Haneen
2013-07-29, 10:20 AM
اقلام واراء عربي 461
28/7/2013
في هذا الملــــف:
الاقصى :التقسيم .. او الهدم
رشيد حسن – الدستور الأردنية
"فرصة" كيري
هاشم عبدالعزيز – دار الخليج الإماراتية
سياسة تقطيع الوقت وتقطيع الأرض
علي جرادات - دار الخليج الإماراتية
فلسطينية «حماس» أهم من إخوانيتها
نواف ابو الهيجاء –السفير اللبنانية
حماس إذ تختزل «القضية».. في ذاتها ولذاتها!!
محمد خروب – الرأي الأردنية
ظهر الاردن المكشوف
ماهر ابو طير – الدستور الأردنية
همام سعيد وإمارة البقعة الإسلامية؟
مهند مبيضين – الدستور الأردنية
الإخوان..أشكال من الرهان
سلطان الحطاب - الرأي الأردنية
للأسف.. هؤلاء يعشقون الدم!
حسين الرواشدة – الدستور الأردنية
لا تفويض شعبيا أو دينيا يبرر القتل!
باتر محمد علي وردم– الدستور الأردنية
ماذا بعد الخروج والتفويض؟
حسن نافعة –المصري اليوم
مصر والتهور التركي مرة أخرى!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
هروب «القاعدة» إلى سوريا
فايز سارة – الشرق الأوسط
هل فشل الربيع العربي؟
عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط
الاقصى :التقسيم .. او الهدم
رشيد حسن – الدستور الأردنية
كشف خطيب المسجد الاقصى المبارك الشيخ محمد سليم في خطبته يوم امس الاول “الجمعة”عن استفتاء اجراه العدو الصهيوني، حول أفضل السبل للاستيلاء على المسجد وتهويده.
نتائج هذا الاستفتاء الخطير كما يقول الشيخ سليم “الدستور 27الجاري” جاءت من قبل الاسرائيلين ، بين مؤيد لتقسيم الأقصى بين المسلمين واليهود تقسيما زمانيا ومكانيا، والرأي الآخرهو هدم المسجد لبناء الهيكبل المزعوم.
هذا الاستفتاء يعتبر تطورا خطيرا، في مسار العدوان الممنهج على الاقصى والقدس، فهو يؤكد أن العدو بدأ فعلا في تنفيذ مخططاته العنصرية التهويدية، مستغلا الحالة الفلسطينية البائسة، والعربية العاجزة ، والمستجدات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة، وخاصة الازمة المصرية التي تشغل العالم كله لدور مصر وموقعها، وتأثيراتها على دول الجوار وخاصة العدو الصهيوني، وقد اصبحت بالفعل محل اهتمام العواصم العربية والعالمية، وطغت على ما عداها من احداث ... بما فيها الازمة السورية التي تراجعت واصبحت حربا منسية ان جاز التعبير، وهو ما دفع العدو الى استغلال الغفلة العربية عن فلسطين والافصى ، والبدء فعليا في تنفيذ مشاريعه العدوانية، محاولا الوقوف على رأي الشارع الاسرائيلي.
لن نقوم بتكرار مفردات الاستغاثة بالاشقاء العرب والمسلمين، فلقد اثبتت خطورة الاحداث انهم غائبون أومغيبون، وقد حلت بهم لعنة “داحس والغبراء” فاصبحت الخلافات العربية –العربية ،هي الثابت الوحيد في حياتهم، في حين تراجعت الثوابت العربية –الاسلامية، والتي لها الفضل في حماية الامة، والذود عن مصالحها، وتحرير اوطانها.
ان من يرفض التبرع للقدس ولدعم صمود اهلها في وجه العدو الصهيوني، كما قررت قمتا سرت والدوحة، لن تستثيره اي كلمات أو عبارات مهما كانت عاطفية، لأنه خرج من جلده، وغير دمه فلم يعد عربيا ولا مسلما، وتيبست مشاعره وعواطفه فهو كالحجارة، أو أشد منها قسوة .
ان من يحمي القدس ويذود عن الاقصى هم اهلها المرابطون في بيت المقدس واكناف بيت المقدس .. في الجليل والمثلث والنقب وفي كل شبر من فلسطين.. فشهيدهم بسبعين شهيدا، كما يقول سيدنا ورسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذين توافدواعلى الصلاة فيه ولم يتقاعسوا رغم اجراءات العدو التعسفية، وحواجزه العسكرية الفاشية، حتى ملؤوا ساحات الحرم ، وشوارع المدينة القديمة، وكل ركن من اركانها، يستنشقون عبق التاريخ ، ويتذكرون رحلة الاسراء والمعراج ، وصلاة سيد البشرية في الانيياء في هذا المسجد، وعهد الفاروق وهو يستلم المدينة من البطريرك صفرونيوس “بان لا يسكنها يهود”.. وقد تجاوز عددهم “300”
الف مصل ومصلية، مبايعين الاقصى على الصمود والتصدي بصدورهم العارية لقتلة الانبياء .
هذه الجماهير التي زحفت لحماية الاقصى اكثر من مرة، وتصدت لجنود جيش العدو، ولرعاع المستوطنين بقبضاتها الفولاذية، وصدورها العامرة بالايمان، هي القادرة على افشتال المؤامرة .. ولجم العدوان، وقد اثبتوا انهم الامناء الاوفياء لاولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
باختصار... الاستفتاء الخطير الذي كشف عنه خطيب الاقصى حول افضل السبل لتهويد الاقصى، يستدعي من اهلنا الصامدين في الاقصى واكناف الاقصى، ان يجذروا صمودهم، ويضاعفوا من حضورهم في المسجد، وان لا ينتظروا العون والمدد من احد الا الله، بعد ان بات الاشقاء اسرى احقاد داحس والغبراء.. يدورون في فلك واشنطن حليف العدو ولا حول ولا قوة الا بالله.
"فرصة" كيري
هاشم عبدالعزيز – دار الخليج الإماراتية
بحسب إعلانه، أنجز وزير الخارجية الأمريكية جون كيري اتفاقاً “مبدئياً” بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” في شأن “إطلاق مفاوضات الوضع النهائي” بين الطرفين .
جاء الإعلان بعد ست جولات مكوكية كانت أيامها في الشرق الأوسط ماراثونية من لقاءات وإعادة لقاءات واتصالات ومشاورات، ودار كيري في جولتيه الخامسة والسادسة من دون توقف ما بين تل أبيب والعاصمة الأردنية، وأخيراً كانت زيارته لرام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعدها جاء إعلانه تلك النتيجة .
في النظرة العامة حقق كيري اختراقاً في جدار العزلة الذي وضع نهاية للمفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية”، والناجم عن السياسة الصهيونية، وفي الأبرز تلك المتواصلة تجاه تهويد القدس والمندفعة بالمشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية .
وبحساب ما حدث إنجازاً، كانت ردود الفعل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي باتجاه الترحيب الحار بالاتفاق المبدئي على استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، مشيدة ب”شجاعة” الطرفين وبجهود وزير الخارجية الأمريكية .
ما كان لافتاً أن كيري لم ينجز اتفاقاً على هذا النحو بين طرفين متنافرين وحسب بل إن كل طرف واقع في حال انقسام في ذاته في شأن عودة المفاوضات .
هنا التساؤل: هل كان إعلان الاتفاق ثمرة لجهود كيري التي بذلها على نحو غير مسبوق من المثابرة الأمريكية، أم تعود إلى ما كان- وما زال- يتردد عن خبرة كيري في شأن هذه المنطقة بأطرافها وأزمتها؟
قد لا يكون هذا مهماً الآن، لأن الأهم هو طبيعة الاتفاق الذي على إثره جاء الإعلان عن الموافقة المبدئية في شأن “إطلاق مفاوضات الوضع النهائي”، وما حقيقة ما جرى لإطلاق هذا “التخريج الغامض” والذي زادت الحيرة في شأنه بإعلان كيري ذاته أن “أفضل سبيل لإعطاء هذه المفاوضات فرصة هو الحفاظ على سريتها” .
إذ كيف يستقيم هذا التعامل “السري” و”الخفي” في شأن مفاوضات تجري حول الوضع النهائي المعلومة قضاياه، إلا في حالة أن تكون الإدارة الأمريكية رمت بثقلها لإنجاز هذه النتيجة، لا لمواجهة أزمة الشرق الأوسط بل لما يرتبط بالسياسة الأمريكية في هذه المنطقة، وهنا محاذير جعجعة كيري عن السلام بالكلام وليس بالأعمال الجادة والصحيحة والسليمة والأكيدة .
المحذور على هذا النحو لا يعود إلى دوافع تشاؤمية ولا إلى مجرد عمى لا يرى في الدور الأمريكي ما قد يكون من جوانب إيجابية، بل إلى أسباب حقيقية .
بداية، الدور الأمريكي تكرس على هذا النحو غير المسبوق بهدف إعادة جمع الطرفين إلى المفاوضات، وقد يرى البعض أن هذه بداية لإعادة تحريك عملية التسوية السلمية، لكن العودة إلى المفاوضات في ظل ما وصلت إليه الأوضاع دونما تدخل دولي فعال هي أقرب إلى محاولة أمريكية لإعادة شراء الوقت، ومترتبات هذه العملية كانت كارثية على الفلسطينيين أدارها الأمريكيون منذ استفرادهم في شأن هذه الأزمة وشؤون هذه المنطقة، وأصدق تجلياتها الواضحة ما بات عليه الاستيطان المندفع بمشاريعه في الأراضي الفلسطينية .
وربما تكون مفيدة الإشارة إلى أن الصين حين تحركت واستقبلت رئيس الوزراء الصهيوني والرئيس الفلسطيني كلاً على حدة أكدت أهمية العودة إلى المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، والموقف ذاته كان أعلنه المبعوث الروسي الذي تزامن وجوده في المنطقة وتحرك وزير الخارجية الأمريكية، حيث تمنى نجاح الجهود الأمريكية في عودة المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية .
هذا التأكيد يعني التحذير من عملية أو بالأصح “طبخة” خارج إطار هذه الشرعية ومضمونها .
وهنا التساؤل عن حقيقة الدور الأمريكي؟
بدءاً لا بد من التذكير بأن وزير الخارجية الأمريكية كان أعلن في ختام جولته الخامسة عن “حاجته” إلى “فرصة”، والفرصة التي أرادها موافقة الطرفين العودة للمفاوضات، وهذا تحقق بإعلان موافقة الطرفين المبدئية .
ما جرى أن الطرفين لم يتبادلا رسائل ولو غير مباشرة، ولا تخلى أي منهما عن شروطه ومواقفه، لكنهما تشاركا في موافقتهما المبدئية إعطاء كيري الفرصة التي طلبها بل ورجاها .
في هذا الوضع تستعيد الولايات المتحدة فعالية إداراتها لهذه الأزمة، والمستجد أن الإدارة الأمريكية ستدفع لإنجاز مبني على التعديل لمبادرة السلام العربية في شأن تبادل الأراضي، وبعد ذلك تدخل هذه القضية متاهة المفاوضات حول الكتل الاستيطانية .
ودونما مبالغة يمكن القول إن القضية الفلسطينية تواجه الآن واحدة من أفدح المخاطر والتي تتمثل بالتوجه الأمريكي لإضفاء طابع المشروعية على الاستيطان وهذا ما يتنافى والقرارات والمواثيق الدولية .
حماس الأمريكيين يعود لاعتقادهم أن الوضع الفلسطيني والعربي مناسب، لتتويج سياسة تطويع الموقف العربي عامة والفلسطيني خاصة لواقع الاحتلال، بوضع نهاية للقضية الفلسطينية، لكن ليس في حلها بل بتصفية هذه القضية . الاحتلال لا ينتهي والاستيطان لا يزول، والعودة إلى الأرض والديار مرفوضة، وقيام الدولة الفلسطينية غير ممكن إلا بالشروط والمقاييس والمعايير الصهيونية .
الفلسطينيون لا يرون استغراباً في هذه التوجهات، فهم على قناعة راسخة أن قضايا الشعوب حية لا تموت ولا تقررها القوى الاستعمارية .
سياسة تقطيع الوقت وتقطيع الأرض
علي جرادات - دار الخليج الإماراتية
بإبرام اتفاق أوسلو والتفاوض على أساسه، خاصة بعد انسداد أفقه، ارتكبت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أخطاء كثيرة، من بينها أخطاء منهجية، لعل أهمها: قبول التفاوض مع استمرار اجراءات الاستيطان والتهويد، والاعتراف بوجود وأمن “إسرائيل” غير محددة الحدود، والتسليم برعاية الولايات المتحدة للمفاوضات، حتى بعد ثبوت عدائها للقضية والحقوق الفلسطينية . في مايو/أيار 1999 انتهى العمر الزمني لاتفاق أوسلو إلى طريق مسدود . وبانتفاضة سبتمبر/ايلول 2000 تجاوز الشعب الفلسطيني-ميدانيا- تعاقد أوسلو، لكن الإدارة السياسية للصراع مع الاحتلال لم يطرأ عليها تغيير حتى سبتمبر ،2012 عندما تم تجاوز الرعاية الأمريكية للمفاوضات، حيث تقدمت قيادة منظمة التحرير إلى مجلس الأمن بطلب الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الأمم . لكن الولايات المتحدة أحبطت هذا الطلب وأفشلت إمكان حصوله على الأصوات اللازمة للتصويت عليه . وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حصلت فلسطين على مكانة “دولة غير عضو” في هيئة الأمم بقرار من الجمعية العامة التي، خلافاً لمجلس الأمن، لا حق للفيتو فيها . حظيت هذه الخطوة/ النجاح بتأييد شعبي وسياسي فصائلي واسع دعا إلى استكمالها بالانضمام إلى تشكيلات هيئة الأمم التخصصية، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية . لكن قيادة منظمة التحرير استجابت لضغوط إدارة أوباما ووعودها وقدمت تنازل التراجع عن تجاوز رعاية الولايات المتحدة واحتكارها لملف الصراع . وترافق هذا التنازل مع انتهاك بنود “مبادرة السلام العربية”، حيث استجاب وفد وزاري عربي للضغوط والوعود الأمريكية ذاتها، وقدم باسم جامعة الدول العربية تنازل الموافقة على “تبادل الأراضي” لقاء وعود إدارة أوباما بالعمل على تليين موقف حكومة نتنياهو تجاه المطالب الفلسطينية، (كما حددها المجلس المركزي لمنظمة التحرير)، لاستئناف المفاوضات، وهي: الإقرار بحدود العام 1967 مرجعية للمفاوضات، ووقف إجراءات الاستيطان والتهويد، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وفي مقدمتهم أسرى ما قبل اتفاق أوسلو . لكن-كالعادة- وظفت حكومة نتنياهو هذيْن التنازلين المتسرعين المجانيين لانتزاع المزيد من التنازلات لقاء موافقتها على استئناف المفاوضات، بينما تملصت إدارة أوباما من وعودها، بل، وضغطت على قيادة منظمة التحرير وأجبرتها بحيلة تفهمها للمطالب الفلسطينية على قبول استئناف المفاوضات “دون شروط مسبقة” كما طالبت، ولا تزال تعلن، صراحة حكومة نتنياهو . ماذا يعني هذا الكلام؟
موافقة قيادة منظمة التحرير على استئناف المفاوضات دون قبول حكومة نتنياهو بمطالب الإجماع الوطني الفلسطيني المعلنة التي قوضتها الحيلة الأمريكية، هي في المحصلة، (بمعزل عن شكلها وتخريجتها)، موافقة على تكرار الأخطاء المنهجية ذاتها، وعلى إعادة تجريب المجرب الذي لم يفضِ سابقاً، ولن يفضي اليوم، إلا إلى تعميق المأزق الفلسطيني متعدد الأبعاد، داخلياً: تكريس انقسامات متعددة الأوجه، وخارجياً: تكريس العجز السياسي في إدارة الصراع مع الاحتلال . إذ حتى لو جاءت هذه الموافقة وفق تخريجة مطالبة إدارة أوباما تقديم صيغتها الملتبسة، بل حيلتها، مكتوبة، فإن النتيجة تبقى هي ذاتها، أي الذهاب للتفاوض كغاية في حد ذاته . وكذا، حتى لو جاءت هذه الموافقة بدعوى تقطيع الوقت، أي “مشاغلة” إدارة أوباما لتجنب تحمل مسؤولية إفشال جهود استئناف المفاوضات، فإن في هذا تناسياً لحقيقة أن سياسة تقطيع الوقت تصبح إضاعة للوقت والجهد طالما أنها ليست جزءاً من خطة تملك خياراً بديلاً عن الفشل المحتوم لهذه الجولة من المفاوضات . هذا ناهيك عن أن سياسة تقطيع الوقت تساوي- عملياً- فرصة مفتوحة لتقطيع الأرض وتعميق احتلالها بالاستيطان والتهويد، ما يجعلها تأجيلاً لاستحقاق لا مفر منه، جوهره: التجرؤ على خطوة تخليص ملف القضية الفلسطينية من قبضة الرعاية الأمريكية المعادية، ونقله بالكامل إلى رعاية هيئة الأمم، إطاراً ومرجعية وقرارات، وذلك عبر إخراج الحق في الانضمام إلى تشكيلات هيئة الأمم التخصصية من دائرة التلويح الاستخدامي إلى دائرة الفعل السياسي . أما لماذا لا مفر من ذلك؟
حكومة نتنياهو، ككل حكومات “إسرائيل” منذ مؤتمر مدريد، ،1991 لا ترفض المفاوضات، لكنها تريدها غاية في حد ذاتها، و”دون شروط مسبقة”، وخارج مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة، ودون وقف كلي وشامل، ولا حتى جزئي ومحدود، لإجراءات الاستيطان والتهويد، ما يجعل مصير جولة التفاوض المزمعة كمصير ما سبقها من جولات، أي يجعل إمكان تمخضها عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ضرباً من الخيال، خاصة وأن لدى نتنياهو، كسابقيه من قادة “إسرائيل”، خطة مسبقة لإدارة المفاوضات وتوجيهها وفقاً لثوابت صهيونية راسخة، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف له مطالب وأهداف وحقوق وطنية وتاريخية تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية . هذا علاوة على أن حكومة نتنياهو هي-فعلاً- حكومة مستوطنين . فوفق آخر تقرير لحركة “السلام الآن” “الإسرائيلية”، “نفذت حكومة نتنياهو الحالية منذ بداية ولايتها في 18 مارس/آذار الماضي إقرار مخططات لبناء أكثر من 5000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات . . . . . . . وضربت رقماً قياسياً غير مسبوق بإصدارها هذا الكم الهائل من تصاريح البناء في المستوطنات خلال أربعة شهور . وأن هذه الوحدات السكنية الاستيطانية موجودة في مراحل مختلفة من إقرارها وأن بينها 1500 وحدة تقريباً حصلت على المصادقة النهائية من جانب وزير الحرب، موشيه يعالون، للبدء في بنائها” . وكل ذلك دون أن ننسى أن هذه الحكومة دفعت “الكنيست” لإقرار قانون مخطط برافر لتهويد نحو 80 ألف دونم من أراضي النقب، بما يذكر بمخطط كيننغ لتهويد الجليل في العام 1976 الذي فجر انتفاضة يوم الأرض المجيدة . وهذا كله تدعمه، بل ترعاه، بتحايل مكشوف، إدارة أوباما، ما يعني أنها ككل الإدارات الأمريكية السابقة، لا تريد- رغم قدرتها- الضغط على “إسرائيل” .
