Haneen
2013-07-11, 10:58 AM
اقلام واراء عربي 444
8/7/2013
في هذا الملف
قال شو: "إرهاب فلسطيني"!
جمانة حداد – النهار اللبنانية
في إقليم «الشرق الأوسط» أربعة مشاريع أم ثلاثة؟
د. اسعد عبد الرحمن - الرأي الأردنية
من أكثر عداوة.. إسرائيل.. أم روسيا؟!
يوسف الكويليت – الرياض السعودية
مصر تعيد العروبة إلى الحياة
نايلة تويني – النهار اللبنانية
الصراع على خريطة طريق الثورة
مصطفى اللباد – السفير اللبنانبة
المصالحـة أو الفوضــى
رشيد حسن - الدستور الأردنية
حرب على المصريين
علي سالم – الشرق الأوسط
مصيرنا المظلم مع إسلاميي السياسة وديموقراطييها
عبد العزيز حسين الصاوي – دار الحياة
الإخوان يطالبون بالتدخل الأميركي!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
الوطن قبل الجماعة
د. مصطفى النجار – المصري اليوم
ثغرة الإخوان!
محمد سلماوي – المصري اليوم
السوريون والمشهد المصري!
أكرم البني – الشرق الأوسط
البرادعي والعراق : فرز الحقيقة عن التضليل
باتر محمد علي وردم - الدستور الأردنية
متى يحاكَم القرضاوى؟
نادين البدير – المصري اليوم
قال شو: "إرهاب فلسطيني"!
جمانة حداد – النهار اللبنانية
ليس أكثر إثارةً للاشمئزاز عندي من أن يطرح عليَّ أحدهم، في مدينة أوروبية أو أميركية، سؤالاً وقحاً يتعلق بموقفي مما يسمّيه "الإرهاب الفلسطيني"، بعدما شجّعه على ذلك – خطأً - نقدي للتطرف الاسلاموي في المنطقة العربية. ثمة بالطبع ما هو أسوأ: ذلك المنحى لدى بعض "أهل البيت العربي"، هنا، بالاعتماد سرّاً وكثيراً على إسرائيل لكي "تخلّصنا" من مشكلاتنا. حلو! لا ينقص ملغوصة لبنان اليوم سوى أولئك الذين بلغت بهم درجة العمى وكراهية الآخر حدّ النظر الى دولة كإسرائيل، باعتبارها "منقذة" لهذا البلد التعيس، هي التي قامت في أساسها على منطق الإرهاب والترهيب ولا تزال تمارسهما بمباركة دولية.
أنا مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، أعتبر أن "حزب الله" ومشروعه السياسي والديني وسلاحه وولاءاته اللا- لبنانية، التي يخفيها بعنجهية وطنية على طريقة "رح اتغداكم قبل ما تتعشّوني"، عائق أمام تحوّل هذا البلد الى دولة. مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، أعتبر أن التيارات السلفية ومن يشدّ على مشدّها وتطرّفها الديني وولاءاتها اللا – لبنانية التي لا تخفى على أحد، عائق أمام تحوّل هذا البلد الى دولة. مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، قرفتُ من الطاقم السياسي ذاته والوجوه السياسية نفسها التي لم تتغيّر تقريباً منذ ولادتي في السبعينات. مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، نفد صبري من الفساد المموّه بكلمة "إصلاح"، ومن الوعود الكاذبة واستحالة الأمل وهجرة الشباب وانقطاع الكهرباء وتدخل رجال الدين في حياتنا الخاصة والعامة والخطابات المكرورة والكلام الفارغ ونغمة التعايش التي لم يعد يصدّقها أحد ونشرات الأخبار الملغومة والعيش على "صوص ونقطة".
... لكن أن تصل مواصيل البعض الى اعتبار إسرائيل "منقذة" للبنان، فهذا مما لا قدرة لهذا البلد على أن يدفع ثمنه بعد الآن. يا جماعة: عدوّ عدوي ليس صديقي على العمياني. عدوّ عدوّي في هذه الحال هو عدوّي الأول. معيب في حقنا، معيب في حق ماضينا وشهدائنا وكل ما عشناه وبذلناه، أن نتحالف، ولو معنوياً، مع دولة ارهابية مغتصبة تدّعي الديموقراطية والانفتاح بينما تجتاح الأرض وتقتل الأطفال وتطرد الفلسطينيين من منازلهم وتضيّق سبل الحياة على شعب لا ذنب له سوى أنه ولد على أرض هي له.
قال شو: "إرهاب فلسطيني"!
في إقليم «الشرق الأوسط» أربعة مشاريع أم ثلاثة؟
د. اسعد عبد الرحمن - الرأي الأردنية
يستطيع الباحث/ المراقب، اليوم، رؤية فعل ثلاثة مشاريع سياسية في منطقة الشرق الأوسط، فماذا عن المشروع الرابع العربي؟!
أول هذه المشاريع هو الإسرائيلي. فقد بات معروفا ان الدولة الصهيونية غير راغبة في مبادلة الأرض مقابل السلام، إذْ تسعى للانخراط في مفاوضات أبدية وعبثية، تستثمر عبرها الوقت لتقوية قبضتها على القدس الشرقية والضفة الغربية، وتعمل حثيثا على جعل المستعمرات/ «المستوطنات» في الضفة جزء لا يتجزأ من (أراضيها)، فيما تجهد من أجل إطالة أمد نزاع الأخوة في سوريا. بالطبع، ينبع التركيز على سوريا من كون استنزافها هو أيضا استنزاف سياسي ومالي للدول الداعمة وبالذات إيران، وكذلك «حزب الله»، مثلما هو تهديد صريح لمكتسبات فورية، وأخرى نأمل أن نلمسها لاحقا لما بات يسمى «الربيع العربي»، الذي يسعون إلى حرفه نحو فتنة طائفية مذهبية. والمشروع الصهيوني يحرص على إطالة أمد الحرب، سواء بقي النظام أم رحل، فإسرائيل لا تريد دولة سورية مستقرة ومحافظة على وحدتها، فضلا عن أمنيتها رؤية شعب، لطالما تغنينا بتعدده وتنوعه وعلمانيته، تسري الطائفية في عروقه وتسمم كيانه.
ثاني المشاريع هو التركي، الذي يحاول المزاوجة بين إسلاميته التي يمثلها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبين علاقاته المتينة مع إسرائيل والغرب ومساعيه المرفوضة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقرونا بشهيته للتمدد في العالم العربي. هذا المشروع شهد تصاعدا ملحوظا في «الإقليم» خلال السنوات القليلة الماضية، بل وعلى المستوى الدولي. ولعل أبرز تمدداته كان في القضية الفلسطينية سعيا وراء احتلال مساحات نفوذ في العالم العربي على حساب أطراف عربية ضعفت، أو في مواجهة قوى (إيران أساسا) تمددت هي الأخرى. ومما يجدر التنويه به هنا كون مشروع تركيا «الإقليمي»، حسب رؤية «العدالة والتنمية»، ليس في موقع التصادم أو حتى التناقض لا مع الغرب ولا مع إسرائيل.
المشروع الثالث، هو المشروع الإيراني، الشيعي، (والبعض يقول الفارسي/ الصفوي) الهادف «الاستيطان» في المنطقة العربية، والذي يراد له الوقوف في وجه المشروع التركي السني. ومثل هذا التوجه يثير الخوف والرعب لدى قادة وجمهور في العالم العربي اليوم، بل إنه يواجه من إسرائيل ومن الغرب بالتهديد باللجوء إلى استخدام القوة ان لم تُعطل الجمهورية الإسلامية برنامجها النووي. والمشروع الإيراني، يتسم بطبيعة يتداخل فيها الديني بالقومي، أساسه المعلن عدم التدخل في شؤون الآخرين، فيما كل الآخرين مستاؤون من تدخلاته وطروحاته الإسلامية. هذا مع التأكيد على أن هنالك فئات واسعة في المجتمعات العربية لا ترى في إيران خطراً على أمنها، خاصة عندما تتم مقارنتها بإسرائيل، وخاصة عندما يتم التنويه بخطابها المعادي للدولة الصهيونية.
أما المشروع الرابع، الميت على الأرض، الحي - على شكل «أمنية» أو «حلم»-في قلوب وعقول الشعوب العربية، فهو المشروع القومي/ الإسلامي العربي الوحدوي، الذي كلما كان هناك محاولة لإحيائه ووجه بمخططات وبرامج لضربه. وهو مشروع يتمثل اليوم (بعد إطاحة النظام والتراث الناصريين) بما أصبح عليه «الربيع العربي» الذي يتم حرف اتجاهاته في أكثر من حالة: فبعد الإطاحة بنظام معمر القذافي وجر ليبيا إلى فوضى ما زالت مستمرة، ها هي الفوضى تبحث عن مكانها في مصر، فيما تم إشعال فتنة طائفية سنية شيعية تهب نيرانها القميئة على سوريا (بعد العراق ولبنان) دون إطلاق رصاصة إسرائيلية واحدة، أو صرف «شيكل» إسرائيلي!
واليوم، أينما يممنا النظر نرى المشاريع الثلاثة (الإسرائيلي، والإيراني، والتركي) مشاريع حية، تفعل فعلها على الأرض العربية، في ظل غياب «ساطع» للمشروع العربي المنشود. ورغم التفاوت في خطورة هذه المشاريع على العالم العربي، علينا الاعتراف بأن لكل دولة إقليمية مصالحها التي تنطلق من خلالها لإثبات وجودها باعتبارها قوة شرق أوسطية، ولا غرابة في ذلك! أما الغريب العجيب فيتجلى حين نرى هذه المشاريع الثلاثة فاعلة يحقق كل منها كسبا لنفسه رغم التصارع، ولكننا نجد غيابا عربيا فادحا! ويبقى السؤال: من الرابح والمستفيد الأكبر؟! هذا ما سنعالجه في مقالنا القادم.
من أكثر عداوة.. إسرائيل.. أم روسيا؟!
يوسف الكويليت – الرياض السعودية
المنطقة العربية ساحة حرب مفتوحة بدأت ببريطانيا وفرنسا، ثم انتقلت إلى مركزي القوة السوفييت والأطلسيين، وبحافز مواجهة الوجود وتنفيذ أجندة الغرب تحولت إسرائيل إلى القوة المطلقة التي تعلن فرض إرادتها على دول الجوار بالذات، وكل مساحة الوطن العربي..
نحن الآن بين عداوة تاريخية واضحة ومسجلة على القوائم العربية أنها القضية الثابتة في انتزاع أرض وتشريد شعب، واستراتيجية طويلة الأمد للتمدد، وقد خاضت العديد من الحروب استطاعت إسرائيل الانتصار ببعضها، وفشل البعض، ولا تزال تحشد كل عداوات العالم ضد هذه المنطقة على مبدأ أن الصراع طويل، ومصيري، وهي لا تريد أن تتخيل جبهة عربية متحدة بقوة نفوذ عالمي اقتصادي وسياسي ثم عسكري تحشد اتجاهها مما يعني زوال الحلم الصهيوني مهما كان ميزان القوى لصالحها الذي قد يدوم إلى عدة عقود، ولكن المستقبل يبقى مرهوناً بظروف وتحولات قد تقلب المعادلات وتغير المسارات خاصة وأن من تعهد رعاية إسرائيل قد يصبح خارج دائرة زعامة العالم أمام زحف قوى قادمة ليس لها سجل الغرب في الاستعمار، ولا الفصل العنصري، وبناء عقيدة «كبرياء التاريخ» وفلسفة التطور أمام الشعوب الأخرى ومنها الوطن العربي هي مركز الصراع التاريخي..
الطرف الآخر في العداء، روسيا التي حاولت نتيجة انكسار قوتها وهيبتها بعد الاتحاد السوفيتي التي حاولت أن تكون البديل الموضوعي عنه، أن تسجل وجودها في المنطقة من خلال أصدقاء تلك المرحلة، ولما لم يوجد لديها ما تنافس به دول أوروبا وأمريكا، وكذلك آسيا، سوى السلاح، فقد وجدت في ليبيا التي انتهت بهزيمة لوجودها، بعد نهاية غير متوقعة لنظام القذافي، أن تضع سورية كأهم بؤرة التقاء معها، ولما حدثت الثورة رفضت تكرار هزيمتها في ليبيا، وهذه المرة لم تعد الأمور تدار بتوريد السلاح، أو الوقوف في مجلس الأمن لاتخاذ قرار «الفيتو» وإنما رمي ثقلها السياسي والعسكري مستفيدة من العجز الأمريكي والتردد الأوروبي بدعم الثوار، لتلتقي مع إيران والعراق في تنفيذ المشروع المشترك بجعل سورية مصدر قوتهم في المستقبل لما تمثله من موقع استراتيجي، وما تراه أنه مجالها الحيوي بالضغط على الدول المطلة على البحر الأبيض تحقيقاً لحلم القياصرة وما بعدهم بالوصول للمياه الدافئة، لكنها تحولت من حليف إلى شريك بجريمة الأرض المحروقة في كل سورية، والمؤسف ليس الموقف الغربي الذي تركها تعبث فقط، ولكن العجز العربي عن مواجهتها بما يليق أخلاقياً بالدفاع عن سورية أمام جبروت الآلة العسكرية باتخاذ خطوات عملية بطرد السفراء ومقاطعة كل ما يتصل بعلاقات معها، بما فيها غلق الأجواء العربية عليها..
فعقدة الروس ليست ايدلوجية ماركسية، وإنما «أرثوذوكسية» كنسية لها الاعتبار الأساسي في صياغة الأهداف وتنفيذ القرارات، لأن جرح القسطنطينية، وتحويل كنيسة أياصوفيا إلى مسجد، ونزع المركز الروحي من الدولة البيزنطية، لازال جرحاً نازفاً، حتى أنه في عمق الاقتتال في سورية بين السلطة والشعب، فكان مدار الجدل حماية المسيحيين الأرثوذوكس من أي هجوم والحرص على رعايتهم من بين المكونات الدينية والاجتماعية السورية، وهذا لا يفسر كتعاطف ديني فقط، وإنما جزء من استراتيجية موضوعة اكتسبت زخمها وقوتها من عمق التلاحم بين القرار السياسي والديني..
الظرف موات لأن يوجد نواة المواجهة مع روسيا، استعداداً لموقف إسلامي شامل خاصة وأن الإبادة الممنهجة للشيشان يجب أن تفتح سجلاتها وملفاتها وتوضع ضمن خيارات ضغط عليها طالما الحرب مفتوحة على كل الاتجاهات يرفدها عداء تاريخي ثابت في المعادلة الروسية..
مصر تعيد العروبة إلى الحياة
نايلة تويني – النهار اللبنانية
في تفسيري المتواضع كنت أرى الى العروبة نموذجاً لانفتاح الإسلام والمسلمين على ثقافات أخرى لا تقل شأناً عن الاسلام الذي استوعب اللغة العربية فجعلها مترابطة معه ومرتبطة به، وهي كانت قبله بزمن بعيد، وكانت وضعت أسسها وقواعدها، ولم يزدها الإسلام رفعة الا عندما جعلها لغة القرآن، فوسّع نطاقها، وربما حفظها في زمن ذوبان لغات أخرى كثيرة.
والأهم من اللغة، هي العروبة الثقافية التي ارتبطت بالمنطقة واللغة، وهي كانت الى زوال بعد الثورات العربية التي جنحت الى الأسلمة، لا الى الاسلام بما هو دين يؤمن كغيره بالإله الواحد، ويلتقي مع مؤمنين آخرين في هذا الايمان.
أما الأسلمة التي اخذنا اليها اتجاه أكثر الثورات، فهي لا تعترف بالآخر المختلف، وتالياً لا تقبله، وتعارض التنوّع، والتعدد الديني كما الثقافي، ولا تكتفي برفض الآخر، بل تحرمه حقوقه الانسانية والمدنية والوطنية في دول سكانها خليط من الاديان والثقافات والملل. وفي أحيان كثيرة تتجاوز هذه الجماعات حدود التكفير الى تحليل القتل. ولا تقتصر الفتاوى الدموية على المسيحيين، بل تشمل ايضاً المسلمين الشيعة، وكذلك السنة الذين لا يوافقونها الرأي. والمفارقة ان هذه الجماعات لم تعادِ الاسرائيليين، مثلما فعل الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي حافظ على أفضل العلاقات مع إسرائيل، فرأت هذه في غيابه خسارة لها.
اليوم، بالثورة المصرية المستعادة، يعود الى العروبة بعض متنفس، وبعض أمل في الحياة، خصوصاً ان مصر كانت دوماً الراعية لهذه العروبة، ومحركتها، والمدافعة عنها. وإذا خسرت العروبة مصر، فذلك يعني أنها خسرت كل شيء وجودي لها، وخصوصاً بعد انهيار بغداد، وزوال دور دمشق العروبي منذ زمن بعيد مع دخولها في ولاية الفرس، ومهادنتها اسرائيل.
اليوم تعيد ميادين القاهرة والمدن والمحافظات تصويب الثورة وكل الثورات، وتعلن ان الثورة صنعت لحرية الانسان والمواطن، وانطلاقه الى الرحب الاوسع، وليس لنقله من ديكتاتوريات الحكام، الى ديكتاتورية الاحكام الشرعية والفتاوى القاتلة.
اليوم تقوم العروبة من سباتها، وتحتاج الى زخم جديد، يجعلها أكثر فأكثر ابنة العصر، وقادرة على التفاعل، وقابلة للتأثر، والتأثير في الحضارة العالمية.
الصراع على خريطة طريق الثورة
مصطفى اللباد – السفير اللبنانبة
تقف مصر الآن على مفترق طرق كبير، سيرسم الطريق الذي ستذهب إليه بعد إسقاط حكم «الإخوان المسلمين».
