Haneen
2013-08-04, 11:31 AM
اقلام واراء عربي 463
30/7/2013
في هذا الملــــف:
مرحلة مفصلية
رأي البيان الإماراتية
كيري يطلق مسار التنازل الفلسطيني الجديد
حلمي موسى/السفير
لعبة تفاوضية بالمقلوب
طاهر العدوان/الرأي الأردنية
أربعة سيناريوهات لما بعد الـ «14 من آب»
عريب الرنتاوي/الدستور الأردنية
«حماس» والتموضع الجديد؟
د. نبيل حاوي/القبس الكويتية
«حماس» ليست فلسطين
أمين إسكندر/المصري اليوم
وحدة الضفتين وحرب السلطتين
سميح المعايطة/الرأي الأردنية
«برافر لن يمر»!
ربى الحسيني/السفير
اسرائيل هي العدو وليس ايران
بسام البدارين (مدير مكتب القدس العربي في الاردن)/القدس العربي
الارباك يطبع "اللاقيادة" الأميركية في المنطقة ومصر صدمة جذرية بعد انهيار الاخوان
روزانا بومنصف/النهار اللبنانية
مرسي رئيساً للأردنيين !!
حازم مبيضين/الرأي الأردنية
اين الوساطات العربية في مصر؟
رأي القدس العربي
اليسار ومسألة الإسلاميين
سلامة كيلة (كاتب سوري – فلسطيني)/القدس العربي
حروب «حزب الله» تؤكد هويته العسكرية
غسان الإمام/الشرق الأوسط
مرحلة مفصلية
رأي البيان الإماراتية
مع الإعلان عن انطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية اليوم، تدخل عملية السلام في مرحلة مفصلية، فالطريق إلى الحقوق الفلسطينية المتفق عليها من غالبية الشعب الفلسطيني وممثليه الشرعيين بات واضحاً وهو الدولة الفلسطينية ضمن حدود الأراضي المحتلة عام 1967، وهذا هو الحد الأدنى الذي ارتضاه الشعب الفلسطيني للقبول بالحل السياسي والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي يحاول أن ينتقص من هذه الحقوق عبر وسائل شتى منها فرض الأمر الواقع على الأرض واقتطاع الأراضي ومحاولة فرض حدود جديدة يستثني منها المستوطنات والطرق الالتفافية التي تقطع أوصال الاراضي الفلسطينية بين ثلاثة معازل أو أكثر، والاستيلاء على الحدود مع الأردن في منطقة الأغوار بذرائع أمنية.
وفوق هذا وذاك موضوع القدس الذي يبدو وكأنه القنبلة التي يريد الإسرائيليون تفجيرها في عملية السلام في لحظة ما، فالقدس هي مفتاح السلام في هذه المفاوضات وإذا لم يعترف الإسرائيليون بالحقوق الفلسطينية فيها فإن مستقبل العملية سيكون في مهب الريح.
صحيح أن انطلاق المفاوضات فرصة ثمينة للجميع لابد، وأن يستغلوها للوصول إلى اتفاقات عادلة يرضى بها الفلسطينيون الذين أتعبهم الصراع.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد على دور الراعي الأميركي الذي يملك وحده القدرة على الضغط الجدي على إسرائيل. وإجبارها على القبول بالحل العادل الذي يرضي الفلسطينيين. ولذلك فالمطلوب من الولايات المتحدة ليس تأمين الاستضافة فقط بل والمشاركة في المفاوضات بشكل جدي إن كانت تريد لها أن تصل إلى نهايتها السعيدة بالتوقيع على اتفاق نهائي ينهي الملفات العالقة ويدخل المنطقة في مرحلة من الاستقرار.
إن حل القضية الفلسطينية في هذه المرحلة يشكل أهمية استراتيجية، لأنه يأتي في سياق حاجة المنطقة برمتها إلى الاستقرار، فالقضية الفلسطينية استغلت من الكثيرين، سواء كانوا أنظمة أو فصائل أو قوى، وآن لها أن تحل وفق رؤية الشعب الفلسطيني نفسه صاحب القضية وحامل رايتها.
جدول زمني بـ9 أشهر .. وتباين بشأن الحدود والأمن
كيري يطلق مسار التنازل الفلسطيني الجديد
حلمي موسى/السفير
بعد غياب سنوات، يجلس اليوم الى طاولة المفاوضات الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي لبحث مستقبل التسوية، أو بالأحرى مستقبل الفلسطينيين، برعاية خاصة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وقبل البدء بالمفاوضات، تشارك الوفدان عشاء إفطار رمضاني - أميركي، تمهيدا لمحادثات مغلقة يفترض ان تقود الى تنازلات فلسطينية جديدة، من خلال ما يسمى تعديل حدود العام 1967، التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية، وباركتها لجنة مبادرة السلام العربية، في لحظة تشرذم عربي متزايد وانقسام فلسطيني لا يجد نهاية.
وقد التقى طاقما المفاوضات للمرة الأولى مساء أمس، على مأدبة إفطار رمضاني أعدتها الخارجية الأميركية للطرفين. ومعلوم أنه ستبدأ اليوم في مقر الخارجية الأميركية اللقاءات الرسمية بين الطاقمين بعد إعلان إسرائيل قرار الإفراج عن 104 معتقلين فلسطينيين، ولكن على أربع مراحل مرتبطة بتطور المفاوضات. ما يعني أن إسرائيل نجحت بربط الفلسطينيين في تسعة أشهر من التفاوض حداً أدنى.
وقبل بضع ساعات من استئناف هذه المفاوضات المباشرة في واشنطن، أعلنت الولايات المتحدة أن الاسرائيليين والفلسطينيين توافقوا على إجراء مفاوضات لتسعة أشهر على الأقل. وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي أن الامر لا يتعلق بـ«مهلة نهائية وانما باتفاق لمواصلة العمل».
ومن جهته، رحب الرئيس الأميركي باراك أوباما باستئناف المفاوضات. وقال في بيان إن «الأكثر صعوبة لا يزال أمامنا، وآمل أن يدخل الاسرائيليون والفلسطينيون هذه المحادثات بحسن نية وتصميم واهتمام كبير». وأضاف «انها خطوة واعدة الى الأمام حتى وإن كان الامر سيتطلب عملا شاقاً واتخاذ خيارات صعبة في المستقبل».
وكان وزير الخارجية الأميركية جون كيري قد بعث رسمياً بكتابين للرئيس الفلسطيني محمود عباس ولرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يدعوهما لإرسال ممثلين عنهما إلى واشنطن لاستئناف المفاوضات رسمياً. وامتدح كيري في كتابه «شجاعة» الرجلين اللذين «أبديا استعداداً لاتخاذ قرارات قاسية تعذر بلوغ هذه النقطة من دونها». وبعد ذلك أعلن عن تعيين السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب مارتن إينديك رئيساً للطاقم الأميركي في المفاوضات، التي سيقودها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ووزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني.
وأعلن كيري أن إينديك الذي سيحظى بصفة المبعوث الأميركي الخاص لشؤون السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، سيرافق المحادثات بين الجانبين حاضراً «في كل مكان تجري فيه». وأشار إلى أن مستشاره، فرانك ليفنشتاين، سيكون نائباً لاينديك.
وشدد كيري في مؤتمره الصحافي على دور أوباما في إطلاق ورعاية عملية السلام وعلى خبرة إينديك في المفاوضات. وقال إن «إينديك يفهم أن السلام لن يحل فجأة، لكنه يفهم شعور الإلحاح بشأنه... وهو يعرف ما نجح وما لم ينجح في الماضي، وهو ملزم بالعمل من أجل فعل ذلك بشكل صائب».
وبدوره، اعتبر إينديك، الذي كان حتى يوم أمس نائباً لرئيس معهد «بروكينغز» للأبحاث في واشنطن، أنه «منذ أربعين عاماً يعتقد أن السلام في الشرق الأوسط أمر ممكن... وأنا أعرف أن هذا تحد صعب، ولكن لا أستطيع التهرب منه».
واعتبرت أوساط أميركية أن دعوة الطرفين إلى مأدبة إفطار رمضاني في أجواء غير رسمية يساعد على تسخين الأجواء بينهما. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي قوله إنه «برغم ذلك سنبحث على مائدة الإفطار مسائل تتصل بجدول أعمال اللقاءات». وفي العموم، فإن الاجتماع اللاحق في الخارجية الأميركية سيبحث تفاصيل جدول الأعمال والقضايا على طاولة البحث وينهي جولة اللقاءات هذه بإعلان مشترك يقرأه جون كيري شخصياً، ويعلن فيه رسمياً استئناف المفاوضات بين الطرفين.
وهناك قناعة في إسرائيل بأن الطاقمين الإسرائيلي والفلسطيني ينطلقان من زوايا متناقضة في المفاوضات. فالفلسطينيون يريدون حدوداً وخرائط وإسرائيل تتحدث عن ترتيبات أمنية، وخصوصاً في غور الأردن. ومن الجائز أن هاتين المسألتين ستحتلان الأولوية عن القدس واللاجئين على الأقل في مراحل المفاوضات الأولى. وربما على قضايا الحدود والأمن ستنهار أو تتقدم المفاوضات قبل القضايا الأخرى.
وكانت ليفني ومبعوث نتنياهو الخاص للمفاوضات المحامي اسحق مولخو قد وصلا إلى نيويورك أمس، لإطلاع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على فحوى التفاهمات التي قادت إلى استئناف المفاوضات. وطلب الاثنان منه أن يعمل على دعم العملية السياسية والحيلولة دون أي خطوات أحادية الجانب في مؤسسات الأمم المتحدة. ومن المهم الإشارة إلى أن أحد دوافع قبول الحكومة الإسرائيلية باستئناف المفاوضات بالشروط المعلنة، هو الخشية من عزلة دولية ومن خطوات في الأمم المتحدة ذاتها.
وبحسب ما يفهم حتى الآن، فإن المفاوضات في واشنطن تنتهي اليوم على أن يحدد موعد اجتماعات أخرى في الشرق الأوسط. ومن المفترض أن تجري خلال التسعة أشهر مفاوضات حول قضايا الحل النهائي المعروفة وهي الحدود والأمن والقدس واللاجئين. ويبدو من سلوك جون كيري حتى اليوم أنه يسعى لإدارة المفاوضات بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام، الأمر الذي قد يسهم في نجاحها، بحسب رأيه. ويتحدث كثير من المراقبين عن مبدأي السرية و«الغموض البناء» اللذين اعتمدهما كيري حتى الآن لإنجاح مساعيه.
وفي كل حال، فإن كل طرف بدأ بالتحريض على الطرف الآخر بوصفه المسؤول عن الإفشال اللاحق للمفاوضات. وفي نظر الفلسطينيين تكفي نظرة واحدة على مماطلة الحكومة الإسرائيلية في إقرار الإفراج عن أسرى مضى على اعتقالهم ما يزيد عن 20 عاماً لإثبات استمرار التصلب وانعدام المرونة. كما أن الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، يشيعون أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وافق على استئناف المفاوضات فقط من أجل أن يفشلها. وربما لهذا السبب استبق الطاقم الإسرائيلي المحادثات بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاجتماع إلى أمينها العام.
لعبة تفاوضية بالمقلوب
طاهر العدوان/الرأي الأردنية
من تراث المفاوضات العربية الإسرائيلية ان العرب يقبلون ما كانوا قد رفضوه في السابق لكن بعد مرور السنوات وتضييع الوقت . اصل هذه المقولة هم الإسرائيليون وقد اختبروها في السابق بنجاح وها هم اليوم امام مثال آخر ، فبعد رفض فلسطيني استمر أكثر من خمس سنوات تعود السلطة الى التفاوض متخلية عن شرط وقف الاستيطان بل انها تذهب الى مفاوضات واشنطن بدون مرجعيات .
الإسرائيليون لم يتمسكوا فقط بالاستيطان انما أضافوا شرطا آخر استبق به نتنياهو المفاوضات في قرار حكومته يوم الاحد الماضي « بان أي اتفاق ينجز سيطرح للاستفتاء على الإسرائيليين « والمخدوعون يعتقدون ان هذا الإعلان يدل على ان نتنياهو مقدم على اتخاذ قرار صعب كالذي اتخذه شارون عندما انسحب من غزة ، والواقع ان نتنياهو أضاف خطا احمر جديد امام المفاوضات في مجتمع إسرائيلي لم يعط ثقته ، منذ عشر سنوات ، الا الى عتاة العنصرية والمستوطنين .
كما ان هذا الإعلان سلاح ضغط جديد سيستخدمه نتنياهو على المفاوض الفلسطيني ليقول له في كل مرة يرفض فيها السلام الإسرائيلي المعروض عليه بانه ان لم يقبل فان الشعب الإسرائيلي لن يوافق على الاتفاق عند طرحه على الاستفتاء وهكذا تستمر اللعبة التفاوضية بالمقلوب او كما يقال ( بالشقلوب ) لانه في كل المفاوضات التي جرت بالتاريخ يطرح الاستفتاء ،الذي يسمى تقرير المصير ، على الشعب الرازح تحت الاحتلال وليس على ( الشعب ) الذي يحتل جيشه بلدا آخر .
هذا الاستثناء الذي يريد نتنياهو ترسيخه كمبدأ للتفاوض بدل قراراي ٢٤٢ و ٣٣٨ يضع مائدة التفاوض على قواعد خاطئة وبداية من هذا النوع ستقود الى نتائج كارثية ، خاصة وان الإعلام والسياسة الصهيونية قد نجحتا في قلب الموقف الرسمي والشعبي في الولايات المتحدة عندما صورت عقبة السلام بانها تتمثل برفض الفلسطينيين الاعتراف بان اسرائيل دولة لليهود ، وبما ان اسرائيل لا تعترف بان الضفة والقدس أراض محتلة انما متنازع عليها فان فكرة الاستفتاء تقدم للعالم المخدوع ( ان كانت الاجابة بنعم) بانها تنازلات صعبة وسخية من الإسرائيليين عن ( أرضهم ) من اجل السلام!.
يقدم الفلسطينيون في السلطة التبريرات بانهم يذهبون للمفاوضات بعد ان رفضوا سنوات طويلة لم يتقدم العرب خلالها بمواقف عملية تجعل هذا الرفض مجديا فلا هم قدموا أموالا كافية للصمود ولا ضغوطا ذات وزن على واشنطن لتجبر نتنياهو على وقف الاستيطان .
وبغض النظر عن صحة هذه التبريرات أم لا ، فان المخاطر من الذهاب الى المفاوضات بلا وقف للاستيطان وبلا مرجعية قانونية للمفاوضات سيقود الى احد احتمالين ، الأول - فشل المفاوضات لأني من بين الذين يعتقدون بانه لا يوجد قائد فلسطيني قادر على منح احتلال اسرائيل البركة والشرعية ، لكن هذه المفاوضات ستقترن بمشهد نمو وتوسع استيطاني غير مسبوق وسيستخدم المفاوض الإسرائيلي هذا الواقع الموجود على الارض لإلقاء ضغوط هائلة على المفاوض الفلسطيني .
أما الاحتمال الثاني فهو نجاح المفاوضات وتوصلها الى حل نهائي ، لكن الظروف والمؤشرات والسوابق ترجح بانه لن يكون الحل العادل المنشود و يخشى ان يبنى على الأمر الواقع (الاستيطاني والتهويدي ) في الضفة والقدس مع تجميله( بمكياجات ) الدولة والانسحاب والاستقلال في كانتونات ممزقة ،و دولة غير قابلة للحياة بدون علاقة ما مع الاردن تغطي عيوب هذا الحل وتستر عوراته .
أربعة سيناريوهات لما بعد الـ «14 من آب»
عريب الرنتاوي/الدستور الأردنية
ينتظر الفلسطينيون -ليس بفارغ الصبر- استحقاق الرابع عشر من آب/أغسطس القادم، أي بعد عيد الفطر السعيد مباشرة، تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة د. رامي الحمد الله المستقيلة، والتي بدت كـ “فاصل إعلاني قصير” في الحياة السياسية الفلسطينية، بعد أن انتقل رئيسها إلى “تصريف الأعمال” إثر اندلاع صراعات النفوذ والأدوار داخل مطبخه الوزاري المصغر، وبعد أيام قلائل فقط، من التكليف والتأليف.
كان المفروض بحكومة د. الحمد الله أن تكون حكومة الوحدة والمصالحة بين فتح وحماس وفقا “لآخر اتفاقات القاهرة”، بيد أن استمرار التأزم بين القطبين الفلسطينيين حال دون ذلك، وتحول تاريخ 14 آب إلى ما يشبه “الإنذار الأخير” لحماس بالانصياع لخيار المصالحة والوحدة الوطنية، من دون أن تلوح في الأفق بوادر توافق على تشكيل الحكومة العتيدة والشروع في التحضير للانتخابات المتزامنة من رئاسية وتشريعية و”مجلس وطني”.
وبدل أن تلتئم موائد الحوار والمشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة والاتفاق على موعد جديد لإجراء الانتخابات متعددة الصناديق والمسارات، رأينا ونرى “الحرب الإعلامية” بين القطبين وقد اشتعلت على خلفية الأزمة المصرية، فتح تتهم حماس بجر الشعب الفلسطيني إلى دهاليز الانقسامات المصرية الداخلية، أما حماس فتتهم فتح بتقديم تقارير كاذبة وملفقة للسلطات المصرية الجديدة، لتأليبها على حركة حماس والإساءة لعلاقاتها مع الشعب المصري والنظام الجديد ... ومن المنتظر لهذه الجولة من الاحتراب الإعلامي أن تتصاعد بعد أن تعهدت حماس بكشف المزيد مما تقول إنه “وثائق” و”أدلة” تظهر تورط فتح وأجهزة السلطة الأمنية ومكتب الرئيس، في حملة ضروس لـ”لشيطنة” حماس وتشويه صورتها وسمعتها.
أمام الرئيس عباس أربعة سيناريوهات على الأقل، للتعامل مع ما بات يعرف باستحقاق 14 آب، ولا أدري من قال إنه “استحقاق” على أية حال، ولماذا يحاط بكل هذه “القداسة”، ونحن الذين طالما نزعنا “القداسة” عن استحقاقاتنا ومواعيدنا، أو قبلنا بنزع “القداسة” عنها، طائعين أو مرغمين؟!
السيناريو الأول، التمديد لحكومة د. رامي الحمد الله، اعتماداً على سوابق طويلة في “تصريف الأعمال وتسييرها” لأشهر وسنوات، لكن هذا السيناريو يصطدم بالسلوك الخفيف لحكومة الحمد الله ورئيسها، الذي غادر مكتبه إلى منزله، عند أول إشكال بين وزرائه، ضارباً عرض الحائط بجسامة المسؤولية التي يرتبها الموقع، واحترام الثقة المتأتية عن التكليف.
والسيناريو الثاني، البحث عن رئيس وزراء جديد، ومن نفس “خانة” التكنوقراط والأكاديميين التي جاء منها د. الحمد الله، بانتظار أن يتوصل الفلسطينيون إلى اتفاق حول استئناف المصالحة وتشكيل حكومة الوطنية والاستعداد للمنازلة الانتخابية العامة.
أما السيناريو الثالث، فيتمثل في قيام الرئيس عباس بتشكيل الحكومة بنفسه، واعتبارها حكومة وطنية من دون تشاور أو توافق مع حماس، باعتبار أن المهلة التي اتفق عليها بموجب “آخر اتفاقات القاهرة” تكون قد انقضت، وأن الرئيس يقوم بتنفيذ ما اتفق عليه، حتى وإن من جانب واحد.
السيناريو الرابع، “عودة الروح” للمشاورات والاتصالات بين فتح وحماس، وإن في ربع الساعة الأخير، وربما بوحي من “ليلة القدر”، أو “يوم القدس العالمي”، فيتفق الجانبان على إنفاذ ما اتفقا عليه، وتكون ولادة حكومة الوحدة، برئاسة عباس، ثمرة لهذا التوافق المفاجئ، تتبعها انتخابات ما زال الخلاف دائراً بين الجانبين بشأن توقيتها وما ينبغي أن يسبقها من إجراءات وخطوات تندرج في سياق الاستعداد والتحضير أو إجراءات بناء الثقة.
مؤسف أن السيناريو الرابع، والأكثر تفضيلاً، لا يبدو قائماً أو مرجحاً الآن، وثمة أسباب تعوق (ربما) انطلاقته، منها انشغالات السلطة بأولوية التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، وانشغال حماس بترميم أوضاعها بعد زلزال مصر والدوحة وإسطنبول، ومنها استمرار أثر العوامل والمعوقات التي عطلت مسارات المصالحة والوحدة من قبل، وما زالت تعطلها حتى اليوم.
أما أسوأ السيناريوهات وأكثرها خطورة، فهو السيناريو الثالث، سيناريو قيام الرئيس بتشكيل الحكومة دون اتفاق مع حماس، مع ما يستتبعه ذلك من دعوة لانتخابات قبل إنجاز الوحدة والمصالحة، وبما يكرس الانقسام ويعمقه، ويعقد فرص إنهائه.
نأمل ألا يفعلها الرئيس محمود عباس، وأن يبادر اليوم، وليس غداً، إلى تسليك قنوات التواصل والحوار مع حماس، بهدف استئناف المصالحة والشروع بترجمة الاتفاقات المبرمة، وثمة أجواء تشي بارتفاع جاهزية حماس للجنوح لخيار المصالحة، وثمة مصلحة للرئيس والسلطة والمفاوضات والمشروع الفلسطيني، بترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، فهل يفعلها الرئيس عباس، وهل تستجيب حماس؟!
التحرك الإيراني والملف المصري
«حماس» والتموضع الجديد؟
د. نبيل حاوي/القبس الكويتية
فيما الاحداث المتواصلة في بعض الدول العربية تكاد تقطع الانفاس، تتركز الانظار في الكواليس على حركة حماس.
اجل.. حماس التي ترك قادة لها دمشق وسط تداعيات حرب نظام الاسد على المخيمات الفلسطينية في جوار العاصمة.
حماس التي يقال ان جهودا تبذل لاعادة ارساء تحالف بينها وبين كل من ايران و«حزب الله».