عليه، الموافقة الفلسطينية على استئناف المفاوضات بناء على صيغة أمريكية ملتبسة لن تفضي إلا إلى استمرار دوران العامل الوطني الفلسطيني في هامش خطة إدارة أوباما وحكومة نتنياهو للمنطقة وتحولاتها العاصفة . فالولايات المتحدة تفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته بغرض تثبيته، والحيلولة دون أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل تحولات المنطقة العاصفة والحراك الشعبي العربي الذي أعيد اعتباره في مصر في 30 يونيو الماضي، ما يعني تعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة، الأمر الذي لا يكون إلا باستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية وتوحيدها عبر مدخل إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها ومرجعيتها الجامعة، منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر .
فلسطينية «حماس» أهم من إخوانيتها
نواف ابو الهيجاء –السفير اللبنانية
هل تدخلت «حماس» في الشأن الداخلي المصري كما توجّه إليها الاتهامات؟ أي وهل حركة حماس لم تتوقف عند إبداء الرأي بما حدث في مصر يوم الثلاثين من حزيران الماضي فزجّت نفسها في الحدث مباشرة أم غير مباشرة؟ هل الذين ألقي القبض عليهم من الفلسطينيين في سيناء وهم يحملون السلاح من قطاع غزة مجرد أفراد يتصرفون من تلقاء أنفسهم؟
يمكن لنا أن نتفهّم دوافع الموقف الحمساوي من حدث الثلاثين من حزيران وذلك لأسباب أيديولوجية تربط بين «حماس» و«الاخوان»، لكونهم جميعاً ينتمون الى التنظيم العالمي لحركة «الاخوان المسلمين». لكن ذلك لا يعني أن يزج طرف فلسطيني، أياً كان هذا الطرف، الفلسطينيين في شأن داخلي لدولة عربية.
سياسة النأي بالنفس التي أقرتها المنظمات والفصائل الفلسطينية كافة تعني ألا يتدخل أي فصيل فلسطيني في الشأن الداخلي لأي بلد عربي. لقد دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة خلال الاحداث العربية في الكويت ولبنان والعراق والأردن، ويدفعون اليوم الثمن في سوريا. كما ان هناك محاولات دؤوبة للزج بالفلسطينيين في الشأن الداخلي في لبنان.
القيادات الفلسطينية أجمعت على ضرورة انتهاج سياسة النأي بالنفس في لبنان كما في مصر وفي سوريا. والقيادة الفلسطينية في رام الله أعلنت ذلك بوضوح، لكن ذلك على ما يبدو ليس كافياً للحد من الزج بالفلسطينيين في الشأن الداخلي العربي وبما يؤدي الى ان يدفع الفلسطينيون الثمن الباهظ للتدخلات، ولكن النتيجة واحدة وهي خسارة للقضية وللشعب الفلسطيني. فلسطين في حاجة ماسة الى الجهد العربي كله. و«حماس» كما غيرها من الحركات والتنظيمات الفلسطينية لا ينبغي أن تخسر هنا او هناك موقعاً عربياً مهما كان السبب. حماس خسرت سوريا حين لم تنأَ بنفسها عن الحدث الداخلي السوري وذهبت الى اصغر دولة عربية وهي قطر. وظنت «حماس» أن الوضع في مصر الاخوانية سيدوم وأنها ستجني الكثير من مصر الاخوانية. لكن أحداث الثلاثين من حزيران وخروج الملايين الى الشارع رفضاً لحكم «الاخوان» أكد من جديد أن «حماس» تخسر دولة عربية محورية أخرى عدا سورية. والطبيعي أن خسارة حماس هذه ستكون خسارة فلسطينية عامة وليست مجرد خسارة للحركة.
كان يمكن لـ«حماس» أن تحظى بالرعاية مثلها مثل كل فلسطين من لدن الحكم الجديد في مصر. ومصر دائماً فلسطينية الهوى والانتماء والقضية وهي لم تتخل عن القضية وفي أحرج الظروف والاوقات، بل ان مصر هي ايضا الرئة التي تتنفس منها غزة، فهل التدخل في الشأن المصري على النحو الذي يُقال عن «حماس» يصب في مجرى مصلحة الشعب الفلسطيني في القطاع؟ مَن سيدفع الثمن إن صحت الانباء الواردة من مصر عن دور «الاخوان» و«حماس» في احداث سجن النطرون اثناء ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011؟
كثير من ابناء الشعب الفلسطيني لا يريدون تصديق ما يُذاع من أخبار حول تدخل «حماس» في الشأن المصري. «حماس» في طريقها الى مراجعة سياساتها ومواقفها في ضوء قراءة تقول: إن الشعب الفلسطيني انتخب نواب «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لأنهم من حركة مقاومة مسلحة فلسطينية وليس لأنهم من جماعة «الاخوان»؟ هل تعيد حماس النظر لتنطلق من حقيقة كونها فصيلاً مقاوماً فلسطينياً قبل أي أمر آخر؟
حماس إذ تختزل «القضية».. في ذاتها ولذاتها!!
محمد خروب – الرأي الأردنية
حركة حماس في حال من الغضب يكاد يصل الى حال الهستيريا التي تستبد بها في هذه الايام والتي تتجلى في التصريحات النارية وغير المسبوقة في تهورها التي يدلي بها قياديون في الحركة من امثال غازي حمد وصلاح البردويل وخصوصا سامي ابو زهري، حيث الاخير خرج على المألوف وتخلى عن كل كياسة ورزانة سياسية وكأني به يطلق النار على رأسه دون ان يدري وبخاصة انه في تصريحه هذا يكاد ان يقطع «الشعرة» الاخيرة التي تربط الحركة بمصر (والتي لا يمكن اختزالها بحركة الاخوان المسلمين او شخص المرشد وحتى مندوبهم المعزول الذي جاء الى قصر الاتحادية بالصدفة).
سامي ابو زهري وصف في ما يشبه اليقين بل هو اليقين بعينه ان قرار الاتهام الذي وجه للرئيس المعزول محمد مرسي بالتخابر مع حماس «يؤكد» أن السلطة القائمة في مصر «تتنصل» من القضايا القومية وتتقاطع مع اطراف اخرى للاساءة اليها وفي مقدمتها قضية فلسطين(!!).
هكذا إذن قرر الناطق باسم حركة حماس، دون تفكير بعقابيل تصريح منفلت كهذا ليس في كونه اختزالاً للقضية الفلسطينية في ثوب حركة المقاومة التي تصف نفسها بالاسلامية، وانما ايضا في القول ان السلطة القائمة في مصر (لم يقل الانقلابية للمفارقة) تتقاطع مع اطراف اخرى (يكاد ان يقول مع اسرائيل) للاساءة الى القضايا القومية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
هل ثمة رعونة اكثر مما هي عليه تصريحات انفعالية وعصابية تعكس ارتباطا وشعورا دفينا بالخسارة وسذاجة الرهانات التي رمى قادة حركة حماس انفسهم (والقضية) فيها، بعد استداراتهم السريعة وغير المدروسة التي ظنوا انهم بذلك يحرقون المراحل ويرثون منظمة التحرير ويستحصلون على اعتماد اميركي كان حصل عليه اخوانهم في الحركة المصرية الام كما اخوان تونس وليبيا واليمن وسوريا ودائما برعاية وترويج وضمانة السلطان اردوغان في انقرة.
وحتى لا تبدو الأمور وكأنها حملة شيطنة لحماس وتَشَفٍّ بما آلت اليها اوضاعها بعد انهيار حكم الاخوان في مصر والتغييرات ذات المغزى في قطر، ناهيك عن «العواصف» التي يواجهها رجب طيب اردوغان (وهم الرعاة الثلاثة لحماس) والتي قد تطيحه او على الاقل تجعل منه بطة عرجاء، غير قادر على التأثير الجاد والعملي في مآلات الاحداث في المنطقة وخصوصا في مصر وسوريا اللهم إلاّ في اطلاق تصريحات نارية تعكس عمق ازمته اكثر ما تؤشر الى حكمة وبُعد نظر سياسي او دبلوماسي.. فإن من المهم هنا الاشارة الى ان احدا لا يصادر على حماس حقها في الدفاع عن نفسها والعمل على تقليل خسائرها الآخذة في التعاظم وشعورها بان احتمالات «خلعها» من قطاع غزة (كسلطة حاكمة) باتت اقرب اليوم من أي يوم مضى، كذلك من حقها ان تنتصر لـِ(اخوانها) في مصر الذين احتضنوا قيادتها واستقبلوهم بترحاب وقدّم اخوان غزة ومكتب الحركة السياسي، الولاء والطاعة، لكنه ليس من حق الحركة لا سياسيا ولا اخلاقيا ولا ميدانيا ولا حتى بمعايير موازين القوى الشعبية، ان تتحدث باسم الشعب الفلسطيني او تنصب نفسها وصية عليه وان تكتب له جدول اعماله او ان تجعل منه «ورقة» مساومة لتحسين شروط تفاوضها او للخروج من حال العزلة والحصار التي بدأت تفرض استحقاقاتها على الحركة وسلطتها في غزة، تماما كما ان ذلك ليس من حق حركة فتح التي هي الاخرى صاحبة «باع» طويل في تسخير القضية وارتهانها لخدمة مصالحها الضيقة وذات التاريخ الطويل في اخذ القضية الى مربعات ورهانات خطرة لا لشيء، إلاّ لانها اختطفت القضية واختزلتها في تنظيمها وما تراه قيادتها التي بدأت مشوار التفريط منذ البرنامج المرحلي في العام 1974 (برنامج النقاط العشر) وهو مشوار للاسف لم يتوقف، بدليل انه لم يُنْجِز شيئا لصالح القضية بل عرّضها للتصفية، رغم مرور اربعة عقود على تبنيه.
حماس تختزل القضية بل والشعب الفلسطيني في ذاتها ولذاتها، وتزعم انها تمثله وتنطق باسمه، وكأنه مجرد قطيع او رعايا في جلابيب ودشاديش قادتها وحلفائها الذين سقطوا او في طريقهم الى السقوط والانهيار تنظيميا ودورا، كذلك فتح كما سبق ان قلنا، لكن ما يثير الريبة في ما تنطوي عليه تصريحات قادة حماس (دعك من تصريحات قادة فتح المنتشون والمبتهجون والشامتون بحماس) هو ذهابهم بعيدا في استعداء واستفزاز (السلطة القائمة في مصر) والزعم انها (تتنصل) من القضية الفلسطينية وتواطؤ للاساءة اليها (كذا).
من يصدق ان عاقلا ووطنيا يمكنه ان «يرشق» مصر العظيمة بتهمة باطلة كهذه؟ ومن يصدق ان مصر (ايا كان حاكمها) يمكن ان تدير ظهرها لفلسطين وشعبها بما هي بوابة امنها القومي التي لا يمكن لأحد «نواطيرها» ان يفكر (بالغفو) اثناء نوبة الحراسة؟
وإذا كان كل ما يجري في مصر الان لا يعدو كونه رفضا شعبيا مصريا عارما لحكم الاخوان والتجربة المرة التي عاشها المصريون خلال عام واحد من حكم الاخوان بعد ان اختطفوا الثورة وحولوها الى مشروع للأخونة والتمكين، لم تكن حماس غائبة عنه بل قدمت الدعم المادي والمعنوي.. له، فلماذا صمتت حماس بعد ان شرع النظام «الاخواني» في تدمير الأنفاق وراحت تصريحات خجولة خصوصا من اسماعيل هنية ترضى بالامر الواقع وتقول: بديل التدمير هو فتح معبر رفح الحدودي في الاتجاهين؟
يُحْسِن قادة حماس صنعا لو انهم ابقوا ما يجري بينهم وبين (السلطة القائمة) في مصر في حدود العلاقة او الصلة بين التهم الموجه لمرسي، اما زج الشعب الفلسطيني وقضيته في صراع حزبي وفئوي وتنظيمي، فهو لن يسهم إلاّ في استعداء المزيد من المصريين على الشعب الفلسطيني واتساع منسوب الكراهية له على النحو الذي لا تخلو منه أي (ساحة) عربية حيث يشيطنون الفلسطينيين ويتمنوا لو «يفيقوا» ولا يجدوا «شيئاً» اسمه.. الشعب الفلسطيني!!
ظهر الاردن المكشوف
ماهر ابو طير – الدستور الأردنية
مؤلم جدا ما تعرض له الابرياء في مصر،في ميدان رابعة العدوية،من استهداف المدنيين الاسلاميين،ومقتل العشرات وجرح الآلاف،فوق ما جرى في الاسكندرية،وكأننا في حرب اهلية،حتى لا نبقى نتحدث عن احتمال اقتراب موعدها،فمقتل المصريين على يد المصريين كارثة كبرى،لا يقبلها الا كل خوان او شامت بلا ضمير او شرف.
هنا في الاردن لسنا بمعزل عن دول الجوار،وإذ تتأمل الجغرافيا،يتضح ان الاردن محاط من كل الجهات بطوق من الفوضى،والدمار،والاقتتال والاحتلالات،شمالا حرب اهلية سورية،وفوضى دموية،جنوبا،حرب اهلية وانزلاق للجيش في صراع سياسي دموي في مصر،غربا احتلال اسرائيلي بشع،ودماء لم تجف،واطلالة محتملة لمواجهات دموية،وشرقا يأتينا العراق ومذابحه وتفجيراته والصراع المذهبي واحتمالات التقسيم،وبقايا الاحتلال الامريكي،ويد ايران في كل زاوية وتحت كل حجر فيه.
البلد محاصر بشكل واضح،من كل اتجاهاته الجغرافية،ونصيب الاردن ان يقع بين اهم ثلاثة حاضنات عربية تاريخية عمرها الاف السنين،الشام وبغداد والقاهرة،وهذه حاضنات تتعرض لتدمير اقتصادي واجتماعي وسياسي،واعادة تعريف لمكوناتها بطريقة لا تخلو من الدم والثأرية والانتقام والكراهية،فلا تعرف كيف سيدير الاردن وجوده وسط هذا الحصارغير المسبوق،وكل هذه البلاءات في دول الجوار؟!.
تجنب صناعة الازمات امر مهم جدا،لمنع نقل الفوضى الى الاردن،وصناعة الازمات كارثة خطيرة على البلد،ولا يحتمل بنيان البلد اي صناعة لأزمات تحت اي عنوان سياسي او اقتصادي او اجتماعي،والمبالغة في توصيفات قوة الداخل الاردني،قد تأخذنا ذات لحظة الى مفاجآت سلبية،دون ان يعني ذلك وصف حالنا بالهشاشة المطلقة،برغم عدم غيابها كليا من جهة اخرى.
صناعة الازمات امر ممكن وسهل،والموضوع لا يخضع للفتوى ولا للتنظير،غير ان كل الاطراف السياسية في الاردن مطالبة بتجنب صناعة الازمات،فالحكومات اولا مطالبة بالتنبه الى هذا المناخ السلبي،وتنفيس كثير من الاحتقانات،وعدم الركون الى ذعر الاردنيين من فوضى الجوار للاستفراد بالمواطن هنا وتمرير القرارات الصعبة،او عدم الوقوف عند رغبات الناس من محاربة الفساد والا صلاح السياسي وغير ذلك،وهذا ركون انتحاري رأيناه في دول اخرى،ورأينا.. اين جر هذه الدول؟!.
ذات القاعدة تنطبق على الجماعات السياسية في الاردن،سواء جماعة الاخوان المسلمين او غيرها من جماعات وقوى تأثير ،وامام هذا المشهد الذي يعصف بدول الجوار وشعوبها،يصير محرما السعي لنقل ذات الفوضى الى الاردن،تحت عناوين محلية،او تحت وطأة الشعور بالظلم او الغبن،ولا يعقل ان تبقى وتيرة الحراكات وشكلها وشعاراتها ونمطيتها امر مشروعا،ما دمنا نرى انهيارات الجوار،وفي هذه اللحظة بالذات تتراجع المشروعية،امام الكلفة الاجمالية على البلد والناس،والتقليد هنا يصير اعمى،وبلا ضمير،خصوصا،عند محاولة شبك الجبهات ببعضها البعض،فلاعدالة في هذه الفكرة ابدا،فلماذا لا نكون احرارا وانقياء ووطنيين الا اذا نقلنا فوضى الجوار هنا،وشبكنا كل الجبهات وفتحناها على بعضها البعض،دون ان ننسى هنا ان حساسية الاردن وتركيبته الداخلية وتعريفاته العربية والدولية،وخاصرته القوية والضعيفة في آن واحدة،لا تحتمل ابدا التساهل امام شرعنة مبدأ فتح الجبهات على بعضها البعض.
تجنيب الاردن ازمات الاقليم،امر مهم جدا،وهو لا يقف عند حدود الكلام والقاء الخطابات،او الركون على ذعر الاردنيين المبثوث في عصبهم العام اذ يرون شعوبا ودولا عريقة تنهار على مرأى من عيونهم،بل لا بد ان تسعى المؤسسة السياسية الرسمية من جهة،وبقية القوى السياسية والحزبية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين،الى مراجعة كل المواقف،وكل الاتجاهات الشعبية،والمشهد الداخلي بكل تعقيداته وفواتيره،حتى لا نصل الى مرحلة نفقد فيها ما تبقى لدينا من مزايا، او نصحو على صدام تم انتاجه بفعل الاهمال واللامبالاة،او تم تصنيعه مع سبق الاصرار والترصد.
كي يبقى الاردن وسط هذا الاقليم الذي يغرق في الدم،فإن على كل الاطراف،ودون مناددة اومساواة مسبقة بين بعضها البعض،ان تتجنب الازمات،وتطفئ ماهو مشتعل منها،وان نتذكر ان ظهر الاردن القومي بات مكشوفا من اتجاهاته الاربعة،فلا ملاذ ولا مفر،سوى التوقف من حيث المبدأ عن محاولات اشعال النار،تليها ترتيب اوراق الداخل،وصونه رحمة بأهله وحياتهم.هل وصلت الرسالة الى من يعنيهم الامر خصوصا الاخوان المسلمون؟!!.
همام سعيد وإمارة البقعة الإسلامية؟
مهند مبيضين – الدستور الأردنية
محاولة يائسة تلك التي ذهب إليها الشيخ همام سعيد بدعوة الناس في حفل إفطار بمخيم البقعة للانحياز بين فسطاطين، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، وهذا جوهر ما ذهب إليه الفكر العقدي المتشدد والذي أنتج القاعدة وأخواتها، والشيخ لم يقف عند هذا الحدّ بل راح يقول أن ما هو موجود اليوم في مصر موجود في الأردن بقوله: «وأن الأمة الآن أمام فسطاطين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه , وأن ما يحدث في مصر الآن يحدث أيضا في الأردن..».
