تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 446



Haneen
2013-07-11, 11:00 AM
اقلام واراء عربي 446
10/7/2013

في هذا الملف
شروط كيري: لا وألف لا!
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية

ترميم حل الدولتين!!
بقلم: عبدالعاطي محمد عن جريدة عُمان

الأسرى وقضية الغياب
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية

حركة حماس ودروس من التجربة المصرية
بقلم: صلاح محمد عن الشروق الجزائرية

«الإخوان» إلى اين؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية


سقوط الإخوان المسلمين... وسقوط الإخوان الليبراليين
بقلم: زياد الدريـس الحياة اللندنية

السقوط الأخير للإسلام السياسي
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط

من "الإخوان" إلى بن غوريون ... مع التحية
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية

هل ضاعت فرصة بناء تيار إسلامي مدني؟
بقلم: توفيق شومان عن السفير البيروتية

مصر والثورة الثانية.. عودة الروح إلى العروبة
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية

قراءة في تداعيات عزل الرئيس المصري محمد مرسي
بقلم: محمد الخليفي ( كاتب مغربي) عن القدس العربي

الإرهاب الصهيوني.. جذور عميقة
بقلم: رشيد موعد عن البعث السورية



شروط كيري: لا وألف لا!
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
تذكِّرْ هذه الجولات والزيارات التي يقوم بها الآن وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة ،لحمل الفلسطينيين والإسرائيليين على إستئناف المفاوضات المتوقفة منذ فترة طويلة، بجولات هنري كيسنجر الشهيرة التي سبقت توقيع إتفاقيات كامب ديفيد المعروفة التي ثبت أنها كانت حلاَّ قاصراً لأزمة إقليمية ودولية مستفحلة لم تنته والتي لم يكن من الممكن أن تنتهي بمعاهدة السلام التي كان وقعها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات مع رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الحين مناحم بيغن في ذلك المنتجع الأميركي الجميل!!.
والفرق هنا هو أن هنري كيسنجر كان يتنقل بين القاهرة وتل أبيب وبين عواصم شرق أوسطية وعربية أخرى كثيرة ليقرِّب وجهات نظر رغم أنها كانت متباعدة بالفعل إلاَّ أنها لم تكن عصية على التقارب وأنه كان يسير في إتجاه واضح ووفقاً لخارطة طريق معروفة يختلف المصريون والإسرائيليون على بعض جزئياتها الصغيرة لكنهم كانوا يوافقون على خطوطها الرئيسية العامة وعلى إنسحاب إسرائيل من كل الأراضي المصرية التي إحتلتها إسرائيل في يونيو (حزيران) عام 1967.. وهذا لا يتوفر ولو بحدوده الدنيا للموفد الأميركي الجديد جون كيري الذي لا يزال يعمل في هذا المجال كمن يقفز في المكان نفسه فوق حبل مرتفع مشدود الطرفين.
كان كيري ،الذي يبدو أنه لا يزال فعلياً مكتوف اليدين بالنسبة للأزمة السورية المستفحلة، قد جاء إلى هذه المنطقة وزار رام الله والقدس المحتلة وعمان وبعض العواصم العربية الأخرى خمس مرات لكنه بقي يعود بدون أيِّ إنجاز صغير يمكن البناء عليه لاستئناف المفاوضات المتوقفة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولو من قبيل ما يسمى :»وهم الحركة» ومن قبيل التكاذب السياسي وإظهار أن الولايات المتحدة إذا كانت مقصرة في القيام بدورها كدولة عظمى لها مصالح إستراتيجية في هذا الشرق الأوسط بالنسبة للأزمة السورية الملتهبة فإنها غير مقصرة بالنسبة للقضية الفلسطينية التي تعتبر وهي كذلك أهم قضية عربية وإقليمية ودولية.
في زيارته الماضية ،وربما في الزيارات السابقة أيضاً، حاول كيري إقناع الفلسطينيين بالموافقة على ثلاث نقاط وافق عليها الإسرائيليون لإستئناف المفاوضات المتوقفة وهذه النقاط هي :أولاً, وقف الإستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية بإستثناء القدس والكتل الإسرائيلية الكبيرة القائمة وثانياً, الإفراج عن نحو مائة وخمسين أسيراً فلسطينياً ولكن بدفعات قليلة العدد متلاحقة ووفقاً لمستجدات العملية التفاوضية كلها وما قد يطرأ وثالثاً, الإستعداد للتفاوض حول الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في يونيو (حزيران) عام 1967.
ولقد جاء هذا الإقتراح ،الذي لا يزال لم يعلن الفلسطينيون موقفهم الرسمي الحقيقي منه على أمل ان يأتي كيري هذه المرة بجديد من الإدارة الأميركية، كمن يبيع سمكاً في بحر.. إذْ كيف من الممكن أن تقبل السلطة الوطنية وبالتالي منظمة التحرير (الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) بإستئناف المفاوضات المتوقفة دون إلتزام الإسرائيليين بوقف الإستيطان في القدس وفي فضاءات الكتل الإستيطانية الكبرى.. وأيضاً مع الإصرار على ضرورة إعتراف الفلسطينيين (السلطة الوطنية والمنظمة) بإسرائيل كدولة يهودية مقابل مجرد الإستعداد لمناقشة إحتلال عام 1967..؟!
إنه من غير الممكن بل هو غير جائز لا وطنياً ولا قومياً ولا إسلامياً ولا مسيحياً أيضاً أنْ يربط الفلسطينيون أنفسهم بمثل هكذا إتفاق يجيز من حيث المضمون للإسرائيليين الإستمرار بإقامة المستوطنات والمنشآت الإستيطانية في القدس والمقصود هنا هو القدس الشرقية (العربية) ويعترف بإسرائيل كدولة يهودية وهذا معناه أولاً، التنازل عن حق الشعب الفلسطيني التاريخي والإعتراف بالرواية الإسرائيلية لتاريخ فلسطين وثانياً, التسليم بأن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ العام 1948 هم جالية غريبة تقيم على أرضٍ يهودية بإمكان الإسرائيليين إقتلاعهم وترحيلهم منها في أي وقت يريدونه.
وحقيقة ومع إدراك حجم الضغوطات المتعددة والمتنوعة الطرق والأشكال التي تمارس على الرئيس محمود عباس (أبو مازن) ،أعانه الله، فإنه في مثل هذه الحالة من الأفضل للأشقاء الفسطينيين أنْ يوافقوا على إستئناف هذه المفاوضات المتوقفة على الفور وبدون أي شروط حتى بما في ذلك الإفراج عن الأبطال الأسرى في السجون الإسرائيلية منذ عشرات السنين فهذا أفضل كثيراً من ان يوافقوا أو يسكتوا على إستمرار الإستيطان في القدس وفي فضاءات الكتل الإستيطانية وهذا أفضل بألف مرة من الموافقة على الرواية الإسرائيلية لتاريخ فلسطين الذي هو ملك الأجيال الفلسطينية السابقة والحالية واللاحقة فهذه الموافقة يجب ألاَّ تكون واردة وعلى الإطلاق.. وليحصل ما يحصل.. وحتى وإن كان لابد من العودة إلى نقطة البدايات ونقطة البدايات هي الفاتح من يناير (كانون الثاني) عام 1965.. ولا وألف لا!!