حماس التي اتهمت بالمشاركة في اعمال عنف وترهيب داخل الاراضي المصرية، سواء في رفح وسيناء او في انحاء اخرى..
واخيرا (ان لم يكن اولا)، حماس المعترضة على المفاوضات المرتقبة بين سلطة محمود عباس والحكومة الاسرائيلية، وذلك جنبا الى جنب مع اعتراضات الحركة على مجمل ما تسميه «النهج الفتحاوي المتفرد» من جانب سلطة ابو مازن، ومحاولتها اعادة ترتيب البيت الفلسطيني بمعزل عن حماس وفصائل اخرى.
الآن لا ندري ما اذا كانت احداث مصر من جهة، ودخول ايران على مجمل ملفات المنطقة من جهة اخرى، ستدفع بحماس الى اعادة التموضع، سواء كحكومة غزاوية غير معترف بها، او كقيادة طامحة لايجاد مركز قيادي خارج سوريا الاسد، ويبدو ان طهران تحاول اعادتها الى «الكنف الدمشقي».
في الملف المصري اعتبر القيادي الحماسي صلاح البردويل قرار حبس محمد مرسي بتهمة التخابر مع حماس «زجّا بحركة حماس في معركة سياسية».
وأكد أنه «لم يكن أحد من عناصر حماس في السجن الذي كان فيه مرسي، ولم يثبت أن أحداً من حماس كانت له علاقة بهذا الملف».
ولكن، في حال عودة حماس الى مقرها في دمشق كما افادت تقارير غير مؤكدة، عندها لا ندري كيف سيتصرف النظام السوري مع تنظيم يدعم حكم مرسي الذي بادر الى قطع العلاقات بالكامل مع سوريا في الاسابيع الاخيرة من حكمه.
وكان لافتا، في هذا المجال، ما اوردته صحيفة الاخبار اللبنانية عما اسمته «قرار إيران وحزب الله بضرورة احتواء حماس وعدم تركها للمجهول»، مشيرة الى لقاءات عقدت في هذا الصدد، وان تصريحات «متفائلة» منسوبة إلى القيادي في حماس أحمد يوسف، تستهدف البعث برسالة إلى جهات فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية عدة حول موقف الحركة من إيران وحزب الله.
والسؤال الاهم: ما هو تأثير التحالف المرتقب مع ايران، على العلاقات المتوترة اصلا بين الفصائل الفلسطينية، وبالاحرى بين «حكومتي» غزة والضفة الغربية؟
وهذا عدا الصراعات ذات الطابع المذهبي، ومكانة هذا الفصيل او ذاك، مع ان المرشد آية الله علي خامنئي حذر امس بالذات من اي اثارة للنزاعات بين السنة والشيعة.
لا شك ان طريق التموضع الجديد سوف تعترضه عوائق كثيرة، تتعلق بالوضع الفلسطيني والسوري والعربي عموما.
«حماس» ليست فلسطين
أمين إسكندر/المصري اليوم
تتعرض حركة حماس لحالة من الغضب فى الشارع العربى، وفى القلب منه الشارع المصرى، بعد أن تورطت تلك الحركة فى الصراع على السلطة، فى كل من سوريا ومصر، وكذلك تونس وليبيا، الحقيقة لم تكن تورط حماس فى هذا الصراع، إلا من خلال بوابة الاتفاق الأمريكى الإخوانى، الذى كرس العديد من التفاهمات بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحركة الإخوان المسلمين، يأتى فى القلب منها عدم المساس باتفاقية كامب ديفيد وحماية المصالح الإسرائيلية، وقد قامت تركيا وقطر والسعودية بأدوار مهمة فى تلك التفاهمات، وهنا يجب أن نذكر بأن الاتفاق الذى وقع بين حماس وإسرائيل، وكانت مصر برئاسة محمد مرسى وسيطاً فاعلاً ومراقباً على التنفيذ، كان من نصوصه نص يصف أعمال المقاومة بالأعمال العدائية (تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل، بما فى ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود).
ولعل ذلك ما يفسر حالة الفرح الأمريكى والإسرائيلى بذلك الاتفاق وكذلك بالدور «المصرى- الإخوانى» الذى تم لعبه فى هذا السياق، ومن هنا فإن حماس الذراع المسلحة لحركة الإخوان المسلمين فى فلسطين- كانت موقعا لتطبيق تلك التفاهمات، حيث يسود الصراع على السلطة من قبل حركة الإخوان المسلمين، ففى سوريا جاء خروج حماس من سوريا واصطفافها فى خندق المشروع الأمريكى التركى القطرى والسعودى، وقد كان وجود خالد مشعل فى قطر وتركه لسوريا، وكذلك وجود الرجل الثانى فى حماس موسى أبو مرزوق فى مصر، يؤكد اتجاه الخندق التى اصطفت فيه حركة حماس، ولعل ذلك ما يفسر تورطها فى الصراع على السلطة فى مصر، وهنا الإشارة واجبة لحكم المستشار خالد المحجوب بشأن تهريب د. محمد مرسى والهجوم على سجون طرة من أجل إخراج بعض قيادات وكوادر حركة الإخوان المسلمين، وكذلك بعض كوادر حماس.
وما يهمنا هنا أن نعرف أن فلسطين، ومنها غزة، هى بوابة أمن مصر، وسوف تظل قضية فلسطين فى قلب اهتمام المصريين، لذلك حماس ليست فلسطين، وإننا معها طالما كانت فى خندق المقاومة، ولا نهتم بها، بل نقاومها إذا اختلت بوصلتها، وزاغت عيونها عن فلسطين، كما حدث فى الآونة الأخيرة، حيث ظنت حركة حماس، وكذلك قيادتها بأن بؤرة الثورة المشتعلة، هى قطر القاعدة الأمريكية ومنظر الثورة القادمة هو الداعية القطرى يوسف القرضاوى، الذى يدعو للتدخل الدولى فى سوريا ويهاجم موقف الجيش المصرى، الذى لبى نداء شعبه وحفظ مصر من السقوط فى خندق الطائفية والتقسيم.
وأخيراً، علينا أن نعلم، ونعى جميعاً أن فلسطين بوابة أمن مصر، ولا يمكن التفريط فيها، ولا يمكن أن نسمح بأن تكون غزة إمارة للكراهية على حدودنا، وسوف تظل فلسطين أكبر من حماس وأكبر من أى فصيل فلسطينى يحيد عن طريق الجهاد والمقاومة، حتى لو يطل بعباءة الإسلام، وكان جزءا من حركة الإخوان المسلمين، فيكفينا حتى نحكم على السلوك ما يحدث فى سوريا ومصر وليبيا وتونس، وأخيراً غزة.
وحدة الضفتين وحرب السلطتين
سميح المعايطة/الرأي الأردنية
ربع قرن تمر هذه الايام على قرار فك الارتباط , ومازالت حكاية الضفتين واستخدام البعض لشعار الوحدة تظهر بين حين واخر , ومازال جزءا من الفكر الصهيوني للحل النهائي تعتمد على الدعوة لفدرالية او كونفدراليه بين الدولة الاردنية وجزء من الانسان والارض الفلسطينية حتى لايدفع الاحتلال ثمنا للحل , وهناك شعار الوحدة المستخدم لاغراض هنا وهناك .
واليوم تظهر في سماء العلاقة الاردنية الفلسطينية مجموعة من المعطيات والحقائق التي ترسخت خلال ربع القرن الماضي , معطيات لاتتعارض مع الفكر الوحدوي الصادق لكنها تنقذ الانتهازية السياسية وتنسجم مع المصلحة الحقيقية للاردن وفلسطين . ومن هذه المعطيات :-
1-ان الفكر السياسي للدولة الاردنية اصبح قائما في عهد الملك عبدالله على دعم فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة , وتجاوز اي حالة تنافس سياسي مع منظمة التحرير او السلطة الفلسطينية على الارض او الانسان الفلسطيني , وهذا التغير جاء لتغير كثير من وقائع الماضي , ولان الاردن يدرك ان الحق الفلسطيني السياسي والوطني على الارض الفلسطينية هو الرد الحقيقي على كل المشاريع الصهيونية من وطن بديل او نظام بديل .
والبعض الذي كان رفضه لقرار فك الارتباط جزء من تقرب سياسي لمؤسسة الحكم في مراحل سابقة لم تصله رسالة المرحلة الجديدة . ويوم ان كانوا ورقة في التنافس السياسي كان رفضهم له وزن لكن عندما غاب التنافس اصبح الرفض له مسارات اخرى .
2-جاء ظهور حركة حماس ثم مشاركتها في السلطة الفلسطينية وعملها كفصيل فلسطيني يعلن برنامجا لاقامة الدولة الفلسطينية , ثم فوزها في الانتخابات وحملها مواقع سياسية في السلطة ليبني موقفا عمليا مؤيدا لفك الارتباط من الحركة الاسلامية , لكنه لم يصل الى البعض في الاردن من الاسلاميين الذين بقيت اصواتهم ترفض فك الارتباط تحت عنوان الفكر الوحدوي.
لكن تجربة حماس اي الاخوان المسلمين في حكم مناطق السلطة لم يخدم قرار فك الارتباط فحسب بل قدم نموذجا مناقضا للفكر الوحدوي , وبغض النظر عن تفاصيل الانشقاق الفلسطيني فان فتح وحماس معا قدمتا نموذجا عمليا في تبني الفكر الانفصالي , وبالتالي فان كل رفض لقرار فك الارتباط تحت لافتة الوحدة سيجد امامه سؤالا عن اي وحدة بين دولة وسلطة غير مكتملة بينما يقود هؤلاء عملية فك لارض وانسان وهياكل سلطة لم تكتمل , ومن يريد وحدة بين الاردن والضفة فعليه اولا ان يقدم القدوة في التضحية بالسلطة الوهمية لمصلحة وحدة شعبه .
3-وفي المشهد فئات منحازة لا عادة الارتباط لانها تريد العيش في ظل دولة مستقرة . وهي مشاعر مشروعة , وهناك الاحتلال الذي يريد حل المشكلة الاسرائيلية على حساب الشعبين الاردني والفلسطيني , وهناك من يعتقد ان نفوذه في الارض الفلسطينية يعطيه اطماعا في جمع نفوذه الشعبي في الاردن ليكون بوابة نفوذ واسع ولهذا تسمع منهم حديثا عن دولة في الضفتين , وهذا ليس فكرا وحدويا بل مشروع نفوذ تنظيمي , فمن يريد وحدة الضفتين من باب حب الوحدة عليه ان يتخلى عن فكره الانفصالي ويتبنى وحدة السلطة والشعب الفلسطيني.
في مواجهة الاحتلال واطماعه ليس هناك الا ماقاله جلالة الملك في خطابه الموسع في جامعة مؤته عندما طلب ان لايتم الحديث في قضية الوطن البديل وغيرها من المصطلحات المرادفه .وهي دعوة حسم وحزم بان هذه القضايا ليست في القاموس الاردني لانها لاتخدم الارد ن ولا فلسطين , وان الدولة الاردنية لن تقبل باي حل على حسابها, ولا على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه .
وبعد –
فبعد ربع قرن على قرار فك الارتباط الذي كان خدمة لفكرة الدولة الفلسطينية وتلبية لطلب فلسطيني , فان كل الافكار والمشاريع التي تتخذ من شعار الوحدة غطاء وبخاصة من تنظيمات ودول لم تعد تملك اي قدر من القوة , ومن يريد دولة الضفتين هو الذي ساهم مع خصومه في شق وحدة الشعب والارض الفلسطينية وحتى مباني السلطة واداراتها , والدولة الفلسطينية الحقيقية هي الثمن الذي يجب ان يدفعه الاحتلال , والوحدة المطلوبة وحدة الانسان الفلسطيني مع ارضه وحقه .
«برافر لن يمر»!
ربى الحسيني/السفير
لم يخطئ البعض حين وصفه بـ«النكبة الفلسطينية الثانية»، فهو صورة مصغرة مما حصل في العام 1948 من تهجير وتدمير للقرى وسيطرة على الأرض. إلا ان ثمة من اختار نهج المقاومة لمنع تكرار هذه النكبة الجديدة. «برافر لن يمر»... هذا ما وعد به الشباب الفلسطيني على امتداد أراضي الـ 48 والضـــفة الغربية وقطاع غزة، لمنع إقرار قانون تهجـــير أهــل النقب.
وفي الوقت التي تنشغل فيه أزقة السياسة من رام الله إلى تل أبيب وواشنطن بالاحتفالات باستئناف مفاوضات التسوية، يطلق الشباب الفلسطيني معركته ضد مخطط يطمح العدو الإسرائيلي إلى تشديده أكثر.
لم يسمــع الفلسطينيون اعتراضاَ من السلطة الفلسطينية لدى صديقها في «السلام» وزير الخارجـــية الأميركي جـــون كـــيري عــلى مخـــطط «برافر»، فهو بالنســـبة إليها لا يدخل في إطار الحقوق الفلسطـــينية التي حصـــرتها «اتفاقية أوسلو» بين الضـــفة الغربية وقطاع غزة.
والقضية هنا ليست هنا مجرّد مخططات هدم ومصادرة أراض، بما هي نهج يومي للسياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والتي تتخذ أشكالاً متعددة داخل في القدس داخل الخط الأخضر وخارجه، فما يجري اليوم هـــو هي جريمة انسانية بكل المعايير، وتستهـــدف تهجـــير قرى بأكملها، ومصادرة حق أهلها في الملكية والسكن، لتصل إلى حد تغيير هوية الأرض.
أكثر من مجرد مخاطر
لطالما اعتمد العدو الإسرائيلي في إطار مخططاته العنصرية سن مجموعة قوانين في صيغ معقدة تصعب مواجهتها. ولعل هذا ما يدركه جيداً الفلسطينيون الذين يسعون اليوم لمنع تمرير قانون برافر.
وفي هذا الإطار يقول رئيس لجنة الحقوقيين العرب في النقب المحامي شحدة بن بري لـ«السفير» إن مشروع القانون مترابط كلياً، بشكل لا يمكن فصل بند فيه عن الآخر، وهذه ليس صدفة، بل خطوة مقصودة لتعقيد الجانب القضائي فيه.
وتتذرع حكومة الاحتلال في عرضها للمخطط أن الهدف منه هو تنظيم الحياة السكنية لفلسطينيي النقب تحديداً، ولذلك فإنه يأتي تحت تسمية «توطين البدو» في النقب. إلا ان هذه التسمية، بحسب بن بري «مزورة ولا علاقة لها بتفاصيل القانون، فهو يطرح سلسلة من الاجراءات المتعلقة بكيفية وضع اليد على مئات آلاف الدونمات ذات الملكية العربية، ولا توجد فيه أي كلمة عن توطين، أو نقل للسكان، بل كل ما يتضمنه هو التهجير والاقتلاع»، وباختصار تسليم الأرض والخروج منها.
لكن حجة «التوطين» في أصلها مرفوضة، فكيف يوطّن من يسكن أرضه أصلاً.
ولأن القانون يستهدف البدو الفلسطينيين فقط، فإنه وفقاً لبن بري، «يلغي عينياً بالنسبة لهم سلسلة من القوانين الاسرائيلية، مثل الملكية والتوريث والتنظيم والبناء، وحتى قوانين واجراءات الاعتقال والعقوبات، فهو يمنح، على سبيل المثال، الحق لعنصر أمن ميداني بفرض اعتقال فــــوري عـــلى مـــن يعـــترض على تطبيقه، كما يفرض عقوبة السجـــن لسنتين على كل من يعود الى أرضه بعد اقتلاعها».
ويبدو أن تطبيق هذا المخطط قد بدأ حتى قبل المصادقة على القانون، وهو ما تبدّى في اعتقال عشرات الناشطين المناهضين له.
الحديث يدور عن تهجير البدو الفلسطينيين من 800 ألف دونم، وبالنتيجة حصرهم في واحد في المئة فقط أرض النقب، ولتوضيح ذلك، يقول بن بري إن «القانون يتحدث عن 400 الف دونم، بينما أهالي النقب يطالبون بتثبيت ملكيتهم على 800 الف دونم، ما يعني أن المؤسسة الاسرائيلية تلغي مسبقاً ملكية مئات آلاف الدونمات».
ولتوضيح الصورة أكثر، يقدم بن بري مثالاً، حين «باع أحد أبناء النقب يهودياً قطعة أرض في العام 1948، وتوجه اليهودي الى سجلات الطابو لتسجيل الأرض باسمه معتمداً على عقد البيع والشراء، فاعترفت السلطات الاسرائيلية بالصفقة، بينما حين توجه العربي لتسجيل باقي الأرض باسمه، فرفضت السلطات الاعتراف بملكيته للأرض ذاتها».
وليس هذا فقط، فالقانون يتحكم أيضاً بمستــقبل ملكية الأرض، فهـــو يفـــرض نظـــاما في التعامل مع الوارثـــين للأرض، فإن تعـــدى عددهــم الواحـــد، وحـــتى لو كانوا عشرة، فيكفــي أن تتوصل السلطات إلى ترتيـــب مع واحد فقط، لتستولي على الأرض كلها، وفقاً لبن بري.
إلى ذلك، يتحدث مشروع القانون عن تعويض البدو الفلسطينيين بنسبة 50 في المئة من الأرض، ولكن إن كانت هذه الأرض ملكهم أصلاً، فلماذا تعوّض بنصف قيمتها؟
لكن بعد دراسة المشروع المطروح، تبين لمركز «عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في النقب» أن نسبة التعـويض لا تتخطى 17 في المئة.
ووفقاً للمركز، فإن «أحد أكثر الشروط صرامةً هو أنّ الشخص الذي يحقّ له تقديم طلب تعويضٍ هو فقط مَن كان قد قدّم مطالبةً بالأرض في الفترة الواقعة بين 2 أيّار العام 1971 و24 تشرين الأوّل العام 1979. وإذا كانت المحكمة قد رفضت في السابق ملكيّته على الأرض، لا يكون المُطالِبُ مؤهّلاً للحصول على تعويض. إضافة إلى ذلك، تكون جميع التعويضات مشروطةً بموافقة المُطالِبين على الانتقال إلى بلدات بدويّة عربيّة والتنازل عن حقوقهم في الأرض».
المعركة في الكنيست
صحيح أن القراءة الأولى لمـــشروع االقانــون مرت بغالبية صوت واحد فقــــط في 24 حزيران الماضي، إلا ان لكل حساباته في دعمه أو رفضه وفقاً لمتطلبات الحلبة السياســـية. ويعكس التصويت على القانون في القـــراءة الأولى (43 في مقابل 42) السياسة الإسرائيلـــية بكل حذافيرها.
من الممكن أن يتفاءل البعض حين ينظر إلى نتيجة التصويت، إلا ان ذلك ليس بالضرورة صحيحاً، «لأن الفارق بين المعارضة والائتلاف الحكومي في التركيبة البرلمانية القائمة هو 16 نائباً، وكما يبدو فإن الائتلاف لم يكن متأكداً من شكل تصويت كتلتي اليهود المتشددين (الحريديم)»، وفقاً للمحلل في الشؤون الإسرائيلية برهوم جرايسي.
وبالنتيجة، يتوقع جرايسي، في حديث إلى «السفير»، أن تختلف نتيجة التصويت، ولصالح الائتلاف، في حال وصل القانون مرّة أخرى الى الهيئة العامة للتصويت عليه في المرحلة الأخيرة.
ولشرح دوامة الكنيست أكثر، يُبين جرايسي اختلاف الرؤية بين الـ42 نائباً الذين عارضوا القانون، حيث ان 17 منهم عارضوه لأنهم يرفضون أصلاً المبدأ الذي يقوم عليه، وهم 11 نائباً من أحزاب فلسطينيي الـ48 أي «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، و«التجمع الوطني الديموقراطي»، و«القائمة الموحدة - العربية للتغيير»، وهؤلاء منطلقاتهم وطنية أساساً بالإضافة إلى حقوق انسان. ومع هؤلاء ستة نواب كتلة حزب «ميرتس» اليساري ومنطلقاته حقوق الانسان، ولكن تبقى معارضته ثابتة.
وفي الدرجة الثانية، تأتي معارضة حزب العمل، الذي صوت بالرفض من منطلق كونه حزباً معارضاً، لكنه في الحقيقة كان شريكاً في بلورة الصيغة الأولية للقانون حين كان جزء من حكومة إيهود اولمرت (2006-2009). كما أن حزب العمل «المعارض» كان شريكاً في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة لفترة 20 شهراً، حتى مطلع العام 2011، أي حين بدأ التداول أكثر بالقانون بصيغته المطروحة اليوم. لكن، بحسب جرايسي، تبقى معارضة هذا الحزب أكثر ضماناً من معارضة كتلتي «الحريديم».
وفي الدرجة الثالثة، يشرح جرايسي، تأتي معارضة كتلتي الحريديم «شاس» لليهود الشرقيين، و«يهدوت هتوراة» لليهود الغربيين الأشكناز، وهي «معارضة نابعة من كون الكتلتين في صفوف المعارضة، ما يعني أنه إذا ما تبدلت الظروف فســـتتبدل مواقفهما. فمن المفارقة أن القانون تمت بلورته في وزارة الاسكان في الحكومة السابقة التي كان يتولاها الوزير من شاس اريئيل اتياس، الذي بات في الدورة الحالية رئيساً لكتلة حزبه».
ويروي جرايسي أنه «في جلسة قادة احزاب المعارضة، جرت مفاوضة الحزب كمقايضة، فكتلتا الحريديم بحاجة الى اصوات النواب العرب ضد القانون الذي يفرض عليهم التجنيد في جيش الاحتلال. وخلال الاجتماع ضحك اتياس وقال: حسناً سنعارض القانون الذي شاركت في بلورته».
أما حزب «البيت اليهودي» الشريك في الائتلاف الحكومي، وهو حزب مستوطنين أساساً، فيرفض القانون لأنه يريده أقسى من صيغته الحالية، إلا انه وافق عليه في القراءة الأولى على أمل تغييره خلال مراحل التشريع اللاحقة.