خريطة الطريق والتجربة السابقة
اختبر المصريون تجربة خريطة الطريق وأهميتها الفائقة في رسم ملامح المستقبل قبل سنتين ونصف، وبالتحديد عند إسقاط حكم المخلوع حسني مبارك في 11 شباط 2011. احتشد المصريون على مدار ثمانية عشر يوماً مجيداً، في الفترة الواقعة بين «25 يناير» 2011 وحتى يوم تنحي مبارك يوم 11 شباط 2011، أبهروا خلالها أنفسهم والعالم بعزمهم وقدرتهم على إسقاطه. بعدها مباشرة حددت خريطة الطريق ملامح المستقبل لفترة انتقالية، تلك التي انتهت مع موجة الثورة الثانية في «30 يونيو» 2013 التي أسقطت مرسي وجماعته من الحكم. خلت الميادين من الجماهير مباشرة بعد تنحي مبارك، فعادت إلى بيوتها منتشية بانتصارها. ساعتها تقدمت مجموعات الضغط وأصحاب المصالح، فحسموا في ما بينهم خريطة طريق، أفضت في النهاية إلى ما أنتهت إليه من صفقة بين «الإخوان المسلمين» والمجلس العسكري بقيادة طنطاوي وعنان. لم تكن هذه الصفقة ممكنة بدون خريطة طريق متفق عليها في ما بين الأطراف الفاعلة، تلك التي جلست في الغرف المغلقة لتترجم موازين القوى على الأرض بشكل يخدم مصالحها. ولما كان انفضاض الجمع قد ترك الساحات خالية إلا من مجموعات الضغط وأصحاب المصالح، فقد فقدت الثورة ممثليها في التفاوض على خريطة الطريق. والأخيرة ليست سوى محصلة الاتفاق بين التحالف المتبلور بعد إسقاط النظام، وهي كانت في الموجة الأولى من الثورة بين المؤسسة العسكرية وجسم النظام القديم الذي فقد رأسه فقط، وجماعة «الإخوان المسلمين» التي لم تصنع الثورة ولم تشارك بها في بداياتها، وإنما هندست خريطة طريق مواتية لمصالحها. في الموجة الأولى من الثورة تم ترقيع الدستور وترك مهمة صياغة الدستور الجديد إلى هيئة تأسيسية بعد انتخابات البرلمان، ما يعني ترك النظام السياسي القادم كله رهنا بانتخابات ستربحها القوة الاكثر تنظيماً على قوى الثورة المشتتة والأقل تنظيماً والمفتقرة بوضوح إلى قيادة تمثلها، وعن طريقها تستطيع فرض أهداف ثورتها. ساعتها وافقت قوى النظام السابق «الفلول» على خريطة الطريق الإخوانية لقطع الطريق على إزاحة كامل النظام وحصر الخسائر في رأسه فقط، وبالتالي ترقيع الدستور القديم يحول دون تغيير جذري في بنية النظام، ما يعني في النهاية توسيع قاعدة التحالف الحاكم بضم جماعة «الإخوان المسلمين» إليه. في الموجة الثانية من الثورة يبدو الموقف مختلفاً بعض الشيء، فهناك تبلور لقيادة سياسية معنوية تتمثل في الدكتور محمد البرادعي والأستاذ حمدين صباحي. وهناك حركة ثورية هي «حركة تمرد» دعت إلى التظاهرات وقادتها حتى إسقاط الدكتور محمد مرسي، وما زالت مستمرة في التظاهر بالميادين. بالمقابل كانت الموجة الأولى بلا رأس تنظيمي أو قيادي، فنبتت التنظيمات الشبابية كالفطر على خلفية طموحات شخصية في الأغلب، ومن دون سند فعلي جماهيري على الأرض. وبالرغم من الاختلاف الواضح بين الموجتين، إلا أن هناك أيضاً مشتركات تخص موازين القوى. شاركت قوى «الفلول» في الموجة الثانية من الثورة، بعد ان حاولت جماعة «الإخوان المسلمين» استبعادها من التحالف الحاكم بغرض تمكين الجماعة وحدها من مفاصل الدولة. ويبدو واضحاً أن المواكبة الإعلامية للموجة الثانية من الثورة، وإحجام قوى الأمن عن قمع التظاهرات، وكلاهما ينتمي في غالبية قياداته إلى فلول النظام السابق، عكس مساهمة ضمنية في إسقاط حكم الجماعة. بمعنى آخر تتنازع الآن في مصر قوى الثورة ممثلة في «حركة تمرد» والتيار المدني العريض بتلويناته، مع ثلاث قوى مرة واحدة. تتمثل القوة الأولى في قوى النظام السابق التي تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وحصر الثورة في إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» مع الإبقاء على قسمات النظام وانحيازاته الاجتماعية والسياسية على حالها، في حين تظهر القوة الثانية في التيار الديني ممثلاً في التيار السلفي الذي أفرد الغطاء السياسي على الثورة بمشاركته في إعلان عزل الدكتور محمد مرسي، بالرغم من عدم مشاركته فيها، لا في موجتها الأولى ولا في موجتها الثانية. والقوة الثالثة هي القوات المسلحة المصرية وقيادتها، والتي تعتقد أن «أخونة» مؤسسات الدولة يضرب المصالح الوطنية المصرية في الصميم، وستشارك إلى حد كبير ـ بحكم موازين القوى ومنطق الأمور ـ في رسم خريطة الطريق المرتقبة.
المصالح المتضاربة في خريطة الطريق الجديدة
تريد قوى النظام السابق الآن تفريغ الثورة من محتوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر فرض أولوياتها على المرحلة الانتقالية، بحيث يصبح مطلب عودة الأمن إلى الشارع المصري بعد انفلات سنتين ونصف مسوغاً لفرض مبدأ «عفا الله عما سلف» والتغاضي عن جرائم وقعت ضد المتظاهرين والثوريين ودماء الشهداء. كما تبغي قوى النظام السابق الالتفاف على مطلب العدالة الاجتماعية، وهو مطلب مؤسس للثورة المصرية بموجتيها، عن طريق إعطاء الأولوية لإسقاط قضايا الفساد المالي السابقة تحت شعار «التصالح مع رجال الأعمال الهاربين»، وهو مطلب سارت فيه حكومة محمد مرسي بتفان وإخلاص. وتروم قوى النظام السابق أيضاً ترميم النظام السياسي ليعود إلى حاله الأول وتوازناته الأولى، عبر خريطة طريق تثبت أجندتها وأولوياتها وإنهاء العزل السياسي لرموز نظام مبارك. بالمقابل يريد التيار السلفي ممثلاً في حزب «النور»، الإبقاء على دستور «الإخوان» ورفض مبدأ تغييره، ووافق على تغيير الدستور ولكن دون المس بالمواد التي تتعلق بالهوية الإسلامية للدولة. يعرف حزب «النور» أن موافقته على المشاركة في المرحلة الانتقالية كممثل للتيار الإسلامي وكغطاء سياسي لإسقاط حكمهم، تحمل فرصاً ومخاطر في آنِ معاً. تتمثل الفرص في وراثة نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» في الدولة وتثبيت مكاسب للتيار الإسلامين تسمح له بوراثة نفوذ «الإخوان المسلمين» في الشارع أيضاً . وبالمقابل تتمثل المخاطر في وصمه بالخيانة لمصالح التيار الإسلامي، وهو ما يواجهه بالتصلب في رسم خريطة الطريق الجديدة ليقتنص الفرص، وليرد في الوقت ذاته على منتقديه بأن وجوده في المرحلة الانتقالية يمنع التيارات المدنية والعلمانية من القضاء على مكتسبات التيار الإسلامي. بمعنى أخر رغبة الجيش والقوى الثورية في وجود ممثل للإسلاميين في المرحلة الانتقالية، تعطي حزب «النور» حق فيتو من نوع ما يشهره في اللحظات المفصلية الحالية، لإجبار باقي الأطراف على تغيير خريطة طريقهم، وبالتالي أهدافهم، وهو ما يمنع بالتالي من وصول الثورة إلى أهدافها. ولا يخفى أن أولويات حزب «النور» لا تتضمن العدالة الاجتماعية ولا العدالة الانتقالية ولا السيادة الوطنية ونوابه لا يقفون احتراماً أثناء عزف السلام الجمهوري الذي يعتبرونه مظهراً غير إسلامي.
الجيش المصري: الحَكَم بين الأطراف
تقف المؤسسة العسكرية المصرية باعتبارها طرفاً فاعلاً وشريكاً حقيقياً في الموجة الثانية من الثورة أمام تحديات كبيرة، داخلية وإقليمية ودولية. وتتعرض هذه المؤسسة إلى ضغوط قوية من أطراف العملية سواء من فلول النظام السابق أو السلفيين أو من ممثلي الثورة في المرحلة الانتقالية لرسم خريطة الطريق، نظراً لأهميتها في تظهير توازنات النظام المقبل. للمؤسسة العسكرية مصالحها في الدولة، ورؤيتها لإدارة الصراع ولكنها تعلمت من درس «المجلس العسكري» الفاشلة منذ سقوط مبارك وحتى انتخاب محمد مرسي، فلم تتصدى لإدارة المرحلة الانتقالية الحالية وتركتها للقوى المدنية. ومع ذلك ومع احتدام الخلاف بين أطراف المرحلة الانتقالية: القوى الثورية وفلول النظام السابق والسلفيين، فستضطر إلى اتخاذ موقع الحكم بين الأطراف الثلاثة. كان معلوماً من البداية أن الدكتور محمد البرادعي هو مرشح «حركة تمرد» المفضل لرئاسة الحكومة الانتقالية، وكان طبيعياً أن يكلفه الرئيس المؤقت بذلك، ولكن اعتراض حزب «النور» وعدم حماس القوى المؤيدة للفلول أجل تسميته، وأغلق الباب أمام خريطة طريق تلبي أهداف الثورة وطموحاتها. هنا سيضطر الجيش إلى تغليب وجهة نظر على أخرى وفقاً لاعتباراته وما يراه مناسباً في المرحلة الانتقالية الراهنة، منعاً للانزلاق إلى فوضى أو مواجهة لا يرغبها في ظل تصاعد الضغوط الأميركية عليه لصالح «الإخوان المسلمين».
الخلاصة
يميز خيط رفيع بين المرونة والتفريط، لذلك على القوى الثورية إبداء المرونة تجاه ممثلي التيار الإسلامي في المرحلة الانتقالية (حزب «النور») منعاً لاستئصال الإسلاميين من الحياة السياسية، وهو أمر لو حدث سيشرع ويشرعن الانزلاق إلى نزاعات مسلحة لا يريدها أحد ولا تخدم المصالح الوطنية المصرية. ولكن بالمقابل التهاون في فرض قسمات خريطة الطريق والتنازل في أحد محكاتها الرئيسة والمفتاحية، أي تعيين البرادعي رئيساً لها، سيعد تفريطاً لا يغتفر في أهداف الثورة، بغض النظر عن شخص البرادعي، لأن خريطة الطريق التي سيجترحها هي الأهم. تعلّم المصريون من درس تحرير السفينة، ثم تسليم زمامها لمن لم يشارك في تحريرها، لأنه سيرسي على الشاطئ المناسب لمصالحه هو وليس مصالح أصحاب المصلحة الحقيقيين. ومن شأن القبول بفيتو حزب «النور» والنزول على إرادته أن ترسم خريطة على قياس وقيافة التيارات المعادية بالثورة، ما يعيدنا بالنهاية إلى المربع رقم واحد. لا يتبق أمام «حركة تمرد» والقوى الثورية إلا حشد الجماهير والنزول إلى الميادين بكثافة تمسكاً بالثورة وأهدافها، وتثبيتاً لانتصارهم بغرض ترجمته إلى خريطة طريق تحقق أهداف الثورة. سيذهب الحشد المدني في الشارع وتسمية رئيس الوزراء وطريقة تشكيل الحكومة الجديدة كمؤشرات لا تخطئ على طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر الآن وحصص اللاعبين الكبار فيها.
المصالحـة أو الفوضــى
رشيد حسن - الدستور الأردنية
لا خيار امام الاشقاء المصريين للخروج من المأزق الذي وصلوا اليه.. الا تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، تطوي صفحة الماضي ، على غرار تجربة جنوب افريقيا التي قادها المناضل العظيم نلسون مانديلا ،بقلبه الكبير، أو الوقوع –لا قدر الله- في فخ الفوضى الهدامة القاتلة ، التي ضربت وتضرب ليبيا ،العراق،الصومال وسوريا.
وفي هذا السياق لم تعد تصلح لغة المناشدات والتمنيات ، وقد هبت رياح السموم ،واحقاد داحس والغبراء ، ما يحتم على الطرفين : المعارضة ممثلة بجبهة الانقاذ، والتيار الاسلامي ممثلا بالاخوان المسلمين من اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة لوأد الفتنة ، وقطع رأس الحية كسبيل وحيد لانقاذ البلاد والعباد من الخطر المحدق الذي يوشك ان يحرق وادي النيل ويحوله الى هشيم.
وبتحديد أدق .. فان انقاذ مصر : الوطن والشعب من الاخطار الداهمة ، يجب ان يكون هو أولوية الجميع وواجبهم الاول ، ومعركتهم الحقيقية ، اذا كانوا فعلا يحبون مصر ويحبون شعبها.
ومن هنا فان أهم ركن في اشادة بناء المصالحة هذه ،ان تترفع المعارضة عن اعتبار ما حدث انتصارا، وتتجنب لغة التشفي وتصفية الحسابات ، وتبرهن على ذلك بطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ، قوامها مشاركة الاخوان المسلمين في بناء الوطن.. مشاركة فاعلة كما شاركوا في احداث ثورة 25ينايرالمجيدة، لاعادة الحياة للثورة وللديمقراطية والتعددية ، وذلك بتشكيل لجنة وطنية لصياغة دستود جديد ، وحكومة تكنوقراط ، يحظيان بموافقة الجميع ، وتحديد موعد لاجراء انتخابات رئاسية وبرلمالنية ، كسبيبل وحيد لاعادة قطار الثورة الى مساره الصحيح.
وفيما يخص الاخوان المسلمين فلا بد من الاعتراف بانهم خسروا أهم موقع لهم في طول الوطن العربي وعرضه.. ناضلوا من أجله على مدى “80” عاما واستطاعوا بجهودهم وجهادهم وصبرهم الطويل ان يصلوا الى كرسي الرئاسة في اكبر واهم دولة عربيا واسلاميا نظرا لموقعها الاستراتيجي ، ودورها التاريخي والطليعي والتنويري.
ان عزل الرئيس مرسي وهو اول رئيس مصري مدني ينتخب من الشعب المصري ، يشكل خسارة كبيرة للاخوان في مصر والعالم العربي كله ، ويؤشر على تراجع المد الاخواني، أو بالاصح، الاسلام السياسي، وهو ما يفرض على الاخوان اجراء مراجعة موضوعية جريئة لهذه التجربة .
لقد نشط المتابعون والمختصون في الاسلام السياسي في تقصي الاسباب التي ادت الى فشل الرئيس مرسي والاخوان في حكم مصر، وابرزها ان الرئيس لم يكن مستقلا ، بل كان يتلقى الاوامر والنواهي من المرشد ومن مكتب الارشاد ، وهو ما تجلى واضحا في كثير من القرارات اهمها تشكيل لجنة الدستور ، وتعيين “13”محافظا من الاخوان من اصل”27” ورفضهم في النهاية لمبدا المشاركة ،واصرارهم على الاقصاء والتهميش- كما يتهمهم خصومهم - في حين ان وقوف المعارضة وبالذات جبهة الانقاذ مع مرسي ضد مرشح الفلول ، هو الذي ادى الى فوزه في معركة الرئاسة، وجاء قرار قطع العلاقات مع سوريا ،ما يشكل ضربة موجعة للامن القوم المصري ، والدعوة لتحرير الشام ، في الوقت الذي يحرص على علاقاته مع العدو الصهيوني.. ليقصم ظهر الرئيس وظهر الاخوان .
نأمل من الاخوان المسلمين وهم شركاء في الثورة ، وفيهم الكثير من العقلاء والحكماء الذين تربوا في مدرسة الاسلام العظيم ، ان يخرجوا من مربع ردة الفعل ، والسياسات الثأرية والاعمال الانتقامية ، فما جرى هم المسؤولون عنه بالدرجة الاولى، وهو درس لهم ولغيرهم من الحكام العربي الذين يتجاهلون ارادة شعوبهم ، ويعتقدون ان التأييد الاميركي يكفي ، وما دروا ان اميركا ليست معنية الا بمصالحها ،ومصالح حليفها العدو الصهيوني.
لقد فاجأنا خطاب المرشد محمد بديع وهو يدعو انصاره الى الصدام ، والى الشهادة والاستشهاد ، ورغم ان هذا الخطاب الانفعالي يؤكد فداحة الضربة المؤلمة التي تلقوها، الا انه في الوقت نفسه ، يضاعف من عزلهم، وتوسيع هوة عدم الثقة التي كانت السبب في ثورة 30حزيران، باختصار... الاخوان المسلمون امام المنعطف الاخطر ، فاما اشعال نار الفتنة والحرب الاهلية القذرة ، واما ان يكبروا على الجرح ،ويعضوا على الالم ..حفاظا على مصر وشعبها والامة كلها .