ترميم حل الدولتين!!
بقلم: عبدالعاطي محمد عن جريدة عُمان
بغض النظر عن تفاصيل أية لقاءات تجمع محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وبنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل برعاية وحضور جون كيري وزير الخارجية الأمريكية، فإن الخلاف الجوهري بينهما حول تفسير المقصود تحديدا بحل الدولتين يظل العقبة الرئيسية أمام أية فرصة جديدة لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
ومع تعثر التوافق على عناصر هذه الصيغة ترددت في الأوقات الأخيرة دعوات أخرى حول العودة إلى صيغة الدولة الواحدة أو الدولة ثنائية القومية، وكلاهما يعود إلى فترة ما قبل قيام دولة إسرائيل ذاتها باعتبار أن أيا منهما يصلح بديلا لصيغة حل الدولتين المتعثرة.من يتابع الصحافة الإسرائيلية منذ أن بدا جون كيري جولاته المكوكية في المنطقة بحثا عن مخرج يقف عند بعض التقارير والتصريحات من الجانبين وإن كانت غير رسمية التي تنتقد حل الدولتين وتطرح بدائل أخرى على غرار ما سبق. بعض الإسرائيليين يقول إن نيتانياهو غير مستعد لأن يدفع ثمن السلام وعباس لا يمكنه التحدث باسم غزة وكلاهما غير متحمس لتسوية انتقالية «تطبيق حل الدولتين تدريجيا».
والفلسطينيون من رجال السلطة وقوي من الجماعات المدنية المعنية بتطورات الصراع يؤكدون دائما أن إسرائيل تضع العقبات الواحدة بعد الأخرى لعدم تفعيل حل الدولتين حتى أن صائب عريقات كبير المفاوضين قال صراحة أن إسرائيل قضت فعلا على حل الدولتين في إشارة منه إلى استمرارها في بناء المستوطنات. صحيح أن الطرفين رسميا لم يعلن انسحابه من التزام التفاوض على أساس هذا الحل ولكن الفتور هو سمة غالبة على موقف كل منهما فيما يتعلق بالعمل على تنفيذه.
المطالبون بالبحث عن بديل يرون أن فكرة حل الدولتين ثبت أنها غير عملية وتواجهها عقبات عديدة في التفاصيل ومضت عدة سنوات في العمل على إخراجها إلى عالم الواقع دون نتائج واضحة أو مبشرة بإمكانية نجاحها ومن ثم لابد من البحث عن بديل عملي ويتجاوز كل القضايا الخلافية في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين وهو إما الدولة الواحدة أو الدولة ثنائية القومية، خصوصا أنهما من تراث حل هذا الصراع وليسا جديدين عليه. وحتى إذا كل منهما يحمل قدرا من المشاكل فهما أهون الشرور قياسا بما يمكن أن يترتب على حل الدولتين من مشكلات يصعب تجاوزها مع الزمن.
الدعوة لهذين البديلين لا تنطلق من فراغ ولها جذورها التاريخية ومفكروها وزعماؤها السياسيون، ولكن بغض النظر عن قبول أو رفض حجة المطالبة بإحياء أي منهما، فإنهما لا يخرجان عن كونهما مقترحات لترميم حل الدولتين ذاته بما ينسجم مع مطالب كل طرف: الفلسطيني والإسرائيلي.
ومع أنه ليس معروفا ما إذا كانت هذه المقترحات ستؤدي إلى تحقيق أهداف كل من الطرفين، إلا أن ترديدها يضع الملف الفلسطيني عند مفترق طرق جديد ويعلن عن مرحلة جديدة من إدارة الصراع وليس الوصول إلى حل في المستقبل المنظور مهما كانت قوة الضغوط الأمريكية «إن كانت هناك ضغوط بالفعل». ولا تخرج محاولات الترميم عن العمل في سياق الحل الإسرائيلي للصراع، أو الحصول على الحد القبل الممكن للحقوق الفلسطينية في أفضل الأحوال.
تاريخيا هناك فروق جوهرية بين ما كان مطروحا عن حل الدولة الواحدة والدولة ثنائية القومية وما كان مرجوا منهما من الفلسطينيين الذين تبنوا الدعوة لهذه أو لتلك. وإذا كان الإسرائيليون لم يغيروا أفكارهم بين الماضي البعيد والحاضر، فإن هناك علامات استفهام عديدة تحيط بمن يريدون إحياء هذه الأفكار حيث الأرجح أنهم ممن يدعون إلى سلام فلسطيني بقواعد اللعبة الإسرائيلية.
لفكرة الدولة الواحدة جذورها القديمة التي تعود إلى ما بعد صدور وعد بلفور عام 1917 عندما بدأ العرب يفكرون في كيفية وقف الهجرة اليهودية والاستقلال عن الحكم العثماني ولكن ضمن وحدة مع سوريا فرفضوا آنذاك مطالب الحركة الصهيونية بجعل القسم الجنوبي من سوريا أي فلسطين وطنا قوميا لليهود وبدلا من ذلك أكدوا أن سكان البلاد من اليهود لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وطوال فترة الثلاثينيات من القرن الماضي حرص العرب في فلسطين على عدم تقسيمها وأن الحل الذي يضمن السلام والاستقرار هو قيام دولة واحدة ترتبط مع انجلترا ويحتفظ فيها اليهود بنسبتهم العددية آنذاك.
ولأن الصراع ازداد اشتعالا بعد عام 1948 بادرت حركة فتح عام 1968 بتبني الدعوة إلى إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية وانطلقت في دعوتها هذه من مبدأ رئيسي اقتنعت به هو، أنه لا يجب حل القضية الفلسطينية على حساب إيجاد مشكلة يهودية جديدة. وبمقتضي تلك الدعوة كان المقصود بالدولة الواحدة أن تكون دولة علمانية على كل أرض فلسطين التاريخية ومواطنو هذه الدولة يشملون كل الفلسطينيين وكل الإسرائيليين الذين يختارون العيش في فلسطين في مساواة كاملة.
وأما الدعوة إلى دولة ثنائية القومية فتعود إلى بداية عشرينيات القرن الماضي أيضا وتركزت في إقامة دولة واحدة ولكن المساواة فيها ليس على أساس المواطنة كما الحال في الدولة الواحدة وإنما على أساس المساواة بين قوميتين بينهما فروق اجتماعية وثقافية وتعطي لكل قومية إمكانيات إدارة شئونها بنفسها.
ومرة أخرى كان مبرر من قبلها من الفلسطينيين الحد من الهجرة اليهودية. ولكن الدعوة جاءت من بعض اليهود أساسا ومن أبرزهم زئيف جابوتنسكي وتعززت في الأربعينيات على يد بعض اليهود الماركسيين. وكان منطق اليهود فيها هو الحفاظ على أرض إسرائيل بلا تقسيم تنفيذا للدعوة الصهيونية كما أطلقها تيودور هيرتزل. وبالمقابل لاقت الفكرة قبولا من العرب أنفسهم الذين رفضوا قرار التقسيم عام 1947.
ولكن الدعوتين لم تجدا تطبيقا أو حماسة فيما بعد خصوصا بعد احتلال إسرائيل لكل الأراضي الفلسطينية بعد 1967، كما وجه الكثيرون من الجانبين انتقادات شديدة لكل منهما من حيث استحالة التطبيق وبسبب السياسة الإسرائيلية التي لا تعترف أصلا بالوجود الفلسطيني ومارست أفظع صور التمييز العنصري.
الآن يطلب بعض الإسرائيليين، وبعد أن أعلن بعض وزراء نيتانياهو رفضهم الصريح لحل الدولتين، بالعودة للدولة الواحدة أو ثنائية القومية. بعض الفلسطينيين يرحب في الحقيقة من منطلق أن أي منهما سيزيل إسرائيل في نهاية المطاف بحكم الغلبة العددية الفلسطينية ولأنه سيعيد تفكيك دولة إسرائيل من الأساس، وهم يعلمون في حقيقة داخلهم أن هذا من رابع المستحيلات، ولكن لا بأس من إحراج إسرائيل به.
وأما ما يقصده الإسرائيليون الذين يتحدثون عن هذه الدعوات فإنه شديد الصلة برفض أية خطة تشير إلى تقسيم فلسطين التاريخية، وبما يعنيه ذلك من أن تسمح إسرائيل بأية أراض لإقامة الدولة الفلسطينية حتى لو كانت النسبة 22% فقط لأن ذلك يعني بالنسبة لها التخلي عن جزء من أرض إسرائيل حسبما تزعم. وهكذا إذا كان الأمر يقتضي ظهور دولة فلسطينية فإنها لا يجب بأي حال من الأحوال أن تكون خارج نطاق الدولة الإسرائيلية تتحكم فيها كيفما تشاء، وهي رؤية شاذة لمفهوم الدولة لم ترد في أي فكر سياسي عرفته البشرية ولا بالطبع في أي مبادئ للقانون الدولي.
ترميم حل الدولتين بالطريقة الإسرائيلية يأتي من مداخل شتي كما يفهم من بعض التقارير والتصريحات الإسرائيلية. أفراهام بورج رئيس الكنيست الإسرائيلي يعتبر أن اتفاق أوسلو قد فشل، ولكنه يؤمن بتسوية على أساس حل الدولتين ولكن على أسس جديدة منها عدم الفصل بين الدولتين، ومن الممكن أن يعيش الشعبان في دولة واحدة في المرحلة التالية، وهو يدعو إلى احترام القرار 194 الخاص بعودة اللاجئين ولكن بتطبيق عملي وكذلك المساواة بين الشعبين من ناحية وتقاسم الموارد من ناحية أخرى ومنح كل من يقيم في البلاد حقوقا فردية وسياسية واجتماعية متساوية. وهناك تصور مشابه تردده مجموعة من المثقفين الفلسطينيين والإسرائيليين يقوم على وجود دولتين سياديتين تفصل بينهما حدود 67، وتبقي البلاد أي إسرائيل مفتوحة من البحر إلى النهر يمارس فيها الشعبان الحق في الحركة والتجوال دون قيود، وأما القدس فبحسب هذا التصور تكون مدينة مفتوحة وعاصمة للدولتين المرشحتين.
من جانبه لا يقلق وزير الدفاع والخارجية الأسبق موشي أرينز من إقامة دولة ثنائية القومية لأن الخوف من إضافة المزيد من العرب إلى إسرائيل يمكن حله بالتحفيز على الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، ويقول علينا أن نفرض القانون على يهودا والسامرا «الضفة الغربية» ونجنس نحو مليون ونصف المليون فلسطيني خصوصا أننا أصبحنا دولة متعددة الثقافات وهناك أقليات في المجتمع.
أوري أليشور أحد البارزين في معسكر اليمين الإسرائيلي كان قد طالب عام 2009 بضم كامل للضفة وجعل السكان الفلسطينيين حسب وصفه مواطنين كاملين وإن تعذر ذلك فيمكن منحهم حكما ذاتيا وأن يصوتون في البرلمان الأردني، وقال يمكن تقسيم الفلسطينيين إلى ثلاثة أقسام من يعلن الولاء لإسرائيل يتمتع بكامل الحقوق ومن يرفض ويباشر الإرهاب لا مكان له ومن يوافق على السيادة الإسرائيلية ولا يريد المساهمة في حياة الدولة ولا ينفذ واجباته يكون مقيما يحظي بحقوق إنسانية ولكن ليس له حقوق سياسية.
ترميم حل الدولتين بهذا المعني يتضمن مخاطر عدة فهو يدعو إلى دولتين ولكن في بلاد واحدة بما يعني أنه لا حق في أي أرض للفلسطينيين، ويمنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين لكي يتحركوا ويتملكوا ويعملوا في إسرائيل بما يعني الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية، وتحدث عن أوضاع مؤقتة بحجة أن هذا هو المنطق العملي دون التزام بضع نهائي، باختصار هو إضفاء المشروعية على الوضع القائم المرفوض جملة وتفصيلا، ولا حديث بعد ذلك عن القضية الفلسطينية.

الأسرى وقضية الغياب
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
ليعذرنا الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال، أننا غيّبناهم لفترة من الوقت بسبب الأوضاع الجارية في مصر . إنهم بالتأكيد منشغلون مثلنا بما يجري في مصر، ويسعدهم رؤية هذا البلد يتعافى وينهض ويعود إلى مكانته ومكانه الطبيعيين، وهم بالتأكيد يدركون أن مصر عندما تتعافى، يتعافى الجسد العربي كله، وعندما تنتصر قضية مصر تستبشر كل القضايا العربية بالنصر .
في غمرة المشهد المصري الذي لوّنه التحريض الأسود بالدم، تعالت صرخات زوجة الأسير الفلسطيني الذي كان مقيماً في الأردن، عبدالله البرغوثي، بأن زوجها المحكوم بالمؤبدات يحتضر، إذ إنه واحد من أربعة عشر أسيراً فلسطينياً وأردنياً مضربين عن الطعام . إنهم يصرخون بسلاحهم الوحيد وهو الأمعاء في وجه الاحتلال المجرم وسياسة القتل البطيء التي ينتهجها بحق هؤلاء الأبطال في سجونه وزنازينه التي تمثل صورة طبق الأصل لوجهه الإجرامي القبيح . هذا الاحتلال البشع يستفرد بالأسرى في ظل انشغال الرأي العام بقضايا إقليمية ودولية أخرى، ولأنه غبي يعتقد أنه يمكنه ان يكسر إرادتهم، ويحاول أن ينسى أن كل معارك الأمعاء الخاوية انتصرت على غطرسته وإجرامه .
الأسير عبدالله البرغوثي، وهو حالة تلخّص معاناة الأسرى، وبخاصة أولئك المضربين عن الطعام منذ فترات طويلة، دخل وضعه الصحي دائرة الخطر نتيجة نقص وصول الدم إلى الدماغ وضمور الأوعية الدموية التي تغذيه، ما يجعله يدخل في غيبوبة تستمر لأكثر من 17 ساعة يومياً . وجزء من كبده تعطّل، ودقات قلبه انخفضت إلى أربعين نبضة في الدقيقة .
رغم كل هذه الحالة التي يعيشها، يعتقله الاحتلال في مستشفى العفولة، ويقيده في سرير الاحتضار، بالسلاسل الحديدية .
لا ندري إن كان الاحتلال الذي يخاف منه محتضراً، قرأ رسالته التي نقلها محاميه ويقول فيها “والله لو بدأت أفقد أعضائي عضواً عضواً فلن أحيد أو أعود عما بدأت به، ولن تكون العودة إلا بعد الانتصار حراً طليقاً إلى الأردن، أو حراً أسيراً إلى سجون الأردن، وإلى هناك جثة هامدة تلقى في مقبرة الأرقام الصهيونية لتعوي عليها الكلاب الضالة” .
الأسرى يواجهون ظروفاً قاهرة لا تقتصر على ظلم الاحتلال الذي يستفرد بهم . إنهم يواجهون كذلك وضعاً فلسطينياً هو الأسوأ منذ النكبة، فالانقسام يأخذ شكلاً دائماً، وجمهوريتا الضفة وغزة العظميان تنعمان باستقلال نهائي تتقاسمه دول ومحاور . وبمزيد من الصراحة التي لا بد منها، فإن هذا الانقسام ولّد حالة إحباط ولا مبالاة على نطاق واسع، لدرجة أن حفلة غناء تستقطب عشرات الآلاف من الزاحفين إليها، على نحو تفشل في فعله أية قضية مصيرية، حتى لو كانت قضية أسرى يحتضرون .
حالة العرب ليست أفضل على كل حال، أي أن وضع الجزء من وضع الكل . العرب يملكون جامعة تفرّق ولا تجمع، تهادن العدو على حساب أعضاء فيها، تهدي “إسرائيل” أراضي مقابل رضاها عنها . العرب، بعض دولهم يقاطع البعض الآخر ويقيم أشد الوشائج والعلاقات مع الصهيوني المغتصب .
أما المجتمع الدولي فهو لا يولي القضية الفلسطينية واحتضار الأسرى عشرة في المئة من الاهتمام الذي يوليه لخطر انقراض حيوانات وحيد القرن في السافانا الإفريقية .


