تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 450



Haneen
2013-07-17, 11:40 AM
اقلام واراء عربي 450
15/7/2013

في هذا الملف
الوجه البشع للإحتلال الإسرائيلي
رأي الدستور الأردنية
اجتماعات تطبيعية تخدم الكيان
فايز رشيد-الخليج الإماراتية
الفلسطينيون ومأزق الخلافات!
طارق مصاروة-الرأي الأردنية
هل يمر “برافر”؟
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
خطـأ فـادح ارتكبه أردوغان
صالح القلاب-الرأي الأردنية
واشنطن تنقذ «إخوان» مصر... رغماً عنهم!
جورج سمعان-الحياة اللندنية
سوريا ... هل بدأت «الحرب الأهلية الثانية»؟
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
كيمياء عبد الباري عطوان
صبحي حديدي-القدس العربي
العراق: خطر الحرب الاهلية
رأي القدس العربي
انقلاب 14 تموز الدموي في العراق ؟
داود البصري –الشرق القطرية


الوجه البشع للإحتلال الإسرائيلي
رأي الدستور الأردنية
مجمل الجرائم البشعة التي ارتكبها ويرتكبها الاحتلال الاسرائيلي تكشف الوجه البشع لذلك الكيان، وتكشف استخفافه بالقانون الدولي، وحقوق الإنسان، والمعاهدات والاتفاقات الدولية ذات الصلة، ما يجعل العالم كله أمام نموذج عنصري خطير، يتفوق بفاشيته على جنوب افريقيا إبّان حقبة التمييز العنصري. وفي هذا السياق لا بد من التأكيد على أن ممارسات الاحتلال العنصرية هذه تأتي وفق نهج مرسوم يهدف -بالدرجة الأولى- لتهويد القدس والأقصى، وطرد الشعب الفلسطيني من وطنه والحكم عليه بالنفي الأبدي، لإقامة الدولة اليهودية على كامل التراب الوطني الفلسطيني.

وبشيء من التفصيل فإن الاعتداءات الممنهجة على الأقصى، وقيام جنود الاحتلال، ورعاع المستوطنين والمتدينين الحاقدين، باقتحامه وتدنيسه، وممارسة الفحش والرذيلة في ساحاته.. كله يهدف لإرهاب المصلين ودفعهم الى الموافقة على اقتسامه، كما حدث للمسجد الإبراهيمي، كإجراء مؤقت لإقامة الهيكل المزعوم على انقاضه، بخاصة بعد انجاز المجسمات الهندسية، وعرضها في ساحة البراق، والتي يسمونها حائط “المبكى” زورا وبهتانا.

ومن ناحية أخرى فقد تزامنت الاعتداءات على الأقصى مع رفع وتيرة الاستيطان والإعلان عن إقامة “800” الف وحدة سكنية خلال ثلاثة اعوام، منها مائة الف وحدة في القدس وحدها، لاستكمال تهويدها بعد رفع وتيرة جرائم التطهير العرقي والمتمثلة بهدم المنازل وطرد أصحابها، ومصادرة الهويات ما أدى في مجمله إلى زيادة عدد اليهود في القدس على عدد العرب لأول مرة في التاريخ.
تلك الجرائم في عرف العدو لم تعد كافية لإرهاب العرب المقدسيين والشعب الفلسطيني بعامة، حيث لجأ العدو الى ترويع الأطفال بحجة مقاومة الاحتلال. وما كشفت عنه وكالات الأخبار مؤخرا من قيامه بسجن طفل عمره 5 سنوات من مدينة الخليل بحجة قذف الجنود بالحجارة، والحكم بإبعاد عدد من أطفال القدس الى القرى المجاورة بنفس التهمة، إلى جانب زج آخرين في غياهب السجون، يؤكد اننا أمام كيان عنصري حاقد.

لقد بلغ التعذيب النفسي والجسدي الذي يتعرض له المعتقلون في سجون الاحتلال حدا لا يطاق، بعد رفض العدو الاستجابة للنداءات الدولية والمنظمات الإنسانية التي تطالب بمعاملتهم معاملة أسرى الحرب، وليس معاملة المعتقلين الجنائيين، حيث توفي عدد كبير منهم تجاوز المئتين تحت سياط الجلاد، وآخرون لقوا حتفهم بعد إجبارهم على تناول ادوية محرمة دوليا. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة الى حقيقة يعرفها الجميع، وهي أن إصرار الاحتلال على انتهاك القانون الدولي يعود للدعم الأمريكي - الغربي، و”الفيتو” الأمريكي الذي حماه من العقاب و ملاحقة محكمة الجنايات الدولية.

مجمل القول: لن يتوقف الاحتلال عن اقتراف جرائمه العنصرية البشعة، والتي تعد بمثابة حرب إبادة يمارسها ضد الشعب الفلسطيني إلا إذا قامت الدول الشقيقة بإعادة النظر بسياستها إزاء هذا الكيان، واتخاذ مواقف جماعية حاسمة تقوم على وقف التطبيع، وتجميد المعاهدات والعودة بملف الصراع الى المربع الأول ودعم المقاومة الشعبية كسبيل وحيد لإنقاذ القدس والأقصى.
“لقد بلغ السيل الزبى”.. و “إن تنصروا الله ينصركم”. صدق الله العظيم.
اجتماعات تطبيعية تخدم الكيان
فايز رشيد-الخليج الإماراتية
عُقد اجتماع في رام الله (الأحد 7 يوليو الحالي) بين نشطاء “إسرائيليين” وفلسطينيين، نظمته مبادرة جنيف في المدينة الفلسطينية، أطلق عليه “اجتماع لبحث استئناف المفاوضات بين السلطة و”إسرائيل” . من ناحية ثانية عُقد في الكنيست (الاثنين 8 يوليو الحالي) اجتماع لأعضاء كنيست ووزراء “إسرائيليين” مع فلسطينيين لبحث الموضوع ذاته .

اجتماع رام الله حضره سياسيون من حزبي الليكود وشاس، وأوضحت صحيفة “معاريف” أن المشاركين من الجانب “الإسرائيلي” هم: أعضاء سكرتاريا الليكود ومركزه، إضافة إلى رؤساء الفروع في الحزب، كذلك أعضاء مجالس بلدية، وحاخامات، ومستشارون سياسيون “إسرائيليون” . من الجانب الفلسطيني حضر ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس مبادرة جنيف، إضافة إلى محمد المصري عضو المجلس المركزي الفلسطيني، وأشرف العجرمي وزير الأسرى السابق، ومسؤولون كبار آخرون في السلطة .العجرمي شارك أيضاً في اجتماع الكنيست إضافة إلى الأكاديمي الفلسطيني خليل الشفافي .

بداية، نستغرب أن يتم مثل هذا الاجتماع في ظل استمرار تصاعد الاستيطان الصهيوني وتهويد القدس ومنطقتها، لقد أقرت حكومة الكيان بناء 10 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وفي ظل التنكر “الإسرائيلي” للحقوق الوطنية الفلسطينية . ومع مَنْ تم عقد الاجتماع؟ مع نشطاء متطرفين من حزب الليكود الحاكم حزب نتنياهو، ومع نشطاء من الحزب الديني شاس، هؤلاء جميعهم لا يعترفون بالحقوق الفلسطينية . ماذا أراد النشطاء الفلسطينيون من عقد مثل هذا الاجتماع؟ هل أرادوا إقناع “الإسرائيليين” بحقوق شعبنا؟ ثم ألا يدركون الخلفيات الأيديولوجية والمواقف السياسية لهؤلاء الذين لا يعترفون بوجود الشعب الفلسطيني من الأساس؟ للعلم أغلبية أعضاء سكرتاريا ومركز الليكود وكذلك المندوبون من شاس هم من عتاة المتطرفين ممن يسمون “بالصقور” في الكيان الصهيوني، وبالتالي لا يمكن فهم عقد الاجتماعين سوى أنهما اجتماعان تطبيعيان بامتياز!