كلام الشيخ همام سعيد الذي قال فيه بوجوب استعادة الشعب لحكم نفسه في الأردن وردّ الأموال المنهوبة، والعمل على إصلاح النظام في بنيته بحيث يتمكن الشعب من ممارسة حرياته كاملة وأن يكون قرار الشعب بيد نفسه لا بيد غيره، لم يوضح معنى إصلاح النظام في بنيته، ولم يقل لنا معنى انتهاء هذا الشعار، وإن كانت الحركة تريد الانتقال لمرحلة أخرى.
ولا نعرف معنى أن يقول الشيخ بذلك القول دون تحديد لمنهج الإصلاح الذي يقول أنه كان يقصد إصلاح النظام، ثم نجده يتكئ على تاريخ الجماعة والمؤسس حسن البنا رحمه الله، مبتعدا عن منهجها الذي أُسست عليه في الإصلاح، وما قرره الشيخ البنا في المؤتمر الخامس للحركة والذي بين أن فكرة الإخوان المسلمين هي نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام، وشملت كل نواحي الإصلاح في الأمة، وهي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية. ولكن للأسف فشيوخ الإخوان اليوم لا يرون الجماعة كذلك، فقط يرونها وسيلة وقنطرة للغلبة على مصائر الناس والدول.
وحين نقرأ كلام الأصول الفكرية للتجربة الإخوانية، ولو تذكرنا رجالات الإخوان في مصر، لعرفنا البعد الذي يفصل بين رجال اليوم ورجال الأمس، ولنقرأ فقط مقدمة الإمام الشيخ حسن البنا التي سطرها لكتاب شيخ إخواني مجدد عاش كتابه معنا وبيننا حتى اليوم، ألا وهو الشيخ السيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة، والذي مثل تجديدا في الفقه، وهو كما يقول الشيخ السيد سابق في تمهيده للكتاب رد على خرافة القول بأن باب الاجتهاد قد أغلق، أما الإمام البنا فقال في مقدمته «إن أعظم القرابات إلى الله تبارك وتعالى، نشر الدعوة الإسلامية» فأين نحن اليوم من هذا القول؟.
نتمنى أن يكون في شيوخنا من الإخوان في الأردن أو مصر من هم بحجم اجتهاد الشيخ السيد سابق أو مصطفى السباعي او عبد القادر عودة أو سعيد حوى، لكن للأسف هناك اليوم منهم من يمتهنون السياسة والدين ويريدون استعادة الشريعة بأي ثمن ولو كان ذلك بالدم، وهم في الحقيقة لا يأبهون في الإصلاح، إلا بالقدر الذي يحقق لهم الغنائم.
لا أعرف أي إصلاح يريده الشيخ همام سعيد، والذي يحرض الناس فيه على النزول للشارع، وهو الذي كتب عن فتنة الأهواء والفرق، والذي يعي أي خطر يمكن أن يلم بالمجتمع لو انزلق للعنف، وهو العارف لخطر الفتنة، والمقدر لوجوب حفظ الأوطان؟ نتمنى أن نسمع منه كلاما جليا يعيده لمساره العلمي الذي قدمه خلال فترة انشغاله بالبحث، فخسارة كبرى أن يعرف الناس همام سعيد في مواقفه السياسية المريبة ولا يعرفوه من خلال جهده المعرفي الطيب، قبل أن تغويه السياسة وموقع المراقب العام!!.
الإخوان..أشكال من الرهان
سلطان الحطاب - الرأي الأردنية
هذه لحظات عصيبة على مصر، وهي في مخاض انتظرته طويلاً منذ هزيمة عبد الناصر في اليمن وعندها كان الانهيار لمشروع الدولة العربية القومية وهي الهزيمة التي توجتها هزيمة 1967 كما انها امتداد لهزيمة الدولة المصرية الحديثة التي انشأها محمد علي باشا وقضى عليها الغرب الغازي حين خرجت مصر من رحم التبعية العثمانية ليتناوب استعمارها الفرنسيون والانجليز..مصر الآن أمام خيارات صعبة، فإما أن تمضي خلف عسكرها الوطني لتبلور الدولة المدنية الحديثة التي تأخرت نصف قرن ولم تتمكن من اللحاق بتركيا وكوريا ودول أخرى بدأت معها النهوض حين تعثرت لعوامل عديدة وإما أن تعاود السقوط في يد الاخوان المسلمين الذين يمارسون الآن أقسى درجات الابتزاز للدولة المصرية منذ دحرهم الشارع في هبّة 30 يونيو حزيران 2013 التي خرجت لتصحيح مسار ثورة (25 يناير) حين قفز الإخوان على الثورة وأجهضوها وانقضوا على مفاصل الدولة وحاصروا الاخوان فكانت الأخونة هي الأولوية قبل بناء الدولة التعددية والاجابة على أسئلة الثورة العالقة..
كان على مرسي الذي ورث أزمات كبيرة من الفساد وسوء الادارة وسياسة الحزب الواحد أن يعالج هذه المشاكل لكل مصر وباسم مصر، فمصر كانت مكبلة باتفاقيات كامب ديفيد والهيمنة الأميركية التي افقدتها دورها التاريخي في الاقليم والمنطقة وأفقدتها كرامة شعبها بمواصلة اذلاله الوطني والقومي بالاستقواء عليها واستفزاز مشاعر المصريين بالحرب على غزة وامعان النظام (مبارك) في حدمة اسرائيل وأهدافها..
كان على مرسي أن يصدر الازمة باتجاه اسرائيل تحديداً طالما أنه كان منتخباً وتمتع باختيار الأغلبية المصرية التي يمكنها ان تجر كل النصف الآخر من المصريين لتأييده لو ذهب باتجاه انذار اسرائيل لفك الحصار عن غزة ووقف هيمنتها في سيناء وتحلل من اتفاقيات كامب ديفيد الظالمة ولكنه ولأسباب تتعلق بمحاولته كسب الأميركيين ومهادنة الاسرائيليين والتمسك بالحكم صدر الأزمة باتجاه أثيوبيا بخصوص مياه النيل وحرف بوصلة مصر التاريخية التي اعتبرت عبد الناصر رمزها رغم هزيمة عام 1967 في حين لم تقبل زعماء آخرين أضاعوا أهدافها في الصراع الوطني والقومي باتجاهاته الصحيحة.
لو أن مرسي منذ يومه الأول حدد بالضبط أصدقاء مصر (كلها) وأعداءها لما جرى الإطاحة به ولكان أشفى كرامة المصريين ولانه أخطأ وذهب يخدم الحزب (الاخوان) والمرشد والأخونة والعمل خارج الحدود لصالح الحزب السياسي وليس لصالح الدولة المصرية الوطنية ومجالها الحيوي وأهدافها ودورها المحوري.
سقط مرسي منذ أيامه الأولى لأنه لم يمسك بأهداف مصر ولم يحسن الحالة المصرية لا على مستوى الرغيف ولا على مستوى الكرامة..ولذا عبر السيسي من هذا الفراغ القاتل ليعيد لمصر شيئاً من شعاراتها وأهدافها وحلمها في دولة ديموقراطية وطنية مدنية مستقلة فهل تنجح؟..
أمام الاخوان السيناريوات التالية..إما أن يركبوا رؤوسهم ويستمروا في المعارضة ثم يسلحوها ويصادموا الجيش ويخوضوا حروباً ارهابية تدمرهم وتدمر مصر ومقدراتها..وإما أن يوافقوا على الحوار ويذهبوا إلى صناديق الاقتراع ويقبلون بالنتائج وإما أن ينسحبوا إلى صفوف المعارضة أو المشاركة..والمأمول أن يختاروا طريقاً يحفظ استقرار مصر لا ان يذهبوا باتجاه المزيد من الدمار..معرفتي بهم تجعلني أكثر تشاؤماً فهم طلاب سلطة انتظروها طويلاً وصدقت فيهم مقولات عبد الناصر..التي سأتحدث عنها غداً.
للأسف.. هؤلاء يعشقون الدم!
حسين الرواشدة – الدستور الأردنية
كنت فيما مضى قد نبهت الى خطورة “التعبئة” الحماسية التي تحملها بعض الاغاني الوطنية “المسلوقة” وقلت آنذاك بان اثارة العاطفة الوطنية تحت لافتة التحريض على “العنف” ودق العظام وطحن الخصوم واللعب “بالنار” ستدفع شبابنا الى “قبول” فكرة الكراهية وستشجعهم على ممارسة “العنف” وستعبئهم ضد خصوم واعداء “وهميين” ثم سرعان ما يوظفون هذا المخزون باتجاه انفسهم وبعضهم بعضا.
الآن، انتقلت هذه العدوى الى بعض حراكاتنا في الشارع، وقد صدمتني حقا هتافات سمعتها اخيرا في احدى المسيرات تردد: “يا فلان لا تهتم نحن نعشق الدم”، ومع انني لا اريد ان احمّل هؤلاء الشباب الذين دفعتهم الحماسة للدفاع عن زملائهم المسجونين اكثر مما تحتمله “حسن النوايا” وسوء “التعبير” الا انني انبه الى خطورة هذا الخطاب “الشعبي” كما نبهت سلفا الى خطورة الخطاب “الفني” فالخطابان وجهان لعملة واحدة تسربت اليها “لغة” العنف، وهما نتاجان لحالة سياسية واجتماعية وثقافية اخشى ان تترسخ في حياتنا العامة، وان تجد “قبولا” لدى شبابنا الذين وجدوا “الابواب” المشروعة امامهم مغلقة، فاندفعوا للدخول من الشبابيك المحرمة التي غفلنا عن اغلاقها سواء بقصد او بدون قصد.
لا يراودني شك بان خطاب العنف وممارساته التي تصاعدت في مجتمعنا ليست وليدة اللحظة وليست معزولة ايضا عن سياقات سياسية واجتماعية وثقافية ساهمنا جميعا في رعايتها و”صناعتها” وبالتالي فان الذين “يمارسونها” سواء أكانوا هؤلاء الشباب الذين قالوا بانهم “يعشقون الدم” او اولئك النخب الذين صرّحوا اكثر من مرة بأنهم “يفتدون زعماءهم بدمائهم وارواحهم” او كانوا ممن وقفوا امام “الميكروفونات” للتحريض والتقسيم بلغة عنيفة تفوح منها رائحة الكراهية او كانوا من “المسؤولين” الذين استمرأوا الخطابات النارية او لجأوا الى اتخاذ مقررات تزيد من اعباء الناس وتدفعهم الى “جدران” اليأس والعنف والانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم، كل الذي ذكرت سلفا وغيرهم مسؤولون عن انتاج “خطاب الدم” هذا الذي يفترض ان نرفضه ونحذر منه وندعو دائما الى “شطبه” من قواميسنا السياسية والشعبية.
اعرف –تماما- ان وراء سطوة مثل هذه “الثقافة” الحماسية المغشوشة اسباب عديدة، منها افتقادنا للقيم التي تبشر “بالحياة” والحرية والتي يمكن ان تجعل شبابنا يهتفون بأنهم “يعشقون الحرية” مثلا او “يعشقون الحياة الكريمة” او ان تجعل نخبنا السياسية تحمل خطاب “افتداء الوطن بالعمل والاخلاص والنظافة” او ان تجعل المسؤول في بلادنا يستشعر في مقرراته “طعم” الكرامة الوطنية وحق الناس في الحياة الكريمة..الخ، ومن الاسباب ايضا غياب “المشروع الوطني” القادر على استيعاب طاقات الناس واستثمارها وتوجيهها في اطار “البناء” لا الهدم، وفي اتجاه الحوار والتفاهم لا الاشتباك والصراع والعنف واستخدام لغة “الروح والدم” ومن الاسباب –ثالثا- غياب الرموز الوطنية الحقيقية التي تحمل للناس “قيم” التمسك بالنضال السلمي والزهد في المكاسب وتلهمهم الى كيفية انتزاع حقوقهم بالوسائل المشروعة لا باستخدام العنف او غيره.
اذا ما استثنينا “خطاب” المعركة مع الاعداء وضد العدوان، هذا يعتمد “التعبئة” والتجييش وتوظيفه رمزية “الفداء” بالروح والدم، فان اية صراعات سياسية داخل الوطن وبين ابنائه مهما كان نوعها او اية حراكات تطالب بانتزاع حقوقها لا يجوز ابدا ان تستلهم هذا الخطاب او ان تستخدمه لانها عندئذ تغامر “بمشروعيتها”، وتتنازل عن حقوقها وتفقد ثقة المجتمع بها، فالعنف والدم حتى وان كانا مجرد شعارات هما وصفة “للصدام” والخراب والدمار ومقدمة خطيرة تقود الجميع الى نتائح كارثية.
لا بأس ان نتعلم من تجارب الاخرين، فما نتابعه من فصول الانقسام في “الميادين” والحروب بين “الاخوة” والتصفيات بين “الخصوم” السياسيين في اكثر من مكان ليس سوى نتيجة لدعوات “المفاصلة” والاقصاء واستخدام خطاب “التلويح” بالافتداء بالارواح والدم، وراء ذلك كله للأسف “اعلام” فقد ضميره المهني ووضع نفسه في خدمة “مشروع” الكراهية والفتنة والتحريض وتعبئة المشاعر والغرائز، ليس ضد “العدو” المحتل وانما ضد ابناء الدين الواحد واللسان الواحد والهدف والمصير الواحد... يا خسارة.
لا تفويض شعبيا أو دينيا يبرر القتل!
باتر محمد علي وردم– الدستور الأردنية
حصل الفريق عبد الفتاح السيسي على التفويض الذي يريده وبطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العالم العربي. إذا كان كل الملايين الذين نزلوا إلى شوارع المدن المصرية فعلوا ذلك تلبية لدعوة السيسي فهذا يعني أنه يحظى بشعبية أكبر من عبد الناصر، لكن غالبيتهم نزلوا تحت أمل أن يتمكن الجيش من إعادة الحياة الآمنة والمستقرة إلى مصر والقدرة على النظر بتفاؤل إلى المستقبل.
في المقابل هنالك ملايين يدعمون الرئيس السابق إما نتيجة التزامهم التنظيمي مع الاخوان المسلمين أو لأسباب مبدئية لها علاقة بضرورة احترام نتائج وتبعات الانتخابات الديمقراطية وعدم وضع “شرعية الشارع” في مواجهة “شرعية الصندوق”. ما يحدث الآن في مصر من استقطاب سياسي وفكري رهيب يهدد ليس فقط مكتسبات الثورة المصرية بل قيم الدولة والتعايش الإنساني.
فجر يوم أمس سقط عشرات الضحايا في مناطق قريبة من ميدان رابعة العدوية. الروايات الإعلامية المسيسة تختلف إلى درجة التناقض التام ولكن الحقيقة هي أن عددا كبيرا من الناس تعرض للقتل وبطريقة بعيدة تماما عن قيم الإنسانية. في أحد الأطراف وهو المعسكر المؤيد للجيش هنالك شعور بعدم الاكتراث بهؤلاء الضحايا وبأنهم “إرهابيين” لا يستحقون البقاء ولا يملكون حرية التعبير. في المقابل هنالك طرف آخر وهو الأخوان المسلمين يعتبر هؤلاء الناس مددا وسدا بشريا لحماية الطموحات السياسية للأخوان المسلمين وكلما زاد عدد الضحايا تزداد مصداقية الجماعية ودورها المفضل كضحية وجهة مظلومة.
تنهار الدول والمجتمعات عندما يصبح القتل الجماعي مبررا والنموذج الأوضح على ذلك هو سوريا. لم يعد الأمر الآن في مصر يتعلق بمرسي والسيسي أو بالأخوان وما يسمى “الدولة العميقة” لأن مشاعر الغضب والحقد والكراهية والتعبئة والتحريض والكذب الصريح اصبحت هي السائدة في المعسكرين وبدعم شعبي لا يمكن نكرانه. عندما تتحرك الجماعات بالملايين والآلاف للدعوة لمواجهة الجماعات الأخرى بكافة الطرق وشيطنة الطرف المنافس واستسهال تعريضه للقتل وتبرير ذلك تكون معاني الإنسانية قد أصبحت مفقودة.
ما هو أخطر من ذلك انتشار الخطاب العنصري وخاصة لدى الفئات المعادية للأخوان والتي تربط ما بين الأخوان وحماس والفلسطينيين وكذلك السوريين، وهو خطاب يذكرنا بما حدث في فترة العدوان الثلاثيني ضد العراق في 1990 والتي شهدت تعبئة وتحريضا رهيبا ضد العرب الذين رفضوا الاصطفاف في معسكر حفر الباطن.
مصر، مهد الحضارة البشرية وكبرى الدول العربية وذات التاريخ الثقافي والحضاري والسياسي المذهل تمر اليوم في مرحلة خطيرة تتجاوز تماما الصراع السياسي وتصل إلى مستوى الشعور الإنساني. لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير قتل الناس جماعيا ولا نشر الكذب والتضليل ولا قيادة الناس إلى هلاكهم لأسباب سياسية وتنظيمية.
المتظاهر الداعم للأخوان له نفس قيمة الشرطي والعسكري ونفس قيمة الشاب الثوري ونفس قيمة اي مواطن مصري له موقف ولا يوجد اي تفويض شعبي أو ادعاء بتفويض ديني يمكن أن يبرر قتل أي منهم لأن قتل النفس الإنسانية أهم عند الله تعالى من هدم الكعبة حجرا حجرا ومن إزاحة الأخوان المسلمين عن السلطة ومن مكافحة ما يسمى الإرهاب!.
ماذا بعد الخروج والتفويض؟
حسن نافعة –المصري اليوم
استجاب الشعب المصرى للدعوة التى وجهها إليه الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، وخرج إلى الشوارع والميادين بالملايين. وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على: ١- أن أغلبية واضحة من شعب مصر تعتقد أن جماعة الإخوان فشلت فى إدارة شؤون الدولة والمجتمع، كما تعتقد أن استمرار الدكتور محمد مرسى على رأس سلطة تنفيذية يديرها مكتب الإرشاد ينطوى على مخاطرة كبرى لا تستطيع البلاد تحمل عواقبها، وبالتالى لم يكن هناك من بديل للخروج من المأزق الراهن سوى سحب الثقة من الرئيس المنتخب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ٢- أن هذه الأغلبية تؤيد التدخل الذى قام به الجيش المصرى لحسم الصراع السياسى الراهن، وترى أن ما جرى يوم ٣ يوليو يمثل انصياعاً لإرادة شعبية واضحة تجلت بأكثر من طريقة وفى أكثر من مناسبة، ولا تعتبره انحيازاً لطرف على حساب آخر، أو انقلاباً يستهدف استيلاء المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة. ٤- أن هذه الأغلبية توافق ضمناً على خارطة الطريق المطروحة لإعادة بناء مؤسسات النظام السياسى على أسس جديدة تسمح بمشاركة شعبية أوسع.
لكن هل حسم الشعب بهذا الخروج الكثيف أزمة مصر الراهنة وأصبح الطريق معبداً لتأسيس نظام ديمقراطى مكتمل الأركان؟ بالقطع لا. فهناك ثلاث إشكاليات يتعين على رموز المرحلة الانتقالية الجديدة حلها:
الإشكالية الأولى: تتعلق بطريقة التعامل مع المعتصمين من أنصار الطرف الآخر، وما إذا كان فض هذا الاعتصام سيتم بالوسائل الأمنية العنيفة أم بوسائل سياسية سلمية تتضمن تسوية شاملة ومقبولة من جميع الأطراف.