حركة حماس ودروس من التجربة المصرية
بقلم: صلاح محمد عن الشروق الجزائرية
فور الإطاحة بحكم حزب الإخوان المسلمين في مصر من قبل القوات المسلحة كاستجابة لمطالب "التمرد" الشعبي الشامل الذي غطى الميادين الرئيسية في غالبية المدن المصرية، والقاهرة في مقدمتها، وهو ما أكده البيان الأول الذي صدر عن القوات المسلحة ثم في بيانها الثاني، طرحت العديد من الأسئلة في الاتجاهات المختلفة، وإذا كان محورها يدور حول: مصر إلى أين، لأن الوضع مهما كانت سماته سوف يترك أثره على الوضع العربي، وعلى القضية الفلسطينية بشكل محدد وغيرها من القضايا، بطبيعة الحال فإن الكل الوطني والقومي بل كل أصدقاء شعوبنا والحريصون هلى مصالحها الحقيقية يتمنون لمصر وشعبها الاستقرار والازدهار الاقتصادي.. إلا أن هذه التطورات المتسارعة ونتائجها المحتملة تثير منظومة أخرى من الأسئلة المرتبطة بالوضع الفلسطيني بصفة عامة ووبحركة حماس بصفة خاصة من زوايا متعددة ومن ثم انعكاسها على علاقاتها في الداخل الوطني، ولن تكون المصالحة الوطنية بعيدة عن ذلك، كما إن عدم انجازها لم يكن معزولا في احدى جوانبه عن مراهنة حماس على التطورات الجارية في المنطقة وأهمها يتخص في نجاح الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية المصرية وما تبعها من تداعيات ومرد تلك المراهنة يكمن في محاولة تقوية موقفها ضمن المعادلة الفلسطينية لجهة فرض ما تريد.
إن علاقة التوأمة بين إخوان غزة وإخوان القاهرة لازمها التنسيق بينهما اتجاه العديد من قضايا المنطقة، كالوضع في سوريا، بل يمكن القول: أن من حق حركة حماس الاستفادة من تلك التوأمة أو من تلك التحالفات لأنه لو كانت أية قوة أخرى في موضع مشابه لن تفعل غير ذلك، لكن ومن زاوية أخرى يجب التوضيح أين تصب نتائج تلك الإستفادة، هل تصب في مصحلة الشعب أم مصلحة حزب الإخوان هذا أولا، وثانيا أين موقع نتائج هذه العلاقة من أهداف الحركة الوطنية الفلسطينية، وبالمحددات هل كانت علاقة التوأمة لمصلحة خط المقاومة؟ أم إبقائها كعنوان للتداول اليومي الجاري. لعل إبرام اتفاق التهدئة التي قادت القاهرة دفته، بعد عدوان الثمانية أيام على قطاع غزة أواخر نوفمبر 2012 عبر المفاوضات غير المباشرة مع الإسرائيليين، وملحقه الذي يقضي باللقاء بعد كل ثلاثة أشهر من أجل التقييم والتباحث في الجديد أيضا وفي ذات الأسلوب، يوضح منحى العلاقة وأفقها الواسع بين إخوان غزة والقاهرة.
بعد ذلك كما قبله، هل تتدارك حماس تفردها في القطاع لتستفيد من دروس تفرد الاخوان في مصر والذي ساهم في انتاج أسباب عزلهم:
أولا: في العلاقة مع الناس: إن مستوى العلاقة المرتبط بالقدرة والتفاني في تبني مصالح الناس، والتصدي لانشغالاتهم، ثم مستوى التفاف الشارع حول هذا الحزب أو ذلك، هو المقياس الرئيسي في عملية التقييم، لقد وصل الحزبان في غزة والقاهرة للسلطة بفعل فوزهما بالانتخابات الديمقراطية، بغض النظر عما يقال في القانون الانتخابي في غزة، لكنهما لم يحافظا على هذا المكسب، فالمؤشرات الراهنة تدلل على انفضاض شعبي من حولهما، مما سهل في الإطاحة السريعة بسلطة الرئيس السابق محمد مرسي كنتيجة لتلك الحشودات الشعبية في ميادين المدن المصرية التي فاقت أضعاف ما حصل عليه مرسي من أرقام في الانتخابات الرئاسية، مما أضعف أية نقاشات قد تدافع عن شكل وصوله للرئاسة، لأن الأهم من النجاح في العملية الانتخابية السلمية والديمقراطية هو المحافظة على العلاقة الوطيدة مع الناس الني منحته الثقة، وذلك بالتصدي لتحقيق مطالبها ضمن منهج ثابت وليس باتخاذ قرارات آنية عابرة، إن بوصلة المناخ الشعبي هو الموقف الواضح من قضاياها المختلفة، مثال على ذلك: الحشد الشعبي الكبير واللافت الذي وقع يوم احتفال الثورة الفلسطينية في مطلع العام بمدينة غزة، كردة فعل شعبية على مجمل سياسة وإجراءات حركة حماس في القطاع، لقد بات الحديث اليومي للمواطن الغزاوي يدور حول أنواع الجباية والجديد منها التي أرهقته مع المشاكل الأخرى: كقضيتي الكهرباء والماء.. ثم مقارنة الحال مع ظاهرة المليونيرات الجدد التي نمت في فترة سلطة حماس وتجاوز عددهم المئات، ولهم القاب محددة مثل مليونيرات الأنفاق..الخ، مع ترك المواطن يتخبط في مشاكله اليومية التي أشرنا اليها أعلاه، مع العلم أن أي من هؤلاء الأثرياء الجدد على حساب الناس يكون قادر على حل مشكلة الكهرباء وذات الشيء بالنسبة للمياه، يرافق هذا المسلك الضاغط على حياة السكان تدفق المساعدات المالية على حكومة حماس.. والخلاصة هنا: تكون الوجهة الرئيسية للسياسة الداخلية الخاصة بالمعيشة اليومية هي مصلحة الحركة ومنتسبيها وليس مصلحة سواد الناس، إنه الأمر الذي تحدثت عنه المعارضة المصرية لدى تناولها السياسة الداخلية للإخوان أي مصلحة التنظيم فوق كل اعتبار.
ثانيا: العلاقة مع القوى ومكونات المجتمع المدني: تجمع القوى الوطنية أن هناك تفرد تام لدى حماس في إدارة شؤون القطاع، وتجاوز لدور الشركاء الموضوعيين في الحقل الوطني، فهي لا تتشاور مع أحد في القضايا التي تهم الجميع مثلما حصل في اللقاءات الغير مباشرة مع الإسرائليين في القاهرة حول التهدئة وما بعد ذلك، ومن جانب آخر تم إغلاق غالبية مؤسسات المجتمع المدني دون تبريرات مقنعة ثم مواصلة المضايقة على ما تبقى منها.
إن هذا التفرد قد ميز حكم الإخوان في مصر كما تحدث عنه مرارا العديد من رموز القوى المصرية في سردها لعوامل التمرد الشعبي.
ثالثا: استخدام الدين والمال السياسي: إن التعدد الديني بكل ما يرافقه في بلدان المشرق العربي يعتبر جزء من تكوينها الديمغرافي والاجتماعي وجزء من تاريخها وموروثها الحضاري، وعلى مدار مراحل زمنية طويلة، قبل وبعد مرحلة النهوض القومي العربي، لم يطرأ ما يعكر صفو هذه التعددية المتعايشة والمندمجة في رفع شأن الوطن والدفاع عنه، إلا في العقدين الأخيرين مع بروز وصعود تيار الأحزاب الدينية حيث رافقها ظاهرة استخدام الدين للوصول الى السلطة أو البقاء بها ولذات الهدف تم التعامل مع المال السياسي، كان ذلك في إطار المتغيرات الدولية والاقليمية والعربية وما نتج عنها، من جانبها سجلت أحزاب التمرد الشعبي ليوم 30 يونيو رفضها لمنهج أخونة مصر، فهل تؤكد حركة حماس رفضها لكل الخطوات أو الممارسات بما فيها المسطرة في الاشهر الأخيرة التي مست الحرية الشخصية للمواطن الفلسطيني في غزة، والتي تحترم في ثناياها الأعراف الاجتماعية المرتبطة بمسار تطور الحياة.
هناك العديد من العناوين الأخرى التي تحتاج الى المساهمة في نقاشها مثل السياسة الاقتصادية كعنوان أساسي بكل ما يحيط به من عوامل، ثم الموقف من التطورات الحاصلة في بعض البلدان العربية وخطورة التسرع في التعاطي معها أو الخلط المقصود للوقائع المختلفة والمتناقضة أحيانا..ثم موضوع المقاومة بكل ما يدور حولها من مفاهيم وممارسات. فهل يستفاد من دروس التجربة الفلسطينية المشتركة والخاصة، في القطاع وفي الضفة وباقي أماكن التواجد، بتغليب المصلحة الوطنية من أجل مواجهة المخططات التصفوية الصهيونية التي تحاول القضاء على مكونات الحالة الفلسطينية.. من أجل الخروج "سالمين" من نفق التسوية الأمريكية..

«الإخوان» إلى اين؟
بقلم: عبدالله إسكندر عن الحياة اللندنية
دخلت جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر مرحلة جديدة كلياً يتقرر فيها مصير علاقتها بالسلطة كحزب اسلامي، من جهة. ومن جهة اخرى تتقرر فيها طبيعة مشاركتها في السلطة.
لم تكن الجماعة في مصر اول حزب اسلامي يصل الى السلطة او يشارك فيها في المنطقة العربية. لقد سبق تجربتها، قبل الربيع العربي، انقلاب الجبهة الاسلامية في السودان ووصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم عبر الانتخابات. كما شارك الاسلاميون اليمنيون في السلطة على اكثر من مستوى. ونالت حركة النهضة الاسلامية في تونس، مع الربيع العربي، غالبية حملتها الى الحكم وقيادة الائتلاف.
لكن كل هذه التجارب الاسلامية في الحكم، وعلى رغم ما شابها من نزعات الى الاستفراد وفرض الرأي الواحد والدفع في اتجاه أسلمة قوانين ومواد دستورية، ظلت رهينة تحالفات مع اطراف اخرى، سياسية او مناطقية او قبلية، ورهينة مراعاة الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية التي تتعامل معها. ولم تكن قادرة على توطيد سلطة الحزب الواحد، حتى لو ان بعضها كان قد تسلل الى المؤسسة العسكرية، وتالياً فرض ديكتاتورية مطلقة. وفي خضم نزاعاتها وتحالفاتها كادت سمتها «الإخوانية» ان تختفي لمصلحة ضرورات البقاء في السلطة.
تجربة جماعة «الإخوان» المصرية، وإن عقدت بعض التحالفات لتوسيع قاعدتها الانتخابية، بقيت وفية لأيديولوجيتها الداعية الى فرض حكمها وسلطتها المطلقة. اي ان تجربتها في الحكم هي تجربة الحزب الاسلامي وليست تجربة الحزب المشارك في السلطة. لقد كانت جماعة «الإخوان» المصرية وفية للمناخ السياسي الذي نشأت فيه مطلع العقد الثالث من القرن الماضي، مناخ الاحزاب التوتاليتارية والعسكريتارية، مناخ صعود الاحزاب الشيوعية والفاشية والنازية، ومناخ القيادة المركزية وسلطتها المطلقة.
والفشل الذي انتهت اليه التجربة «الاخوانية»، عبر رئاسة محمد مرسي، يكمن في بقاء الجماعة في هذا المناخ، وعجز عن فهم التطور الهائل الذي حصل في مصر والعالم، منذ اطلاق دعوة حسن البنا وتركيبة الحزب الذي اراده، قبل ثمانية عقود تقريباً، وعن فهم التطلعات التي تراكمت في المجتمع المصري منذ ان اعتبر سيد قطب ان العنف والقوة، قبل نصف قرن، هما وسيلة فرض سلطة الجماعة. هذا العجز هو الذي دفع ملايين المصريين الى الشارع لرفض حكم «الإخوان»، اي رفض استخدام الأفكار النمطية البالية لمعالجة مشكلات حديثة ومستجدة ورفض الخضوع لقيادة مركزية مطلقة يمثلها المرشد. وجاء عزل مرسي والبدء بمرحلة انتقالية نتيجة لهذا الرفض الشعبي الواسع.
لقد عرف «الاخوان» في مصر مراحل عدة من العمل السياسي، من السري الى المتسامح معه الى العلني الى الشرعي وصولاً الى السلطة. لكنّ اياً من هذه المراحل لم تكن المناسبة، بالنسبة الى الجماعة، الى اعادة قراءة المتغيرات وإعادة تكييف نفسها كحزب سياسي معها. هذا الجمود الفكري والسياسي هو الذي كان وراء فشل الجماعة في ان تكون جزءاً عضوياً من حياة سياسية طبيعية في مصر، خصوصاً عندما باتت هذه الامكانية واقعاً مع رحيل النظام السابق وتولي عضو فيها الرئاسة. وربما هذا الفشل الاخير هو الاكبر لها والكاشف عن طبيعة الخلل الكبير الذي تعانيه. ولم يكن هذا الفشل في ادارة البلاد ومشكلاتها المعقدة والقضايا الخارجية المطروحة عليها فحسب، وإنما كان فشلاً ذريعاً في الانخراط في النسيج المصري، واعتبار نفسها صاحبة رسالة خاصة تفرضها على الجميع، احزاباً وهيئات ومؤسسات.
والسؤال اليوم هو عن المشروع السياسي للجماعة. فهل هي لا تزال قادرة على اعادة قراءة تجاربها السابقة كلها، خصوصاً الفترة القصيرة من حكمها، لتعيد صوغ خطّها وهيكلها التنظيمي بما يتكيف مع الظروف الراهنة؟ ام انها ستظل متمسكة بتاريخها المتكرر من الفشل؟ مؤشرات ذلك ستظهر من خلال موقفها في الايام المقبلة، فإن قبلت الاعلان الدستوري الجديد وانخرطت في العمل السياسي في اطاره ربما تتمكن من ان تستعيد وضعها بين الاحزاب المصرية. اما اذا تمسكت بالنهج الذي اطلقه مرشدها بعد عزل مرسي، فيمكن توقع تكرار ما حدث في دار الحرس الجمهوري، وصولاً الى تعميم العنف في البلاد، فتكون بذلك قررت الخروج نهائياً من النسيج المصري.