من زاوية ثانية، فإن أحد الأهداف التي عقد الاجتماعان على أساسه، هو وثيقة جنيف سيئة الصيت والسمعة والتي جرى إقرارها في ديسمبر/كانون الأول عام 2003 بين وفد صهيوني برئاسة يوسي بيلين وآخر فلسطيني برئاسة عبدربه . ماذا عنت هذه الوثيقة في حينه؟ لقد عنت كما تعني الآن: أن حق العودة تنازل عنه الفلسطينيون للكيان الصهيوني . هذا في الوقت الذي لم تنشأ فيه دولة فلسطينية حتى منزوعة السلاح وبسيادة ناقصة! وثيقة جنيف المشؤومة، استفاد منها الكيان الصهيوني كثيراً وهي تتضمن تنازلاً فلسطينياً ليس إلا .

إن تصريحات نتنياهو عن موافقته على إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة هي بهدف ومضامين سياسية وإعلامية فارغة واستهلاكية، ولا يعني رئيس الحكومة الصهيونية ما يقوله، ويُدرك تماماً استحالة تحقيق هذه المسألة . ما الذي يُثبت صحة هذا الكلام؟ بالمعنى العملي ووفقاً للمعطيات على الأرض، من الاستحالة إنشاء هذه الدولة بالمعنى الجغرافي نتيجة الاستيطان المتواصل والجدار العازل، واستمرار مصادرة الدولة الصهيونية للأراضي في الضفة الغربية بادعاءات عديدة، أمنية وغيرها . بعد المصادرة تبقى ما نسبته 12% من مساحة فلسطين التاريخية، وهذه أجزاء متناثرة من الأراضي التي تقع عليها المدن والقرى في الضفة الغربية، أي أنها مقطعة الأوصال .
على صعيد آخر فهذه النسبة القليلة من الأرض مرشحة للتناقص المستمر لعدم إيقاف “إسرائيل” استيطانها في الضفة الغربية، التي ما زالت هي وقطاع غزة واقعتين تحت الاحتلال، وليس في الأفق ما يشي بإمكان إزالته على المدى القريب المشهود .

رغم كل هذه الحقائق، يحرص مندوبو السلطة الفلسطينية وهم من ذوي المناصب العليا فيها على عقد اجتماعين مع المتطرفين الصهيونيين . وللعلم، كشف العجرمي في لقائه في الكنيست (في التاريخ نفسه) ووفقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلي (الثلاثاء 9 يوليو الحالي) أن مباحثات (قبل عامين) جرت في منزل نتنياهو، وترأسها من الحانب الفلسطيني ياسر عبد ربه! هذه القضية كشفتها أيضاً قبل شهرين مواقع إلكترونية “إسرائيلية” ونقلتها الصحف الصهيونية .يأتي كل ذلك في الوقت الذي تؤكد السلطة الفلسطينية أن ما من مفاوضات تجريها مع الجانب “الإسرائيلي” منذ ثلاث سنوات .

بالطبع أجريت لقاءات ومفاوضات مع “إسرائيل” من خلال اجتماعات عديدة جرت في العاصمة الأردنية عمّان، بين مسؤولين “إسرائيليين” وفلسطينيين سُمّيت في حينها “مفاوضات استكشافية” . قبل ذلك أجرت السلطة مفاوضات مع الكيان من خلال ما سُمّي ب (مفاوضات الرسائل) . على من تضحك السلطة؟ إن هذا منتهى الاستهانة بعقول الفلسطينيين .

في أعقاب اجتماع رام الله أكّد عبد ربه “أن السلطة الفلسطينية مستعدة لاتخاذ خطوات غير مسبوقة في عملية التفاوض مع “إسرائيل”، كما أشار إلى أن الجولة الأخيرة لجون كيري أثارت توقعات إيجابية لدى الجانب الفلسطيني” . باختصار شديد ودون فذلكة كلامية فإن “الخطوات غير المسبوقة” تعني بالخط العريض تنازلات عن حقوق وطنية فلسطينية جديدة أخرى . هذا ما قصد أن يؤكده المسؤول الفلسطيني . أما عن الانطباع الإيجابي بعد جولة كيري الأخيرة في المنطقة، الذي فهمه الجانب الفلسطيني، فهو محض وهم ليس إلاّ . هم يريدون في السلطة إقناع أنفسهم بهذا الانطباع رغم خياليته، وعدم انعكاسه على الواقع .لم تحقق جولة كيري الأخيرة أي تقدم . هذا ما صرّح به صائب عريقات مسؤول المفاوضات في السلطة وهذا ما كشفته الحقائق الموضوعية .

يبقى القول إن السلطة الفلسطينية تعيش خواء سياسياً وهي تريد إلهاء نفسها بحركة سياسية حتى لو قدمت فيها تنازلات جديدة . الاجتماعان الأخيران هما محض تطبيع .
الفلسطينيون ومأزق الخلافات!
طارق مصاروة-الرأي الأردنية
كان العرب في الخمسينيات «يقطّعون وجوه» بعضهم في العراك الجانبي للحرب الباردة. بعراك التحرر ضد التبعية، والوحدة ضد الانفصال والاستفراد، والوطنية ضد العمالة.. لكن الجميع لم يكن يختلف على ثورة الجزائر. مثلما أن الثوار لم يشاركوا في هذا العراك المهين!!. كانت ثورة الجزائر تتمول من المواطن الجزائري والعربي. وكانت تتسلّح من مخازن السلاح في مصر وفي العراق سواء بسواء. لكن ذلك لم يكن بسبب الاجماع العربي... وإنما لأن الجزائريين لم يضعوا أنفسهم داخل وحل الخلاف، ولا يجدوا ان حركة التحرر الوطني الجزائري بحاجة إلى الانحياز لأي فريق عربي .. فهي ثورة قائمة بذاتها!!.

هذا الكلام اعادني إلى وضع الأشقاء الفلسطينيين في سقوطهم وسط المغطس العربي.ولعل حماس بالذات تشكل حالة خارجة للانحياز والمعاناة والخسارة:
-فقد كانت قيادتها تجد في دمشق الملجأ والحماية مع انها كانت في عمان مدللة، وسريّة.. وحسب الأصول!!. إلى أن وجدت أنها جزء من عمل حزبي أردني لا يصح أن يختلط فيه الأردني بالفلسطيني، لأن سياسات الأردن غير سياسات حماس، وطبيعة علاقات الأردن الدولية غير علاقات حماس. فغادرت قيادة حماس الأردن إلى قطر، ثم إلى دمشق. مع أن حادث الاعتداء الإسرائيلي على خالد مشعل وما أثاره الراحل الحسين من غضبه وضعت معاهدة السلام في كفة.. و»ابننا خالد مشعل» في كفة أخرى. وانصاعت إسرائيل نتنياهو، وتم انقاذ خالد مشعل، وخرج الشيخ مؤسس حماس من سجنه كجزء من الصفقة إلى جانب أعداد كبيرة من المعتقلين!!.

-وقعت ثورة دمشق، ووجدت قيادة حماس أن وضعها في دمشق أصبح صعباً. وانسحبت دون اشكال، ويبدو ان اخوانيتها اغرت فصائل ملتزمة بالنظام السوري بالسيطرة على مخيم خان الشيخ الأكبر، فدخل العامل الفلسطيني في المعركة وتم تدمير المخيم. وخرج لاجئو فلسطين إلى لجوء جديد.

-في مصر وجد الاخوان المسلمون انفسهم قوة الثورة على نظام مبارك، وكذلك وجدت حماس نفسها في غزة، وفي امتدادها القديم في سيناء، فاستغنت عن تحالفها مع ايران، وابقت على معونات ايران النقدية، ووجدت في مئات الانفاق وسيلتها ليست الى مقاومة الحصار الاسرائيلي وإنما ايضا الى الانفتاح على سوق السلاح الليبي، والتحالف مع جماعات القاعدة باسمائها المختلفة، وكان وجودها في الاضطراب الداخلي المصري ظاهرا، الامر الذي اعطى الليبراليين والقوميين والناصريين فرصة صنع قصص عن انغماس حماس وحزب الله اللبناني في عمليات اقلها تحطيم ابواب السجون المصرية خارج القاهرة، ونموذجها سجن القطارة، واخراج قادة الاخوان ومنهم محمد مرسي، واخراج آلاف السجناء الذين يمكن تسميتهم بالبلطجية في حال قبلنا نظرية تجنيد بعضهم من قبل مؤيدي نظام مبارك.

