻠﻚ، ﻓﻘﺪ ﺑﻘﯿﺖ ﻣﺼﺮة ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﻗﻔﮫﺎ ﻣﻦ دﻋﻮات اﻟﺤﻮار اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ، اﻟﺘﻲ أطﻠﻘها اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﺮﺳﻲ، وذﻟﻚ ﻻﻋﺘﻘﺎدھﺎ ﺑﻌﺪم ﺟﺪوى اﻟﺤﻮار ﻓﻲ ظﻞ ھﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﺘﻔﺮد ﺑﺎﻟﺴﻠﻄﺔ اﻟﺘﻲ اﺗﺒﻌها اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﺮﺳﻲ.
ﻟﻜﻦ ﻣﺼﺮ اﻵن ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺘﺮق طﺮﻳﻖ ﺻﻌﺐ وﺧﻄﯿﺮ، ﻳﺴﺘﺪﻋﻲ ﻣﺮاﺟﻌﺔ دﻗﯿﻘﺔ ﻟﻄﺒﯿﻌﺔ اﻷﺣﺪاث اﻟﺘﻲ ﺗﺠﺮي ﻋﻠﻰ 6 اﻷرض ﻟﺘﺠﻨﺐ اﻟﻮﻗﻮع ﻓﻲ الهاوية، وﻹﺑﻌﺎدھﺎ ﻋﻦ ﺷﺒﺢ اﻟﻔﻮﺿﻰ واﻟﻌﻨﻒ اﻟﺪﻣﻮي واﻟﺘﻘﺴﯿﻢ، اﻟﺬي أﺻﺒﺢ ﺳﻤﺔ رﺋﯿﺴﯿﺔ ﻟﻤﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ.

هل تنجو مصر من الفوضى؟
ﻓهد اﻟﺨﯿﻄﺎن– الغد الأردنية
أﻧﻈﺎر اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﺘﺠﻪ ﻧﺤﻮ ﻣﺼﺮ اﻟﯿﻮم؛ 30 ﻳﻮﻧﯿﻮ اﻟﺘﺎرﻳﺦ اﻟﺬي اﺧﺘﺎرﺗﻪ ﺣﺮﻛﺔ "ﺗﻤﺮد" ﻟﻼﺣﺘﺸﺎد ﻓﻲ اﻟﺴﺎﺣﺎت واﻟﻤﯿﺎدﻳﻦ، ﺳﻌﯿﺎ ﻹﺳﻘﺎط اﻟﺮﺋﯿﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﺮﺳﻲ و"ﺣﻜﻢ اﻹﺧﻮان". اﻷﻳﺎم اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﺒﻘﺖ ھﺬا اﻟﯿﻮم، شهدت ﻣﺼﺎدﻣﺎت ﻋﻨﯿﻔﺔ ﺧﻠّﻔﺖ ﻗﺘﻠﻰ وﺟﺮﺣﻰ ﻓﻲ ﺻﻔﻮف اﻟﻔﺮﻳﻘﯿﻦ. ﻛﺎن ذﻟﻚ ﻓﻲ رأي اﻟﻤﺮاﻗﺒﯿﻦ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ "ﺑﺮوﻓﻪ" ﻟﯿﻮم، ﺑﻞ أﻳﺎم ﻣﻦ اﻻﻗﺘﺘﺎل اﻷھﻠﻲ ﻻﺗﻌﺮف ﻟﻪ نهاية.
ﻣﺼﺮ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻓﺔ اﻟهاوية، ﻣﺼﺮ ﺗﺴﯿﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﻤﺠهول، وﺣﺮب أھﻠﯿﺔ وﺷﯿﻜﺔ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ، ھﺬه ﺑﻌﺾ ﻣﻦ ﻋﻨﺎوﻳﻦ اﻟﺼﺤﺎﻓﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﯿﺔ أﻣﺲ وأول ﻣﻦ أﻣﺲ، ﻛﻠها ﺗﻮﺣﻲ ﺑﺄن اﻟﻘﺎدم ﻋﻠﻰ ﻣﺼﺮ أﺳﻮأ ﻣﻤﺎ ﻣﺮ عليه ﻣﻨﺬ ﺛﻮرة 25 ﻳﻨﺎﻳﺮ.
ﺧﻄﻂ اﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ أﺻﺒﺤﺖ واﺿﺤﺔ؛ ﻣﻈﺎھﺮات ﻋﺎرﻣﺔ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺼﺮ ﻟﺤﺎﻓﺔ اﻟﻔﻮﺿﻰ اﻟﺸﺎﻣﻠﺔ ﻣﺎ ﻳﺠﺒﺮ اﻟﺠﯿﺶ ﻋﻠﻰ اﻟﺘﺪﺧﻞ واﺳﺘﻼم زﻣﺎم اﻟﺴﻠﻄﺔ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ. اﻹﺧﻮان ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻟﻦ ﻳﺠﻠﺴﻮا ﻓﻲ منازلهم اﻟﯿﻮم، ﺳﯿﻨﺰﻟﻮن ﻟﻠﺸﻮارع ﺑﺤﺠﺔ ﺣﻤﺎﻳﺔ ﻣﻘﺎرھﻢ المهددة ﺑﺎﻟﺤﺮق.
اﻟﺼﺪام إذن ﻻﻣﺤﺎﻟﺔ. اﻟﺠﯿﺶ ﻋﻤﻠﯿﺎ أﺻﺒﺢ ﻣﺴﺘﻌﺪا ﻟﻜﻞ اﻻﺣﺘﻤﺎﻻت؛ ﻧﺸﺮ وﺣﺪاﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﻮاﻗﻊ اﻟﺤﯿﻮﻳﺔ، وأﻋﻠﻦ ﻗﺎدﺗﻪ أنها ﻟﻦ ﻳﺴﻤﺤﻮا ﺑﺠﺮ ﻣﺼﺮ ﻟﻠﻔﻮﺿﻰ، ذﻟﻚ ﻳﻐﺮي اﻟﻤﺤﺘﺸﺪﻳﻦ ﻣﻦ ﻣﻌﺎرﺿﻲ ﻣﺮﺳﻲ ﺑﺎﻟﻀﻐﻂ أﻛﺜﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﯿﺶ ﻻﺳﺘﻼم اﻟﺤﻤﻞ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ ﺑﺎﻋﺘﺒﺎره اﻟﻘﻮة اﻟﻮﺣﯿﺪة اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﻋﻠﯿها اﻟﻤﺼﺮﻳﻮن، واﻟﻘﺎدرة ﻋﻠﻰ ﺣﻔﻆ وﺣﺪة ﻣﺼﺮ وﻣﻨﻊ اﻻﻧﺰﻻق ﻟﺤﺮب أھﻠﯿﺔ. واﻗﻌﯿﺎ ﻳﻘﻒ اﻟﺠﯿﺶ اﻟﯿﻮم ﻋﻠﻰ أﺑﻮاب "اﻻﺗﺤﺎدﻳﺔ" ﻓﻲ اﻧﺘﻈﺎر ﻣﺎ ﺳﺘﺆول إﻟﯿﻪ اﻷﻣﻮر ﻓﻲ اﻟﺸﺎرع.
ﻟﻜﻨﻪ ﺧﯿﺎر ﻣﻜﻠﻒ ﻓﻲ ﻛﻞ اﻷﺣﻮال، وھﻨﺎك ﻣﻦ ﻳﻌﺘﻘﺪ أن اﻟﺠﯿﺶ إن ﻋﺎد ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ ﻓﻠﻦ ﻳﻐﺎدرھﺎ ﺑﺴﺮﻋﺔ ﻛﻤﺎ ﻳﺘﺨﯿﻞ اﻟﺒﻌﺾ. ﺛﻢ إن اﻹﻧﻘﻼب ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺔ ﻣﻨﺘﺨﺒﺔ ﻋﻠﻰ ھﺬا اﻟﻨﺤﻮ ﻳﺸﻜﻞ ﺿﺮﺑﺔ ﻗﺎﺿﯿﺔ ﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺘﺪاول اﻟﺴﻠﻤﻲ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ، وﺷﺮﻋﯿﺔ ﺻﻨﺎدﻳﻖ اﻻﻗﺘﺮاع.
اﻟﻤﺨﺮج ﻛﺎن ﺑﺎﻟﺘﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت رﺋﺎﺳﯿﺔ ﻣﺒﻜﺮة ﺑﺎﻟﺘﺰاﻣﻦ ﻣﻊ اﻧﺘﺨﺎﺑﺎت ﺗﺸﺮﻳﻌﯿﺔ ﺗﻌﯿﺪ اﻟﺘﻮازن ﻟﻠﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﻣﺮﺣﻠﺔ اﻧﺘﻘﺎﻟﯿﺔ، ﻣﺼﺮ ﺑﺄﺷﺪ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ﺟﻤﯿﻊ اﻟﻘﻮى اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻓﻲ ﺣﻜﻢ اﻟﺒﻼد. ﻓﻮت اﻹﺳﻼﻣﯿﻮن ھﺬه اﻟﻔﺮﺻﺔ وأﻣﻌﻨﻮا ﻓﻲ "أﺧﻮﻧﺔ" اﻟﻤﺆﺳﺴﺎت، وﺗﺤﻮﻳﻠها إﻟﻰ ذراع ﺳﯿﺎﺳﻲ وإداري ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان. واﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﺳﻌﺖ إﻟﻰ اﻟﺼﺪام أﻛﺜﺮ ﻣﻦ سعيها ﻟﻠﺤﻮار،وَﺳَﻌﺖ ﻋﻦ ﻗﺼﺪ ﻹﻓﺸﺎل ﻛﻞ ﻣﺤﺎوﻻت اﻟﺘﻮاﻓﻖ ﻋﻨﺪﻣﺎ وﺿﻌﺖ إﺳﻘﺎط ﻣﺮﺳﻲ ھﺪﻓﺎ أﻣﺎﻣها.
ﺷﺨﺼﯿﺔ اﻟﺮﺋﯿﺲ اﻟﻤﺼﺮي ﻟﻢ ﺗﺴﺎﻋﺪ أﺑﺪا ﻋﻠﻰ ﺗﺠﻨﺐ اﻟﺼﺪام، فهو ﺷﺨﺺ ﻳﻔﺘﻘﺮ ﻟﻠﺨﯿﺎل واﻟﻘﺪرة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﯿﺎدة ﻋﻠﻰ ﺣﺪ وﺻﻒ اﻟﺒﺎﺣﺚ اﻷﻣﯿﺮﻛﻲ ﻧﺎﺛﺎن ﺑﺮاون، ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ ﻣﻊ ﺻﺤﯿﻔﺔ اﻟﻮطﻦ اﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﻧُِﺸﺮت أﻣﺲ. ﺑﺮاون اﻟﻤﺘﺨﺼﺺ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ واﻟﻤﻌﺎرﺿﺔ ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻗﺎل إن ﻣﺮﺳﻲ ﻳﺘﺼﺮف ﻛﺮﺋﯿﺲ ﻟﺠﻤﺎﻋﺔ اﻹﺧﻮان اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ وﻟﯿﺲ رﺋﯿﺴﺎ ﻟﻤﺼﺮ، وإن اﻟﻌﺎﻟﻢ اﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﺼﺪوم ﻣﻦ جهل اﻹﺳﻼﻣﯿﯿﻦ ﺑﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺤﻜﻢ واﻧﻘﻼﺑهم ﻋﻠﻰ وﻋﻮد ﻗﻄﻌﻮھﺎ ﻓﻲ ﺑﺪاﻳﺔ اﻟﺜﻮرة ﺑﻌﺪم اﻟﺴﻌﻲ ﻟﻠﻤﻐﺎﻟﺒﺔ واﻻﻛﺘﻔﺎء ﺑﺎﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ.
اﻟﺘﻨﻮع اﻟﻤﺬھﺒﻲ واﻟﻄﺎﺋﻔﻲ ﻟﯿﺲ ﺷﺮطﺎ وﺣﯿﺪا ﻟﻠﺤﺮوب اﻷھﻠﯿﺔ، ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺼﺮاﻋﺎت اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ أن ﺗﺘﻄﻮر ﻟﺤﺮوب أھﻠﯿﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎت ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﺄﻏﻠﺒﯿﺎت طﺎﺋﻔﯿﺔ وﻣﺬھﺒﯿﺔ. اﻟﻤﺆﺳﻒ أن ﻣﺼﺮ اﻟﯿﻮم ﺗﺸﻜﻞ ﻣﺜﻼ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎرﺑﺔ كهذه..