حرب على المصريين
علي سالم – الشرق الأوسط
كل الحروب التي خاضتها الجماعة من قبل، كانت في مواجهة حكومات، قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها، أما الآن فقد أعلنت حربها الأخيرة - وستكون الأخيرة بالفعل - في مواجهة الشعب المصري ممثلا في ناسه، ومراكز قواته المسلحة، وأجهزته الشرطية في سيناء وفي طول البلاد وعرضها. وذلك عقابا للشعب المصري على خلعه لرئيس عجز عن أن يكون رئيسا للمصريين وظل لعام كامل مندوبا عن الجماعة في القصر الجمهوري، وكأنه كان مكلفا بمهمة أوكلت إليه من قبل الجماعة بتخريب حياة المصريين بأغرب نظام حكم عرفوه في تاريخهم الطويل.
ستكون حربا طويلة ذات كلفة عالية في الأرواح، أرواح المصريين الأبرياء الذين لا يطمعون في أكثر من حكم نزيه رشيد يتمكنون في ظله من البحث عن لقمة عيشهم. غير أن هزيمة الجماعة فيها محققة. ولكن هزيمتهم على سطح الأرض لن تقنعهم بالعيش في سلام مع أهلهم، بل سيواصلون عملياتهم من تحت الأرض، لا توجد طريقة للوصول إلى سلام مع هؤلاء الذين لا يعرفون السلام مع أنفسهم، هذه جماعة قررت أن تنهي وجودها في مصر بأسوأ المشاهد دموية.
لم يحدث انقلاب عسكري في مصر، لم يتجمع عدد من الضباط بليل وقرروا إزالة السلطة الحاكمة، كل ما حدث كان واضحا للجميع، كان الشعب المصري قد وصل إلى درجة من اليأس كان واضحا أنها تسبق الانفجار مباشرة، وجاءت حركة تمرد لتعيد إليهم الأمل في إمكانية التخلص بطريقة سلمية من هذا الحكم الذي يهيل عليهم المزيد من التعاسة في كل لحظة. وفي اللحظات التي تجمع فيها عشرات ملايين المصريين في كل ميادين المدن والمراكز بل والقرى المصرية، وجد العسكريون أنفسهم في مواجهة موقف شديد الصعوبة، لا توجد قوة على الأرض قادرة على حماية الرئيس من هذه الملايين عندما يقررون اقتحام القصر الذي يتحصن به، لا حرس جمهوري يستطيع صدهم ولا غيره. وستكون هذه هي إشارة البدء بمذبحة في طول البلاد وعرضها، لذلك كان قرارهم بعد رفضه القاطع لعمل انتخابات مبكرة، أن يترك الحكم. هذا هو بالضبط ما يمليه عليهم الواجب والشرف الإنساني والعسكري. وهذا هو ما فعلوه.
بعد عزل الرئيس السابق، ارتفعت دعوات على الفور من كل قادة الرأي العام في كل منابر الإعلام وأنا منهم، تنبه إلى ضرورة المصالحة بين الجميع وتؤكد على أن جماعة الإخوان المصرية تمثل فريقا من حقه أن يستمتع بكل حقوق باقي الفرقاء. كما تحذر من التعامل معهم بأي إحساس بالمرارة أو الشماتة، دعوات طيبة صدرت عن عقول وقلوب طيبة، غير أنها في غمرة هذه الطيبة وربما بسببها تجاهلت قانونا قديما عرفه المصريون من أزمنة قديمة وهو «رضينا بالهم، والهم مش راضي بينا» اتضح أن المطلوب ليس أن نتصالح نحن معهم، بل أن يتصالحوا هم معنا، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلا بعد أن اختاروا أن يعلنوا الحرب علينا.
مصيرنا المظلم مع إسلاميي السياسة وديموقراطييها
عبد العزيز حسين الصاوي – دار الحياة
الحقيقة الكبرى التي أثبتتها التطورات المصرية الاخيرة هي ان شمس الديموقراطية تزداد كسوفاً على رغم بزوغ شمس الحرية في ربيعها منذ عامين. إذا كان «الليبراليون العلمانيون» يضطرون للجوء الى وسائل متناقضة مع الديموقراطية شكلاً وموضوعاً لترجيح الكفة ضد الاسلاميين، فمعنى ذلك أن المنفذ الوحيد للتقدم نحوها، وهو تنمية الوعي الديموقراطي بوسائل أخرى، قد انسد، ولنسمّه المنفذ الذاتي نظراً لانعدام المنفذ الموضوعي المزدوج، أي الاصلاح الديني والطبقة الوسطى.
بعد أن ادخل الاسلاميون الدين في السياسة بنجاح مستثمرين ظروفاً مصرية وعربية مواتية بنتائج كارثية، تأتي هذه التطورات لاستكمال عملية التعطيل وترسيخها بإدخال القضاء في السياسة واستعادة الجيش إلى قلبها. هذه خسارة كبيرة يصعب تعويضها في ما يتعلق بتأهيل العقل المصري - العربي والاسلامي بالذات ليكون رافعة للديموقراطية المستدامة المزدهرة في غياب روافعها الموضوعية راهناً. البعد التاريخي في الخطأ الذي ارتكبه غير الاسلاميين (الليبراليون العلمانيون) سيتضح في تأثيره الخطير على استقرار الاوضاع في مصر لأنه سيحـــيي ذاكرة الاضطهاد الناصري العلماني العسكري لدى «الاخوان المسلمين» ويدفعهم إلى مجاهل التشدد الفكري والنفسي القطبية، البيئة المولدة للعنف المادي، متداخلين في ذلك مع التيارات السلفية الجهادية وغير الجهادية. ولكن متداخلين أيضاً مع اســـتمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية. فهذه لن تتغير بين يوم وليلة كما يتوقع المواطن البسيط المطحون بمتطلبات الحياة اليومية فيتحول من متظاهر ضد الاخوان الى حاضنة للعنف واليأس.
الطريق المعقد ولكن الاسلم للتنمية الديموقراطية في مصر، بدلاً من هذه الجراحة القاتلة للمريض على الارجح، كان ويظل رهيناً بإدراك العمق العميق لأزمة التطور الديموقراطي مصرياً وعربياً - اسلامياً باعتبارها كامنة في جفاف منابعها كثقافة مجتمعية، بما جعل تصاعد نفوذ الاسلاميين نتيجة للأزمة لا كسبب أصلي وإنما كسبب إضافي. والآن تتحدد خطوط المعركة السياسية الفكرية على مستويين. الاول ضد الاسلاميين مع الدفاع عن حقهم في الحرية وشرعية مرسي، والثاني ضد اي محاولة لاستمرار صيغة تدخل العسكريين والقضاة في السياسة لأكثر من الفترة المقررة. على أن المهمة الاصعب والاهم كانت، ولا تزال، استكشاف مختلف الوسائل الممكنة للتركيز على لب المعضلة، وهي تنمية الوعي الديموقراطي. وفي تقدير صاحب هذه المقالة (الذي كان قد دعا المعارضة المصرية لنظام مبارك قبل 11 يناير 2011 إلى القبول بخيار توريث جمال باعتباره الأكثر واقعية وقتها والأقل مرارة من غيره والافضل كتمهيد للانتقال الديموقراطي)، فإن الاستراتيجية المنتجة ديموقراطياً حالياً هي القائمة على إدراك القيمة الايجابية لناحيتين في النظام السابق بهذا الخصوص، وهما التعليم المفتوح والقطاع الخاص المتطوران نسبياً، كون التعليم الجيد هو المجال الرئيسي لانتاج التفكير النقدي المبدع، والطبقة الوسطى هي صاحبة المصلحة في الانفتاح الاقتصادي وغير الاقتصادي. وعلى عيوب هذين القطاعين الموروثة من نشوئهما في ظل نظام غير ديموقراطي، فإن درجة الاقتراب من تخليصهما من هذه العيوب تتحدد بدرجة الاقتراب من إرساء القواعد الضرورية لنظام ديموقراطي لا تتوافر إمكانية التقدم نحوه إلا بالتحالف مع الاجنحة والدوائر الاصلاحية في الحزب الوطني. وأضيف، مستمداً شجاعة أدبية من الخوف على مستقبل مصر ذي التأثير السوداني خصوصاً والعربي عموماً، أن مكوناً أساسياً للاستراتيجية الصحيحة هو الاقرار بضرورة إقامة أوثق العلاقات الممكنة مع الغرب. الخبرات والامكانات التي تمس حاجتنا إليها كترياق ضد تفتت أوطاننا، وتأهيلها لاقامة علاقات ندية مع كافة دول العالم وتقديم دعم حقيقي مختلف عن السائد منذ عقود لقضية فلسطين وغيرها، مصدرها الاهم، وليس الوحيد، هو واشنطن والاتحاد الاوروبي.
وبعبارة أخرى: في ظل غياب الفهم السليم لأزمة الديموقراطية باعتبارها مرتكزة في قلب تجربة تاريخية تنويرية لم يقدر لنا المرور بها، فإن شق طريق الوصول اليها يحتاج إلى تفكير خلاق حتى لا نبقى طويلاً في أتون الفوضي غير الخلاقة التي يوشك إسلاميو السياسة وديموقراطيو السياسة على زجنا فيها، اولئك الذين يفصلون بين الأعلام والشعارات التي يرفعونها وبين السر المكين للأزمة.
الإخوان يطالبون بالتدخل الأميركي!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
بعد عامين من الغزل والعلاقة مع أميركا عاد الإخوان المسلمون الآن للعب الورقة الأميركية بالمنطقة، ومصر تحديدا، فبعد أن سقط حكم الإخوان، وبسبب استعداء الجماعة لكل فئات المجتمع المصري، يعود الإخوان الآن لوصم خصومهم بالعمالة لأميركا، والتلويح بالعنف ضد واشنطن التي يطالبونها بالتدخل ضد الجيش المصري!
القيادي بجماعة الإخوان المصرية محمد البلتاجي يقول في مقابلة مع وكالة «رويترز»: «نستشعر أن المجتمع الدولي يتدخل بشكل ما اعترافا ومساندة ودعما لهذا الانقلاب العسكري»، مضيفا: «لكن هذا يجعل شعوب المنطقة تعيد مرة ثانية النظر إلى أميركا وأوروبا على أنها داعمة للاستبداد وداعمة للقمع وأنها تقف ضد مصلحة الشعوب، وهذا يعيد مرة ثانية حالة الكراهية لتلك الشعوب الأوروبية والأميركية التي تقف أنظمتها دائما مع الأنظمة المستبدة»! فهل بعد هذا التضليل تضليل؟ فما لم يتنبه إليه الإخوان أن الحاضنة الأهم هي الشعب، والمجتمع المصري ككل، وليس إدارة أوباما التي كانت تقف مع الإخوان بشكل فج، وصارخ، ورغم شكوى المصريين من مواقف السفيرة الأميركية بالقاهرة الداعمة للإخوان.
تلويح الإخوان بالورقة الأميركية ليس له قيمة، خصوصا وأن الإخوان استمتعوا بنوم هني وطويل مع واشنطن، وتحديدا إدارة أوباما، ورغم مواقف أميركا المتخاذلة مما يحدث في سوريا، مثلا، ورغم الغضب العربي، بل كان الإخوان يقولون علنا إنهم ضد التدخل الأجنبي بسوريا، وهذا ما كان يقوله الرئيس المخلوع مرسي نفسه، فكيف يطالب الإخوان الآن الغرب وأميركا بمعاقبة الجيش المصري الذي وقف مع الشعب ضد مبارك، مثلما وقف مع الشعب اليوم ضد مرسي؟ وكيف يطالب الإخوان الأميركيين بالوقوف مع مرسي ودعايتهم المضللة تقول إن مرسي أسقط بسبب استقلاليته عن أميركا؟ وكيف يطلب الإخوان النجدة من أميركا الآن وهم من كانوا يصفون شريكهم الذي انقلبوا عليه بعد سقوط مبارك الدكتور محمد البرادعي بالعمالة لأميركا؟
وقبل هذا وذاك كان الإخوان، وقبل وصولهم إلى الحكم، يتهمون الأنظمة العربية المستقرة بالتبعية للغرب وأميركا، واليوم وبعد أن فقد الإخوان حكم مصر بسبب أخطائهم السياسية القاتلة يهددون بأنه ما لم تتدخل أميركا والغرب فإنهما سيكونان مكروهين من الشعوب العربية، أمر لا يستقيم بالطبع، وأكاذيب لا تنطلي على متابع لأحداث المنطقة، وخصوصا العامين الماضيين، والواضح أن البلتاجي، ومثله الإخوان، لم يتنبهوا إلى أنه يوم سقوط نظامهم بمصر كانت فرنسا تقدم دعما ماليا ضخما لتونس التي يحكمها حزب النهضة الإخواني!
ومن هنا فإن الواضح هو أن سقوط الإخوان لم يحمِ مصر وحدها فحسب، بل وكل المنطقة حيث سقطت أكبر حملة تضليل في منطقتنا قادها الإخوان المسلمون على مدى عقود، وليس عامين فقط، من تخوين ووصم بالعمالة للغرب وأميركا، وها هم الإخوان اليوم يستجدون أميركا لإنقاذ حكمهم الذي أضاعوه ومعاقبة الجيش المصري، فأي وطنية هذه؟ بل إن السؤال الأزلي الذي يتهرب منه الإخوان وأنصارهم هو: هل يؤمن الإخوان المسلمون أصلا بالأوطان؟
الوطن قبل الجماعة
د. مصطفى النجار – المصري اليوم
فى اللحظات الفارقة من تاريخ الشعوب يتمايز الناس وتصبح قضية الوطنية هى المعيار الأهم للحكم على كل إنسان، أولويات المرء وانتماؤه الأول يجب أن يكون لوطنه الذى يعيش فيه ولا شىء يسبق الانتماء للوطن سواء كان معتقداً دينياً أو توجهاً فكرياً أو تفضيلاً سياسياً، عقد المواطنة يعنى أن هذه الأرض التى تعيش فيها هى ذات الأولوية على ما سواها، وإذا لم يترسخ هذا بداخلك فأنت بحاجة إلى مراجعة مفهوم الوطنية.
الوطن ليس الدين الذى تنتمى إليه وليس الجماعة أو الحزب الذى انضممت إليه، الوطن ليس انحيازاتك الفكرية والأيديولوجية، يخون الوطن من يقدم شيئاً عليه مهما كان هذا الشىء. إذا تعارضت مصلحة جماعتك مع مصلحة الوطن يجب أن تنحاز للوطن حتى لا توصم وطنيتك، ومهما أخبروك أن مصلحة الجماعة تعنى مصلحة الوطن فهم كاذبون فلا يمكن أن تكون مصلحة بضعة أفراد مقدمة على شعب بأكمله.
انظر أين تقف؟ أنت تخسر حب الشعب الذى لم يعد يعاديك فقط بل أوصلته ممارسات جماعتك إلى منتهى الكراهية والرغبة فى الانتقام منك، أنت الآن معزول من شعب أنت واحد منه لصالح جماعة منغلقة قررت الانتماء إليها ولكنها جعلت مصلحتها ومصلحة قياداتها ومشروعها مقدمة على صالح الناس.
لا تغتر بالحشود التى تقف بينها فهى نقطة فى بحر إذا قارنتها بالشعب، لا تعتقد أن هذا هو الشعب ففى البيوت وخلف ملايين الشاشات قلوب تلعنك وتلعن جماعتك وتراك ضد الشعب، لا تخدعك حالة (الإيجو الجماعى ) التى زرعوها بداخلك منذ الصغر ليتعمق فيك معنى التعصب للأهل والعشيرة والقبيلة، أنت الآن من الخارجين عن صف الوطنية واهماً أن ما تفعله مناصرة للحق والمبادئ والدين، غيبوك باللعب على عاطفتك الدينية وصوروا لك المعركة أنها ضد الدين، والحقيقة أنها معركة على سلطة ودنيا مهما حاولوا إقحام الدين فى الصراع.
يقولون لك اثبت مكانك لتموت شهيداً من أجل الدين والحقيقة المؤسفة أنك إذا مت لن تموت على الحق ولن ترتقى منازل الشهداء لأنك مت فى فتنة كنت وقوداً لها فى صراع بائس على سلطة خلعك الشعب عنها ونزلت تتحدى إرادة شعب وتقول له أنا الشعب وأنا الشرعية، فكر للحظة واحدة فقد تكون ممن طمس الله على قلوبهم فظنوا أنهم يحسنون صنعا وإذا بهم من الأخسرين أعمالا.
كلماتى ستوجعك وستحاول تلقائياً رفضها لأنها الحقيقة المؤلمة التى تهرب منها ولكن حين يزول عن عقلك وقلبك الغشاوة ستدرك أنى ناصح أمين. عد إلى حضن الوطن وتبرأ ممن يتاجرون بالدم والدين، لو كانوا صادقين لنصرهم الله ولكن الله خذلهم وكشف حقيقة أهواءهم، لا تبع آخرتك بدنيا غيرك، ابحث عن ذاتك وعد إلى ربك واسأله أن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، الشعب ينتظرك ففارقهم وقل لهم: الوطن قبل الجماعة.
ثغرة الإخوان!
محمد سلماوي – المصري اليوم
اندهش الناس مساء الجمعة الماضى، حين أطل عليهم وجه مرشد جماعة الإخوان من فوق منصة «رابعة العدوية» يصيح، ويتوعد، وينذر بعظائم الأمور، ما لم تتم إعادة حكم جماعته التى أسقطتها الملايين التى خرجت إلى الشوارع والميادين مرددة كلمة «ارحل».