الإشكالية الثانية: صيغة العلاقة المستقبلية بين «ثورة تصحيح» يفترض أن تكون امتداداً طبيعياً للثورة الأم التى اندلعت فى ٢٥ يناير، وبين «نظام قديم» ثار عليه الشعب، لكنه يعود الآن من جديد ليشارك فى أحداث ٣٠ يونيو التى يعتبرها ثورة على الثورة.
الإشكالية الثالثة: دور المؤسسة العسكرية فى إدارة المرحلة الانتقالية الجديدة التى يفترض أن تقوم بإعادة بناء النظام السياسى لمصر الجديدة وموقعها على خريطة هذا النظام فى المستقبل.
وفيما يتعلق بالإشكالية الأولى، يبدو أن البعض أسرف كثيراً فى تفسير معنى «التفويض» الذى طلبه الفريق السيسى من الشعب. فنص التعبير الذى استخدمه السيسى فى كلمته يشير إلى أنه يريد تفويضاً لمواجهة «العنف والإرهاب المحتمل»، غير أن البعض يرى أن حقيقة ما يريده السيسى هى تفويض بفض اعتصام «رابعة العدوية» بالقوة، بل إن البعض الآخر ذهب إلى حد اعتباره «دعوة إلى حرب أهلية» أو إلى «إبادة جماعية» أو إلى «تصفية الجماعة ومحوها من الوجود». ورغم يقينى بأن السيسى لم يطلب تفويضاً بالقتل أو باللجوء إلى إجراءات استثنائية تنطوى على خروج على القانون، وإنما طلب تفويضاً بالتعامل الحاسم مع أى محاولة لاستخدام العنف والإرهاب، أيا كان الطرف الذى يقدم عليها، لإفشال أو لعرقلة تنفيذ خارطة الطريق المطروحة، إلا أن الدماء التى سالت غزيرة، خلال الساعات الأولى من فجر السبت، تثير لدى قلقاً مشروعاً، ويطرح تساؤلات جادة حول ما إذا كان قرار قد صدر بالفعل بفض الاعتصام فى ميدان رابعة العدوية بقوة السلاح، وأرجو ألا تتطور الأمور فى هذا الاتجاه وإلا ستفضى إلى مذبحة ستشكل، إن وقعت لا قدر الله، وصمة عار فى تاريخ كل من يتسبب فيها.
أدرك أن جماعة الإخوان، بتكوينها الحالى وبتفكيرها الجامد والعقيم، أصبحت تشكل عقبة كأداء تحول دون تحقيق تحول ديمقراطى حقيقى فى مصر. فبعد ثبوت فشلها الفاضح فى إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ها هى تصر على المكابرة وعلى قطع الطريق أمام المستقبل. وبدلاً من الاعتراف بأخطائها والقيام بمراجعة نقدية جسورة لسياساتها ومواقفها التى أوصلت مصر إلى مأزقها الراهن، ها هى تسعى بكل الوسائل المتاحة لديها لعرقلة خارطة الطريقة الجديدة، مستغلة فى ذلك ما تتمتع به من قدرة تنظيمية لاتزال تمكنها من التعبئة والحشد رغم انحسار التأييد الشعبى لها، وتصر على تحدى واستفزاز الجميع ودفع الأمور نحو حافة الهاوية. غير أن ذلك لا يعنى أن استخدام القوة المسلحة لتصفيتها أصبح الخيار الوحيد المتاح للتعامل معها.
أما فيما يتعلق بالإشكالية الثانية، فأظن أنه يتعين على جميع الشرفاء فى هذا الوطن أن يعترفوا بحقيقة أصبحت واضحة كشمس النهار، وهى أن فلول النظام السابق بدأت تعود من جديد، وبقوة، إلى الساحة. صحيح أن الأخطاء التى ارتكبتها الجماعة هى التى أدت إلى خلط فى الأوراق، إلا أنه يتعين مع ذلك الانتباه إلى حقيقة مؤكدة، وهى أن هذه العودة تشكل خطراً على الثورة، وربما تهدد بتصفيتها. فقد بدأنا نستمع هذه الأيام إلى نغمة جديدة تحاول إظهار ما جرى فى ٣٠ يونيو باعتباره «ثورة على الثورة» ويسعى البعض، بكل الوسائل المتاحة، لتشويه ثورة يناير الأم.
وأخيراً ففيما يتعلق بالدور الذى تقوم به المؤسسة العسكرية فى المرحلة الراهنة أو الذى تسعى للقيام به فى المستقبل، أظن أنه موضوع يحتاج إلى معالجة تفصيلية لم يعد هناك متسع لها فى هذا المقال. لذا نكتفى اليوم بالقول إنه، وبعيدا عن شعارات رنانة لا تكف عن التغنى بالدور الوطنى للمؤسسة العسكرية المصرية، وهو ما لا يجب أن نشكك فيه إطلاقا، إلا أنه يتعين علينا فى الوقت نفسه أن نكون واعين للمخاطر التى قد تنطوى عليها إغراءات تدفع المؤسسة العسكرية المصرية نحو القيام بدور سياسى مباشر فى هذه المرحلة أو للدفع فى اتجاه تقنين وضع شبيه بوضع المؤسسة العسكرية فى تركيا قبل وصول أردوجان للسلطة. فكلاهما، أى الدور السياسى المباشر أو الدور المنقول عن التجربة التركية، يشكلان خطرا على مستقبل الديمقراطية فى مصر. لذا أتمنى أن يكون باستطاعة المؤسسة العسكرية المصرية أن تلعب دوراً داعماً لعملية التحول الديمقراطى بدلاً من أن تصبح عقبة فى طريقها، وأظن أن المرحلة الراهنة تسمح لها بلعب مثل هذا الدور تحديداً إن هى أحسنت استغلال الفرصة المتاحة أمامها الآن. وعلى أى حال فإن هذا الموضوع يحتاج إلى معالجة منفصلة، ربما فى مقال آخر.
مصر والتهور التركي مرة أخرى!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
ليس الغريب ما تفعله قناة فضائية في مصر، بل إن الغريب هو الموقف، بل التهور التركي تجاه التطورات المصرية، فأنقرة تتعامل مع تطورات مصر وكأنها لبنان، وليس حتى سوريا، وآخر المواقف الصادرة من أنقرة هو موقف الرئيس التركي الذي يقول بأن الإفراج عن الرئيس المعزول مرسي من شأنه أن يؤدي إلى انفراجة بالأوضاع المصرية.
صحيح أن الرئيس التركي أظهر مواقف أكثر تعقل من مواقف رئيس الوزراء التركي، لكن الموقف التركي عموما تجاه مصر انفعالي وغير مقبول، خصوصا أن أنقرة لم تتنبه إلى أن ما يحدث بمصر هو تغيير حقيقي يقوده الرأي العام، وكل المؤسسات المصرية، وليس الجيش وحده، فالإخوان المسلمون بمصر باتوا جماعة معزولة، ومنبوذة، وليست هي بالجماعة المحظورة مثل ما كانت عليه في أيام حكم مبارك. الإخوان المسلمون هم ضحية فكرهم، ونهجهم، وليس في مصر وحدها، بل في تونس، وما يحدث اليوم هناك خير شاهد، والأمر نفسه ينطبق على إخوان ليبيا التي باتت تحرق مقراتهم هناك، وسط رفض شعبي كبير لهم.
الأتراك يعرفون جيدا، وأكثر من غيرهم، بأن الإخوان المسلمين في مصر، وتونس، وغيرهما من الدول العربية، قد حظوا بدعم دولي، وفتحت لهم أبواب الغرب، وبالتالي لا يمكن القول اليوم بأنهم يتعرضون لمؤامرة، بل هم ضحية نهجهم الخاطئ سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، وبالتالي فإنه من الغريب جدا أن تتخبط أنقرة، وتتهور، بهذا الشكل دفاعا عن الإخوان المسلمين، فهل تركيا دولة ذات مؤسسات، أم أنها تتصرف بمنطلق حزبي ضيق؟ ولا شك أن ردود الفعل التركية المتشنجة هي نتيجة سقوط المشروع الإخواني في كل المنطقة، كما أن الواضح هو أن إخوان تركيا منزعجون تماما من النموذج المصري خشية أن يتحرك الجيش التركي ضدهم، وكما فعل الجيش المصري ضد مرسي والإخوان، خصوصا أن الانقسام في تركيا حول سياسات الإخوان هناك حقيقي، وآخرها المظاهرات التي حدثت في ميدان تقسيم التركي.
وعليه، وأيا كان القلق التركي، إلا أن ذلك لا يبرر لأنقرة التصرف بتهور، وتشنج، ملحوظ تجاه مصر، ومحاولة فرض حلول خارجية على المصريين، فمصر ليست بالدولة الصغيرة، كما أن الموقف التركي لا يصب في مصلحة الدولة التركية ككل، ولا يخدم أيضا استقرار المنطقة، خصوصا أن ما حدث في مصر جاء نتيجة غضب شعبي حقيقي تجاه أخطاء الإخوان المسلمين، وبالتالي فلا يمكن أن يقف الأتراك هذا الموقف المعادي للدولة المصرية فقط من أجل نصرة حزب لا يمكن الدفاع عن نهجه الماضي، ولا عما يفعله الآن خصوصا إذا كانت تركيا تقدم نفسها للمنطقة، والمجتمع الدولي، كدولة مؤسسات، ودولة ديمقراطية، فلا العسكر يحكمون مصر، ولا ينوون ذلك، كما أن المصريين يطمحون لأن تكون دولتهم دولة مؤسسات، ونموذجا سياسيا، واقتصاديا ناجحا.
وعليه فمتى ينتبه الأتراك إلى أن الدول لا يمكن أن تتصرف كقناة فضائية، تمارس الصراخ والتهييج، في مصر؟
هروب «القاعدة» إلى سوريا
فايز سارة – الشرق الأوسط
يحتاج الكشف عن تفاصيل عملية هروب قيادات وعناصر تنظيم القاعدة من سجن أبو غريب العراقي والتباساتها إلى مزيد من الوقت، كما يحتاج إلى جهود متعددة وكثيرة لمعرفة تفاصيل مثل هذه العملية الخطيرة والمعقدة، التي لا شك أن تحقيقات عملية وجدية، سوف تكشف تفاصيلها.
غير أن ما يحيط من صعوبات في الكشف عن حيثيات العملية، لا يقف عائقا أمام محاولة فهم العملية وأهدافها السياسية، وترك مجرياتها وتفاصيلها الفنية لمجريات التحقيق الذي سيتم لاحقا من جانب جهات عراقية وإقليمية ودولية، نظرا لما لهذه العملية من آثار أمنية وسياسية تتجاوز العراق إلى بلدان الإقليم وخصوصا سوريا وإلى الأبعد في المحيط الدولي بفعل روابط العملية بموضوع الحرب على الإرهاب.
إن فهم العملية ووضعها في إطارها السياسي، يتطلب التوقف عند المعطيات المحيطة بها، وهي معطيات تتوزع على نوعين، أولها معطيات عملية، والثاني مؤلف من معطيات سياسية، وبطبيعة الحال، فإنه لا يمكن الفصل بين المعطيات العملية والسياسية المتصلة وتفاعلهما المشترك في عملية لا شك أنها معقدة.
والتوقف عند أبرز المعطيات العملية المعروفة التي تحيط بهروب عناصر وقيادات القاعدة، تتجسد في أن العملية تمت في سجن أبو غريب وهو أحد أخطر السجون في العراق وأكثرها ضبطا، وقد كان سجنا رئيسا استخدمته القوات الأميركية لاحتجاز أعدائها، عندما كانت في العراق مما يعني أن الإجراءات الأمنية المطبقة هناك من أشد الإجراءات التي يمكن القيام بها، والأمر الثاني يمثله العدد الكبير من قيادات وعناصر القاعدة الموجودين في هذا السجن والذين قدر عددهم بأكثر من خمسمائة شخص بينهم عدد كبير من المحكومين بالإعدام، مما يفرض انتباها وتركيزا أمنيا شديدا واستثنائيا على السجن والسجناء، والأمر الثالث سهولة العملية التي تمت لتهريب السجناء بعددهم الكبير وسط أوضاع أمنية متوترة في العراق عامة وفي بغداد ومحيطها بشكل خاص، أما الأمر الرابع والأهم في المعطيات العملية، فهو أن رئيس الوزراء نوري المالكي هو المسؤول الأول عن الملف الأمني في العراق، وهو الذي يتابع الملفات الخطرة، وملف القاعدة هو أخطر تلك الملفات حسب الإعلانات الرسمية العراقية.
والمعطيات السياسية المحيطة بالعملية، لا تقل أهمية عن المعطيات العملية، وأولها أن العملية جاءت في ظل تنامي الحديث عن تصاعد قوة القاعدة وأخواتها في بلدان المنطقة ولا سيما في سوريا والعراق، وعملية كهذه يمكن تقديمها برهانا على تلك الأحاديث، التي تخدم من الناحية السياسية مقولة الحرب على الإرهاب، التي يتبناها النظامان السوري والعراقي، ويزعمان في إطارها محاربة الإرهاب والتطرف في البلدين وفي المنطقة، وأن النظام في البلدين يتصدى لجماعات إرهابية متطرفة، وليس لقوى شعبية وجماعات سياسية معارضة تسعى إلى تغيير عميق في حياة الشعب.
وجاءت العملية في ثاني معطياتها السياسية في ظل تحالف معلن بين القيادة العراقية والنظام الحاكم في دمشق، وهو تحالف كلف العراق تقديم مساعدات مهمة ومتنوعة للنظام في دمشق بينها إرسال متطوعين عراقيين يحاربون إلى جانب قوات النظام، وتسهيل مرور عناصر «جهادية» للقتال في سوريا، مما يزكي دورة العنف هناك، التي يتبناها النظام السوري باعتبارها طريقه لمعالجة الأزمة في البلاد ومنهجا لإعادة إحكام قبضته على سوريا والسوريين في آن معا.
وثمة معطى ثالث يحيط بالعملية من الناحية السياسية، لكنه يتعلق بالوضع العراقي أساسا، من حيث هروب عناصر وقيادات القاعدة من أبو غريب، وما سيكون له من تأثيرات على الصراع بين رئيس الوزراء وخصومه. إذ من شأن القضية أن تنقل تلك الصراعات خارج سياقها التقليدي والحالي على السلطة بجعله صراعا تفصيليا يتصل بهروب سجناء ليس إلا، وحتى في هذا الجانب، فإن العملية ستكون مفيدة للمالكي، حيث يستخدمها أداة ضد خصومه أو معارضيه في الإدارة الحكومية، ولاستبعاد الضعفاء من أنصاره داخل المؤسسة الأمنية أو مواقع أخرى في الحكومة، واستبدالهم بعناصر أكثر قوة وولاء له.
خلاصة القول، إن ثمة معطيات عملية وأخرى سياسية، تجعل من ناحية التحليل، وليس الوقائع، عملية هروب أكثر من خمسمائة من قيادات «القاعدة» وعناصرها في سجن أبو غريب عملية مدبرة، ليس من جانب «القاعدة»، وإن شاركت الأخيرة في تنفيذها، وإنما من جهات استخبارية مجاورة بمعرفة، ربما، أهل الحكم، لدفع حشد من «القاعدة» للذهاب إلى سوريا والقتال هناك، بما يعزز مسارات العنف والإرهاب، ويقوي الحديث عن الجماعات والعناصر الإرهابية والمتطرفة التي يحاربها النظام، حتى لو كانت تلك الجماعات تناهض أهداف الثورة وتقاتل تشكيلات الجيش الحر، وتفرض إرهابها على كثير من السوريين ونشطاء الثورة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
هل فشل الربيع العربي؟
عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط
لم يكن هذا تساؤل مجلة «الإيكونوميست»، ولا استنتاج العديد من الكتاب الغربيين فقط، بل هو سؤال ملايين العرب الذين عايشوا التغييرات التاريخية التي بدأت منذ عامين ونصف العام.
يكفي إسقاط العقيد معمر القذافي، والثورة على نظام بشار الأسد حتى نقول إنه ربيع عربي. هذان الحدثان الخطيران، بذاتهما، يعبران عن تغيير حقيقي في المنطقة نبع من الشارع، من دون التقليل من ربيع مصر بإسقاط نظام مبارك، ثم إسقاط حكومة الإخوان في مصر، وقبله إنهاء عهد بن علي في تونس، وإخراج صالح من الحكم في اليمن.
من دون ثورة ليبيا، ربما عاش القذافي عشر سنوات أخرى، وورث الحكم بعده من هو مثله، ليدوم واحد من أغرب النظم وأسوئها في تاريخ العالم المعاصر. ثم إن إصرار غالبية السوريين على قلع بشار الأسد تعبر أحداثه عن قسوة النظام الذي حكم البلاد أربعة عقود ونشر الرعب في المنطقة.
حتى إسقاط حكومة مرسي الإخوانية يمثل الفصل الثاني في الربيع المصري.. يدلل على أن المصريين بالفعل مصرون على التغيير الحقيقي، وقد أعطوا الإخوان فرصة ثمينة لإدارة البلاد، لكن الإخوان مارسوها كما فعل مبارك، بنفس عقلية الهيمنة واحتكار السلطة.
من الطبيعي أن انهيارات نظم شرسة وعميقة ستخلف وراءها فوضى وخيبات، كما نرى في ليبيا.. فالفراغ الذي تركه سقوط نظام القذافي ملأته جماعات بعضها عاش على ثقافة قذافية، تؤمن بحكم قوة السلاح، انضمت إليها جماعات تكفيرية إرهابية تسللت للاستيلاء على البلاد، بعد فشلها في أفغانستان واليمن والعراق والصومال والجزائر، وبعد هزيمتها في مالي. وهي تحاول مد يدها إلى دول الربيع العربي التي لا تزال في طور الانتقال، مثل تونس ومصر.
الربيع ليس ورديا، بل دام كما نراه في سوريا، لكن ديمومة الحرب الطويلة فيها، والتكلفة الباهظة في الأرواح والممتلكات، تعني أن أهلها ماضون حتى نهاية الأسد. لقد أثبتت عزيمتهم وإصرارهم على أنها قادرة على الصمود، وهذا في حد ذاته تأكيد على أن ربيع دمشق حقيقي، وليس مجرد محاولة. وكذلك اليمن، الذي يظل أبرز دول الربيع العربي نجاحا، مع أن اليمنيين قطعوا نصف مسافة الطريق حتى الآن، وهم أكثر عرب الثورات قدرة على مواجهة الأعاصير.
28/7/2013
في هذا الملــــف:
الاقصى :التقسيم .. او الهدم
رشيد حسن – الدستور الأردنية
"فرصة" كيري
هاشم عبدالعزيز – دار الخليج الإماراتية
سياسة تقطيع الوقت وتقطيع الأرض
علي جرادات - دار الخليج الإماراتية
فلسطينية «حماس» أهم من إخوانيتها
نواف ابو الهيجاء –السفير اللبنانية
حماس إذ تختزل «القضية».. في ذاتها ولذاتها!!