ولأن القانون يتضمن سلسلة من التعقيدات القانونية، فمن المرجح أن تمريره سيستغرق وقتاً، «فالمعركة ضده ستشمل الجانب القضائي، نظراً الى أنه يلغي قوانين قائمة»، وفقاً لجرايسي. وهو يشرح، أنه بحسب التقديرات، فإن القانون سيدخل مراحل التشريع خلال الدورة الشتوية التي ستبدأ في منتصف تشرين الأول المقبل، لكن من الوراد أيضاً أن تقرر لجنة الداخلية البرلمانية الشروع بحثه بشكل تفصيلي خلال العطلة الصيفية التي ستبدأ الأسبوع الحالي (الرابع من آب).
حراك شعبي موحد
غالباً ستكون المعركة طويلة، وهي ليست معركة برلمانية أو قضائية فقط، بل شعبية أيضاً وعلى مستوى كبير. ربما تشاءم البعض حين غاب الحشد المتوقع في يوم «إضراب الغضب» في 15 من تموز الماضي، فقد شهدت وقتها مناطق متفرقة من أراضي 48 تظاهرات محدودة، وقد كانت الأكبر في النقب، لكنها لم تتخط سوى المئات.
بيد أن هذا الأمر لم يحبط من عزيمة شباب عزموا على المضي قدماً في حراكهم، وتخطي صعوباته، مصرين على أن «برافر لن يمر».
من الممكن القول إن الحشد كان ضعيفاً إن لم يكن غائباً كلياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحول ذلك يشرح الناشط في الحراك فادي عاصلة أن «هناك صعوبات في التنسيق مع الضفة وغزة، لكل موقع ظروفه واشكالياته الخاصة، غزة تعيش ظروفاً صعباً بالكاد يمكن للناشطين هناك التنفس، وهم موزعون بين الهم السياسي والهم الاجتماعي، فضلاً عن الظروف الأمنية. أما في الضفة فالتواصل أقل صعوبة، ويجري العمل على تنسيق مبادرات ووقفات احتجاجية».
وكما خُتمت على الثورات العربية صورة وسائل التواصل الاجتماعي، كونها الوسيلة الأولى للحشد، يلجأ الفلسطينيون اليوم إلى الطريقة ذاتها، ويضاف إليها العمل في الشوارع ومع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية.
وبالرغم من سعي سلطات الاحتلال إلى اسكاتهم، إلا ان ذلك لا يبدو أن سيقف في طريق معارضي «برافر» ومن ورائه.
وقد عمدت سلطات الاحتلال خلال يوم «إضراب الغضب» إلى اعتقال عشرات الناشطين وتمديد اعتقالهم على ما بعد الأول من آب، وذلك في محاولة للتخفيف من زخم الشارع. وتبع اعتقالات تموز سلسلة أخرى لشبان من كوكب أبو الهيجا، وعرابة البطوف، وشفاعمرو، وعبلين، وكفر كنا.
لكن الأهم من ذلك كله، هو أن الشباب الفلسطيني يستلم زمام الأمور في الشارع. وبحسب عاصلة، فإنه للمرة الأولى يقـــف الشباب في مقدمة الحراك الفلسطيني في الداخل، ولا يعطون مجالاً لقيادتهم لأخذ المبادرة.
والتنسيق لا يقتصر على أراضي 48 أو الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل يعمل الشباب على تنسيق الجهد مع عدد من الدول العربية والأوروبية، بالرغم من صعوبة الأوضاع السياسية حالياً وخصوصاً في مصر وتونس.
ولن تتوقف الاحتجاجات عند الأول من آب، بل هي فقط في مرحلتها الأولية، والهدف هو التصعيد بشكل تدريجي لترسيخ التحرك كحراك شبابي فلسطيني، تقول الناشطة سوار عاصلة. وتذهـــب أكــثر من ذلك لترى أن «الحراك هو امتداد للحركات الثـــورية في الدول العربـــية، خصوصاً أن يجـــب العـــمل على اخـــراج القضـــية الفلســـطينية الـــى الســـاحة العربيــة من جديد».
اسرائيل هي العدو وليس ايران
بسام البدارين (مدير مكتب القدس العربي في الاردن)/القدس العربي
كنا في جلسة رمضانية متسعة قليلا فقرر أحد مخضرمي الإعلام والسياسة في الأردن توجيه سؤال لأحد رموز التيار السلفي المعتدل قائلا: يا سيدنا الشيخ بين يديك صاروخان تنوي إطلاقهما من عمان فأين تطلقهما على تل أبيب أم على قم؟.
السؤال بدا مباغتا ولا يخلو من الدهاء والخبث والجواب لم يكن حاسما وعلى طريقة: قم فيها شر لابد من مواجهته ولا أغفل في الوقت نفسه عن تاريخ عداوتي مع تل أبيب.
أهمية هذا السؤال وبصرف النظرعن الجواب تنحصر في زاويتين، الأولى أنه يستعيد كل ما في ذاكرة الأمة اليوم من ذكريات حزينة بعنوان الصراع الطائفي وتحديدا بين السنة والشيعة ويعكس سعي ورغبة النظام الرسمي العربي وتحديدا المحور السعودي والخليجي عموما في تفعيل مؤشرات الصراع الطائفي تحت العنوان الإيراني.
أما الزاوية الثانية فهي تلك المتعلقة في الواقع المنحط الذي وصل إليه مستوى العداء مع إسرائيل في وجدان المواطن العربي حتى بات من الممكن في المجالس والمؤانسات العمل على المقاربة أو المقارنة بين عداء العربي لإسرائيل مقابل العداء لإيران.
بكل الأحوال لا يتعلق الأمر بإطلاق صاروخ هنا أو هناك فحجم الإنفصام الذي زرعنه فينا طهران عندما سمحت لحلفائها وصبيتها بإستهداف أهل السنة في العراق سمح للشيخ السلفي الأردني بأن يحتار إزاء سؤال مؤرق بهذا الحجم.
لا أحد بطبيعة الحال يتعدى إسرائيل بحجم إستهدافها لنا وبحجم الدماء التي أسالتها فينا ولا يحجم جرائمها في شعبنا الفلسطيني التي لا تقل عن جرائم الجيش الأمريكي في شعبنا العراقي.
لكن إيران خذلتنا في العراق وحزب الله خذلنا في سورية عندما دخل المعادلة تحت قاعدة {لن تسبى زينب مرتين}.
منظر الدماء المجانية في شوارع حمص والقاهرة وحتى بغداد هذه الأيام حجة ضدنا عند العدو الإسرائيلي ولسان الصهيونية ممدود لنا بخفة لكي يقول لنا: كم أنتم أغبياء ..أنتم تنافسوننا في قتلكم.
أي غفران يمكن أن يرتجيه الشهداء الذين سقطوا على أيدي أعداء الأمة وخصومها عندما يشاهدوننا كيف نسقط بعدهم بأيدي أنفسنا ..ينطوي الأمر فعلا على شعور بالعار والخجل فمن غير المعقول ولا المقبول أن تتساوى قم وتل أبيب في الخصومة هذه الأيام أو أن نقول لإسرائيل بعدة لغات بأن بيننا مجرمين متميزين لا قبل لها بهم يديرون لعبة الدم بيننا بكفاءة.
العدو واحد وواضح وأي بوصلة لا تشير لتحرير القدس {خائنة} كما يقول صديقنا ممدوح العبادي.
ولا يمكن القبول بأن تجلس قم إلى جانب تل أبيب في قائمة الأعداء وتلك مشكلة ليس النظام العربي فقط هو المسؤول عنها بل النظام الإيراني بصورة خاصة وعليه أن يقدم للناس إجابات على كل الأسئلة المعلقة التي تتعلق بأدائه في العراق أولا وفي سورية ولبنان ثانيا.
لا أقبل شخصيا تحت أي ظرف أن ينافس إسرائيل أي طرف آخر في سجلات عداوتي وخصومتي لكن على طهران أن تسحب كل الذرائع التي يمكن أن يتمسك بها وكلاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية لتسويق وترويج العداوة مع أهل السنة حيث لا زال ما يحصل ضدهم في سجون حكومة المالكي في بغداد مدعاة للقلق والإرتياب.
صفقنا بالروح والقلب والوجدان لحزب الله عندما وحد لصالح الأمة بوصلة السلاح والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي لكن لا نستطيع التصفيق له عندما انحرف في بوصلته تحت وطأة إيقاع المنطقة وحساباتها مستدعيا في إعلامه وخطاب بعض قادته أدبيات الزمن الغابر التي تسمح لبعض ضعاف النفوس بيننا في ترويج الفتنة والتحدث باللسان الطائفي.
المتربصون بهذه الأمة صنعوا فتنة جديدة في مصر المحروسة بعد الفصام الذي أشغلونا به في سورية ولا زال الدرس الأساسي للربيع العربي هو ذلك الذي يستغرب من حجم الغضب الذي كشفه الربيع بيننا وضد بعضنا فلو وجه هذا الغضب لإسرائيل لزالت فعلا من قديم الزمان.
وإسرائيل بدورها لا زالت المصنع اليتيم للألم والمعاناة في عالمنا الذي نعرفه وسؤال الإستفسار بين قم وتل أبيب ناتج فعلا عن حال الأمة المزري حيث يروج البعض هذه الأيام لمشروع جون كيري الجديد لإنعاش المفاوضات وعملية السلام في المنطقة على أساس أنه محاولة لإستعادة زمام المبادرة للنظام الرسمي العربي بالتعاون مع إسرائيل للأسف تحت عباءة الخوف من الطموحات الإيرانية والهلال الشيعي والتدخلات التركية.
الجماعة في عمان ورام الله يطيشون فوق شبر من المياه مع كيري المتحمس جدا وأحد المقربين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال لي شخصيا بأن عباس يشعر بأن العملية التي أطلقها كيري ودفعت صائب عريقات للسفر مجددا إلى واشنطن قبل يومين {عبثية} من حيث النتائج.
عباس يرى أن النقطة الوحيدة الجيدة في العملية الجديدة تتمثل في إحتمالية الإفراج عن 104 أسرى من المحكومين بالمؤبد.
دون ذلك لا يرى رئيس فلسطين أي فائدة ترجى من المفاوضات الجديدة بعدما تبين للجميع أن شخصين فقط متحمسان لها هما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الأردني ناصر جودة الرجل الأبرز وقد يكون الوحيد في المطبخ السياسي الأردني.
بالنسبة لأحد الخبراء في التفكير الإسرائيلي فتل أبيب تريد {عملية} ولا تريد {سلاما} والهدف واضح ويتمثل في الحفاظ على التوزانات في المعادلة الداخلية والظهور بمظهر إيجابي مع الغرب وتحديدا أوروبا وتضليل أوباما بنفس الوقت.
إنها مرة أخرى طبخة الحصى التي تلهي الجميع وتضللهم عبر لعبة الإيحاء بالمفاوضات أكثر من إطلاق مفاوضات منتجة وحقيقية.
إسرائيل بذلك تكرس القـــــناعة بأنها كانت ولا زالت وستبقى هي {العدو والخصم} ولا يمكن إستغلال الأوضاع الصعبة في أكثر من بلد عربي لإنتاج إيحاءات متباينة عن أعداء آخرين.
ينبغي أن لا تتشتت البوصلة وأن يتوقف الخلط بين قم وتل أبيب على أن تبادر قم هي الأخرى لطمأنة الشارع العربي والنظام العربي الرسمي وعلى أن تعمل طهران على ضبط إيقاع أزلامها في العراق وسورية ولبنان وفقا لمعادلة عربية إسلامية جديدة قوامها الإحترام المتبادل وتفهم المصالح الثنائية والأهم حماية الأبرياء من مذابح الإستهداف الطائفي المجنونة وفي الطرفين قبل ان يتفرغ الجميع لاحقا للعدو الأصلي والحقيقي.
عندها فقط سنعفي أنفسنا وشعوبنا من تبعات وتداعيات ونتائج الصراع الطائفي وستبقى تل أبيب كما كانت دوما العدو الواحد والأوحد ولا شيء إطلاقا دون ذلك ما دامت فلسطين محتلة.
الارباك يطبع "اللاقيادة" الأميركية في المنطقة ومصر صدمة جذرية بعد انهيار الاخوان
روزانا بومنصف/النهار اللبنانية
كشفت التطورات المتسارعة في مصر خلال الاسابيع القليلة الماضية اكثر فاكثر غياب وجود رؤية واضحة واستراتيجية سياسية اميركية وفق ما ترى مصادر سياسية وديبلوماسية نظرا الى الارباك الذي احدثته هذه التطورات في السياسة الاميركية مجددا. الامر الذي ساهم في تعزيز ما يذهب اليه كثر من ان الارتباك الاميركي في الموضوع السوري لا يعود فقط الى غياب التوافق الاميركي الروسي على حل للازمة السورية بل الى غياب خريطة طريق واضحة تستند اليها الولايات المتحدة من اجل تقويم سياساتها والبناء على هذا الاساس. فالتحولات الاخيرة التي حصلت في مصر تعتبر تاريخية واستراتيجية وهي مربكة جدا من حيث طبيعتها وابعادها بحيث لا يمكن صياغة موقف بسهولة مما يجري وفق ما يظهر حتى الان في مواقف غالبية المجتمع الدولي. الا ان النظرة الى الولايات المتحدة في هذا الاطار تفترض انها ينبغي ان تكون على علم مسبق وتستطيع التأثير في مسار الامور نتيجة لطبيعة العلاقات التي تقيمها مع الدولة المصرية واركانها بحيث يصعب تصديق ان هناك ارتباكا حقيقيا تبعا للبعد المعقد الذي يكتسبه الوضع المصري. وهذه النظرة المتصلة بدور الولايات المتحدة متعددة الاسباب والبعض يتبناها من اجل توظيفها سلبا او ايجابا خصوصا ان واشنطن كان لها دور اساسي في تنحي الرئيس حسني مبارك وفتحت الابواب واسعة امام وصول الاسلام السياسي الى الحكم وابدت الاستعداد للتكيف والاستعداد للتعاون معه.
الا ان متصلين بمسؤولين في الادارة الاميركية ينقلون انطباعات تشي بغياب وجود رؤية واضحة للامور لجملة اسباب واعتبارات يرتبط بعضها بطبيعة الادارة الاميركية المحافظة اذا صح التعبير وفق ما بات معروفا عن السياسة الخارجية لهذه الادارة التي يقارنها كثر بادارة الرئيس جيمي كارترفي اواسط السبعينات بعد حرب فيتنام والتي حرصت على ازالة كل ما يتصل بالمرحلة السابقة والاثمان الانسانية التي دفعها الاميركيون هناك من خلال اعتماد الرئيس باراك اوباما على نهج الانسحاب الاميركي من مواقع الحروب في الخارج كالعراق وافغانستان بدلا من التورط او التدخل في حروب جديدة. فبات ينطبق على الادارة الاميركية انطباع اللاقيادة وليس فقط القيادة من الوراء او من الخلف كما حصل بالنسبة الى التعاون الغربي في ازمة ليبيا واطاحة معمر القذافي. والبعض الآخر من هذه الاعتبارات يتصل بتعقيدات المشهد المصري في ذاته كما بتعقيدات المشهد السوري بالنسبة الى المقاربة الاميركية للازمة في سوريا. اذ ان الولايات المتحدة وفق ما تقول هذه المصادر لم تستوعب كليا بعد مسار انطلاق الاسلام السياسي الذي صعد صعودا قياسيا قبل عام او اكثر بقليل مع وصول حكم الاخوان المسلمين الى مصر وفي تونس وتشكيلهم حزءا مهما من المعارضة السورية والتي حاولت ان تنسج معهم علاقات صلبة واستيعابية قوية لم تلبث ان ووجهت بتحول جذري مع مشهد الملايين من المصريين في الشارع واثارة التباس في مفهوم الديموقراطية واين يكون هذا المفهوم في نزول ملايين المواطنين في الشارع ام هو في صناديق الاقتراع. ولذلك كان الارتباك حقيقيا ولم تنته مفاعيله بعد نظرا الى ان المشهد المصري لم يكتمل بعد وهو في طور التطور مع انعكاسات هائلة في المنطقة على دول الخليج العربي وتركيا وسائر القوى الاسلامية في الدول العربية.
يضاف الى هذه العوامل ان المشهد المصري يتفاعل على ضوء مجموعة عناصر اخرى متداخلة مع مفاهيم الانقلاب والديموقراطية التي غلب الجدل في شأنها اخيرا وتتصل بمحاولة قراءة ما سيكون عليه وضع الاخوان المسلمين ليس في مصر وحدها بل في المنطقة ومصير الاسلام السياسي في ضوء ذلك. فضلا عن مفاهيم الارهاب والصراع السني الشيعي ومفاعيله المتوهجة في المنطقة الى جانب موضوع السلام مع اسرائيل والصراع الاميركي مع ايران. فهذه الاعتبارات تزيد من الحذر في انتظار اتضاح الرؤية علما ان المصادر لا تخفي تسجيل مشهد معاكس تعبر عنه ايران في هذه اللحظات الحساسة والمصيرية. فايران اظهرت خلال الاسبوعين الماضيين نشاطا وزخما يعتبر كثر انه يندرج في اطار محاولة توظيف ما حصل في مصر من اجل تسجيل نقاط لمصلحتها ولو لا يندرج في اطار الربح الاستراتيجي على كل النقاط. وهذا يظهر في محاولتها اللعب على الساحة الاسلامية وليس الاسلامية العربية وحدها تحديدا قياسا على جملة امور من بينها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي لتركيا التي تأذت كثيرا من اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر ولم يخف مسؤولوها استياءهم الشديد القائم والمستمر حتى الان في ما قرأه سياسيون معنيون محاولة تقارب او التقاء مصالح مع تركيا او الاستفادة من لحظة الاستياء والغضب التركي نحو تنسيق اكبر في ملفات اخرى قد تكون سوريا احدها. يضاف الى ذلك الانخراط الايراني المتزايد والمستمر في الحرب الى جانب النظام في سوريا عبر "حزب الله" في شكل مباشر ومساعدة النظام على تسجيل مكاسب ميدانية نوعية واخيرا الالتفات مجددا في اتجاه محاولة استعادة حركة "حماس" الى الحضن الايراني في ضوء الضربة القاسية التي تلقتها الحركة من التحول السياسي في مصر ومن مستقبل علاقة مع نظام صاعد لا توحي بالتفاؤل.
مرسي رئيساً للأردنيين !!
حازم مبيضين/الرأي الأردنية
حين يهتف الإخوان المسلمون في الأردن «مرسي رئيسي»، فإنهم يؤكدون عدم انتمائهم للدولة الأردنية، وأنهم يحملون الولاء فقط للتنظيم العالمي للإخوان، عدا أنّهم يتجاوزون كل الخطوط الحمراء، في تحديهم لسلطة القانون، ولبقية أبناء الشعب، غير المؤمنين بطروحاتهم التي تجاوزها العصر، ولأي فكرة ديمقراطية، وهم المتمسكون بنهج الاقصاء والتهميش لبقية قوى المجتمع، حتى لو كان بعضُها ينتمي للمعارضة، التي تزعُم الجماعة أنها تقودها.
قبل الهُتاف عند مستشفى الجامعة، حيث أعدّ الاخوان بسريّة لمظاهرتهم، فكانت صور رئيسهم مرسي حاضرةً بكثافة، كان مُراقبهم العام يتبجح بلغة خشبية، تستعيد سيرة الإرهابي بن لادن، فيُعلن أن الأمّة أمام فسطاطين، أولهما إيمانٌ لا نفاق فيه، والثاني نفاقٌ لا إيمان فيه، وأن ما يحدث في مصر الآن، يحدث أيضاً في الأردن، وإذ نستعيد موقف الجماعة المتشنج من الحدث المصري ندرك بؤس اللغة والاهداف في آن معاً.
في الأثناء أصدرت الجماعة بياناً، يأمر المسلمين بإدانة تحرك الجماهير المصرية، وتأكيداً على سياسة الإقصاء، هاجم البيان الأحزاب العلمانية والليبرالية، ولم يتوان المهرة في صنع الاعداء، عن التهجم على المجتمع الدولي، واتهامه بالنفاق فيما يخص القيم والأخلاق وحقوق الإنسان، والأخطر في البيان، هو حثّ قادة وجنود الجيش المصري على التمرد على قائدهم، وعدم التعاطي معه.
جُنّ جنون الجماعة، حين سمعت عن نيّة تحويل ملفها إلى القضاء، بتهمة مُخالفة شروط ترخيصها كحزب سياسي ، ولأنها لاتحترم أياً من ثوابت الوطن، كنزاهة القضاء، لجأت مُجددا إلى لغة التهديد، بالقول إنّ على من سيتخد هذا القرار تحمل تداعياته، باعتباره قراراً غير وطني، ولأنّ أيّ مساس بالجماعة لا يتفق مع المصالح الوطنية، لانّ الجماعة تختصر الوطن في مصلحتها ليس غير.
الدولة، أن صحّت الأنباء حول القرار، لم تتخذه إلاّ بعد استنفاذ كل الرسائل، التي تطالب الجماعة بالعودة إلى رشدها ووطنيتها، وعدم الانجرار وراء الأجندات الخارجية، والعبث بأمن واستقرار الوطن، وهي لجأت إلى القانون، لتؤكد أنّ الجميع سواسية في محرابه وأنّ على كل يتجاوزه، تحمّل تبعات فعلته، تحت مظلّة النظام والقانون.
يُفرّق المواطن العادي، بين عباداته وطموحات الإخوان، ويُدرك ضرورة المضي بالمسيرة الاصلاحيّة المتدرّجة ، ويُدرك عقم محاولات الجماعة، التشكيك بمدى نجاح مسيرة الإصلاح السياسي، ويُدرك أيضاً أنّ الدولة قويةٌ، وقادرةٌ على حماية أرواح وممتلكات أبنائها، وفرض سيادة القانون، مع احتفاظها بسمتها، كدولة حضاريّة قائمة على مبدأ العدالة وسيادة القانون، واحترام حرية وكرامة الإنسان.