كان للدهشة سببان: أولهما أن هذا المشهد الذى نقلته على الهواء مباشرة قناة عربية تخصصت فى دعم حكم الإخوان لمصر، بصرف النظر عن موقف المصريين منه - جاء منفصلاً تماماً عن السياق التاريخى للأحداث، فقبله مباشرة ولعدة أيام كانت جميع قنوات العالم تنقل خروج عشرات الملايين من المصريين إلى الميادين والشوارع ملعنة رفضها المرشد وجماعته وممثلهما فى رئاسة الجمهورية، وهذا الذى كان يتوعد من فوق منصة «رابعة العدوية» فى حماية ٣ مسلحين ينتمون لحركة حماس، كما ثبت فيما بعد - هو نفسه الذى رددت الجماهير الهتاف ضده طوال العام الماضى صائمة «يسقط يسقط حكم المرشد».
لقد كان هذا المشهد يمثل ثغرة فى الجبهة الداخلية التى بدت موحدة يوم ٣٠ يونيو، وهو بذلك يماثل ما قامت به إسرائيل بعد نجاح حرب أكتوبر وعبور القوات المسلحة المصرية للقناة، فقد كانت استجابة القوات المسلحة لمطلب الجماهير، الذى ارتجت له السماء بمثابة عبور آخر من ظلمات حكم الإخوان، المستبد إلى نور الانعتاق الذى نادى به الشعب، وجاءت فعلة المرشد مساء الجمعة كفعلة القائد الإسرائيلى أرييل شارون، لكن كما ارتدت الثغرة الإسرائيلية على أعقابها، وظل نصر أكتوبر هو الحقيقة المؤكدة، فإن ثغرة الإخوان سترتد هى الأخرى، وسيظل انتصار الشعب يوم ٣٠ يونيو هو الحقيقة الماثلة أمام التاريخ.
أما السبب الثانى للدهشة، فكان اكتشاف الناس أنه لم يكن قد تم إلقاء القبض على أى من قيادات الإخوان حتى تاريخه رغم الاتهامات الموجهة إليهم التى كانت تستدعى على الأقل استدعاءهم للتحقيق، لكن هذا ليس وقت ذلك الحديث.
السوريون والمشهد المصري!
أكرم البني – الشرق الأوسط
رغم فرادة عذاباتهم وشدة معاناتهم، أطلق المشهد المصري الضاج بالمظاهرات والمتغيرات السياسية حزمة من التداعيات والمواقف بين السوريين، بعضها ظهر جليا وبعضها لا يزال موضع تشوش وغموض.
بداية، ثمة ما يشبه الإجماع لدى السوريين على اختلاف اصطفافاتهم بأن ما يحصل في مصر هو قضيتهم وتعنيهم بقدر ما تعني المصريين، ربما بسبب العلاقة التاريخية الخاصة بين الشعبين، وربما لشيوع إحساس بأن نتائج ما يحدث هناك سوف تنعكس بشدة على أحوالهم وعلى الصراع المستعر في بلدهم، وربما لأن الشعب المصري سارع لاستقبال مئات آلاف اللاجئين السوريين، من دون تذمر أو منة، بخلاف أحوالهم في بلدان الجوار.
ومع التعمق في اختبار الأفكار والنفوس، تظهر الاختلافات في المواقف والمشاعر، فثمة من سارع لمجاراة الإعلام الرسمي والترويج لما حدث في مصر كأنه نصر للنظام وهزيمة للإخوان المسلمين عموما ولإخوان سوريا الذين يحوزون وزنا لافتا في المعارضة، وتاليا هزيمة للشعارات الدينية وللصورة النمطية ذات الطابع الإسلامي التي بدأت تسم الثورة السورية! وثمة من يأسره التحزب السياسي والديني ويميل بمشاعره للتضامن مع السلطة المصرية أكثر من الحراك الشعبي، وتفاجئك أصوات، وإن قليلة، تعتبر عزل مرسي هجوما مدروسا ومبيتا على الإسلام والمسلمين لإجهاض حلمهم بنهضة شاملة دشنها وصول الإخوان إلى حكم مصر، وهناك من يخشى من أن تفضي الأمور إلى تمكين الجيش مجددا من السلطة وإجهاض آمال ملايين المصريين في التغيير الديمقراطي، ولكن تلمس لدى أوساط هامة من السوريين حالة من التعاطف والتأييد لهذه الحشود في الميادين المصرية، نابعة ربما من ترابط رياح التغير العربي واتحاد هموم البشر وإيمانهم المشترك بحقهم في الحرية والكرامة، وربما احتراما لسلامة هذه التجمعات البشرية الهائلة وحقها في التظاهر، وكإدانة لعنف مفرط ضد حشود أقل عددا تجمعت في بعض الساحات السورية.
يصف أحدهم تدفق المصريين العفوي، صغارا وكبارا، إلى الساحات العامة بأنه مشهد أثير ولن يتكرر من مشاهد الثورات، ويضيف آخر بأن هؤلاء «الأشاوس» قد أعادوا وأكدوا، بعد تغييب مزمن، دور البشر في المشاركة وتقرير مصيرهم، متسائلا: «ألا يكفي ما يحدث في مصر كي يدرك الجميع ظمأ الشعوب لحقوقها التي لن يحول دونها حائل؟!»، ويطلق ثالث تعليقا بأنهم شعب مثابر، لم يترك فرصة للعمى الآيديولوجي ولمدعي الوصاية على الإسلام كي يفركوا أياديهم فرحا ويستأثروا بالسلطة بعد فوزهم الطارئ في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكأنه يكثف بكلمات بسيطة إعجاب الرأي العام بدأب المصريين ودينامكيتهم وما ابتكروه من وسائل لإبقاء ثورتهم حية حتى يتحقق لهم ما يريدونه!!
لم يقف السوريون عند شعورهم بالألم والغبن حين بدأت أخبار مصر تطغى على ما يجري في بلدهم وتمنح العنف فرصة لإطلاق أدواته الفتاكة بمنأى عن التركيز الإعلامي، بل كانت عيونهم مشدودة إلى شاشات التلفزة لتراقب بذهول ما يجري هناك، وكان بالإمكان سماع عبارات مشجعة للأساليب المدنية في إدارة المظاهرات والاعتصامات، ومحبذة لمناخات حماية السلم الأهلي وضمان حياد الجيش وإشاعة الثقة بدوره العمومي كضامن لوحدة البلاد وأمنها، وتاليا متحسرة عما لاقته النشاطات المدنية والسلمية في سوريا من قمع سلطوي وفتك لم يعرف حدودا، وأيضا كان بالإمكان أن تسمع عبارات إعجاب بما أظهره المعارضون لسلطة مرسي من نضج ووعي، حين سارعوا، فور إعلان خريطة المستقبل، لتأكيد حرصهم على تخفيف التوترات والاحتقانات واحترام ظواهر التعددية وحق الاختلاف، وحضوا على التسامح ورفض الاستئثار أو الإقصاء لأي كان.
قلق السوريين من تطور غير محمود للأحداث المصرية عميق، ليس فقط لأنهم يناصرون الأساليب السلمية والمدنية، ويرفضون الاستبداد العسكري والعنف الأعمى الذي ما من أحد مثلهم اكتوى بناره، وليس لأنهم يدركون التأثيرات السلبية على ثورتهم إذا فشلت جموع المصريين في تعزيز وحدتها الوطنية وبناء دولة مدنية، بل أساسا بدافع من رغبة صادقة بأن لا تذهب الأمور نحو الفوضى والصراع الأهلي وتغرق مصر في دوامة التفرقة والقتل وحمامات الدم.
«لا تزال أيادينا على قلوبنا ونأمل أن لا تحدث اندفاعات مغرضة تفقد ما حصل في مصر معناه الديمقراطي الأصيل أو تشكل ذريعة لإجهاض الأمل المشترك». يستهل أحدهم حديثه ويستدرك متمنيا نجاح الخيار السلمي وخيار الدولة ومؤسساتها في التوفيق بين المصالح والمواقف المتباينة، غامزا من هذه القناة إلى رفض حكم العسكر وإلى أهمية وحدة الشعب المصري وابتعاده عن الاستقطابات الحادة ونوازع التطرف والإقصاء والمغالاة!
أهو حظنا العاثر أم ثمة أسباب أخرى؟! تسمع من البعض سؤالا يفيض بالألم والمرارة، عند المقارنة بين ما يحصل في مصر وما آلت إليه أوضاع سوريا.
البرادعي والعراق : فرز الحقيقة عن التضليل
باتر محمد علي وردم - الدستور الأردنية
شهدت الأيام الماضية وعلى إيقاع الأحداث الساخنة في مصر طاحونة من الإشاعات والتضليل الذي انتشر في عدة وسائل إعلامية سواء قنوات فضائية أو مواقع إلكترونية وخاصة على وسائل الاتصال الاجتماعي تتضمن معلومات غير سلمية بدون أدلة وأخرى تعتمد على انطباعات واتهامات متبادلة من كل الأطراف.
من أكثر الإشاعات والمعلومات الخاطئة التي انتشرت عبر الإعلام العربي منظومة التهم الموجهة لمحمد البرادعي أحد قادة جبهة الانقاذ المصرية المعارضة لحكم مرسي والرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الاتهامات التي طالت البرادعي كانت تتعلق بدوره المفترض في تهيئة مجلس الأمن للعدوان على العراق في العام 2003 بحجة وجود برنامج الأسلحة النووية. ولكن في الواقع فإن محمد البرادعي لم يساهم أبدا في الحرب ضد العراق بل كان دائما مناهضا لأي تحرك عسكري ولم تتضمن تقاريره اية اتهامات للعراق. ما حدث هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا قدمتا تقارير مزيفة فبركتها وكالات الاستخبارات فيها أمام مجلس الأمن للحصول على تأييد دولي للحرب. تقرير الولايات المتحدة كان مصدر إحراج كبير لكولن باول الذي قدم التقرير واكتشف بعد ذلك أنه قد تم خداعه وهذا ما ذكره في مذكراته. تقرير الاستخبارات البريطانية كان مبنيا على شهادات مزيفة لعالم نووي عراقي تبين أنه كاذب وأنه يعمل مباشرة مع الاستخبارات البريطانية وساهم الكشف عن هذه الحقيقة في القضاء على سمعة توني بلير السياسية تماما.
محمد البرادعي كان المدير العام لوكالة الطاقة الذرية واشرف على عمل المفتشين الدوليين الذين طلبتهم الأمم المتحدة وفي شهادته أمام مجلس الأمن في يوم 7 آذار 2003 قبل اندلاع الحرب بأيام أكد البرادعي وبدون اي شك بأنه “لا توجد أدلة ولا مؤشرات على قيام العراق بتنشيط برامج الطاقة النووية” وطالب بمنح الوكالة المزيد من الوقت للتفتيش وهذا يعني في ظل تلك الأجواء الساخنة والضغوطات الأميركية الهائلة عدم اتخاذ قرار بالحرب والاستمرار في برامج التفتيش التي كانت ستحمي العراق من الكارثة. ولكن حسابات واشنطن ولندن كانت مختلفة وتمكنت من خلال تقاريرها المزيفة من شن الحرب. البرادعي ليس مسؤولا تحت أي تفسير اداري وسياسي وأخلاقي عما حدث في العراق بل أدى دوره بمهنية ومسؤولية عالية جدا.
يتهم البرادعي ايضا بأنه من الفلول مع أنه الشخص الذي قدم أول مساهمة حقيقية في حسر حاجز الخوف من نظام مبارك عندما عاد إلى مصر وتحدى هذا النظام وتعاون مع حركة كفاية في تنظيم الشارع المصري قبل سنتين من الثورة ودفع ثمنا باهظا لذلك وصل إلى التلصص على حياته الشخصية من قبل مخابرات نظام مبارك وتشويه سمعته وملاحقته أينما تحرك. يمكن القول بانه لولا البرادعي وبنسبة عالية جدا لكان مبارك لا يزال رئيسا لمصر ولكان الأخوان المسلمين تنظيما محظورا حتى الآن!
طاحونة الكذب والإشاعات استمرت لتحاول الترويج لاكاذيب، وأن التحرك العسكري والمظاهرات المليونية هي مؤامرة أميركية-إسرائيلية-خليجية ضد الإسلام وضد الأخوان وغير ذلك من الكلام الذي لا يقبل عقل أن يصدقه. من المهم أن تكون علينا القدرة على فرز الحقيقة من التضليل لأن الإعلام، وخاصة وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة أصبحت طاحونة من التضليل ولا بد من التفكير مليا قبل الترويج لأية أكاذيب واتهامات لا يقبلها دين ولا خلق!
متى يحاكَم القرضاوى؟
نادين البدير – المصري اليوم
حين تنقلب الشياطين على بعضها.
خرج «الجليل»، منذ يومين، يحرض المصريين، ويفتى بعدم شرعية الخروج على مرسى. نطق وأخرج حقيقته.
إخوانى. ثرى جداً. مستقر فى أحضان بعض الخليج. موهوب بجذب أكبر عدد من المريدين والأتباع كونه يعرفهم جيدا. جماهير لا ذاكرة لها. تعبد اللحظة وتغير أيامها دمعة على خد منافق. عدو الأمة. مصالح جماعته تتعدى حدود وطنه.
لا أوطان للإخوان، فليست خيانة بعرفهم تشويه معالم أى بلد عربى بالقتل والنحر لصالح تنظيمهم الدولى.
اليوم، يفتى بعدم الشرعية. الشرعية التى يعاديها. لم يتخذ منها أساسا لفتاواه الخارجة على كل شرعية وإنسانية وكل سماء.
تراجع صاحب اللحية، المتقلب، عن موقفه من حزب الله، واعتذر لعلماء السعودية، معترفاً بأنهم كانوا أكثر نضجاً منه، (الشيخ كان ينتقد علماء السعودية، وحين تحسنت العلاقات بين قطر والسعودية تحسنت علاقته بها)، وفوراً تداول إخوانه شجاعة موقفه، وألا عيب فى الاعتراف بالخطأ. قال وقتها: «هم ضحكوا علىَّ وعلى كثيرين مثلى»، كأنك كنت طفلاً يا «قرضاوى»، ليضحك عليك حسن نصر الله. أنت الشيخ البارز، صاحب المناصب، البارع فى الخلط بين السياسى والدينى، الذى يتحكم فى السياسة تحكمه فى الإفتاء. لا عيب فى الاعتراف بالمسؤولية عن دماء ودماء سالت بسبب فتاوى الخديعة.
قال إن «حزب الشيطان يريدون قتل أهل السنة»، حزب الله صار اسمه حزب الشيطان. التسميات تتغير حين تنقلب الشياطين على بعضها.
قال إن دفاعه عن حزب الله وإيران كان «للتقريب بين المذاهب»، لم يقل إنه كان طرفا فى حرب دائرة، لم يقل إنه تنصل من عباءة رجل الدين البرىء، المحايد، ولبس عباءة ألوانها تتوافق مع ذوق سلاطينه.
الآن، تحرض كل مسلم على الجهاد فى سوريا، وتفتى متلاعبا بأبناء المنطقة الذين نزح منهم الآلاف لسوريا، استجابة لدعواك الباطلة.
وكله عندك مدمغ بالدين والأحاديث والآيات، فمن هو الشيطان؟
من شوّه الإسلام؟
خرج «الجليل» يهتف للوقوف مع حزب الله، ثم عاد وحرمه. خرج مرة بفتوى تحريم زيارة القدس. قال إن الرسول محمداً لو كان حياً لتحالف مع «الناتو». شبَّه من ينتقد الإخوان بقوم لوط. أشعل الفتن بين الفلسطينيين، وحرض طرفاً ضد الآخر. أشعل الفتن فى موضوع كردستان. قال يوماً إن الترويج للمذهب الشيعى فى بلد سنى سيُحدِث صدامات مسلحة بين الفريقين. ماذا عن الموت والصدام الذى سببته فتاواك؟ المكان الوحيد الذى لا يتعرض له «القرضاوى»، رغم احتوائه أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة هو قطر، وهل يعض الواعظ يد السلطان؟ يفتى الشيخ، موافقا، بأن «القاعدة» قامت بـ«قرارات حكومية» (شرعية).
«ليس من الشرعية الخروج على مرسى»، وما أدراك أنت بالشرعية والديمقراطية أو الشرع وما أدراك ما الجهاد؟ أنت لا تعلم من الديمقراطية سوى الوصول للحكم، لتطرح فورا مسألة عدم شرعية الخروج على الحاكم (الإخوانى). كل الإسلاميين متمسكون بلفظ الديمقراطية لصالح «مرسيهم»، متغاضين عن الأهم وهو الشعب. هو من رفع الرئيس وهو من يسقطه. هذه هى الديمقراطية.
لم يكن هذا موقفه إزاء الخروج على الرئيس مبارك. صاحب اللحية يستعير دور السلف حين اعترضوا على خروج الإخوان على طاعة ولى الأمر، أيام ثورة يناير. صاحب اللحية لا تضيره حرب أهلية مصرية كرمى لتنظيم الإخوان.
لكن الأمر لن يكون أكثر من جعجعة فى طاحون. إذ لن يستمع له أحد. أما العرب جميعا والمسلمون بشيعتهم وسنتهم فعليهم الاجتماع على سؤال واحد: متى يحاكَم «القرضاوى»؟ عن الدماء. عن الأرواح. عن التفرقة بين المذاهب. عن خيانة بلده. عن كل الكراهية التى اشتعلت.
وأيها الواعظ. عد إلى بيتك المنيف والزم الهدوء. احلق لحيتك، وراجع أيامك، عساه أن يغفر لك شيئا من خطيئاتك.
الفتوى المحرمة ستلاحقك. ودماء ضحاياك ستلاحقك.
إلى حين محاكمتك. إن كانت هناك عدالة.
8/7/2013
في هذا الملف
قال شو: "إرهاب فلسطيني"!