سقوط الإخوان المسلمين... وسقوط الإخوان الليبراليين
بقلم: زياد الدريـس الحياة اللندنية
انسجاماً مع الانقسام الراهن في منطقتنا العربية، سأقسم مقالي هذا إلى قسمين!
سقوط الإسلاميين
الحقيقة أن العنوان أعلاه غير دقيق، فالذي سقط حُكمه هم الإخوان المسلمون، الذين هم فصيل فقط من الإسلاميين، وليسوا هم كل الإسلاميين. والدليل الملموس على تلك المفاصلة أن إسلاميين (ملتحين ومحجبات) كانوا في ميدان التحرير مع المعارضين للإخوان المسلمين.
وبهذه الرمزية أيضاً نردّ على الذين اعتبروا سقوط الرئيس مرسي هو سقوط للإسلام وهزيمة للمسلمين، وكأن الإسلام حكرٌ على الذين يتظاهرون في ميدان رابعة العدوية، بينما أن الذين يتظاهرون في ميدان التحرير لا علاقة لهم بالإسلام .. وإن التحوا وتحجّبوا، وصاموا وصلّوا!
لماذا سقط الإخوان المسلمون؟!
سقطوا لأسباب داخلية، من ذواتهم، ولأسباب خارجية من الأطراف المناوئة لهم. لكن الجو السياسي الساخن الذي تعيشه الساحة الشعبية لا يسمح لأتباع الإخوان بأن تكون لديهم الآن رحابة صدر للاستماع للأسباب الداخلية للسقوط، فيما يسعى أعداء الإخوان بالمقابل لتهميش الأسباب الخارجية.
وبسبب هذا الاحتقان المبرّر والخاضع للمزاج البشري الطبيعي كان رد الفعل عنيفاً على تغريدتي التي وضعتها في «تويتر»: «عرفت سبب سقوط مرسي عندما رأيت شيوخاً وعواجيز من كوادر الإخوان في عمر أبي يقبّلون يد المرشد العام. بالإضافة إلى أسباب أخرى بالطبع!».
الغضب العارم والمفهوم من الانقلاب العسكري على الشرعية في مصر أفقد حتى بعض العقلاء القدرة على فهم مغزى عبارتي، وباتوا يقارنون آداب التقبيل السلطوي بين الإخوان وفي الخليج، وكأني كنت أهاجم سلوك الإخوان وحدهم وأدافع عمن سواهم، رغم أن السياق الثقافي للعبارة كان يمكن أن يكون جلياً لغير المنفعل الذي لم يستطع لفرط انفعاله أن يقرأ تتمة عبارتي: «بالإضافة إلى أسباب أخرى بالطبع».
اكتشفت واعترفت أني أخطأت في توقيت قولي ذلك، لا في مضمونه، وأني لو كتبته في غير تلك اللحظة الساخنة كان سيفهمه ويؤيده معظم الذين اعترضوا عليه.
عندما تهدأ النفوس، ستنهال المراجعات العقلانية الهادئة والمحايدة لأداء الرئيس مرسي في ذاته وقدراته القيادية، ثم في تأثيرات الطقوس الإخوانية والضغوط الحزبية التراتبية على أداء أي رئيس سيأتي من صلب الحزب.
سقوط الليبراليين
وللإنصاف أيضاً، سأقول إن العنوان أعلاه غير دقيق، فمن الليبراليين من هو أكثر إنصافاً للإخوان المسلمين من إسلاميين آخرين!
الحقيقة أن سقوط الإخوان المسلمين أدى إلى سقوط ما يمكن تسميتهم مجازاً بالإخوان الليبراليين، أي الليبراليين الذين تقوم مبادئهم على الحرية والتعددية «الانتقائية»، التي تخدم رغباتهم وشهواتهم واصطفافهم فقط، وقد وصفهم أحد المدونين المصريين صادقاً بأنهم: الليبراليون الإمبرياليون!
التشفي والانتقام والاعتقال المشين وتقييد الحريات إجراءات لا تلقى القبول من ليبرالي حقيقي صادق في مبادئه وملتزم بالقيم التي يدّعي اتّباعها. ولذا يصبح من الطبيعي على هذه الليبرالية المزيّفة أن تنفعل أيضاً وتتحول من ليبرالية إلى إمبريالية مؤيدة لانقلاب عسكري ضد الشرعية التي جاءت عبر صناديق الاقتراع، وتنسى قيمها التي تؤكد أن عدم رضاك عن أداء الرئيس الذي اختير عبر صندوق الاقتراع لا يبرر لك استخدام العسكر، عوضاً عن استخدام الأدوات المدنية المعتبرة للاحتجاج. ولو كانت هذه هي الوسيلة المتبعة والمشروعة لكان الشعب الفرنسي قد استعان بالجيش لإسقاط الرئيس السابق ساركوزي الذي انحدرت شعبيته بدرجة مريعة آنذاك، لكنه أكمل فترته الرئاسية الواحدة فقط ثم غادر غير مأسوف عليه.
أفهم أن تتخلى كل الفصائل والأحزاب والتيارات عن احترام مبدأ التعددية والحرية، إذ لديها مبادئ أخرى تفخر بها وتنشغل بتفعيلها، لكن لا أفهم أن يتخلى الليبراليون عن صُلب الليبرالية الذي هو التعددية واحترام الآخر، فبماذا سيفخرون بعدها؟!
***
وبعد، فالإشكالية تبدو في أن الإخوان قد انشغلوا عن التركيز على النجاح في الحكم بتثبيت آليات التمسك بكل مفاصل الحكم، فيما انشغلت المعارضة ليس بإنجاح الثورة وإخراج مصر من المأزق، بل بإفشال الإخوان وإخراجهم من المشهد.
سألني أحدهم: هل أنت مع أم ضد الانقلاب؟ قلت له: إذا تخلصت من ثنائية المع المطلق والضد المطلق ستعرف الجواب.

السقوط الأخير للإسلام السياسي
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
لا يمكن التعامل مع نماذج «الإسلام السياسي» كأحزاب سياسية تتوسل الدين وتتاجر به في واقعها المحلي، هذا لا يفيد في فهم الظاهرة المعولمة والتي الآن تصارع حرب وجود وفناء، وكان آخر إرهاصاتها في السياق المصري بعد الثورة التصحيحية في مصر معقل الجماعة الأم اللقب الأثير لإخوان مصر؛ تقاطر «الإخوان» والمتعاطفون مع فكرة الإسلام السياسي من كل مكان، وما بيان الدعم والمؤازرة للرئيس المعزول ومنحه الشرعية من قبل دعاة وأكاديميين محسوبين على تيار الإخوان في السعودية، إلا دليل على أنها قد تكون آخر جولات الإسلام السياسي في السيطرة على المشهد السياسي ما بعد «الربيع العربي»، الذي اختطفه الإخوان في أكثر من موقع، لكنهم لم يستطيعوا الحفاظ عليه لأسباب كثيرة أقلها تأثيرا جاء من الخصوم لكن أهم الأسباب تعود إلى فشل الإخوان في الخروج من عقلية «المعارضة» وذهنية «السجون» ومظلومية خلفاء الله في أرضه أو ما سماه المفكر الفرنسي جيل كيبل «ثنائية الفرعون والنبي» والتي لا تزال تستحضر حتى الآن.
لنأخذ الصورة مكبّرة كي لا نغرق في تفاصيل «مع» و«ضد» فالحديث عن توصيف الثورة التصحيحية وهل هي انقلاب ناعم أو خشن وكل تبعات ذلك من تدخل الجيش وسقوط ضحايا واستخدام العنف وإغلاق القنوات التحريضية.. إلخ كل هذا على أهميته وكثرة تداوله على طريقة التشجيع الكروي لهتيفة السياسة في مواقع التواصل الاجتماعي.. كل هذا لا يفيد في فهم الأزمة الحرجة التي نمر بها الآن والتي قد تلازمنا لعقود.
ما يحدث هو ربما السقوط الأخير لآيديولوجية «الإسلام السياسي» التي بدأت كظاهرة سياسية حديثة مع صعود الجماعات الإسلامية بعد فشل الخطاب النهضوي الذي جاء كرد فعل للاستعمار لكنه لم يستطع أن يتحول إلى خطاب «الشارع» ومن ثم تم اختطاف المشهد من خطاب «الإسلام التقليدي» الذي كانت تعبر عنه المدارس التاريخية الكبرى أنصار المذاهب المتبوعة والتيارات السلفية والتصوف وكل مكونات حزمة التنوع الديني التي وإن كانت تتصارع حول تمثيلها الديني لكنها كانت لا تهدد السلم الاجتماعي ولم تكن منفصلة عن السلطة.
تعثر «الإسلام السياسي» عدة مرات لكنه لم يسقط سقطته الأخيرة، كان أول تعثره في أحداث العنف التي أسسها الإخوان ومن ثم التيار القطبي داخل الجماعة فالجماعات المصرية الجهادية التي خرجت من عباءة الإخوان التي تصدرت المشهد باستهداف السياح واغتيال السادات ثم عادت لوضعها الطبيعي، بعد ذلك انفصل الإسلام السياسي عبر تمثيله للمعارضة السياسية في البلدان ذات الطابع التعددي والتي تسمح بتكوين أحزاب صريحة أو مستترة في العمل السياسي، لكنها ظلت تشكل المعارضة الصامتة في دول الخليج حتى استطاعت الافتراق عن جسد «الإسلام التقليدي» بمؤسساته وتياراته الواسعة من خلال أزمة الخليج وما تلاها من أحداث حتى أحداث 11 من سبتمبر (أيلول) الذي كان سقوطا مدويا لفكرة «التغيير المسلح» الموجه للغرب لكنه ارتد عبر موجات عنيفة للداخل الإسلامي حتى في دولة لم تشهد ذلك من قبل كالسعودية، إلا أن سقوط التغيير المسلح أنعش فكرة التغيير السياسي وتمثيل المعارضة بعد أن ترنح الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة مما فعله أبناء الفوضى من «تنظيم القاعدة» ليحاول بعدها احتواء «الإسلام السياسي» باعتباره بديلا معتدلا يمكن أن يحجم مقدار العنف الذي خلفته «القاعدة» عبر تقليم أظافره وجعله رأس الحربة في السلطة دون أي تفكير حول ارتدادات ذلك على الفوضى السياسية التي يمكن أن يورثها في ظل فشله في إدارة الدولة التي وصل إليها عبر صناديق الاقتراع لكنه تعامل مع وصوله كما يفعل السلاطين في دولة الخلافة محمولا على قاعدة حزبية وكوادر تعاملت معه بشكل تقديسي، وهنا كان من المتوقع أن يؤدي الفشل إلى العودة إلى المربع الأول حيث العنف والفوضى واستدعاء كل المناصرين في المنطقة من الأتباع الذين لا يتصورون أنفسهم خارج حلم «دولة الإخوان» التي كانت أقرب إليهم من شراك نعالهم كما يقال، لكن بعد أن دفعوا أثمانا غالية جدا وهي انكشاف خطابهم السياسي الضيق وقدرة الجماهير العريضة من غير المسيسين في العالم العربي والإسلامي على التفريق بين الشعارات الدينية والعمل السياسي على الأرض وكان هذا إيذانا بالسقوط الأخير لفكرة «الإسلام السياسي» وهو سقوط كما تقول لنا كل المؤشرات سيكون كبيرا وأخيرا في حال استمرار المكابرة واللعب على نغمة عودة الفوضى وهذا التزييف للواقع بعد أن عشنا ردحا من الزمن نعيش تزييف «التاريخ» وللحديث بقية.