-حماس تجد نفسها الان محاصرة فعلا من النظام المصري الجديد، الذي اغلق الانفاق واغلق معبر رفح، ومحاصرة بتشفي جماعة فتح وبقية الفصائل في الضفة الغربية، ووجدت، وهذا الاهم، ان مشروع وحدة العمل الفلسطيني اصبح بعيدا الى حد كبير.

-لماذا يجب على حركة التحرر الفلسطيني ان تدخل صراعات اقليمية ليست مدعوة لها؟ لماذا تأخذ هذا الجانب او ذاك مع ان هناك اجماعا مطلقا على قدسية القضية، وواجب مساندتها؟

-أن يتسلى اردنيون او لبنانيون او كويتيون او جزائريون، بالانحيازات النظرية لهذا الفريق او ذاك، لاخوان مصر او لمعارضيهم، للثورة السورية او لبشار الاسد، فذلك جائز مع التحفظ، لكن الانحياز الفلسطيني قاتل لانه لا يدخل في باب التسلية السياسية.
-الفلسطينيون يجب ان يكونوا اكبر من الخلافات لان لهم قضية تساوي وجودهم.


هل يمر “برافر”؟
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، قال ذات يوم “إذا أردت أن تميت قضية فشكّل لها لجنة” . هذه القاعدة الكيسنجرية معمول بها في المحافل الدولية، لا سيما حين يتعلّق الأمر ب “إسرائيل” وجرائمها بحق الفلسطينيين والعرب، وسرقتها أراضيهم وانتهاكاتها حقوق إنسانهم . وهي أيضاً قاعدة سارية المفعول في كثير من الدول المدمنة على وأد القضايا في تراب النسيان . لكن في “إسرائيل” تشكّل اللجان لشرعنة المخططات، وأحياناً لتقليم شجرة الصهيونية . هكذا يتم تشكيل لجنة بعد كل حرب، وأيضاً لإطلاق مشروع تهويدي أو استيطاني يراد له أن يخرج في زفّة مجللاً بطرحة سوداء من القوانين بنكهة الاحتلال .

في الشهر الأخير من سنة 2007 أعطى الكيان الصهيوني قوة دفع إضافية إلى مخطط تهويد النقب الفلسطيني المحتل العام ،1948 عندما شكّل “لجنة غولدبيرغ” تحت عنوان إعادة توطين بدو النقب الفلسطينيين . بعد سنة كاملة نفثت تلك الأفعى المسماة “لجنة” سمومها على شكل توصية بأن فلسطينيي النقب ليسوا مالكين لأرضهم . وبعد سنة أخرى شكّل الصهاينة لجنة ثانية حملت مسمّى “لجنة برافر” ومهمّتها تنفيذ توصيات اللجنة الأولى .

بعد سلسلة من الخطوات التي أراد لها الكيان أن ترتدي مساراً قانونياً، هو في الأساس والمبنى قانون الاحتلال، مرّر الصهاينة قبل أسبوعين مخطط “برافر” في “الكنيست” بالقراءة الأولى . أي أن مخطط الاستيلاء على أكثر من 850 ألف دونم من أراضي النقب، وتهجير زهاء أربعين ألف فلسطيني من بدو النقب واقتلاع نحو40 قرية، سيشهد تصعيداً نوعياً مغلّفاً بالشرعنة الباطلة، ومحاطاً بصمت دولي، بعضه تواطؤ، وبصمت عربي وإسلامي مخز ومعيب، بعضه إعلامي مشبوه، ووسط انقسام فلسطيني هو الترجمة الحقيقية لكلمة العار . في الجزء الأخير من مشوار تهويد النقب، خلال السنوات القليلة الماضية، هدمت “إسرائيل” قرية العراقيب في النقب ثلاثاً وخمسين مرة، ولم تعقد الجامعة العربية أي اجتماع ولا حتى على مستوى الطباخين . وحدهم أهل العراقيب وقليل من المتضامنين معهم، كانوا يعيدون بناء القرية على وقع مغادرة الغزاة المغتصبين أطراف القرية .

اليوم ينبغي أن تقول الجماهير الفلسطينية في الوطن والشتات كلمتها الواضحة والصريحة بعنوان “برافر لن يمر” . الدعوة إلى يوم الغضب صدرت من الفعاليات القيادية لفلسطينيي ال 48 . لكن، مع ضرورة الاستجابة الفلسطينية الواسعة للدعوة، من المهم تذكير الصامدين في أرضهم المحتلة العام ،48 أن عليهم وضع حد لمهزلة المشاركة في انتخابات “الكنيست” الذي يشرعن مخطط التهويد، حتى لا يكونوا جزءاً من الشرعنة والغطاء، أو يكونوا معبرين عن فضيحة . هذه المشاركة “في الكنيست” لم تفرز سوى نموذجين من القيادات، الأول صوت لا صدى له ولا جدوى، والثاني جسر خطر للتطبيع الصهيوني العربي وتغليفه بالفكر المسموم بالفتنة .

من الواضح أن “إسرائيل” لن يرفّ لها جفن وهي ترى الفلسطينيين والعرب يسبحون في بحر دم مسفوك بأيديهم، وهي لن تكترث لقوم ينخرهم الانقسام، بعضهم يرفعون صور أشباه زعامات تحاصرهم وتتودّد لأعدائهم ولم تنطق باسم قضيتهم، مرة واحدة . لذلك لا عجب أن تهدم “إسرائيل” العراقيب للمرة المئة، فيما العرب غارقون في فتنة أولى وثانية وثالثة ورابعة .

خطـأ فـادح ارتكبه أردوغان
صالح القلاب-الرأي الأردنية
لا تفسير إطلاقاً لغضبة رجب طيب أردوغان ،الغضنفرية وليس المضرية بالطبع، إلاَّ خوفه من أنْ يتغدى به عسكر تركيا «الأتاتوركيون» كما أفطر عسكر مصر ،الذين يبدو أنهم لا زالوا ناصريين رغم تقلبات زمن عمره أكثر من ثمانين عاماً، بزميله في الإخوان المسلمين محمد مرسي الذي ثبت أنه كان من المبكر جداً الزج به في هذه التجربة الصعبة حيث أن إمكاناته الشخصية لا تؤهله لهذا الموقع وحيث أن إمكانات «جماعته» رغم أن عمرها تجاوز الثمانين عاماً لا تزال غير قادرة على قيادة دولة معقدة التركيب كالدولة المصرية.

لقد أحسَّ رجب طيب أردوغان ،بعدما تدحرجت رؤوس «إخوانه» في مصر ،قبل أنْ تيْنع وقبل أن يحِن قطافها، أنَّ الدور بات دوره لا محالة وأنه سيُؤكل حتماً كما أُكل الثور الأبيض وبخاصة وقد ثبت خلال معركة ميدان «التقسيم» أنَّ هناك تذمراً من فرديته ونزعته «الديكتاتورية» قد إقترب من الثورة حتى داخل صفوف حزبه حزب العدالة والتنمية.

ثم وبلا أدنى شك أن أردوغان قد قرأ جيداً تاريخ الإنقلابات العسكرية في منطقتنا هذه ما دام أنه قارئ جيد وأنه يعرف معرفة أكيدة أنَّ الإنقلابيين العرب وأولهم حسني الزعيم في عام 1949 وثانيهم جمال عبد الناصر في عام 1952 قد إنتقلت إليهم عدوى إنقلاب مصطفى كمال «أتاتورك» في بدايات عشرينات القرن الماضي على خليفة المسلمين وعلى الخلافة الإسلامية وأنه بقي يحكم تركيا بالحديد والنار إلى أن توفي في العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1938 وترك وراءه جيشاً «إسبارطياً» لا يزال وفياً له ولطريقته في الحكم ولـ»إصلاحاته».