جمانة حداد – النهار اللبنانية
في إقليم «الشرق الأوسط» أربعة مشاريع أم ثلاثة؟
د. اسعد عبد الرحمن - الرأي الأردنية
من أكثر عداوة.. إسرائيل.. أم روسيا؟!
يوسف الكويليت – الرياض السعودية
مصر تعيد العروبة إلى الحياة
نايلة تويني – النهار اللبنانية
الصراع على خريطة طريق الثورة
مصطفى اللباد – السفير اللبنانبة
المصالحـة أو الفوضــى
رشيد حسن - الدستور الأردنية
حرب على المصريين
علي سالم – الشرق الأوسط
مصيرنا المظلم مع إسلاميي السياسة وديموقراطييها
عبد العزيز حسين الصاوي – دار الحياة
الإخوان يطالبون بالتدخل الأميركي!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
الوطن قبل الجماعة
د. مصطفى النجار – المصري اليوم
ثغرة الإخوان!
محمد سلماوي – المصري اليوم
السوريون والمشهد المصري!
أكرم البني – الشرق الأوسط
البرادعي والعراق : فرز الحقيقة عن التضليل
باتر محمد علي وردم - الدستور الأردنية
متى يحاكَم القرضاوى؟
نادين البدير – المصري اليوم
قال شو: "إرهاب فلسطيني"!
جمانة حداد – النهار اللبنانية
ليس أكثر إثارةً للاشمئزاز عندي من أن يطرح عليَّ أحدهم، في مدينة أوروبية أو أميركية، سؤالاً وقحاً يتعلق بموقفي مما يسمّيه "الإرهاب الفلسطيني"، بعدما شجّعه على ذلك – خطأً - نقدي للتطرف الاسلاموي في المنطقة العربية. ثمة بالطبع ما هو أسوأ: ذلك المنحى لدى بعض "أهل البيت العربي"، هنا، بالاعتماد سرّاً وكثيراً على إسرائيل لكي "تخلّصنا" من مشكلاتنا. حلو! لا ينقص ملغوصة لبنان اليوم سوى أولئك الذين بلغت بهم درجة العمى وكراهية الآخر حدّ النظر الى دولة كإسرائيل، باعتبارها "منقذة" لهذا البلد التعيس، هي التي قامت في أساسها على منطق الإرهاب والترهيب ولا تزال تمارسهما بمباركة دولية.
أنا مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، أعتبر أن "حزب الله" ومشروعه السياسي والديني وسلاحه وولاءاته اللا- لبنانية، التي يخفيها بعنجهية وطنية على طريقة "رح اتغداكم قبل ما تتعشّوني"، عائق أمام تحوّل هذا البلد الى دولة. مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، أعتبر أن التيارات السلفية ومن يشدّ على مشدّها وتطرّفها الديني وولاءاتها اللا – لبنانية التي لا تخفى على أحد، عائق أمام تحوّل هذا البلد الى دولة. مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، قرفتُ من الطاقم السياسي ذاته والوجوه السياسية نفسها التي لم تتغيّر تقريباً منذ ولادتي في السبعينات. مثل كثيرات وكثيرين في هذه البقعة السيئة الحظ من العالم، نفد صبري من الفساد المموّه بكلمة "إصلاح"، ومن الوعود الكاذبة واستحالة الأمل وهجرة الشباب وانقطاع الكهرباء وتدخل رجال الدين في حياتنا الخاصة والعامة والخطابات المكرورة والكلام الفارغ ونغمة التعايش التي لم يعد يصدّقها أحد ونشرات الأخبار الملغومة والعيش على "صوص ونقطة".
... لكن أن تصل مواصيل البعض الى اعتبار إسرائيل "منقذة" للبنان، فهذا مما لا قدرة لهذا البلد على أن يدفع ثمنه بعد الآن. يا جماعة: عدوّ عدوي ليس صديقي على العمياني. عدوّ عدوّي في هذه الحال هو عدوّي الأول. معيب في حقنا، معيب في حق ماضينا وشهدائنا وكل ما عشناه وبذلناه، أن نتحالف، ولو معنوياً، مع دولة ارهابية مغتصبة تدّعي الديموقراطية والانفتاح بينما تجتاح الأرض وتقتل الأطفال وتطرد الفلسطينيين من منازلهم وتضيّق سبل الحياة على شعب لا ذنب له سوى أنه ولد على أرض هي له.
قال شو: "إرهاب فلسطيني"!
في إقليم «الشرق الأوسط» أربعة مشاريع أم ثلاثة؟
د. اسعد عبد الرحمن - الرأي الأردنية
يستطيع الباحث/ المراقب، اليوم، رؤية فعل ثلاثة مشاريع سياسية في منطقة الشرق الأوسط، فماذا عن المشروع الرابع العربي؟!
أول هذه المشاريع هو الإسرائيلي. فقد بات معروفا ان الدولة الصهيونية غير راغبة في مبادلة الأرض مقابل السلام، إذْ تسعى للانخراط في مفاوضات أبدية وعبثية، تستثمر عبرها الوقت لتقوية قبضتها على القدس الشرقية والضفة الغربية، وتعمل حثيثا على جعل المستعمرات/ «المستوطنات» في الضفة جزء لا يتجزأ من (أراضيها)، فيما تجهد من أجل إطالة أمد نزاع الأخوة في سوريا. بالطبع، ينبع التركيز على سوريا من كون استنزافها هو أيضا استنزاف سياسي ومالي للدول الداعمة وبالذات إيران، وكذلك «حزب الله»، مثلما هو تهديد صريح لمكتسبات فورية، وأخرى نأمل أن نلمسها لاحقا لما بات يسمى «الربيع العربي»، الذي يسعون إلى حرفه نحو فتنة طائفية مذهبية. والمشروع الصهيوني يحرص على إطالة أمد الحرب، سواء بقي النظام أم رحل، فإسرائيل لا تريد دولة سورية مستقرة ومحافظة على وحدتها، فضلا عن أمنيتها رؤية شعب، لطالما تغنينا بتعدده وتنوعه وعلمانيته، تسري الطائفية في عروقه وتسمم كيانه.
ثاني المشاريع هو التركي، الذي يحاول المزاوجة بين إسلاميته التي يمثلها حزب العدالة والتنمية الحاكم، وبين علاقاته المتينة مع إسرائيل والغرب ومساعيه المرفوضة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مقرونا بشهيته للتمدد في العالم العربي. هذا المشروع شهد تصاعدا ملحوظا في «الإقليم» خلال السنوات القليلة الماضية، بل وعلى المستوى الدولي. ولعل أبرز تمدداته كان في القضية الفلسطينية سعيا وراء احتلال مساحات نفوذ في العالم العربي على حساب أطراف عربية ضعفت، أو في مواجهة قوى (إيران أساسا) تمددت هي الأخرى. ومما يجدر التنويه به هنا كون مشروع تركيا «الإقليمي»، حسب رؤية «العدالة والتنمية»، ليس في موقع التصادم أو حتى التناقض لا مع الغرب ولا مع إسرائيل.
المشروع الثالث، هو المشروع الإيراني، الشيعي، (والبعض يقول الفارسي/ الصفوي) الهادف «الاستيطان» في المنطقة العربية، والذي يراد له الوقوف في وجه المشروع التركي السني. ومثل هذا التوجه يثير الخوف والرعب لدى قادة وجمهور في العالم العربي اليوم، بل إنه يواجه من إسرائيل ومن الغرب بالتهديد باللجوء إلى استخدام القوة ان لم تُعطل الجمهورية الإسلامية برنامجها النووي. والمشروع الإيراني، يتسم بطبيعة يتداخل فيها الديني بالقومي، أساسه المعلن عدم التدخل في شؤون الآخرين، فيما كل الآخرين مستاؤون من تدخلاته وطروحاته الإسلامية. هذا مع التأكيد على أن هنالك فئات واسعة في المجتمعات العربية لا ترى في إيران خطراً على أمنها، خاصة عندما تتم مقارنتها بإسرائيل، وخاصة عندما يتم التنويه بخطابها المعادي للدولة الصهيونية.
أما المشروع الرابع، الميت على الأرض، الحي - على شكل «أمنية» أو «حلم»-في قلوب وعقول الشعوب العربية، فهو المشروع القومي/ الإسلامي العربي الوحدوي، الذي كلما كان هناك محاولة لإحيائه ووجه بمخططات وبرامج لضربه. وهو مشروع يتمثل اليوم (بعد إطاحة النظام والتراث الناصريين) بما أصبح عليه «الربيع العربي» الذي يتم حرف اتجاهاته في أكثر من حالة: فبعد الإطاحة بنظام معمر القذافي وجر ليبيا إلى فوضى ما زالت مستمرة، ها هي الفوضى تبحث عن مكانها في مصر، فيما تم إشعال فتنة طائفية سنية شيعية تهب نيرانها القميئة على سوريا (بعد العراق ولبنان) دون إطلاق رصاصة إسرائيلية واحدة، أو صرف «شيكل» إسرائيلي!
واليوم، أينما يممنا النظر نرى المشاريع الثلاثة (الإسرائيلي، والإيراني، والتركي) مشاريع حية، تفعل فعلها على الأرض العربية، في ظل غياب «ساطع» للمشروع العربي المنشود. ورغم التفاوت في خطورة هذه المشاريع على العالم العربي، علينا الاعتراف بأن لكل دولة إقليمية مصالحها التي تنطلق من خلالها لإثبات وجودها باعتبارها قوة شرق أوسطية، ولا غرابة في ذلك! أما الغريب العجيب فيتجلى حين نرى هذه المشاريع الثلاثة فاعلة يحقق كل منها كسبا لنفسه رغم التصارع، ولكننا نجد غيابا عربيا فادحا! ويبقى السؤال: من الرابح والمستفيد الأكبر؟! هذا ما سنعالجه في مقالنا القادم.
من أكثر عداوة.. إسرائيل.. أم روسيا؟!
يوسف الكويليت – الرياض السعودية
المنطقة العربية ساحة حرب مفتوحة بدأت ببريطانيا وفرنسا، ثم انتقلت إلى مركزي القوة السوفييت والأطلسيين، وبحافز مواجهة الوجود وتنفيذ أجندة الغرب تحولت إسرائيل إلى القوة المطلقة التي تعلن فرض إرادتها على دول الجوار بالذات، وكل مساحة الوطن العربي..
نحن الآن بين عداوة تاريخية واضحة ومسجلة على القوائم العربية أنها القضية الثابتة في انتزاع أرض وتشريد شعب، واستراتيجية طويلة الأمد للتمدد، وقد خاضت العديد من الحروب استطاعت إسرائيل الانتصار ببعضها، وفشل البعض، ولا تزال تحشد كل عداوات العالم ضد هذه المنطقة على مبدأ أن الصراع طويل، ومصيري، وهي لا تريد أن تتخيل جبهة عربية متحدة بقوة نفوذ عالمي اقتصادي وسياسي ثم عسكري تحشد اتجاهها مما يعني زوال الحلم الصهيوني مهما كان ميزان القوى لصالحها الذي قد يدوم إلى عدة عقود، ولكن المستقبل يبقى مرهوناً بظروف وتحولات قد تقلب المعادلات وتغير المسارات خاصة وأن من تعهد رعاية إسرائيل قد يصبح خارج دائرة زعامة العالم أمام زحف قوى قادمة ليس لها سجل الغرب في الاستعمار، ولا الفصل العنصري، وبناء عقيدة «كبرياء التاريخ» وفلسفة التطور أمام الشعوب الأخرى ومنها الوطن العربي هي مركز الصراع التاريخي..
الطرف الآخر في العداء، روسيا التي حاولت نتيجة انكسار قوتها وهيبتها بعد الاتحاد السوفيتي التي حاولت أن تكون البديل الموضوعي عنه، أن تسجل وجودها في المنطقة من خلال أصدقاء تلك المرحلة، ولما لم يوجد لديها ما تنافس به دول أوروبا وأمريكا، وكذلك آسيا، سوى السلاح، فقد وجدت في ليبيا التي انتهت بهزيمة لوجودها، بعد نهاية غير متوقعة لنظام القذافي، أن تضع سورية كأهم بؤرة التقاء معها، ولما حدثت الثورة رفضت تكرار هزيمتها في ليبيا، وهذه المرة لم تعد الأمور تدار بتوريد السلاح، أو الوقوف في مجلس الأمن لاتخاذ قرار «الفيتو» وإنما رمي ثقلها السياسي والعسكري مستفيدة من العجز الأمريكي والتردد الأوروبي بدعم الثوار، لتلتقي مع إيران والعراق في تنفيذ المشروع المشترك بجعل سورية مصدر قوتهم في المستقبل لما تمثله من موقع استراتيجي، وما تراه أنه مجالها الحيوي بالضغط على الدول المطلة على البحر الأبيض تحقيقاً لحلم القياصرة وما بعدهم بالوصول للمياه الدافئة، لكنها تحولت من حليف إلى شريك بجريمة الأرض المحروقة في كل سورية، والمؤسف ليس الموقف الغربي الذي تركها تعبث فقط، ولكن العجز العربي عن مواجهتها بما يليق أخلاقياً بالدفاع عن سورية أمام جبروت الآلة العسكرية باتخاذ خطوات عملية بطرد السفراء ومقاطعة كل ما يتصل بعلاقات معها، بما فيها غلق الأجواء العربية عليها..
فعقدة الروس ليست ايدلوجية ماركسية، وإنما «أرثوذوكسية» كنسية لها الاعتبار الأساسي في صياغة الأهداف وتنفيذ القرارات، لأن جرح القسطنطينية، وتحويل كنيسة أياصوفيا إلى مسجد، ونزع المركز الروحي من الدولة البيزنطية، لازال جرحاً نازفاً، حتى أنه في عمق الاقتتال في سورية بين السلطة والشعب، فكان مدار الجدل حماية المسيحيين الأرثوذوكس من أي هجوم والحرص على رعايتهم من بين المكونات الدينية والاجتماعية السورية، وهذا لا يفسر كتعاطف ديني فقط، وإنما جزء من استراتيجية موضوعة اكتسبت زخمها وقوتها من عمق التلاحم بين القرار السياسي والديني..
الظرف موات لأن يوجد نواة المواجهة مع روسيا، استعداداً لموقف إسلامي شامل خاصة وأن الإبادة الممنهجة للشيشان يجب أن تفتح سجلاتها وملفاتها وتوضع ضمن خيارات ضغط عليها طالما الحرب مفتوحة على كل الاتجاهات يرفدها عداء تاريخي ثابت في المعادلة الروسية..
مصر تعيد العروبة إلى الحياة
نايلة تويني – النهار اللبنانية
في تفسيري المتواضع كنت أرى الى العروبة نموذجاً لانفتاح الإسلام والمسلمين على ثقافات أخرى لا تقل شأناً عن الاسلام الذي استوعب اللغة العربية فجعلها مترابطة معه ومرتبطة به، وهي كانت قبله بزمن بعيد، وكانت وضعت أسسها وقواعدها، ولم يزدها الإسلام رفعة الا عندما جعلها لغة القرآن، فوسّع نطاقها، وربما حفظها في زمن ذوبان لغات أخرى كثيرة.
والأهم من اللغة، هي العروبة الثقافية التي ارتبطت بالمنطقة واللغة، وهي كانت الى زوال بعد الثورات العربية التي جنحت الى الأسلمة، لا الى الاسلام بما هو دين يؤمن كغيره بالإله الواحد، ويلتقي مع مؤمنين آخرين في هذا الايمان.
أما الأسلمة التي اخذنا اليها اتجاه أكثر الثورات، فهي لا تعترف بالآخر المختلف، وتالياً لا تقبله، وتعارض التنوّع، والتعدد الديني كما الثقافي، ولا تكتفي برفض الآخر، بل تحرمه حقوقه الانسانية والمدنية والوطنية في دول سكانها خليط من الاديان والثقافات والملل. وفي أحيان كثيرة تتجاوز هذه الجماعات حدود التكفير الى تحليل القتل. ولا تقتصر الفتاوى الدموية على المسيحيين، بل تشمل ايضاً المسلمين الشيعة، وكذلك السنة الذين لا يوافقونها الرأي. والمفارقة ان هذه الجماعات لم تعادِ الاسرائيليين، مثلما فعل الرئيس المصري المعزول محمد مرسي الذي حافظ على أفضل العلاقات مع إسرائيل، فرأت هذه في غيابه خسارة لها.
اليوم، بالثورة المصرية المستعادة، يعود الى العروبة بعض متنفس، وبعض أمل في الحياة، خصوصاً ان مصر كانت دوماً الراعية لهذه العروبة، ومحركتها، والمدافعة عنها. وإذا خسرت العروبة مصر، فذلك يعني أنها خسرت كل شيء وجودي لها، وخصوصاً بعد انهيار بغداد، وزوال دور دمشق العروبي منذ زمن بعيد مع دخولها في ولاية الفرس، ومهادنتها اسرائيل.
اليوم تعيد ميادين القاهرة والمدن والمحافظات تصويب الثورة وكل الثورات، وتعلن ان الثورة صنعت لحرية الانسان والمواطن، وانطلاقه الى الرحب الاوسع، وليس لنقله من ديكتاتوريات الحكام، الى ديكتاتورية الاحكام الشرعية والفتاوى القاتلة.
اليوم تقوم العروبة من سباتها، وتحتاج الى زخم جديد، يجعلها أكثر فأكثر ابنة العصر، وقادرة على التفاعل، وقابلة للتأثر، والتأثير في الحضارة العالمية.
الصراع على خريطة طريق الثورة
مصطفى اللباد – السفير اللبنانبة
تقف مصر الآن على مفترق طرق كبير، سيرسم الطريق الذي ستذهب إليه بعد إسقاط حكم «الإخوان المسلمين».