لا أنقذ مصر ولا نفسه ولا الجماعة!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
أيا كانت تداعيات الأحداث في مصر اليوم، فإنه مثلما كتب التاريخ أن الرئيس السابق محمد حسني مبارك لم ينجح في إنقاذ مصر ونفسه وحزبه، فإن التاريخ أيضا سيكتب أن الرئيس الحالي الدكتور محمد مرسي لم يستطع إنقاذ مصر ولا نفسه ولا جماعة الإخوان المسلمين.
خطاب الرئيس الأخير، والمطول، كان كارثة سياسية، حيث وحّد خصومه، وخسر القلقين المحايدين، خصوصا حينما هاجم الرئيس الجميع باستثناء العسكر، وهذا أمر متوقع، وخصوصا أن الجيش، تحسبا لمظاهرات اليوم، قام بما يشبه تنفيذ البيان رقم 1 من دون إعلانه، حيث انتشر الجيش بشكل لافت مع تأكيده على الانحياز للشعب، وهو ما لم يفعله الجيش في 25 يناير (كانون الثاني) 2011 إلا بعد فترة من المعالجات الخاطئة لنظام مبارك وحزبه، وتصاعد الأمور حينها. وبالنسبة لخطاب الرئيس الأخير، فإنه لم يوحد صفوف الخصوم السياسيين فحسب، بل وحد أيضا المؤسسات ضده، وضد جماعته، حيث لم يقدم الرئيس حلولا أو تنازلات، كما لم يستطع فتح آفاق سياسية، بل إنه عقّد الأمور أكثر.
وأيا كانت أحداث اليوم، فالواضح أن الرئيس قد فوّت الفرصة لإنقاذ مصر ونفسه وجماعته عندما أضاع عاما كاملا بلا جهد حقيقي لجمع الخصوم إلى كلمة سواء، أو حتى الحفاظ على تحالفاتهم ولو مع السلفيين، مثلا، كما لم يفلح الإخوان في طمأنة رجل الشارع الذي منحهم صوته، بل إن الإخوان كانوا يرتكبون الخطأ تلو الآخر، ويتغولون على المؤسسات من الأزهر الشريف للقضاء، ومن الاقتصاد للإعلام، هذا فضلا عن قصة القصص وهي كتابة الدستور، وطريقة تمريره، وما تبعها من أحداث، وكل ذلك توافق مع تردٍ في مستوى المعيشة شعره المواطن العادي من دون أن يلمس جهودا جادة لتحسين الأوضاع، فالإخوان كانوا شرهين في الاستيلاء على السلطات، وبسط نفوذهم على كل مفاصل الدولة، وهذا خطأ قاتل حيث شعر المصريون أن ما يفعله الإخوان يعني أنهم لن يتركوا الحكم مهما حدث!
وعليه، فقد أضاع الإخوان، وقبلهم الرئيس، كل الفرص لطمأنة الجميع، واعتبارهم شركاء، كما أضاعوا فرصة تحقيق منجز حقيقي، وعرّضوا السلم الاجتماعي للخطر، وفشلوا في حقن الدماء، وها هم الإخوان اليوم يواجهون شارعا يغلي ومنقسما، وجيشا متأهبا، ودولة على شفا انهيار اقتصادي، ورغم كل ذلك نجد الإخوان مستمرين بحشد مريديهم بدلا من السعي لنزع الفتيل، ونجد الرئيس يواصل إضاعة الفرص الممكنة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه سواء لمصر، أو نفسه، أو حتى جماعته، وأفضل ما يمكن أن يفعله الرئيس الآن هو الدعوة لانتخابات مبكرة، وقبل فوات الأوان، فقد يفعلها، مثلا، بعد أسبوع ويكون الوقت قد تأخر، فأسبوع في السياسة يعد وقتا طويلا، كما يقال.
ولذا، فالواضح الآن هو أن التاريخ سيكتب أن الرئيس المصري لم ينقذ بلاده ولا نفسه ولا جماعته التي ستدفع ثمنا باهظا في حال سقط الرئيس، ليس في مصر وحدها، فمثلما كان الصعود الإخواني بالمنطقة جماعيا، فإن السقوط سيكون جماعيا كذلك.

ماذا لو عاد الإخوان ؟
عمر كلاب – الدستور الأردنية
السؤال ليس سطحيا او مباغتا او يستهدف احباط عزيمة المُنادين بإسقاط الرئيس محمد مرسي , ومَن يطرحه ليس إخوانيا بل علمانيا وتصادم مع الاخوان كثيرا ولما يزل , السؤال ماذا لو فاز مرشح الاخوان في الانتخابات القادمة وماذا لو عاد الاخوان الى الشارع بعد اسقاطهم جماهيريا وبتوافق عسكري وخارجي , بمعنى اذا جرت انتخابات رئاسية وفشل الاخوان وعادوا لتنظيم مظاهرات وطالبوا بإسقاط الرئيس المُنتخب او فازوا مجددا , كيف ستكون الاحوال في مصر المحروسة ؟
السؤال يحاول اعادة العقل السياسي الى رُشده دون انفعال ودون مواقف مسبقة يَحكمها التشفي عند الخصوم وحالة التعنت عند المؤيدين , لأن المنهج المُتبع في الحالة المصرية سيقضي على اي حالة انتخابات قادمة ليس في مصر بل في الوطن العربي الذي يتأثر بالحالة المصرية ويستنسخها في حالات كثيرة , فرغم خطايا الرئاسة المصرية الا انها الحالة العربية الاولى القادمة عبر صناديق الاقتراع والتجربة بحاجة الى رعاية وتدعيم وبحاجة الى قراءة هادئة بحكم العواقب التالية .
الرئيس جاء الى الحكم بأدوات دستورية جرى التعبير عنها من خلال الانتخابات الرئاسية , والاطراف كلها تتحمل وزر تأخير الدستور الجديد والعمل بالدستور الساقط حكما بعد الثورة المصرية , الذي بات جثة هامدة بفعل ثورة الشعب المصري ولكن الجثة الهامدة افرزت رئيسا وبرلمانا , سقط الثاني بضربة دستورية وبقي الاول يتأرجح على حبال الاعلانات الدستورية المكملة والتي ساهمت في تخييط جراح الدستور السابق , وكلنا يعرف ان الجثث لا تنهض الى الحياة بعد عملية جراحية مهما كانت براعة الطبيب .
ولا يُجدي الحديث الآن عن السابق , فالاصوب كان تشكيل مجلس رئاسي وتوافق على الدستور ثم الاستفتاء عليه وبعدها الدخول في معركة ترسيخ المدنية والعدالة السياسية , والوقت لم يفلت بالكامل , بل ما زال امام الحالة المصرية فرصة للتوافق الوطني عبر حكومة انقاذ وطني تتمتع بصلاحيات واسعة وفصل الرئيس عن جماعة الاخوان المسلمين لإزالة التداخلات القاتلة التي اورثتها الجماعة لمقعد الرئاسة , فمن يحكم فعلا لا يتحمل المسؤولية القانونية والدستورية ولا يتحمل المساءلة , وهذا اوقع الرئيس في حرج واوقعه في تناقضات افقدت الرئاسة الكثير من هيبتها ووقارها .
اسقاط رئيس مُنتخب رغم خلافنا مع نهجه الرئاسي حدث شديد الدلالة في السواد على تجربة الانتخابات العربية فالرئيس مرسي هو اول ثمار الثورة المصرية والاطاحة به بتدخل عسكري ومواجهات دامية يعني انتصار تيار الظلام , وبقاء الوضع المصري على هذه الحالة وسط حكم الجماعة من خلف الرئيس اكثر ألما للحالة من سقوطها , والجماعة مطالبة اليوم ان تنحاز الى احلام الشارع المصري والعربي عموما بإعلان انسحابها النهائي من المشهد الرئاسي في مصر , والانصراف الى عملها الدعوي وترك الاحزاب السياسية التابعة لها تعمل عملها الدستوري .
الامر الآن بيد جماعة الاخوان المسلمين التي تتراجع يوما بعد يوم ويخفت اثرها في الشارع الشعبي , وتثبت كل يوم بأن الاحزاب والتيارات الدينية تملك ادوات تقويض الدولة وتملك ادوات اسقاط الانظمة لكنها لا تملك مشروعا لبناء الدولة وتحقيق التنمية وإعلاء قيمة الديمقراطية التي وصلت من خلالها الى رئاسة مصر وتشكيل حكومتي المغرب وتونس .
ريادية جماعة الاخوان المسلمين باتت ريادة محفوفة بالمخاطر وبالهواجس السوداء , وباتت حزبا حاكما وليست مشروعا تنويريا فدرجة المُحافظة فيها تُرعب كل انصار الدولة المدنية وقضية قبولها للآخر تتحطم كل يوم وهي تؤجج نار الفتنة الطائفية وتغّذيها لاسباب سياسية , وتخسر الجماعة كل يوم اعضاء متنورين من داخلها وتفقد تعاطف كثيرين كانوا ينظرون اليها كإطار تنويري جامع وخاصة بعد مشاركتها الفاعلة في الميادين الثورية , وهي المحسوبة دوما على الخط التقليدي والمحافظ والاقرب الى الانظمة منها الى الحركات الشعبية حتى وهي في صفوف المعارضة .
نموذج مصر إن انكسر فثمة غياهب سوداء ستلقي ظلالها على المستقبل العربي والمصري خصوصا وفك العقدة سلميا بيد الجماعة لا بيد خصومها , وعلى الجماعة ان تنحاز الى تراثها وذاكرة الناس معها وليس الى التيار الجديد الذي يقودها بنفس ادوات وآليات الليبرالية المتوحشة حتى تسلل الى الوعي انها متحالفة معه او شكله وتعبيره المُلتحي .



ظهيرة حزيرانية أخرى!
خيري منصور – الدستور الأردنية
حتى النيل والنخيل يخرجان عن صمتهما في هذه الظهيرة المصرية التي لا ينتصف بها نهار واحد فقط، بل حقبة اندفع فيها كل شيء الى اقصاه، وكأن موعداً لتسديد الديون التاريخية كلها قد أزف.
انها ايضاً ظهيرة حزيرانية لكن ليس من أجل الحداد الذي يعلن كل عام في الخامس من هذا الشهر الحزين، ملايين المصريين الآن في الشوارع والساحات، ولأول مرة يعلو صوتهم على هدير النيل الذي اصبح لأول مرة يعيد النظر في منابعه ويخشى ان لا يجد المصب.
هتافات وهتافات مضادة، وكأن بياناً وقعه أكثر من خمسة عشر مليون مصري يعلن ان القيامة المؤجلة اصبحت وشيكة، فالحراك الملغوم الذي خذلته البوصلة راوح عامين ونيفا، ما بين الثورة واختطافها وما بين رغيف الضرورة ووردة الحرية.
فالشعار الذي طالما رفع في فضاء مصر هو أقانيم الحياة ذاتها، رغيف وكرامة وحرية، ومصر من أكثر شعوب العالم التي عانت من الفرعنة المزمنة، ولاذت بالعسكر ثم لاذت منهم بسواهم، لأن المكبوت التاريخي طويل وعمره ألفيات وليس قروناً أو عقوداً، وما كان فصل الختام أو ظنه من اساؤوا قراءة المشهد هو الآن فاتحة.
فمن هذا الاحتدام رغم كل ما ينذر به من وداع للسلم الاهلي تولد الشرارة ومن ثم الحريق الذي يأتي على الهشيم كله، فالاخضر الطري لا يقبل الاحتراق، والنيل قد يضن على الحرائق بالاطفاء لأنه الآن يتحسس مجراه ويدخر ماءه لكن في سدّ لم يعد عالياً وفي زمن عربي سادت فيه الرطانة، وأصبحنا نُعرب الفاعل مفعولاً به، والدراما المصرية التي تبث هذا اليوم باللحم الحيّ عبر كل فضائيات العالم ليست من ثلاث عشرة حلقة أو حتى من مئات الحلقات كالدراما التركية، والسينارست ليس كاتباً محترفا واسع الخيال وقادراً على استدرار دموع ربات البيوت، انه شعب قرر ان يكتب السيناريو بما تيسر له من شقاء وما تعسر له من حرية وهو يقطع عدة مستنقعات.
