Haneen
2013-12-08, 11:16 AM
اقلام واراء عربي 466
3/8/2013
في هذا الملــــف:
كيري من الضفة إلى قطاع غزة
)منير شفيق-الجزيرة نت)
مفاوضات واشنطن
(فالح الطويل- الرأي الأردنية)
لماذا لا ..لاستئناف المفاوضات ؟!
(سلامة العكور-الرأي الاردنية)
المفاوضات .. الرابحون والخاسـرون
(رشيد حسن –الدستور الاردنية)
لماذا يتفاوضون ما داموا سيختلفون؟
(عصام نعمان-الخليج الإماراتية)
“دبلوماسية الرشى”
(عوني صادق-الخليج الإماراتية)
كل الرهانات تسقط وتبقى دولة فلسطين
(طارق مصاروة-الرأي الأردنية)
الاحتلال وسلفيت الوادعة
(أمجد عرار-الخليج الإماراتية)
تدخَّل حَمَد فأعاد "الجزيرة" إلى "إخوانيتها"؟
(سركيس نعوم-النهار اللبنانية)
إسرائيل وأزمة مصر
(حلمي الأسمر-الدستور الأردنية)
هل كانت غلطة.. إدخال الإخوان؟
(عبد الرحمن الراشد- الشرق الأوسط)
والنبلاء أيضا يفشلون
(علي سالم-الشرق الأوسط)
كيف يمكن تدارك الفوضى في ليبيا؟
(رأي القدس العربي)
الطبقة السياسية فشلت في إنقاذ لبنان والمؤسّسة العسكرية تقدّم درساً في الوطنية
(اميل خوري- النهار اللبنانية)
كيري من الضفة إلى قطاع غزة
)منير شفيق-الجزيرة نت)
عاد وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري إلى واشنطن وهو يحمل إنجازاً دبلوماسياً لم تعتد إدارة أوباما على مثله، فقد جاء كيري بنجاح مبادرته التي عمل عليها طيلة ستة أشهر إلى واشنطن كأنه يقول لأوباما كفى جموداً وتردّداً وارتباكاً في السياسة الأميركية. مشكلة افتقار إدارة أوباما للمبادرة أو تحقيق إنجاز دبلوماسي متواضع، ولو في مستوى الإنجاز الذي حققه كيري مع محمود عباس ونتنياهو، يعود إلى ميزان القوى وليس إلى فقدان الحذاقة السياسية، أو انعدام الرغبة في المبادرة، أو الركون إلى الجمود والتردّد والارتباك، أو الافتقار إلى قيادات مبادرة مقدامة.
لقد تدهورت مكانة أميركا التي كانت عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى فشل مشروع المحافظين الجدد مع نهاية إدارة جورج دبليو بوش، واندلاع الأزمة المالية التي أطاحت بأهم أسس العولمة وأدخلت الاقتصاد الأميركي في أزمة امتدّت إلى خمس سنوات حتى الآن، وقد وصلت ديون الإدارة الأميركية إلى حوالي 16 ترليون دولار. فعجز إدارة أوباما في مرحلتيها الأولى والثانية جاء نتيجة هذه الحقيقة، ولم يكن بإمكان أية إدارة أخرى أن تفعل أكثر مما فعلت. لأن ميزان القوى على المستوى العالمي كما على مستوى أقاليم العالم قد اختلّ في غير مصلحة أميركا منعكساً على قدراتها العسكرية ونفوذها السياسي وقدراتها التنافسية التجارية والاقتصادية، بل ومنعكساً على مستوى الكوادر البحثية.
ولهذا كانت إدارة أوباما بحاجة ماسّة إلى إنجاز دبلوماسي، لا سيما بعد الإنجازات الدبلوماسية التي حققها الروس خلال سنة من الآن، فلم تجد أفضل من تحريك المفاوضات بين سلطة رام الله وحكومة نتنياهو. فمحمود عباس هو الأفضل للّعب بملعبه ما دام مسلوب الإرادة أمام موازنة السلطة والدعم المالي الأميركي الأوروبي، وما دام مرتهناً لإستراتيجية التسوية والمفاوضات وليس عنده من بديل لها حتى لو فشلت فشلاً ذريعاً على امتداد سنوات.