خريطة الطريق والتجربة السابقة
اختبر المصريون تجربة خريطة الطريق وأهميتها الفائقة في رسم ملامح المستقبل قبل سنتين ونصف، وبالتحديد عند إسقاط حكم المخلوع حسني مبارك في 11 شباط 2011. احتشد المصريون على مدار ثمانية عشر يوماً مجيداً، في الفترة الواقعة بين «25 يناير» 2011 وحتى يوم تنحي مبارك يوم 11 شباط 2011، أبهروا خلالها أنفسهم والعالم بعزمهم وقدرتهم على إسقاطه. بعدها مباشرة حددت خريطة الطريق ملامح المستقبل لفترة انتقالية، تلك التي انتهت مع موجة الثورة الثانية في «30 يونيو» 2013 التي أسقطت مرسي وجماعته من الحكم. خلت الميادين من الجماهير مباشرة بعد تنحي مبارك، فعادت إلى بيوتها منتشية بانتصارها. ساعتها تقدمت مجموعات الضغط وأصحاب المصالح، فحسموا في ما بينهم خريطة طريق، أفضت في النهاية إلى ما أنتهت إليه من صفقة بين «الإخوان المسلمين» والمجلس العسكري بقيادة طنطاوي وعنان. لم تكن هذه الصفقة ممكنة بدون خريطة طريق متفق عليها في ما بين الأطراف الفاعلة، تلك التي جلست في الغرف المغلقة لتترجم موازين القوى على الأرض بشكل يخدم مصالحها. ولما كان انفضاض الجمع قد ترك الساحات خالية إلا من مجموعات الضغط وأصحاب المصالح، فقد فقدت الثورة ممثليها في التفاوض على خريطة الطريق. والأخيرة ليست سوى محصلة الاتفاق بين التحالف المتبلور بعد إسقاط النظام، وهي كانت في الموجة الأولى من الثورة بين المؤسسة العسكرية وجسم النظام القديم الذي فقد رأسه فقط، وجماعة «الإخوان المسلمين» التي لم تصنع الثورة ولم تشارك بها في بداياتها، وإنما هندست خريطة طريق مواتية لمصالحها. في الموجة الأولى من الثورة تم ترقيع الدستور وترك مهمة صياغة الدستور الجديد إلى هيئة تأسيسية بعد انتخابات البرلمان، ما يعني ترك النظام السياسي القادم كله رهنا بانتخابات ستربحها القوة الاكثر تنظيماً على قوى الثورة المشتتة والأقل تنظيماً والمفتقرة بوضوح إلى قيادة تمثلها، وعن طريقها تستطيع فرض أهداف ثورتها. ساعتها وافقت قوى النظام السابق «الفلول» على خريطة الطريق الإخوانية لقطع الطريق على إزاحة كامل النظام وحصر الخسائر في رأسه فقط، وبالتالي ترقيع الدستور القديم يحول دون تغيير جذري في بنية النظام، ما يعني في النهاية توسيع قاعدة التحالف الحاكم بضم جماعة «الإخوان المسلمين» إليه. في الموجة الثانية من الثورة يبدو الموقف مختلفاً بعض الشيء، فهناك تبلور لقيادة سياسية معنوية تتمثل في الدكتور محمد البرادعي والأستاذ حمدين صباحي. وهناك حركة ثورية هي «حركة تمرد» دعت إلى التظاهرات وقادتها حتى إسقاط الدكتور محمد مرسي، وما زالت مستمرة في التظاهر بالميادين. بالمقابل كانت الموجة الأولى بلا رأس تنظيمي أو قيادي، فنبتت التنظيمات الشبابية كالفطر على خلفية طموحات شخصية في الأغلب، ومن دون سند فعلي جماهيري على الأرض. وبالرغم من الاختلاف الواضح بين الموجتين، إلا أن هناك أيضاً مشتركات تخص موازين القوى. شاركت قوى «الفلول» في الموجة الثانية من الثورة، بعد ان حاولت جماعة «الإخوان المسلمين» استبعادها من التحالف الحاكم بغرض تمكين الجماعة وحدها من مفاصل الدولة. ويبدو واضحاً أن المواكبة الإعلامية للموجة الثانية من الثورة، وإحجام قوى الأمن عن قمع التظاهرات، وكلاهما ينتمي في غالبية قياداته إلى فلول النظام السابق، عكس مساهمة ضمنية في إسقاط حكم الجماعة. بمعنى آخر تتنازع الآن في مصر قوى الثورة ممثلة في «حركة تمرد» والتيار المدني العريض بتلويناته، مع ثلاث قوى مرة واحدة. تتمثل القوة الأولى في قوى النظام السابق التي تريد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وحصر الثورة في إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» مع الإبقاء على قسمات النظام وانحيازاته الاجتماعية والسياسية على حالها، في حين تظهر القوة الثانية في التيار الديني ممثلاً في التيار السلفي الذي أفرد الغطاء السياسي على الثورة بمشاركته في إعلان عزل الدكتور محمد مرسي، بالرغم من عدم مشاركته فيها، لا في موجتها الأولى ولا في موجتها الثانية. والقوة الثالثة هي القوات المسلحة المصرية وقيادتها، والتي تعتقد أن «أخونة» مؤسسات الدولة يضرب المصالح الوطنية المصرية في الصميم، وستشارك إلى حد كبير ـ بحكم موازين القوى ومنطق الأمور ـ في رسم خريطة الطريق المرتقبة.
المصالح المتضاربة في خريطة الطريق الجديدة
تريد قوى النظام السابق الآن تفريغ الثورة من محتوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر فرض أولوياتها على المرحلة الانتقالية، بحيث يصبح مطلب عودة الأمن إلى الشارع المصري بعد انفلات سنتين ونصف مسوغاً لفرض مبدأ «عفا الله عما سلف» والتغاضي عن جرائم وقعت ضد المتظاهرين والثوريين ودماء الشهداء. كما تبغي قوى النظام السابق الالتفاف على مطلب العدالة الاجتماعية، وهو مطلب مؤسس للثورة المصرية بموجتيها، عن طريق إعطاء الأولوية لإسقاط قضايا الفساد المالي السابقة تحت شعار «التصالح مع رجال الأعمال الهاربين»، وهو مطلب سارت فيه حكومة محمد مرسي بتفان وإخلاص. وتروم قوى النظام السابق أيضاً ترميم النظام السياسي ليعود إلى حاله الأول وتوازناته الأولى، عبر خريطة طريق تثبت أجندتها وأولوياتها وإنهاء العزل السياسي لرموز نظام مبارك. بالمقابل يريد التيار السلفي ممثلاً في حزب «النور»، الإبقاء على دستور «الإخوان» ورفض مبدأ تغييره، ووافق على تغيير الدستور ولكن دون المس بالمواد التي تتعلق بالهوية الإسلامية للدولة. يعرف حزب «النور» أن موافقته على المشاركة في المرحلة الانتقالية كممثل للتيار الإسلامي وكغطاء سياسي لإسقاط حكمهم، تحمل فرصاً ومخاطر في آنِ معاً. تتمثل الفرص في وراثة نفوذ جماعة «الإخوان المسلمين» في الدولة وتثبيت مكاسب للتيار الإسلامين تسمح له بوراثة نفوذ «الإخوان المسلمين» في الشارع أيضاً . وبالمقابل تتمثل المخاطر في وصمه بالخيانة لمصالح التيار الإسلامي، وهو ما يواجهه بالتصلب في رسم خريطة الطريق الجديدة ليقتنص الفرص، وليرد في الوقت ذاته على منتقديه بأن وجوده في المرحلة الانتقالية يمنع التيارات المدنية والعلمانية من القضاء على مكتسبات التيار الإسلامي. بمعنى أخر رغبة الجيش والقوى الثورية في وجود ممثل للإسلاميين في المرحلة الانتقالية، تعطي حزب «النور» حق فيتو من نوع ما يشهره في اللحظات المفصلية الحالية، لإجبار باقي الأطراف على تغيير خريطة طريقهم، وبالتالي أهدافهم، وهو ما يمنع بالتالي من وصول الثورة إلى أهدافها. ولا يخفى أن أولويات حزب «النور» لا تتضمن العدالة الاجتماعية ولا العدالة الانتقالية ولا السيادة الوطنية ونوابه لا يقفون احتراماً أثناء عزف السلام الجمهوري الذي يعتبرونه مظهراً غير إسلامي.
الجيش المصري: الحَكَم بين الأطراف
تقف المؤسسة العسكرية المصرية باعتبارها طرفاً فاعلاً وشريكاً حقيقياً في الموجة الثانية من الثورة أمام تحديات كبيرة، داخلية وإقليمية ودولية. وتتعرض هذه المؤسسة إلى ضغوط قوية من أطراف العملية سواء من فلول النظام السابق أو السلفيين أو من ممثلي الثورة في المرحلة الانتقالية لرسم خريطة الطريق، نظراً لأهميتها في تظهير توازنات النظام المقبل. للمؤسسة العسكرية مصالحها في الدولة، ورؤيتها لإدارة الصراع ولكنها تعلمت من درس «المجلس العسكري» الفاشلة منذ سقوط مبارك وحتى انتخاب محمد مرسي، فلم تتصدى لإدارة المرحلة الانتقالية الحالية وتركتها للقوى المدنية. ومع ذلك ومع احتدام الخلاف بين أطراف المرحلة الانتقالية: القوى الثورية وفلول النظام السابق والسلفيين، فستضطر إلى اتخاذ موقع الحكم بين الأطراف الثلاثة. كان معلوماً من البداية أن الدكتور محمد البرادعي هو مرشح «حركة تمرد» المفضل لرئاسة الحكومة الانتقالية، وكان طبيعياً أن يكلفه الرئيس المؤقت بذلك، ولكن اعتراض حزب «النور» وعدم حماس القوى المؤيدة للفلول أجل تسميته، وأغلق الباب أمام خريطة طريق تلبي أهداف الثورة وطموحاتها. هنا سيضطر الجيش إلى تغليب وجهة نظر على أخرى وفقاً لاعتباراته وما يراه مناسباً في المرحلة الانتقالية الراهنة، منعاً للانزلاق إلى فوضى أو مواجهة لا يرغبها في ظل تصاعد الضغوط الأميركية عليه لصالح «الإخوان المسلمين».
الخلاصة
يميز خيط رفيع بين المرونة والتفريط، لذلك على القوى الثورية إبداء المرونة تجاه ممثلي التيار الإسلامي في المرحلة الانتقالية (حزب «النور») منعاً لاستئصال الإسلاميين من الحياة السياسية، وهو أمر لو حدث سيشرع ويشرعن الانزلاق إلى نزاعات مسلحة لا يريدها أحد ولا تخدم المصالح الوطنية المصرية. ولكن بالمقابل التهاون في فرض قسمات خريطة الطريق والتنازل في أحد محكاتها الرئيسة والمفتاحية، أي تعيين البرادعي رئيساً لها، سيعد تفريطاً لا يغتفر في أهداف الثورة، بغض النظر عن شخص البرادعي، لأن خريطة الطريق التي سيجترحها هي الأهم. تعلّم المصريون من درس تحرير السفينة، ثم تسليم زمامها لمن لم يشارك في تحريرها، لأنه سيرسي على الشاطئ المناسب لمصالحه هو وليس مصالح أصحاب المصلحة الحقيقيين. ومن شأن القبول بفيتو حزب «النور» والنزول على إرادته أن ترسم خريطة على قياس وقيافة التيارات المعادية بالثورة، ما يعيدنا بالنهاية إلى المربع رقم واحد. لا يتبق أمام «حركة تمرد» والقوى الثورية إلا حشد الجماهير والنزول إلى الميادين بكثافة تمسكاً بالثورة وأهدافها، وتثبيتاً لانتصارهم بغرض ترجمته إلى خريطة طريق تحقق أهداف الثورة. سيذهب الحشد المدني في الشارع وتسمية رئيس الوزراء وطريقة تشكيل الحكومة الجديدة كمؤشرات لا تخطئ على طبيعة المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر الآن وحصص اللاعبين الكبار فيها.
المصالحـة أو الفوضــى
رشيد حسن - الدستور الأردنية
لا خيار امام الاشقاء المصريين للخروج من المأزق الذي وصلوا اليه.. الا تحقيق مصالحة وطنية حقيقية، تطوي صفحة الماضي ، على غرار تجربة جنوب افريقيا التي قادها المناضل العظيم نلسون مانديلا ،بقلبه الكبير، أو الوقوع –لا قدر الله- في فخ الفوضى الهدامة القاتلة ، التي ضربت وتضرب ليبيا ،العراق،الصومال وسوريا.
وفي هذا السياق لم تعد تصلح لغة المناشدات والتمنيات ، وقد هبت رياح السموم ،واحقاد داحس والغبراء ، ما يحتم على الطرفين : المعارضة ممثلة بجبهة الانقاذ، والتيار الاسلامي ممثلا بالاخوان المسلمين من اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة لوأد الفتنة ، وقطع رأس الحية كسبيل وحيد لانقاذ البلاد والعباد من الخطر المحدق الذي يوشك ان يحرق وادي النيل ويحوله الى هشيم.
وبتحديد أدق .. فان انقاذ مصر : الوطن والشعب من الاخطار الداهمة ، يجب ان يكون هو أولوية الجميع وواجبهم الاول ، ومعركتهم الحقيقية ، اذا كانوا فعلا يحبون مصر ويحبون شعبها.
ومن هنا فان أهم ركن في اشادة بناء المصالحة هذه ،ان تترفع المعارضة عن اعتبار ما حدث انتصارا، وتتجنب لغة التشفي وتصفية الحسابات ، وتبرهن على ذلك بطي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة ، قوامها مشاركة الاخوان المسلمين في بناء الوطن.. مشاركة فاعلة كما شاركوا في احداث ثورة 25ينايرالمجيدة، لاعادة الحياة للثورة وللديمقراطية والتعددية ، وذلك بتشكيل لجنة وطنية لصياغة دستود جديد ، وحكومة تكنوقراط ، يحظيان بموافقة الجميع ، وتحديد موعد لاجراء انتخابات رئاسية وبرلمالنية ، كسبيبل وحيد لاعادة قطار الثورة الى مساره الصحيح.
وفيما يخص الاخوان المسلمين فلا بد من الاعتراف بانهم خسروا أهم موقع لهم في طول الوطن العربي وعرضه.. ناضلوا من أجله على مدى “80” عاما واستطاعوا بجهودهم وجهادهم وصبرهم الطويل ان يصلوا الى كرسي الرئاسة في اكبر واهم دولة عربيا واسلاميا نظرا لموقعها الاستراتيجي ، ودورها التاريخي والطليعي والتنويري.
ان عزل الرئيس مرسي وهو اول رئيس مصري مدني ينتخب من الشعب المصري ، يشكل خسارة كبيرة للاخوان في مصر والعالم العربي كله ، ويؤشر على تراجع المد الاخواني، أو بالاصح، الاسلام السياسي، وهو ما يفرض على الاخوان اجراء مراجعة موضوعية جريئة لهذه التجربة .
لقد نشط المتابعون والمختصون في الاسلام السياسي في تقصي الاسباب التي ادت الى فشل الرئيس مرسي والاخوان في حكم مصر، وابرزها ان الرئيس لم يكن مستقلا ، بل كان يتلقى الاوامر والنواهي من المرشد ومن مكتب الارشاد ، وهو ما تجلى واضحا في كثير من القرارات اهمها تشكيل لجنة الدستور ، وتعيين “13”محافظا من الاخوان من اصل”27” ورفضهم في النهاية لمبدا المشاركة ،واصرارهم على الاقصاء والتهميش- كما يتهمهم خصومهم - في حين ان وقوف المعارضة وبالذات جبهة الانقاذ مع مرسي ضد مرشح الفلول ، هو الذي ادى الى فوزه في معركة الرئاسة، وجاء قرار قطع العلاقات مع سوريا ،ما يشكل ضربة موجعة للامن القوم المصري ، والدعوة لتحرير الشام ، في الوقت الذي يحرص على علاقاته مع العدو الصهيوني.. ليقصم ظهر الرئيس وظهر الاخوان .
نأمل من الاخوان المسلمين وهم شركاء في الثورة ، وفيهم الكثير من العقلاء والحكماء الذين تربوا في مدرسة الاسلام العظيم ، ان يخرجوا من مربع ردة الفعل ، والسياسات الثأرية والاعمال الانتقامية ، فما جرى هم المسؤولون عنه بالدرجة الاولى، وهو درس لهم ولغيرهم من الحكام العربي الذين يتجاهلون ارادة شعوبهم ، ويعتقدون ان التأييد الاميركي يكفي ، وما دروا ان اميركا ليست معنية الا بمصالحها ،ومصالح حليفها العدو الصهيوني.
لقد فاجأنا خطاب المرشد محمد بديع وهو يدعو انصاره الى الصدام ، والى الشهادة والاستشهاد ، ورغم ان هذا الخطاب الانفعالي يؤكد فداحة الضربة المؤلمة التي تلقوها، الا انه في الوقت نفسه ، يضاعف من عزلهم، وتوسيع هوة عدم الثقة التي كانت السبب في ثورة 30حزيران، باختصار... الاخوان المسلمون امام المنعطف الاخطر ، فاما اشعال نار الفتنة والحرب الاهلية القذرة ، واما ان يكبروا على الجرح ،ويعضوا على الالم ..حفاظا على مصر وشعبها والامة كلها .