وإذ يتقافز الإخوان بين الحبال، بدعوتهم لهدم الدولة وتحدّيها، والهتاف لمرسي رئيساً لهم، فإنّ المسيرة ماضيةٌ بثقة، لوضوح خارطة الإصلاح السياسي، المتمثلة بإنجاز الـمحطّات الضرورية، للانتقال إلى الحكومات البرلمانية، القائمة على أغلبية حزبيّة وبرامجيّة، مُقابل أقليّة تشكل معارضة بنّاءة، تأخذ صفة حكومة الظل النيابيّة، وتطرح برامج وسياسات بديلة، بهدف التغيير نحو الأفضل، وليس بهدف تمكين الإخوان من الحكم، كما يشتهون ويخططون.
كلمة صدق واحدة قالها سعيد، وهو يعلن أنّه ليس لجماعته منذ تأسيسها، فضلٌ على أحد من المسلمين، وأنّ هناك الكثير ممن هم خارج الإخوان يفوقونهم في الفضل، فلماذا لايتوقفون عند هذه الحقيقة، بدل الاتهامات المتهافتة، بأنّ في الدولة الوحيدة، التي أمّنت لهم حرية العمل، من يحاول إقصاء الجماعة عن المشهد السياسي، باعتبار أنها حركةٌ يسارية، وقد تعتبر لينين وجيفارا من أئمتها قريباً.
اين الوساطات العربية في مصر؟
رأي القدس العربي
يتابع العالم بقلق ما آلت اليه الاوضاع في مصر، خاصة انه لا يبدو بالافق اي نهاية للازمة، على العكس يظهر ان التصعيد هو سيد الموقف، ما لم يتدخل العقلاء، ويضغطوا على الطرفين، الاسلاميين والجيش لتغليب مصلحة البلاد على المصالح الشخصية والفئوية.
لم يعد مبررا الاكتفاء بمتابعة الاخبار بل اصبح اليوم واجبا على المسؤولين العرب وامين عام الجامعة العربية التدخل واطلاق عملية سياسية شاملة تضع حدا للعنف وتوقف الاستخفاف بحياة البشر وتؤكد على حماية المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية.
لقد مر وقت طويل، واريق الكثير من الدماء، ولا يبدو لا المؤسسة العسكرية ولا جماعة الاخوان المسلمين مستعدين للتراجع عن مواقفهم. فالحكومة المؤقتة تصر على التعامل بحسم مع جماعة الاخوان.
وكما قال وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم ‘لن نسمح لاي مأجور او حاقد ان يحاول تعكير صفو اجواء التلاحم والاخاء’. كما ان جماعة الاخوان المسلمين يصرون على عدم التفاوض ويربطون قبولهم اي مبادرة بأن تكون على اساس اعادة الشرعية والغاء الانقلاب العسكري.
التحرك العربي ضروري لوقف كرة الثلج، وعلى الطرفين في مصر ضبط النفس خلال هذه الفترة.
وهناك بعض القضايا التي لا بد من الاشارة لها وتراجع الطرفين عنها من اجل الوصول لحل للازمة:
ـ ضرورة اجراء تحقيق مستقل وسريع باحداث القتل التي راح ضحيتها حوالي 300 مصري.
ـ ضرورة التعامل السلمي مع المظاهرات وضمان حماية جميع المصريين، فمن البديهي ان يكون لدى قوات الشرطة وسائل غير الرصاص.
ـ على قيادة حركة الاخوان المسلمين التأكيد على سلمية التظاهر، ومنع اي من المتظاهرين من حمل اي سلاح.
ـ تراجع وزير الداخلية عن قرار اعادة ادارات مكافحة التطرف ورصد النشاط السياسي، والتي تم الغاؤها بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك، والتي تعتبر اعادتها انتكاسة لمكتسبات الثورة.
ـ اطلاق سراح الرئيس محمد مرسي، والتراجع عن محاكمته، خاصة ان التهم التي وجهت له حول التعامل مع حركة حماس والفرار من السجن، كانت متداولة عندما كان الفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير دفاع لمدة عام لدى نظام مرسي.
ـ لا يمكن الوصول لحل سياسي في البلاد بدون الاخوان المسلمين، ومن الضروري اشراكهم بـ’خارطة المستقبل’ مما قد يتطلب تعديلها.
ـ وقف التحريض الاعلامي الذي يؤجج الخلافات ويزرع الفتنة والكراهية.
هذه بعض الاجراءات والخطوات الضرورية، والتي سيكون من الصعب على اي من الطرفين اتخاذها بدون وساطة عربية جادة.
اليسار ومسألة الإسلاميين
سلامة كيلة (كاتب سوري – فلسطيني)/القدس العربي
بعد الموجة الأولى من الثورات سيطرت قوى إسلامية على السلطة، الأمر الذي أخاف قطاعاً كبيراً من اليساريين و «اليساريين» السابقين، وهو ما أدى إلى الرعب من الثورات ذاتها واتخاذ موقف محبط منها وأحياناً رفضها والتشكيك فيها. وأدى أيضاً إلى الرعب من الإسلاميين والاعتقاد بأنهم سيحكمون لعقود مقبلة في ظل سلطة «فاشية». وبالتالي أصيب اليسار بحالة من عدم التوازن والرعب، انعكس على موقفها من ثورات أخرى خصوصاً الثورة السورية.
الآن بعد أن قلع الشعب سلطة الإخوان المسلمين في مصر، ماذا يمكن أن يكون موقف هؤلاء؟
أولاً، ظهر أن كل تقديراتهم خاطئة، فلا فهموا أن الشعب سيقوم بثورة، ولا عرفوا كيف يتعاملون مع الثورة، ثم أصيبوا بالرعب من سيطرة الإخوان المسلمين، وكأنها مؤامرة فعلاً فرضت تسلّم هؤلاء السلطة.
ثانياً، ظهر أنهم ليسوا أكثر من مراقبين يسجلون الأحداث، ويعلنون المواقف، من دون أن يكون لهم دور فعلي.
وثالثاً، هم بالأساس لم يفهموا الواقع، وما زالوا لا يفهمونه. لهذا لم يلمسوا ما جرى سوى أنه أزال الإخوان.
كم أن هؤلاء في حالة اغتراب عن الواقع؟ وكم هم يتعلقون بالأحداث التي تصلهم عبر الإعلام (الذي هو مزوّر)، وينساقون مع التيار العام الذي يصنعه هذا الإعلام بالتحديد؟
الأساس هنا هو أن هؤلاء لا يعرفون معنى الواقع. ولا يفكرون في رؤية الشعب المفقر والمهمش، ولا البحث في ظروفه وردود أفعاله، ولا يعرفون مطالبه. وكل ما يعرفونه هو «الأخبار» التي تصل اليهم عبر إعلام مزوّر.
فقد كان واضحاً لمن يتابع وضع «الناس» أن احتقاناً يتراكم، وكل احتقان يوصل بالضرورة إلى الثورة، وبالتالي فإن الأمور تندفع إلى الثورة. هذا ما كان يتوضح بدقة منذ بداية القرن الجديد، وأصبح حتمياً بعد الأزمة المالية الإمبريالية. كما يمكن القول إن بلدان جنوب أوروبا وشرقها، وآسيا وبلدان أميركا اللاتينية تتحضر لثورات نتيجة الأزمة التي ظهر أنها ليست مالية بالمعنى الحصري للكلمة، بل أزمة نمط كامل وصل إلى حدّ التأزم المستمر.
وأيضاً كان واضحاً لكل مراقب للوضع أن الإسلاميين هم من سيستفيد منها بعد أن حصلت، لأنهم قوة المعارضة الأهم كما ظهرت (وبمجهود هؤلاء اليساريين)، والتي أصبحت ذات رمزية تجعلها أكثر يساراً من اليسار بعد أن باتت تسوّق على أنها «معادية للإمبريالية»، وأنها «حركة التحرر الوطني الفلسطيني» الجديدة، وكذلك أصبحت هي القوة الديموقراطية الأهم!
هذه صفات أسبغها اليسار على الإسلاميين، وهي صفات مقبولة شعبياً، جعلت هؤلاء يصبحون القوة الأهم في الواقع على حساب اليسار، الذي بدأ بعض أعضائه وكثير من مناصريه يتسربون إلى صف الإسلاميين.
بالتالي لم يكن في الواقع بعد سقوط نظم تونس ومصر سوى الإسلاميين قوة فعلية من جهة، ومن جهة أخرى كان سهلاً لمن يعرف كنه هؤلاء أن يفهم ما يمكن أن تقدم عليه الطبقة المسيطرة، وأيضاً الإمبريالية الأميركية، حيث كان سهلاً الاستنتاج أن امتصاص الثورة وتنفيسها يفترضان سعي الإسلاميين إلى السلطة. وبهذا كان واضحاً أن سياسة «السلطة الانتقالية» بعد رحيل الرئيسين (بن علي ومبارك) هي التمهيد لوصول الإسلاميين إلى السلطة بالتحالف مع الطبقة الرأسمالية المسيطرة. فعلى عكس ما كان يشيع ذاك اليسار، كان الإسلاميون على تواصل مع الإمبريالية الأميركية من دون انقطاع، وكانوا ليبراليين حتى العظم، وفي شكل أسوأ من الليبرالية السائدة، وأيضاً كانوا أصوليين يريدون فرض سلطة الدين بشكلها القروسطي (المتعلق بالقيم في الأساس)، واستبداديين بالتالي من دون شك.
لهذا كانت الرأسمالية المسيطرة تريد الاستفادة من كونهم معارضة، و «معادين للإمبريالية»، لإعادة إنتاج السلطة الرأسمالية المافيوية التابعة للإمبريالية في ظلهم. هذا ما أتى بهم إلى السلطة، وما كان يجب أن يكون مفهوماً من اليسار، الذي فوجئ بسيطرة الإخوان، وفوجئ بسياساتهم وتحالفهم مع أميركا والحفاظ على العلاقة الجيدة مع الدولة الصهيونية، وأيضاً أنهم ليسوا ديموقراطيين. مفاجآت تدلّ على الجهل بكنه الإسلاميين، وهي صفة ملاصقة لهؤلاء لأنهم لا يكترثون بماهية الأشياء، ويتعلقون بالأحداث والتصريحات والعلاقات. ولكن أيضاً الأوهام الذاتية التي تفرض رؤية الآخر وفق المخيال الذي يغطي على العجز الذاتي.
ومن ثم أيضاً كان واضحاً سقوط الإسلاميين، بالضبط لأنهم أتوا في مرحلة ثورية، تحرّك فيها الشعب لأنه لم يعد يستطيع تحمل الوضع الذي هو فيه، وبالتالي لن يتحمّل استمرار الوضع لأن قوة راهن عليها، وتوهم أنها تحمل حلولاً لمشكلاته، وصلت إلى السلطة من دون أن تحقق شيئاً. فقد كسر حاجز الخوف حين واجه «الجبروت» الأول الذي كان قد صنع سلطة استبدادية متماسكة ولن تثنيه عن الثورة من جديد قوة تسلمت السلطة حديثاً وبمجهوده هو. لهذا كان انقلابه عليها أمراً حتمياً، وكانت ثورته الثانية حتمية.
وسنقول إن الواقع لا يزال ثورياً، أي أنه لا يزال يحتمل ثورات أخرى، بالضبط لأن النخب السياسية التي تتصدى للسلطة بعد كل ثورة ليست مؤهلة لأن تطرح حلاً للمشكلات المجتمعية، ليست لديها رؤية للحلول الضرورية من أجل تحقيق مطالب الشعب. فكلها تهرب من المشكلة الأساس التي هي أن الشعب لم يعد يستطيع العيش، وبات مهدداً بالموت جوعاً، إلى ترقيع نظام اقتصادي اجتماعي وسياسي هو الذي صنع كل هذا الوضع.
من كل ذلك نصل إلى أن ليست هناك قوة فوق التاريخ، وليس هناك جبروت ممكن الاستمرار ما دام الشعب غير قادر على تحمّل الوضع الذي هو فيه. لقد فتح الشعب وهو يكسر السلطة في أول خطوة قام بها الباب لزمن ثوري لن ينتهي إلا بتحقيق التغيير الذي يغيّر من واقع الشعب. هذه هي الفكرة البسيطة التي غابت، وما زالت غائبة، عن وعي ذاك اليسار الذي لا يعرف سوى الإسم: يسار، من دون معرفة الدور والفعل والفهم.
حروب «حزب الله» تؤكد هويته العسكرية
غسان الإمام/الشرق الأوسط
سلّم الرئيس حافظ الأسد، على مضض، برغبة إيران في إنشاء حزب طائفي شيعي في لبنان خاص بها. وكعادته، أجرى مداولات سرية طويلة مع زعماء إيرانيين دينيين. ومدنيين. وعسكريين. ومخابراتيين، محاولا إقناعهم بقبول حركة «أمل» حزبا للطائفة تدعمه وتستغله سوريا وإيران معا.
لكن الإيرانيين اعتذروا بلباقة لحليفهم الوحيد في العالم العربي. وأرسلوا مئات من ميليشيا الحرس الثوري إلى بعلبك. وبدأوا فورا بتدريب شباب الشيعة على السلاح والقتال. وكانت مخابرات الخميني المنهمك، بحرب مضنية مع عراق صدام، قد حشدت مسبقا لفيفا طويلا عريضا، من رجال الدين، لتشكيل البنية المذهبية للحزب.
هكذا ولد «حزب الله». وجاء تصميم رمزه من إيران: قبضة مرفوعة ممسكة ببندقية كلاشنيكوف. ولم تكن تلك القبضة سوى للشباب من أصحاب العمائم الذين كانوا من صغار تلامذة الخميني في النجف، عندما كان هاربا من الشاه، إثر قمع ثورته الدينية الأولى (1963). وبين هؤلاء صبحي الطفيلي الذي سيصبح أول أمين عام للحزب. وعباس الموسوي الأمين العام الثاني الذي اغتالته إسرائيل (1992). وحسن نصر الله أمينه الثالث.
في حذره التقليدي، نصح الأسد حلفاءه الإيرانيين، بعدم الإعلان عن ميلاد الحزب (1982). وبالفعل، تأجل الإعلان إلى عام 1985، وذلك بعدما انهمك الحزب فور ميلاده (تحت اسم منظمة «الجهاد») بعمليات انتحارية، روَّعت الأميركيين والفرنسيين الذين ارتكبوا خطأ إنزال قوات برية كبيرة في لبنان، مستغلّين انكفاء القوات الإسرائيلية الغازية إلى الجنوب، إثر تعرضها لعمليات استنزاف.
قتل 240 جندي مارينز أميركيا. و86 مظليا وجنديا فرنسيا، في عمليتين انتحاريتين بسيارات مفخخة اقتحمت قواعد هذه القوات في بيروت (1983). وعندما نسف الحزب مبنى السفارة الأميركية بعملية ثالثة. قتل فيها دبلوماسيون ومدير محطة المخابرات المركزية في المنطقة، آثر الرئيسان رونالد ريغان وفرانسوا ميتران سحب قواتهما.
عدت إلى هذه الخلفية «الماضوية» لحزب الله، لأذكِّر الأوروبيين بأن معاقبتهم «للجناح العسكري» للحزب هي خرافة، كي لا أقول أكذوبة. فلا انفصال بين العسكري والديني، في قيادة الحزب منذ ولادته. وخرافة «الجناح العسكري» هي من فذلكة الدبلوماسية البريطانية، لتمرير العقوبة، بأهون أذى ممكن، قد يلحقه «حزب الله» بالقوات الأوروبية المشاركة في حفظ «السلام» بينه وبين إسرائيل في جنوب لبنان.
صحا الرئيس الأسد من غفوة مرضه ففرك كفيه فرحا. فقد وفَّرت عمليات «حزب الله» عليه وعلى تنظيمه الشيعي في لبنان (حركة أمل) لوم وغضب أميركا وأوروبا اللذين انصبّا على إيران. ومن الباب المُوارِب، لعب الأسد دورين في حرب الرهائن المخابراتية التي ستنشب طيلة الثمانينات: دور المشاركة. أو الوساطة. وقد سجلت المخابرات الإيرانية بواسطة حزبها «الإلهي» نصرا كبيرا على المخابرات الغربية.
أستطيع أن أقول إن لبنان خرج عمليا من دائرة النفوذ الغربي، منذ تأسيس الحزب (1982). وبات على نظامه مداراة إيران وحزبها، وخاصة أن عرب المشرق، بما فيهم اللبنانيون، باتوا متأثرين بثقافة «المقاومة» والعداء للسياسات الغربية التي بثها النظامان الإيراني والسوري.
وأروي هنا بعض التفاصيل عن حرب الرهائن. فقد كان بين ضحاياها مالكوم كير رئيس جامعة بيروت الأميركية (84). والباحث الفرنسي ميشال سورا (86). والعقيد الأميركي الأسود ريتشارد هيجينز العامل في القوات الدولية. أعدم سورا المتزوج سوريةً، لمجرد وضعه كتابا عن الطائفة العلوية. وشنق حزب الله العقيد الأميركي، بعد خطف إسرائيل، في عملية جريئة، قياديين حزبيين (عبد الكريم عبيد ومصطفى ديراني).
وأضيف أن الأسد لم يكن راضيا عن قتل الضابط الأميركي. وحاول إنقاذه هو والقس الإنجيلي البريطاني ثيري ويت الذي أبقاه خاطفوه عاريا بعدما اكتشفوا أن طيات جسده تحتوي على أجهزة اتصال واستقبال دقيقة. ثم أرسل الأسد قوة لطرد طلاب «حزب الله» المعتصمين في الجامعة الأميركية.
سلمت إدارتا ريغان ثم جورج بوش الأول بدور الأسد كشرطي لبنان، في التسعينات. ولم تعترض على تصفية واغتيال زعماء سنة كبار (المفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح) ورئيسين مارونيين (بشير الجميل ورينيه معوض) في الثمانينات. وبلغ النفوذ السوري قوته وأوجه في التسعينات. عادت القوات السورية من البقاع إلى بيروت. وأنقذت قوات «أمل» من الهزيمة أمام الميليشيا الدرزية. ودخلت ضاحية بيروت الجنوبية (عاصمة دويلة حزب الله) هي والجيش اللبناني. وتم تأديب الحزب في معارك طاحنة، وخاصة بعد اغتيال الشيخ نزار الحلبي الزعيم الروحي لتنظيم «الأحباش» الديني السنّي.
بل كانت جرأة الأسد كبيرة عندما منع إيران بالقوة من السيطرة على مدينة طرابلس، عبر تبنيها لإمارة «التوحيد» الدينية التي أقامها الشيخ «الجهادي» السني سعيد شعبان. وأروي هنا أن أنصار الشيخ غافلوه. فقنصوا. وقتلوا 15 جنديا سوريا. فأطبقت القوات السورية على منطقة التبانة في شمال المدينة. وكانت المجزرة شبيهة بمجازر النظام في سوريا حاليا. ولم يسلم من القتل المدنيون المحاصرون. ولم تجرؤ الصحف على نشر أية تفاصيل. ومات الشيخ شعبان كمدا بعد أعوام قليلة.
كان رهان إيران على «حزب الله» ناجحا. فقد ملأ لصالح إيران الفراغ السياسي والديني الذي خلّفه انسحاب الفلسطينيين من لبنان بعد الغزو الإسرائيلي. وإذا كانت حرب الرهائن نصرا لإيران وحزبها، فقد كانت أيضا مظلة واقية لحرب الأسد على عرفات (حرب المخيمات) في الثمانينات التي قتل فيها ألفا فلسطيني. وجرح أربعة آلاف. وجرت الحرب بالواسطة. فقد استخدم الأسد منظمة «أمل» الحليفة الأولى. وربما لم يعرف زعيمها نبيه بري أن قادة دباباتها السورية (تي – 55) كانوا من الجنود العلويين.
غير أن حربا أخرى سببت متاعب كبيرة للرئيس الأسد. فلم يكن قادرا على إرسال قواته عبر «الخط الأحمر» الإسرائيلي، لوقف الحرب الشيعية / الشيعية في الجنوب، بين حركة «أمل» الحليفة له، و«حزب الله». جرت تلك الحرب الشقية على مراحل. فقتل وجرح ألوف المدنيين الشيعة. ولم تجرؤ الصحف أيضا على ذكر أية تفاصيل. وكان الجانبان ينقضان الاتفاقات الموقعة. وأخيرا، كان بالإمكان وقفها (1989) بعد أربع سنوات من نشوبها.
ولا تخلو مأساة الحروب اللبنانية من طرافة التناقضات! فقد تحالفت قوات «فتح» مع قوات «أمل»، بعد اقتتالهما في حرب المخيمات، وذلك في معارك إقليم التفاح الجنوبي بين «أمل» و«حزب الله». فلم يكن الفلسطينيون راغبين في سيطرة الحزب على الجنوب، ويعتبرون التعامل مع «أمل» أكثر سهولة ومرونة. غير أن الحزب أنهى حرب الأشقاء بالسيطرة تماما على الجنوب، لكن سُمح لـ«أمل» بدخول ضاحية بيروت الجنوبية التي يعتبرها عاصمة لدويلته.
تسارع أوروبا لتقديم الاعتذار تلو الاعتذار لـ«حزب الله» على إدراج «جناحه» العسكري (الذي لا ينفصل عن جناحه السياسي) في لائحة الإرهاب. الحزب يعرف أن تورطه في الحرب السورية بات شديد الوطأة على سمعته وعلاقاته الدولية.
في الثلاثاء المقبل، أواصل مع أوروبا رحلة التنقيب والبحث عن الجناح العسكري للحزب. وأقف عند شخصية حسن نصر الله. كيف أزاح حسن نصر الله من طريقه منافسه الشيخ صبحي الطفيلي؟ وكيف حيَّد عمامة الراحل من حسين فضل الله؟ وهل كان فضل الله زعيما روحيا فقط للحزب؟ أم تقمصته روح الجناح العسكري المفقود؟
30/7/2013
في هذا الملــــف:
مرحلة مفصلية
رأي البيان الإماراتية
كيري يطلق مسار التنازل الفلسطيني الجديد
حلمي موسى/السفير
لعبة تفاوضية بالمقلوب
طاهر العدوان/الرأي الأردنية
أربعة سيناريوهات لما بعد الـ «14 من آب»
عريب الرنتاوي/الدستور الأردنية
«حماس» والتموضع الجديد؟
د. نبيل حاوي/القبس الكويتية
«حماس» ليست فلسطين
أمين إسكندر/المصري اليوم
وحدة الضفتين وحرب السلطتين
سميح المعايطة/الرأي الأردنية
«برافر لن يمر»!