ان مصر اليوم هي سؤال العالم الذي ضاق بجلده القديم فخلعه، وهي الاختبار الحاسم لاطروحات تبشر ببلوغ الشعوب سن الرشد، فهي رغم كل ما ألم بها وأعادها الى غمدها الصحراوي تبقى البارومتر الذي يقيس منسوب الحيوية والخمول في العالم العربي، لهذا فهي الآن مغناطيس الصحافة والفضاء، والعيون ترنو نحوها والجميع لا يكفون عن الرجاء بأن لا تأكل مصر نفسها، وتنسى في غمرة هذا النزاع انها مهددة بالظمأ والتصحير وأن صلاة الاستسقاء ليست هي الحل لأنها تتوكل ولا تعقل!
ستغرب شمس هذا اليوم في الأفق المصري كما يحدث في سائر الأيام، لكن ما سوف يبقى مضيئاً رغم الغروب وانقطاع الكهرباء هو عيون أطفال لهم الحق كسائر اطفال العالم في الحياة.
حرام ان يحدث هذا كله لمصر لأن لها أعداء يرون في هذا الحرام حلالاً وبشائر، وقد لا يكون هذا النهار أطول أيامها لكنه بالتأكيد ليس مجرد يوم حزيراني آخر.

سيناريو الفوضى والانقلاب مفضوحا في مصـر
ياسر الزعاترة – الدستور الأردنية
لم نعد في حاجة لانتظار يوم 30 يونيو لنتأكد مما قلناه مرارا وتكرارا ممثلا في أن السيناريو المعتمد من قبل قوى المعارضة في مصر هو تصعيد الفوضى والعنف من أجل دفع الجيش إلى الانقلاب على شرعية الشعب والصناديق، فما تابعناه يوم أول أمس الجمعة يؤكد ذلك على نحو لا يقبل الشك.
لقد رأينا المسدسات والبنادق والأسلحة البيضاء بين يدي أناس لم يختفوا خلف أقنعة سوداء على طريقة “البلاك بلوك”، بل كانوا يظهرون بوجوههم، مستندين إلى أن أحدا لن يتعرض لهم، ليس فقط لأن ذلك لم يحدث في السابق، وكانوا يخرجون بعد ساعات من اعتقالهم بأوامر أمنية، بل أيضا لأن النظام الذي يحاربونه سيسقط (برأيهم) بعد يوم أو يومين، ما سيجعلهم يصنفون في عداد الثوار، وليس الفلول كما هو حالهم الآن، فيما اختار أنصار الرئيس أن يكونوا المقتولين والمجروحين والمحروقة مقراتهم، وكانت تجمعاتهم غاية في الانضباط والهدوء.
منذ شهور ونحن نكتب عن هذا السيناريو الذي لم يغادر عقل رموز المعارضة، ممن يعرفون تماما طبيعة الأدوات التي ستستخدم في تنفيذ سيناريو الفوضى المؤدية إلى الانقلاب، ممثلة في بلطجية يستأجرهم فلول النظام السابق، ويتواطأ معهم الأمن ومباحث أمن الدولة والمخابرات، فيما تتولى دول عربية معروفة مهمة التمويل، بعد تمويلها قبل ذلك لحملة إعلامية شرسة شيطنت الرئيس والإخوان كما لو أنهم سرقوا البلاد وأذلوا العباد، فيما يعرف الجميع أن تلك الدول لا همَّ لها غير إفشال ربيع العرب في محطته المصرية كي تتوب الشعوب عن التفكير في الخروج إلى الشوارع والمطالبة بالتغيير والإصلاح، وهي قوى يشجعها الخارج الأجنبي الذي لا يريد لمصر أن تتماسك بصرف النظر عن أيديولوجيا حاكمها؛ هي التي استهدفت محمد علي باشا العلماني، وبعده عبد الناصر القومي، والآن محمد مرسي الإسلامي، حيث تدرك أن قوة وتماسك مصر هي العنوان الأكبر لنهوض العرب وقوتهم واستعادتهم لدورهم وحضورهم. ولا ننسى العبث الإيراني أيضا.
كان هذا السيناريو هو المعتمد منذ شهور، لكنه فشل بعد عجز قوى المعارضة عن توفير الغطاء “السلمي للانقلاب” إثر عجزها عن إخراج أكثر من 5 آلاف شخص إلى الميادين فيما كانت تسميه مليونيات، إلى أن جاءت فكرة “تمرد” البائسة، بتوقيع الناس على مطلب للإطاحة بمرسي، وعبر توقيعات لا يعرف أحد كيف جمعت (قال أحدهم؛ أحمد فؤاد نجم إنه وقع استمارة تمرد 16 مرة)!!
كانت الفكرة أن يجري ترتيب يوم (30 يونيو) يخرجون فيه على صعيد واحد؛ الفلول والمعارضون والمضللون، والأقباط الذين يجدونها فرصة للتخلص من نظام إسلامي يكرهونه لاعتبارات طائفية، وخلال ذلك اليوم يجري تجميع البلطجية بمقاولة واحد يمكن توفير الدعم لها من خلال مليارديرية مبارك، ومن خلال مال خليجي معروف، وذلك كي تصعَّد الفوضى إلى أقصى درجة ممكنة، وصولا إلى تدخل الجيش وإقصاء الرئيس.
لم يعد ثمة هدف آخر، فلا الانتخابات المبكرة، ولا أي تنازل آخر يمكن أن يؤدي إلى إسكات هؤلاء، فهم بدؤوا بالدستور، ومن ثم تغيير الحكومة والنائب العام، وصولا إلى إسقاط الرئيس، وهو الهدف الأول والأخير الذي لا محيد عنه بالنسبة إليهم، ولا قيمة هنا لأن يكون من بينهم أناس كانوا بين الثوار، أو حتى معارضون لم يكن بوسعهم ترتيب الأمر دون مساعدة فلول النظام السابق ودعم الخارج.
خرج الرئيس مخاطبا المصريين، فوضعهم في صورة شفافة للوضع الذي وجد عليه الدولة حين استلمها، وكيف تصرف بعد ذلك، وقدم تنازلا يتعلق بإعادة النظر في المواد المختلف عليها في الدستور، مع لجنة للمصالحة الوطنية، وصولا إلى انتخابات لمجلس شعب تشكل الأغلبية بعدها الحكومة، وهو المسار الطبيعي للوضع بعد الثورة، أية ثورة، إذ أن الشرعية الثورية لا يمكن أن تستمر طويلا، ولا بد بعدها من شرعية دستورية، وهو يمضي في هذا الاتجاه حتى لو خسر هو وحزبه الانتخابات.
أليس هذا مسار الحريصين على الثورة؟ إنه كذلك، وحكاية سرقتها رخيصة وبائسة، لأن ما يدعوهم إليه الرئيس هو جوهر الثورة، وهي إعادة الحكم للشعب والصناديق، لكنهم قوم يريدون أن يأخذوا بالعنف والفوضى ما عجزوا ويعجزون عن أخذه بالصناديق والاختيار الحر للناس، بل حتى بالحشود الشعبية التي كانت للمؤيدين أكبر بكثير منها للمعارضين كما تأكد خلال الجمعتين الماضيتين وسواهما. ووصل الحال ببعض الثوريين أن يكون شعارهم “مبارك ولا الإخوان”، وبالتالي فالقضية لا علاقة لها بالإدارة الفاشلة، ولا بأي شيء آخر، بقدر علاقتها بحسابات حزبية وأيديولوجية وطائفية، مع صلة بعضها بحسابات أخرى أكثر بؤسا تتعلق بالنظام السابق وجهات خارجية.
اليوم سينجلي المشهد، وربما احتاج الأمر إلى أيام أخرى، فإما أن ينجح الرئيس في تكريس مسار الشرعية الدستورية، وإما انقلاب عسكري تتلوه عملية سياسية مبرمجة بعد بث الإحباط في صفوف الناس وقبولهم بأي شيء عماده الاستقرار، ولو تمثل في عودة النظام السابق بعناصره الأمنية والسياسية، وحتى الاقتصادية الفاسدة.
إذا نجح السيناريو الثاني، ونسأل الله ألا ينجح، فالمجرم هو من رفض المسار الطبيعي بعد الثورة، وليس الإخوان مهما كانت أخطاؤهم ما داموا يبحثون عن شرعية دستورية تعبر عن الناس، وتحيل مصر إلى دولة مدنية حرة يختار فيها الشعب من يحكمه ويمثله، وكانت معهم (أي الإخوان) أغلبية الجماهير التي لا تمت بصلة؛ لا إلى البطجية والفلول، ولا إلى رموز المعارضة الباحثين عن دور، ولو على جثة البلد.

تفكير فى أول يوليو
فهمي هويدي – النهار اللبنانية
نستطيع أن نتصور الآن إطارا لما يمكن أن يحدث غدا (فى 30 يونيو) ــ لكننا لا نعرف شيئا مما سيحدث فى أول يوليو ــ وهو اليوم التالى مباشرة لمشهد الخروج المرتقب. علما بأن يوم الاثنين أول يوليو هو الموعد الذى تنتهى فيه مهلة الأسبوع التى حددها وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى وطالب القوى السياسية بأن تتوافق خلالها، الأمر الذى لا نرى له أثرا حتى الآن. وفيما هو معلن على الأقل فإن كلام الفريق السيسى لم يبين لنا ما يمكن أن يحدث إذا انتهت المهلة ولم يتحقق التوافق المنشود.
وإذ يبدو موقف القوات المسلحة غامضا ومثيرا للتساؤل بعد المهلة. فإن الصورة على الجانب الآخر تظل محاطة بالغموض أيضا. فقد فهمنا أن معارضى الدكتور محمد مرسى سوف يحتشدون فى ميدان التحرير بالقاهرة وفى بعض الميادين الأخرى فى الدلتا والصعيد. فهمنا أيضا أن مؤيدى الرئيس سينزلون بدورهم لكى يثبتوا حضورهم فى الشوارع والميادين من ميدان رابعة العدوية بمدينة نصر إلى غير ذلك من الميادين والمساجد فى أنحاء مصر.
الشاهد أن الطرفين سينزلان إلى الشارع لكى يثبت كل منهما حضوره ويستعرض قوته الجماهيرية. ورغم أن الطرفين يتحدثان عن حرصهما على التظاهر السلمى، إلا أن وجودهما فى الشارع يستدعى على الفور احتمالات العنف، سواء بسبب الانفعالات التى يتعذر السيطرة عليها. أو بسبب جموع البلطجية الذين يدفعون إلى تلك التظاهرات ويمارسون دورهم فى تأجيج الصراع ورفع منسوب العنف، وهو ما لمسناه فى تجمعات أقل أهمية وفى مناسبات أصغر. فما بالكم بحدث مفصلى ومهم مثل التظاهر ضد الرئيس مرسى فى ذكرى مرور عام على استلامه للسلطة.
فى هذا الصدد فإن المراقب يستطيع أن يرى فى التظاهر والاعتصام أمام قصر الاتحادية يعد تمهيدا لعنف لا مفر منه، لأنه إذا كان المستهدف هو توصيل رسالة للرئيس أو العالم الخارجى، فإن ذلك يمكن أن يتحقق بالاحتشاد فى ميدان التحرير، علما بأن الرئيس السابق سقط وفرض عليه التنحى حين كانت الحشود متواجدة فى الميدان، ولم تكن هناك حاجة للذهاب إلى مقر الاتحادية أو مقر رئيس الجمهورية.
وإذا كان توصيل الرسالة مضمونا من ميدان التحرير، فإن التحرك نحو قصر الاتحادية والاعتصام أمامه يرجح أن يكون له هدف آخر، لا يستبعد فى ظله احتمال محاولة اقتحام القصر، وهى عملية إذا تمت فأغلب الظن أن تسيل بسببها دماء غزيرة.