ولهذا ما كان أسهل من إقناعه بتقديم تنازلات إضافية ليقبل نتنياهو بالذهاب إلى التفاوض. ولا يستطيع من يعرف محمود عباس أن يقول "ليّ ذراعه". لأن تمنَّعه دائماً، أو تمسكه ببعض المواقف حتى لو كانت بهزال "وقف الاستيطان"، لا يحتاج إلى أكثر من "إقناع" ولا يصل إلى "ليّ الذراع". وبالفعل كانت المشكلة دائماً بالنسبة إلى وزير خارجية أميركا هي انتزاع تنازلات جديدة من الفلسطينيين والعرب لإقناع نتنياهو بقبول التفاوض، ولا سيما عندما يأتي الأمر إلى المساس بما يحفظ ماء الوجه بالنسبة إلى المفاوض الفلسطيني. وهذا ما جعل نتنياهو يصل إلى تثبيت الموقف الأميركي وتعزيزه أكثر فأكثر من ناحية السعي لفرض الاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة.
محمود عباس وبعد تمنُّع أو تشرُّط بأن العودة إلى المفاوضات مرهونة بوقف الاستيطان، بمعنى وقف مشاريع استيطان جديدة، علماً أن ما حدث من استيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس ومنطقتها كاد يصل إلى حدّ التشبع، ولكن مع ذلك لم يقبل نتنياهو التنازل الشكلي بوقف الاستيطان، فكان لا بدّ من أن يأتي التراجع من محمود عباس. وهذا ما حصل وليس لأحد أن يلف ويدور ويقول عكس ذلك.
أما المأساة بل المهزلة فهي اشتراط محمود عباس أن تتقدّم أميركا بتعهد خطي بأن تكون "حدود 1967" مرجعية للمفاوضات، وليس نتنياهو، علماً بأن أميركا هي التي صاغت قرار 242، وهي التي أعلنت مراراً وتكراراً أن "حدود 1967" مرجعية المفاوضات مع إجراء تعديلات وتبادل أراضٍ، فما الذي سيزيده التعهد الخطي عدا الاستناد إلى وهم من جانب محمود عباس فيذهب إلى المفاوضات متخلياً حتى عن شرط وقف الاستيطان؟ وبالمناسبة، إن المشكلة في الاحتلال وفي الاستيطان من حيث أتى وفي تهويد القدس وما يجري من حفريات واعتداءات على المسجد الأقصى، وليس في وقف الاستيطان. وذلك ناهيك عن أن المشكلة في التنازل عن 78% من فلسطين، ومن ثم عن تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر وعودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم التي هجروا منها. بكلمة أخرى إن محمود عباس مفرّط حتى في الأراضي التي احتلت عام 1967 وفي القدس الشرقية. ودعك من تفريطه الأساسي المتعلق بفلسطين ما قبل حرب يونيو/حزيران 1967، فمن يفرّط بـ78% وأكثر فلماذا لا يفرّط بـ88% وأكثر؟
أما مشكلة محمود عباس المكملة للتفريطين السابقين فتتمثل في تفريطه بإستراتيجية الكفاح المسلح والمقاومة، وحتى بإستراتيجية الانتفاضة. ومن ثم تعلقه الذي يزيد على تعلق العشاق العذريين بإستراتيجية التسوية والمفاوضات والرهان على "الوسيط الأميركي" الذي هو شريك للكيان الصهيوني. من هنا فإن إنجاز جون كيري لا يشكل في حقيقته إنجازاً ما دام الذي يفاوضه هو محمود عباس، صاحب الأريحية في التنازلات الفلسطينية، وصاحب اليد الحديدية من خلال الأجهزة الأمنية المؤمركة المصهينة في ضرب المقاومة وفي إجهاض أي نضال شعبي، وقد أعلن، أو تعهد، ألاّ تندلع انتفاضة شعبية ضدّ الاحتلال بوجوده.