حرب على المصريين
علي سالم – الشرق الأوسط
كل الحروب التي خاضتها الجماعة من قبل، كانت في مواجهة حكومات، قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها، أما الآن فقد أعلنت حربها الأخيرة - وستكون الأخيرة بالفعل - في مواجهة الشعب المصري ممثلا في ناسه، ومراكز قواته المسلحة، وأجهزته الشرطية في سيناء وفي طول البلاد وعرضها. وذلك عقابا للشعب المصري على خلعه لرئيس عجز عن أن يكون رئيسا للمصريين وظل لعام كامل مندوبا عن الجماعة في القصر الجمهوري، وكأنه كان مكلفا بمهمة أوكلت إليه من قبل الجماعة بتخريب حياة المصريين بأغرب نظام حكم عرفوه في تاريخهم الطويل.
ستكون حربا طويلة ذات كلفة عالية في الأرواح، أرواح المصريين الأبرياء الذين لا يطمعون في أكثر من حكم نزيه رشيد يتمكنون في ظله من البحث عن لقمة عيشهم. غير أن هزيمة الجماعة فيها محققة. ولكن هزيمتهم على سطح الأرض لن تقنعهم بالعيش في سلام مع أهلهم، بل سيواصلون عملياتهم من تحت الأرض، لا توجد طريقة للوصول إلى سلام مع هؤلاء الذين لا يعرفون السلام مع أنفسهم، هذه جماعة قررت أن تنهي وجودها في مصر بأسوأ المشاهد دموية.
لم يحدث انقلاب عسكري في مصر، لم يتجمع عدد من الضباط بليل وقرروا إزالة السلطة الحاكمة، كل ما حدث كان واضحا للجميع، كان الشعب المصري قد وصل إلى درجة من اليأس كان واضحا أنها تسبق الانفجار مباشرة، وجاءت حركة تمرد لتعيد إليهم الأمل في إمكانية التخلص بطريقة سلمية من هذا الحكم الذي يهيل عليهم المزيد من التعاسة في كل لحظة. وفي اللحظات التي تجمع فيها عشرات ملايين المصريين في كل ميادين المدن والمراكز بل والقرى المصرية، وجد العسكريون أنفسهم في مواجهة موقف شديد الصعوبة، لا توجد قوة على الأرض قادرة على حماية الرئيس من هذه الملايين عندما يقررون اقتحام القصر الذي يتحصن به، لا حرس جمهوري يستطيع صدهم ولا غيره. وستكون هذه هي إشارة البدء بمذبحة في طول البلاد وعرضها، لذلك كان قرارهم بعد رفضه القاطع لعمل انتخابات مبكرة، أن يترك الحكم. هذا هو بالضبط ما يمليه عليهم الواجب والشرف الإنساني والعسكري. وهذا هو ما فعلوه.
بعد عزل الرئيس السابق، ارتفعت دعوات على الفور من كل قادة الرأي العام في كل منابر الإعلام وأنا منهم، تنبه إلى ضرورة المصالحة بين الجميع وتؤكد على أن جماعة الإخوان المصرية تمثل فريقا من حقه أن يستمتع بكل حقوق باقي الفرقاء. كما تحذر من التعامل معهم بأي إحساس بالمرارة أو الشماتة، دعوات طيبة صدرت عن عقول وقلوب طيبة، غير أنها في غمرة هذه الطيبة وربما بسببها تجاهلت قانونا قديما عرفه المصريون من أزمنة قديمة وهو «رضينا بالهم، والهم مش راضي بينا» اتضح أن المطلوب ليس أن نتصالح نحن معهم، بل أن يتصالحوا هم معنا، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلا بعد أن اختاروا أن يعلنوا الحرب علينا.
مصيرنا المظلم مع إسلاميي السياسة وديموقراطييها
عبد العزيز حسين الصاوي – دار الحياة
الحقيقة الكبرى التي أثبتتها التطورات المصرية الاخيرة هي ان شمس الديموقراطية تزداد كسوفاً على رغم بزوغ شمس الحرية في ربيعها منذ عامين. إذا كان «الليبراليون العلمانيون» يضطرون للجوء الى وسائل متناقضة مع الديموقراطية شكلاً وموضوعاً لترجيح الكفة ضد الاسلاميين، فمعنى ذلك أن المنفذ الوحيد للتقدم نحوها، وهو تنمية الوعي الديموقراطي بوسائل أخرى، قد انسد، ولنسمّه المنفذ الذاتي نظراً لانعدام المنفذ الموضوعي المزدوج، أي الاصلاح الديني والطبقة الوسطى.
بعد أن ادخل الاسلاميون الدين في السياسة بنجاح مستثمرين ظروفاً مصرية وعربية مواتية بنتائج كارثية، تأتي هذه التطورات لاستكمال عملية التعطيل وترسيخها بإدخال القضاء في السياسة واستعادة الجيش إلى قلبها. هذه خسارة كبيرة يصعب تعويضها في ما يتعلق بتأهيل العقل المصري - العربي والاسلامي بالذات ليكون رافعة للديموقراطية المستدامة المزدهرة في غياب روافعها الموضوعية راهناً. البعد التاريخي في الخطأ الذي ارتكبه غير الاسلاميين (الليبراليون العلمانيون) سيتضح في تأثيره الخطير على استقرار الاوضاع في مصر لأنه سيحـــيي ذاكرة الاضطهاد الناصري العلماني العسكري لدى «الاخوان المسلمين» ويدفعهم إلى مجاهل التشدد الفكري والنفسي القطبية، البيئة المولدة للعنف المادي، متداخلين في ذلك مع التيارات السلفية الجهادية وغير الجهادية. ولكن متداخلين أيضاً مع اســـتمرار تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية. فهذه لن تتغير بين يوم وليلة كما يتوقع المواطن البسيط المطحون بمتطلبات الحياة اليومية فيتحول من متظاهر ضد الاخوان الى حاضنة للعنف واليأس.
الطريق المعقد ولكن الاسلم للتنمية الديموقراطية في مصر، بدلاً من هذه الجراحة القاتلة للمريض على الارجح، كان ويظل رهيناً بإدراك العمق العميق لأزمة التطور الديموقراطي مصرياً وعربياً - اسلامياً باعتبارها كامنة في جفاف منابعها كثقافة مجتمعية، بما جعل تصاعد نفوذ الاسلاميين نتيجة للأزمة لا كسبب أصلي وإنما كسبب إضافي. والآن تتحدد خطوط المعركة السياسية الفكرية على مستويين. الاول ضد الاسلاميين مع الدفاع عن حقهم في الحرية وشرعية مرسي، والثاني ضد اي محاولة لاستمرار صيغة تدخل العسكريين والقضاة في السياسة لأكثر من الفترة المقررة. على أن المهمة الاصعب والاهم كانت، ولا تزال، استكشاف مختلف الوسائل الممكنة للتركيز على لب المعضلة، وهي تنمية الوعي الديموقراطي. وفي تقدير صاحب هذه المقالة (الذي كان قد دعا المعارضة المصرية لنظام مبارك قبل 11 يناير 2011 إلى القبول بخيار توريث جمال باعتباره الأكثر واقعية وقتها والأقل مرارة من غيره والافضل كتمهيد للانتقال الديموقراطي)، فإن الاستراتيجية المنتجة ديموقراطياً حالياً هي القائمة على إدراك القيمة الايجابية لناحيتين في النظام السابق بهذا الخصوص، وهما التعليم المفتوح والقطاع الخاص المتطوران نسبياً، كون التعليم الجيد هو المجال الرئيسي لانتاج التفكير النقدي المبدع، والطبقة الوسطى هي صاحبة المصلحة في الانفتاح الاقتصادي وغير الاقتصادي. وعلى عيوب هذين القطاعين الموروثة من نشوئهما في ظل نظام غير ديموقراطي، فإن درجة الاقتراب من تخليصهما من هذه العيوب تتحدد بدرجة الاقتراب من إرساء القواعد الضرورية لنظام ديموقراطي لا تتوافر إمكانية التقدم نحوه إلا بالتحالف مع الاجنحة والدوائر الاصلاحية في الحزب الوطني. وأضيف، مستمداً شجاعة أدبية من الخوف على مستقبل مصر ذي التأثير السوداني خصوصاً والعربي عموماً، أن مكوناً أساسياً للاستراتيجية الصحيحة هو الاقرار بضرورة إقامة أوثق العلاقات الممكنة مع الغرب. الخبرات والامكانات التي تمس حاجتنا إليها كترياق ضد تفتت أوطاننا، وتأهيلها لاقامة علاقات ندية مع كافة دول العالم وتقديم دعم حقيقي مختلف عن السائد منذ عقود لقضية فلسطين وغيرها، مصدرها الاهم، وليس الوحيد، هو واشنطن والاتحاد الاوروبي.
وبعبارة أخرى: في ظل غياب الفهم السليم لأزمة الديموقراطية باعتبارها مرتكزة في قلب تجربة تاريخية تنويرية لم يقدر لنا المرور بها، فإن شق طريق الوصول اليها يحتاج إلى تفكير خلاق حتى لا نبقى طويلاً في أتون الفوضي غير الخلاقة التي يوشك إسلاميو السياسة وديموقراطيو السياسة على زجنا فيها، اولئك الذين يفصلون بين الأعلام والشعارات التي يرفعونها وبين السر المكين للأزمة.
الإخوان يطالبون بالتدخل الأميركي!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
بعد عامين من الغزل والعلاقة مع أميركا عاد الإخوان المسلمون الآن للعب الورقة الأميركية بالمنطقة، ومصر تحديدا، فبعد أن سقط حكم الإخوان، وبسبب استعداء الجماعة لكل فئات المجتمع المصري، يعود الإخوان الآن لوصم خصومهم بالعمالة لأميركا، والتلويح بالعنف ضد واشنطن التي يطالبونها بالتدخل ضد الجيش المصري!
القيادي بجماعة الإخوان المصرية محمد البلتاجي يقول في مقابلة مع وكالة «رويترز»: «نستشعر أن المجتمع الدولي يتدخل بشكل ما اعترافا ومساندة ودعما لهذا الانقلاب العسكري»، مضيفا: «لكن هذا يجعل شعوب المنطقة تعيد مرة ثانية النظر إلى أميركا وأوروبا على أنها داعمة للاستبداد وداعمة للقمع وأنها تقف ضد مصلحة الشعوب، وهذا يعيد مرة ثانية حالة الكراهية لتلك الشعوب الأوروبية والأميركية التي تقف أنظمتها دائما مع الأنظمة المستبدة»! فهل بعد هذا التضليل تضليل؟ فما لم يتنبه إليه الإخوان أن الحاضنة الأهم هي الشعب، والمجتمع المصري ككل، وليس إدارة أوباما التي كانت تقف مع الإخوان بشكل فج، وصارخ، ورغم شكوى المصريين من مواقف السفيرة الأميركية بالقاهرة الداعمة للإخوان.
تلويح الإخوان بالورقة الأميركية ليس له قيمة، خصوصا وأن الإخوان استمتعوا بنوم هني وطويل مع واشنطن، وتحديدا إدارة أوباما، ورغم مواقف أميركا المتخاذلة مما يحدث في سوريا، مثلا، ورغم الغضب العربي، بل كان الإخوان يقولون علنا إنهم ضد التدخل الأجنبي بسوريا، وهذا ما كان يقوله الرئيس المخلوع مرسي نفسه، فكيف يطالب الإخوان الآن الغرب وأميركا بمعاقبة الجيش المصري الذي وقف مع الشعب ضد مبارك، مثلما وقف مع الشعب اليوم ضد مرسي؟ وكيف يطالب الإخوان الأميركيين بالوقوف مع مرسي ودعايتهم المضللة تقول إن مرسي أسقط بسبب استقلاليته عن أميركا؟ وكيف يطلب الإخوان النجدة من أميركا الآن وهم من كانوا يصفون شريكهم الذي انقلبوا عليه بعد سقوط مبارك الدكتور محمد البرادعي بالعمالة لأميركا؟
وقبل هذا وذاك كان الإخوان، وقبل وصولهم إلى الحكم، يتهمون الأنظمة العربية المستقرة بالتبعية للغرب وأميركا، واليوم وبعد أن فقد الإخوان حكم مصر بسبب أخطائهم السياسية القاتلة يهددون بأنه ما لم تتدخل أميركا والغرب فإنهما سيكونان مكروهين من الشعوب العربية، أمر لا يستقيم بالطبع، وأكاذيب لا تنطلي على متابع لأحداث المنطقة، وخصوصا العامين الماضيين، والواضح أن البلتاجي، ومثله الإخوان، لم يتنبهوا إلى أنه يوم سقوط نظامهم بمصر كانت فرنسا تقدم دعما ماليا ضخما لتونس التي يحكمها حزب النهضة الإخواني!
ومن هنا فإن الواضح هو أن سقوط الإخوان لم يحمِ مصر وحدها فحسب، بل وكل المنطقة حيث سقطت أكبر حملة تضليل في منطقتنا قادها الإخوان المسلمون على مدى عقود، وليس عامين فقط، من تخوين ووصم بالعمالة للغرب وأميركا، وها هم الإخوان اليوم يستجدون أميركا لإنقاذ حكمهم الذي أضاعوه ومعاقبة الجيش المصري، فأي وطنية هذه؟ بل إن السؤال الأزلي الذي يتهرب منه الإخوان وأنصارهم هو: هل يؤمن الإخوان المسلمون أصلا بالأوطان؟
الوطن قبل الجماعة
د. مصطفى النجار – المصري اليوم
فى اللحظات الفارقة من تاريخ الشعوب يتمايز الناس وتصبح قضية الوطنية هى المعيار الأهم للحكم على كل إنسان، أولويات المرء وانتماؤه الأول يجب أن يكون لوطنه الذى يعيش فيه ولا شىء يسبق الانتماء للوطن سواء كان معتقداً دينياً أو توجهاً فكرياً أو تفضيلاً سياسياً، عقد المواطنة يعنى أن هذه الأرض التى تعيش فيها هى ذات الأولوية على ما سواها، وإذا لم يترسخ هذا بداخلك فأنت بحاجة إلى مراجعة مفهوم الوطنية.
الوطن ليس الدين الذى تنتمى إليه وليس الجماعة أو الحزب الذى انضممت إليه، الوطن ليس انحيازاتك الفكرية والأيديولوجية، يخون الوطن من يقدم شيئاً عليه مهما كان هذا الشىء. إذا تعارضت مصلحة جماعتك مع مصلحة الوطن يجب أن تنحاز للوطن حتى لا توصم وطنيتك، ومهما أخبروك أن مصلحة الجماعة تعنى مصلحة الوطن فهم كاذبون فلا يمكن أن تكون مصلحة بضعة أفراد مقدمة على شعب بأكمله.
انظر أين تقف؟ أنت تخسر حب الشعب الذى لم يعد يعاديك فقط بل أوصلته ممارسات جماعتك إلى منتهى الكراهية والرغبة فى الانتقام منك، أنت الآن معزول من شعب أنت واحد منه لصالح جماعة منغلقة قررت الانتماء إليها ولكنها جعلت مصلحتها ومصلحة قياداتها ومشروعها مقدمة على صالح الناس.
لا تغتر بالحشود التى تقف بينها فهى نقطة فى بحر إذا قارنتها بالشعب، لا تعتقد أن هذا هو الشعب ففى البيوت وخلف ملايين الشاشات قلوب تلعنك وتلعن جماعتك وتراك ضد الشعب، لا تخدعك حالة (الإيجو الجماعى ) التى زرعوها بداخلك منذ الصغر ليتعمق فيك معنى التعصب للأهل والعشيرة والقبيلة، أنت الآن من الخارجين عن صف الوطنية واهماً أن ما تفعله مناصرة للحق والمبادئ والدين، غيبوك باللعب على عاطفتك الدينية وصوروا لك المعركة أنها ضد الدين، والحقيقة أنها معركة على سلطة ودنيا مهما حاولوا إقحام الدين فى الصراع.
يقولون لك اثبت مكانك لتموت شهيداً من أجل الدين والحقيقة المؤسفة أنك إذا مت لن تموت على الحق ولن ترتقى منازل الشهداء لأنك مت فى فتنة كنت وقوداً لها فى صراع بائس على سلطة خلعك الشعب عنها ونزلت تتحدى إرادة شعب وتقول له أنا الشعب وأنا الشرعية، فكر للحظة واحدة فقد تكون ممن طمس الله على قلوبهم فظنوا أنهم يحسنون صنعا وإذا بهم من الأخسرين أعمالا.
كلماتى ستوجعك وستحاول تلقائياً رفضها لأنها الحقيقة المؤلمة التى تهرب منها ولكن حين يزول عن عقلك وقلبك الغشاوة ستدرك أنى ناصح أمين. عد إلى حضن الوطن وتبرأ ممن يتاجرون بالدم والدين، لو كانوا صادقين لنصرهم الله ولكن الله خذلهم وكشف حقيقة أهواءهم، لا تبع آخرتك بدنيا غيرك، ابحث عن ذاتك وعد إلى ربك واسأله أن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه، ويريك الباطل باطلاً ويرزقك اجتنابه، الشعب ينتظرك ففارقهم وقل لهم: الوطن قبل الجماعة.
ثغرة الإخوان!
محمد سلماوي – المصري اليوم
اندهش الناس مساء الجمعة الماضى، حين أطل عليهم وجه مرشد جماعة الإخوان من فوق منصة «رابعة العدوية» يصيح، ويتوعد، وينذر بعظائم الأمور، ما لم تتم إعادة حكم جماعته التى أسقطتها الملايين التى خرجت إلى الشوارع والميادين مرددة كلمة «ارحل».