لأن التعليمات التقليدية المتعارف عليها منذ زمن أن يطلق الحرس الجمهورى الرصاص «فى المليان» على من يقتحم مقر رئاسة الدولة. أما الاحتمال الأكثر سوءًا فهو أن يتصدى الموالون للمعارضين فى هذه الحالة، الأمر الذى لابد أن يضاعف من غزارة الدماء التى ستسيل. لذلك فإننى أتمنى أن تترك عملية الدفاع عن القصر إلى الحرس الجمهورى والشرطة المحيطة، ليس فقط لتجنب إراقة مزيد من الدماء، ولكن أيضا لأن ذلك واجب تلك الجهات، حيث يعد مقر الاتحادية رمز الدولة المصرية وعنوانها بأكثر منه مقر وعنوان مكتب الرئيس محمد مرسى.
لا أحد يتوقع أن يحسم الأمر لصالح أى طرف فى 30 يونيو. وأغلب الظن أن يكون الحاصل فى ذلك اليوم مؤشرا على ما يمكن أن يحدث بعده. ولست أشك فى أن المعارضين سيبذلون غاية جهدهم لتحقيق مرادهم غدا من خلال وسائل عدة تمثل الحشود الكبيرة حدها الأدنى، وهو ذاته الذى سيلجأ إليه مؤيدو الرئيس من خلال الحشود المضادة. ولا أحد يشك فى أن دعاة التهييج والفوضى سوف ينتهزون الفرصة لاستئناف دورهم، وتصعيده إلى أبعد مدى ممكن.
هكذا، فأغلب الظن أن يوم الاثنين سيكون استنساخا ليوم الأحد مسكونة بمنسوب أعلى فى التصعيد المرشح للاستمرار حتى نهاية الأسبوع (عنوان الصفحة الأولى الذى نشرته باللون الأحمر إحدى صحف الخميس 27/6 كان كالتالى: المواجهة مستمرة حتى آخر نفس) ورغم الاحتياطات المكثفة المتخذة لضبط الأمن فإن الانفلات ليس مستبعدا، لأن أية قوات أمنية من الشرطة أو الجيش لن تستطيع مواجهة الجماهير الغفيرة، خصوصا إذا ما تم استدراج الطرفين للاشتباك.
هذا التطور إذا حدث وهو الأرجح فإنه سوف يستدعى سؤالين أحدهما عن موقف قيادة القوات المسلحة، والثانى عن موقف الإدارة الأمريكية، التى تحتل مصر موقعا خاصا فى سياستها إزاء الشرق الأوسط. يراودنى سؤال ثالث عن موقف المراجع والعقلاء فى مصر، ولكننى أتردد فى طرحه. ويحزننى أن أقول إننى لم أعد أعول عليه كثيرا، لأن هذه الشريحة من النخبة توزعت بين فريق آثر الصمت وآخر انخرط فى الاستقطاب وانزلق إلى التحريض والتهييج، ومن ثم استقال عمليا من الدور التاريخى المنوط به.
الإسلام هو الحل! فماذا عن الآخرين؟
فؤاد مرعي – السفير اللبنانية
تشكل العصبية الدينية علّة وجود الحركات الإسلامية. في غيابها لا وجود لهذه الحركات. وفي احتجابها لا يمكن التمييز بين الأحزاب الدينية والأحزاب المدنية. لكن هذه العصبية غالباً ما تُخفي في طياتها أغراضاً سياسية. وهي تؤمّن للمحتشدين تحت لوائها شعبية كبيرة. إلا أنها في المقابل تدخلهم في صراعات وجودية مع الآخرين، وبصورة خاصة مع خصومهم الإسلاميين. ولا يمكن تفادي هذا النوع من الصراعات إذا كانت التشريعات الديموقراطية نفسها تسمح بهذا الخلط العضوي بين الدين والسياسة.
وبدلاً من أن تؤدي جهود الحركات الإسلامية الى تغيير العالم، فإن جهودها غالباً ما تؤدي الى وضعه امام مصائر تراجيدية. يتجلى هذا الأمر من خلال تحول الصراع السياسي/ الاجتماعي من أجل الحرية والعدالة والاستقلال الى صراعات ميتافيزيقية لا حلول لها. وفي أحسن الأحوال يتحول الصراع الى نزاعات فقهية حول عدد كبير من القضايا والوقائع التاريخية التي أصبحت جزءاً من الماضي.
لقد تبين من تجارب الحركات الإسلامية الحديثة في الحكم انها غير قابلة بنيوياً وفكرياً للاندماج في المنظومة العالمية القائمة، لا من موقع الشراكة ولا من موقع الاعتراض السلمي الديموقراطي. وهي عندما تعارض هذه المنظومة لا تسعى الى تغييرها او تطويرها، وإنما تسعى الى استبدالها بأخرى منفصلة عنها بقدر انشدادها الفكري الى الماضي وابتعادها عن معارف العصر، فيما تسعى بعض هذه الحركات الأكثر براغماتية الى مهادنة المنظومة العالمية كي تأمن شرها او تحتمي بها من أجل الاحتفاظ بالسلطة أطول فترة مُمكنة.
في كل الأحوال تظهر غربة الحركات الإسلامية عن العصر من خلال نظرتها النمطية الى الناس وتعاملها معهم على أساس انتمائهم الديني لا على اساس هويتهم الإنسانية العالمية. وهي تفعل ذلك بمعزل عن رأي الآخرين «المُختلفين» تحت شعار أن دينها وحده هو الحل، وان مذهبها وحــده على حــق. على هذا الأســاس تبــني حملات التعبئة والتجيـيش لأنصارها ومُحازبيها .
اما الحركات التي نجحت في التأقلم مع النظام العالمي الراهن فقد اضطرت - تحت الضغط - الى تقديم تنازلات جوهرية في ظل أنظمة علمانية او شبه علمانية (الإسلام التركي على سبيل المثال). وهو ما تحاول جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر النسج على منواله في ظروف وشروط مختلفة.
ان الحركات الإسلامية بطبيعتها هي حركات تبشيرية ترى أن من واجبها ان تنشر الدين الإسلامي في أي مكان من العالم. فكيف بالأحرى في بيئتها المحلية؟ وهي تعتبر أن هذا النشاط التنويري حقٌ من حقوقها الشرعية سواء بالمقاييس الديموقراطية المدنية ام بالمقاييس الدينية الإسلامية. غير أن ما تعتبره حقاً لها يصطدم بواقع آخر أصبح سائداً في العالم بفعل التحولات الكبرى التي طرأت على الاجتماع البشري. هذا الواقع لم تعد تسمح قوانينه وأعرافه السياسية والدستورية بالتبشير الديني إلا في الأماكن المخصصة لذلك، اي في المساجد والكنائس ودور العبادة المختلفة وما يتبعها من مؤسسات خيرية وإنسانية. وهو حق مقدس ومصان، بات معترفاً به في كل الأنظمة الديموقراطية.
ان الفهم الخلاصي للدور والوظيفة يجعل الحركات الإسلامية تضع مرجعيتها الدينية فوق مرجعيتها الدستورية والقانونية، وانتماءها الديني فوق انتمائها الوطني والقومي. وهي بذلك ترمي الى إعادة تشكــيل العالم على صورتها ومثالها الفريد الذي تعتقد أنه مبارك - بصورة حصرية - من العناية الإلهية. وعندما تسيطر حركة او جماعة دينية على السلطة في بلد ما وتصبح مسؤولة عن المصالح الوطنية والقومية لهذا البلد، ينشأ تداخل عضوي بين المشروع الديني والمشروع الوطني لتلك الحركة او الجماعة بحيث لا تستطيع اي قوة في العالم ان تفك عُراه إلا من خلال الصراع الداخلي بين القوى الدينية والمدنية، بينما لا تشكل الصراعات الخارجية، دينية أو قومية، سوى معارك إضافية لدفع الأذى والشر عن المُستهدفين منها، أكثر مما هي معارك نوعية لجلب الخير، حتى وإن كانت دفاعية وشرعية. فهذه المعارك لا تُقدّم حلاً وعلاجاً للمشاكل الداخلية المستعصية.
وقد وقع بعض المثقفين والناشطين في المجتمع المدني في خطأ تشبيه الحركات الإسلامية في الشرق بالأحزاب الديموقراطية المسيحية في الغرب، وهو تشبيه يفتقر الى العناصر الشكلية والمضمونية على حد سواء، لأن تلك الأحزاب المُسماة مسيحية ليست لديها أجندات دينية او لاهوتية معلنة، وهي لا تنطلق في عملها السياسي من الكنائس والأديرة ودور العبادة. فضلاً عن أنها لا تستخدم شعارات دينية ومذهبية تسمح لها بحصد أصوات الناخبين المسيحيين في الانتخابات. فالقوانين المدنية تمنعها من ذلك، وهي قوانين ذات طبيعة تعاقدية محايدة في ما يتعلق بالهوية الدينية او العرقية للمواطنين، وإن كانت غير محايدة في ما يتعلق باقتسام العمل وتوزيع الثروات الوطنية. فالعالم يدار اليوم من مراكز الاقتصاد والسياسة وليس من الجوامع والكنائس. ولقد استطاعت دول محورية مستقلة - كالبرازيل وفنزويلا على سبيل المثال - ان ترفع من مستوى أدائها الاقتصادي / الاجتماعي عبر الاقتراع الحاسم لمصلحة قوى مدنية ثورية بمعزل عن الانتماء الديني لمواطنيها.
ان الانقسام الديني المستعاد من الماضي لا يستطيع ان يحجب التناقض الصارخ بين مصالح الفقراء والأغنياء في العالم لفترة طويلة من الوقت، إلا بفعل عوامل سلبية راسخة. من بين تلك العوامل تبرز أولاً درجة التخلف التي تميز مجموعة من البشر عن سواها من المجموعات. يُضاف إليها الثقافات الموروثة التي ترى تناقضاً بين حق الإنسان في عيش الحياة بالطريقة الإيجابية الهــادفة الى تحقــيق السعادة والفــرح وحقــه في التعبـّد الشخـصي للإله الواحد الذي يؤمن به. هذا التعارض الفلسفي بين الاحتياجات الدنيوية والاحتياجات الخاصة بحسابات الآخرة لا يزال حاضراً كإشكالية مفهومية لدى الحركات الإسلامية. وهو ما يؤدي الى تقديس النفس والروح البشرية في فكر هذه الحركات من ناحية، والى سهولة إرسالها الى العالم الآخر من ناحية ثانية. وهو تناقض لا يُشكل مفارقة عقائديــة إلا من حيث الشكل. لأن جوهر العقيدة الدينية (لدى معظم الأديان) يميل بشكل تلقائي الى وضع الحياة والآخرة في ثنائيات ضدية. وهو أمر قد ينطوي على حكمة فلسفية، ما لم يقع في مُغالاة تؤدي في أغلب الأحيان الى جعل الحياة غير ذات قيمة.
وبدلاً من أن تنشغل الشعوب العربية والإسلامية بوضع دساتير مدنية حديثة لدول عصرية تحترم حقوق الإنسان الطبيعية، ولا تخيف المجتمعات الأخرى، تجد نفسها منخرطة في صراعات إيديولوجية مشدودة الى الماضي، سواء مع الآخرين، او فيما بينها. إن مصلحة الشعوب العربية تكمن في الانفتاح الثقافي على المجتمعات الأخرى والاندماج الواعي في النموذج المدني العالمي، وليس في الدعوة الى إعادة تقسيم العالم على أساس ديني ومذهبي. فهذا الاتجاه يؤدي الى السير بعكس التاريخ والإنجازات العالمية المُتراكمة.
ان ما يخيف اليوم هو ان يكون الانقسام الديني قد قطع نصف الطريق نحو أهدافه الكبرى بحيث بات متعذراً تفادي الكارثة الإنسانية والخسائر الناجمة عنها. فنحن اليوم نعيش في قلب المحنة، وهي الى اشتداد، ولا نرى أفقاً لها على المدى البعيد. إنها لمفارقة ان يبدو استقلالنا الوطني مرهوناً الى هذه الدرجة بقدرتنا على بناء الدولة الوطنية الديموقراطية المُستقلة كما فعلت سائر الأمم والشعوب ومنها دولتا إيران وتركيا المُستقلتان. فلولا رسوخ الاستقلال الوطني في هذين البلدين المُسلمين ومتانة اقتصادهما والتزامهما بلعبة ديموقراطية داخلية تعاقدية، لما استطاعا ان يلعبا هذا الدور الكبير في صراع النفوذ على العالم العربي المريض.