ولكن مع ذلك ستظل إعادة محمود عباس إلى التفاوض مع نتنياهو (عملياً بناء على شروط نتنياهو)، إنجازاً معنوياً لدبلوماسية جون كيري بعد أن عزّ الإنجاز في قضايا ومواقع أخرى. صحيح أن جون كيري سعى لهذا الإنجاز بحدّ ذاته إلاّ أن ثمة دوافع أخرى أكثر أهمية بالنسبة إلى السياسة الأميركية، وهي الحيلولة دون اندلاع انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية، وإفساح المجال لتشديد الخناق على قطاع غزة تمهيداً لانتزاع سلاح المقاومة الذي أذّل عدوانيْن صهيونيين (حربا 2008/2009 و2012). وهذا ما تعبّر عنه الحملة ضدّ حماس والفلسطينيين جملة من قِبَل عدد من الصحف والأقنية الفضائية المصرية.
عندما تطلق مفاوضات سرية بين سلطة رام الله وحكومة نتنياهو يُراد منها أن تشيع أجواء من التفاؤل لدى بعض الأوساط، لا سيما داخل بعض الفصائل لتغطية أية معارضة أو تجمع ضدّ التحركات الشبابية التي تشكل إرهاصات لانتفاضة ستطيح حتماً بالاحتلال وتفرض تفكيك المستوطنات وإطلاق كل الأسرى واستنقاذ القدس. فالأجواء التي تشيعها عملية المفاوضات تغطي هجمات أجهزة الأمن المتكرّرة على التحركات الشبابية في الضفة الغربية، كما تتستر على الاعتقالات التي تمارسها قوات الاحتلال دون توقف تحت سمع سلطة رام الله وأجهزتها وبصرهما، لا أصمّهما ولا أعماهما الله.
إن احتمال اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية شكل قلقاً مستمراً للإدارة الأميركية ولحكومة نتنياهو، لا سيما خلال السنة الأخيرة. وهذا القلق شاركهما فيه، بالضرورة، محمود عباس، ومن هنا سهل العودة إلى التفاوض، إضافة إلى ما تقدّم، بعد عسر دام عدّة سنوات. على أن السؤال يبقى هو مدى جديّة المفاوضات أو عبثيتها، أو ما هو الاحتمال الأغلب بالنسبة إلى نتائج هذه الجولة. والأهم في ظل ما تغيّر من موازين قوى عالمية وإقليمية وعربية في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني.
الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من أن تقع، في البداية، أو لأول وهلة بتجربة المفاوضات العبثية السابقة التي دامت، بتقطع، من 1994 إلى 2010، وفشلت حتى في عهد محمود عباس مع كل ما قدّمه من تنازلات إضافية لا سيما في قمع كل مقاومة للاحتلال. وقد سرّب أنه وافق على أن يكون تبادل الأراضي يشمل ما ابتلعه الجدار وما يلحق به من أغوار ومن تنازلات تمسّ القدس والعودة (الحل العادل بقضية اللاجئين تعني التوطين والتعويض).
ولكن بالرغم من تجربة المفاوضات السابقة التي لا يجوز أن تسمّى عبثية لأنها تضمنت مزيداً من التنازلات وغطت الاستيطان وتهويد القدس وأسهمت بإجهاض زخم المقاومة والانتفاضتين، وبالرغم من أن الوصول إلى حل شامل غير ممكن لأنه سيكون تصفية فاضحة للقضية الفلسطينية، فإن المسعى عبر المفاوضات التي لا تستهدف من حيث إطلاقها إلى تحقيق حل شامل، سيحمل بطيّاته محاولة للوصول إلى اتفاق جزئي طويل الأمد. فيما يُرادُ منه تحقيق هدف الحيلولة دون اندلاع انتفاضة إلى جانب تغطية خنق قطاع غزة وضربه.
من هنا يجب أن تبقى الأعين مفتحة على ما سيجري من مفاوضات سريّة في واشنطن حدّد لها مدى تسعة أشهر. كل ما تقدّم يتطلب الإدانة الحازمة عالية الصوت لقرار محمود عباس العودة إلى المفاوضات، كما يتطلب تحركات شعبية ضدّها. ولكن يجب أن تعلو الإدانة وتشتدّ أكثر عندما يحصل هذا التوافق على إطلاق المفاوضات في وقت يجري فيه تفريغ النقب من سكانه العرب الأصليين ومصادرته كله عملياً، مما يشكل جريمة لا تقلّ خطورتها عما يجري من استيطان في الضفة الغربية وتهويد للقدس.