محمد خروب – الرأي الأردنية
ظهر الاردن المكشوف
ماهر ابو طير – الدستور الأردنية
همام سعيد وإمارة البقعة الإسلامية؟
مهند مبيضين – الدستور الأردنية
الإخوان..أشكال من الرهان
سلطان الحطاب - الرأي الأردنية
للأسف.. هؤلاء يعشقون الدم!
حسين الرواشدة – الدستور الأردنية
لا تفويض شعبيا أو دينيا يبرر القتل!
باتر محمد علي وردم– الدستور الأردنية
ماذا بعد الخروج والتفويض؟
حسن نافعة –المصري اليوم
مصر والتهور التركي مرة أخرى!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
هروب «القاعدة» إلى سوريا
فايز سارة – الشرق الأوسط
هل فشل الربيع العربي؟
عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط
الاقصى :التقسيم .. او الهدم
رشيد حسن – الدستور الأردنية
كشف خطيب المسجد الاقصى المبارك الشيخ محمد سليم في خطبته يوم امس الاول “الجمعة”عن استفتاء اجراه العدو الصهيوني، حول أفضل السبل للاستيلاء على المسجد وتهويده.
نتائج هذا الاستفتاء الخطير كما يقول الشيخ سليم “الدستور 27الجاري” جاءت من قبل الاسرائيلين ، بين مؤيد لتقسيم الأقصى بين المسلمين واليهود تقسيما زمانيا ومكانيا، والرأي الآخرهو هدم المسجد لبناء الهيكبل المزعوم.
هذا الاستفتاء يعتبر تطورا خطيرا، في مسار العدوان الممنهج على الاقصى والقدس، فهو يؤكد أن العدو بدأ فعلا في تنفيذ مخططاته العنصرية التهويدية، مستغلا الحالة الفلسطينية البائسة، والعربية العاجزة ، والمستجدات الخطيرة التي تعصف بالمنطقة، وخاصة الازمة المصرية التي تشغل العالم كله لدور مصر وموقعها، وتأثيراتها على دول الجوار وخاصة العدو الصهيوني، وقد اصبحت بالفعل محل اهتمام العواصم العربية والعالمية، وطغت على ما عداها من احداث ... بما فيها الازمة السورية التي تراجعت واصبحت حربا منسية ان جاز التعبير، وهو ما دفع العدو الى استغلال الغفلة العربية عن فلسطين والافصى ، والبدء فعليا في تنفيذ مشاريعه العدوانية، محاولا الوقوف على رأي الشارع الاسرائيلي.
لن نقوم بتكرار مفردات الاستغاثة بالاشقاء العرب والمسلمين، فلقد اثبتت خطورة الاحداث انهم غائبون أومغيبون، وقد حلت بهم لعنة “داحس والغبراء” فاصبحت الخلافات العربية –العربية ،هي الثابت الوحيد في حياتهم، في حين تراجعت الثوابت العربية –الاسلامية، والتي لها الفضل في حماية الامة، والذود عن مصالحها، وتحرير اوطانها.
ان من يرفض التبرع للقدس ولدعم صمود اهلها في وجه العدو الصهيوني، كما قررت قمتا سرت والدوحة، لن تستثيره اي كلمات أو عبارات مهما كانت عاطفية، لأنه خرج من جلده، وغير دمه فلم يعد عربيا ولا مسلما، وتيبست مشاعره وعواطفه فهو كالحجارة، أو أشد منها قسوة .
ان من يحمي القدس ويذود عن الاقصى هم اهلها المرابطون في بيت المقدس واكناف بيت المقدس .. في الجليل والمثلث والنقب وفي كل شبر من فلسطين.. فشهيدهم بسبعين شهيدا، كما يقول سيدنا ورسولنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذين توافدواعلى الصلاة فيه ولم يتقاعسوا رغم اجراءات العدو التعسفية، وحواجزه العسكرية الفاشية، حتى ملؤوا ساحات الحرم ، وشوارع المدينة القديمة، وكل ركن من اركانها، يستنشقون عبق التاريخ ، ويتذكرون رحلة الاسراء والمعراج ، وصلاة سيد البشرية في الانيياء في هذا المسجد، وعهد الفاروق وهو يستلم المدينة من البطريرك صفرونيوس “بان لا يسكنها يهود”.. وقد تجاوز عددهم “300”
الف مصل ومصلية، مبايعين الاقصى على الصمود والتصدي بصدورهم العارية لقتلة الانبياء .
هذه الجماهير التي زحفت لحماية الاقصى اكثر من مرة، وتصدت لجنود جيش العدو، ولرعاع المستوطنين بقبضاتها الفولاذية، وصدورها العامرة بالايمان، هي القادرة على افشتال المؤامرة .. ولجم العدوان، وقد اثبتوا انهم الامناء الاوفياء لاولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
باختصار... الاستفتاء الخطير الذي كشف عنه خطيب الاقصى حول افضل السبل لتهويد الاقصى، يستدعي من اهلنا الصامدين في الاقصى واكناف الاقصى، ان يجذروا صمودهم، ويضاعفوا من حضورهم في المسجد، وان لا ينتظروا العون والمدد من احد الا الله، بعد ان بات الاشقاء اسرى احقاد داحس والغبراء.. يدورون في فلك واشنطن حليف العدو ولا حول ولا قوة الا بالله.
"فرصة" كيري
هاشم عبدالعزيز – دار الخليج الإماراتية
بحسب إعلانه، أنجز وزير الخارجية الأمريكية جون كيري اتفاقاً “مبدئياً” بين الجانبين الفلسطيني و”الإسرائيلي” في شأن “إطلاق مفاوضات الوضع النهائي” بين الطرفين .
جاء الإعلان بعد ست جولات مكوكية كانت أيامها في الشرق الأوسط ماراثونية من لقاءات وإعادة لقاءات واتصالات ومشاورات، ودار كيري في جولتيه الخامسة والسادسة من دون توقف ما بين تل أبيب والعاصمة الأردنية، وأخيراً كانت زيارته لرام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعدها جاء إعلانه تلك النتيجة .
في النظرة العامة حقق كيري اختراقاً في جدار العزلة الذي وضع نهاية للمفاوضات الفلسطينية- “الإسرائيلية”، والناجم عن السياسة الصهيونية، وفي الأبرز تلك المتواصلة تجاه تهويد القدس والمندفعة بالمشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية .
وبحساب ما حدث إنجازاً، كانت ردود الفعل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي باتجاه الترحيب الحار بالاتفاق المبدئي على استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، مشيدة ب”شجاعة” الطرفين وبجهود وزير الخارجية الأمريكية .
ما كان لافتاً أن كيري لم ينجز اتفاقاً على هذا النحو بين طرفين متنافرين وحسب بل إن كل طرف واقع في حال انقسام في ذاته في شأن عودة المفاوضات .
هنا التساؤل: هل كان إعلان الاتفاق ثمرة لجهود كيري التي بذلها على نحو غير مسبوق من المثابرة الأمريكية، أم تعود إلى ما كان- وما زال- يتردد عن خبرة كيري في شأن هذه المنطقة بأطرافها وأزمتها؟
قد لا يكون هذا مهماً الآن، لأن الأهم هو طبيعة الاتفاق الذي على إثره جاء الإعلان عن الموافقة المبدئية في شأن “إطلاق مفاوضات الوضع النهائي”، وما حقيقة ما جرى لإطلاق هذا “التخريج الغامض” والذي زادت الحيرة في شأنه بإعلان كيري ذاته أن “أفضل سبيل لإعطاء هذه المفاوضات فرصة هو الحفاظ على سريتها” .
إذ كيف يستقيم هذا التعامل “السري” و”الخفي” في شأن مفاوضات تجري حول الوضع النهائي المعلومة قضاياه، إلا في حالة أن تكون الإدارة الأمريكية رمت بثقلها لإنجاز هذه النتيجة، لا لمواجهة أزمة الشرق الأوسط بل لما يرتبط بالسياسة الأمريكية في هذه المنطقة، وهنا محاذير جعجعة كيري عن السلام بالكلام وليس بالأعمال الجادة والصحيحة والسليمة والأكيدة .
المحذور على هذا النحو لا يعود إلى دوافع تشاؤمية ولا إلى مجرد عمى لا يرى في الدور الأمريكي ما قد يكون من جوانب إيجابية، بل إلى أسباب حقيقية .
بداية، الدور الأمريكي تكرس على هذا النحو غير المسبوق بهدف إعادة جمع الطرفين إلى المفاوضات، وقد يرى البعض أن هذه بداية لإعادة تحريك عملية التسوية السلمية، لكن العودة إلى المفاوضات في ظل ما وصلت إليه الأوضاع دونما تدخل دولي فعال هي أقرب إلى محاولة أمريكية لإعادة شراء الوقت، ومترتبات هذه العملية كانت كارثية على الفلسطينيين أدارها الأمريكيون منذ استفرادهم في شأن هذه الأزمة وشؤون هذه المنطقة، وأصدق تجلياتها الواضحة ما بات عليه الاستيطان المندفع بمشاريعه في الأراضي الفلسطينية .
وربما تكون مفيدة الإشارة إلى أن الصين حين تحركت واستقبلت رئيس الوزراء الصهيوني والرئيس الفلسطيني كلاً على حدة أكدت أهمية العودة إلى المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية، والموقف ذاته كان أعلنه المبعوث الروسي الذي تزامن وجوده في المنطقة وتحرك وزير الخارجية الأمريكية، حيث تمنى نجاح الجهود الأمريكية في عودة المفاوضات على أساس قرارات الشرعية الدولية .
هذا التأكيد يعني التحذير من عملية أو بالأصح “طبخة” خارج إطار هذه الشرعية ومضمونها .
وهنا التساؤل عن حقيقة الدور الأمريكي؟
بدءاً لا بد من التذكير بأن وزير الخارجية الأمريكية كان أعلن في ختام جولته الخامسة عن “حاجته” إلى “فرصة”، والفرصة التي أرادها موافقة الطرفين العودة للمفاوضات، وهذا تحقق بإعلان موافقة الطرفين المبدئية .
ما جرى أن الطرفين لم يتبادلا رسائل ولو غير مباشرة، ولا تخلى أي منهما عن شروطه ومواقفه، لكنهما تشاركا في موافقتهما المبدئية إعطاء كيري الفرصة التي طلبها بل ورجاها .
في هذا الوضع تستعيد الولايات المتحدة فعالية إداراتها لهذه الأزمة، والمستجد أن الإدارة الأمريكية ستدفع لإنجاز مبني على التعديل لمبادرة السلام العربية في شأن تبادل الأراضي، وبعد ذلك تدخل هذه القضية متاهة المفاوضات حول الكتل الاستيطانية .
ودونما مبالغة يمكن القول إن القضية الفلسطينية تواجه الآن واحدة من أفدح المخاطر والتي تتمثل بالتوجه الأمريكي لإضفاء طابع المشروعية على الاستيطان وهذا ما يتنافى والقرارات والمواثيق الدولية .
حماس الأمريكيين يعود لاعتقادهم أن الوضع الفلسطيني والعربي مناسب، لتتويج سياسة تطويع الموقف العربي عامة والفلسطيني خاصة لواقع الاحتلال، بوضع نهاية للقضية الفلسطينية، لكن ليس في حلها بل بتصفية هذه القضية . الاحتلال لا ينتهي والاستيطان لا يزول، والعودة إلى الأرض والديار مرفوضة، وقيام الدولة الفلسطينية غير ممكن إلا بالشروط والمقاييس والمعايير الصهيونية .
الفلسطينيون لا يرون استغراباً في هذه التوجهات، فهم على قناعة راسخة أن قضايا الشعوب حية لا تموت ولا تقررها القوى الاستعمارية .
سياسة تقطيع الوقت وتقطيع الأرض
علي جرادات - دار الخليج الإماراتية
بإبرام اتفاق أوسلو والتفاوض على أساسه، خاصة بعد انسداد أفقه، ارتكبت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أخطاء كثيرة، من بينها أخطاء منهجية، لعل أهمها: قبول التفاوض مع استمرار اجراءات الاستيطان والتهويد، والاعتراف بوجود وأمن “إسرائيل” غير محددة الحدود، والتسليم برعاية الولايات المتحدة للمفاوضات، حتى بعد ثبوت عدائها للقضية والحقوق الفلسطينية . في مايو/أيار 1999 انتهى العمر الزمني لاتفاق أوسلو إلى طريق مسدود . وبانتفاضة سبتمبر/ايلول 2000 تجاوز الشعب الفلسطيني-ميدانيا- تعاقد أوسلو، لكن الإدارة السياسية للصراع مع الاحتلال لم يطرأ عليها تغيير حتى سبتمبر ،2012 عندما تم تجاوز الرعاية الأمريكية للمفاوضات، حيث تقدمت قيادة منظمة التحرير إلى مجلس الأمن بطلب الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الأمم . لكن الولايات المتحدة أحبطت هذا الطلب وأفشلت إمكان حصوله على الأصوات اللازمة للتصويت عليه . وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2012 حصلت فلسطين على مكانة “دولة غير عضو” في هيئة الأمم بقرار من الجمعية العامة التي، خلافاً لمجلس الأمن، لا حق للفيتو فيها . حظيت هذه الخطوة/ النجاح بتأييد شعبي وسياسي فصائلي واسع دعا إلى استكمالها بالانضمام إلى تشكيلات هيئة الأمم التخصصية، وفي مقدمتها محكمة الجنايات الدولية . لكن قيادة منظمة التحرير استجابت لضغوط إدارة أوباما ووعودها وقدمت تنازل التراجع عن تجاوز رعاية الولايات المتحدة واحتكارها لملف الصراع . وترافق هذا التنازل مع انتهاك بنود “مبادرة السلام العربية”، حيث استجاب وفد وزاري عربي للضغوط والوعود الأمريكية ذاتها، وقدم باسم جامعة الدول العربية تنازل الموافقة على “تبادل الأراضي” لقاء وعود إدارة أوباما بالعمل على تليين موقف حكومة نتنياهو تجاه المطالب الفلسطينية، (كما حددها المجلس المركزي لمنظمة التحرير)، لاستئناف المفاوضات، وهي: الإقرار بحدود العام 1967 مرجعية للمفاوضات، ووقف إجراءات الاستيطان والتهويد، وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وفي مقدمتهم أسرى ما قبل اتفاق أوسلو . لكن-كالعادة- وظفت حكومة نتنياهو هذيْن التنازلين المتسرعين المجانيين لانتزاع المزيد من التنازلات لقاء موافقتها على استئناف المفاوضات، بينما تملصت إدارة أوباما من وعودها، بل، وضغطت على قيادة منظمة التحرير وأجبرتها بحيلة تفهمها للمطالب الفلسطينية على قبول استئناف المفاوضات “دون شروط مسبقة” كما طالبت، ولا تزال تعلن، صراحة حكومة نتنياهو . ماذا يعني هذا الكلام؟
موافقة قيادة منظمة التحرير على استئناف المفاوضات دون قبول حكومة نتنياهو بمطالب الإجماع الوطني الفلسطيني المعلنة التي قوضتها الحيلة الأمريكية، هي في المحصلة، (بمعزل عن شكلها وتخريجتها)، موافقة على تكرار الأخطاء المنهجية ذاتها، وعلى إعادة تجريب المجرب الذي لم يفضِ سابقاً، ولن يفضي اليوم، إلا إلى تعميق المأزق الفلسطيني متعدد الأبعاد، داخلياً: تكريس انقسامات متعددة الأوجه، وخارجياً: تكريس العجز السياسي في إدارة الصراع مع الاحتلال . إذ حتى لو جاءت هذه الموافقة وفق تخريجة مطالبة إدارة أوباما تقديم صيغتها الملتبسة، بل حيلتها، مكتوبة، فإن النتيجة تبقى هي ذاتها، أي الذهاب للتفاوض كغاية في حد ذاته . وكذا، حتى لو جاءت هذه الموافقة بدعوى تقطيع الوقت، أي “مشاغلة” إدارة أوباما لتجنب تحمل مسؤولية إفشال جهود استئناف المفاوضات، فإن في هذا تناسياً لحقيقة أن سياسة تقطيع الوقت تصبح إضاعة للوقت والجهد طالما أنها ليست جزءاً من خطة تملك خياراً بديلاً عن الفشل المحتوم لهذه الجولة من المفاوضات . هذا ناهيك عن أن سياسة تقطيع الوقت تساوي- عملياً- فرصة مفتوحة لتقطيع الأرض وتعميق احتلالها بالاستيطان والتهويد، ما يجعلها تأجيلاً لاستحقاق لا مفر منه، جوهره: التجرؤ على خطوة تخليص ملف القضية الفلسطينية من قبضة الرعاية الأمريكية المعادية، ونقله بالكامل إلى رعاية هيئة الأمم، إطاراً ومرجعية وقرارات، وذلك عبر إخراج الحق في الانضمام إلى تشكيلات هيئة الأمم التخصصية من دائرة التلويح الاستخدامي إلى دائرة الفعل السياسي . أما لماذا لا مفر من ذلك؟
حكومة نتنياهو، ككل حكومات “إسرائيل” منذ مؤتمر مدريد، ،1991 لا ترفض المفاوضات، لكنها تريدها غاية في حد ذاتها، و”دون شروط مسبقة”، وخارج مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة، ودون وقف كلي وشامل، ولا حتى جزئي ومحدود، لإجراءات الاستيطان والتهويد، ما يجعل مصير جولة التفاوض المزمعة كمصير ما سبقها من جولات، أي يجعل إمكان تمخضها عن إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ضرباً من الخيال، خاصة وأن لدى نتنياهو، كسابقيه من قادة “إسرائيل”، خطة مسبقة لإدارة المفاوضات وتوجيهها وفقاً لثوابت صهيونية راسخة، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف له مطالب وأهداف وحقوق وطنية وتاريخية تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية . هذا علاوة على أن حكومة نتنياهو هي-فعلاً- حكومة مستوطنين . فوفق آخر تقرير لحركة “السلام الآن” “الإسرائيلية”، “نفذت حكومة نتنياهو الحالية منذ بداية ولايتها في 18 مارس/آذار الماضي إقرار مخططات لبناء أكثر من 5000 وحدة سكنية جديدة في المستوطنات . . . . . . . وضربت رقماً قياسياً غير مسبوق بإصدارها هذا الكم الهائل من تصاريح البناء في المستوطنات خلال أربعة شهور . وأن هذه الوحدات السكنية الاستيطانية موجودة في مراحل مختلفة من إقرارها وأن بينها 1500 وحدة تقريباً حصلت على المصادقة النهائية من جانب وزير الحرب، موشيه يعالون، للبدء في بنائها” . وكل ذلك دون أن ننسى أن هذه الحكومة دفعت “الكنيست” لإقرار قانون مخطط برافر لتهويد نحو 80 ألف دونم من أراضي النقب، بما يذكر بمخطط كيننغ لتهويد الجليل في العام 1976 الذي فجر انتفاضة يوم الأرض المجيدة . وهذا كله تدعمه، بل ترعاه، بتحايل مكشوف، إدارة أوباما، ما يعني أنها ككل الإدارات الأمريكية السابقة، لا تريد- رغم قدرتها- الضغط على “إسرائيل” .