ولذلك فإن الواضح أن أردوغان ،الذي كان ظن عندما كان في ذروة نشوته السياسية بعد إنتزاع الإخوان المسلمين في مصر وفي تونس وقبل ذلك في غزة الحكم من أيدي المنافسين أنَّ عصراً طويلاً لـ»الإسلام السياسي» بات على بداية الطريق، قد أصيب بالإرتباك عندما رأى أن رؤوس «إخوانه» المصريين قد أينعت قبل أن يكملوا عامهم الأول وأن إنتفاضة ميدان «التقسيم» هي المؤشر على أنَّ الدور سيأتيه وسيأتي حزبه وأنَّ عسكر تركيا سيتأثرون بما فعله عسكر مصر كما تأثر عبد الناصر بإنقلاب حسني الزعيم وبإنقلاب مصطفى كمال (أتاتورك) الذي هو فاتحة الإنقلابات العسكرية التي ضربت دول هذه المنطقة وأسوأها إنقلاب معمر القذافي على السنوسيين في عام 1969 وإنقلاب حافظ الأسد على رفاقه في عام 1970 والإنقلابات الموريتانية المعروفة المتلاحقة.

وحقيقة أنه ما كان يجب على رجب طيب أردوغان أن يتخذ هذا الموقف الذي إتخذه وأن يضع نفسه في سفينة غارقة هي سفينة الإخوان المسلمين وأن يعادي ،بإتخاذه هذا الموقف مثله مثل راشد الغنوشي والشيخ يوسف القرضاوي وقادة دويلة غزة البائسة، تياراً عريضاً في هذه المنطقة وفي تركيا المترسخة «العلمانية» فيها حتى النخاع الشوكي.. لقد كان على رئيس الوزراء التركي أن يدرك أنَّ بلده قد أصبحت تحظى بهذه المكانة من قبل العرب كلهم ليس لأنه «إخواني» ولا لأنها أصبحت إخوانية ولكن لأنها بدأت تعود إلى فضائها العربي والشرق أوسطي بعدما أصابها الإعياء وهي تطارد سراب أنْ يقبلها الأوروبيون دولة أوروبية.

لقد كان على أردوغان ،قبل أن تستبد به سورَةُ الغضب هذه وقبل أنْ يبدأ القصف عشوائياً تحت ضغط حسابات أنَّ الدور أصبح دوره وأنه سيُؤكل لا محالة كما أُكل الثور الأبيض في مصر وأن الدوائر ستدور عليه كما دارت على محمد مرسي، أن يدرك أن التجربة التركية غير التجربة المصرية وأنَّ من مصلحة تركيا ومن مصلحة حزبه حزب العدالة والتنمية ومن مصلحته هو ألاَّ يضع نفسه في هذه السفينة الغارقة وأنْ يعادي كل الدول العربية المتأذية من الإخوان المسلمين وحقيقة أن كل الدول العربية شعوباً وأنظمة متأذية من الإخوان المسلمين ومن أساليبهم التي إن هي تليق بتنظيمات «المافيات» فإنها لا تليق بـ»جماعة» تنتدب نفسها لقيادة الأمة الإسلامية كلها إنْ في الحاضر وإنْ في المستقبل.
واشنطن تنقذ «إخوان» مصر... رغماً عنهم!
جورج سمعان-الحياة اللندنية
المرحلة الانتقالية الثانية التي تعيشها مصر هذه الأيام أشد خطورة من تلك الأولى التي بدأت إثر إطاحة الرئيس حسني مبارك. في هذه كانت الساحات والميادين تواجه عموماً وبدرجات متفاوتة المؤسسة العسكرية التي تولت إدارة الدولة. أما اليوم فالمواجهة بين كتلتين كبيرتين من المجتمع، ما يعني أن خيار الصدام لا يــــزال قائماً وأن الحرب الأهلية احتمـــال وارد، إذا أصر «الإخوان» على رفض كل مفاعيل ما يعدونه «انقلاباً» عسكرياً. وما حدث أمام دار الحرس الجمهوري عينة بسيطة مما يمكن أن يحدث إذا انزلقت «الجماعة» والقوى المتطرفة إلى مواجهة الجيش، أو خصومها في الخط الآخر.

لا يكفي بالطبع أن ينجح حازم الببلاوي في تقديم حكومة كفاءات ووجوه مقبولة في الداخل والخارج، ما لم تبد كل الأطراف ليونة وتتجه نحو شراكة حقيقية تبدأ بمشاركة الجميع في صياغة دستور يحظى بالإجماع، فإقامة العسكر في السلطة قد تدوم زمناً. وعندها تكون نتيجة «الثورتين» إعادة إنتاج النظام البائد إياه مع تبدل في الوجوه. وهو ما لا يريده الشباب الذين أطلقوا شرارة التحركين، بالأمس وقبل سنتين ونيف، ولحقت بهم الحركات والأحزاب والقوى التقليدية. لم يعد سهلاً أن يعود الجيش للهيمنة على إدارة الدولة. حتى الذين استنجدوا به لإطاحة الرئيس محمد مرسي ستمزقهم مستقبلاً الخلافات حيال دوره. فبالأمس القريب، إثر إطاحة الرئيس مبارك، كان صوت فريق واسع من هؤلاء هو الأعلى في دعوة المجلس العسكري إلى إخلاء ساحة الحكم والعودة إلى الثكنات.

الأولوية إذاً، هي العمل بشتى الطرق السياسية والاقتصادية لمنع انزلاق البلاد إلى الفوضى الأمنية أو ما يشبه الحرب الأهلية على النموذج الجزائري. فالحشود المتقابلة، من حركة «تمرد» و «الإخوان» وموقف المؤسسة العسكرية، تعمق الشرخ وتنذر بمزيد من الانقسام العمودي. أي أن المُلحّ هو أن تواصل الدول العربية التي قررت تقديم الدعم المالي إلى القاهرة، التدخل الفاعل من أجل تحقيق انفراج معيشي يعوض الفشل الاقتصادي لإدارة الرئيس مرسي. وهو ما يساعد على تحييد أسباب رئيسة تدفع الناس إلى الاعتراض والنقمة، وربما إلى الإنصات إلى دعوات قوى سياسية إسلامية متشددة تدعو إلى مواجهة الجيش. وهو ما يشجع أيضاً المؤسسات المالية الدولية على مد يد العون. ويتوقع بعد إعلان التشكيلة الحكومية أن يتحرك صندوق النقد الدولي لإحياء المحادثات التي كان باشرها مع الرئيس مرسي ورئيس حكومته هشام قنديل.

ولا شك في أن وجود الببلاوي على رأس الوزارة وإلى جانبه نائبه محمد البرادعي، وقبول الدكتور زياد بهاء الدين وشخصيات أخرى الانضمام إلى هذا التشكيل يشجعان هذه المؤسسات على استعجال تقديم الدعم المالي والاقتصادي والقروض المطلوبة.
معالجة التدهور الاقتصادي الذي كان وراء تفاقم الاعتراض على حكم الرئيس مرسي ومن يمثل ليست وحدها كافيةً لتوقع نجاح هذه المرحلة الانتقالية، خصوصاً مع إصرار «الإخوان» على رفض التعامل مع نتائج الحركة العسكرية وموجباتها وعلى إعادة الرئيس الثاني المخلوع. وإذا شارك معظم الأحزاب والقوى، خصوصاً «حزب النور» في الحكومة التي سيشكلها الببلاوي، فإن موقف «الجماعة» سيزداد ضعفاً. فهي تمثل أقل من عشرين في المئة من الكتلة الناخبة. لأن مثل هذه المشاركات يعني بوضوح إسباغ نوع من الشرعية الشعبية على الحركة التي قام بها الجيش، ويعوضه غياب الشرعية التي تفتقر إليها هذه الحركة بعد تعليق العمل بالدستور. كما أن شعور جمهورهم بالظلم ما دام أنهم يعتبرون ما حصل مجرد «انقلاب» على رئيس منتخب وشرعي، سيدفع ببعضهم إلى مزيد من التشدد والتطرف والكفر باللعبة السياسية والديموقراطية والتداول السلمي للسلطة. وقد يلجأ هؤلاء إلى ما لجأت إليه مجموعات متطرفة كثيرة في العهود الثلاثة السابقة، من عبدالناصر إلى السادات فمبارك. كما سيعزز موقف المتطرفين والإرهابيين الذين يقاتلون الجيش في سيناء ما لم تقض عليهم سريعاً حملته الواسعة لتطهير جبل حلال وغيره من المواقع.