وهكذا بدلاً من أن يُغلق الباب في وجه نتنياهو وتآمر إدارة أوباما معه في عملية الإبادة التي يتعرض لها أهل النقب ومصادرة أراضيهم وتهجيرهم، وبدلاً من أن تنتفض الضفة الغربية نصرة لأهلنا في النقب ومناطق الـ48، تأتي المفاوضات لتغطي الجريمة، وبدلاً من أن يدعم قطاع غزة ليشتعل نصرة للنقب يصار إلى ردم الأنفاق وحصاره.
مفاوضات واشنطن
(فالح الطويل- الرأي الأردنية)
محقون الذين يشكون بقدرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية في واشنطن، الان، على اختراق حالة الجمود الراهنة، في العملية السلمية، نحو حل قريب مما استهدفته مبادرة السلام العربية، ولحالات سياسية ثلاث مستحكمة. أولا، أنها لم تعتمد أي مرجعية سياسية كان تناسيها وإغفالها سببا مباشرا في استمرار وتفاقم الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك على الرغم من كل التصريحات التفاوضية التي سمعناها الأسبوع الماضي؛ ثانيا، أنها تجيء في خضم وضع سياسي في المنطقة لا يمثل ضغطا على إسرائيل، بل مما تحسبه إسرائيل فرصة مواتية للفوز بكل ما اغتصبته من أرض وحقوق؛ ثالثا، لأن الأهداف الأمريكية من إجرائها في هذا الوقت بالذات، أهداف أمريكية داخلية صرفة.
فإسرائيل لا تعترف بأن الضفة الغربية والقدس الشرقية أرضا محتلة؛ بل ترى فيها، وفقا لاتفاقات أوسلو وتفسيرها للقرار/242، أرضا متنازعا عليها قابلة للتفاوض بشأنها؛ وأن الاستيطان حق للإسرائيليين أعلنوا أنهم لا يتنازلون عنه؛ وأن القدس عاصمة إسرائيل الموحدة؛ وأن على الفلسطينيين أن ينسوا حق اللاجئين في العودة وحتى في التعويض؛ وأن أي كيان فلسطيني قد ينتهي الاتفاق إليه، سيكون، في أفضل أحواله، أشبه ببانتونستان مما نعرفه كان قائما في جنوب إفريقيا العنصرية؛ وأن أي تفاهم مع الفلسطينيين، حول أية قضية، لا قيمة له إلا إذا جاء ضمن اتفاق عام مقبول لدى الطرفين لا يحسب نهائيا ما لم يقبله الشعب الإسرائيلي في استفتاء عام.
ثانيا، لا تساعد الفلسطينيين الظروف السياسية الراهنة، في المنطقة؛ بل إنها، في حالتها القائمة، تشجع إسرائيل على التعنت في مواقفها؛ فقد نجحت وأصدقاؤها في تدمير لعراق وسوريا، وإخراجهما من ساحة النزال؛ كما نجحت في إبعاد مصر عن الساحة لفترة طويلة، وعندما عادت مصر، بعد ثورة 30 حزيران، لدورها ومكانتها، أخذت تتعرض لما يشبه الحرب الأهلية التي تتمنى إسرائيل وأصدقاؤها أن تنتهي بتدميرها كما فعلوا مع سوريا. أما الأردن الصامد، على الرغم من كل محاولات النيل منه، فهم بصدد التعرض له، بأساليب وشعارات ومحاولات تمثل أفضل ما يمكن للمستوطنين أن يفعلوه. فاستقرار الأردن يمثل عقبة أمام استكمال إسرائيل لكل الشروط السياسية التي تمكنها من تحقيق كل أهدافها الاستراتيجية، في المنطقة.
ثالثا، يصرح المسؤولون الأمريكيون أن المحادثات لا تستهدف سوى التوصل إلى برنامج إجرائي يحدد مكان المفاوضات، وتوقيتاتها، وحدودها، وأن الفترة اللازمة لتحقيق ذلك ستكون تسعة أشهر تقريبا؛ وأن مهتهم ستكون تأمين استمرارها ونجاحها.