لقد باتت المجتمعات الحديثة تعتمد على أفراد أحرار ناضجين ولم يعد بالإمكان تشكيلها من أفراد رعايا مُحطّمين يائسين منزوعي الحقوق والأهلية. كما ان الدين لم يعد بإمكانه ان يلعب دور الدولة في تنظيم الصراع السياسي - الاجتماعي بين المواطنين على توزيع الثروات والنفوذ وبسط الأمن بالقانون او بالقوة. إن في ذلك ظلماً كبيراً للدين كعقيدة إيمانية وللدولة كعقد اجتماعي.

الجيش في زمن «الربيع العربي»
عريب الرنتاوي - الدستور الأردنية
تكشّفت ثورات “الربيع العربي” وانتفاضاته، عن الدور المحوري الذي يلعبه الجيش لا في حماية الحدود والنظام العام فحسب، بل وفي حفظ الدولة والمجتمع سواء بسواء .. في الدول التي انهارت في الجيوش وتفككت، انهارت الدول وتفسخت المجتمعات وعمّت الفوضى والحروب الأهلية وشتى أنواع الاقتتالات.
العراق، ومن قبله الصومال، وفّرا أول النماذج للأثر التدميري الشامل لتفكك الجيش وانحلاله .. جاءت ليبيا لتقدم مثالاً آخر على الفوضى المستحكمة والمستدامة المترتبة على غياب الجيش أو تغييبه .. أما مصر وتونس فلولا الجيش، وانحيازاته الواضحة للإرادة الشعبية كما صاغتها الغالبية العظمى من المواطنين، لكان البلدان قد تورطّا في حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس .. ما يجري في ليبيا من فوضى شاملة، وتحكم المليشيات والعصابات وتغلغل القاعدة والسلفية الجهادية فوق ترابها، يؤكد الحاجة للجيش ودوره المحوري.
وإن كان ثمة من بصيص أمل في خروج العراق من عنق الزجاجة، بعد أن خرج من حفرة “الفصل السابع” التي وقع فيها قبل أكثر من عقدين من الزمان، فإن “نواة الجيش الصومالي” هي القشة التي يتعلق بها الصوماليون للخروج من قبضة “القاعدة” و”الشباب” وحروب الطوائف والقبائل والعصابات والقراصنة .. أما مصر وتونس، فالجيش هو ضمانة “عدم تغوّل” القادمين الجدد للسلطة، بكل الشبق والنهم والرغبة في الهيمنة والاستئثار، توطئة للاستبداد والتفرد .. لولا وجود الجيش على منصة المراقبة، لعاث هؤلاء تنكيلاً بخصومهم وإمعاناً في تهميش “الآخر”.
سوريا تنهض كشاهد على محورية دور الجيش، فهو الذي يبقي الدولة حتى الآن، وهو الذي يوفر “اللاصق” الضرورية لعيش المكونات السورية المشترك .. وإذا ما قُدّر للجيش السوري أن ينهار ويتفكك، فأقرأوا على سوريا السلام .. وانتظروا أن تنبثق على أطلاقها “سوريات” عديدة، مقسمة وفقاً لخرائط المذاهب والأقوام.
لبنان المفكك طائفياً ومذهبياً، والموزّعة رئاساته ومؤسساته وسلطاته وأجهزته على الطوائف وفقاً لأحجامها وأوزانها، لبنان هذا ما كان ليبقى قطعة واحدة حتى اليوم، لو أن جيشه توزّع بدوره على الطوائف والمذاهب .. ولقد جاء انتصار الجيش قبل أيام على “بؤرة الفتنة المذهبية” ومشروع ميليشيا القتل على الهوية، لكان لبنان، قد التحق بالعراق وسوريا، واستعاد صور حربه الأهلية المديدة والمريرة، ولكنا قد فتحنا صحفة جديدة في سفر التفكك العربي، خاصة بهذا القطر الشقيق.
وفي تركيا، ما كان لأردوغان وتياره في حزب العدالة والتنمية، أن ينحو مذهبياً ودينياً، وأن يبدأ بتفكيك علمانية الدولة التركية، وأن يتعامل مع خصومه بكل هذه الغطرسة والاستعلاء والاستكبار، لولا أنه نجح في إضعاف الجيش، وأعادته إلى “البراكسات”، وبترحيب أوروبي وغربي واسع، تبدي عواصم عدة، ندمها الشديد عليه.
ثمة قوى عديدة، الإسلامية بخاصة، “تكره جيوشها الوطنية”، ليس لأن عقيدتها القتالية لا تنهض على “العداء لإسرائيل” كما يزعم الناطقون باسمها، بل لأنها ستظل شوكة في حلق هذه القوى، تمنعها من فرض سلطانها المتفرد .. بعضها يستهدف الجيش عسكرياً وبصورة مباشرة، كما يفعل الجهاديون والسلفيون والقاعدة في معظم الدول، فهذه التيارات لا تنمو إلا خارج الدولة وعلى أنقاضها .. وثمة قوى إسلامية أخرى، تسعى في اختراق الجيش لتدبير انقلابات بواسطته للوصول إلى السلطة، وفي هذا المجال برع الاخوان والقوميون، وحول هذا الهدف تركزت جهود “حزب التحرير الإسلامي” .. لكن في غالب الأحوال، فإن الجماعة الإخوانية، تفضل استهداف الجيش بالوسائل السياسية، ومن بينها التشكيك بدوره الوطني والقومي، ومن بينها الإساءة لصورته ومكانته، خصوصاً حين يكون في الخندق المقابل لها، أما حين تتواطئ الجيوش معها، فتسقط عنها كل هذه الاتهامات دفعة واحدة، وقد يصبحون “جند الله في أرضه”.
في الأردن، ظلت المؤسسة العسكرية بعيدة عن السياسة وتقلباتها ويجب أن تبقى كذلك.
والجيش الأردني، يعد اليوم أهم المؤسسات التي تحظى بإجماع الأردنيين، لم تتناوله سهام النقد والتجريح، ولم تستهدفه المظاهرات والاعتصامات والحراكات الشعبية والشبابية.
وكما في مختلف الدول العربية، فإن للجيش وظيفة حماية الحدود، فضلاً عن الوظيفة الضاغطة في مناخات الربيع العربي: حماية الدستور وقواعد اللعبة السياسة والمصالح العليا للدولة والمجتمع .. ولهذا السبب بالذات، يجب توخي الحذر في الدعوة لأي إجراءات أو تغييرات، يمكن أن تمس من مكانة الجيش وهيبته ودوره وموقعه، فقد صرنا في زمن تحوّلت فيه الجيوش، إلى نقيض الميليشيات المصطرعة والاحتراب الأهلي والفوضى الشاملة.

ربيع الأردن ... الطريق الثالث
محمد حسن التل – الدستور الأردنية
المتأمل في واقع دول الربيع العربي، تترسخ لديه القناعة التامة بصحة ورجاحة ما ذهب إليه الأردن في الإصلاح التدريجي المتراكم، البعيد عن الطرق الوعرة، التي تؤدي حتماً إلى المجهول والفوضى، والتي لا تخدم إلا فكرة الدمار، سيما وأن دول ما يسمى بالربيع العربي، انقسمت إلى قسمين: القسم الأول سلك طريقا اطاح من خلاله بالدولة بشكل كامل، مما أوصل الأمور فيها إلى حالة فوضى عارمة، تضرب كل ما بَنته الشعوب على امتداد قرون وعقود، وأطلّ التناحر المحموم على السلطة برأسه، دون أن يراعي أحد المصالح العليا للأوطان. والقسم الآخر من هذه الدول، سلك طريقا تعنّت من خلاله النظام فيها واستكبر، ولم يستجب إلى تطلعات الشعوب في الحرية والعدالة، فكان الصّدام والدّمار، كما يحدث في سوريا منذ أكثر من عامين.
الأردن اختار الطريق الثالث، وهو الدخول في الإصلاح بطريقة توافق عليها النظام والشّعب، وبتدرّج مدروس لا يخلّ أبداً بثوابت الدولة، وأسس احترام آمال وتطلعات الإنسان الأردني، بمزيد من الحرية والكرامة، وباختيار الأردن لهذا الطريق، فقد جنّب نفسه متاهات الخراب والفوضى، والسّير على طريق المجهول، الذي ينسف كل إنجاز، ويقضي على كلّ أمل في الحياة والبناء، وللحقيقة والتاريخ، فإن تناغم الأغلبية الساحقة من الأردنيين، مع توجهات الملك عبدالله الثاني للإصلاح، كان الأساس في عبور الأردن مفاصل كثيرة، في زمن ما سمي بالربيع العربي، ولولا هذا التّناغم الذي جاء نتيجة وعي القيادة والشّعب معاً اللذين هيأهما الله تعالى لنا، لتعرضنا إلى ما لا يحمد عقباه، فالتحمت بالأردن عبقرية القيادة وحكمتها مع وفاء الشعب وإخلاصه لوطنه، واستعداده للحفاظ عليه بكل غالٍ، ولم تكن إصلاحات الأردن إصلاحات تجميلية، رغم بعض الأصوات المشككة، حيث حصّن الأردن نفسه، بمنظومة تشريعية جديدة، تكفل -كما قلنا- الحفاظ على مكونات الدولة الحقيقية، مع نوع من العصف الحضاري لهذه التشريعات، لتحاكي ما استجدَّ على الساحة العالمية والعربية بالذّات من تطلعات للشعوب في الحرية والكرامة، بدءاً من تعديل ما يقارب نصف الدستور، مروراً بكل التشريعات، وإنشاء المؤسسات التي تصبغ على عمليتنا الإصلاحية، درجة كبيرة وواسعة من المصداقية.
ولم تكن إصلاحات الأردن إصلاحات تجميلية، وذلك لأن عملية التّناغم والتلاحم التي أشرنا اليها، أنتجت لحمة وطنية قوية، وجبهة داخلية متماسكة، حيث كانت الأساس ونقطة الارتكاز في حماية المُنجز الوطني، خصوصاً في الأمن والاستقرار. ولقد أثبت الملك في خضم فوران ما سمي بالربيع العربي، وفي لحظة لم يعد فيها المواطن العربي، ومن ضمنه المواطن الأردني، يفرِّق بين الغثّ والسّمين في المطالبة في الإصلاح، وفقدت معظم القيادات العربية توازنها، أمام الفوران الشعبي الهادر، واختلط أصحاب النوايا السيئة بأصحاب النوايا الحسنة، ولُبِسَ على الناس الفرق بين الطمع والطموح، أثبت الملك أنه صاحب عبقرية متفردة، في التعامل مع متطلبات شعبه، واستطاع في لحظات حرجة متعددة، أن يجنب وطنه وشعبه الاندفاع نحو الطريق المجهول، المؤدي إلى الفوضى والدّمار.
وللحقيقة والتاريخ، أنه تحمّل أثناء تلك الفترة، الكثير من الضغوطات، سواءً الداخلية والخارجية، وظلّ قابضاً على جمر الحفاظ على الوطن، والإصرار الكبير على أن يمضي الأردن في الربيع العربي، على الطريق الثالث البعيد عن الصدام والدمار، والمتجاوب مع تطلعات وآمال الشعب.
في المحصلة نجح الأردن، واستطاع أن يعبر منعطفات كثيرة خلال الفترة الماضية، بكل ثقة نحو مستقبل آخر، يضمن للأجيال الجديدة حياة أفضل.

سياسة النظام وتغييرات الخريطة السكانية
فايز سارة – الشرق الأوسط
تؤكد نظرة سريعة إلى الخريطة السكانية في سوريا، حدوث تغييرات وتبدلات خطيرة فيها مقارنة بما كان عليه الوضع قبل انطلاقة ثورة السوريين على نظامهم في مارس (آذار) من عام 2011. والأساس في التغييرات التي أصابت الخريطة السكانية السورية هي عمليات الهجرة والتهجير في المستويين الداخلي والخارجي، والمحصلة في الحالتين أصابت أكثر من ثمانية ملايين نسمة، نحو نصفهم في الداخل ومثلهم في بلدان الجوار أو الأبعد منها، والعدد الإجمالي للمهاجرين والمهجرين يزيد على ثلث سكان سوريا.