لا جدال في أن ما حصل كان نتيجة طبيعية لفشل المرحلة الانتقالية السابقة التي حاولت «الجماعة» أن تستغلها حتى النهاية للسيطرة على كل مفاصل الدولة بمؤسساتها وإداراتها. بل لتطويع القضاء والإعلام وحتى الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية. وهذه كانت أكبر أخطائها. ألم يصل الوضع إلى حد دفع خصومها الذين كانوا ينادون بإقصاء العسكر أو المجلس العسكري عن الساحة السياسية إثر الثورة الأولى، إلى تحريض المؤسسة العسكرية على التدخل لإنقاذهم من سطوة «الإخوان»؟ لا شك في أن استجابة هذه المؤسسة للنداء بعدما أصم الرئيس مرسي أذنيه، تعد سابقة تشــبه ما كان يفعـــله العــسكر التركي طوال عقود بتدخله لإطاحة الحكومات المنتـــخبة وتعـــطيل الحياة السياسية والعـــمل بالدســـتور. لذلك، علــيها هي أيضاً أن تثبت فعلاً أنها لا تريد الانخراط في اللعبة السياسية، أي الحكم مباشرة أو مداورة. وأنها على اســـتعداد لإعادة السلطة إلى المدنيين إثر انتهاء المرحلة الانتقالية في نيسان (أبريل) المقبل بعد إنجاز الانتخابات النيابية والرئاسية.

لا ينكر أحد من المصريين أن الجيش لعب دوراً في إنجاح الثورة الأولى وإطاحة الرئيس مبارك. ثم في تسهيل إيصال «الإخوان» إلى السلطة. ولا حاجة هنا إلى ذكر المحطات والإجراءات والخطوات التي اتخذها وعبدت لهم طريق الوصول إلى سدة السلطة. يكفي أنه استعجل الانتخابات قبل أن تتوافر فرصة معقولة لشباب الساحات من أجل تنظيم أنفسهم أو تأطيرها في هياكل حزبية أو تيارات. ولا ينكر أحد اليوم أن هذا الجيش نفسه ساهم بالدور الكبير في إعطاء زخم لحركة «تمرد». وقد انطلقت من أعدادها المليونية التي ملأت الساحات والميادين من أجل الالتفاف على حكم «الإخوان» وتقويض كل ما بنوه. وقد أحسن رئيس الوزراء المكلف الببلاوي في عرضه لهم المشاركة في الحكومة الانتقالية لئلا يشعروا بأنهم سيتعرضون مرة أخرى للإقصاء، كما حدث بعد «ثورة 23 يوليو»، خصوصاً أن القضاء بدأ يطاردهم ملوحاً بالعصا القانونية، كأنما المطلوب دفعهم إلى جادة السياسة وإلا واجهوا الملاحقة.

لم تصب النكسة «الجماعة» وحدها. أصابت أيضاً الأميركيين الذين يدعون اليوم إلى إطلاق الرئيس مرسي. وهم يهدفون على الأرجح إلى بقاء الباب مفتوحاً مع «الإخوان» للمقايضة السياسية، لعلهم ينجحون في تصويب الخط الذي انتهجوه. لقد راهنت إدارة واشنطن عليهم وعلى الإسلام السياسي عموماً، حتى قبل حلول «الربيع العربي». ولا حاجة إلى ذكر اللقاءات التي كانت تعقد بين الطرفين أيام الرئيس مبارك، وعلى أثر أحداث 11 سبتمبر. وتعززت بعد التغيير الذي حصل في تونس ومصر وليبيا. ولا حاجة أيضاً إلى الكلام الكثير الذي قيـل وكتب عن «النموذج التركي»، وعن العلاقات الخاصة التي تربط بين «حزب العدالة والتنمية» والإدارة الأميركية الحالية خصوصاً التي اختار رئيسها أوباما في مطلع ولايته الأولى أن يوجـه رسالة إلى العالم الإسلامي من أنقرة.

من هنا، لا مبالغة في اعتبار ما حل بالتجربة الوليدة لـ «إخوان مصر» نكسة أيضاً للسياسة الأميركية. وهو ما ترجم إرباكاً وتريثاً في واشنطن. مرة في البحث عن التوصيف الملائم لما حصل. ومرة في البحث عن الموقف المفترض إعلانه. فمن جهة كان وصول مرسي إلى سدة الرئاسة عبر صناديق الاقتراع، ولكن من جهة أخرى مارس حزبه سياسة إقصاء لكل القوى التي تشكل أكثر من نصف الذين ترجموا اعتراضهم أخيراً في تظاهرات 30 حزيران (يونيو) الفائت. واستأثر بنص الدستور الجديد وما تبعه من قرارات وإجراءات بما يلائم أيديولوجيته ويخدم ديمومته في السلطة. علماً أن الدستور ليس نصاً تكتبه أكثرية ما في ظرف انتخابات معينة، بل هو وثيقة وعقد اجتماعي بين كل مكونات المجتمع أياً كان حجمها، ويعبر عن توافقها على هوية الدولة والمجتمع. وما كان على «الإخوان» التصرف به على أساس أنه وثيقة يخطها الفائز في الانتخابات. فلو كان الأمر كذلك لما كان هناك فرق بين البرامج السياسية للأحزاب والقوى والقوانين أو الدساتير!

انطلاقاً من هذا الواقع ليس أمام الإدارة الأميركية سوى إقناع «الجماعة» بشتى السبل بوجوب التخلي عن المواجهة. وبعد ذلك دفعها إلى إعادة قراءة أخطاء المرحلة السابقة، منذ نجاح ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011. وتأمل في أن توفر المرحلة الانتقالية بعض الوقت ليعيد «الإخوان» تقديم مقاربة جديدة لعملهم السياسي، بعيداً من فكرة التمكين والتسلط وإقصاء الآخرين بذريعة أن صناديق الاقتراع دفعتهم إلى صدارة المشهد السياسي. أي أن التذرع بالصناديق لم يعد سنداً كافياً لتوكيد الديموقراطية. وما حصل آخر الشهر الماضي في ميدان التحرير وفي ميادين مصر كلها خير دليل على أن لــلديــموقراطية وجوهاً أخرى وأدوات عدة.

ولا مبالغة في القول إن توجيه هذه الضربة إلى «إخوان» مصر، شعبياً أولاً وعسكرياً ثانياً، لم تشكل انتكاسة للإسلام السياسي في هذا البلد وحده. الاهتزاز شمل ويشمل كل الحركات المماثلة، من «تونس النهضة»، إلى «الجمهورية الإسلامية»، ومن «غزة حماس» و «حزب الله لبنان» إلى «تركيا أردوغان». وهو ما دل عليه رد فعل هؤلاء. لذلك، فإن ما ستؤول إليه التطورات في القاهرة سيترك آثاره الكبيرة وبصماته الواضحة على أوضاع الشرق الأوسط الكبير برمته... فهل تستطيع إدارة أوباما إعادة بعث الإسلام السياسي بالصيغة التي تشتهي؟ إن نجاحها في إنقاذ «إخوان مصر» رغماً عنهم هو التحدي والامتحان.
سوريا ... هل بدأت «الحرب الأهلية الثانية»؟
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
يبدو أن “سيناريو الحرب الأهلية” الذي حذرنا في مقالة نشرت في هذه الزاوية في الثاني من آذار الفائت، تحت عنوان “سوريا على عتبات حرب أهلية ثانية”، قد بدأ يشق طريقه إلى حيّز التنفيذ ... معارك في شمال سوريا بين مقاتلي “الجيش الحر” و”جبهة النصرة” من جهة، واشتباكات بين جماعات جهادية مصطرعة على لقب “الفئة الناجية” من جهة ثانية ... وانتفاضات متنقلة تقوم بها هيئات ومؤسسات مدنية وقوى معارضة، ضد محاولات “طلبنة” حلب وإدلب وغيرها من المناطق الخاضعة لنفوذ أكثر الجماعات الإسلامية تشدداً.
لم يكن ليخطر ببالنا، أن تندلع “حروب الإخوة الأعداء” مبكراً، وقبل الإطاحة بنظام “الطاغوت” كما درجت أدبيات هذه القوى على وصف نظام الأسد ... اعتقدنا مخطئين، أن الفصل الجديد من الحرب الأهلية ذات الطابع المذهبي، أو ما أسميناه بـ”الحرب الأهلية الثانية”، سيُفتتح بعد إغلاق الفصل الأول، وإتمام أهداف “الحرب الأهلية الأولى”، لكن يتضح أننا كنّا مخطئين في اعتقادنا وتقديرنا، وها هي التقارير من شمال سوريا، تعطي مؤشرات واضحة عن بدء حروب الإلغاء والتصفيات ومعارك السيطرة والنفوذ ... ليس قبل سقوط نظام الأسد فحسب، بل وفي ذروة النجاحات الميدانية التي يحققها جيشه على عدة جبهات، أهمها جبهة العاصمة وأطرافها، وجبهة حمص وأريافها.