كان للدهشة سببان: أولهما أن هذا المشهد الذى نقلته على الهواء مباشرة قناة عربية تخصصت فى دعم حكم الإخوان لمصر، بصرف النظر عن موقف المصريين منه - جاء منفصلاً تماماً عن السياق التاريخى للأحداث، فقبله مباشرة ولعدة أيام كانت جميع قنوات العالم تنقل خروج عشرات الملايين من المصريين إلى الميادين والشوارع ملعنة رفضها المرشد وجماعته وممثلهما فى رئاسة الجمهورية، وهذا الذى كان يتوعد من فوق منصة «رابعة العدوية» فى حماية ٣ مسلحين ينتمون لحركة حماس، كما ثبت فيما بعد - هو نفسه الذى رددت الجماهير الهتاف ضده طوال العام الماضى صائمة «يسقط يسقط حكم المرشد».
لقد كان هذا المشهد يمثل ثغرة فى الجبهة الداخلية التى بدت موحدة يوم ٣٠ يونيو، وهو بذلك يماثل ما قامت به إسرائيل بعد نجاح حرب أكتوبر وعبور القوات المسلحة المصرية للقناة، فقد كانت استجابة القوات المسلحة لمطلب الجماهير، الذى ارتجت له السماء بمثابة عبور آخر من ظلمات حكم الإخوان، المستبد إلى نور الانعتاق الذى نادى به الشعب، وجاءت فعلة المرشد مساء الجمعة كفعلة القائد الإسرائيلى أرييل شارون، لكن كما ارتدت الثغرة الإسرائيلية على أعقابها، وظل نصر أكتوبر هو الحقيقة المؤكدة، فإن ثغرة الإخوان سترتد هى الأخرى، وسيظل انتصار الشعب يوم ٣٠ يونيو هو الحقيقة الماثلة أمام التاريخ.
أما السبب الثانى للدهشة، فكان اكتشاف الناس أنه لم يكن قد تم إلقاء القبض على أى من قيادات الإخوان حتى تاريخه رغم الاتهامات الموجهة إليهم التى كانت تستدعى على الأقل استدعاءهم للتحقيق، لكن هذا ليس وقت ذلك الحديث.
السوريون والمشهد المصري!
أكرم البني – الشرق الأوسط
رغم فرادة عذاباتهم وشدة معاناتهم، أطلق المشهد المصري الضاج بالمظاهرات والمتغيرات السياسية حزمة من التداعيات والمواقف بين السوريين، بعضها ظهر جليا وبعضها لا يزال موضع تشوش وغموض.
بداية، ثمة ما يشبه الإجماع لدى السوريين على اختلاف اصطفافاتهم بأن ما يحصل في مصر هو قضيتهم وتعنيهم بقدر ما تعني المصريين، ربما بسبب العلاقة التاريخية الخاصة بين الشعبين، وربما لشيوع إحساس بأن نتائج ما يحدث هناك سوف تنعكس بشدة على أحوالهم وعلى الصراع المستعر في بلدهم، وربما لأن الشعب المصري سارع لاستقبال مئات آلاف اللاجئين السوريين، من دون تذمر أو منة، بخلاف أحوالهم في بلدان الجوار.
ومع التعمق في اختبار الأفكار والنفوس، تظهر الاختلافات في المواقف والمشاعر، فثمة من سارع لمجاراة الإعلام الرسمي والترويج لما حدث في مصر كأنه نصر للنظام وهزيمة للإخوان المسلمين عموما ولإخوان سوريا الذين يحوزون وزنا لافتا في المعارضة، وتاليا هزيمة للشعارات الدينية وللصورة النمطية ذات الطابع الإسلامي التي بدأت تسم الثورة السورية! وثمة من يأسره التحزب السياسي والديني ويميل بمشاعره للتضامن مع السلطة المصرية أكثر من الحراك الشعبي، وتفاجئك أصوات، وإن قليلة، تعتبر عزل مرسي هجوما مدروسا ومبيتا على الإسلام والمسلمين لإجهاض حلمهم بنهضة شاملة دشنها وصول الإخوان إلى حكم مصر، وهناك من يخشى من أن تفضي الأمور إلى تمكين الجيش مجددا من السلطة وإجهاض آمال ملايين المصريين في التغيير الديمقراطي، ولكن تلمس لدى أوساط هامة من السوريين حالة من التعاطف والتأييد لهذه الحشود في الميادين المصرية، نابعة ربما من ترابط رياح التغير العربي واتحاد هموم البشر وإيمانهم المشترك بحقهم في الحرية والكرامة، وربما احتراما لسلامة هذه التجمعات البشرية الهائلة وحقها في التظاهر، وكإدانة لعنف مفرط ضد حشود أقل عددا تجمعت في بعض الساحات السورية.
يصف أحدهم تدفق المصريين العفوي، صغارا وكبارا، إلى الساحات العامة بأنه مشهد أثير ولن يتكرر من مشاهد الثورات، ويضيف آخر بأن هؤلاء «الأشاوس» قد أعادوا وأكدوا، بعد تغييب مزمن، دور البشر في المشاركة وتقرير مصيرهم، متسائلا: «ألا يكفي ما يحدث في مصر كي يدرك الجميع ظمأ الشعوب لحقوقها التي لن يحول دونها حائل؟!»، ويطلق ثالث تعليقا بأنهم شعب مثابر، لم يترك فرصة للعمى الآيديولوجي ولمدعي الوصاية على الإسلام كي يفركوا أياديهم فرحا ويستأثروا بالسلطة بعد فوزهم الطارئ في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكأنه يكثف بكلمات بسيطة إعجاب الرأي العام بدأب المصريين ودينامكيتهم وما ابتكروه من وسائل لإبقاء ثورتهم حية حتى يتحقق لهم ما يريدونه!!
لم يقف السوريون عند شعورهم بالألم والغبن حين بدأت أخبار مصر تطغى على ما يجري في بلدهم وتمنح العنف فرصة لإطلاق أدواته الفتاكة بمنأى عن التركيز الإعلامي، بل كانت عيونهم مشدودة إلى شاشات التلفزة لتراقب بذهول ما يجري هناك، وكان بالإمكان سماع عبارات مشجعة للأساليب المدنية في إدارة المظاهرات والاعتصامات، ومحبذة لمناخات حماية السلم الأهلي وضمان حياد الجيش وإشاعة الثقة بدوره العمومي كضامن لوحدة البلاد وأمنها، وتاليا متحسرة عما لاقته النشاطات المدنية والسلمية في سوريا من قمع سلطوي وفتك لم يعرف حدودا، وأيضا كان بالإمكان أن تسمع عبارات إعجاب بما أظهره المعارضون لسلطة مرسي من نضج ووعي، حين سارعوا، فور إعلان خريطة المستقبل، لتأكيد حرصهم على تخفيف التوترات والاحتقانات واحترام ظواهر التعددية وحق الاختلاف، وحضوا على التسامح ورفض الاستئثار أو الإقصاء لأي كان.
قلق السوريين من تطور غير محمود للأحداث المصرية عميق، ليس فقط لأنهم يناصرون الأساليب السلمية والمدنية، ويرفضون الاستبداد العسكري والعنف الأعمى الذي ما من أحد مثلهم اكتوى بناره، وليس لأنهم يدركون التأثيرات السلبية على ثورتهم إذا فشلت جموع المصريين في تعزيز وحدتها الوطنية وبناء دولة مدنية، بل أساسا بدافع من رغبة صادقة بأن لا تذهب الأمور نحو الفوضى والصراع الأهلي وتغرق مصر في دوامة التفرقة والقتل وحمامات الدم.
«لا تزال أيادينا على قلوبنا ونأمل أن لا تحدث اندفاعات مغرضة تفقد ما حصل في مصر معناه الديمقراطي الأصيل أو تشكل ذريعة لإجهاض الأمل المشترك». يستهل أحدهم حديثه ويستدرك متمنيا نجاح الخيار السلمي وخيار الدولة ومؤسساتها في التوفيق بين المصالح والمواقف المتباينة، غامزا من هذه القناة إلى رفض حكم العسكر وإلى أهمية وحدة الشعب المصري وابتعاده عن الاستقطابات الحادة ونوازع التطرف والإقصاء والمغالاة!
أهو حظنا العاثر أم ثمة أسباب أخرى؟! تسمع من البعض سؤالا يفيض بالألم والمرارة، عند المقارنة بين ما يحصل في مصر وما آلت إليه أوضاع سوريا.
البرادعي والعراق : فرز الحقيقة عن التضليل
باتر محمد علي وردم - الدستور الأردنية
شهدت الأيام الماضية وعلى إيقاع الأحداث الساخنة في مصر طاحونة من الإشاعات والتضليل الذي انتشر في عدة وسائل إعلامية سواء قنوات فضائية أو مواقع إلكترونية وخاصة على وسائل الاتصال الاجتماعي تتضمن معلومات غير سلمية بدون أدلة وأخرى تعتمد على انطباعات واتهامات متبادلة من كل الأطراف.
من أكثر الإشاعات والمعلومات الخاطئة التي انتشرت عبر الإعلام العربي منظومة التهم الموجهة لمحمد البرادعي أحد قادة جبهة الانقاذ المصرية المعارضة لحكم مرسي والرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الاتهامات التي طالت البرادعي كانت تتعلق بدوره المفترض في تهيئة مجلس الأمن للعدوان على العراق في العام 2003 بحجة وجود برنامج الأسلحة النووية. ولكن في الواقع فإن محمد البرادعي لم يساهم أبدا في الحرب ضد العراق بل كان دائما مناهضا لأي تحرك عسكري ولم تتضمن تقاريره اية اتهامات للعراق. ما حدث هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا قدمتا تقارير مزيفة فبركتها وكالات الاستخبارات فيها أمام مجلس الأمن للحصول على تأييد دولي للحرب. تقرير الولايات المتحدة كان مصدر إحراج كبير لكولن باول الذي قدم التقرير واكتشف بعد ذلك أنه قد تم خداعه وهذا ما ذكره في مذكراته. تقرير الاستخبارات البريطانية كان مبنيا على شهادات مزيفة لعالم نووي عراقي تبين أنه كاذب وأنه يعمل مباشرة مع الاستخبارات البريطانية وساهم الكشف عن هذه الحقيقة في القضاء على سمعة توني بلير السياسية تماما.
محمد البرادعي كان المدير العام لوكالة الطاقة الذرية واشرف على عمل المفتشين الدوليين الذين طلبتهم الأمم المتحدة وفي شهادته أمام مجلس الأمن في يوم 7 آذار 2003 قبل اندلاع الحرب بأيام أكد البرادعي وبدون اي شك بأنه “لا توجد أدلة ولا مؤشرات على قيام العراق بتنشيط برامج الطاقة النووية” وطالب بمنح الوكالة المزيد من الوقت للتفتيش وهذا يعني في ظل تلك الأجواء الساخنة والضغوطات الأميركية الهائلة عدم اتخاذ قرار بالحرب والاستمرار في برامج التفتيش التي كانت ستحمي العراق من الكارثة. ولكن حسابات واشنطن ولندن كانت مختلفة وتمكنت من خلال تقاريرها المزيفة من شن الحرب. البرادعي ليس مسؤولا تحت أي تفسير اداري وسياسي وأخلاقي عما حدث في العراق بل أدى دوره بمهنية ومسؤولية عالية جدا.
يتهم البرادعي ايضا بأنه من الفلول مع أنه الشخص الذي قدم أول مساهمة حقيقية في حسر حاجز الخوف من نظام مبارك عندما عاد إلى مصر وتحدى هذا النظام وتعاون مع حركة كفاية في تنظيم الشارع المصري قبل سنتين من الثورة ودفع ثمنا باهظا لذلك وصل إلى التلصص على حياته الشخصية من قبل مخابرات نظام مبارك وتشويه سمعته وملاحقته أينما تحرك. يمكن القول بانه لولا البرادعي وبنسبة عالية جدا لكان مبارك لا يزال رئيسا لمصر ولكان الأخوان المسلمين تنظيما محظورا حتى الآن!
طاحونة الكذب والإشاعات استمرت لتحاول الترويج لاكاذيب، وأن التحرك العسكري والمظاهرات المليونية هي مؤامرة أميركية-إسرائيلية-خليجية ضد الإسلام وضد الأخوان وغير ذلك من الكلام الذي لا يقبل عقل أن يصدقه. من المهم أن تكون علينا القدرة على فرز الحقيقة من التضليل لأن الإعلام، وخاصة وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة أصبحت طاحونة من التضليل ولا بد من التفكير مليا قبل الترويج لأية أكاذيب واتهامات لا يقبلها دين ولا خلق!
متى يحاكَم القرضاوى؟
نادين البدير – المصري اليوم
حين تنقلب الشياطين على بعضها.
خرج «الجليل»، منذ يومين، يحرض المصريين، ويفتى بعدم شرعية الخروج على مرسى. نطق وأخرج حقيقته.
إخوانى. ثرى جداً. مستقر فى أحضان بعض الخليج. موهوب بجذب أكبر عدد من المريدين والأتباع كونه يعرفهم جيدا. جماهير لا ذاكرة لها. تعبد اللحظة وتغير أيامها دمعة على خد منافق. عدو الأمة. مصالح جماعته تتعدى حدود وطنه.
لا أوطان للإخوان، فليست خيانة بعرفهم تشويه معالم أى بلد عربى بالقتل والنحر لصالح تنظيمهم الدولى.
اليوم، يفتى بعدم الشرعية. الشرعية التى يعاديها. لم يتخذ منها أساسا لفتاواه الخارجة على كل شرعية وإنسانية وكل سماء.
تراجع صاحب اللحية، المتقلب، عن موقفه من حزب الله، واعتذر لعلماء السعودية، معترفاً بأنهم كانوا أكثر نضجاً منه، (الشيخ كان ينتقد علماء السعودية، وحين تحسنت العلاقات بين قطر والسعودية تحسنت علاقته بها)، وفوراً تداول إخوانه شجاعة موقفه، وألا عيب فى الاعتراف بالخطأ. قال وقتها: «هم ضحكوا علىَّ وعلى كثيرين مثلى»، كأنك كنت طفلاً يا «قرضاوى»، ليضحك عليك حسن نصر الله. أنت الشيخ البارز، صاحب المناصب، البارع فى الخلط بين السياسى والدينى، الذى يتحكم فى السياسة تحكمه فى الإفتاء. لا عيب فى الاعتراف بالمسؤولية عن دماء ودماء سالت بسبب فتاوى الخديعة.
قال إن «حزب الشيطان يريدون قتل أهل السنة»، حزب الله صار اسمه حزب الشيطان. التسميات تتغير حين تنقلب الشياطين على بعضها.
قال إن دفاعه عن حزب الله وإيران كان «للتقريب بين المذاهب»، لم يقل إنه كان طرفا فى حرب دائرة، لم يقل إنه تنصل من عباءة رجل الدين البرىء، المحايد، ولبس عباءة ألوانها تتوافق مع ذوق سلاطينه.
الآن، تحرض كل مسلم على الجهاد فى سوريا، وتفتى متلاعبا بأبناء المنطقة الذين نزح منهم الآلاف لسوريا، استجابة لدعواك الباطلة.
وكله عندك مدمغ بالدين والأحاديث والآيات، فمن هو الشيطان؟
من شوّه الإسلام؟
خرج «الجليل» يهتف للوقوف مع حزب الله، ثم عاد وحرمه. خرج مرة بفتوى تحريم زيارة القدس. قال إن الرسول محمداً لو كان حياً لتحالف مع «الناتو». شبَّه من ينتقد الإخوان بقوم لوط. أشعل الفتن بين الفلسطينيين، وحرض طرفاً ضد الآخر. أشعل الفتن فى موضوع كردستان. قال يوماً إن الترويج للمذهب الشيعى فى بلد سنى سيُحدِث صدامات مسلحة بين الفريقين. ماذا عن الموت والصدام الذى سببته فتاواك؟ المكان الوحيد الذى لا يتعرض له «القرضاوى»، رغم احتوائه أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة هو قطر، وهل يعض الواعظ يد السلطان؟ يفتى الشيخ، موافقا، بأن «القاعدة» قامت بـ«قرارات حكومية» (شرعية).
«ليس من الشرعية الخروج على مرسى»، وما أدراك أنت بالشرعية والديمقراطية أو الشرع وما أدراك ما الجهاد؟ أنت لا تعلم من الديمقراطية سوى الوصول للحكم، لتطرح فورا مسألة عدم شرعية الخروج على الحاكم (الإخوانى). كل الإسلاميين متمسكون بلفظ الديمقراطية لصالح «مرسيهم»، متغاضين عن الأهم وهو الشعب. هو من رفع الرئيس وهو من يسقطه. هذه هى الديمقراطية.
لم يكن هذا موقفه إزاء الخروج على الرئيس مبارك. صاحب اللحية يستعير دور السلف حين اعترضوا على خروج الإخوان على طاعة ولى الأمر، أيام ثورة يناير. صاحب اللحية لا تضيره حرب أهلية مصرية كرمى لتنظيم الإخوان.
لكن الأمر لن يكون أكثر من جعجعة فى طاحون. إذ لن يستمع له أحد. أما العرب جميعا والمسلمون بشيعتهم وسنتهم فعليهم الاجتماع على سؤال واحد: متى يحاكَم «القرضاوى»؟ عن الدماء. عن الأرواح. عن التفرقة بين المذاهب. عن خيانة بلده. عن كل الكراهية التى اشتعلت.
وأيها الواعظ. عد إلى بيتك المنيف والزم الهدوء. احلق لحيتك، وراجع أيامك، عساه أن يغفر لك شيئا من خطيئاتك.
الفتوى المحرمة ستلاحقك. ودماء ضحاياك ستلاحقك.
إلى حين محاكمتك. إن كانت هناك عدالة.