عليه، الموافقة الفلسطينية على استئناف المفاوضات بناء على صيغة أمريكية ملتبسة لن تفضي إلا إلى استمرار دوران العامل الوطني الفلسطيني في هامش خطة إدارة أوباما وحكومة نتنياهو للمنطقة وتحولاتها العاصفة . فالولايات المتحدة تفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته بغرض تثبيته، والحيلولة دون أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل تحولات المنطقة العاصفة والحراك الشعبي العربي الذي أعيد اعتباره في مصر في 30 يونيو الماضي، ما يعني تعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة، الأمر الذي لا يكون إلا باستنهاض الحالة الشعبية الفلسطينية وتوحيدها عبر مدخل إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها ومرجعيتها الجامعة، منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب حيث أمكن، وبالتوافق حيث تعذر .
فلسطينية «حماس» أهم من إخوانيتها
نواف ابو الهيجاء –السفير اللبنانية
هل تدخلت «حماس» في الشأن الداخلي المصري كما توجّه إليها الاتهامات؟ أي وهل حركة حماس لم تتوقف عند إبداء الرأي بما حدث في مصر يوم الثلاثين من حزيران الماضي فزجّت نفسها في الحدث مباشرة أم غير مباشرة؟ هل الذين ألقي القبض عليهم من الفلسطينيين في سيناء وهم يحملون السلاح من قطاع غزة مجرد أفراد يتصرفون من تلقاء أنفسهم؟
يمكن لنا أن نتفهّم دوافع الموقف الحمساوي من حدث الثلاثين من حزيران وذلك لأسباب أيديولوجية تربط بين «حماس» و«الاخوان»، لكونهم جميعاً ينتمون الى التنظيم العالمي لحركة «الاخوان المسلمين». لكن ذلك لا يعني أن يزج طرف فلسطيني، أياً كان هذا الطرف، الفلسطينيين في شأن داخلي لدولة عربية.
سياسة النأي بالنفس التي أقرتها المنظمات والفصائل الفلسطينية كافة تعني ألا يتدخل أي فصيل فلسطيني في الشأن الداخلي لأي بلد عربي. لقد دفع الفلسطينيون أثماناً باهظة خلال الاحداث العربية في الكويت ولبنان والعراق والأردن، ويدفعون اليوم الثمن في سوريا. كما ان هناك محاولات دؤوبة للزج بالفلسطينيين في الشأن الداخلي في لبنان.
القيادات الفلسطينية أجمعت على ضرورة انتهاج سياسة النأي بالنفس في لبنان كما في مصر وفي سوريا. والقيادة الفلسطينية في رام الله أعلنت ذلك بوضوح، لكن ذلك على ما يبدو ليس كافياً للحد من الزج بالفلسطينيين في الشأن الداخلي العربي وبما يؤدي الى ان يدفع الفلسطينيون الثمن الباهظ للتدخلات، ولكن النتيجة واحدة وهي خسارة للقضية وللشعب الفلسطيني. فلسطين في حاجة ماسة الى الجهد العربي كله. و«حماس» كما غيرها من الحركات والتنظيمات الفلسطينية لا ينبغي أن تخسر هنا او هناك موقعاً عربياً مهما كان السبب. حماس خسرت سوريا حين لم تنأَ بنفسها عن الحدث الداخلي السوري وذهبت الى اصغر دولة عربية وهي قطر. وظنت «حماس» أن الوضع في مصر الاخوانية سيدوم وأنها ستجني الكثير من مصر الاخوانية. لكن أحداث الثلاثين من حزيران وخروج الملايين الى الشارع رفضاً لحكم «الاخوان» أكد من جديد أن «حماس» تخسر دولة عربية محورية أخرى عدا سورية. والطبيعي أن خسارة حماس هذه ستكون خسارة فلسطينية عامة وليست مجرد خسارة للحركة.
كان يمكن لـ«حماس» أن تحظى بالرعاية مثلها مثل كل فلسطين من لدن الحكم الجديد في مصر. ومصر دائماً فلسطينية الهوى والانتماء والقضية وهي لم تتخل عن القضية وفي أحرج الظروف والاوقات، بل ان مصر هي ايضا الرئة التي تتنفس منها غزة، فهل التدخل في الشأن المصري على النحو الذي يُقال عن «حماس» يصب في مجرى مصلحة الشعب الفلسطيني في القطاع؟ مَن سيدفع الثمن إن صحت الانباء الواردة من مصر عن دور «الاخوان» و«حماس» في احداث سجن النطرون اثناء ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني 2011؟
كثير من ابناء الشعب الفلسطيني لا يريدون تصديق ما يُذاع من أخبار حول تدخل «حماس» في الشأن المصري. «حماس» في طريقها الى مراجعة سياساتها ومواقفها في ضوء قراءة تقول: إن الشعب الفلسطيني انتخب نواب «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية لأنهم من حركة مقاومة مسلحة فلسطينية وليس لأنهم من جماعة «الاخوان»؟ هل تعيد حماس النظر لتنطلق من حقيقة كونها فصيلاً مقاوماً فلسطينياً قبل أي أمر آخر؟
حماس إذ تختزل «القضية».. في ذاتها ولذاتها!!
محمد خروب – الرأي الأردنية
حركة حماس في حال من الغضب يكاد يصل الى حال الهستيريا التي تستبد بها في هذه الايام والتي تتجلى في التصريحات النارية وغير المسبوقة في تهورها التي يدلي بها قياديون في الحركة من امثال غازي حمد وصلاح البردويل وخصوصا سامي ابو زهري، حيث الاخير خرج على المألوف وتخلى عن كل كياسة ورزانة سياسية وكأني به يطلق النار على رأسه دون ان يدري وبخاصة انه في تصريحه هذا يكاد ان يقطع «الشعرة» الاخيرة التي تربط الحركة بمصر (والتي لا يمكن اختزالها بحركة الاخوان المسلمين او شخص المرشد وحتى مندوبهم المعزول الذي جاء الى قصر الاتحادية بالصدفة).
سامي ابو زهري وصف في ما يشبه اليقين بل هو اليقين بعينه ان قرار الاتهام الذي وجه للرئيس المعزول محمد مرسي بالتخابر مع حماس «يؤكد» أن السلطة القائمة في مصر «تتنصل» من القضايا القومية وتتقاطع مع اطراف اخرى للاساءة اليها وفي مقدمتها قضية فلسطين(!!).
هكذا إذن قرر الناطق باسم حركة حماس، دون تفكير بعقابيل تصريح منفلت كهذا ليس في كونه اختزالاً للقضية الفلسطينية في ثوب حركة المقاومة التي تصف نفسها بالاسلامية، وانما ايضا في القول ان السلطة القائمة في مصر (لم يقل الانقلابية للمفارقة) تتقاطع مع اطراف اخرى (يكاد ان يقول مع اسرائيل) للاساءة الى القضايا القومية وفي مقدمتها قضية فلسطين.
هل ثمة رعونة اكثر مما هي عليه تصريحات انفعالية وعصابية تعكس ارتباطا وشعورا دفينا بالخسارة وسذاجة الرهانات التي رمى قادة حركة حماس انفسهم (والقضية) فيها، بعد استداراتهم السريعة وغير المدروسة التي ظنوا انهم بذلك يحرقون المراحل ويرثون منظمة التحرير ويستحصلون على اعتماد اميركي كان حصل عليه اخوانهم في الحركة المصرية الام كما اخوان تونس وليبيا واليمن وسوريا ودائما برعاية وترويج وضمانة السلطان اردوغان في انقرة.
وحتى لا تبدو الأمور وكأنها حملة شيطنة لحماس وتَشَفٍّ بما آلت اليها اوضاعها بعد انهيار حكم الاخوان في مصر والتغييرات ذات المغزى في قطر، ناهيك عن «العواصف» التي يواجهها رجب طيب اردوغان (وهم الرعاة الثلاثة لحماس) والتي قد تطيحه او على الاقل تجعل منه بطة عرجاء، غير قادر على التأثير الجاد والعملي في مآلات الاحداث في المنطقة وخصوصا في مصر وسوريا اللهم إلاّ في اطلاق تصريحات نارية تعكس عمق ازمته اكثر ما تؤشر الى حكمة وبُعد نظر سياسي او دبلوماسي.. فإن من المهم هنا الاشارة الى ان احدا لا يصادر على حماس حقها في الدفاع عن نفسها والعمل على تقليل خسائرها الآخذة في التعاظم وشعورها بان احتمالات «خلعها» من قطاع غزة (كسلطة حاكمة) باتت اقرب اليوم من أي يوم مضى، كذلك من حقها ان تنتصر لـِ(اخوانها) في مصر الذين احتضنوا قيادتها واستقبلوهم بترحاب وقدّم اخوان غزة ومكتب الحركة السياسي، الولاء والطاعة، لكنه ليس من حق الحركة لا سياسيا ولا اخلاقيا ولا ميدانيا ولا حتى بمعايير موازين القوى الشعبية، ان تتحدث باسم الشعب الفلسطيني او تنصب نفسها وصية عليه وان تكتب له جدول اعماله او ان تجعل منه «ورقة» مساومة لتحسين شروط تفاوضها او للخروج من حال العزلة والحصار التي بدأت تفرض استحقاقاتها على الحركة وسلطتها في غزة، تماما كما ان ذلك ليس من حق حركة فتح التي هي الاخرى صاحبة «باع» طويل في تسخير القضية وارتهانها لخدمة مصالحها الضيقة وذات التاريخ الطويل في اخذ القضية الى مربعات ورهانات خطرة لا لشيء، إلاّ لانها اختطفت القضية واختزلتها في تنظيمها وما تراه قيادتها التي بدأت مشوار التفريط منذ البرنامج المرحلي في العام 1974 (برنامج النقاط العشر) وهو مشوار للاسف لم يتوقف، بدليل انه لم يُنْجِز شيئا لصالح القضية بل عرّضها للتصفية، رغم مرور اربعة عقود على تبنيه.
حماس تختزل القضية بل والشعب الفلسطيني في ذاتها ولذاتها، وتزعم انها تمثله وتنطق باسمه، وكأنه مجرد قطيع او رعايا في جلابيب ودشاديش قادتها وحلفائها الذين سقطوا او في طريقهم الى السقوط والانهيار تنظيميا ودورا، كذلك فتح كما سبق ان قلنا، لكن ما يثير الريبة في ما تنطوي عليه تصريحات قادة حماس (دعك من تصريحات قادة فتح المنتشون والمبتهجون والشامتون بحماس) هو ذهابهم بعيدا في استعداء واستفزاز (السلطة القائمة في مصر) والزعم انها (تتنصل) من القضية الفلسطينية وتواطؤ للاساءة اليها (كذا).
من يصدق ان عاقلا ووطنيا يمكنه ان «يرشق» مصر العظيمة بتهمة باطلة كهذه؟ ومن يصدق ان مصر (ايا كان حاكمها) يمكن ان تدير ظهرها لفلسطين وشعبها بما هي بوابة امنها القومي التي لا يمكن لأحد «نواطيرها» ان يفكر (بالغفو) اثناء نوبة الحراسة؟
وإذا كان كل ما يجري في مصر الان لا يعدو كونه رفضا شعبيا مصريا عارما لحكم الاخوان والتجربة المرة التي عاشها المصريون خلال عام واحد من حكم الاخوان بعد ان اختطفوا الثورة وحولوها الى مشروع للأخونة والتمكين، لم تكن حماس غائبة عنه بل قدمت الدعم المادي والمعنوي.. له، فلماذا صمتت حماس بعد ان شرع النظام «الاخواني» في تدمير الأنفاق وراحت تصريحات خجولة خصوصا من اسماعيل هنية ترضى بالامر الواقع وتقول: بديل التدمير هو فتح معبر رفح الحدودي في الاتجاهين؟
يُحْسِن قادة حماس صنعا لو انهم ابقوا ما يجري بينهم وبين (السلطة القائمة) في مصر في حدود العلاقة او الصلة بين التهم الموجه لمرسي، اما زج الشعب الفلسطيني وقضيته في صراع حزبي وفئوي وتنظيمي، فهو لن يسهم إلاّ في استعداء المزيد من المصريين على الشعب الفلسطيني واتساع منسوب الكراهية له على النحو الذي لا تخلو منه أي (ساحة) عربية حيث يشيطنون الفلسطينيين ويتمنوا لو «يفيقوا» ولا يجدوا «شيئاً» اسمه.. الشعب الفلسطيني!!
ظهر الاردن المكشوف
ماهر ابو طير – الدستور الأردنية
مؤلم جدا ما تعرض له الابرياء في مصر،في ميدان رابعة العدوية،من استهداف المدنيين الاسلاميين،ومقتل العشرات وجرح الآلاف،فوق ما جرى في الاسكندرية،وكأننا في حرب اهلية،حتى لا نبقى نتحدث عن احتمال اقتراب موعدها،فمقتل المصريين على يد المصريين كارثة كبرى،لا يقبلها الا كل خوان او شامت بلا ضمير او شرف.
هنا في الاردن لسنا بمعزل عن دول الجوار،وإذ تتأمل الجغرافيا،يتضح ان الاردن محاط من كل الجهات بطوق من الفوضى،والدمار،والاقتتال والاحتلالات،شمالا حرب اهلية سورية،وفوضى دموية،جنوبا،حرب اهلية وانزلاق للجيش في صراع سياسي دموي في مصر،غربا احتلال اسرائيلي بشع،ودماء لم تجف،واطلالة محتملة لمواجهات دموية،وشرقا يأتينا العراق ومذابحه وتفجيراته والصراع المذهبي واحتمالات التقسيم،وبقايا الاحتلال الامريكي،ويد ايران في كل زاوية وتحت كل حجر فيه.
البلد محاصر بشكل واضح،من كل اتجاهاته الجغرافية،ونصيب الاردن ان يقع بين اهم ثلاثة حاضنات عربية تاريخية عمرها الاف السنين،الشام وبغداد والقاهرة،وهذه حاضنات تتعرض لتدمير اقتصادي واجتماعي وسياسي،واعادة تعريف لمكوناتها بطريقة لا تخلو من الدم والثأرية والانتقام والكراهية،فلا تعرف كيف سيدير الاردن وجوده وسط هذا الحصارغير المسبوق،وكل هذه البلاءات في دول الجوار؟!.
تجنب صناعة الازمات امر مهم جدا،لمنع نقل الفوضى الى الاردن،وصناعة الازمات كارثة خطيرة على البلد،ولا يحتمل بنيان البلد اي صناعة لأزمات تحت اي عنوان سياسي او اقتصادي او اجتماعي،والمبالغة في توصيفات قوة الداخل الاردني،قد تأخذنا ذات لحظة الى مفاجآت سلبية،دون ان يعني ذلك وصف حالنا بالهشاشة المطلقة،برغم عدم غيابها كليا من جهة اخرى.
صناعة الازمات امر ممكن وسهل،والموضوع لا يخضع للفتوى ولا للتنظير،غير ان كل الاطراف السياسية في الاردن مطالبة بتجنب صناعة الازمات،فالحكومات اولا مطالبة بالتنبه الى هذا المناخ السلبي،وتنفيس كثير من الاحتقانات،وعدم الركون الى ذعر الاردنيين من فوضى الجوار للاستفراد بالمواطن هنا وتمرير القرارات الصعبة،او عدم الوقوف عند رغبات الناس من محاربة الفساد والا صلاح السياسي وغير ذلك،وهذا ركون انتحاري رأيناه في دول اخرى،ورأينا.. اين جر هذه الدول؟!.
ذات القاعدة تنطبق على الجماعات السياسية في الاردن،سواء جماعة الاخوان المسلمين او غيرها من جماعات وقوى تأثير ،وامام هذا المشهد الذي يعصف بدول الجوار وشعوبها،يصير محرما السعي لنقل ذات الفوضى الى الاردن،تحت عناوين محلية،او تحت وطأة الشعور بالظلم او الغبن،ولا يعقل ان تبقى وتيرة الحراكات وشكلها وشعاراتها ونمطيتها امر مشروعا،ما دمنا نرى انهيارات الجوار،وفي هذه اللحظة بالذات تتراجع المشروعية،امام الكلفة الاجمالية على البلد والناس،والتقليد هنا يصير اعمى،وبلا ضمير،خصوصا،عند محاولة شبك الجبهات ببعضها البعض،فلاعدالة في هذه الفكرة ابدا،فلماذا لا نكون احرارا وانقياء ووطنيين الا اذا نقلنا فوضى الجوار هنا،وشبكنا كل الجبهات وفتحناها على بعضها البعض،دون ان ننسى هنا ان حساسية الاردن وتركيبته الداخلية وتعريفاته العربية والدولية،وخاصرته القوية والضعيفة في آن واحدة،لا تحتمل ابدا التساهل امام شرعنة مبدأ فتح الجبهات على بعضها البعض.
تجنيب الاردن ازمات الاقليم،امر مهم جدا،وهو لا يقف عند حدود الكلام والقاء الخطابات،او الركون على ذعر الاردنيين المبثوث في عصبهم العام اذ يرون شعوبا ودولا عريقة تنهار على مرأى من عيونهم،بل لا بد ان تسعى المؤسسة السياسية الرسمية من جهة،وبقية القوى السياسية والحزبية وعلى رأسها جماعة الاخوان المسلمين،الى مراجعة كل المواقف،وكل الاتجاهات الشعبية،والمشهد الداخلي بكل تعقيداته وفواتيره،حتى لا نصل الى مرحلة نفقد فيها ما تبقى لدينا من مزايا، او نصحو على صدام تم انتاجه بفعل الاهمال واللامبالاة،او تم تصنيعه مع سبق الاصرار والترصد.
كي يبقى الاردن وسط هذا الاقليم الذي يغرق في الدم،فإن على كل الاطراف،ودون مناددة اومساواة مسبقة بين بعضها البعض،ان تتجنب الازمات،وتطفئ ماهو مشتعل منها،وان نتذكر ان ظهر الاردن القومي بات مكشوفا من اتجاهاته الاربعة،فلا ملاذ ولا مفر،سوى التوقف من حيث المبدأ عن محاولات اشعال النار،تليها ترتيب اوراق الداخل،وصونه رحمة بأهله وحياتهم.هل وصلت الرسالة الى من يعنيهم الامر خصوصا الاخوان المسلمون؟!!.
همام سعيد وإمارة البقعة الإسلامية؟
مهند مبيضين – الدستور الأردنية
محاولة يائسة تلك التي ذهب إليها الشيخ همام سعيد بدعوة الناس في حفل إفطار بمخيم البقعة للانحياز بين فسطاطين، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، وهذا جوهر ما ذهب إليه الفكر العقدي المتشدد والذي أنتج القاعدة وأخواتها، والشيخ لم يقف عند هذا الحدّ بل راح يقول أن ما هو موجود اليوم في مصر موجود في الأردن بقوله: «وأن الأمة الآن أمام فسطاطين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه , وأن ما يحدث في مصر الآن يحدث أيضا في الأردن..».