ربى الحسيني/السفير
اسرائيل هي العدو وليس ايران
بسام البدارين (مدير مكتب القدس العربي في الاردن)/القدس العربي
الارباك يطبع "اللاقيادة" الأميركية في المنطقة ومصر صدمة جذرية بعد انهيار الاخوان
روزانا بومنصف/النهار اللبنانية
مرسي رئيساً للأردنيين !!
حازم مبيضين/الرأي الأردنية
اين الوساطات العربية في مصر؟
رأي القدس العربي
اليسار ومسألة الإسلاميين
سلامة كيلة (كاتب سوري – فلسطيني)/القدس العربي
حروب «حزب الله» تؤكد هويته العسكرية
غسان الإمام/الشرق الأوسط
مرحلة مفصلية
رأي البيان الإماراتية
مع الإعلان عن انطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية اليوم، تدخل عملية السلام في مرحلة مفصلية، فالطريق إلى الحقوق الفلسطينية المتفق عليها من غالبية الشعب الفلسطيني وممثليه الشرعيين بات واضحاً وهو الدولة الفلسطينية ضمن حدود الأراضي المحتلة عام 1967، وهذا هو الحد الأدنى الذي ارتضاه الشعب الفلسطيني للقبول بالحل السياسي والجلوس إلى طاولة المفاوضات.
ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي يحاول أن ينتقص من هذه الحقوق عبر وسائل شتى منها فرض الأمر الواقع على الأرض واقتطاع الأراضي ومحاولة فرض حدود جديدة يستثني منها المستوطنات والطرق الالتفافية التي تقطع أوصال الاراضي الفلسطينية بين ثلاثة معازل أو أكثر، والاستيلاء على الحدود مع الأردن في منطقة الأغوار بذرائع أمنية.
وفوق هذا وذاك موضوع القدس الذي يبدو وكأنه القنبلة التي يريد الإسرائيليون تفجيرها في عملية السلام في لحظة ما، فالقدس هي مفتاح السلام في هذه المفاوضات وإذا لم يعترف الإسرائيليون بالحقوق الفلسطينية فيها فإن مستقبل العملية سيكون في مهب الريح.
صحيح أن انطلاق المفاوضات فرصة ثمينة للجميع لابد، وأن يستغلوها للوصول إلى اتفاقات عادلة يرضى بها الفلسطينيون الذين أتعبهم الصراع.
وفي هذا السياق لابد من التأكيد على دور الراعي الأميركي الذي يملك وحده القدرة على الضغط الجدي على إسرائيل. وإجبارها على القبول بالحل العادل الذي يرضي الفلسطينيين. ولذلك فالمطلوب من الولايات المتحدة ليس تأمين الاستضافة فقط بل والمشاركة في المفاوضات بشكل جدي إن كانت تريد لها أن تصل إلى نهايتها السعيدة بالتوقيع على اتفاق نهائي ينهي الملفات العالقة ويدخل المنطقة في مرحلة من الاستقرار.
إن حل القضية الفلسطينية في هذه المرحلة يشكل أهمية استراتيجية، لأنه يأتي في سياق حاجة المنطقة برمتها إلى الاستقرار، فالقضية الفلسطينية استغلت من الكثيرين، سواء كانوا أنظمة أو فصائل أو قوى، وآن لها أن تحل وفق رؤية الشعب الفلسطيني نفسه صاحب القضية وحامل رايتها.
جدول زمني بـ9 أشهر .. وتباين بشأن الحدود والأمن
كيري يطلق مسار التنازل الفلسطيني الجديد
حلمي موسى/السفير
بعد غياب سنوات، يجلس اليوم الى طاولة المفاوضات الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي لبحث مستقبل التسوية، أو بالأحرى مستقبل الفلسطينيين، برعاية خاصة من وزير الخارجية الأميركي جون كيري. وقبل البدء بالمفاوضات، تشارك الوفدان عشاء إفطار رمضاني - أميركي، تمهيدا لمحادثات مغلقة يفترض ان تقود الى تنازلات فلسطينية جديدة، من خلال ما يسمى تعديل حدود العام 1967، التي وافقت عليها السلطة الفلسطينية، وباركتها لجنة مبادرة السلام العربية، في لحظة تشرذم عربي متزايد وانقسام فلسطيني لا يجد نهاية.
وقد التقى طاقما المفاوضات للمرة الأولى مساء أمس، على مأدبة إفطار رمضاني أعدتها الخارجية الأميركية للطرفين. ومعلوم أنه ستبدأ اليوم في مقر الخارجية الأميركية اللقاءات الرسمية بين الطاقمين بعد إعلان إسرائيل قرار الإفراج عن 104 معتقلين فلسطينيين، ولكن على أربع مراحل مرتبطة بتطور المفاوضات. ما يعني أن إسرائيل نجحت بربط الفلسطينيين في تسعة أشهر من التفاوض حداً أدنى.
وقبل بضع ساعات من استئناف هذه المفاوضات المباشرة في واشنطن، أعلنت الولايات المتحدة أن الاسرائيليين والفلسطينيين توافقوا على إجراء مفاوضات لتسعة أشهر على الأقل. وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية جين بساكي أن الامر لا يتعلق بـ«مهلة نهائية وانما باتفاق لمواصلة العمل».
ومن جهته، رحب الرئيس الأميركي باراك أوباما باستئناف المفاوضات. وقال في بيان إن «الأكثر صعوبة لا يزال أمامنا، وآمل أن يدخل الاسرائيليون والفلسطينيون هذه المحادثات بحسن نية وتصميم واهتمام كبير». وأضاف «انها خطوة واعدة الى الأمام حتى وإن كان الامر سيتطلب عملا شاقاً واتخاذ خيارات صعبة في المستقبل».
وكان وزير الخارجية الأميركية جون كيري قد بعث رسمياً بكتابين للرئيس الفلسطيني محمود عباس ولرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يدعوهما لإرسال ممثلين عنهما إلى واشنطن لاستئناف المفاوضات رسمياً. وامتدح كيري في كتابه «شجاعة» الرجلين اللذين «أبديا استعداداً لاتخاذ قرارات قاسية تعذر بلوغ هذه النقطة من دونها». وبعد ذلك أعلن عن تعيين السفير الأميركي الأسبق في تل أبيب مارتن إينديك رئيساً للطاقم الأميركي في المفاوضات، التي سيقودها كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ووزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي ليفني.
وأعلن كيري أن إينديك الذي سيحظى بصفة المبعوث الأميركي الخاص لشؤون السلام الإسرائيلي - الفلسطيني، سيرافق المحادثات بين الجانبين حاضراً «في كل مكان تجري فيه». وأشار إلى أن مستشاره، فرانك ليفنشتاين، سيكون نائباً لاينديك.
وشدد كيري في مؤتمره الصحافي على دور أوباما في إطلاق ورعاية عملية السلام وعلى خبرة إينديك في المفاوضات. وقال إن «إينديك يفهم أن السلام لن يحل فجأة، لكنه يفهم شعور الإلحاح بشأنه... وهو يعرف ما نجح وما لم ينجح في الماضي، وهو ملزم بالعمل من أجل فعل ذلك بشكل صائب».
وبدوره، اعتبر إينديك، الذي كان حتى يوم أمس نائباً لرئيس معهد «بروكينغز» للأبحاث في واشنطن، أنه «منذ أربعين عاماً يعتقد أن السلام في الشرق الأوسط أمر ممكن... وأنا أعرف أن هذا تحد صعب، ولكن لا أستطيع التهرب منه».
واعتبرت أوساط أميركية أن دعوة الطرفين إلى مأدبة إفطار رمضاني في أجواء غير رسمية يساعد على تسخين الأجواء بينهما. ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤول إسرائيلي قوله إنه «برغم ذلك سنبحث على مائدة الإفطار مسائل تتصل بجدول أعمال اللقاءات». وفي العموم، فإن الاجتماع اللاحق في الخارجية الأميركية سيبحث تفاصيل جدول الأعمال والقضايا على طاولة البحث وينهي جولة اللقاءات هذه بإعلان مشترك يقرأه جون كيري شخصياً، ويعلن فيه رسمياً استئناف المفاوضات بين الطرفين.
وهناك قناعة في إسرائيل بأن الطاقمين الإسرائيلي والفلسطيني ينطلقان من زوايا متناقضة في المفاوضات. فالفلسطينيون يريدون حدوداً وخرائط وإسرائيل تتحدث عن ترتيبات أمنية، وخصوصاً في غور الأردن. ومن الجائز أن هاتين المسألتين ستحتلان الأولوية عن القدس واللاجئين على الأقل في مراحل المفاوضات الأولى. وربما على قضايا الحدود والأمن ستنهار أو تتقدم المفاوضات قبل القضايا الأخرى.
وكانت ليفني ومبعوث نتنياهو الخاص للمفاوضات المحامي اسحق مولخو قد وصلا إلى نيويورك أمس، لإطلاع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على فحوى التفاهمات التي قادت إلى استئناف المفاوضات. وطلب الاثنان منه أن يعمل على دعم العملية السياسية والحيلولة دون أي خطوات أحادية الجانب في مؤسسات الأمم المتحدة. ومن المهم الإشارة إلى أن أحد دوافع قبول الحكومة الإسرائيلية باستئناف المفاوضات بالشروط المعلنة، هو الخشية من عزلة دولية ومن خطوات في الأمم المتحدة ذاتها.
وبحسب ما يفهم حتى الآن، فإن المفاوضات في واشنطن تنتهي اليوم على أن يحدد موعد اجتماعات أخرى في الشرق الأوسط. ومن المفترض أن تجري خلال التسعة أشهر مفاوضات حول قضايا الحل النهائي المعروفة وهي الحدود والأمن والقدس واللاجئين. ويبدو من سلوك جون كيري حتى اليوم أنه يسعى لإدارة المفاوضات بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام، الأمر الذي قد يسهم في نجاحها، بحسب رأيه. ويتحدث كثير من المراقبين عن مبدأي السرية و«الغموض البناء» اللذين اعتمدهما كيري حتى الآن لإنجاح مساعيه.
وفي كل حال، فإن كل طرف بدأ بالتحريض على الطرف الآخر بوصفه المسؤول عن الإفشال اللاحق للمفاوضات. وفي نظر الفلسطينيين تكفي نظرة واحدة على مماطلة الحكومة الإسرائيلية في إقرار الإفراج عن أسرى مضى على اعتقالهم ما يزيد عن 20 عاماً لإثبات استمرار التصلب وانعدام المرونة. كما أن الإسرائيليين، عسكريين ومدنيين، يشيعون أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس وافق على استئناف المفاوضات فقط من أجل أن يفشلها. وربما لهذا السبب استبق الطاقم الإسرائيلي المحادثات بالتوجه إلى الأمم المتحدة للاجتماع إلى أمينها العام.
لعبة تفاوضية بالمقلوب
طاهر العدوان/الرأي الأردنية
من تراث المفاوضات العربية الإسرائيلية ان العرب يقبلون ما كانوا قد رفضوه في السابق لكن بعد مرور السنوات وتضييع الوقت . اصل هذه المقولة هم الإسرائيليون وقد اختبروها في السابق بنجاح وها هم اليوم امام مثال آخر ، فبعد رفض فلسطيني استمر أكثر من خمس سنوات تعود السلطة الى التفاوض متخلية عن شرط وقف الاستيطان بل انها تذهب الى مفاوضات واشنطن بدون مرجعيات .
الإسرائيليون لم يتمسكوا فقط بالاستيطان انما أضافوا شرطا آخر استبق به نتنياهو المفاوضات في قرار حكومته يوم الاحد الماضي « بان أي اتفاق ينجز سيطرح للاستفتاء على الإسرائيليين « والمخدوعون يعتقدون ان هذا الإعلان يدل على ان نتنياهو مقدم على اتخاذ قرار صعب كالذي اتخذه شارون عندما انسحب من غزة ، والواقع ان نتنياهو أضاف خطا احمر جديد امام المفاوضات في مجتمع إسرائيلي لم يعط ثقته ، منذ عشر سنوات ، الا الى عتاة العنصرية والمستوطنين .
كما ان هذا الإعلان سلاح ضغط جديد سيستخدمه نتنياهو على المفاوض الفلسطيني ليقول له في كل مرة يرفض فيها السلام الإسرائيلي المعروض عليه بانه ان لم يقبل فان الشعب الإسرائيلي لن يوافق على الاتفاق عند طرحه على الاستفتاء وهكذا تستمر اللعبة التفاوضية بالمقلوب او كما يقال ( بالشقلوب ) لانه في كل المفاوضات التي جرت بالتاريخ يطرح الاستفتاء ،الذي يسمى تقرير المصير ، على الشعب الرازح تحت الاحتلال وليس على ( الشعب ) الذي يحتل جيشه بلدا آخر .
هذا الاستثناء الذي يريد نتنياهو ترسيخه كمبدأ للتفاوض بدل قراراي ٢٤٢ و ٣٣٨ يضع مائدة التفاوض على قواعد خاطئة وبداية من هذا النوع ستقود الى نتائج كارثية ، خاصة وان الإعلام والسياسة الصهيونية قد نجحتا في قلب الموقف الرسمي والشعبي في الولايات المتحدة عندما صورت عقبة السلام بانها تتمثل برفض الفلسطينيين الاعتراف بان اسرائيل دولة لليهود ، وبما ان اسرائيل لا تعترف بان الضفة والقدس أراض محتلة انما متنازع عليها فان فكرة الاستفتاء تقدم للعالم المخدوع ( ان كانت الاجابة بنعم) بانها تنازلات صعبة وسخية من الإسرائيليين عن ( أرضهم ) من اجل السلام!.
يقدم الفلسطينيون في السلطة التبريرات بانهم يذهبون للمفاوضات بعد ان رفضوا سنوات طويلة لم يتقدم العرب خلالها بمواقف عملية تجعل هذا الرفض مجديا فلا هم قدموا أموالا كافية للصمود ولا ضغوطا ذات وزن على واشنطن لتجبر نتنياهو على وقف الاستيطان .
وبغض النظر عن صحة هذه التبريرات أم لا ، فان المخاطر من الذهاب الى المفاوضات بلا وقف للاستيطان وبلا مرجعية قانونية للمفاوضات سيقود الى احد احتمالين ، الأول - فشل المفاوضات لأني من بين الذين يعتقدون بانه لا يوجد قائد فلسطيني قادر على منح احتلال اسرائيل البركة والشرعية ، لكن هذه المفاوضات ستقترن بمشهد نمو وتوسع استيطاني غير مسبوق وسيستخدم المفاوض الإسرائيلي هذا الواقع الموجود على الارض لإلقاء ضغوط هائلة على المفاوض الفلسطيني .
أما الاحتمال الثاني فهو نجاح المفاوضات وتوصلها الى حل نهائي ، لكن الظروف والمؤشرات والسوابق ترجح بانه لن يكون الحل العادل المنشود و يخشى ان يبنى على الأمر الواقع (الاستيطاني والتهويدي ) في الضفة والقدس مع تجميله( بمكياجات ) الدولة والانسحاب والاستقلال في كانتونات ممزقة ،و دولة غير قابلة للحياة بدون علاقة ما مع الاردن تغطي عيوب هذا الحل وتستر عوراته .
أربعة سيناريوهات لما بعد الـ «14 من آب»
عريب الرنتاوي/الدستور الأردنية
ينتظر الفلسطينيون -ليس بفارغ الصبر- استحقاق الرابع عشر من آب/أغسطس القادم، أي بعد عيد الفطر السعيد مباشرة، تشكيل حكومة جديدة، تخلف حكومة د. رامي الحمد الله المستقيلة، والتي بدت كـ “فاصل إعلاني قصير” في الحياة السياسية الفلسطينية، بعد أن انتقل رئيسها إلى “تصريف الأعمال” إثر اندلاع صراعات النفوذ والأدوار داخل مطبخه الوزاري المصغر، وبعد أيام قلائل فقط، من التكليف والتأليف.
كان المفروض بحكومة د. الحمد الله أن تكون حكومة الوحدة والمصالحة بين فتح وحماس وفقا “لآخر اتفاقات القاهرة”، بيد أن استمرار التأزم بين القطبين الفلسطينيين حال دون ذلك، وتحول تاريخ 14 آب إلى ما يشبه “الإنذار الأخير” لحماس بالانصياع لخيار المصالحة والوحدة الوطنية، من دون أن تلوح في الأفق بوادر توافق على تشكيل الحكومة العتيدة والشروع في التحضير للانتخابات المتزامنة من رئاسية وتشريعية و”مجلس وطني”.
وبدل أن تلتئم موائد الحوار والمشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة والاتفاق على موعد جديد لإجراء الانتخابات متعددة الصناديق والمسارات، رأينا ونرى “الحرب الإعلامية” بين القطبين وقد اشتعلت على خلفية الأزمة المصرية، فتح تتهم حماس بجر الشعب الفلسطيني إلى دهاليز الانقسامات المصرية الداخلية، أما حماس فتتهم فتح بتقديم تقارير كاذبة وملفقة للسلطات المصرية الجديدة، لتأليبها على حركة حماس والإساءة لعلاقاتها مع الشعب المصري والنظام الجديد ... ومن المنتظر لهذه الجولة من الاحتراب الإعلامي أن تتصاعد بعد أن تعهدت حماس بكشف المزيد مما تقول إنه “وثائق” و”أدلة” تظهر تورط فتح وأجهزة السلطة الأمنية ومكتب الرئيس، في حملة ضروس لـ”لشيطنة” حماس وتشويه صورتها وسمعتها.
أمام الرئيس عباس أربعة سيناريوهات على الأقل، للتعامل مع ما بات يعرف باستحقاق 14 آب، ولا أدري من قال إنه “استحقاق” على أية حال، ولماذا يحاط بكل هذه “القداسة”، ونحن الذين طالما نزعنا “القداسة” عن استحقاقاتنا ومواعيدنا، أو قبلنا بنزع “القداسة” عنها، طائعين أو مرغمين؟!
السيناريو الأول، التمديد لحكومة د. رامي الحمد الله، اعتماداً على سوابق طويلة في “تصريف الأعمال وتسييرها” لأشهر وسنوات، لكن هذا السيناريو يصطدم بالسلوك الخفيف لحكومة الحمد الله ورئيسها، الذي غادر مكتبه إلى منزله، عند أول إشكال بين وزرائه، ضارباً عرض الحائط بجسامة المسؤولية التي يرتبها الموقع، واحترام الثقة المتأتية عن التكليف.
والسيناريو الثاني، البحث عن رئيس وزراء جديد، ومن نفس “خانة” التكنوقراط والأكاديميين التي جاء منها د. الحمد الله، بانتظار أن يتوصل الفلسطينيون إلى اتفاق حول استئناف المصالحة وتشكيل حكومة الوطنية والاستعداد للمنازلة الانتخابية العامة.
أما السيناريو الثالث، فيتمثل في قيام الرئيس عباس بتشكيل الحكومة بنفسه، واعتبارها حكومة وطنية من دون تشاور أو توافق مع حماس، باعتبار أن المهلة التي اتفق عليها بموجب “آخر اتفاقات القاهرة” تكون قد انقضت، وأن الرئيس يقوم بتنفيذ ما اتفق عليه، حتى وإن من جانب واحد.
السيناريو الرابع، “عودة الروح” للمشاورات والاتصالات بين فتح وحماس، وإن في ربع الساعة الأخير، وربما بوحي من “ليلة القدر”، أو “يوم القدس العالمي”، فيتفق الجانبان على إنفاذ ما اتفقا عليه، وتكون ولادة حكومة الوحدة، برئاسة عباس، ثمرة لهذا التوافق المفاجئ، تتبعها انتخابات ما زال الخلاف دائراً بين الجانبين بشأن توقيتها وما ينبغي أن يسبقها من إجراءات وخطوات تندرج في سياق الاستعداد والتحضير أو إجراءات بناء الثقة.
مؤسف أن السيناريو الرابع، والأكثر تفضيلاً، لا يبدو قائماً أو مرجحاً الآن، وثمة أسباب تعوق (ربما) انطلاقته، منها انشغالات السلطة بأولوية التفاوض مع الجانب الإسرائيلي، وانشغال حماس بترميم أوضاعها بعد زلزال مصر والدوحة وإسطنبول، ومنها استمرار أثر العوامل والمعوقات التي عطلت مسارات المصالحة والوحدة من قبل، وما زالت تعطلها حتى اليوم.
أما أسوأ السيناريوهات وأكثرها خطورة، فهو السيناريو الثالث، سيناريو قيام الرئيس بتشكيل الحكومة دون اتفاق مع حماس، مع ما يستتبعه ذلك من دعوة لانتخابات قبل إنجاز الوحدة والمصالحة، وبما يكرس الانقسام ويعمقه، ويعقد فرص إنهائه.
نأمل ألا يفعلها الرئيس محمود عباس، وأن يبادر اليوم، وليس غداً، إلى تسليك قنوات التواصل والحوار مع حماس، بهدف استئناف المصالحة والشروع بترجمة الاتفاقات المبرمة، وثمة أجواء تشي بارتفاع جاهزية حماس للجنوح لخيار المصالحة، وثمة مصلحة للرئيس والسلطة والمفاوضات والمشروع الفلسطيني، بترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، فهل يفعلها الرئيس عباس، وهل تستجيب حماس؟!
التحرك الإيراني والملف المصري
«حماس» والتموضع الجديد؟
د. نبيل حاوي/القبس الكويتية
فيما الاحداث المتواصلة في بعض الدول العربية تكاد تقطع الانفاس، تتركز الانظار في الكواليس على حركة حماس.
اجل.. حماس التي ترك قادة لها دمشق وسط تداعيات حرب نظام الاسد على المخيمات الفلسطينية في جوار العاصمة.
حماس التي يقال ان جهودا تبذل لاعادة ارساء تحالف بينها وبين كل من ايران و«حزب الله».