من "الإخوان" إلى بن غوريون ... مع التحية
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
قال ديفيد بن غوريون في افتتاح مفاعل ديمونة عام 1963: "ليس مهما أن يكون لدينا قنبلة نووية, ولا حتى 200 رأس نووية, فهذا لن يفيدنا أبدا, بل المهم أن نحيِّد مصر وسورية والعراق, عندها فقط نطمئن إلى وجودنا وقوتنا في أرض الأجداد".
كلام بن غوريون هذا مأخوذ من أدبيات الحركة الصهيونية التي عملت منذ البدء على تفتيت العالم العربي لتسهل لها إقامة الوطن اليهودي في فلسطين, فمارست دورا محوريا في اتفاقية سايكس- بيكو, وزرعت النزاعات التي لا تنتهي بين أبناء الأمة الواحدة, ولم تكتف بذلك, بل عملت على تجنيد بعض العرب ليكونوا أداتها الطيعة في تنفيذ مخططها, فأوحت مبكرا, وعبر الحركة الماسونية الى حسن البنا وبضعة مصريين لإنشاء جماعة إسلامية تكون رديفا للحركة الصهيونية ومبررا للتطرف اليهودي, فكانت حركة "الإخوان المسلمين" التي مارست طوال العقود الماضية العنف مستندة الى أفكار تكفيرية لا علاقة للدين بها.
هؤلاء هم "الإخوان", إرهابيون, تجار دم, اشتقوا لأنفسهم دينا خاصا بهم يقوم على القتل والترهيب والترعيب, ترعرعوا في أحضان السفارات الاستعمارية, فلا غرابة إذا رأيناهم يحولون شوارع مصر سواقي دم, لأنهم ينفذون ما أمروا به من أسيادهم قادة اللوبي الصهيوني أصحاب الكلمة العليا في الإدارات الأميركية المتعاقبة التي ورثت الوصاية على الجماعة من البريطانيين, وكما كانت الأخيرة ترسم والجماعة تنفذ تمارس تلك الإدارات الدور نفسه, بدءا من النقراشي باشا ومرورا بمحاولة اغتيال جمال عبدالناصر, ووصولا الى قتل السادات إضافة الى تفجيرات وعمليات تخريب كثيرة.
بعد كل هذا التاريخ الدموي ل¯"الإخوان" هل يوقن العرب أن اللوبي اليهودي وعبر أداته تلك يسعى الى تدمير عالمهم? ألم تغرق الدول التي تسلط عليها "الإخوان" في الفوضى والدم والأزمات الاقتصادية, بدءا من تونس وليبيا وصولا الى مصر التي إذا أسقطت سهل الوصول الى بقية الدول العربية, وتحديدا دول الخليج التي تحتوي أراضيها على أكبر احتياطي نفطي في العالم أو أقله يجعلوننا نعيش في خوف دائم من عدو داخلي, ولذا لم تتأخر خلايا الجماعة في السعي إلى تدمير الكويت والإمارات والمملكة العربية السعودية وعمان وإثارة التفرقة داخل المجتمع الواحد تنفيذا لذاك المخطط.
هل يدرك العرب اليوم أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط لم تكن حصيفة وكانت منحازة دائما ضد مصالحهم, باستثناء مرة واحدة في تاريخها, وهي حين فرضت عليها مصالحها الستراتيجية الوقوف إلى جانب الحق الكويتي بعدما رأت العالم يناصر هذا الحق?
أليست الولايات المتحدة الاميركية هي من يقف خلف "الإخوان" في تصديهم لملايين المصريين الرافضين حكم المرشد, بل هاهي تهدد بقطع المعونة عن مصر إذا لم تخضع القاهرة لشروط واشنطن وتعد مرسي المخلوع شعبيا إلى الحكم, لكن الشعب المصري قال كلمته ما يعني أن مصر بعد 30 يونيو ليست كما كانت قبله.
اليوم أفشل الشعب المصري المخطط الإخواني- الصهيوني في تدمير العالم العربي, وكما هلَّ علينا شهر رمضان المبارك ومصر قد عتقت من العصابة الإخوانية, فإن كل ما نتمناه أن يحل عيد الفطر وقد تحررت الدول العربية كافة من هذه الجماعة التي جلبت على الأمة الدمار والفوضى فكادت تنسى القضية الفلسطينية جراء انشغالها بالعنف الإخواني, ولم تعد حماية الشعب السوري أولوية عندها حتى أن ثورته أصبحت شأنا داخليا, ولم تعد تهتم بالتهديد النووي الإيراني, وإسرائيل باتت أقوى وأكثر استقرارا من أي وقت بينما القدس تختنق بحصار المستوطنات استكمالا لمخطط تهويدها.
جرائم "الإخوان" التي ترتكب اليوم أو تلك التي شهدها العالم العربي طوال 50 عاما كانت تطبيقا لأمنية بن غوريون, فهل يحتاج العرب الى مزيد من الأدلة التخريبية والدموية والفتنوية كي يتخذوا قرارهم باستئصال شأفة جماعة تستبيح الدم الحرام في الأشهر الحرم تحت ستار الدين?