ورغم مركزية المتغير السابق في الخريطة السكانية السورية، فإن ثمة متغيرات أخرى حدثت، من بينها التبدل الحاصل في التوزع العام للسكان على المناطق ما بين المدن والأرياف، وفي التغييرات التي أصابت الخصائص العامة للسكان من حيث التبدلات المتصلة بالعمر والعمل والدخل والتعليم والصحة وغيرها، وكلها شهدت تغييرات جوهرية، ولها دلالات عامة، وإن كان من الصعب إيراد الأرقام والنسب الدالة على هذه المتغيرات بسبب ما آلت إليه الأوضاع في سوريا من غياب لمؤسسات الإحصاء والبحث، وعدم توافر العوامل المساعدة للقيام بذلك.
وحدوث التغييرات السابقة على واقع السكان السوريين، كانت له انعكاسات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية على الواقع الراهن، وسوف تكون له تأثيرات مستقبلية كبيرة على سوريا والسوريين، تمتد إلى عشرات السنين في تأثيرها على الدولة والمجتمع. وبطبيعة الحال، لا يمكن رؤية تلك الانعكاسات بعيدا عن سياسة النظام وممارساته خلال العامين ونصف العام من عمر الثورة، وأثرها في وصول الخريطة السكانية إلى وضعها الراهن نتيجة سياسة وممارسات القوة والإرهاب والتدمير التي تواصلت في مختلف الأنحاء السورية.
لقد كان الهدف الأول للنظام في بداية الثورة، هو إسكات المظاهرات ووقف حركة الاحتجاجات، وكانت الوسيلة الأولى التي بدأت في درعا، وامتدت إلى بقية المناطق ذات طابع مزدوج، حدها الأول إطلاق النار على المتظاهرين قتلا وجرحا، والحد الثاني كان شن عمليات الاعتقال ضد الناشطين في الحراك المدني والسياسي. غير أن هذه الوسيلة، لم تحقق النتائج المطلوبة، وهو ما جعل الأجهزة الأمنية والعسكرية، إضافة إلى عصابات الشبيحة التي جرى تنظيمها على عجل، تطور سياساتها وممارساتها، فانتقلت بوسائل إرهابها من التخصيص إلى التعميم، بمعنى تجاوز استهداف المتظاهرين والمحتجين والناشطين على تنوعهم، وتوجيه القمع والإرهاب إلى المناطق الناشطة بغض النظر عمن يمكن أن تصيبه آلة القمع في قتلها وجرحها واعتقالها الأشخاص وفي تدمير الممتلكات، وهكذا أخذت تظهر الهجمات على أحياء في المدن ومثلها ضد القرى التي تشهد فعاليات ضد النظام، عبر حصارها ثم الدخول إليها وسط إطلاق نار كثيف وعشوائي، ومنظم الأهداف في بعض فعالياته بحيث يصيب أشخاصا بعينهم، بينما تجري عمليات اعتقال مماثلة تزاوج بين الاعتقال العشوائي والمقصود، وكله يترافق مع تدمير وإحراق ما أمكن من ممتلكات، بينها بيوت ومحال تجارية، بهدف ترويع السكان وإخافتهم. ولأن هذه الممارسات لم تمنع تواصل الأنشطة المناهضة للنظام، فقد أضيف إليها ارتكاب جرائم السرقة والنهب والاعتداء على الأعراض، مما صعّد مخاوف سكان المناطق المستهدفة، ودفع المزيد من سكانها للمغادرة إلى مناطق أخرى، الأمر الذي أسس للحراك السكاني الذي بات أهم ملامح الخريطة السكانية في سوريا.
لقد طورت هذه السياسة وما رافقها من ممارسات تعززت بعمليات القصف المدفعي والصاروخي وبالأسلحة الكيماوية، أهداف النظام في إعادة تركيب خريطة الصراع الدائر. فهي وفرت في البداية فرصة قتل واعتقال الناشطين والعمل للتأثير بصورة سلبية على الحواضن الاجتماعية للثورة، ثم أضافت إلى ما سبق، العمل على نشر الذعر والخوف وخلق صعوبات العيش، ثم طورتها في العمل من أجل تهجير السكان سواء باتجاه مناطق سورية أخرى أو إلى الدول المجاورة، وفي كل الأحوال فإن عملية التهجير، كانت تحقق للنظام جملة من الأهداف، أبرزها تغيير البيئة العامة للمهاجرين الذين كانوا يتركون كل شيء خلفهم من بيوت وممتلكات ووسائل الكسب والعيش، محاولين النجاة بأنفسهم من القتل والاعتقال الذي كان يفوق سابقه بكثير.
ولم يكن تدمير البنى الحاضنة لحركة التظاهر والاحتجاج وخلق إشكالات ومشاكل للمنتمين إلى هذه الحاضنة باقتلاعهم من بيئاتهم هو الهدف الوحيد، إنما كان إلى جانبه هدف مركزي آخر، وهو إلقاء ثقل هؤلاء على مناطق أخرى، وإشغال النشطاء فيها بمشاكل القادمين واحتياجاتهم، الأمر الذي جعل المناطق الأخرى تخرج من حركة التظاهر والاحتجاج، وتدخل في مجال الإغاثة لتأمين سكن وغذاء ودواء لعشرات آلاف الأشخاص، الذين أخذت أعدادهم تتزايد بصورة المتواليات الهندسية. ولم يكن هذا الحال شأن نشطاء الداخل السوري فحسب، وإنما امتد إلى حال النشطاء في دول الجوار في الأردن ولبنان وتركيا، حيث وصل عدد اللاجئين إلى نحو ثلاثة ملايين شخص، ومثلهم في الداخل أو أكثر من ذلك بقليل.
خلاصة القول، إن سياسة النظام وممارساته الدموية غيرت الأوضاع السكانية على الأرض، ونقلت الحراك المدني في غالبه من النضال في مواجهة النظام إلى مهمة معالجة آثار ممارسات الدم في تهجير وإفقار السوريين وخلق ظروف شديدة القسوة تجعلهم أعجز عن الاستمرار في الصراع مع النظام من أجل إسقاطه وبناء نظام ديمقراطي يوفر العدالة والمساواة والكرامة للسوريين، وهي المهمة التي ما زالت أغلبية السوريين تعمل باتجاه إنجازها رغم كل الظروف الصعبة والمعقدة.

انتحار اللبنانيين.. الدولة أو الهاوية
ريتا فرج – السفير اللبنانية
تكشفت الفتن المتنقلة في لبنان عن مؤشرٍ خطير مفاده أن الطوائف تستكمل نحر الدولة باسم الجماعة، بعدما أجهز عليها أمراء الحرب المتربعون على عروش السلطة منذ نهاية الحرب الأهلية، من دون أن يتعرض هؤلاء لأي محاسبة حقيقية من قبل الرأي العام، وهم الذين تورّطوا، إما بالدم، وإما بسرقة المال العام. لا ننفي أن هناك حراكاً مدنياً بدأت تتضح معالمه في المرحلة الأخيرة، علماً أن الزعماء تحايلوا على المجتمع المدني وقلموا أظافره كي لا تبقى قوة مجتمعية فاعلة ومؤثرة.
إن الأحداث الأمنية التي شهدها ويشهدها لبنان تبرهن على معطيين أساسيين: هشاشة الدولة والنظام؛ وسطوة الهوية الطائفية على الهوية الوطنية الجامعة. ليس للبنانيين ما يجمعهم اليوم سوى الحديث عن حقوق طوائفهم المهدورة والمسلوبة؛ تحوّلوا من جماعات أولية تسير باتجاه المواطنَة الى جماعات مدججة بالخطاب الطائفي/ التذريري الذي ينهش جسد الدولة.
بات لبنان مجالاً جغرافياً بلا دولة ناظمة، تتقاتل فيه وعليه الطوائف القلقة بامتدادها الاقليمي والديني. والأخطر من عملية التفخيخ الممنهج للمؤسسات الوطنية من قبل الطبقة الثنائية الحاكمة التي أثبتت عجزاً فاضحاً في إدارة الحكم، أن اللبنانيين في مقاتلهم أثبتوا أيضاً ضعفاً في الانتماء الوطني، فصوت الطائفة عندهم يعلو على كل شيء.
ربما تكون تداعيات الحرب الأهلية شكلت هي الأخرى رافداً من روافد أزمة لبنان الراهنة مع نفسه ومع محيطه، بعيداً من الصاعق السوري الذي لا شك في أنه سيغير وجه المنطقة، إلاّ أن حال الانهيار التدريجي، غير الفجائي، تدل على معضلة بنيوية عميقة في النظام الطائفي المتآكل الذي يعزز انفصال اللبنانيين عن هويتهم وعن كونهم أمة حديثة، تتميّز بالتعددية المولدة للابداع والتي يُفترض أن تندمج في الدولة ومعها.
يمر لبنان في نفق الجنون السياسي غير المسبوق. لا يقتصر الجنون المشار اليه على الفئة الحاكمة، إذ يمتد الى الجماعات التي تتماهى مع قياداتها وزعمائها، وهذا يدفعنا الى القول: «ثمة هذيان عنفي يتجسّد في كيفية تعاطي اللبنانيين مع بعضهم البعض، حيث تتحكم بهم لغة مزدوجة تتعاطف مع الآخر في العلن وتلعنه في الخفاء».
هل نحن على مشارف التصدع الكبير؟ هل دخلنا في الانتحار الجماعي؟ إزاء المخاوف من انهيار الدولة والشرخ العمودي في المجتمع اللبناني أين هو صوت أهل العقل؟ وكيف ولماذا يُغيَّب العقلاء وهم كثر؟ في مراحل الانهيار و«الفوبيا» الطوائفية لا يسمع أي طرف إلاّ لذئبيته السياسية.
لقد تحولت الدولة المجوفة من الداخل الى كيانٍ يرعى الطوائف ومصالحها بدلاً من أن تتدرج شيئاً فشيئاً نحو تطبيق القانون والمحاسبة والرعاية الاجتماعية. الدولة الحديثة وبصرف النظر عن التفسيرات الليبرالية والماركسية هي الكيان الحقوقي، وهي أحد الأشكال التاريخية الممكنة لتأسيس وحدة الجماعة السياسية، وتحمل مسؤوليات مصيرها، والدولة بالمعنى الذي أرساه إميل دوركيم تُعِد نظيراً للظهور التدريجي للتكافل العضوي على حساب التكافل الآلي. والحال أي دولة عرفها لبنان، دولة الطوائف، دولة القسمة، دولة المحاصصة؟ يحار المرء أي توصيف يضعه لدولتنا، الأكيد أننا على أرض بلا دولة.
ما الذي يحتاجه اللبنانيون السائرون على دروب الانتحار الجماعي؟ نحتاج الى مؤتمر وطني تأسيسي/ تصالحي، يصالحنا مع ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ويؤسس لعقد اجتماعي جديد. تبدو هذه الدعوة طفولية أو طوباية، كيف لا ونحن نسير في موتنا العام وانتحارنا الاختياري. هواجس الطوائــف وقرقعة الفتــنة وتآكل الدولة وظاهــرة العنف السياسي والمجتمعي/ التغالبي، تشي كلها بلحظة ما قبل إعلان السقوط.
لم يتفاجأ الخارجون من الضوء بصراخ وعويل الطوائف اللبنانية التي يدّعي كل طرف فيها تعرضه لظلم ولطغيان طائفة على أخرى. توقع الحكماء دخولنا في الممنوع؛ لكن الأدهى من مخاطر وإرهاصات الفتنة، إن اعتبرناها خارجية، هذا التداعي الجماعي والتحصن وراء المقدسات. المقدس هنا، هو الطائفة، قدس أقداس اللبنانيين، ومن يتعرض لأي مجموعة خارجة عن القانون، بما بقي منه، كأنه يهدد الطائفة التي تنتمي اليها. ماذا حلّ بنا في أزمنة القحط السياسي؟ أي ثمن ستدفعه الأجيال القادمة بفعل إفراغ الدولة وتهميشها على حساب تعزيز قوة الطائفة؟ وعلى ماذا سوف نبني معاركنا المقبلة؟
دخل اللبنانيون في المحال، وبدأوا التأسيس لجزر منعزلة، تحتاج الى من يرسم حدودها؛ بؤر موحشة ومظلمة تفقد لبنان شيئاً فشيئاً طابعه التعددي/ المتجانس في السلم والمتشنج في الحرب.