يرى المتشككون أن المفاوضات تستهدف، بالدرجة الأولى، (1)منع تحرك الفلسطينيين، في أيلول القادم، لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم دولة عضوا فيها؛ و(2) تعطيل ذهابهم، إن فشلوا، لمحكمة العدل الدولية لاستصدار حكم ضد احتلال إسرائيل أراضي دولة من دول الأمم المتحدة؛ ثم(3)إفشال تحركهم للانضمام لمنظمات دولية متخصصة، كما يتحدثون، في نيويورك. وهو تحرك كان سيلحق بإسرائيل، لو أتيحت له الفرصة ليبدأ، هزيمة سياسية وأخلاقية، وخاصة أنه يجيء بعد رفض الاتحاد الأوروبي التعامل مع المستوطنين ومستوطناتهم كجزء منها. وقد قبلت إسرائيل بالذهاب للمفاوضات لمنع ذلك، أولا. وهاهي المفاوضات تعقد، بكل نتائجها الخطيرة التي نعرفها، مسبقا، معرفة أكيدة، فهل سنتمكن من تلافي تلك النتائج؟
لماذا لا ..لاستئناف المفاوضات ؟!
(سلامة العكور-الرأي الاردنية)
استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية مسألة خلافية في الأوساط الفلسطينية .. فبعض الفصائل ولربما معظمها يرى أنها عدمية لا ولن تسفر عن شيء في صالح القضية الفلسطينية .. وهي عمليا كذلك .
ولهم في فشل المفاوضات السابقة التي استمرت عقودا وأجهضتها اسرائيل دليل دامغ على صحة رؤاهم .. لا سيما وان المفاوضات ستبحث في الحل النهائي شريطة عدم الإقتراب من القدس الشرقية وحق العودة والاستيطان ..ونتنياهو يرفض سلفا أي كلام عن دولة فلسطينية على أرض أل 4حزيران 1967 .. لكن السؤال الذي يفرض نفسه مباشرة وبدون مواربة على المعارضين لاستئناف المفاوضات هو : ما هو البديل وما العمل طالما أن الوضع العربي المتردي من سيء إلى أسوأ وميئوس منه وأن الإنقسام في الصف الفلسطيني يستعصي على الحل ؟!..وان اسرائيل تواصل زرع المستوطنات في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية بدون هوادة
وتواصل اعتداءاتها على الأقصى المبارك وعلى المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وفي بيت لحم وفي الخليل وحيثما وجدت على أرض فلسطين وتعمل في سباق مع الزمن لتهويدها.. لقد طال انتظار الشعب الفلسطيني لبلوج الفجر الموعود وقياداته ترفض استئناف المفاوضات بانتظار انحسار الظروف القاسية ومعطيات الواقع المر والعنيد بامتلاكهم أوراقا تفاوضية قوية ورابحة تعزز موقفهم .. ويستطيعون انتزاع حقوقهم الوطنية من قبضة العدو الطامع في اراضيهم ومياههم وثرواتهم .. ولا يعودون لمد أيديهم للمساعدات المالية من واشنطن ومن عواصم العرب والغرب.
لقد استغلت اسرائيل إلى حد كبير وخطير الوقت الذي تتعرض فيه إلى ما يردعها ويتصدى لغلوائها بل والى عربدتها ووعيدها سواء من العرب اومن المقاومة الفلسطينية اومن المجتمع الدولي .. بل إن البعض نعى عملية السلام بعجرها وبجرها .. وبتراجع زخم النضال الوطني الفلسطيني بسبب الانقسام المشؤوم من جهة وبوقف المفاوضات من جهة اخرى وبتراجع القضية الفلسطينية عن كونها قضية العرب المركزية والقضية الاولى على سلم اولويات امريكا واللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، عاشت اسرائيل أيام مجدها واستتباب أمنها ..بعض الفصائل التي كانت تسعى لتحرير ولو موضع خيمة على ارض فلسطين لشن اشكال النضال والكفاح والجهاد لتحرير فلسطين من النهر الى البحر أين هم اليوم ؟..ربما يسأل أحدهم : لماذا ظلت اسرائيل تطالب باستئناف المفاوضات وهي عمليا لا تريد السلام باستحقاقاته ؟..وهنا نقول ان ذلك من باب المناورة والديماغوجيا لتضليل الرأي العام الدولي وبصورة خاصة الرأي العام الغربي..والظهور بمظهرالدولة الحريصة على السلام وعلى أمن المنطقة واستقرارها ..وان الفلسطينيين هم الذين لا يريدون السلام ..وهم الذين يرفضون أو يجهضون مبادرات السلام .