هل ضاعت فرصة بناء تيار إسلامي مدني؟
بقلم: توفيق شومان عن السفير البيروتية
ربما، تحتاج التطورات المتسارعة في مصر، إلى مسافة زمنية طويلة، نسبياً، لصوغ قراءة عقلانية، تفضي إلى صوابية تقدم الجيش المصري، إلى واجهة المشهد السياسي، أو خطئه، ففي مرحلة هياج العصبيات الإيديولوجية، غالباً، ما يكون الاستقطاب الحاد قاعدة للمواقف وأرضية للتراشق السياسي المنفلت من ضوابط المنطق وأحكامه ومقاييسه.
وفي ظلال هذه اللحظة المصرية الانفعالية، ليس من السهل، التغافل عن مخاوف القوى العلمانية من استراتيجية «أخونة» الدولة المصرية، مثلما درج القول منذ لحظة انحصار الجولة الانتخابية الرئاسية الثانية على التنافس الثنائي بين المرشحين، محمد مرسي وأحمد شفيق، في العام الماضي، وذهاب شريحة علمانية ويسارية وازنة، إلى إعطاء أصواتها لرئيس الوزاء السابق أحمد شفيق، وتردد شريحة ثانية والتزامها الصمت الانتخابي والمقاطعة، فيما شريحة ثالثة، تماشت مع مسار ثورة «25 يناير»، وصبت أصواتها لمصلحة المرشح محمد مرسي، الرئيس لاحقاً.
مثل هذه الخشية، يمكن إدراجها في سياق منطقي، ولكن في المقابل ثمة سياق منطقي آخر، تحجبه الآن، عصبية المشهد المصري، وعنوانه في منتهى الخطورة، ويتمثل في خشية ومخاوف مقابلة، وهي احتمال إضاعة فرصة تبلور تيار الإسلام السياسي المدني، الذي كادت تقاربه إلى حدود معقولة، الثورتان التونسية والمصرية.
من حقائق التاريخ السياسي القريب، أن ظاهرة «الإسلام القطبي» أنتجتها حمأة الصراع الناصري ـ الإخواني في عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، استناداً إلى كتابين لسيد قطب هما «معالم في الطريق» و«في ظلال القرآن»، وعلى الرغم من المراجعة النظرية التي قدمها المرشد العام الأسبق لـ«جماعة الإخوان المسلمين» حسن الهضيبي في كتابه الشهير «دعاة لا قضاة»، إلا أن الظاهرة القطبية، كانت قد ترسخت في المنظومة العقائدية لبعض قياديي الجماعة ومريديهم، فخرجوا عنها ومنها لاحقاً، ليشكلوا أطرهم الخاصة، أو يلتحقوا بظواهر إسلامية ناشئة، انبثقت عنها «الجماعة الإسلامية» (بقيادة الشيخ عمر عبد الرحمن المعتقل في الولايات المتحدة منذ العام 1993) التي خاضت «حرباً مقدسة» ضد السلطات المصرية في ثمانينيات القرن المنصرم، وكذلك تبلور تنظيم «الجهاد» بزعامة محمد عبد السلام فرج الذي أصدر كتابه المعروف «الفريضة الغائبة» في العام 1980، وهو الكتاب الذي صاغ منظومة عنفية متكاملة خلاصتها «قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد»، دفعت باتجاه اغتيال الرئيس المصري آنذاك أنور السادات بعد سنة من صدور هذا الكتاب، ليدخل بعدها تنظيم «الجهاد» في صراع وجودي مع النظام المصري، إلى أن التحق قسم من قيادييه بزعامة أيمن الظواهري بتنظيم «القاعدة» في النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين.
وقبل بروز تنظيمي «الجماعة الإسلامية» «والجهاد»، شهت مصر ما يُعرف بتنظيم «الفنية العسكرية» في العام 1974 بقيادة صالح سرية، وأيضاً جماعة «المسلمون» المعروفة إعلامياً بـ«التكفير والهجرة» بزعامة شكري مصطفى الذي أعدم في العام 1979، وكل هذه الأطر «الجهادية الإسلامية»، توجهت بالطعن نحو السلوك التهادني لجماعة «الإخوان المسلمين»، باعتبارها تغفل عن فريضة الجهاد (=العنف)، وهذا الخلاف النظري ـ العقائدي ـ السلوكي، كان شكل قاعدة السجالات الحادة بين قيادة «الإخوان المسلمين» والتيار «القطبي» الناشئ في السجون المصرية بعد إعدام سيد قطب في العام 1966، وأسفر عن إخراج قياديين وأعضاء بارزين من الجماعة، من مثل عبد المجيد الشاذلي ومصطفي شكري ومحمد قطب ومصطفى الخضيري ومحمد مأمون وغيرهم.
وفيما كانت مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، تشهد نزوعاً سلفياً متشدداً، وغير مسبوق، بفعل ضراوة الحرب الأفغانية واستدعاء الإغراءات المالية وإيديولوجيا الجهاد إليها لمكافحة الشيوعية، وحيث بدأ خلال هذه المرحلة إحياء المجلد 28 من مجموع فتاوى الشيخ إبن تيمية، وفتاواه عن التتار، وكتابيه «الإيمان الكبير» و«الصارم المسلول» وتفسير إبن كثير للآية القرآنية الكريمة «أفحكم الجاهلية يبغون» وأيضاً، حديثه في كتابه «البداية والنهاية» عن طريقة حكم التتار, بالإضافة إلى تفسير، سيد قطب، لآيات الحكم والسياسة على غرار قوله تعالى «إن الحكم إلا لله»، وكتاب «الشفا» للقاضي عياض، فضلا عن شيوع كتابين للجهادي المصري، سيد إمام الشريف، وهما «العمدة في إعداد العدة» و«الجامع في طلب العلم الشريف»، فإن جماعة «الإخوان المسلمين» المصرية، كانت تنحو في هذه المرحلة نحو مسار سياسي مدني، من معالمه ومعطياته، تحالفها مع حزب «الوفد» الليبرالي في الانتخابات النيابية في العام 1984، ولينجح التحالف المذكور بحصد 36 مقعداً في مجلس الشعب، وبعد ذلك، تحالف «الإخوان المسلمين» مع حزبي «الأحرار» و«العمل الإشتراكي» في انتخابات العام 1987، وحصلوا على 37 مقعداً نيابياً .
ووفق معادلة الثمانينيات، ولاحقاً، التسعينيات وما بعدها، ووصولاً إلى ما قبل الثورة المصرية في الخامس والعشرين من «يناير» 2011 ارتسم مشهد الإسلام السياسي في مصر، وفق صور ثلاث هي:
1: حركات إسلامية عنفية، ولكنها أجرت مراجعة جذرية لأفكارها السابقة، وهي «الجماعة الإسلامية» وتنظيم «الجهاد»، وأصدرت مجموعة من الكتب النقدية لتجربتها السابقة، منها: «نهر الذكريات» و«مبادرة وقف العنف» و«حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين» و«تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء» و«التعرية»، وغيرها، ومضمون هذه الكتب ينهض على نبذ التجربة العنفية السابقة وتوسيع دائرة الإيمان والخروج عن قواعد الفكر التكفيري.
2: الإسلام السلفي: وله صور ووجوه عدة، ومن رموزه الشيوخ: أبو إسحق الحويني، حازم شومان، ياسر برهامي، محمد حسان، جمال المراكبي، وأبرز الأحزاب السلفية، حزب «النور» وحزب «الراية»، الذي أسسه حازم صلاح أبو إسماعيل، وكذلك حزب «الوطن»، وتختزن السلفية الحزبية في مصر، على ما يُظهر خطابها السياسي، قابلية للاعتدال السلوكي والعقائدي، وهو أمر تتجرد منه السلفية الدعوية المتمثلة بالشيوخ المسبوقي الذكر، حيث فتاوى التكفير والتفرقة والزندقة توجز بطاقاتهم التعريفية، علماً أن بعضهم قريب من هذا الحزب السلفي أو ذاك.
3: «الإخوان المسلمون»، وهي الجماعة الأكثر ميلا نحو الحياة المدنية، وفق التعريف المعاصر، وبصرف النظر عن صراعها المرير مع الرئيس جمال عبد الناصر، فقد أظهرت تجارب العقود الطويلة لمسيرتها، أنها ما كانت تتردد في المشاركة السياسية والانتخابية، حين يتم توسيع فضاء المشاركة في مصر، قبل العام 1952، أو في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
وإذا ما تم التمعن، مرة ثانية، في خارطة انتشار واتساع ظواهر الإسلام السياسي في المجال الشعبي المصري العام، وإسقاطه على بيئة مصرية يشكل التدين فيها إحدى الركائز الأساسية للهوية الفردية، فالنتيجة تفضي إلى سبيلين أمام جماعات واسعة من الأفراد، إما النزوع نحو جماعة «الإخوان المسلمين»، وإما النزوح نحو الجماعات السلفية ونظيراتها، التكفيرية أو العنفية، ولعل مشاهد العقود القليلة الماضية، شواهد على ذلك، إذ كلما حوصر «الإخوان المسلمون»، خرج من بطونهم أو من هوامشهم، «قطبيون» عنفيون، أو احتل خصومهم، السلفيون الجهاديون، مساحات الفراغ التي اضطروا لتركها وإخلائها.
وإذا كانت جماعة «الإخوان المسلمين»، قد أبكرت في تأويلها الحديث لمفهوم «الشورى» في الإسلام، واعتبارها العملية الانتخابية تفسيراً عصرياً وعملياً لـ«الشورى» واستطاعت أن تجر وارءها أطيافاً متنوعة من المناخات الإسلامية، إلا أنها، في الآن نفسه، اصطدمت فكرياً إلى حد تكفيرها من قبل جماعات إسلامية ضدية، تفترض الانتخابات حراماً، وفي ظل تعقيدات مرحلة ما بعد عزل الرئيس محمد مرسي، فإن حديث الخشية من ردة «فكرو ـ سياسية» إخوانية، يستعيد نفسه، وهو ما قد ينطبق أيضاً على احتمال عودة الجدل بين الإسلاميين وغيرهم، حول مبدأ الحريات السياسية وتدوال السلطة.
ووفقا لذلك، لا يكفي القول إن تقدم الجيش المصري إلى واجهة الحدث المصري، قد أنقذ الثورة المصرية من عوراتها عبر الحؤول دون «أخونة الدولة»، فالنصف الآخر من القول يُنتج أسئلة تحتاج إجابات هادئة من مثل:
أ: هل أضاعت تظاهرات «30 يونيو» فرصة بناء تيار إسلامي مدني، تبدو جماعة «الإخوان المسلمين» في طليعة القادرين على إنتاجه وتطويره؟
ب: هل ذهبت تقديرات الثوار، إلى قراءة تحتمل بروز تيارات إسلامية متشددة تنتهج الجهاد سبيلا، انتقاماً لإسقاط «الشرعية» وفي ظل مناخ مؤات أبرز ملامحه فقدان هيبة الدولة المصرية؟
ج: هل لدى رموز «الموجة الثورية الثانية» ثقة مطلقة بانسحاب الجيش من المشهد السياسي، في زمن ما، وفي نهاية مرحلة انتقالية ما؟
د: أي مبررات تدفع باتجاه إقفال القنوات التلفزيونية والصحف المؤيدة لـ«الإخوان المسلمين»، أو القريبة منهم، في حين يحتل الإعلام المناوئ لهم، الفضاء الإعلامي بكامله، مع ما يصاحب ذلك من حملات قاسية عليهم؟.
لعل الإجابات عن هذه الأسئلة، قد تبقى مؤجلة، ولكن بقاء المصالحة مؤجلة هو ما يجعل مصر فوق رؤوس الثعابين... وإلى حين نزول «عقل الرحمن» على المصريين... ثمة سؤال أخير: كم شهيداً سيسقط في أرض الكنانة... حتى يدرك المصريون أن السياسة هي فن التسويات؟

مصر والثورة الثانية.. عودة الروح إلى العروبة
بقلم: طلال سلمان عن الشروق المصرية
وها هى القاهرة فى طريق العودة إلى موقعها الطبيعى وإلى دورها الذى لا بديل منها فيه، تتقدم شاهرة هويتها العربية صريحة متوهجة، على وقع المرحلة التى تميزت بإنجازاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت قيادة جمال عبدالناصر، سواء على صعيد الداخل المصرى أم على صعيد الوطن العربى جميعا، بل وعلى المستوى الدولى أساسا عبر حركة عدم الانحياز بقادتها التاريخيين، نهرو وتيتو وشو ان لاى.
لم يطل الغياب أو التغييب هذه المرة: سنة واحدة من حكم الإخوان المسلمين بشخص الدكتور محمد مرسى، تحت راية تنظيمهم الدولى، وفى ظل رعاية أمريكية معلنة ولكنها لا تصل إلى حد التبنى الكامل، وبدعم مالى وفرته قطر بعد مساومات علنية، فى حين ظلت «مفاوضات» البنك الدولى وصندوق النقد الدولى معلقة على الالتزام بشروط مستحيلة.