هنا نقف أمام سؤال إشكالي، كيف يمكن تظهير المشتركات الاجتماعية بيننا؟ وهل فعلاً تحتفظ كل طائفة بهويتها بمعزل عن الطوائف الأخرى؟ في الحقبة المحزنة والمتفجرة الحالية تنطبق علينا مقولة الكيانات الهجينة داخل مساحة الوطن الواحد أو «بيت بمنازل كثيرة»، على حد تعبير المؤرخ الراحل كمال الصليبي.
الحاصل أن لبنان قاب قوسين أو أدنى من الانهيار. مجلس نيابي معطل يمدد لنفسه، ولا تسمع أصوات المعارضين حكومة مؤجلة. قضاء تشوبه علامات استفهام كثيرة، طوائف متناحرة، قيادات سياسية عاجزة راكمت فوق عجزها انتظار ما ستنتهي اليه الأزمة السورية، مجتمع مأزوم فاقد الثقة بمكوِّناته وبنفسه. أمام كل هذه المؤشرات السلبية ليس أمامنا سوى خيار واحد بين اثنين، إما إعادة بناء الدولة على أسس نظام سياسي حديث، وإما الهاوية.

الديموقراطية الليبرالية أو الحروب الدينية
خالد الحروب – الحياة اللندنية
على صرخات «يا حسين» عند ذبح سُنّة القصير في سورية، وصرخات «الله اكبر» عند ذبح وسحل شيعة الجيزة في مصر أو مسيحييها، نعبر بكل ثقة بوابة الحروب الدينية في المنطقة! نغوص بعيداً في تاريخ قديم مليء بالدم والقتل على الهوية الدينية والطائفية، ونعود محملين بغرائز الثأر السخيف لمن قتلوا قبل أربعة عشر قرناً، مصممين على زج شباب ساذج لا يعرفون احداثيات موقع اقدامهم، لكنهم موقنون بأن الجنة لن تنفتح لهم ما لم يشربوا من دم «عدوهم» الديني. اشتغلت إيران الخمينية ونظريتها في تصدير الثورة إلى دول الجوار وما بعدها كتفاً إلى كتف مع التعصب السلفي والتكفيري الذي اندلع معها في قيادة المنطقة إلى مصير كارثي، وحقبة حروب، لا نعرف متى سنخرج منها إن دخلنا مرحلتها الحالية.
كل الشواهد التي امامنا وتقريباً في كل بلد من البلدان العربية والاسلامية تؤكد حقيقة تتأسس كل يوم حتى تكاد تصبح من الحقائق الفيزيائية وهي التالية: كلما ادخلنا المزيد من الدين والطائفة في السياسة كلما اتسع نطاق الدم والدمار في كل الاتجاهات، وكلما أغلقنا امامنا ابواب المستقبل لبناء مجتمعات صحية وفاعلة ومبدعة. لا نريد ان نتعلم من تجارب البشرية التي دفعت عقوداً طويلة من الحروب الدينية نتيجة خلط الدين بالسياسة، ونصر على ان نخوض التجربة نفسها وندفع الاكلاف نفسها وربما اكثر. السياسيون اللئيمون فينا يستغلون الدين طولاً وعرضاً ويجيشون خلفهم الملايين وراء شعارات واحلام وطوباويات تخدم مصلحتهم ولا علاقة لها بالدين. والاسلامويون الذين يُقحمون الدين في السياسية، والسياسة في الدين، إما عن حُسن نية، او عن سوء قراءة للتاريخ والاجتماع، فإنهم عملياً يقفون في معسكر التوظيف السياسي واللئيم للدين ويصلون إلى النتائج نفسها.
شواهد الحالة الاولى، أي التسييس الواعي للدين لخدمة مصالح السيطرة والنفوذ، يمكن كشفها وفضحها بشكل او بآخر، لكن الحالة الثانية، اي الاعتقاد اليقيني بفاعلية ونجاعة خلط الدين بالسياسة هي الاكثر تعقيداً، والاشد خطورة. إنها تصدر عن قناعات راسخة بأن «مصلحتنا» كمجتمعات وافراد تكمن في ذلك الخلط، وفي الانقياد للاحزاب والجماعات التي تقوم به وتقوده، والمنظرين الذين يروّجون له. التعقيد الفكري والاساسي الذي ينطلق منه كثيرون يستند على فكرة لاتاريخانية هي خلاصة تنظير رغائبي اكثر منه قراءة واعية ومتأنية في تجارب التاريخ الاسلامي تقول ان علاقة الدين بالسياسة في تلك التجارب تتسم بالاختلاف عن غيرها من تجارب الشعوب والحضارات. لهذا ورغم عدم بخل تاريخ البشر في الماضي البعيد والماضي القريب عن تقديم الدروس المريرة والمرعبة والرادعة، فإننا نصفح عن قراءتها واستيعابها، ونقول ان لنا «خصوصيتنا» الثقافية إزاء علاقة الدين بالسياسة، واننا محصنون من كل ما مرت به اوروبا وكل العالم من ويلات بسبب هذا الخلط. «بشائر» هذا الخلط بادية الآن وكل يوم كالشمس سواء في مجال «الجهاد المسلح» او في مجال «الجهاد السياسي»، إلا ان العناد الديني الذي يستحوذ على صُناع الرأي والقيادات الاسلاموية يعميها بالتمام والكمال.
في مجالي الجهاد، المسلح والمسيّس، تتحكم قاعدة اساسية عند محتكري النطق بإسم الدين ومحتكري تفسيره، وهي إقصاء الآخرين وشطبهم، مباشرة او بشكل غير مباشر. سيقول كثيرون ان من العسف والظلم إطلاق هذا الحكم على كل الاسلاميين وان كثيرين منهم، بخاصة في مجال «الجهاد السياسي» يؤمنون بالعمل المشترك ويبتعدون عن الاقصاء. وهذا صحيح ولكن بنسبة ضئيلة وتكاد تكون استثنائية. فغالبية «العمل الاسلامي» الحزبي والمسيس قائم على الاقصاء، ليس إقصاء غير الاسلاميين وحسب، بل واقصاء الاسلاميين الآخرين. ولنا ان ننظر في معارك الاسلاميين انفسهم وقسوتها وقسوتهم على انفسهم، من تكفير سلفيي تونس لحزب «النهضة» الاسلامي الحاكم فيها، إلى عداوات «الاخوان» مع السلفيين في مصر، وإلى المقتلة تلو الاخرى التي يقودوها سلفيو ليبيا، وصولا إلى محاصرة مقاتلي «حماس» لمقاتلي «الجهاد الاسلامي» في غزة ومطاردتهم ثم دهسهم. وكنا رأينا تجارب لا حصر لها في صراعات «الاخوة» وحروبهم، من اجنحة «الاخوان المسلمين» في سورية في حقبة الثمانينات، إلى دك المجاهدين الافغان مساجد كابول على رؤوس بعضهم البعض ورؤوس المصلين فيها.
في كل تلك الحالات هناك عنف مرعب وقسوة ملفتة، كما نشهد الآن في «المجاهدات» المُتبادلة بين تكفيريي السلفيين و»حزب الله» في سورية وغيرها. مبعث هذه القسوة هو «القناعة العقدية» المترسخة بأن «العدو» على الطرف الآخر هو «عدو الله»، وأن المسألة تتعدى الخلاف السياسي والصراع على مصالح معينة، ومن هنا فإن الولوغ في الدم إلى آخر مدى يكون مدفوعاً بنزعة خليط من الإيمان المتعصب، والانتقام التاريخي الدفين، ويكون دم الخصم وليس شيئاً غيره هو الطريق المؤدي للخلاص والجنة. بسبب هذا فإن الحروب الدينية تكون طاحنة ودموية وليست فيها مساومات. ومثلها تكون حروب الايديولوجيات الصلدة ذات النزعات العنصرية او الاقصائية او الابادية كالنازية والفاشية، حتى لو كانت الصورة الظاهرية لهذه الايديولوجيات علمانية حداثية.
الجوهر الليبرالي القائم على مبادىء المساواة المطلقة بين الافراد بغض النظر عن الجنس، والإثنية، والدين، والطائفة، واللون، والقائم على تقديس حريتهم وإعلائها فوق أي مبدأ آخر، هو الذي يضمن التعايش ويغلق بوابات الافضلية والتراتبية القائمة على معطيات وغرائز بدائية. وهو الجوهر الذي يترجم الاختلاف والصراع بين افراده على شكل سلمي وعبر آلية الديموقراطية. وهذه الآلية تفرز من يقود السلطة، ولفترة موقتة، ووفق المبادىء العليا التي تساوي بين الافراد، والتي تكون فوق الدستور وقبله، وتضمن تداول تلك السلطة سلمياً ومن دون دماء.

لهذا فإن الديموقراطية لا تكون ديموقراطية حقيقية من دون ان تكون ليبرالية. اي ديموقراطية اخرى لا تتبنى الجوهر الليبرالي لا تكون ديموقراطية مكتملة، بل قد تكون إعادة إنتاج لأنماط محلية من الاستبداد سواء الديني او الحداثي. فهناك في المنطقة «ديموقراطية إيرانية» و»ديموقراطية إسرائيلية» على سبيل المثال، وكلاهما فاقدة للجوهر الليبرالي، فالأولى قائمة على خليط من الإقصاء الديني والطائفي، والثانية قائمة على خليط من الإقصاء العرقي والديني. الاولى صورتها الظاهرية دينية فجة، والثانية صورتها الظاهرية حداثية فجة. في الديموقراطية الليبرالية تقوم كل الخلافات السياسية وغيرها على ارضية تحقيق اكبر مصلحة ممكنة لأكبر عدد ممكن من افراد المجتمع، وذلك عبر برامج سياسية وما يمكن تحقيقه على ارض الواقع. في أي نظام ايديولوجي او ديني يتم تحويل كل الخلافات إلى ارضية ايديولوجية او دينية: كفر وإيمان، وبعيداً عن أي ارضية مصلحية. في الديموقراطية الليبرالية تتم تسوية الخلافات والمنافسات على ارضية المساومات وانصاف الحلول، اما في الديموقراطية الدينية فإن الخلافات والمنافسات التي يتم تدويرها وإعادة انتاجها على شكل حقائق دينية فإن ارضية المساومة تندثر ويصير بالتالي لا بد من «الحسم»، لأن ليس هناك إلا «حق واحد».
لنتأمل كيف هي سيرورة ممارسة الاسلاميين للديموقراطية في التجارب الراهنة للاحزاب الاسلامية وهي في الحكم او قريبة منه، كما في مصر وتونس وليبيا. هنا نواجه قائمة طويلة من الامثلة تشير إلى خطر تحويل الخلاف السياسي الى خلاف ديني وعقدي. اذا قام الحزب الديني الحاكم بخطوة سياسية معينة او اتخذ رئيسه قراراً سياسياً ما ثم تمت معارضة تلك الخطوة وذلك القرار على ارضية سياسية، لأن كل خطوة سياسية وقرار سياسي سيكون له معارضون بالتعريف وبالبداهة، فإن اسهل طريقة للدفاع عن الحزب والقائد السياسي تكمن في الاحتماء بالدين والقول بأن معارضي القرار السياسي هم ضد الدين. وعلى الفور تشتغل آليات الفتاوى لتطلق فتاوى في كل الاتجاهات تكفر المعارضين. رأينا هذا خلال المعركة السياسية الطويلة والمؤلمة إزاء صوغ الدستور المصري ثم الاستفتاء عليه. اصبح المعارضون للدستور معارضين للاسلام والدين وأُحيل الصراع السياسي برمته الى صراع ديني لا حل وسط فيه. وفي تونس ثار جدال قبل شهور حول ممارسات وزير الخارجية التونسي، والانفاق من موازنة الوزارة على إقامته الخاصة في فندق من خمسة نجوم. رد الوزير على الاتهامات الصحافية يقوم على اساس انه يتأخر في مكتبه في بعض الليالي مما يضطره للمبيت في الفندق ودفع فاتورة الاقامة من موازنة الوزارة. ثم فجأة يلقي راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» خطبة الجمعة يتناول فيها الموضوع، من دون التصريح بالاسماء والحادثة لأن وزير الخارجية صهره وزوج ابنته، ويتهدد ان حكم ترويج الشائعات في الاسلام هو الجلد 80 جلدة!.