كلام الشيخ همام سعيد الذي قال فيه بوجوب استعادة الشعب لحكم نفسه في الأردن وردّ الأموال المنهوبة، والعمل على إصلاح النظام في بنيته بحيث يتمكن الشعب من ممارسة حرياته كاملة وأن يكون قرار الشعب بيد نفسه لا بيد غيره، لم يوضح معنى إصلاح النظام في بنيته، ولم يقل لنا معنى انتهاء هذا الشعار، وإن كانت الحركة تريد الانتقال لمرحلة أخرى.
ولا نعرف معنى أن يقول الشيخ بذلك القول دون تحديد لمنهج الإصلاح الذي يقول أنه كان يقصد إصلاح النظام، ثم نجده يتكئ على تاريخ الجماعة والمؤسس حسن البنا رحمه الله، مبتعدا عن منهجها الذي أُسست عليه في الإصلاح، وما قرره الشيخ البنا في المؤتمر الخامس للحركة والذي بين أن فكرة الإخوان المسلمين هي نتيجة الفهم العام الشامل للإسلام، وشملت كل نواحي الإصلاح في الأمة، وهي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية. ولكن للأسف فشيوخ الإخوان اليوم لا يرون الجماعة كذلك، فقط يرونها وسيلة وقنطرة للغلبة على مصائر الناس والدول.
وحين نقرأ كلام الأصول الفكرية للتجربة الإخوانية، ولو تذكرنا رجالات الإخوان في مصر، لعرفنا البعد الذي يفصل بين رجال اليوم ورجال الأمس، ولنقرأ فقط مقدمة الإمام الشيخ حسن البنا التي سطرها لكتاب شيخ إخواني مجدد عاش كتابه معنا وبيننا حتى اليوم، ألا وهو الشيخ السيد سابق مؤلف كتاب فقه السنة، والذي مثل تجديدا في الفقه، وهو كما يقول الشيخ السيد سابق في تمهيده للكتاب رد على خرافة القول بأن باب الاجتهاد قد أغلق، أما الإمام البنا فقال في مقدمته «إن أعظم القرابات إلى الله تبارك وتعالى، نشر الدعوة الإسلامية» فأين نحن اليوم من هذا القول؟.
نتمنى أن يكون في شيوخنا من الإخوان في الأردن أو مصر من هم بحجم اجتهاد الشيخ السيد سابق أو مصطفى السباعي او عبد القادر عودة أو سعيد حوى، لكن للأسف هناك اليوم منهم من يمتهنون السياسة والدين ويريدون استعادة الشريعة بأي ثمن ولو كان ذلك بالدم، وهم في الحقيقة لا يأبهون في الإصلاح، إلا بالقدر الذي يحقق لهم الغنائم.
لا أعرف أي إصلاح يريده الشيخ همام سعيد، والذي يحرض الناس فيه على النزول للشارع، وهو الذي كتب عن فتنة الأهواء والفرق، والذي يعي أي خطر يمكن أن يلم بالمجتمع لو انزلق للعنف، وهو العارف لخطر الفتنة، والمقدر لوجوب حفظ الأوطان؟ نتمنى أن نسمع منه كلاما جليا يعيده لمساره العلمي الذي قدمه خلال فترة انشغاله بالبحث، فخسارة كبرى أن يعرف الناس همام سعيد في مواقفه السياسية المريبة ولا يعرفوه من خلال جهده المعرفي الطيب، قبل أن تغويه السياسة وموقع المراقب العام!!.
الإخوان..أشكال من الرهان
سلطان الحطاب - الرأي الأردنية
هذه لحظات عصيبة على مصر، وهي في مخاض انتظرته طويلاً منذ هزيمة عبد الناصر في اليمن وعندها كان الانهيار لمشروع الدولة العربية القومية وهي الهزيمة التي توجتها هزيمة 1967 كما انها امتداد لهزيمة الدولة المصرية الحديثة التي انشأها محمد علي باشا وقضى عليها الغرب الغازي حين خرجت مصر من رحم التبعية العثمانية ليتناوب استعمارها الفرنسيون والانجليز..مصر الآن أمام خيارات صعبة، فإما أن تمضي خلف عسكرها الوطني لتبلور الدولة المدنية الحديثة التي تأخرت نصف قرن ولم تتمكن من اللحاق بتركيا وكوريا ودول أخرى بدأت معها النهوض حين تعثرت لعوامل عديدة وإما أن تعاود السقوط في يد الاخوان المسلمين الذين يمارسون الآن أقسى درجات الابتزاز للدولة المصرية منذ دحرهم الشارع في هبّة 30 يونيو حزيران 2013 التي خرجت لتصحيح مسار ثورة (25 يناير) حين قفز الإخوان على الثورة وأجهضوها وانقضوا على مفاصل الدولة وحاصروا الاخوان فكانت الأخونة هي الأولوية قبل بناء الدولة التعددية والاجابة على أسئلة الثورة العالقة..
كان على مرسي الذي ورث أزمات كبيرة من الفساد وسوء الادارة وسياسة الحزب الواحد أن يعالج هذه المشاكل لكل مصر وباسم مصر، فمصر كانت مكبلة باتفاقيات كامب ديفيد والهيمنة الأميركية التي افقدتها دورها التاريخي في الاقليم والمنطقة وأفقدتها كرامة شعبها بمواصلة اذلاله الوطني والقومي بالاستقواء عليها واستفزاز مشاعر المصريين بالحرب على غزة وامعان النظام (مبارك) في حدمة اسرائيل وأهدافها..
كان على مرسي أن يصدر الازمة باتجاه اسرائيل تحديداً طالما أنه كان منتخباً وتمتع باختيار الأغلبية المصرية التي يمكنها ان تجر كل النصف الآخر من المصريين لتأييده لو ذهب باتجاه انذار اسرائيل لفك الحصار عن غزة ووقف هيمنتها في سيناء وتحلل من اتفاقيات كامب ديفيد الظالمة ولكنه ولأسباب تتعلق بمحاولته كسب الأميركيين ومهادنة الاسرائيليين والتمسك بالحكم صدر الأزمة باتجاه أثيوبيا بخصوص مياه النيل وحرف بوصلة مصر التاريخية التي اعتبرت عبد الناصر رمزها رغم هزيمة عام 1967 في حين لم تقبل زعماء آخرين أضاعوا أهدافها في الصراع الوطني والقومي باتجاهاته الصحيحة.
لو أن مرسي منذ يومه الأول حدد بالضبط أصدقاء مصر (كلها) وأعداءها لما جرى الإطاحة به ولكان أشفى كرامة المصريين ولانه أخطأ وذهب يخدم الحزب (الاخوان) والمرشد والأخونة والعمل خارج الحدود لصالح الحزب السياسي وليس لصالح الدولة المصرية الوطنية ومجالها الحيوي وأهدافها ودورها المحوري.
سقط مرسي منذ أيامه الأولى لأنه لم يمسك بأهداف مصر ولم يحسن الحالة المصرية لا على مستوى الرغيف ولا على مستوى الكرامة..ولذا عبر السيسي من هذا الفراغ القاتل ليعيد لمصر شيئاً من شعاراتها وأهدافها وحلمها في دولة ديموقراطية وطنية مدنية مستقلة فهل تنجح؟..
أمام الاخوان السيناريوات التالية..إما أن يركبوا رؤوسهم ويستمروا في المعارضة ثم يسلحوها ويصادموا الجيش ويخوضوا حروباً ارهابية تدمرهم وتدمر مصر ومقدراتها..وإما أن يوافقوا على الحوار ويذهبوا إلى صناديق الاقتراع ويقبلون بالنتائج وإما أن ينسحبوا إلى صفوف المعارضة أو المشاركة..والمأمول أن يختاروا طريقاً يحفظ استقرار مصر لا ان يذهبوا باتجاه المزيد من الدمار..معرفتي بهم تجعلني أكثر تشاؤماً فهم طلاب سلطة انتظروها طويلاً وصدقت فيهم مقولات عبد الناصر..التي سأتحدث عنها غداً.
للأسف.. هؤلاء يعشقون الدم!
حسين الرواشدة – الدستور الأردنية
كنت فيما مضى قد نبهت الى خطورة “التعبئة” الحماسية التي تحملها بعض الاغاني الوطنية “المسلوقة” وقلت آنذاك بان اثارة العاطفة الوطنية تحت لافتة التحريض على “العنف” ودق العظام وطحن الخصوم واللعب “بالنار” ستدفع شبابنا الى “قبول” فكرة الكراهية وستشجعهم على ممارسة “العنف” وستعبئهم ضد خصوم واعداء “وهميين” ثم سرعان ما يوظفون هذا المخزون باتجاه انفسهم وبعضهم بعضا.
الآن، انتقلت هذه العدوى الى بعض حراكاتنا في الشارع، وقد صدمتني حقا هتافات سمعتها اخيرا في احدى المسيرات تردد: “يا فلان لا تهتم نحن نعشق الدم”، ومع انني لا اريد ان احمّل هؤلاء الشباب الذين دفعتهم الحماسة للدفاع عن زملائهم المسجونين اكثر مما تحتمله “حسن النوايا” وسوء “التعبير” الا انني انبه الى خطورة هذا الخطاب “الشعبي” كما نبهت سلفا الى خطورة الخطاب “الفني” فالخطابان وجهان لعملة واحدة تسربت اليها “لغة” العنف، وهما نتاجان لحالة سياسية واجتماعية وثقافية اخشى ان تترسخ في حياتنا العامة، وان تجد “قبولا” لدى شبابنا الذين وجدوا “الابواب” المشروعة امامهم مغلقة، فاندفعوا للدخول من الشبابيك المحرمة التي غفلنا عن اغلاقها سواء بقصد او بدون قصد.
لا يراودني شك بان خطاب العنف وممارساته التي تصاعدت في مجتمعنا ليست وليدة اللحظة وليست معزولة ايضا عن سياقات سياسية واجتماعية وثقافية ساهمنا جميعا في رعايتها و”صناعتها” وبالتالي فان الذين “يمارسونها” سواء أكانوا هؤلاء الشباب الذين قالوا بانهم “يعشقون الدم” او اولئك النخب الذين صرّحوا اكثر من مرة بأنهم “يفتدون زعماءهم بدمائهم وارواحهم” او كانوا ممن وقفوا امام “الميكروفونات” للتحريض والتقسيم بلغة عنيفة تفوح منها رائحة الكراهية او كانوا من “المسؤولين” الذين استمرأوا الخطابات النارية او لجأوا الى اتخاذ مقررات تزيد من اعباء الناس وتدفعهم الى “جدران” اليأس والعنف والانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم، كل الذي ذكرت سلفا وغيرهم مسؤولون عن انتاج “خطاب الدم” هذا الذي يفترض ان نرفضه ونحذر منه وندعو دائما الى “شطبه” من قواميسنا السياسية والشعبية.
اعرف –تماما- ان وراء سطوة مثل هذه “الثقافة” الحماسية المغشوشة اسباب عديدة، منها افتقادنا للقيم التي تبشر “بالحياة” والحرية والتي يمكن ان تجعل شبابنا يهتفون بأنهم “يعشقون الحرية” مثلا او “يعشقون الحياة الكريمة” او ان تجعل نخبنا السياسية تحمل خطاب “افتداء الوطن بالعمل والاخلاص والنظافة” او ان تجعل المسؤول في بلادنا يستشعر في مقرراته “طعم” الكرامة الوطنية وحق الناس في الحياة الكريمة..الخ، ومن الاسباب ايضا غياب “المشروع الوطني” القادر على استيعاب طاقات الناس واستثمارها وتوجيهها في اطار “البناء” لا الهدم، وفي اتجاه الحوار والتفاهم لا الاشتباك والصراع والعنف واستخدام لغة “الروح والدم” ومن الاسباب –ثالثا- غياب الرموز الوطنية الحقيقية التي تحمل للناس “قيم” التمسك بالنضال السلمي والزهد في المكاسب وتلهمهم الى كيفية انتزاع حقوقهم بالوسائل المشروعة لا باستخدام العنف او غيره.
اذا ما استثنينا “خطاب” المعركة مع الاعداء وضد العدوان، هذا يعتمد “التعبئة” والتجييش وتوظيفه رمزية “الفداء” بالروح والدم، فان اية صراعات سياسية داخل الوطن وبين ابنائه مهما كان نوعها او اية حراكات تطالب بانتزاع حقوقها لا يجوز ابدا ان تستلهم هذا الخطاب او ان تستخدمه لانها عندئذ تغامر “بمشروعيتها”، وتتنازل عن حقوقها وتفقد ثقة المجتمع بها، فالعنف والدم حتى وان كانا مجرد شعارات هما وصفة “للصدام” والخراب والدمار ومقدمة خطيرة تقود الجميع الى نتائح كارثية.
لا بأس ان نتعلم من تجارب الاخرين، فما نتابعه من فصول الانقسام في “الميادين” والحروب بين “الاخوة” والتصفيات بين “الخصوم” السياسيين في اكثر من مكان ليس سوى نتيجة لدعوات “المفاصلة” والاقصاء واستخدام خطاب “التلويح” بالافتداء بالارواح والدم، وراء ذلك كله للأسف “اعلام” فقد ضميره المهني ووضع نفسه في خدمة “مشروع” الكراهية والفتنة والتحريض وتعبئة المشاعر والغرائز، ليس ضد “العدو” المحتل وانما ضد ابناء الدين الواحد واللسان الواحد والهدف والمصير الواحد... يا خسارة.
لا تفويض شعبيا أو دينيا يبرر القتل!
باتر محمد علي وردم– الدستور الأردنية
حصل الفريق عبد الفتاح السيسي على التفويض الذي يريده وبطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ العالم العربي. إذا كان كل الملايين الذين نزلوا إلى شوارع المدن المصرية فعلوا ذلك تلبية لدعوة السيسي فهذا يعني أنه يحظى بشعبية أكبر من عبد الناصر، لكن غالبيتهم نزلوا تحت أمل أن يتمكن الجيش من إعادة الحياة الآمنة والمستقرة إلى مصر والقدرة على النظر بتفاؤل إلى المستقبل.
في المقابل هنالك ملايين يدعمون الرئيس السابق إما نتيجة التزامهم التنظيمي مع الاخوان المسلمين أو لأسباب مبدئية لها علاقة بضرورة احترام نتائج وتبعات الانتخابات الديمقراطية وعدم وضع “شرعية الشارع” في مواجهة “شرعية الصندوق”. ما يحدث الآن في مصر من استقطاب سياسي وفكري رهيب يهدد ليس فقط مكتسبات الثورة المصرية بل قيم الدولة والتعايش الإنساني.
فجر يوم أمس سقط عشرات الضحايا في مناطق قريبة من ميدان رابعة العدوية. الروايات الإعلامية المسيسة تختلف إلى درجة التناقض التام ولكن الحقيقة هي أن عددا كبيرا من الناس تعرض للقتل وبطريقة بعيدة تماما عن قيم الإنسانية. في أحد الأطراف وهو المعسكر المؤيد للجيش هنالك شعور بعدم الاكتراث بهؤلاء الضحايا وبأنهم “إرهابيين” لا يستحقون البقاء ولا يملكون حرية التعبير. في المقابل هنالك طرف آخر وهو الأخوان المسلمين يعتبر هؤلاء الناس مددا وسدا بشريا لحماية الطموحات السياسية للأخوان المسلمين وكلما زاد عدد الضحايا تزداد مصداقية الجماعية ودورها المفضل كضحية وجهة مظلومة.
تنهار الدول والمجتمعات عندما يصبح القتل الجماعي مبررا والنموذج الأوضح على ذلك هو سوريا. لم يعد الأمر الآن في مصر يتعلق بمرسي والسيسي أو بالأخوان وما يسمى “الدولة العميقة” لأن مشاعر الغضب والحقد والكراهية والتعبئة والتحريض والكذب الصريح اصبحت هي السائدة في المعسكرين وبدعم شعبي لا يمكن نكرانه. عندما تتحرك الجماعات بالملايين والآلاف للدعوة لمواجهة الجماعات الأخرى بكافة الطرق وشيطنة الطرف المنافس واستسهال تعريضه للقتل وتبرير ذلك تكون معاني الإنسانية قد أصبحت مفقودة.
ما هو أخطر من ذلك انتشار الخطاب العنصري وخاصة لدى الفئات المعادية للأخوان والتي تربط ما بين الأخوان وحماس والفلسطينيين وكذلك السوريين، وهو خطاب يذكرنا بما حدث في فترة العدوان الثلاثيني ضد العراق في 1990 والتي شهدت تعبئة وتحريضا رهيبا ضد العرب الذين رفضوا الاصطفاف في معسكر حفر الباطن.
مصر، مهد الحضارة البشرية وكبرى الدول العربية وذات التاريخ الثقافي والحضاري والسياسي المذهل تمر اليوم في مرحلة خطيرة تتجاوز تماما الصراع السياسي وتصل إلى مستوى الشعور الإنساني. لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير قتل الناس جماعيا ولا نشر الكذب والتضليل ولا قيادة الناس إلى هلاكهم لأسباب سياسية وتنظيمية.
المتظاهر الداعم للأخوان له نفس قيمة الشرطي والعسكري ونفس قيمة الشاب الثوري ونفس قيمة اي مواطن مصري له موقف ولا يوجد اي تفويض شعبي أو ادعاء بتفويض ديني يمكن أن يبرر قتل أي منهم لأن قتل النفس الإنسانية أهم عند الله تعالى من هدم الكعبة حجرا حجرا ومن إزاحة الأخوان المسلمين عن السلطة ومن مكافحة ما يسمى الإرهاب!.
ماذا بعد الخروج والتفويض؟
حسن نافعة –المصري اليوم
استجاب الشعب المصرى للدعوة التى وجهها إليه الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع، القائد العام للقوات المسلحة، وخرج إلى الشوارع والميادين بالملايين. وإن دل ذلك على شىء فإنما يدل على: ١- أن أغلبية واضحة من شعب مصر تعتقد أن جماعة الإخوان فشلت فى إدارة شؤون الدولة والمجتمع، كما تعتقد أن استمرار الدكتور محمد مرسى على رأس سلطة تنفيذية يديرها مكتب الإرشاد ينطوى على مخاطرة كبرى لا تستطيع البلاد تحمل عواقبها، وبالتالى لم يكن هناك من بديل للخروج من المأزق الراهن سوى سحب الثقة من الرئيس المنتخب وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ٢- أن هذه الأغلبية تؤيد التدخل الذى قام به الجيش المصرى لحسم الصراع السياسى الراهن، وترى أن ما جرى يوم ٣ يوليو يمثل انصياعاً لإرادة شعبية واضحة تجلت بأكثر من طريقة وفى أكثر من مناسبة، ولا تعتبره انحيازاً لطرف على حساب آخر، أو انقلاباً يستهدف استيلاء المؤسسة العسكرية على مقاليد السلطة. ٤- أن هذه الأغلبية توافق ضمناً على خارطة الطريق المطروحة لإعادة بناء مؤسسات النظام السياسى على أسس جديدة تسمح بمشاركة شعبية أوسع.