ولكنها سنة طويلة جدا، حفلت بالمناورات المكشوفة أغراضها والاستفتاءات المرتجلة والقرارات الهادفة إلى احتكار السلطة واستبعاد الآخرين، كل الآخرين، عن المشاركة فى حكم كان بأمس الحاجة إلى شركاء جديين ولهم ثقلهم الشعبى، خصوصا أن نسبة المقترعين له «للرئيس» بالكاد تجاوزت نصف الأصوات.. وبعد جهد جهيد وتنازلات جدية من بعض المنافسين ذوى الحضور الشعبى.
وهى سنة طويلة جدا، لأن الحكم الإخوانى قد تسبب خلالها بخسارة الكثير من رصيد مصر، دوليا وعربيا وأفريقيا تكفى حكاية أثيوبيا وموضوع السد فيها كمثال. فى حين إنه لم ينجح فى إعادة العلاقات إلى سويتها لا مع روسيا ولا مع الصين، ولا هو تقدم بالعلاقات مع أوروبا، ولا هو استعاد موقع مصر الممتاز مع دول عدم الانحياز (الهند وأمريكا اللاتينية وإيران التى استضافت المؤتمر الأخير قبل شهور)..
ها هى مصر، إذن، تستعيد روحها، وجماهير ميادينها تؤكد هويتها ودورها القيادى فى أمتها، وتغنى أناشيد المرحلة الناصرية التى حملت مصر إلى موقع القيادة فى محيطها العربى، وإلى الموقع المؤثر فى القرار الدولى.
وها هى الجماهير العربية فى المشرق والمغرب تستقبل مصر العائدة إلى دورها الذى لا تعوضها فيه أية دولة عربية أخرى، بفرحة غامرة، مستبشرة بانتهاء عصر الضياع عن الهوية والدور، وعن القيادة بطبيعة الحال.
لقد كشفت تطورات الأحداث، بالنهاية التى جاءت سريعا ومن خارج التوقع، أن تنظيم الإخوان المسلمين قد يكون أكبر الأحزاب السياسية فى عديد أعضائه ومناصريه، ولكنه أصغر بكثير من أن يمثل مصر لوحده.
كذلك فقد كشفت هذه التطورات أنه لم يحافظ على مكسبه الممتاز، الوصول إلى الرئاسة، بعدما اختار بعض خصومه من المنافسين أن يدعموا رئيسا منه لأن مرشحه حاز أكبر نسبة من الأصوات فى الدورة الانتخابية الأولى... وعليه فهو قد فاز لأن المنافسين لم يتفقوا على واحد منهم، وبالتالى فإنه لم يكن فى موقع «الرئيس» ممثلا للأكثرية الشعبية.
وهو قد انكشف حين أصر مكتب الإرشاد على احتكار السلطة فى جماعته من المحازبين والمناصرين فقط. على هذا فان إخفاقه جاء مدويا وغير مسبوق: كسب الرئاسة وخسر البلاد!
وهكذا فإن الإخوان قد ارتكبوا الخطيئة ذاتها التى سبق أن ارتكبتها أحزاب أخرى، خصوصا فى المشرق، حين استغنت بنفسها عن القوى الشعبية المنافسة أو المختلفة فى الشعار أو فى الخط السياسى.
لقد سقطوا حين رفضوا صياغة حكم جبهوى يضم الكفاءات المميزة فى مختلف القوى والتنظيمات ذات الوجود الشعبى فى مصر، ولو فى موقع «الخصم»، من أجل إنجاح الحكم باسم الثورة التى احتشدت ملايينها فى الميادين، طوال السنة، غالبا بالاحتجاج ورفض التفرد ومحاولة تمرير القرارات الخاطئة بالاستفتاءات الشعبية سيئة السمعة فى الوطن العربى عموما.
وسقطوا حين عجزوا عن تحويل المصادفة القدرية إلى فرصة تاريخية لإثبات أهلية تنظيمهم العريق للحكم، متجاوزا عصبيته الحزبية.
كذلك فهم قد سقطوا حين عجزوا عن الإفادة من هذه الفرصة التاريخية لمراجعة شاملة لتجربتهم ونقدها بصراحة تؤهلهم ــ عند الشعب ــ لطلب التسامح مع أخطائهم فى الماضى مع التعهد بتصحيح المسار مستقبلا.
لقد كانت الطريق إلى السلطة ملغمة بالنزعة إلى احتكارها.. وها هى السلطة فى مصر قد تحولت إلى محرقة تكاد تلتهم رصيد أكبر التنظيمات الشعبية وأعرقها لأنه تبدى وكأنه يجىء من خارج العصر.
ولعل بين ما غفلت عنه قيادة الإخوان أن الجيش فى مصر غيره فى بلاد عربية أخرى، مثل سوريا أو العراق أو اليمن. إنه فى مصر كان وما زال وسيبقى مؤسسة وطنية راسخة، موحدة، يصعب الانشقاق فيها أو الخروج عليها.
أما فى المشرق العربى فإن الأحزاب السياسية فقد استطاعت أن تخترق الجيوش، أو أن الهزيمة هى بالفعل من وفر للأحزاب فرصة اختراق الجيوش تحت شعارات فلسطين والوحدة والعدالة الاجتماعية... وعبر الصراع بين هذه الأحزاب التقليدية التى لم يكن أى منها يملك مشروعا للتغيير الفعلى وبناء البلاد على قاعدة اقتصادية متينة وفهم عميق لآمال المجتمع وحاجاته، لجأ بعضها إلى الاستعانة بأنصاره فى قلب الجيش. والكل يتذكر فترة الخمسينيات، ثم معظم سنوات الستينيات فى سوريا، وأعداد الانقلابات أو مشاريع الانقلاب للاستيلاء على السلطة، تارة باسم الوحدة، وطورا من أجل الانفصال، تارة باسم الاشتراكية وإنصاف الفقراء، وطورا باسم منع الظلم «وإعادة الحقوق إلى أصحابها» أى إعادة مركزة الثروات فى أيدى القلة التى تحكم الحكم.
ولقد كان لانخراط الجيش فى السياسة وإقدامه على قلب السلطة المدنية، وفرض الحزب الواحد، آثارا مدمرة على المجتمعات فى المشرق العربى.
على أن الجديد مع ثورة مصر هو هذا الهجوم السعودى المباغت بالتأييد المطلق، والاستعداد للدعم المفتوح.
مفهوم أن يكون بين أسباب هذا الدعم تعزيز الحكم الذى جاءت به الثورة فى نسختها الثانية فى وجه الغواية «القطرية»، لكن المؤكد أن فى طليعة الأسباب الموقف العدائى تجاه الإخوان المسلمين. ومعروف أن الرئيس الاخوانى الدكتور محمد مرسى ومعه بعض أركان الحزب قد نافقوا الحكم السعودى وتوددوا إليه فى غير مناسبة، ولكنه ظل باردا إزاءهم، وهو الذى له موقف سلبى تاريخيا من الإخوان المسلمين وتنظيمهم الدولى. ومعروف أنه، بالمقابل، يناصر السلفيين ويدعمهم سياسيا وماديا... ولعله يراهن على أن يلعب هؤلاء دورا ما، ولو محدودا، فى «العهد الجديد»، وتكون لهم حصة فى كعكته.
لقد نافق معظم الحكام العرب الإخوان حين تولوا السلطة، فجاءهم البعض، وتواصل معهم بعض آخر مشجعا، لكن الأغنياء من هؤلاء الحكام (فى ما عدا قطر) لم يترجموا تأييدهم نقدا. أما الفقراء منهم فقد حاولوا تحصين أوضاعهم فى وجه الافاقة الإسلامية لضرورة الاستيلاء على السلطة وإقامة شرع الله... فتبدى وكأن الكل يقبلون بالشعار الإسلامى حاكما ولكن خارج البلاد التى يحكمونها.
فالسعودية، ومثلها معظم دول الخليج التى لا تقبل الإخوان من أهلها، وتطرد الإخوان الوافدين، والذين كشفوا عن نشاطهم بعد انتصار «الإخوة فى مصر»، قد أظهرت ارتياحا بل وحماسة لتخلص مصر من حكم الإخوان، وهو التنظيم الممتد فى مختلف الدول الإسلامية، وعبرت عن هذا الارتياح بحماسة وهى تسمع القيادة المصرية الجديدة تعلن أنها تهتم أولا وأساسا بمصر، ويلزمها وقت طويل قبل الالتفات إلى محيطها العربى محرضة على التغيير أو ساعية لإحداثه.
المهم أن مصر عائدة إلى ذاتها، وهى عربية، وإلى دورها، وهو عربى بامتياز، وأن فجرا جديدا ينشر الضوء فى الأرض العربية مبشرا بغد عربى جديد سوف ينبثق من قلب الصعوبة.


قراءة في تداعيات عزل الرئيس المصري محمد مرسي
بقلم: محمد الخليفي ( كاتب مغربي) عن القدس العربي
بعد أكثر من عامين على انطلاق أولى شرارات ‘الربيع العربي’ ما تزال رياح هذا الربيع متحركة حاملة معها المزيد من المفاجآت والمتغيرات، وقدرا مهما من الفوضى أيضا، جاعلة مصير المنطقة على كف عفريت لا ندري على أي بر سيرسو، فبعدما أزهر الربيع ‘إخوانا’ في كل أقطاره، ها هوينقلب عليهم مرة أخرى، حيث أصبح إخوة الأمس في ميادين ثورة 25 يناير المصرية أعداء ألداء، وصارت الثورة تأكل أبناءها. فنتيجة سلسلة من الأخطاء القاتلة لحزب ‘الإخوان المسلمين’ الحاكم في مصر التي دفعت شريحة عريضة من الشعب للتمرد ضده في الساحات والميادين، تدخل الجيش ليعجل برحيل ‘الإخوان’ عن السلطة مبكرا بعد طول انتظار دام أكثر من 85 سنة، الأمر الذي سيكون له تداعيات إستراتيجية عميقة على طول خارطة دول ‘الربيع العربي’، وستفرض منطقا سياسيا آخر على صناع القرار الدولي، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها تجاه قضايا حادة بالمنطقة تستدعي انقلابا جذريا في المواقف والتصورات والخيارات، بالشكل الذي سيسهم في إعادة النظر بمجموع المرتكزات والتحالفات المستعملة لرسم معالم الخريطة السياسية في الشرق الأوسط وكافة دول ‘الربيع العربي’ .
لا شك أن قيام الجيش المصري بدعم من فئات عريضة من الشعب بعزل أول رئيس منتخب بعد الثورة التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك، يعد انقلابا ناعما على السلطة التي أتت بها صناديق الاقتراع، بمعزل عن قناعاتنا ومواقفنا الشخصية مع أوضد هذا الفريق أوذاك، ومما لا شك فيه أيضا أن هذا الانقلاب الناعم قد ساهم في تجنيب مصر الدخول في مرحة خطيرة من الإرباك السياسي والعنف بالبلاد، حيث كان الخطاب الطائفي وحالة الفرز والانقسام السياسي قد وصل إلى مستويات جد مخيفة وبالشكل الذي لا يمكن معه لأي مؤسسة عسكرية وطنية أن تبقى متفرجة على الأوضاع، بدعوى احترام المشروعية وعدم التدخل في الحياة السياسية، إلا أنه وعلى الرغم من كل ذلك فإن مصر باتت مهددة بشكل قوي بشبح حرب أهلية، يمكن أن تكون كارثية على جميع المصريين بكل اتجاهاتهم السياســـية وميولاتهم الفكرية وانتماءاتهم الطائفية، فعلى الرغم من كل الكلام الذي يؤكد أن السيناريو الجزائري غير وارد في الحالة المصــرية على أسـاس أن الجيــش المصري متماسك وقوي ومسنود من قبل فئة كبيرة من الشعب، إلا أن يوميات الشارع المصري بعد عزل مرسي، الحافلة بحالات الصدام العنيف بين مؤيدي هذا الأخير ومعارضيه، والخطاب التحريضي الصادم لقيادات ‘حزب الإخوان المسلمين’، والهجمات المتكررة على مواقـــع وثكنات الجيش والشرطة، خاصة في سيناء وقتل واختطاف الجنود واستعمال السلاح، إضافة إلى بروز ‘أنصار الشريعة’ التي اعتبرت ما جرى في مصر إعلانا للحرب على معتقداتها وتأكيدها على نيتها حمل السلاح، إضافة إلى أحداث الحرس الجمهوري الذي أودى بحياة أكثر من 50 شخصا وغير ذلك كثير، لا يمكن قراءته إلا في إطار إرهاصات واضحة لحرب أهلية شبيهة لما وقع في الجزائر سنة 1991 إبان إلغاء الانتخابات البلدية والتشريعية، التي كانت قد فازت بها ‘الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية’، الأمر الذي يستدعي معه من القيادة الجديدة في مصر العمل وبصورة استعجالية على أربع نقاط أساسية:
ـ إطلاق عملية مصالحة حقيقية وصادقة من دون إقصاء أو تضييق على أي من مكونات الشعب المصري.
ـ الإعلان عن برنامج واضح ومحدد لانتقال السلطة وفق الآليات الديمقراطية.
ـ اتخاذ قرارات ومواقف ذات نفس ثوري، سواء تجاه الجماهير الشعبية التي تعاني من حدة المشاكل الاقتصادية والمعاشية اليومية، أو في ما يتعلق بالقضايا المصيرية والوطنية للأمة المصرية، التي من شأنها أن تؤسس لحاضنة شعبية واسعة وتسهم في تحقيق الأمن والاستقرار الداخلي .
ـ العمل على إيقاف الخطاب التحريضي من قبل كل الأطراف، خصوصا على المستوى الإعلامي والتأسيس لخطاب وطني جامع ومتسامح.
بطبيعة الحال فإن ما وقع في مصر من عزل للرئيس محمد مرسي، وما يعنيه ذلك من توجيه ضربة قاصمة للمشروع ‘الإخواني’ في معقله، لا بد أن تكون له تداعيات مهمة على مجموع التجارب ذات المرجعية الإخوانية، خاصة في كل من تركيا وتونس وليبيا وقطاع غزة، حيث اتسم المشهد السياسي في هذه الدول بما يلي:
ـ استمرار الحراك الشعبي التركي المناهض لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، رغم القمع والتضييق الممارس على الاحتجاجات بساحة ‘تقسيم’.
ـ تأسيس حركة ‘تمرد التونسية’ التي تسعى لإسقاط المجلس التأسيسي وتصحيح مسار الثورة التونسية.
ـ ظهور دعوات إلى التمرد في ليبيا وتأسيس حركتي ‘الرفض’ و’تمرد ليبيا الجديدة لإسقاط الأحزاب’.
في نفس السياق فإن سقوط الإخوان في مصر لا بد أن ينعكس سلبا على حركة ‘حماس′ بقطاع غزة، التي استمرت في مسلسل أخطائها الإستراتيجية والتي كان آخرها إعلانها العلني بالانتماء إلى تنظيم الإخوان المسلمين، والشعور بحالة من الاستقواء بهذا التنظيم العالمي، على حساب كل الدعم المادي والمعنوي الذي حظيت به من جهات أخرى على مدار تاريخها المناضل، والواقع كان عليها باعتبارها حركة مقاومة أن تبتعد بنفسها، في الحدود الدنيا، عن الصراعات والتجاذبات التي تعرفها المنطقة وأن لا تفرط بأي من شركائها وداعميها الأساسيين.
فغياب ‘الإخوان المسلمين’ من على سدة حكم مصر سيصيب حماس بحالة من العزلة، وسيطلق لا محالة نقاشا نقديا محتدما تجاه كافة مواقف واتجاهات وخيارات سياسة حماس، بالخصوص خلال فترة ‘الربيع العربي’، نفس هذا النقاش من المفروض أن يفرض نفسه على ساحة ‘الإخوان المسلمين’ الذي سيلامس أسباب ونتائج هذا الفشل الذي مني به حكمهم، خاصة أن فترة الانتظار كانت طويلة ومكلفة جدا، إلا أن موسم القطاف كان قصيرا ومخيبا، على الرغم من أن حركة’ الإخوان المسلمين’ في مصر حاولت على المستوى التنظيري التأصيل في مراجعاتها لما سمته ‘الدولة المدنية بمرجعية دينية’ شأنها شأن إخوان تونس الذين بذلوا مجهودا في تأصيل مفاهيم الديمقراطية والعلمانية في أدبياتهم، إلا أن المستوى التطبيقي لكل هذه الأفكار مني بفشل ذريع، حيث كانت النتيجة لا دولة مدنية ولا حتى دينية.
هناك من التيارات الإسلامية من سيتخذ من عزل مرسي، وما جرى سابقا في الجزائر من إلغاء الانتخابات التي فازت بها ‘جبهة الإنقاذ الجزائرية’ ذريعة للتدليل على عدم جدوى الانخراط في العملية الديمقــــراطية، على اعتبار أن هناك مؤامرة لا تريد للإسلاميين الوصول إلى السلطة، ولو حملتهم صــــناديق الاقتراع إليها، هذه القناعة ستترسخ أيضا لدى الأجيال القادمة من الإسلاميين، وستكون معها أي دعوة للعنـــف المسلح (الجهاد) لتطهير المعارضين (الكفار) من أجل السيطرة على الحكم وتطبيق الشريعة، جد جذابة ومسنودة إلى وقائع فعلية وليست افتراضية.
من زاوية أخرى فإن سقوط الإخوان في مصر وبهذا الشكل الدراماتيكي السريع، سيفرض على العديد من صانعي القرار الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها إعادة النظر في كثير من المواقف والاستراتيجيات التي كانت ترتكز على الأحزاب ذات التوجهات ‘الإخوانية’، التي تم إعدادها لتولي الحكم بعد سقوط الأنظمة في دول ‘الربيع العربي’ وخلق نوع من التماهي بينها وبين النموذج التركي، لضمان المصالح الغربية في هذه الدول وحماية أمن ‘إسرائيل’ أولا وأخيرا، مما سيكون له انعكاساته على تطور الأحداث في سورية، خاصة مع ما أبداه الجيش السوري النظامي من قوة وصمود، والواقع أن إرهاصات إدراك الغرب لعدم جدوى الاتكال على ‘الإخوان’ لتحقيق هذه الغاية بدت واضحة قبيل عزل مرسي، رغم كل التنازلات والاستعداد الذي أبداه ‘الإخوان المسلمون’ لتنفيذ الأوامر الأمريكية، وقد ظهرت هذه الإرهاصات في شكل تغييرات ذات دلالات إستراتيجية، لعل أبرزها كان تولي الشيخ تميم للحكم عوضا عن والده الشيخ حمد في قطر، مما يعد مؤشرا على تغيير جذري ومتدرج للدور القطري اتجاه أحداث وقضايا المنطقة، وهذا ما بدا جليا من خلال التهنئة والإشادة القطرية بدور القوات المسلحة المصرية.
خلاصة القول بأن واقع تجربة حكم ‘الإخوان المسلمين’ في مصر وعلى الرغم من مدتها القصيرة جدا، أبانت مدى هشاشة البنية الفكرية لهذا التنظيم الواسع، التي عجزت عن تقديم تصور ومشروع مجتمعي للحكم في كل مستوياته التفصيلية، والتعويض عن ذلك بشعارات فضفاضة لا تغني ولا تسمن من جوع، اللهم الا دغدغة مشاعر وأحاسيس المسلمين البسطاء، وعدم تمكنها من فرز قيادة كاريزمية وأطر متمرسة قادرة على قيادة تحديات ومتطلبات الثورة، كما أن التجربة قد أبانت عن هوة شاسعة جدا بين الوعود والتنفيذ، وأن حجم الأخطاء كان كارثيا وبشكل أفرغ ثورة 25 يناير من أي نفس ثوري، مما يمكن معه القول بأن ‘الإخوان المسلمين’ شأنهم شأن الكثير من الحركات والتيارات الشمولية يمكن أن تجيد المعارضة أكثر بكثير من إجادتها للحكم، خاصة مع افتقارهم لأي تصور علمي وموضوعي للحكم ولو استنادا الى مرجعيتهم الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى إقصائهم من الحكم مما سيكون له تداعيات عميقة على مستوى النظرة الغربية لأحداث المنطقة، وكذلك على كل الدول التي تحكم فيها أنظمة ذات خلفية ‘إخوانية’ والتي نتمنى ألا تنزلق الأمور فيها إلى حالة من الفوضى والعنف الدموي، الذي لن يستفيد منه أحد سوى ‘إسرائيل’ التي تنظر بعين الرضا لكل ما يقع للجيوش العربية المحيطة بها من تفكيك واستنزاف، فجيش العراق تم تدميره، وجيش سورية تم شغله في مواجهات داخلية، فحذار أن يأتي الدور على جيش مصر أحد أقدم جيوش العالم وأقوى الجيوش العربية.