البعض يقول ان اسرائيل تريد استئناف المفاوضات لشراء الوقت اللازم لاستكمال برنامجها الاستيطاني ..والبعض الآخر يقول ان اسرائيل لم تتوقف يوما عن بناء المستوطنات سواء بمفاوضات او بدونها .. فالوقت كله لها .. وإذا انتظرالمفاوض الفلسطيني « والكلام للبعض الآخر» حتى تتحقق وحدة الصف الفلسطيني ووحدة الموقف العربي كي يستأنف المفاوضات، فإن اسرائيل ستكون قد ابتلعت جميع الاراضي المحتلة وزرعتها بالمستوطنات وضمتها وهودتها ..ولن يجد المفاوض الفلسطيني ما يفاوض عليه .. فليكف العدميون عن مزايداتهم ..فإذا تحقق مكسب للقضية العادلة في المفاوضات فهو أمر حسن ..وبعكس ذلك فليس في الامر جديد ..وباختصار شديد إن استئناف المفاوضات جاء بإملاءات الذي يقدم الدعم والمساعدات للفلسطينيين ..والمخفي أعظم .
المفاوضات .. الرابحون والخاسـرون
(رشيد حسن –الدستور الاردنية)
بداية وقبل ان ندخل في التفاصيل، نجزم ان الخاسر الوحيد من المفاوضات، هو الشعب الفلسطيني ... والرابحون كثر، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني واميركا، ومن لف لفهم.
وفي التفاصيل .. فقد التأمت هذه المفاوضات وفقا للشروط والاشتراطات الصهيونية.. فلم يتوقف الاستيطان، رغم كل ما قيل من تعهدات اميركية شفوية، وفي هذا الصدد نشير الى ما نشرته معاريف الاسرائيلية في عددها الصادر الاربعاء الماضي: “ تم توفيع اتفاق سري بين رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير اسكانه اوري ارئييل من حزب البيت اليهودي اليميني ، يقضي ببناء الاف البؤر الاستيطانية، مقابل بقاء الحزب في الائتلاف، بعد قرار اطلاق سراح 104 اسرى فلسطينين “ وتضيف الصحيفة “ ان المفاوضات بين نتنياهو وارئييل جرت بمراسلة خطية مباشرة ، كي لا يتم تسريب المعلومات للاعلام، وخوفا من احراج نتنياهو امام لادارة الاميركية والفلسطينين بعد استئناف المفاوضات في واشنطن، وبحسب هذه التفاهمات سيجري خلال الفترة المقبلة المصادقة على بناء الف وحدة سكنية جديدة، وبعد عدة أشهر سيجري بناء ما بين 3500 الى 4500 بؤرة استيطانية جديدة أيضا”.
وفي السياق ذاته كشف الباحث المتخصص قي شؤون الاستيطان بالقدس المحتلة، أحمد صب لبن، عن مخطط لاعضاء في الحكومة الاسرائيلية، لبناء حي استيطاني جديد بالقدس القديمة قرب باب الساهرة، يتكون من اربع بنايات . “الدستور”: الاول من الشهر الحالي. وجاءت تصريحات نائب وزير الخارجية “ ان اقامة دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران ، يعتبر انتحارا لدولة اسرائيل” ليؤكد ان العدو لم يوافق على وقف الاستيطان وعلى اقامة دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران، وهذا يعني بصريح العبارة بان ما اشيع من تعهدات اميركية شفوية ، ليست الا كلاما انشائيا غامضا ، لا يشكل الزاما لواشنطن ولا للعدو ، وانما هو مجرد مجرد بوابة لدخول الفلسطينين ااى بوابة المفاوضات .
ومن ناحية أخرى فان استئناف المفاوضات من شأنه ان يربك نهج المقاطعة الدولية للعدو، والتي بلغت أشدها بقرار الاتحاد الاوروبي مقاطعة منتوجات المستعمرات الاسرائيلية المقامة في الضفة الغربية المحتلة.