جميع بذور الانقسام والاقتتال كامنة في صفوف المعارضات المسلحة ... وكل ما قيل وكتب عن جبهات متماسكة تقف كالبنيان المرصوص لتحقيق الهدف المشترك، بدا وهماً وسراباً، وتبدد “كالعهن المنفوش” ... وكل ما قيل ويقال عن “جند الله” و”الأيادي المتوضئة” و “هي لله”، لم يكن في واقع الحال، سوى هذرا وهذيانا، يخفيان خلفهما، أشد المصالح انتهازيةً وأكثر العقائد فساداً وأشد شهوات الطمع في السلطة والجاه والمال، وخدمة لأجندات لا صلة لها بالشعب السوري وقضية الحرية والديمقراطية والكرامة ... لهؤلاء أهدافهم وللشعب السوري أهدافه، وها هم يطلقون النار على صدور أبنائه المنتفضين في حلب، ضد الذل والجوع والتركيع و”الطلبنة” التي تمارسها أطراف رئيسة في المعارضة هذه المرة.

ويلعب “الخارج” دوراً مؤثراً في إذكاء هذه الصراعات وإشعال غرائز القتل والإلغاء والتعصب ... الذين أرادوا إسقاط نظام الأسد بأي ثمن، جاءوا بـ”الدب إلى كروم السوريين”، ومن أربع أرجاء الأرض ... ليس المهم، طالما أنهم محاربون أشداء ضد قوات النظام و”شبيحته” ... نسي هؤلاء أو تناسوا، أنهم بفعلتهم النكراء تلك إنما يقامرون براهن سوريا ومستقبل السوريين، بل ويجازفون بأمنها واستقرارها وخرائطها، وأن شظايا الحريق السوري، ستطال عباءاتهم وغرف نومهم ذات يوم، ليس بالبعيد.

في المقابل، وجد “بعض الغرب” فيما يجري في سوريا، سانحته للتخلص من أعباء “الحرب على الإرهاب” ... جمع الإرهابيين في ساحة واحدة، ومن ثم قام بتحريض النظام والمعارضة غير الأصولية، عليهم ... هو الفصل الأقل كلفة، في مسلسل الحرب على الإرهاب، الذي ترتفع أكلافه المالية والبشرية والسياسية والأخلاقية عاماً بعد آخر ... وها نحن نرى كيف أن “القاتل والقتيل” في حروب سوريا وحروب الآخرين عليها، يندرجان في خانة “المكاسب الصافية” لبعض الدوائر الغربية والإسرائيلية والعربية، من أسفٍ. وليس مستبعداً أبداً، وكما قلنا في هذه الزاوية في مناسبة أخرى، أن تغذّ الولايات المتحدة وحلفاؤها في “الناتو” الخطى لتنفيذ تدخل عسكري في سوريا في قادمات الأيام ... ولكن ضد الجهاديين هذه المرة، وليس ضد مراكز قيادة النظام وسيطرته وتحكمه وأسلحته ... وما الأخبار (القديمة نسبياً) التي نشرت عن تفكير أمريكي جدي، باستخدام الطائرات من دون طيار، ضد أهداف للقاعدة والجهاديين في سوريا، سوى “أول الرقص”.

هي الثورة المغدورة والمُختَطَفَة ... الثورة التي أكلت أبناءها قبل أن تتم مسيرتها وتستكمل مسارها ... هي لحظة الانعطاف في مسارات الأزمة السورية ... حيث “القمح يُصبُّ” صافياً في طاحونة النظام ... لا بفعل إنجازاته على الأرض ولا بفعل التطورات الإقليمية المواتية (قطر، تركيا وأخيرا مصر) فحسب، بل وبفعل التكوين “الهجين” للمعارضات المسلحة، واندراج قواها الضاربة في خانة “الجهاد العالمي” و”العمل الاستخباري الدولي”، وليس في سياق تلبية طموحات الشعب السوري وأحلامه.
كيمياء عبد الباري عطوان

صبحي حديدي-القدس العربي
‘القدس العربي’ ليست مجرّد صحيفة يومية، رغم أنها كذلك في تسعة أعشار المعايير المهنية المتفق عليها؛ وهي ليست محض منبر استثنائي، من حيث استقبال موشور تعددي من الآراء، خاصة تلك التي تدافع عن صنف ‘القضايا الخاسرة’ غالباً؛ كما أنها أكثر من حاضنة لمعارضات عربية يتيمة، أو ميتّمة بالأحرى، لأنّ الصحيفة لم تكن تتحزّب حتى في ذروة انحيازاتها المعلَنة. ‘القدس العربي’ ظاهرة، إعلامية وأخلاقية وسلوكية، بسبب من هذه الاعتبارات أوّلاً، في تقديري الشخصي؛ ولأنّ حصيلة كهذه اقتضت سلسلة من المواجهات والعواصف ومعارك البقاء، استولدت بدورها اعتبارات أخرى.

صنّاع البدايات الأبكر في هذه الصحيفة/ الظاهرة كانوا حفنة رجال ونساء، أقلّ من قبضة اليد الواحدة كما أجيز لنفسي القول؛ بعضهم ظهر في الواجهة على الفور، لأنّ مهامّه كانت تقتضي ذلك، وبعضهم الآخر بقي في موقع الجندي المجهول، لأنّ واجباته في الإنتاج استوجبت هذا الطراز من المشاركة. على رأس الفريق كان عبد الباري عطوان، رئيس التحرير منذ الانطلاقة الأولى، في نيسان (أبريل) 1989، وحتى 9 تموز (يوليو) الماضي؛ حين توجّب أن يستقيل، أو بالأحرى يُجبر على الاستقالة، افتداءً لاستمرار مؤسسة (متواضعة تماماً من حيث الإمكانيات المالية، ولكنها مع ذلك تعيل قرابة 50 أسرة)، وأملاً في مواصلة زخم الظاهرة.

ولعلّ الأيام سوف تتكفل بإزالة التحفظ ـ الاخلاقي أوّلاً، والسياسي ثانياً، وربما القانوني المحض ثالثاً ـ الذي أجبر عطوان على الامتناع عن ذكر ملابسات استقالته؛ الأمر الذي لا ينفي، البتة، حقّ كلّ مَن تعاون معه، رئيس تحرير أو زميلاً أو صديقاً، في برهة وفاء لرجل ظلّ عنوان ‘القدس العربي’ الأوّل؛ في منعطفات حاسمة كانت كفيلة بقلب تلك المعادلات، رأساً على عقب ربما. تلك الحال، السجالية بامتياز، كانت تسري على خطّ الصحيفة، بالمقارنة مع صحف ومنابر إعلامية عربية أخرى؛ وتنطبق على ذلك الخطّ كما تباين داخل الصحيفة ذاتها، بين رأي ورأي آخر، واتجاه ونقيضه.