حماس التي اتهمت بالمشاركة في اعمال عنف وترهيب داخل الاراضي المصرية، سواء في رفح وسيناء او في انحاء اخرى..
واخيرا (ان لم يكن اولا)، حماس المعترضة على المفاوضات المرتقبة بين سلطة محمود عباس والحكومة الاسرائيلية، وذلك جنبا الى جنب مع اعتراضات الحركة على مجمل ما تسميه «النهج الفتحاوي المتفرد» من جانب سلطة ابو مازن، ومحاولتها اعادة ترتيب البيت الفلسطيني بمعزل عن حماس وفصائل اخرى.
الآن لا ندري ما اذا كانت احداث مصر من جهة، ودخول ايران على مجمل ملفات المنطقة من جهة اخرى، ستدفع بحماس الى اعادة التموضع، سواء كحكومة غزاوية غير معترف بها، او كقيادة طامحة لايجاد مركز قيادي خارج سوريا الاسد، ويبدو ان طهران تحاول اعادتها الى «الكنف الدمشقي».
في الملف المصري اعتبر القيادي الحماسي صلاح البردويل قرار حبس محمد مرسي بتهمة التخابر مع حماس «زجّا بحركة حماس في معركة سياسية».
وأكد أنه «لم يكن أحد من عناصر حماس في السجن الذي كان فيه مرسي، ولم يثبت أن أحداً من حماس كانت له علاقة بهذا الملف».
ولكن، في حال عودة حماس الى مقرها في دمشق كما افادت تقارير غير مؤكدة، عندها لا ندري كيف سيتصرف النظام السوري مع تنظيم يدعم حكم مرسي الذي بادر الى قطع العلاقات بالكامل مع سوريا في الاسابيع الاخيرة من حكمه.
وكان لافتا، في هذا المجال، ما اوردته صحيفة الاخبار اللبنانية عما اسمته «قرار إيران وحزب الله بضرورة احتواء حماس وعدم تركها للمجهول»، مشيرة الى لقاءات عقدت في هذا الصدد، وان تصريحات «متفائلة» منسوبة إلى القيادي في حماس أحمد يوسف، تستهدف البعث برسالة إلى جهات فلسطينية وعربية وإسلامية ودولية عدة حول موقف الحركة من إيران وحزب الله.
والسؤال الاهم: ما هو تأثير التحالف المرتقب مع ايران، على العلاقات المتوترة اصلا بين الفصائل الفلسطينية، وبالاحرى بين «حكومتي» غزة والضفة الغربية؟
وهذا عدا الصراعات ذات الطابع المذهبي، ومكانة هذا الفصيل او ذاك، مع ان المرشد آية الله علي خامنئي حذر امس بالذات من اي اثارة للنزاعات بين السنة والشيعة.
لا شك ان طريق التموضع الجديد سوف تعترضه عوائق كثيرة، تتعلق بالوضع الفلسطيني والسوري والعربي عموما.
«حماس» ليست فلسطين
أمين إسكندر/المصري اليوم
تتعرض حركة حماس لحالة من الغضب فى الشارع العربى، وفى القلب منه الشارع المصرى، بعد أن تورطت تلك الحركة فى الصراع على السلطة، فى كل من سوريا ومصر، وكذلك تونس وليبيا، الحقيقة لم تكن تورط حماس فى هذا الصراع، إلا من خلال بوابة الاتفاق الأمريكى الإخوانى، الذى كرس العديد من التفاهمات بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحركة الإخوان المسلمين، يأتى فى القلب منها عدم المساس باتفاقية كامب ديفيد وحماية المصالح الإسرائيلية، وقد قامت تركيا وقطر والسعودية بأدوار مهمة فى تلك التفاهمات، وهنا يجب أن نذكر بأن الاتفاق الذى وقع بين حماس وإسرائيل، وكانت مصر برئاسة محمد مرسى وسيطاً فاعلاً ومراقباً على التنفيذ، كان من نصوصه نص يصف أعمال المقاومة بالأعمال العدائية (تقوم الفصائل الفلسطينية بوقف كل الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل، بما فى ذلك إطلاق الصواريخ والهجمات على خط الحدود).
ولعل ذلك ما يفسر حالة الفرح الأمريكى والإسرائيلى بذلك الاتفاق وكذلك بالدور «المصرى- الإخوانى» الذى تم لعبه فى هذا السياق، ومن هنا فإن حماس الذراع المسلحة لحركة الإخوان المسلمين فى فلسطين- كانت موقعا لتطبيق تلك التفاهمات، حيث يسود الصراع على السلطة من قبل حركة الإخوان المسلمين، ففى سوريا جاء خروج حماس من سوريا واصطفافها فى خندق المشروع الأمريكى التركى القطرى والسعودى، وقد كان وجود خالد مشعل فى قطر وتركه لسوريا، وكذلك وجود الرجل الثانى فى حماس موسى أبو مرزوق فى مصر، يؤكد اتجاه الخندق التى اصطفت فيه حركة حماس، ولعل ذلك ما يفسر تورطها فى الصراع على السلطة فى مصر، وهنا الإشارة واجبة لحكم المستشار خالد المحجوب بشأن تهريب د. محمد مرسى والهجوم على سجون طرة من أجل إخراج بعض قيادات وكوادر حركة الإخوان المسلمين، وكذلك بعض كوادر حماس.
وما يهمنا هنا أن نعرف أن فلسطين، ومنها غزة، هى بوابة أمن مصر، وسوف تظل قضية فلسطين فى قلب اهتمام المصريين، لذلك حماس ليست فلسطين، وإننا معها طالما كانت فى خندق المقاومة، ولا نهتم بها، بل نقاومها إذا اختلت بوصلتها، وزاغت عيونها عن فلسطين، كما حدث فى الآونة الأخيرة، حيث ظنت حركة حماس، وكذلك قيادتها بأن بؤرة الثورة المشتعلة، هى قطر القاعدة الأمريكية ومنظر الثورة القادمة هو الداعية القطرى يوسف القرضاوى، الذى يدعو للتدخل الدولى فى سوريا ويهاجم موقف الجيش المصرى، الذى لبى نداء شعبه وحفظ مصر من السقوط فى خندق الطائفية والتقسيم.
وأخيراً، علينا أن نعلم، ونعى جميعاً أن فلسطين بوابة أمن مصر، ولا يمكن التفريط فيها، ولا يمكن أن نسمح بأن تكون غزة إمارة للكراهية على حدودنا، وسوف تظل فلسطين أكبر من حماس وأكبر من أى فصيل فلسطينى يحيد عن طريق الجهاد والمقاومة، حتى لو يطل بعباءة الإسلام، وكان جزءا من حركة الإخوان المسلمين، فيكفينا حتى نحكم على السلوك ما يحدث فى سوريا ومصر وليبيا وتونس، وأخيراً غزة.
وحدة الضفتين وحرب السلطتين
سميح المعايطة/الرأي الأردنية
ربع قرن تمر هذه الايام على قرار فك الارتباط , ومازالت حكاية الضفتين واستخدام البعض لشعار الوحدة تظهر بين حين واخر , ومازال جزءا من الفكر الصهيوني للحل النهائي تعتمد على الدعوة لفدرالية او كونفدراليه بين الدولة الاردنية وجزء من الانسان والارض الفلسطينية حتى لايدفع الاحتلال ثمنا للحل , وهناك شعار الوحدة المستخدم لاغراض هنا وهناك .
واليوم تظهر في سماء العلاقة الاردنية الفلسطينية مجموعة من المعطيات والحقائق التي ترسخت خلال ربع القرن الماضي , معطيات لاتتعارض مع الفكر الوحدوي الصادق لكنها تنقذ الانتهازية السياسية وتنسجم مع المصلحة الحقيقية للاردن وفلسطين . ومن هذه المعطيات :-
1-ان الفكر السياسي للدولة الاردنية اصبح قائما في عهد الملك عبدالله على دعم فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة , وتجاوز اي حالة تنافس سياسي مع منظمة التحرير او السلطة الفلسطينية على الارض او الانسان الفلسطيني , وهذا التغير جاء لتغير كثير من وقائع الماضي , ولان الاردن يدرك ان الحق الفلسطيني السياسي والوطني على الارض الفلسطينية هو الرد الحقيقي على كل المشاريع الصهيونية من وطن بديل او نظام بديل .
والبعض الذي كان رفضه لقرار فك الارتباط جزء من تقرب سياسي لمؤسسة الحكم في مراحل سابقة لم تصله رسالة المرحلة الجديدة . ويوم ان كانوا ورقة في التنافس السياسي كان رفضهم له وزن لكن عندما غاب التنافس اصبح الرفض له مسارات اخرى .
2-جاء ظهور حركة حماس ثم مشاركتها في السلطة الفلسطينية وعملها كفصيل فلسطيني يعلن برنامجا لاقامة الدولة الفلسطينية , ثم فوزها في الانتخابات وحملها مواقع سياسية في السلطة ليبني موقفا عمليا مؤيدا لفك الارتباط من الحركة الاسلامية , لكنه لم يصل الى البعض في الاردن من الاسلاميين الذين بقيت اصواتهم ترفض فك الارتباط تحت عنوان الفكر الوحدوي.
لكن تجربة حماس اي الاخوان المسلمين في حكم مناطق السلطة لم يخدم قرار فك الارتباط فحسب بل قدم نموذجا مناقضا للفكر الوحدوي , وبغض النظر عن تفاصيل الانشقاق الفلسطيني فان فتح وحماس معا قدمتا نموذجا عمليا في تبني الفكر الانفصالي , وبالتالي فان كل رفض لقرار فك الارتباط تحت لافتة الوحدة سيجد امامه سؤالا عن اي وحدة بين دولة وسلطة غير مكتملة بينما يقود هؤلاء عملية فك لارض وانسان وهياكل سلطة لم تكتمل , ومن يريد وحدة بين الاردن والضفة فعليه اولا ان يقدم القدوة في التضحية بالسلطة الوهمية لمصلحة وحدة شعبه .
3-وفي المشهد فئات منحازة لا عادة الارتباط لانها تريد العيش في ظل دولة مستقرة . وهي مشاعر مشروعة , وهناك الاحتلال الذي يريد حل المشكلة الاسرائيلية على حساب الشعبين الاردني والفلسطيني , وهناك من يعتقد ان نفوذه في الارض الفلسطينية يعطيه اطماعا في جمع نفوذه الشعبي في الاردن ليكون بوابة نفوذ واسع ولهذا تسمع منهم حديثا عن دولة في الضفتين , وهذا ليس فكرا وحدويا بل مشروع نفوذ تنظيمي , فمن يريد وحدة الضفتين من باب حب الوحدة عليه ان يتخلى عن فكره الانفصالي ويتبنى وحدة السلطة والشعب الفلسطيني.
في مواجهة الاحتلال واطماعه ليس هناك الا ماقاله جلالة الملك في خطابه الموسع في جامعة مؤته عندما طلب ان لايتم الحديث في قضية الوطن البديل وغيرها من المصطلحات المرادفه .وهي دعوة حسم وحزم بان هذه القضايا ليست في القاموس الاردني لانها لاتخدم الارد ن ولا فلسطين , وان الدولة الاردنية لن تقبل باي حل على حسابها, ولا على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه .
وبعد –
فبعد ربع قرن على قرار فك الارتباط الذي كان خدمة لفكرة الدولة الفلسطينية وتلبية لطلب فلسطيني , فان كل الافكار والمشاريع التي تتخذ من شعار الوحدة غطاء وبخاصة من تنظيمات ودول لم تعد تملك اي قدر من القوة , ومن يريد دولة الضفتين هو الذي ساهم مع خصومه في شق وحدة الشعب والارض الفلسطينية وحتى مباني السلطة واداراتها , والدولة الفلسطينية الحقيقية هي الثمن الذي يجب ان يدفعه الاحتلال , والوحدة المطلوبة وحدة الانسان الفلسطيني مع ارضه وحقه .
«برافر لن يمر»!
ربى الحسيني/السفير
لم يخطئ البعض حين وصفه بـ«النكبة الفلسطينية الثانية»، فهو صورة مصغرة مما حصل في العام 1948 من تهجير وتدمير للقرى وسيطرة على الأرض. إلا ان ثمة من اختار نهج المقاومة لمنع تكرار هذه النكبة الجديدة. «برافر لن يمر»... هذا ما وعد به الشباب الفلسطيني على امتداد أراضي الـ 48 والضـــفة الغربية وقطاع غزة، لمنع إقرار قانون تهجـــير أهــل النقب.
وفي الوقت التي تنشغل فيه أزقة السياسة من رام الله إلى تل أبيب وواشنطن بالاحتفالات باستئناف مفاوضات التسوية، يطلق الشباب الفلسطيني معركته ضد مخطط يطمح العدو الإسرائيلي إلى تشديده أكثر.
لم يسمــع الفلسطينيون اعتراضاَ من السلطة الفلسطينية لدى صديقها في «السلام» وزير الخارجـــية الأميركي جـــون كـــيري عــلى مخـــطط «برافر»، فهو بالنســـبة إليها لا يدخل في إطار الحقوق الفلسطـــينية التي حصـــرتها «اتفاقية أوسلو» بين الضـــفة الغربية وقطاع غزة.
والقضية هنا ليست هنا مجرّد مخططات هدم ومصادرة أراض، بما هي نهج يومي للسياسات الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والتي تتخذ أشكالاً متعددة داخل في القدس داخل الخط الأخضر وخارجه، فما يجري اليوم هـــو هي جريمة انسانية بكل المعايير، وتستهـــدف تهجـــير قرى بأكملها، ومصادرة حق أهلها في الملكية والسكن، لتصل إلى حد تغيير هوية الأرض.
أكثر من مجرد مخاطر
لطالما اعتمد العدو الإسرائيلي في إطار مخططاته العنصرية سن مجموعة قوانين في صيغ معقدة تصعب مواجهتها. ولعل هذا ما يدركه جيداً الفلسطينيون الذين يسعون اليوم لمنع تمرير قانون برافر.
وفي هذا الإطار يقول رئيس لجنة الحقوقيين العرب في النقب المحامي شحدة بن بري لـ«السفير» إن مشروع القانون مترابط كلياً، بشكل لا يمكن فصل بند فيه عن الآخر، وهذه ليس صدفة، بل خطوة مقصودة لتعقيد الجانب القضائي فيه.
وتتذرع حكومة الاحتلال في عرضها للمخطط أن الهدف منه هو تنظيم الحياة السكنية لفلسطينيي النقب تحديداً، ولذلك فإنه يأتي تحت تسمية «توطين البدو» في النقب. إلا ان هذه التسمية، بحسب بن بري «مزورة ولا علاقة لها بتفاصيل القانون، فهو يطرح سلسلة من الاجراءات المتعلقة بكيفية وضع اليد على مئات آلاف الدونمات ذات الملكية العربية، ولا توجد فيه أي كلمة عن توطين، أو نقل للسكان، بل كل ما يتضمنه هو التهجير والاقتلاع»، وباختصار تسليم الأرض والخروج منها.
لكن حجة «التوطين» في أصلها مرفوضة، فكيف يوطّن من يسكن أرضه أصلاً.
ولأن القانون يستهدف البدو الفلسطينيين فقط، فإنه وفقاً لبن بري، «يلغي عينياً بالنسبة لهم سلسلة من القوانين الاسرائيلية، مثل الملكية والتوريث والتنظيم والبناء، وحتى قوانين واجراءات الاعتقال والعقوبات، فهو يمنح، على سبيل المثال، الحق لعنصر أمن ميداني بفرض اعتقال فــــوري عـــلى مـــن يعـــترض على تطبيقه، كما يفرض عقوبة السجـــن لسنتين على كل من يعود الى أرضه بعد اقتلاعها».
ويبدو أن تطبيق هذا المخطط قد بدأ حتى قبل المصادقة على القانون، وهو ما تبدّى في اعتقال عشرات الناشطين المناهضين له.
الحديث يدور عن تهجير البدو الفلسطينيين من 800 ألف دونم، وبالنتيجة حصرهم في واحد في المئة فقط أرض النقب، ولتوضيح ذلك، يقول بن بري إن «القانون يتحدث عن 400 الف دونم، بينما أهالي النقب يطالبون بتثبيت ملكيتهم على 800 الف دونم، ما يعني أن المؤسسة الاسرائيلية تلغي مسبقاً ملكية مئات آلاف الدونمات».
ولتوضيح الصورة أكثر، يقدم بن بري مثالاً، حين «باع أحد أبناء النقب يهودياً قطعة أرض في العام 1948، وتوجه اليهودي الى سجلات الطابو لتسجيل الأرض باسمه معتمداً على عقد البيع والشراء، فاعترفت السلطات الاسرائيلية بالصفقة، بينما حين توجه العربي لتسجيل باقي الأرض باسمه، فرفضت السلطات الاعتراف بملكيته للأرض ذاتها».
وليس هذا فقط، فالقانون يتحكم أيضاً بمستــقبل ملكية الأرض، فهـــو يفـــرض نظـــاما في التعامل مع الوارثـــين للأرض، فإن تعـــدى عددهــم الواحـــد، وحـــتى لو كانوا عشرة، فيكفــي أن تتوصل السلطات إلى ترتيـــب مع واحد فقط، لتستولي على الأرض كلها، وفقاً لبن بري.
إلى ذلك، يتحدث مشروع القانون عن تعويض البدو الفلسطينيين بنسبة 50 في المئة من الأرض، ولكن إن كانت هذه الأرض ملكهم أصلاً، فلماذا تعوّض بنصف قيمتها؟
لكن بعد دراسة المشروع المطروح، تبين لمركز «عدالة القانوني لحقوق الأقلية العربية في النقب» أن نسبة التعـويض لا تتخطى 17 في المئة.
ووفقاً للمركز، فإن «أحد أكثر الشروط صرامةً هو أنّ الشخص الذي يحقّ له تقديم طلب تعويضٍ هو فقط مَن كان قد قدّم مطالبةً بالأرض في الفترة الواقعة بين 2 أيّار العام 1971 و24 تشرين الأوّل العام 1979. وإذا كانت المحكمة قد رفضت في السابق ملكيّته على الأرض، لا يكون المُطالِبُ مؤهّلاً للحصول على تعويض. إضافة إلى ذلك، تكون جميع التعويضات مشروطةً بموافقة المُطالِبين على الانتقال إلى بلدات بدويّة عربيّة والتنازل عن حقوقهم في الأرض».
المعركة في الكنيست
صحيح أن القراءة الأولى لمـــشروع االقانــون مرت بغالبية صوت واحد فقــــط في 24 حزيران الماضي، إلا ان لكل حساباته في دعمه أو رفضه وفقاً لمتطلبات الحلبة السياســـية. ويعكس التصويت على القانون في القـــراءة الأولى (43 في مقابل 42) السياسة الإسرائيلـــية بكل حذافيرها.
من الممكن أن يتفاءل البعض حين ينظر إلى نتيجة التصويت، إلا ان ذلك ليس بالضرورة صحيحاً، «لأن الفارق بين المعارضة والائتلاف الحكومي في التركيبة البرلمانية القائمة هو 16 نائباً، وكما يبدو فإن الائتلاف لم يكن متأكداً من شكل تصويت كتلتي اليهود المتشددين (الحريديم)»، وفقاً للمحلل في الشؤون الإسرائيلية برهوم جرايسي.
وبالنتيجة، يتوقع جرايسي، في حديث إلى «السفير»، أن تختلف نتيجة التصويت، ولصالح الائتلاف، في حال وصل القانون مرّة أخرى الى الهيئة العامة للتصويت عليه في المرحلة الأخيرة.
ولشرح دوامة الكنيست أكثر، يُبين جرايسي اختلاف الرؤية بين الـ42 نائباً الذين عارضوا القانون، حيث ان 17 منهم عارضوه لأنهم يرفضون أصلاً المبدأ الذي يقوم عليه، وهم 11 نائباً من أحزاب فلسطينيي الـ48 أي «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة»، و«التجمع الوطني الديموقراطي»، و«القائمة الموحدة - العربية للتغيير»، وهؤلاء منطلقاتهم وطنية أساساً بالإضافة إلى حقوق انسان. ومع هؤلاء ستة نواب كتلة حزب «ميرتس» اليساري ومنطلقاته حقوق الانسان، ولكن تبقى معارضته ثابتة.
وفي الدرجة الثانية، تأتي معارضة حزب العمل، الذي صوت بالرفض من منطلق كونه حزباً معارضاً، لكنه في الحقيقة كان شريكاً في بلورة الصيغة الأولية للقانون حين كان جزء من حكومة إيهود اولمرت (2006-2009). كما أن حزب العمل «المعارض» كان شريكاً في حكومة بنيامين نتنياهو السابقة لفترة 20 شهراً، حتى مطلع العام 2011، أي حين بدأ التداول أكثر بالقانون بصيغته المطروحة اليوم. لكن، بحسب جرايسي، تبقى معارضة هذا الحزب أكثر ضماناً من معارضة كتلتي «الحريديم».
وفي الدرجة الثالثة، يشرح جرايسي، تأتي معارضة كتلتي الحريديم «شاس» لليهود الشرقيين، و«يهدوت هتوراة» لليهود الغربيين الأشكناز، وهي «معارضة نابعة من كون الكتلتين في صفوف المعارضة، ما يعني أنه إذا ما تبدلت الظروف فســـتتبدل مواقفهما. فمن المفارقة أن القانون تمت بلورته في وزارة الاسكان في الحكومة السابقة التي كان يتولاها الوزير من شاس اريئيل اتياس، الذي بات في الدورة الحالية رئيساً لكتلة حزبه».
ويروي جرايسي أنه «في جلسة قادة احزاب المعارضة، جرت مفاوضة الحزب كمقايضة، فكتلتا الحريديم بحاجة الى اصوات النواب العرب ضد القانون الذي يفرض عليهم التجنيد في جيش الاحتلال. وخلال الاجتماع ضحك اتياس وقال: حسناً سنعارض القانون الذي شاركت في بلورته».
أما حزب «البيت اليهودي» الشريك في الائتلاف الحكومي، وهو حزب مستوطنين أساساً، فيرفض القانون لأنه يريده أقسى من صيغته الحالية، إلا انه وافق عليه في القراءة الأولى على أمل تغييره خلال مراحل التشريع اللاحقة.