واشنطن هي أيضا من أكبر المستفيدين، فهي تعطي حليفها العدو الصهيوني فرصة جدية لاستكمال تنفيذ خططه ومخططاته التوسعية وخاصة تهويد القدس ، ما يشكل “عربون” ثقة جديدا لنتنياهو، وتشعره بذلك انها حريصة على مصالح اسرائيل، في الوقت الذي ترسل فيه رسالة لحلفائها من الدول العربية، بانها لم تهمل ملف الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني ، وها هي تعيد الحياة الى العملية السلمية، وتخرجها من غرفة الانعاش، كما تعود لتشدد قبضتها على الملف بكامله، وابقائه تحت السيطرة، ريثما تنجز القضايا الاهم في المنطقة.
القيادة الفلسطينية –مع الاسف- لم تستفد من التجارب المريرة السابقة، والتي كانت بمثابة الكارثة على القضية وعلى الشعب، فلقد استغل العدو المفاوضات السابقة للاستيلاء على أكثر من 86% من اراضي القدس المحتلة، وعلى أكثر من 60% من اراضي الضفة الغربية، واصبح عدد المستوطنين حوالي 600 الف مستوطن ارهابي.. يعيثون في الارض المحتلة خرابا وتدميرا.
ومن هنا بدلا من التمسك بشروطها التي اصرت عليها لثلاث سنوات، انهارت امام الصغوط الاميركية، وسلمت “الرسن” لوزير خارجية واشنطن.
لقد استغلت واشنطن والعدو الصهيوني المستجدات الخطيرة، التي تعصف بالمنظقة وتنشر الفوضى في اكثر من دولة، وحالة الانقسام الخطيرة في المجتمع الفلسطيني، فجرت القيادة الى مربع التفاوض ، وهي في أضعف حالاتها، وأسوأ اوضاعها، وقد فقدت الظهر والسند، والأرض الصلبة التي تمشي عليها.
ان التجربة المريرة التي خاضتها القيادة، وقد ثبت كارثة خيار “ لا بديل عن المفاوضات الا المفاوضات” تفرض عليها الا تذهب الى المفاوضات الا وقد تسلحت بالانتفاضة الثالثة، لتعديل موازين القوى، ولتثبت لواشنطن وللعدو ، انها لن تستطيع تجاوز اهداف الانتفاضة، في الانسحاب الكامل للعدو من الارض المحتلة، واقامة الدولة المستقلة على كامل هذه الارض، وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين بموجب القرار الاممي 194.
باختصار... ندعو القيادة الفلسطينية ان تعود الى الشعب الفلسطيني، تقرأ الاستطلاعات، وتسمع ما يقوله سرا وعلانية، فهو صاحب القضية .. وهو البوصلة التي لا تخطئ. وندعو الوفد المفاوض ان يكف عن احتضان وتقبيل ليفني “كما نقل مراسل “البي. بي. سي” ولا ينسوا انهم يفاوضون قتلة.. ايديهم ملطخة بدماء ابناء شعبهم .
لماذا يتفاوضون ما داموا سيختلفون؟
(عصام نعمان-الخليج الإماراتية)
منذ اتفاق أوسلو العام 1993 والفلسطينيون يتفاوضون مع “الإسرائيليين” دونما جدوى . ليس كل الفلسطينيين وافقوا على المفاوضات أو اشتركوا فيها، وليس كل “الإسرائيليين” . مع ذلك ما انفك الطرفان يحرصان على المفاوضات رغم كل المواقف المعلنة التي توحي باستحالة جدواها . آخر التمارين اللافتة في هذا المجال الجولةُ الأخيرة التي عقدت في واشنطن تحت إشراف وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري وبرعاية رئيسها باراك أوباما .
لماذا العودة إلى الدوامة نفسها ما دام الطرفان واثقين بأنهما سيختلفان بعد يوم أو شهر أو سنة؟
ثمة أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة .
في خانة الأسباب “الإسرائيلية” المباشرة، يمكن إدراج وثيقة خاصة وزّعها “مكتب الإعلام الوطني” التابع لرئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو على وزرائه تشرح أسباب العودة إلى المفاوضات .