لكن هل حسم الشعب بهذا الخروج الكثيف أزمة مصر الراهنة وأصبح الطريق معبداً لتأسيس نظام ديمقراطى مكتمل الأركان؟ بالقطع لا. فهناك ثلاث إشكاليات يتعين على رموز المرحلة الانتقالية الجديدة حلها:
الإشكالية الأولى: تتعلق بطريقة التعامل مع المعتصمين من أنصار الطرف الآخر، وما إذا كان فض هذا الاعتصام سيتم بالوسائل الأمنية العنيفة أم بوسائل سياسية سلمية تتضمن تسوية شاملة ومقبولة من جميع الأطراف.
الإشكالية الثانية: صيغة العلاقة المستقبلية بين «ثورة تصحيح» يفترض أن تكون امتداداً طبيعياً للثورة الأم التى اندلعت فى ٢٥ يناير، وبين «نظام قديم» ثار عليه الشعب، لكنه يعود الآن من جديد ليشارك فى أحداث ٣٠ يونيو التى يعتبرها ثورة على الثورة.
الإشكالية الثالثة: دور المؤسسة العسكرية فى إدارة المرحلة الانتقالية الجديدة التى يفترض أن تقوم بإعادة بناء النظام السياسى لمصر الجديدة وموقعها على خريطة هذا النظام فى المستقبل.
وفيما يتعلق بالإشكالية الأولى، يبدو أن البعض أسرف كثيراً فى تفسير معنى «التفويض» الذى طلبه الفريق السيسى من الشعب. فنص التعبير الذى استخدمه السيسى فى كلمته يشير إلى أنه يريد تفويضاً لمواجهة «العنف والإرهاب المحتمل»، غير أن البعض يرى أن حقيقة ما يريده السيسى هى تفويض بفض اعتصام «رابعة العدوية» بالقوة، بل إن البعض الآخر ذهب إلى حد اعتباره «دعوة إلى حرب أهلية» أو إلى «إبادة جماعية» أو إلى «تصفية الجماعة ومحوها من الوجود». ورغم يقينى بأن السيسى لم يطلب تفويضاً بالقتل أو باللجوء إلى إجراءات استثنائية تنطوى على خروج على القانون، وإنما طلب تفويضاً بالتعامل الحاسم مع أى محاولة لاستخدام العنف والإرهاب، أيا كان الطرف الذى يقدم عليها، لإفشال أو لعرقلة تنفيذ خارطة الطريق المطروحة، إلا أن الدماء التى سالت غزيرة، خلال الساعات الأولى من فجر السبت، تثير لدى قلقاً مشروعاً، ويطرح تساؤلات جادة حول ما إذا كان قرار قد صدر بالفعل بفض الاعتصام فى ميدان رابعة العدوية بقوة السلاح، وأرجو ألا تتطور الأمور فى هذا الاتجاه وإلا ستفضى إلى مذبحة ستشكل، إن وقعت لا قدر الله، وصمة عار فى تاريخ كل من يتسبب فيها.
أدرك أن جماعة الإخوان، بتكوينها الحالى وبتفكيرها الجامد والعقيم، أصبحت تشكل عقبة كأداء تحول دون تحقيق تحول ديمقراطى حقيقى فى مصر. فبعد ثبوت فشلها الفاضح فى إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ها هى تصر على المكابرة وعلى قطع الطريق أمام المستقبل. وبدلاً من الاعتراف بأخطائها والقيام بمراجعة نقدية جسورة لسياساتها ومواقفها التى أوصلت مصر إلى مأزقها الراهن، ها هى تسعى بكل الوسائل المتاحة لديها لعرقلة خارطة الطريقة الجديدة، مستغلة فى ذلك ما تتمتع به من قدرة تنظيمية لاتزال تمكنها من التعبئة والحشد رغم انحسار التأييد الشعبى لها، وتصر على تحدى واستفزاز الجميع ودفع الأمور نحو حافة الهاوية. غير أن ذلك لا يعنى أن استخدام القوة المسلحة لتصفيتها أصبح الخيار الوحيد المتاح للتعامل معها.
أما فيما يتعلق بالإشكالية الثانية، فأظن أنه يتعين على جميع الشرفاء فى هذا الوطن أن يعترفوا بحقيقة أصبحت واضحة كشمس النهار، وهى أن فلول النظام السابق بدأت تعود من جديد، وبقوة، إلى الساحة. صحيح أن الأخطاء التى ارتكبتها الجماعة هى التى أدت إلى خلط فى الأوراق، إلا أنه يتعين مع ذلك الانتباه إلى حقيقة مؤكدة، وهى أن هذه العودة تشكل خطراً على الثورة، وربما تهدد بتصفيتها. فقد بدأنا نستمع هذه الأيام إلى نغمة جديدة تحاول إظهار ما جرى فى ٣٠ يونيو باعتباره «ثورة على الثورة» ويسعى البعض، بكل الوسائل المتاحة، لتشويه ثورة يناير الأم.
وأخيراً ففيما يتعلق بالدور الذى تقوم به المؤسسة العسكرية فى المرحلة الراهنة أو الذى تسعى للقيام به فى المستقبل، أظن أنه موضوع يحتاج إلى معالجة تفصيلية لم يعد هناك متسع لها فى هذا المقال. لذا نكتفى اليوم بالقول إنه، وبعيدا عن شعارات رنانة لا تكف عن التغنى بالدور الوطنى للمؤسسة العسكرية المصرية، وهو ما لا يجب أن نشكك فيه إطلاقا، إلا أنه يتعين علينا فى الوقت نفسه أن نكون واعين للمخاطر التى قد تنطوى عليها إغراءات تدفع المؤسسة العسكرية المصرية نحو القيام بدور سياسى مباشر فى هذه المرحلة أو للدفع فى اتجاه تقنين وضع شبيه بوضع المؤسسة العسكرية فى تركيا قبل وصول أردوجان للسلطة. فكلاهما، أى الدور السياسى المباشر أو الدور المنقول عن التجربة التركية، يشكلان خطرا على مستقبل الديمقراطية فى مصر. لذا أتمنى أن يكون باستطاعة المؤسسة العسكرية المصرية أن تلعب دوراً داعماً لعملية التحول الديمقراطى بدلاً من أن تصبح عقبة فى طريقها، وأظن أن المرحلة الراهنة تسمح لها بلعب مثل هذا الدور تحديداً إن هى أحسنت استغلال الفرصة المتاحة أمامها الآن. وعلى أى حال فإن هذا الموضوع يحتاج إلى معالجة منفصلة، ربما فى مقال آخر.
مصر والتهور التركي مرة أخرى!
طارق الحميد – الشرق الأوسط
ليس الغريب ما تفعله قناة فضائية في مصر، بل إن الغريب هو الموقف، بل التهور التركي تجاه التطورات المصرية، فأنقرة تتعامل مع تطورات مصر وكأنها لبنان، وليس حتى سوريا، وآخر المواقف الصادرة من أنقرة هو موقف الرئيس التركي الذي يقول بأن الإفراج عن الرئيس المعزول مرسي من شأنه أن يؤدي إلى انفراجة بالأوضاع المصرية.
صحيح أن الرئيس التركي أظهر مواقف أكثر تعقل من مواقف رئيس الوزراء التركي، لكن الموقف التركي عموما تجاه مصر انفعالي وغير مقبول، خصوصا أن أنقرة لم تتنبه إلى أن ما يحدث بمصر هو تغيير حقيقي يقوده الرأي العام، وكل المؤسسات المصرية، وليس الجيش وحده، فالإخوان المسلمون بمصر باتوا جماعة معزولة، ومنبوذة، وليست هي بالجماعة المحظورة مثل ما كانت عليه في أيام حكم مبارك. الإخوان المسلمون هم ضحية فكرهم، ونهجهم، وليس في مصر وحدها، بل في تونس، وما يحدث اليوم هناك خير شاهد، والأمر نفسه ينطبق على إخوان ليبيا التي باتت تحرق مقراتهم هناك، وسط رفض شعبي كبير لهم.
الأتراك يعرفون جيدا، وأكثر من غيرهم، بأن الإخوان المسلمين في مصر، وتونس، وغيرهما من الدول العربية، قد حظوا بدعم دولي، وفتحت لهم أبواب الغرب، وبالتالي لا يمكن القول اليوم بأنهم يتعرضون لمؤامرة، بل هم ضحية نهجهم الخاطئ سياسيا، واقتصاديا، وأمنيا، وبالتالي فإنه من الغريب جدا أن تتخبط أنقرة، وتتهور، بهذا الشكل دفاعا عن الإخوان المسلمين، فهل تركيا دولة ذات مؤسسات، أم أنها تتصرف بمنطلق حزبي ضيق؟ ولا شك أن ردود الفعل التركية المتشنجة هي نتيجة سقوط المشروع الإخواني في كل المنطقة، كما أن الواضح هو أن إخوان تركيا منزعجون تماما من النموذج المصري خشية أن يتحرك الجيش التركي ضدهم، وكما فعل الجيش المصري ضد مرسي والإخوان، خصوصا أن الانقسام في تركيا حول سياسات الإخوان هناك حقيقي، وآخرها المظاهرات التي حدثت في ميدان تقسيم التركي.
وعليه، وأيا كان القلق التركي، إلا أن ذلك لا يبرر لأنقرة التصرف بتهور، وتشنج، ملحوظ تجاه مصر، ومحاولة فرض حلول خارجية على المصريين، فمصر ليست بالدولة الصغيرة، كما أن الموقف التركي لا يصب في مصلحة الدولة التركية ككل، ولا يخدم أيضا استقرار المنطقة، خصوصا أن ما حدث في مصر جاء نتيجة غضب شعبي حقيقي تجاه أخطاء الإخوان المسلمين، وبالتالي فلا يمكن أن يقف الأتراك هذا الموقف المعادي للدولة المصرية فقط من أجل نصرة حزب لا يمكن الدفاع عن نهجه الماضي، ولا عما يفعله الآن خصوصا إذا كانت تركيا تقدم نفسها للمنطقة، والمجتمع الدولي، كدولة مؤسسات، ودولة ديمقراطية، فلا العسكر يحكمون مصر، ولا ينوون ذلك، كما أن المصريين يطمحون لأن تكون دولتهم دولة مؤسسات، ونموذجا سياسيا، واقتصاديا ناجحا.
وعليه فمتى ينتبه الأتراك إلى أن الدول لا يمكن أن تتصرف كقناة فضائية، تمارس الصراخ والتهييج، في مصر؟
هروب «القاعدة» إلى سوريا
فايز سارة – الشرق الأوسط
يحتاج الكشف عن تفاصيل عملية هروب قيادات وعناصر تنظيم القاعدة من سجن أبو غريب العراقي والتباساتها إلى مزيد من الوقت، كما يحتاج إلى جهود متعددة وكثيرة لمعرفة تفاصيل مثل هذه العملية الخطيرة والمعقدة، التي لا شك أن تحقيقات عملية وجدية، سوف تكشف تفاصيلها.
غير أن ما يحيط من صعوبات في الكشف عن حيثيات العملية، لا يقف عائقا أمام محاولة فهم العملية وأهدافها السياسية، وترك مجرياتها وتفاصيلها الفنية لمجريات التحقيق الذي سيتم لاحقا من جانب جهات عراقية وإقليمية ودولية، نظرا لما لهذه العملية من آثار أمنية وسياسية تتجاوز العراق إلى بلدان الإقليم وخصوصا سوريا وإلى الأبعد في المحيط الدولي بفعل روابط العملية بموضوع الحرب على الإرهاب.
إن فهم العملية ووضعها في إطارها السياسي، يتطلب التوقف عند المعطيات المحيطة بها، وهي معطيات تتوزع على نوعين، أولها معطيات عملية، والثاني مؤلف من معطيات سياسية، وبطبيعة الحال، فإنه لا يمكن الفصل بين المعطيات العملية والسياسية المتصلة وتفاعلهما المشترك في عملية لا شك أنها معقدة.
والتوقف عند أبرز المعطيات العملية المعروفة التي تحيط بهروب عناصر وقيادات القاعدة، تتجسد في أن العملية تمت في سجن أبو غريب وهو أحد أخطر السجون في العراق وأكثرها ضبطا، وقد كان سجنا رئيسا استخدمته القوات الأميركية لاحتجاز أعدائها، عندما كانت في العراق مما يعني أن الإجراءات الأمنية المطبقة هناك من أشد الإجراءات التي يمكن القيام بها، والأمر الثاني يمثله العدد الكبير من قيادات وعناصر القاعدة الموجودين في هذا السجن والذين قدر عددهم بأكثر من خمسمائة شخص بينهم عدد كبير من المحكومين بالإعدام، مما يفرض انتباها وتركيزا أمنيا شديدا واستثنائيا على السجن والسجناء، والأمر الثالث سهولة العملية التي تمت لتهريب السجناء بعددهم الكبير وسط أوضاع أمنية متوترة في العراق عامة وفي بغداد ومحيطها بشكل خاص، أما الأمر الرابع والأهم في المعطيات العملية، فهو أن رئيس الوزراء نوري المالكي هو المسؤول الأول عن الملف الأمني في العراق، وهو الذي يتابع الملفات الخطرة، وملف القاعدة هو أخطر تلك الملفات حسب الإعلانات الرسمية العراقية.
والمعطيات السياسية المحيطة بالعملية، لا تقل أهمية عن المعطيات العملية، وأولها أن العملية جاءت في ظل تنامي الحديث عن تصاعد قوة القاعدة وأخواتها في بلدان المنطقة ولا سيما في سوريا والعراق، وعملية كهذه يمكن تقديمها برهانا على تلك الأحاديث، التي تخدم من الناحية السياسية مقولة الحرب على الإرهاب، التي يتبناها النظامان السوري والعراقي، ويزعمان في إطارها محاربة الإرهاب والتطرف في البلدين وفي المنطقة، وأن النظام في البلدين يتصدى لجماعات إرهابية متطرفة، وليس لقوى شعبية وجماعات سياسية معارضة تسعى إلى تغيير عميق في حياة الشعب.
وجاءت العملية في ثاني معطياتها السياسية في ظل تحالف معلن بين القيادة العراقية والنظام الحاكم في دمشق، وهو تحالف كلف العراق تقديم مساعدات مهمة ومتنوعة للنظام في دمشق بينها إرسال متطوعين عراقيين يحاربون إلى جانب قوات النظام، وتسهيل مرور عناصر «جهادية» للقتال في سوريا، مما يزكي دورة العنف هناك، التي يتبناها النظام السوري باعتبارها طريقه لمعالجة الأزمة في البلاد ومنهجا لإعادة إحكام قبضته على سوريا والسوريين في آن معا.
وثمة معطى ثالث يحيط بالعملية من الناحية السياسية، لكنه يتعلق بالوضع العراقي أساسا، من حيث هروب عناصر وقيادات القاعدة من أبو غريب، وما سيكون له من تأثيرات على الصراع بين رئيس الوزراء وخصومه. إذ من شأن القضية أن تنقل تلك الصراعات خارج سياقها التقليدي والحالي على السلطة بجعله صراعا تفصيليا يتصل بهروب سجناء ليس إلا، وحتى في هذا الجانب، فإن العملية ستكون مفيدة للمالكي، حيث يستخدمها أداة ضد خصومه أو معارضيه في الإدارة الحكومية، ولاستبعاد الضعفاء من أنصاره داخل المؤسسة الأمنية أو مواقع أخرى في الحكومة، واستبدالهم بعناصر أكثر قوة وولاء له.
خلاصة القول، إن ثمة معطيات عملية وأخرى سياسية، تجعل من ناحية التحليل، وليس الوقائع، عملية هروب أكثر من خمسمائة من قيادات «القاعدة» وعناصرها في سجن أبو غريب عملية مدبرة، ليس من جانب «القاعدة»، وإن شاركت الأخيرة في تنفيذها، وإنما من جهات استخبارية مجاورة بمعرفة، ربما، أهل الحكم، لدفع حشد من «القاعدة» للذهاب إلى سوريا والقتال هناك، بما يعزز مسارات العنف والإرهاب، ويقوي الحديث عن الجماعات والعناصر الإرهابية والمتطرفة التي يحاربها النظام، حتى لو كانت تلك الجماعات تناهض أهداف الثورة وتقاتل تشكيلات الجيش الحر، وتفرض إرهابها على كثير من السوريين ونشطاء الثورة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
هل فشل الربيع العربي؟
عبد الرحمن الراشد – الشرق الأوسط
لم يكن هذا تساؤل مجلة «الإيكونوميست»، ولا استنتاج العديد من الكتاب الغربيين فقط، بل هو سؤال ملايين العرب الذين عايشوا التغييرات التاريخية التي بدأت منذ عامين ونصف العام.
يكفي إسقاط العقيد معمر القذافي، والثورة على نظام بشار الأسد حتى نقول إنه ربيع عربي. هذان الحدثان الخطيران، بذاتهما، يعبران عن تغيير حقيقي في المنطقة نبع من الشارع، من دون التقليل من ربيع مصر بإسقاط نظام مبارك، ثم إسقاط حكومة الإخوان في مصر، وقبله إنهاء عهد بن علي في تونس، وإخراج صالح من الحكم في اليمن.
من دون ثورة ليبيا، ربما عاش القذافي عشر سنوات أخرى، وورث الحكم بعده من هو مثله، ليدوم واحد من أغرب النظم وأسوئها في تاريخ العالم المعاصر. ثم إن إصرار غالبية السوريين على قلع بشار الأسد تعبر أحداثه عن قسوة النظام الذي حكم البلاد أربعة عقود ونشر الرعب في المنطقة.
حتى إسقاط حكومة مرسي الإخوانية يمثل الفصل الثاني في الربيع المصري.. يدلل على أن المصريين بالفعل مصرون على التغيير الحقيقي، وقد أعطوا الإخوان فرصة ثمينة لإدارة البلاد، لكن الإخوان مارسوها كما فعل مبارك، بنفس عقلية الهيمنة واحتكار السلطة.
من الطبيعي أن انهيارات نظم شرسة وعميقة ستخلف وراءها فوضى وخيبات، كما نرى في ليبيا.. فالفراغ الذي تركه سقوط نظام القذافي ملأته جماعات بعضها عاش على ثقافة قذافية، تؤمن بحكم قوة السلاح، انضمت إليها جماعات تكفيرية إرهابية تسللت للاستيلاء على البلاد، بعد فشلها في أفغانستان واليمن والعراق والصومال والجزائر، وبعد هزيمتها في مالي. وهي تحاول مد يدها إلى دول الربيع العربي التي لا تزال في طور الانتقال، مثل تونس ومصر.
الربيع ليس ورديا، بل دام كما نراه في سوريا، لكن ديمومة الحرب الطويلة فيها، والتكلفة الباهظة في الأرواح والممتلكات، تعني أن أهلها ماضون حتى نهاية الأسد. لقد أثبتت عزيمتهم وإصرارهم على أنها قادرة على الصمود، وهذا في حد ذاته تأكيد على أن ربيع دمشق حقيقي، وليس مجرد محاولة. وكذلك اليمن، الذي يظل أبرز دول الربيع العربي نجاحا، مع أن اليمنيين قطعوا نصف مسافة الطريق حتى الآن، وهم أكثر عرب الثورات قدرة على مواجهة الأعاصير.