ولأن القانون يتضمن سلسلة من التعقيدات القانونية، فمن المرجح أن تمريره سيستغرق وقتاً، «فالمعركة ضده ستشمل الجانب القضائي، نظراً الى أنه يلغي قوانين قائمة»، وفقاً لجرايسي. وهو يشرح، أنه بحسب التقديرات، فإن القانون سيدخل مراحل التشريع خلال الدورة الشتوية التي ستبدأ في منتصف تشرين الأول المقبل، لكن من الوراد أيضاً أن تقرر لجنة الداخلية البرلمانية الشروع بحثه بشكل تفصيلي خلال العطلة الصيفية التي ستبدأ الأسبوع الحالي (الرابع من آب).
حراك شعبي موحد
غالباً ستكون المعركة طويلة، وهي ليست معركة برلمانية أو قضائية فقط، بل شعبية أيضاً وعلى مستوى كبير. ربما تشاءم البعض حين غاب الحشد المتوقع في يوم «إضراب الغضب» في 15 من تموز الماضي، فقد شهدت وقتها مناطق متفرقة من أراضي 48 تظاهرات محدودة، وقد كانت الأكبر في النقب، لكنها لم تتخط سوى المئات.
بيد أن هذا الأمر لم يحبط من عزيمة شباب عزموا على المضي قدماً في حراكهم، وتخطي صعوباته، مصرين على أن «برافر لن يمر».
من الممكن القول إن الحشد كان ضعيفاً إن لم يكن غائباً كلياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحول ذلك يشرح الناشط في الحراك فادي عاصلة أن «هناك صعوبات في التنسيق مع الضفة وغزة، لكل موقع ظروفه واشكالياته الخاصة، غزة تعيش ظروفاً صعباً بالكاد يمكن للناشطين هناك التنفس، وهم موزعون بين الهم السياسي والهم الاجتماعي، فضلاً عن الظروف الأمنية. أما في الضفة فالتواصل أقل صعوبة، ويجري العمل على تنسيق مبادرات ووقفات احتجاجية».
وكما خُتمت على الثورات العربية صورة وسائل التواصل الاجتماعي، كونها الوسيلة الأولى للحشد، يلجأ الفلسطينيون اليوم إلى الطريقة ذاتها، ويضاف إليها العمل في الشوارع ومع وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية.
وبالرغم من سعي سلطات الاحتلال إلى اسكاتهم، إلا ان ذلك لا يبدو أن سيقف في طريق معارضي «برافر» ومن ورائه.
وقد عمدت سلطات الاحتلال خلال يوم «إضراب الغضب» إلى اعتقال عشرات الناشطين وتمديد اعتقالهم على ما بعد الأول من آب، وذلك في محاولة للتخفيف من زخم الشارع. وتبع اعتقالات تموز سلسلة أخرى لشبان من كوكب أبو الهيجا، وعرابة البطوف، وشفاعمرو، وعبلين، وكفر كنا.
لكن الأهم من ذلك كله، هو أن الشباب الفلسطيني يستلم زمام الأمور في الشارع. وبحسب عاصلة، فإنه للمرة الأولى يقـــف الشباب في مقدمة الحراك الفلسطيني في الداخل، ولا يعطون مجالاً لقيادتهم لأخذ المبادرة.
والتنسيق لا يقتصر على أراضي 48 أو الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، بل يعمل الشباب على تنسيق الجهد مع عدد من الدول العربية والأوروبية، بالرغم من صعوبة الأوضاع السياسية حالياً وخصوصاً في مصر وتونس.
ولن تتوقف الاحتجاجات عند الأول من آب، بل هي فقط في مرحلتها الأولية، والهدف هو التصعيد بشكل تدريجي لترسيخ التحرك كحراك شبابي فلسطيني، تقول الناشطة سوار عاصلة. وتذهـــب أكــثر من ذلك لترى أن «الحراك هو امتداد للحركات الثـــورية في الدول العربـــية، خصوصاً أن يجـــب العـــمل على اخـــراج القضـــية الفلســـطينية الـــى الســـاحة العربيــة من جديد».
اسرائيل هي العدو وليس ايران
بسام البدارين (مدير مكتب القدس العربي في الاردن)/القدس العربي
كنا في جلسة رمضانية متسعة قليلا فقرر أحد مخضرمي الإعلام والسياسة في الأردن توجيه سؤال لأحد رموز التيار السلفي المعتدل قائلا: يا سيدنا الشيخ بين يديك صاروخان تنوي إطلاقهما من عمان فأين تطلقهما على تل أبيب أم على قم؟.
السؤال بدا مباغتا ولا يخلو من الدهاء والخبث والجواب لم يكن حاسما وعلى طريقة: قم فيها شر لابد من مواجهته ولا أغفل في الوقت نفسه عن تاريخ عداوتي مع تل أبيب.
أهمية هذا السؤال وبصرف النظرعن الجواب تنحصر في زاويتين، الأولى أنه يستعيد كل ما في ذاكرة الأمة اليوم من ذكريات حزينة بعنوان الصراع الطائفي وتحديدا بين السنة والشيعة ويعكس سعي ورغبة النظام الرسمي العربي وتحديدا المحور السعودي والخليجي عموما في تفعيل مؤشرات الصراع الطائفي تحت العنوان الإيراني.
أما الزاوية الثانية فهي تلك المتعلقة في الواقع المنحط الذي وصل إليه مستوى العداء مع إسرائيل في وجدان المواطن العربي حتى بات من الممكن في المجالس والمؤانسات العمل على المقاربة أو المقارنة بين عداء العربي لإسرائيل مقابل العداء لإيران.
بكل الأحوال لا يتعلق الأمر بإطلاق صاروخ هنا أو هناك فحجم الإنفصام الذي زرعنه فينا طهران عندما سمحت لحلفائها وصبيتها بإستهداف أهل السنة في العراق سمح للشيخ السلفي الأردني بأن يحتار إزاء سؤال مؤرق بهذا الحجم.
لا أحد بطبيعة الحال يتعدى إسرائيل بحجم إستهدافها لنا وبحجم الدماء التي أسالتها فينا ولا يحجم جرائمها في شعبنا الفلسطيني التي لا تقل عن جرائم الجيش الأمريكي في شعبنا العراقي.
لكن إيران خذلتنا في العراق وحزب الله خذلنا في سورية عندما دخل المعادلة تحت قاعدة {لن تسبى زينب مرتين}.
منظر الدماء المجانية في شوارع حمص والقاهرة وحتى بغداد هذه الأيام حجة ضدنا عند العدو الإسرائيلي ولسان الصهيونية ممدود لنا بخفة لكي يقول لنا: كم أنتم أغبياء ..أنتم تنافسوننا في قتلكم.
أي غفران يمكن أن يرتجيه الشهداء الذين سقطوا على أيدي أعداء الأمة وخصومها عندما يشاهدوننا كيف نسقط بعدهم بأيدي أنفسنا ..ينطوي الأمر فعلا على شعور بالعار والخجل فمن غير المعقول ولا المقبول أن تتساوى قم وتل أبيب في الخصومة هذه الأيام أو أن نقول لإسرائيل بعدة لغات بأن بيننا مجرمين متميزين لا قبل لها بهم يديرون لعبة الدم بيننا بكفاءة.
العدو واحد وواضح وأي بوصلة لا تشير لتحرير القدس {خائنة} كما يقول صديقنا ممدوح العبادي.
ولا يمكن القبول بأن تجلس قم إلى جانب تل أبيب في قائمة الأعداء وتلك مشكلة ليس النظام العربي فقط هو المسؤول عنها بل النظام الإيراني بصورة خاصة وعليه أن يقدم للناس إجابات على كل الأسئلة المعلقة التي تتعلق بأدائه في العراق أولا وفي سورية ولبنان ثانيا.
لا أقبل شخصيا تحت أي ظرف أن ينافس إسرائيل أي طرف آخر في سجلات عداوتي وخصومتي لكن على طهران أن تسحب كل الذرائع التي يمكن أن يتمسك بها وكلاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية لتسويق وترويج العداوة مع أهل السنة حيث لا زال ما يحصل ضدهم في سجون حكومة المالكي في بغداد مدعاة للقلق والإرتياب.
صفقنا بالروح والقلب والوجدان لحزب الله عندما وحد لصالح الأمة بوصلة السلاح والمقاومة ضد العدو الإسرائيلي لكن لا نستطيع التصفيق له عندما انحرف في بوصلته تحت وطأة إيقاع المنطقة وحساباتها مستدعيا في إعلامه وخطاب بعض قادته أدبيات الزمن الغابر التي تسمح لبعض ضعاف النفوس بيننا في ترويج الفتنة والتحدث باللسان الطائفي.
المتربصون بهذه الأمة صنعوا فتنة جديدة في مصر المحروسة بعد الفصام الذي أشغلونا به في سورية ولا زال الدرس الأساسي للربيع العربي هو ذلك الذي يستغرب من حجم الغضب الذي كشفه الربيع بيننا وضد بعضنا فلو وجه هذا الغضب لإسرائيل لزالت فعلا من قديم الزمان.
وإسرائيل بدورها لا زالت المصنع اليتيم للألم والمعاناة في عالمنا الذي نعرفه وسؤال الإستفسار بين قم وتل أبيب ناتج فعلا عن حال الأمة المزري حيث يروج البعض هذه الأيام لمشروع جون كيري الجديد لإنعاش المفاوضات وعملية السلام في المنطقة على أساس أنه محاولة لإستعادة زمام المبادرة للنظام الرسمي العربي بالتعاون مع إسرائيل للأسف تحت عباءة الخوف من الطموحات الإيرانية والهلال الشيعي والتدخلات التركية.
الجماعة في عمان ورام الله يطيشون فوق شبر من المياه مع كيري المتحمس جدا وأحد المقربين من الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال لي شخصيا بأن عباس يشعر بأن العملية التي أطلقها كيري ودفعت صائب عريقات للسفر مجددا إلى واشنطن قبل يومين {عبثية} من حيث النتائج.
عباس يرى أن النقطة الوحيدة الجيدة في العملية الجديدة تتمثل في إحتمالية الإفراج عن 104 أسرى من المحكومين بالمؤبد.
دون ذلك لا يرى رئيس فلسطين أي فائدة ترجى من المفاوضات الجديدة بعدما تبين للجميع أن شخصين فقط متحمسان لها هما وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الأردني ناصر جودة الرجل الأبرز وقد يكون الوحيد في المطبخ السياسي الأردني.
بالنسبة لأحد الخبراء في التفكير الإسرائيلي فتل أبيب تريد {عملية} ولا تريد {سلاما} والهدف واضح ويتمثل في الحفاظ على التوزانات في المعادلة الداخلية والظهور بمظهر إيجابي مع الغرب وتحديدا أوروبا وتضليل أوباما بنفس الوقت.
إنها مرة أخرى طبخة الحصى التي تلهي الجميع وتضللهم عبر لعبة الإيحاء بالمفاوضات أكثر من إطلاق مفاوضات منتجة وحقيقية.
إسرائيل بذلك تكرس القـــــناعة بأنها كانت ولا زالت وستبقى هي {العدو والخصم} ولا يمكن إستغلال الأوضاع الصعبة في أكثر من بلد عربي لإنتاج إيحاءات متباينة عن أعداء آخرين.
ينبغي أن لا تتشتت البوصلة وأن يتوقف الخلط بين قم وتل أبيب على أن تبادر قم هي الأخرى لطمأنة الشارع العربي والنظام العربي الرسمي وعلى أن تعمل طهران على ضبط إيقاع أزلامها في العراق وسورية ولبنان وفقا لمعادلة عربية إسلامية جديدة قوامها الإحترام المتبادل وتفهم المصالح الثنائية والأهم حماية الأبرياء من مذابح الإستهداف الطائفي المجنونة وفي الطرفين قبل ان يتفرغ الجميع لاحقا للعدو الأصلي والحقيقي.
عندها فقط سنعفي أنفسنا وشعوبنا من تبعات وتداعيات ونتائج الصراع الطائفي وستبقى تل أبيب كما كانت دوما العدو الواحد والأوحد ولا شيء إطلاقا دون ذلك ما دامت فلسطين محتلة.
الارباك يطبع "اللاقيادة" الأميركية في المنطقة ومصر صدمة جذرية بعد انهيار الاخوان
روزانا بومنصف/النهار اللبنانية
كشفت التطورات المتسارعة في مصر خلال الاسابيع القليلة الماضية اكثر فاكثر غياب وجود رؤية واضحة واستراتيجية سياسية اميركية وفق ما ترى مصادر سياسية وديبلوماسية نظرا الى الارباك الذي احدثته هذه التطورات في السياسة الاميركية مجددا. الامر الذي ساهم في تعزيز ما يذهب اليه كثر من ان الارتباك الاميركي في الموضوع السوري لا يعود فقط الى غياب التوافق الاميركي الروسي على حل للازمة السورية بل الى غياب خريطة طريق واضحة تستند اليها الولايات المتحدة من اجل تقويم سياساتها والبناء على هذا الاساس. فالتحولات الاخيرة التي حصلت في مصر تعتبر تاريخية واستراتيجية وهي مربكة جدا من حيث طبيعتها وابعادها بحيث لا يمكن صياغة موقف بسهولة مما يجري وفق ما يظهر حتى الان في مواقف غالبية المجتمع الدولي. الا ان النظرة الى الولايات المتحدة في هذا الاطار تفترض انها ينبغي ان تكون على علم مسبق وتستطيع التأثير في مسار الامور نتيجة لطبيعة العلاقات التي تقيمها مع الدولة المصرية واركانها بحيث يصعب تصديق ان هناك ارتباكا حقيقيا تبعا للبعد المعقد الذي يكتسبه الوضع المصري. وهذه النظرة المتصلة بدور الولايات المتحدة متعددة الاسباب والبعض يتبناها من اجل توظيفها سلبا او ايجابا خصوصا ان واشنطن كان لها دور اساسي في تنحي الرئيس حسني مبارك وفتحت الابواب واسعة امام وصول الاسلام السياسي الى الحكم وابدت الاستعداد للتكيف والاستعداد للتعاون معه.
الا ان متصلين بمسؤولين في الادارة الاميركية ينقلون انطباعات تشي بغياب وجود رؤية واضحة للامور لجملة اسباب واعتبارات يرتبط بعضها بطبيعة الادارة الاميركية المحافظة اذا صح التعبير وفق ما بات معروفا عن السياسة الخارجية لهذه الادارة التي يقارنها كثر بادارة الرئيس جيمي كارترفي اواسط السبعينات بعد حرب فيتنام والتي حرصت على ازالة كل ما يتصل بالمرحلة السابقة والاثمان الانسانية التي دفعها الاميركيون هناك من خلال اعتماد الرئيس باراك اوباما على نهج الانسحاب الاميركي من مواقع الحروب في الخارج كالعراق وافغانستان بدلا من التورط او التدخل في حروب جديدة. فبات ينطبق على الادارة الاميركية انطباع اللاقيادة وليس فقط القيادة من الوراء او من الخلف كما حصل بالنسبة الى التعاون الغربي في ازمة ليبيا واطاحة معمر القذافي. والبعض الآخر من هذه الاعتبارات يتصل بتعقيدات المشهد المصري في ذاته كما بتعقيدات المشهد السوري بالنسبة الى المقاربة الاميركية للازمة في سوريا. اذ ان الولايات المتحدة وفق ما تقول هذه المصادر لم تستوعب كليا بعد مسار انطلاق الاسلام السياسي الذي صعد صعودا قياسيا قبل عام او اكثر بقليل مع وصول حكم الاخوان المسلمين الى مصر وفي تونس وتشكيلهم حزءا مهما من المعارضة السورية والتي حاولت ان تنسج معهم علاقات صلبة واستيعابية قوية لم تلبث ان ووجهت بتحول جذري مع مشهد الملايين من المصريين في الشارع واثارة التباس في مفهوم الديموقراطية واين يكون هذا المفهوم في نزول ملايين المواطنين في الشارع ام هو في صناديق الاقتراع. ولذلك كان الارتباك حقيقيا ولم تنته مفاعيله بعد نظرا الى ان المشهد المصري لم يكتمل بعد وهو في طور التطور مع انعكاسات هائلة في المنطقة على دول الخليج العربي وتركيا وسائر القوى الاسلامية في الدول العربية.
يضاف الى هذه العوامل ان المشهد المصري يتفاعل على ضوء مجموعة عناصر اخرى متداخلة مع مفاهيم الانقلاب والديموقراطية التي غلب الجدل في شأنها اخيرا وتتصل بمحاولة قراءة ما سيكون عليه وضع الاخوان المسلمين ليس في مصر وحدها بل في المنطقة ومصير الاسلام السياسي في ضوء ذلك. فضلا عن مفاهيم الارهاب والصراع السني الشيعي ومفاعيله المتوهجة في المنطقة الى جانب موضوع السلام مع اسرائيل والصراع الاميركي مع ايران. فهذه الاعتبارات تزيد من الحذر في انتظار اتضاح الرؤية علما ان المصادر لا تخفي تسجيل مشهد معاكس تعبر عنه ايران في هذه اللحظات الحساسة والمصيرية. فايران اظهرت خلال الاسبوعين الماضيين نشاطا وزخما يعتبر كثر انه يندرج في اطار محاولة توظيف ما حصل في مصر من اجل تسجيل نقاط لمصلحتها ولو لا يندرج في اطار الربح الاستراتيجي على كل النقاط. وهذا يظهر في محاولتها اللعب على الساحة الاسلامية وليس الاسلامية العربية وحدها تحديدا قياسا على جملة امور من بينها الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي لتركيا التي تأذت كثيرا من اسقاط حكم الاخوان المسلمين في مصر ولم يخف مسؤولوها استياءهم الشديد القائم والمستمر حتى الان في ما قرأه سياسيون معنيون محاولة تقارب او التقاء مصالح مع تركيا او الاستفادة من لحظة الاستياء والغضب التركي نحو تنسيق اكبر في ملفات اخرى قد تكون سوريا احدها. يضاف الى ذلك الانخراط الايراني المتزايد والمستمر في الحرب الى جانب النظام في سوريا عبر "حزب الله" في شكل مباشر ومساعدة النظام على تسجيل مكاسب ميدانية نوعية واخيرا الالتفات مجددا في اتجاه محاولة استعادة حركة "حماس" الى الحضن الايراني في ضوء الضربة القاسية التي تلقتها الحركة من التحول السياسي في مصر ومن مستقبل علاقة مع نظام صاعد لا توحي بالتفاؤل.
مرسي رئيساً للأردنيين !!
حازم مبيضين/الرأي الأردنية
حين يهتف الإخوان المسلمون في الأردن «مرسي رئيسي»، فإنهم يؤكدون عدم انتمائهم للدولة الأردنية، وأنهم يحملون الولاء فقط للتنظيم العالمي للإخوان، عدا أنّهم يتجاوزون كل الخطوط الحمراء، في تحديهم لسلطة القانون، ولبقية أبناء الشعب، غير المؤمنين بطروحاتهم التي تجاوزها العصر، ولأي فكرة ديمقراطية، وهم المتمسكون بنهج الاقصاء والتهميش لبقية قوى المجتمع، حتى لو كان بعضُها ينتمي للمعارضة، التي تزعُم الجماعة أنها تقودها.
قبل الهُتاف عند مستشفى الجامعة، حيث أعدّ الاخوان بسريّة لمظاهرتهم، فكانت صور رئيسهم مرسي حاضرةً بكثافة، كان مُراقبهم العام يتبجح بلغة خشبية، تستعيد سيرة الإرهابي بن لادن، فيُعلن أن الأمّة أمام فسطاطين، أولهما إيمانٌ لا نفاق فيه، والثاني نفاقٌ لا إيمان فيه، وأن ما يحدث في مصر الآن، يحدث أيضاً في الأردن، وإذ نستعيد موقف الجماعة المتشنج من الحدث المصري ندرك بؤس اللغة والاهداف في آن معاً.
في الأثناء أصدرت الجماعة بياناً، يأمر المسلمين بإدانة تحرك الجماهير المصرية، وتأكيداً على سياسة الإقصاء، هاجم البيان الأحزاب العلمانية والليبرالية، ولم يتوان المهرة في صنع الاعداء، عن التهجم على المجتمع الدولي، واتهامه بالنفاق فيما يخص القيم والأخلاق وحقوق الإنسان، والأخطر في البيان، هو حثّ قادة وجنود الجيش المصري على التمرد على قائدهم، وعدم التعاطي معه.
جُنّ جنون الجماعة، حين سمعت عن نيّة تحويل ملفها إلى القضاء، بتهمة مُخالفة شروط ترخيصها كحزب سياسي ، ولأنها لاتحترم أياً من ثوابت الوطن، كنزاهة القضاء، لجأت مُجددا إلى لغة التهديد، بالقول إنّ على من سيتخد هذا القرار تحمل تداعياته، باعتباره قراراً غير وطني، ولأنّ أيّ مساس بالجماعة لا يتفق مع المصالح الوطنية، لانّ الجماعة تختصر الوطن في مصلحتها ليس غير.
الدولة، أن صحّت الأنباء حول القرار، لم تتخذه إلاّ بعد استنفاذ كل الرسائل، التي تطالب الجماعة بالعودة إلى رشدها ووطنيتها، وعدم الانجرار وراء الأجندات الخارجية، والعبث بأمن واستقرار الوطن، وهي لجأت إلى القانون، لتؤكد أنّ الجميع سواسية في محرابه وأنّ على كل يتجاوزه، تحمّل تبعات فعلته، تحت مظلّة النظام والقانون.
يُفرّق المواطن العادي، بين عباداته وطموحات الإخوان، ويُدرك ضرورة المضي بالمسيرة الاصلاحيّة المتدرّجة ، ويُدرك عقم محاولات الجماعة، التشكيك بمدى نجاح مسيرة الإصلاح السياسي، ويُدرك أيضاً أنّ الدولة قويةٌ، وقادرةٌ على حماية أرواح وممتلكات أبنائها، وفرض سيادة القانون، مع احتفاظها بسمتها، كدولة حضاريّة قائمة على مبدأ العدالة وسيادة القانون، واحترام حرية وكرامة الإنسان.