ولعلّ الموقف من الانتفاضة السورية كان آخر تجليات ذلك السجال الداخلي، وأشدّها قدرة على الاستقطاب والفرز الحادّ إلى أسود أو أبيض، وبين أكثرها إسهاماً في إساءة الفهم لدى شرائح واسعة من قرّاء الصحيفة. افتتاحيات رئيس التحرير، بصفة خاصة، كانت المصدر الأبرز للتجاذب حول الملفّ السوري، وهذا أمر طبيعي تماماً، بالنظر إلى شعبية عطوان العارمة، أوّلاً؛ ولأنّ آراءه كانت، كذلك، تتوافق مع أمزجة قرّاء كثر، وليس البتة في المستوى ‘الشعبوي’ الذي يتذرع به خصوم الرجل عادة، كلما شاؤوا التقليل من موقعه الشعبي المكين.

بيد أنّ هذا كلّه لم يكن سوى التطوّر، الأحدث عهداً، في ‘كيمياء’ عتيقة حكمت على الدوام علاقة عطوان بقارئه، أو أحرى بي القول: جمهوره: أنه معارض شرس للسياسات الأمريكية، أينما كانت؛ ومناهض للتدخل الأجنبي، العسكري بصفة خاصة، في حياة الشعوب؛ ومنحاز للقضايا الخاسرة، حتى إذا انطوت تنميطاتها الشائعة على مجازفات قصوى؛ وملتزم بتسمية الأشياء بمسمياتها، كأن يكون الانقلاب انقلاباً، أوّلاً، قبل أن تُنسب له أية تسمية أخرى…

ومن جانبي، كمواطن سوري أكتب في ‘القدس العربي’ منذ 1990، كنت أقيم المعادلة السورية في خطّ الصحيفة التحريري على ثلاثة اعتبارات، أقرّ بأنها صمدت بدرجة من الاستقرار كانت عالية، وليست نسبية. الاعتبار الأوّل هو أنّ هذه الصحيفة هي المنبر الإعلامي العربي الوحيد ـ وأشدّد على المفردة، مجدداً: الوحيد ـ الذي فتح أعمدته، على وسعها، لنقد نظام حافظ الأسد، ثمّ وريثه بشار الأسد؛ حين كانت الغالبية الساحقة من الصحف والفضائيات في واحدة من منزلتين: إمّا ساكتة، كلياً، عن جرائم النظام المتعددة، داخلياً وعربياً وإقليمياً؛ أو مطبّلة له ومزمّرة، حاملة مباخر لشخوصه، من الأسد الأب إلى ابنه، هبوطاً إلى زبانيته. الاعتبار الثاني هو أنّ حجم الآراء المناهضة للنظام في الصحيفة، خاصة بعد انطلاق الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011، كان طاغياً بقوّة، ولا يتناسب أبداً مع حجم الآراء الموالية. أكثر من هذا، كان كتّاب الفئة الثانية لا يعلنون، أو لعلهم لم يتجاسروا على إبداء، أية صيغة مباشرة للموالاة؛ بل هم يقنّعون آراءهم بأقنعة الدفاع عن حسن نصر الله و’المقاومة’ و’الممانعة’، أو مناهضة التدخل الخارجي في سورية… وكأنّ أساطيل أمريكا والحلف الأطلسي تحاصر الشواطىء السورية!

الاعتبار الثالث يخصّ تلك ‘الكيمياء’ التي استخدمها رئيس التحرير، نفسه، في افتتاحياته عن الانتفاضة السورية: كان يصعب على سوريّ مثلي، أنا الذي أعارض نظام آل الأسد على صفحات ‘القدس العربي’ منذ 23 سنة، أن يتفق مع عطوان في بعض خلاصاته، خاصة حين يوحي بوضع النظام والمعارضة في كفة نقد واحدة؛ ولكن كان أصعب عليّ، بل ظل مسعى مستحيلاً ـ ليس دون بهجة شخصية، في هذا، والحقّ يُقال! ـ أن أجد له مفردة واحدة تتخفف من إدانة وحشية النظام ضدّ الشعب السوري، أو تبرر أياً من خياراته العنفية. وأمّا نقد المعارضة السورية، الخارجية تحديداً، فلعلّي كنت شخصياً أقسى عليها من عطوان، وأكثر منه ثباتاً على رصد أخطائها، وفضح مباذلها أيضاً.

هذا، إذاً، عمود أوّل في إنصاف صديق عزيز وكريم، يظلّ أيضاً على رأس صنّاع ظاهرة ‘القدس العربي’؛ ولن يكون العمود الأخير، بالطبع، ليس لأنّ صداقتنا تتجاوز الزمالة المهنية، فحسب؛ بل لأنّ المواعيد مع ‘أبو خالد’ مفتوحة ومديدة، حمّالة آلام وآمال، وبِنْت تاريخ يمرّ عليه الزمن، لا ريب، ولكن دون أن يمسّ فيه روحاً، أو يشوّه جوهراً.

العراق: خطر الحرب الاهلية
رأي القدس العربي
اصبح تردي الوضع الامني في العراق واقعا يوميا، فلا يكاد يمر يوم دون تفجيرات جديدة واستهداف مختلف شرائح المجتمع سواء السنّة او الشيعة، والتي يذهب ضحيتها العشرات يوميا معظمهم من المدنيين، خاصة عندما يتم استهداف ملاعب كرة قدم او اسواق تجارية ومقاه ومساجد ومجالس عزاء.

لا شك ان استفحال العقلية الطائفية للسياسيين، وحل الخلافات السياسية من خلال استبعاد او تصفية الخصوم اضافة الى عوامل اقليمية اخرى، اهمها الازمة السورية، ساهمت في تصعيد خطير للوضع الامني في العراق. وكان لاستمرار الازمة السياسية في الحكومة وغموض العملية الدستورية والديمقراطية دور كبير في شعور الطائفة السنية بالتهميش.

فازمة الحكومة التي بدأت اواخر عام 2011 وبدايات عام 2012 اثر اتهام نائب رئيس الوزراء طارق الهاشمي بالتورط بدعم الارهاب، واضطراره لمغادرة البلاد كرست الخلافات ليس بين رئاسة الوزراء والقائمة العراقية الوطنية التي ينتمي اليها الهاشمي، ولكن بين رئاسة الوزراء والطائفة السنية.

واضافة لازمة الوزارات الاربع الشاغرة اتسع نطاق المواجهة بعد رجوع وزير المالية رافع العيساوي لقاعدته القبلية، حيث قدم استقالته احتجاجا على سياسة الحكومة تجاه الاعتصامات وحقوق المشاركين بها، حيث تشهد محافظات السنة اعتصامات للمطالبة بتعديل قوانين مكافحة الارهاب التي اعتبرت انها استهدفتها. وقد فشل رئيس الوزراء بفتح حوارات مع المعتصمين وذلك لعدم عرضه خطة حقيقية. آخر المحاولات لترطيب الاجواء كان اللقاء في منزل رئيس المجلس الاعلى الاسلامي عمار الحكيم في بداية الشهر الماضي الذي جمع رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس البرلمان اسامة النجيفي ومجموعة من المسؤولين ورجال الدين من الطرفين السنة والشيعة، لكن ما زال مطلوبا الكثير من الجهود والمبادرات للبناء عليه وتطويره.

ما يطيل امد الازمة كذلك، الخلاف بين وجهاء القبائل السنة على قضية اعتبار محافظات السنة اقليما فيدراليا وفقا لما يسمح به الدستور. ويراهن المالكي على الازمة بصفوف وجهاء القبائل وصفوف المعتصمين، وعلى عامل الوقت للحفاظ على الوضع السياسي القائم. ولكن في نفس الوقت لم تستطع الحكومة العراقية تطبيق الحل الامني رغم ارتكاب عدة مجازر، وقد رافق ذلك زيادة التسليح واظهار الميليشيات في الجانبين.

هذه الصورة القاتمة، دفعت الامم المتحدة للتحذير من ان الانقسامات الطائفية تتعمق وتظهر في البلاد بطريقة اكثر خطورة من تلك التي كانت عليها عام 2007، واعربت المنظمة الدولية عن مخاوفها من حرب اهلية دامية، مضيفة الى الازمة الداخلية، ازمة سورية وعوامل اقليمية اخرى.
فكلما طال امد الازمة السورية سيزيد تأثيرها واحتمال تمددها وانعكاسها على الدول المجاورة لا سيما العراق، بسبب التداخل الجغرافي والتواصل العرقي. اكثر ما يفتقده العراق هو الارادة والنظام السياسي لبناء دولة لكل مواطنيها بعيدا عن الطائفية، فاذا استمر تصاعد العنف واستمر قتل المدنيين الابرياء، ستنشب الحرب الاهلية التي تصعب السيطرة عليها.