الإرهاب الصهيوني.. جذور عميقة
بقلم: رشيد موعد عن البعث السورية
منذ ظهورها -أواخر القرن التاسع عشر- وحتى الآن مازالت «بروتوكولات حكماء صهيون» تثير الجدل حولها، كمجموعة من الأوراق، ولادتها لم تكن شرعية، ضرب عليها سياج من السرية والتكتم، بلا اسم ولا صاحب، بدأت التخمينات حول أصحابها، البعض رأى أن اليهود هم أصحاب هذه الفكرة، فالخطاب بها موجه لهم والمخطط المرسوم فيها لصالح اليهود والهدف الذي تسعى لتحقيقه هو «تدمير العالم كله ليحكمه اليهود».
لقد تبرأ اليهود من هذه البروتوكولات منذ الإعلان عنها أواخر القرن التاسع عشر، وتعاملوا معها بحساسية بدت للبعض أنها متعمدة ومقصودة، فأنكروا نسبها لهم، فالبروتوكولات بكل ما تحمله من حقد وضغينة وتآمر وتحريض على دمار للعالم ستصيب كل من يقرؤها أو يتعامل معها بالغضب والثورة على من هم وراءها، وعلى مخططهم الوحشي. والغريب أنه في الوقت الذي يتبرأ فيه اليهود من البروتوكولات، تظهر فيه إسرائيل بوجهها العنصري المدمر، وكأنها تطبق بمهارة كل ما جاء في هذه البروتوكولات.
الجدل حول البروتوكولات يدفع للبحث عنها للتعرف على مزيد من التفاصيل عن هذه الوثائق، لكن ما هي حكاية هذه البروتوكولات ومتى ظهرت؟!.
يقول الباحث محمد خليفة التونسي في كتابه: «الخطر اليهودي في بروتوكولات حكماء صهيون»: لو توهمنا أن مجتمعاً من أعتى الأبالسة الأشرار قد انعقد ليتبارى أفراده، منفردين أو متعاونين، في ابتكار الاجرام كخطة لتدمير العالم لما تفتق عقل أشر من هؤلاء إجراماً وخسة وعنفاً عن مؤامرة أكثر شراً من هذه المؤامرة لحكماء صهيون التي تعكسها بروتوكولاتهم وقد تناولها بالترجمة عام 1951 للغة العربية.
ويؤكد خليفة في كتابه المذكور أن البداية كانت عام 1897 وفي أول مؤتمر صهيوني عقد برئاسة تيودور هرتزل في سويسرا، حيث اجتمع 300 من أعتى حكماء صهيون وقرروا وضع خطتهم السرية لاستعباد العالم وكانت قراراتهم السرية، حيث دامت مؤتمراتهم الثلاثة والعشرون حتى عام 1951. لكن القدر أراد أن تتكشف هذه السرية عن مؤتمراتهم بعد أن استطاعت سيدة فرنسية أثناء لقائها بأحد زعماء هذه المؤتمرات في مكان ماسوني سري في فرنسا أن تختلس بعض هذه الوثائق التي وصلت لأحد أعيان روسيا وهو اليكس نيقولا، حيث دفعها لصديق له يدعى سيرجي نيلوس الذي أدرك بدوره جدية هذه الأوراق وعكف على دراستها وقارن بينها وبين الأحداث السياسية الجارية، وبناء عليه تنبأ بكثير من الأحداث الخطيرة التي وقعت فيما بعد منها نبوءته بتحطيم القيصرية الروسية ونشر الشيوعية، وكذلك نبوءته بسقوط الخلافة العثمانية وأهم نبوءة كانت لديه هجرة اليهود إلى فلسطين وقيام الكيان الصهيوني، ومنها أيضاً إثارة حروب عالمية لأول مرة في التاريخ يخسر فيها الغالب والمغلوب ولا يظفر بمغانمها إلا اليهود.
الكاتب اللبناني عجاج نويهض الذي قدم لإحدى ترجمات البروتوكولات للعربية قال: إن السكوت المتعمد لذكر فلسطين أو أرض إسرائيل أنهم قالوا عند ذكر مخططهم لهدم البابوية واتخاذ أوروبا قاعدة لحكمهم، فالوصول إلى فلسطين كان مرتبطاً عندهم بمصير الدولة العثمانية الذين تسرعوا في التوغل فيها وإسقاطها.
هذا التفسير الذي يؤكد به الأستاذ عجاج عن قناعته من أن البروتوكولات من صنع الصهاينة، نلمحها أيضاً في كلمات الأديب عباس محمود العقاد الذي قدم لترجمة كتاب (الخطر الصهيوني في بروتوكولات حكماء صهيون) للأديب محمد خليفة التونسي، مؤكداً أن ما جاء في البروتوكولات لا يختلف عما جاء في التلمود.. وهو ما أكده أيضاً المترجم أن من يقرأ البروتوكولات وهو ملم بحوادث التاريخ اليهودي والعالمي ستكشف له مؤامرة صهيونية، هدفها إفساد العالم والسيطرة عليه دون سائر البشر.
وقد ظهرت أول طبعة رسمية لبروتوكولات حكماء صهيون في روسيا القيصرية حيث قام بنشرها القيصر نيقولا قيصر روسيا عام 1905، وكان طبيعياً أن يلصق البعض البروتوكولات لليهود لأنه يبدو لكل من يقرؤها أنها بمثابة خطة منظمة لتدمير العالم لسيطرة اليهود في النهاية عليه بإشاعة الانحلال والفساد حتى يتحقق لها هذا الهدف.
وإذا كان الصهاينة، كما جاء في البروتوكولات، يستطيعون أن يفسدوا الأرض وما عليها كي يقيموا على أنقاض الفساد دولتهم، فإنهم لن يستطيعوا إصلاح الناس بعد إفسادهم لأن اتباع الفساد تحلل وإهمال، بينما الصلاح التزام وجد.
وعلى كل حال فإنها دعوة لقراءة هذه البروتوكولات، أو لإعادة قراءتها، كي يدرك من يقرأها مدى انحطاط هذه النفوس الشريرة التي صاغتها ومدى جرمية هذا البرنامج الذي يمثل أحلام محرومين وخيالات مخبولين، لأن هذه الأقوال لا تفيد إلا في تأجيج نيران الحقد في الصدور وإثارة البغضاء والكراهية بينما نحن في عالم اليوم بحاجة إلى المحبة وإلى الإخاء لا إلى النزاع والخصام.