وإذ يتقافز الإخوان بين الحبال، بدعوتهم لهدم الدولة وتحدّيها، والهتاف لمرسي رئيساً لهم، فإنّ المسيرة ماضيةٌ بثقة، لوضوح خارطة الإصلاح السياسي، المتمثلة بإنجاز الـمحطّات الضرورية، للانتقال إلى الحكومات البرلمانية، القائمة على أغلبية حزبيّة وبرامجيّة، مُقابل أقليّة تشكل معارضة بنّاءة، تأخذ صفة حكومة الظل النيابيّة، وتطرح برامج وسياسات بديلة، بهدف التغيير نحو الأفضل، وليس بهدف تمكين الإخوان من الحكم، كما يشتهون ويخططون.
كلمة صدق واحدة قالها سعيد، وهو يعلن أنّه ليس لجماعته منذ تأسيسها، فضلٌ على أحد من المسلمين، وأنّ هناك الكثير ممن هم خارج الإخوان يفوقونهم في الفضل، فلماذا لايتوقفون عند هذه الحقيقة، بدل الاتهامات المتهافتة، بأنّ في الدولة الوحيدة، التي أمّنت لهم حرية العمل، من يحاول إقصاء الجماعة عن المشهد السياسي، باعتبار أنها حركةٌ يسارية، وقد تعتبر لينين وجيفارا من أئمتها قريباً.
اين الوساطات العربية في مصر؟
رأي القدس العربي
يتابع العالم بقلق ما آلت اليه الاوضاع في مصر، خاصة انه لا يبدو بالافق اي نهاية للازمة، على العكس يظهر ان التصعيد هو سيد الموقف، ما لم يتدخل العقلاء، ويضغطوا على الطرفين، الاسلاميين والجيش لتغليب مصلحة البلاد على المصالح الشخصية والفئوية.
لم يعد مبررا الاكتفاء بمتابعة الاخبار بل اصبح اليوم واجبا على المسؤولين العرب وامين عام الجامعة العربية التدخل واطلاق عملية سياسية شاملة تضع حدا للعنف وتوقف الاستخفاف بحياة البشر وتؤكد على حماية المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية.
لقد مر وقت طويل، واريق الكثير من الدماء، ولا يبدو لا المؤسسة العسكرية ولا جماعة الاخوان المسلمين مستعدين للتراجع عن مواقفهم. فالحكومة المؤقتة تصر على التعامل بحسم مع جماعة الاخوان.
وكما قال وزير الداخلية اللواء محمد ابراهيم ‘لن نسمح لاي مأجور او حاقد ان يحاول تعكير صفو اجواء التلاحم والاخاء’. كما ان جماعة الاخوان المسلمين يصرون على عدم التفاوض ويربطون قبولهم اي مبادرة بأن تكون على اساس اعادة الشرعية والغاء الانقلاب العسكري.
التحرك العربي ضروري لوقف كرة الثلج، وعلى الطرفين في مصر ضبط النفس خلال هذه الفترة.
وهناك بعض القضايا التي لا بد من الاشارة لها وتراجع الطرفين عنها من اجل الوصول لحل للازمة:
ـ ضرورة اجراء تحقيق مستقل وسريع باحداث القتل التي راح ضحيتها حوالي 300 مصري.
ـ ضرورة التعامل السلمي مع المظاهرات وضمان حماية جميع المصريين، فمن البديهي ان يكون لدى قوات الشرطة وسائل غير الرصاص.
ـ على قيادة حركة الاخوان المسلمين التأكيد على سلمية التظاهر، ومنع اي من المتظاهرين من حمل اي سلاح.
ـ تراجع وزير الداخلية عن قرار اعادة ادارات مكافحة التطرف ورصد النشاط السياسي، والتي تم الغاؤها بعد الاطاحة بالرئيس حسني مبارك، والتي تعتبر اعادتها انتكاسة لمكتسبات الثورة.
ـ اطلاق سراح الرئيس محمد مرسي، والتراجع عن محاكمته، خاصة ان التهم التي وجهت له حول التعامل مع حركة حماس والفرار من السجن، كانت متداولة عندما كان الفريق اول عبد الفتاح السيسي وزير دفاع لمدة عام لدى نظام مرسي.
ـ لا يمكن الوصول لحل سياسي في البلاد بدون الاخوان المسلمين، ومن الضروري اشراكهم بـ’خارطة المستقبل’ مما قد يتطلب تعديلها.
ـ وقف التحريض الاعلامي الذي يؤجج الخلافات ويزرع الفتنة والكراهية.
هذه بعض الاجراءات والخطوات الضرورية، والتي سيكون من الصعب على اي من الطرفين اتخاذها بدون وساطة عربية جادة.
اليسار ومسألة الإسلاميين
سلامة كيلة (كاتب سوري – فلسطيني)/القدس العربي
بعد الموجة الأولى من الثورات سيطرت قوى إسلامية على السلطة، الأمر الذي أخاف قطاعاً كبيراً من اليساريين و «اليساريين» السابقين، وهو ما أدى إلى الرعب من الثورات ذاتها واتخاذ موقف محبط منها وأحياناً رفضها والتشكيك فيها. وأدى أيضاً إلى الرعب من الإسلاميين والاعتقاد بأنهم سيحكمون لعقود مقبلة في ظل سلطة «فاشية». وبالتالي أصيب اليسار بحالة من عدم التوازن والرعب، انعكس على موقفها من ثورات أخرى خصوصاً الثورة السورية.
الآن بعد أن قلع الشعب سلطة الإخوان المسلمين في مصر، ماذا يمكن أن يكون موقف هؤلاء؟
أولاً، ظهر أن كل تقديراتهم خاطئة، فلا فهموا أن الشعب سيقوم بثورة، ولا عرفوا كيف يتعاملون مع الثورة، ثم أصيبوا بالرعب من سيطرة الإخوان المسلمين، وكأنها مؤامرة فعلاً فرضت تسلّم هؤلاء السلطة.
ثانياً، ظهر أنهم ليسوا أكثر من مراقبين يسجلون الأحداث، ويعلنون المواقف، من دون أن يكون لهم دور فعلي.
وثالثاً، هم بالأساس لم يفهموا الواقع، وما زالوا لا يفهمونه. لهذا لم يلمسوا ما جرى سوى أنه أزال الإخوان.
كم أن هؤلاء في حالة اغتراب عن الواقع؟ وكم هم يتعلقون بالأحداث التي تصلهم عبر الإعلام (الذي هو مزوّر)، وينساقون مع التيار العام الذي يصنعه هذا الإعلام بالتحديد؟
الأساس هنا هو أن هؤلاء لا يعرفون معنى الواقع. ولا يفكرون في رؤية الشعب المفقر والمهمش، ولا البحث في ظروفه وردود أفعاله، ولا يعرفون مطالبه. وكل ما يعرفونه هو «الأخبار» التي تصل اليهم عبر إعلام مزوّر.
فقد كان واضحاً لمن يتابع وضع «الناس» أن احتقاناً يتراكم، وكل احتقان يوصل بالضرورة إلى الثورة، وبالتالي فإن الأمور تندفع إلى الثورة. هذا ما كان يتوضح بدقة منذ بداية القرن الجديد، وأصبح حتمياً بعد الأزمة المالية الإمبريالية. كما يمكن القول إن بلدان جنوب أوروبا وشرقها، وآسيا وبلدان أميركا اللاتينية تتحضر لثورات نتيجة الأزمة التي ظهر أنها ليست مالية بالمعنى الحصري للكلمة، بل أزمة نمط كامل وصل إلى حدّ التأزم المستمر.
وأيضاً كان واضحاً لكل مراقب للوضع أن الإسلاميين هم من سيستفيد منها بعد أن حصلت، لأنهم قوة المعارضة الأهم كما ظهرت (وبمجهود هؤلاء اليساريين)، والتي أصبحت ذات رمزية تجعلها أكثر يساراً من اليسار بعد أن باتت تسوّق على أنها «معادية للإمبريالية»، وأنها «حركة التحرر الوطني الفلسطيني» الجديدة، وكذلك أصبحت هي القوة الديموقراطية الأهم!
هذه صفات أسبغها اليسار على الإسلاميين، وهي صفات مقبولة شعبياً، جعلت هؤلاء يصبحون القوة الأهم في الواقع على حساب اليسار، الذي بدأ بعض أعضائه وكثير من مناصريه يتسربون إلى صف الإسلاميين.
بالتالي لم يكن في الواقع بعد سقوط نظم تونس ومصر سوى الإسلاميين قوة فعلية من جهة، ومن جهة أخرى كان سهلاً لمن يعرف كنه هؤلاء أن يفهم ما يمكن أن تقدم عليه الطبقة المسيطرة، وأيضاً الإمبريالية الأميركية، حيث كان سهلاً الاستنتاج أن امتصاص الثورة وتنفيسها يفترضان سعي الإسلاميين إلى السلطة. وبهذا كان واضحاً أن سياسة «السلطة الانتقالية» بعد رحيل الرئيسين (بن علي ومبارك) هي التمهيد لوصول الإسلاميين إلى السلطة بالتحالف مع الطبقة الرأسمالية المسيطرة. فعلى عكس ما كان يشيع ذاك اليسار، كان الإسلاميون على تواصل مع الإمبريالية الأميركية من دون انقطاع، وكانوا ليبراليين حتى العظم، وفي شكل أسوأ من الليبرالية السائدة، وأيضاً كانوا أصوليين يريدون فرض سلطة الدين بشكلها القروسطي (المتعلق بالقيم في الأساس)، واستبداديين بالتالي من دون شك.
لهذا كانت الرأسمالية المسيطرة تريد الاستفادة من كونهم معارضة، و «معادين للإمبريالية»، لإعادة إنتاج السلطة الرأسمالية المافيوية التابعة للإمبريالية في ظلهم. هذا ما أتى بهم إلى السلطة، وما كان يجب أن يكون مفهوماً من اليسار، الذي فوجئ بسيطرة الإخوان، وفوجئ بسياساتهم وتحالفهم مع أميركا والحفاظ على العلاقة الجيدة مع الدولة الصهيونية، وأيضاً أنهم ليسوا ديموقراطيين. مفاجآت تدلّ على الجهل بكنه الإسلاميين، وهي صفة ملاصقة لهؤلاء لأنهم لا يكترثون بماهية الأشياء، ويتعلقون بالأحداث والتصريحات والعلاقات. ولكن أيضاً الأوهام الذاتية التي تفرض رؤية الآخر وفق المخيال الذي يغطي على العجز الذاتي.
ومن ثم أيضاً كان واضحاً سقوط الإسلاميين، بالضبط لأنهم أتوا في مرحلة ثورية، تحرّك فيها الشعب لأنه لم يعد يستطيع تحمل الوضع الذي هو فيه، وبالتالي لن يتحمّل استمرار الوضع لأن قوة راهن عليها، وتوهم أنها تحمل حلولاً لمشكلاته، وصلت إلى السلطة من دون أن تحقق شيئاً. فقد كسر حاجز الخوف حين واجه «الجبروت» الأول الذي كان قد صنع سلطة استبدادية متماسكة ولن تثنيه عن الثورة من جديد قوة تسلمت السلطة حديثاً وبمجهوده هو. لهذا كان انقلابه عليها أمراً حتمياً، وكانت ثورته الثانية حتمية.
وسنقول إن الواقع لا يزال ثورياً، أي أنه لا يزال يحتمل ثورات أخرى، بالضبط لأن النخب السياسية التي تتصدى للسلطة بعد كل ثورة ليست مؤهلة لأن تطرح حلاً للمشكلات المجتمعية، ليست لديها رؤية للحلول الضرورية من أجل تحقيق مطالب الشعب. فكلها تهرب من المشكلة الأساس التي هي أن الشعب لم يعد يستطيع العيش، وبات مهدداً بالموت جوعاً، إلى ترقيع نظام اقتصادي اجتماعي وسياسي هو الذي صنع كل هذا الوضع.
من كل ذلك نصل إلى أن ليست هناك قوة فوق التاريخ، وليس هناك جبروت ممكن الاستمرار ما دام الشعب غير قادر على تحمّل الوضع الذي هو فيه. لقد فتح الشعب وهو يكسر السلطة في أول خطوة قام بها الباب لزمن ثوري لن ينتهي إلا بتحقيق التغيير الذي يغيّر من واقع الشعب. هذه هي الفكرة البسيطة التي غابت، وما زالت غائبة، عن وعي ذاك اليسار الذي لا يعرف سوى الإسم: يسار، من دون معرفة الدور والفعل والفهم.
حروب «حزب الله» تؤكد هويته العسكرية
غسان الإمام/الشرق الأوسط
سلّم الرئيس حافظ الأسد، على مضض، برغبة إيران في إنشاء حزب طائفي شيعي في لبنان خاص بها. وكعادته، أجرى مداولات سرية طويلة مع زعماء إيرانيين دينيين. ومدنيين. وعسكريين. ومخابراتيين، محاولا إقناعهم بقبول حركة «أمل» حزبا للطائفة تدعمه وتستغله سوريا وإيران معا.
لكن الإيرانيين اعتذروا بلباقة لحليفهم الوحيد في العالم العربي. وأرسلوا مئات من ميليشيا الحرس الثوري إلى بعلبك. وبدأوا فورا بتدريب شباب الشيعة على السلاح والقتال. وكانت مخابرات الخميني المنهمك، بحرب مضنية مع عراق صدام، قد حشدت مسبقا لفيفا طويلا عريضا، من رجال الدين، لتشكيل البنية المذهبية للحزب.
هكذا ولد «حزب الله». وجاء تصميم رمزه من إيران: قبضة مرفوعة ممسكة ببندقية كلاشنيكوف. ولم تكن تلك القبضة سوى للشباب من أصحاب العمائم الذين كانوا من صغار تلامذة الخميني في النجف، عندما كان هاربا من الشاه، إثر قمع ثورته الدينية الأولى (1963). وبين هؤلاء صبحي الطفيلي الذي سيصبح أول أمين عام للحزب. وعباس الموسوي الأمين العام الثاني الذي اغتالته إسرائيل (1992). وحسن نصر الله أمينه الثالث.
في حذره التقليدي، نصح الأسد حلفاءه الإيرانيين، بعدم الإعلان عن ميلاد الحزب (1982). وبالفعل، تأجل الإعلان إلى عام 1985، وذلك بعدما انهمك الحزب فور ميلاده (تحت اسم منظمة «الجهاد») بعمليات انتحارية، روَّعت الأميركيين والفرنسيين الذين ارتكبوا خطأ إنزال قوات برية كبيرة في لبنان، مستغلّين انكفاء القوات الإسرائيلية الغازية إلى الجنوب، إثر تعرضها لعمليات استنزاف.
قتل 240 جندي مارينز أميركيا. و86 مظليا وجنديا فرنسيا، في عمليتين انتحاريتين بسيارات مفخخة اقتحمت قواعد هذه القوات في بيروت (1983). وعندما نسف الحزب مبنى السفارة الأميركية بعملية ثالثة. قتل فيها دبلوماسيون ومدير محطة المخابرات المركزية في المنطقة، آثر الرئيسان رونالد ريغان وفرانسوا ميتران سحب قواتهما.
عدت إلى هذه الخلفية «الماضوية» لحزب الله، لأذكِّر الأوروبيين بأن معاقبتهم «للجناح العسكري» للحزب هي خرافة، كي لا أقول أكذوبة. فلا انفصال بين العسكري والديني، في قيادة الحزب منذ ولادته. وخرافة «الجناح العسكري» هي من فذلكة الدبلوماسية البريطانية، لتمرير العقوبة، بأهون أذى ممكن، قد يلحقه «حزب الله» بالقوات الأوروبية المشاركة في حفظ «السلام» بينه وبين إسرائيل في جنوب لبنان.
صحا الرئيس الأسد من غفوة مرضه ففرك كفيه فرحا. فقد وفَّرت عمليات «حزب الله» عليه وعلى تنظيمه الشيعي في لبنان (حركة أمل) لوم وغضب أميركا وأوروبا اللذين انصبّا على إيران. ومن الباب المُوارِب، لعب الأسد دورين في حرب الرهائن المخابراتية التي ستنشب طيلة الثمانينات: دور المشاركة. أو الوساطة. وقد سجلت المخابرات الإيرانية بواسطة حزبها «الإلهي» نصرا كبيرا على المخابرات الغربية.
أستطيع أن أقول إن لبنان خرج عمليا من دائرة النفوذ الغربي، منذ تأسيس الحزب (1982). وبات على نظامه مداراة إيران وحزبها، وخاصة أن عرب المشرق، بما فيهم اللبنانيون، باتوا متأثرين بثقافة «المقاومة» والعداء للسياسات الغربية التي بثها النظامان الإيراني والسوري.
وأروي هنا بعض التفاصيل عن حرب الرهائن. فقد كان بين ضحاياها مالكوم كير رئيس جامعة بيروت الأميركية (84). والباحث الفرنسي ميشال سورا (86). والعقيد الأميركي الأسود ريتشارد هيجينز العامل في القوات الدولية. أعدم سورا المتزوج سوريةً، لمجرد وضعه كتابا عن الطائفة العلوية. وشنق حزب الله العقيد الأميركي، بعد خطف إسرائيل، في عملية جريئة، قياديين حزبيين (عبد الكريم عبيد ومصطفى ديراني).
وأضيف أن الأسد لم يكن راضيا عن قتل الضابط الأميركي. وحاول إنقاذه هو والقس الإنجيلي البريطاني ثيري ويت الذي أبقاه خاطفوه عاريا بعدما اكتشفوا أن طيات جسده تحتوي على أجهزة اتصال واستقبال دقيقة. ثم أرسل الأسد قوة لطرد طلاب «حزب الله» المعتصمين في الجامعة الأميركية.
سلمت إدارتا ريغان ثم جورج بوش الأول بدور الأسد كشرطي لبنان، في التسعينات. ولم تعترض على تصفية واغتيال زعماء سنة كبار (المفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح) ورئيسين مارونيين (بشير الجميل ورينيه معوض) في الثمانينات. وبلغ النفوذ السوري قوته وأوجه في التسعينات. عادت القوات السورية من البقاع إلى بيروت. وأنقذت قوات «أمل» من الهزيمة أمام الميليشيا الدرزية. ودخلت ضاحية بيروت الجنوبية (عاصمة دويلة حزب الله) هي والجيش اللبناني. وتم تأديب الحزب في معارك طاحنة، وخاصة بعد اغتيال الشيخ نزار الحلبي الزعيم الروحي لتنظيم «الأحباش» الديني السنّي.
بل كانت جرأة الأسد كبيرة عندما منع إيران بالقوة من السيطرة على مدينة طرابلس، عبر تبنيها لإمارة «التوحيد» الدينية التي أقامها الشيخ «الجهادي» السني سعيد شعبان. وأروي هنا أن أنصار الشيخ غافلوه. فقنصوا. وقتلوا 15 جنديا سوريا. فأطبقت القوات السورية على منطقة التبانة في شمال المدينة. وكانت المجزرة شبيهة بمجازر النظام في سوريا حاليا. ولم يسلم من القتل المدنيون المحاصرون. ولم تجرؤ الصحف على نشر أية تفاصيل. ومات الشيخ شعبان كمدا بعد أعوام قليلة.
كان رهان إيران على «حزب الله» ناجحا. فقد ملأ لصالح إيران الفراغ السياسي والديني الذي خلّفه انسحاب الفلسطينيين من لبنان بعد الغزو الإسرائيلي. وإذا كانت حرب الرهائن نصرا لإيران وحزبها، فقد كانت أيضا مظلة واقية لحرب الأسد على عرفات (حرب المخيمات) في الثمانينات التي قتل فيها ألفا فلسطيني. وجرح أربعة آلاف. وجرت الحرب بالواسطة. فقد استخدم الأسد منظمة «أمل» الحليفة الأولى. وربما لم يعرف زعيمها نبيه بري أن قادة دباباتها السورية (تي – 55) كانوا من الجنود العلويين.
غير أن حربا أخرى سببت متاعب كبيرة للرئيس الأسد. فلم يكن قادرا على إرسال قواته عبر «الخط الأحمر» الإسرائيلي، لوقف الحرب الشيعية / الشيعية في الجنوب، بين حركة «أمل» الحليفة له، و«حزب الله». جرت تلك الحرب الشقية على مراحل. فقتل وجرح ألوف المدنيين الشيعة. ولم تجرؤ الصحف أيضا على ذكر أية تفاصيل. وكان الجانبان ينقضان الاتفاقات الموقعة. وأخيرا، كان بالإمكان وقفها (1989) بعد أربع سنوات من نشوبها.
ولا تخلو مأساة الحروب اللبنانية من طرافة التناقضات! فقد تحالفت قوات «فتح» مع قوات «أمل»، بعد اقتتالهما في حرب المخيمات، وذلك في معارك إقليم التفاح الجنوبي بين «أمل» و«حزب الله». فلم يكن الفلسطينيون راغبين في سيطرة الحزب على الجنوب، ويعتبرون التعامل مع «أمل» أكثر سهولة ومرونة. غير أن الحزب أنهى حرب الأشقاء بالسيطرة تماما على الجنوب، لكن سُمح لـ«أمل» بدخول ضاحية بيروت الجنوبية التي يعتبرها عاصمة لدويلته.
تسارع أوروبا لتقديم الاعتذار تلو الاعتذار لـ«حزب الله» على إدراج «جناحه» العسكري (الذي لا ينفصل عن جناحه السياسي) في لائحة الإرهاب. الحزب يعرف أن تورطه في الحرب السورية بات شديد الوطأة على سمعته وعلاقاته الدولية.
في الثلاثاء المقبل، أواصل مع أوروبا رحلة التنقيب والبحث عن الجناح العسكري للحزب. وأقف عند شخصية حسن نصر الله. كيف أزاح حسن نصر الله من طريقه منافسه الشيخ صبحي الطفيلي؟ وكيف حيَّد عمامة الراحل من حسين فضل الله؟ وهل كان فضل الله زعيما روحيا فقط للحزب؟ أم تقمصته روح الجناح العسكري المفقود؟