انقلاب 14 تموز الدموي في العراق ؟
داود البصري –الشرق القطرية
يمثل يوم 14 يوليو عام 1958 الأسود في التاريخ العراقي المعاصر، انعطافة دموية حادة، وحالة سوداوية وهمجية مغرقة في التخلف والعدمية واستحضار كل أدوات وروايات التاريخ المقرفة وصور الغدر التاريخية المتوحشة التي تناسلت وتكررت صيغها عبر تاريخ العراق الطويل والحافل بالمصائب والرزايا والكوارث، ففي ذلك اليوم الصيفي اللاهب والمشؤوم انطلقت كل نوازع الشر والعدوانية، وتجسدت ميدانيا كل صور الغدر والخديعة وتجاوز كل المحرمات السماوية والإنسانية بعد أن تحول ذلك اليوم ليكون يوما للرعاع والهمج بامتياز وتفردت أحداثه الدموية المؤسفة لتكون عنوانا لجميع العراقيين طيلة المراحل التاريخية التي أعقبت ذلك الحدث الجلل.

ففي فجر ذلك اليوم اللاهب قامت زمرة جبانة من المغامرين والموتورين والقتلة من ضباط الجيش العراقي بعملية انقلاب عسكري دموية ضد النظام الملكي الهاشمي والشرعية الدستورية والأسرة الهاشمية التي كان لها شرف تكوين وقيادة العراق بعد مرحلة الحرب الكونية الأولى، وقيام الشرق الأوسط بالشكل القائم حاليا، ولم تجر عملية الانقلاب وفقا للنموذج المصري (23 يوليو) حيث تمت محاصرة القصر الملكي وإجبار الملك الراحل فاروق على التخلي عن العرش ثم نفيه خارج مصر بكل احترام وتقدير!، بل كانت عملية إبادة جماعية شاملة، بعد أن أطلق العسكر رصاصات الغدر الأولى التي لم تجهز على مجمل أفراد الأسرة المالكة بمن فيهم الشهداء الملك فيصل الثاني أو الوصي الأمير عبدالإله بن علي أو جمعا من نسوة الأسرة وحتى الخدم الأبرياء! بل أجهزت على العراق بأسره وحيث دق مسامير الموت في نعشه منذ ذلك الحين، لقد رافقت عملية الغدر الخسيسة تلك مظاهر متوحشة تعبر عن انفلات الشارع العراقي وتمكن الوحشية والهمجية منه وهي الصفة التي لازمت كل تحولات الأوضاع العراقية منذ ذلك الانقلاب المشؤوم، لقد خسر العراق بذلك الانقلاب جمهرة من خيرة رجاله وقادته من صنف قادة التأسيس ورعاة النهضة والتقدم كان في طليعتهم الشهيد رئيس الوزراء ورمز من رموز العراق في العصر الحديث وهو السيد نوري السعيد باشا الذي اختلفت الآراء في شخصه وسياسته ومنهجه ولكن التاريخ يظل ينصفه ويصنفه ضمن خانة القادة العظام رغم أنه لا قبر له في أرض العراق التي خدمها وقدم لها الغالي والنفيس، والجميع يعلم أن للعراق والانقلابات العسكرية تاريخ حافل وموثق بسبب طبيعة بناء الدولة العراقية الذي ركز على دور المؤسسة العسكرية في المجتمع العراقي، فالقليل يعلم أن الجيش العراقي قد تأسس قبل تأسيس المملكة والدولة العراقية الحديثة، فالجيش قد تأسس يوم 6 يناير 1921، بينما تأسس العراق الحديث (المملكة الهاشمية العراقية) بقيادة الملك فيصل الأول بن الحسين يوم 23 أغسطس 1921؟ كما لعب الضباط العراقيون السابقون في الجيش العثماني والذين تحولوا لقيادة الطبقة الحاكمة في العراق دورا مركزيا في إقامة هياكل الدولة العراقية الجديدة وقتذاك والتي نفضت غبار قرون التخلف والاحتلال الطويل منذ سقوط بغداد على يد المغول عام 1258 وحتى قيام المملكة العراقية عام 1921! وفي واحدة من أشق عمليات بناء الدول، لقد تعرض العراق خلال العهد الملكي الذي استمر 37 عاما لعدة انقلابات عسكرية لم تكن تتسم بالدموية المفرطة كما كان حال انقلاب 1958، فأول انقلاب في العالم العربي كان مسرحه العراق وهو انقلاب الفريق بكر صدقي في أكتوبر 1936 ضد حكومة ياسين الهاشمي وفي عز صعود التيارات الفاشية والنازية في أوروبا وقد استمر لأقل من عام وانتهى بعد اغتيال قائده في صيف 1937، ثم كان انقلاب ما عرف بالمربع الذهبي وهم جمهرة الضباط المتأثرين بالدعاية النازية في صيف 1941 والذي انتهى بكارثة الاحتلال البريطاني الثاني للعراق في يونيو 1941، واستمر الحال بين مد وجزر حتى دخول الشرق مرحلة الانقلابات العسكرية بعد سلسلة الانقلابات الثورية اعتبارا من انقلاب السوري حسني الزعيم وسلسلة الانقلابات التي أتبعته وصولا لانقلاب البكباشية في مصر عام 1952، ولكن انقلاب العراق لعام 1958 قد غلب الجميع في وحشيته ودمويته المفرطة كونه انقلابا استئصاليا وفاشيا ومعبرا عن أشد لحظات التاريخ العراقي وحشية وعدوانية وتطرفا، وكان قادة الانقلاب وهم كل من اللواء عبدالكريم قاسم والعقيد عبدالسلام عارف قد رسما طريق النهاية للعراق بخيانتهما وغدرهما لقسم الولاء للعرش، فعبد الكريم قاسم مثلا الذي مازالت جماعات موجودة في العراق حتى اليوم تنظر له بقدسية ومهابة وتعتبره بطلا وطنيا كان مسؤولا مسؤولية مباشرة عن كل الجرائم الشنيعة التي حدثت وعن تدمير العراق منهجيا رغم أن شعبيته المفترضة قد جاءت أصلا من تنفيذه لمشاريع شعبية كان النظام الملكي نفسه قد برمجها وهندسها وأعدها من خلال برنامج الإعمار والتنمية والذي لو استمر وترك العراق في طريق التطور الطبيعي لأصبح حاله اليوم مختلفا بالمرة عما نشاهده من صور فظيعة للتخلف والعدمية والهمجية والعودة لعصور الفتنة الكبرى وأفكارها المتخلفة والظلامية، لقد أبيدت العائلة المالكة بدم بارد ولم يحاسب أحد أبدا، بل انتقل العنف الأسود للشارع العراقي الذي شهد مهرجانات الجثث المسحولة وتنفيذ سيناريو الحرب الأهلية تحت غطاء الصراع السياسي، ثم استنزفت طاقات العراق وثرواته بسلسلة طويلة ولا تنتهي من محاولات الانقلاب المتكررة وحيث ذهب عبدالكريم قاسم بعد أربع سنوات ونصف من انقلابه الدموي صريعا على يد منافسيه من البعثيين والقوميين الذين أعدموه في الإذاعة ولم يتركوا له حتى قبرا بل أطمرت جثته في نهر ديالي! كما تسبب ذلك الانقلاب بانفلات الأوضاع الشعبية وبالثارات العشائرية وبإراقة الدماء في عمليات انتقام مستمرة لم تزل للأسف مستمرة ولو تحت شعارات وصيغ مختلفة... لقد كان الانقلاب الغادر والأشد سوداوية ودموية وإساءة لكل القيم والأعراف.. فرحمة الله على شهداء ذلك اليوم الأسود... وهاهم الانقلابيون يحصدون ثمن ما زرعوه في أرض العذاب والسواد بعد أن تمكنت جماعات التخلف والعمالة المتخلفة من مصادرة العراق وشعبه.. ولا حول ولاقوة إلا بالله.