تحدث تلك القصص الإقصائية والتكفيرية وغيرها من قوائم لا تنتهي من الامثلة في جانب ممارسة «الجهاد السياسي» والذي يتم سلمياً. فلنا ان نتخيل ما يحدث في مجال «الجهاد المسلح» والعنفي الذي لا يبقي ولا يذر، ويستسهل حتى تصفية وإبادة من يقفون في «المربع الجهادي» نفسه لضرورات مصلحة الجهاد والمجاهدين وهي التي يقرر فيها أمير ما لا يتجاوز عمره منتصف العشرينات، تستبد به كل صنوف العنف والتوتر الشبابي، وتتحالف في صوغ عصبياته نزعات انتقام وحرمان قطبية وفرويدية وجهل فادح بالتاريخ وحتى بالدين نفسه. هذا الامير ورفاقه هم قادتنا في حروبنا الدينية القادمة التي نخوضها ضد انفسنا وضد مستقبلنا ومن اجل سفح دمنا اكثر واكثر.

لإيران مشروعها... ما هو مشروع السعودية؟
خالد الدخيل – الحياة اللندنية
لماذا تعثرت السياسة الخارجية السعودية خلال أكثر من ثلاثة عقود وحتى الآن؟ كان أكبر معالم هذا التعثر - كما رأينا الأسبوع الماضي - في العراق والشام، وحتى في البحرين واليمن لم يتحقق نجاح كامل ونهائي. هناك ثلاثة أسباب مهمة. الأول الضعف العسكري، لا أعني بذلك أن القدرات العسكرية للسعودية ضعيفة بالمعنى الحرفي والمباشر للكلمة، بل على العكس، فهذه القدرات العسكرية أفضل بكثير مما كانت عليه، بل إن سلاح الجو وسلاح الدفاع الجوي يعتبران من بين أفضل الأسلحة في المنطقة. لكن، مع ذلك يبقى أن القدرات العسكرية الكلية أقل من حجم السعودية الجغرافي والديموغرافي والاقتصادي، وحجم دورها الإقليمي والمسؤوليات الملقاة نتيجة لذلك على عاتقها، والذي يبدو أنه وبسبب هذا الفارق بين حجم الدولة وقدراتها العسكرية تقلصت الخيارات المتاحة للسياسة الخارجية، بحيث تكاد تنحصر في إيجاد الحلول لكل مشكلة بعيداً من أي خيار عسكري إلا إذا فرض طرف خارجي هذا الخيار فرضاً لا يمكن تفاديه.
السبب الثاني - وهو مرتبط بالأول - الاعتماد في شكل يكاد يكون حصرياً على سياسة التوازنات: توازنات القوة وتوازنات المصلحة، مع ملاحظة أن السعودية تفضل أن تكون دائماً طرفاً في معادلة توازنات المصلحة، ولكن ليس في معادلة توازنات القوة في المنطقة.
في هذا السياق يمكن استعادة مثال على وقع هذه السياسة لدى بعض دول المنطقة، وهو العرض الذي قدمه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين للملك الراحل فهد بن عبدالعزيز لتوقيع اتفاق للدفاع المشترك بين البلدين، وذلك قبل عام أو نحوه من غزو الكويت. هذا يؤكد أن صدام كان اتخذ قرار الغزو، وأنه بهذا العرض أراد طمأنة السعودية لئلا تستعين بالأشقاء والحلفاء لمواجهته وإخراج قواته من الكويت. من الواضح الآن وبعد أكثر من 23 عاماً، أن صدام ارتكب بذلك خطأً قاتلاً في حساباته، لكن الشاهد ليس هنا، وإنما في أنه ضرب حينها بمعادلة توازنات المصلحة التي كانت تربطه بالسعودية ودول مجلس التعاون عرض الحائط، واعتمد على معادلة توازنات القوة لأنها بدت له أنها إلى جانبه، ولو أن الصراع انحصر حينها بين الأطراف الإقليمية لتغير المشهد كثيراً، ولتغيرت النتيجة أيضاً، لكن صدام لم يدرك أنه بخطوته تلك اصطدم بالاستراتيجية الأميركية، وأنه لم يضرب المعادلة الإقليمية لتوازنات المصلحة وحسب، بل ضرب المعادلة الدولية بأكملها، لذلك وجد نفسه يواجه العالم بمفرده.
تطابق المعادلتين دائماً مستحيل، والموقفان الأميركي والأوروبي من الأزمة السورية، آخر الأدلة على ذلك. مصلحة أميركا أمام هذه الأزمة ليست هي مصلحة السعودية. ليس هناك تناقض بينهما في هذا الموضوع، لكن لا يبدو أن هناك تطابقاً أيضاً كما كان عليه الأمر عام 1990 - 1991، ثم إن أزمة سورية الآن ليست أزمة الخليج آنذاك.
السبب الثالث لتعثر السياسة الخارجية يعود إلى أن أسس هذه السياسة وضعت في ثلاثينات القرن الماضي لظروف محلية وإقليمية ودولية مختلفة تماماً عمّا انتهت إليه هذه المستويات السياسية، بخاصة منذ أزمة الخليج الأولى، وفي شكل أخص بعد الهجمة الإيرانية التي انطلقت بعد سقوط العراق تحت الاحتلال الأميركي. النتيجة التي ترتبت على الأسباب السابقة هي أن هدف السياسة الخارجية السعودية يكاد ينحصر في تهدئة الأمور مهما كانت معوجة، وتهدئة الخواطر مهما كانت منحرفة، الأمر الذي جعل من هذه السياسة رهينة لهدف غير واقعي، وهو إبقاء المنطقة في حال هدوء واستقرار دائمين، وعلى أسس تتناقض مع الهدف الذي تسعى إليه. المطلوب بدلاً من ذلك مواجهة الأحداث والواقع كما هما، وليس فقط لأن هذا هو الطريق الأسلم، بل هو الطريق الوحيد لتحقيق الهدوء والاستقرار المنشودين.
والواقع الآن أن هناك مواجهة في المنطقة بين إيران والعالم العربي، وتحديداً المشرق العربي، وهي مواجهة فرضتها طهران على الجميع. أرادت القيادة الإيرانية أن توظف حال الضعف العربي - كما فعلت إسرائيل - لفرض نفوذها وتوسيع دورها في المنطقة، مستخدمة في ذلك كذبة المقاومة كغطاء لهذا الهدف، وهو هدف إيراني محض، وليس أدل على هذا الواقع المستجد من أن البلدين العربيين (العراق وسورية) اللذين ولد فيهما حزب البعث، وحكمهما بأيديولوجيته القومية العربية يخضعان الآن للنفوذ الفارسي الإيراني، بل إن سورية كما قال الأمير سعود الفيصل تخضع الآن للاحتلال الإيراني.
ما الذي على السعودية أن تفعله الآن؟ لا يمكن إحاطة تفاصيل كل ما هو مطلوب وهي كثيرة، لكن هناك متطلبات أساسية ثلاثة، أحدها على المدى القريب والمباشر، وآخر على المدى المتوسط، والثالث على المدى البعيد. أول هذه المتطلبات هو المباشرة بزيادة القدرات العسكرية السعودية من أنظمة التسليح والتدريب وعدد الأفراد، وذلك لتلبية حاجات السعودية في هذه الظروف. ثانياً إعادة صياغة الاستراتيجية الدفاعية والأمنية لها بما يتناسب مع حجمها الجغرافي والديموغرافي والاقتصادي والسياسي، ومع حجم الدور الإقليمي الذي تضطلع به وأهمية، وستضطلع به بعد التغيرات التي تعصف بالمنطقة، والتي وضعت السعودية في موقع من الأهمية بأضعاف ما كانت عليه قبل الربيع العربي. يجب على السعودية أن تنتقل وتصبح قادرة بمفردها على مواجهة كل مصادر التهديد الإقليمي لأمنها الوطني، وحماية منطقة الخليج العربي ضمن إطار تكتل مجلس التعاون الخليجي الذي ينبغي أن يضم اليمن في نهاية المطاف. لا يعني هذا التخلي عن فكرة التحالف مع دول إقليمية أو دولية، لكن يجب أن تكون السعودية طرفاً قوياً وفاعلاً عسكرياً في مثل هذا التحالف، وبعبارة أخرى يجب أن تكون السعودية طرفاً في معادلة توازنات القوة في المنطقة، وبالتوازي مع ذلك ينبغي أن تعمل على الدفع بفكرة الاتحاد الخليجي، وأن تبادر إلى دور ما لإخراج مصر من المأزق السياسي الذي دخلت فيه بعد الثورة، وفي الوقت نفسه لا بد من التنسيق مع تركيا والمغرب والأردن للتعامل مع الأزمة السورية، والهدف من كل ذلك هو مساعدة الشعب السوري في تحقيق الانتقال السياسي الذي بات من حقه بعد كل هذه الدماء والتضحيات، وإخراج إيران من سورية لأنها هي التي تغذي عملية تدمير المجتمع السوري لمصلحة بقاء النظام السياسي حتى تبقى هي في منطقة الشام.
قد ينزلق تطوير القدرات العسكرية إلى ما يشبه عسكرة المجتمع كما حصل في بعض الدول العربية، ومن هنا يأتي الأمر الثالث، وهو أن يتم هذا التطوير ضمن سياق إصلاحي سياسي ودستوري. في المجتمع السعودي الآن فصل كامل بين السياسي والعسكري، وهو ما يتطلب ترسيخه ليصبح جزءاً من نسق القيم الثقافية في المجتمع من خلال الإصلاحات السياسية والدستورية، ومن خلال مناهج التعليم أيضاً. تطوير القدرات العسكرية على أساس إصلاحات سياسية ودستورية يفرض أن تتبنى السعودية مشروعاً سياسياً واقتصادياً وفكرياً يعزز فكرة الدولة المدنية، ويُغني مفهوم المواطنة، ويدعم حق المشاركة السياسية للجميع في إطار نظام ملكي عمره يقارب الـ300 عام، لكنه قادر على التغيّر والتأقلم مع العصر ومتطلبات المرحلة. وعلى رغم أن السعودية نشأت في أصلها بالتحالف مع حركة دينية، إلا أنها تفادت التحول إلى دولة دينية، بل على العكس، هي دول مدنية بمشروعية دينية وسياسية أيضاً، ويؤكد ذلك أن الديني في هذه الدولة ظل عبر تاريخها الطويل متمايزاً عن السياسي. ستحقق السعودية بمثل هذا المشروع مكاسب ضخمة ليس فقط لنفسها، بل ولكل الدول العربية. أولاً سيحمي استقرارها ويحصنه، وثانياً سيؤسس لطفرة تنموية - وليست نفطية - جديدة، وثالثاً إن هذا المشروع سيكون في مواجهة المشروع الإيراني، وهو مشروع في حقيقته طائفي يعود بالأمة إلى مفهوم الإمامة المعصومة وولاية الفقيه التي تتأسس عليها، وتأخذ منها ما يشبه العصمة، ومن ثم تقسيم شعوب المنطقة على أسس طائفية، كما ينص على ذلك الدستور الإيراني. («الحياة» 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2010 و20 آذار/ مارس 2011).
السعودية مؤهلة بقدراتها العلمية والاقتصادية والاجتماعية لمثل هذا الدور، فهي إحدى الدول العربية الست الأكبر حجماً والأكثر تأثيراً، وهي الآن الدولة الكبيرة الوحيدة في المشرق العربي التي تتمتع باستقرار سياسي واضح، ورخاء مالي قوي في محيط مضطرب اجتماعياً وسياسياً، كما أن السعودية هي أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وتنتمي لنادي الـ20 دولة الأكبر اقتصاداً في العالم، وقبل ذلك وبعده تنتمي السعودية إلى الجزيرة العربية برمزيتها التاريخية الكبيرة كأول موئل للعروبة، ومهبط للرسالة الإسلامية بكل حجمها وخطورتها وجلالها التاريخي، وهذه مواصفات جعلت من السعودية دولة إقليمية كبرى يجب أن تكون قدراتها ودورها متناسبة مع هذه المواصفات.