للعودة ثلاثة أهداف: استنفاد فرص التوصل إلى حل سلمي، الحؤول دون حدوث تطورات سلبية ضد “إسرائيل” داخل الهيئات الدولية، و”الاستعداد للتحديات التي حولنا” .
الوثيقة ركّزت على التأكيد بأن المفاوضات جاءت استجابة لمطالب نتنياهو من دون الرضوخ لأي شروط مسبقة، “ومن دون إعلان “إسرائيل” أن المفاوضات ستجري على أساس خطوط ،1967 ومن دون تجميد البناء في الضفة الغربية ومن دون إطلاق الأسرى قبل بدء المفاوضات” .
تبدو الأسباب المباشرة، في نظر نتنياهو، كافية لإقناع معظم قطاعات المجتمع السياسي “الإسرائيلي” بضرورة استئناف المفاوضات . لكن، هل هي كل شيء؟
ثمة سبب غير مباشر، معروف إنما غير معلن بصورة رسمية، مفاده أن لدى القيادة “الإسرائيلية” العليا دراسة استراتيجية موثقة، مدعومة بدراسة أخرى أمريكية، تؤكدان أن عدم التوصل إلى “حل الدولتين” سيفضي عاجلاً أو آجلاً إلى دولة واحدة ثنائية القومية، ستؤول تركيبتها بالضرورة إلى طغيان العرب الفلسطينيين ديموغرافياً (عددياً) على اليهود ما يؤدي تالياً إلى ضياع “يهودية” الدولة وخسران الصهاينة السيطرة السياسية على كيانها ومؤسساتها .
في خانة الأسباب الفلسطينية “الرسمية” المباشرة نقع على “عقلية واقعية” تبدو مستعدة دائماً لتقديم عشرات الأسباب والحيثيات . أصحاب هذه العقلية يقولون: لنكن واقعيين . الاستيطان متواصل بمفاوضات ومن دون مفاوضات . كذلك اعتقال آلاف الفلسطينيين . فلماذا لا نعود إلى المفاوضات لإبقاء القضية حيّة ولإشعار المجتمع الدولي بضرورة الاهتمام بأوضاع الفلسطينيين المأساوية وبالتالي تقديم الدعم المادي والعون الإنساني وإطلاق الأسرى والضغط على “إسرائيل” إذا ما ثابرت على التصلّب والرفض؟
يشفع مؤيدو “خيار” المفاوضات تبريراتهم باعتزامهم اعتماد إجراءات يقولون إن من شأنها ليّ ذراع “إسرائيل” إذا ما امتنعت عن تقديم تنازلات محسوبة . أبرز الإجراءات : استكمال التوجّه إلى الأمم المتحدة للحصول على صفة الدولة كاملة العضوية، وتفعيل الاستفادة من الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بخصوص عدم شرعية جدار الفصل العنصري، والعودة إلى تنفيذ مضمون تقرير “غولدستون” بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبتها “إسرائيل” في حربها على قطاع غزة، وتفعيل ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية وما يمكن أن ينجم عنه من انعكاسات إيجابية على المقاومة الشعبية الفلسطينية .
ترى، ألم يكن حرياً بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير أن تقوما بكل الإجراءات المار ذكرها قبل العودة إلى اعتماد “خيار” المفاوضات؟
لعل الجواب عن هذا السؤال يكمن في الأسباب غير المباشرة التي دفعت بالسلطة الفلسطينية، مرة أخرى، إلى حلبة المفاوضات . ذلك أن اتفاق أوسلو وتوابعه أدى إلى قيام نظام سياسي في الضفة الغربية ينطوي على مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة، إضافة إلى شبكة من العلاقات الأمنية والاقتصادية تستفيد منها قوى وشرائح داخل السلطة الفلسطينية وعلى هامشها ما أدى ويؤدي إلى نشوء مصالح ضالعة يهمها استمرار الوضع الراهن وحمايته بمفاوضات تجري مع “إسرائيل” برعاية المجتمع الدولي وبقيادة الولايات المتحدة .
المفاوضات بدأت فعلاً بجلسة تمهيدية في واشنطن مخصصة للبحث في جدول أعمال الجلسات اللاحقة التي ستعقد في “إسرائيل” أو في الضفة وربما في عمان ايضاً . وقد رَشَحَ من أوساط الوفدين الفلسطيني “الإسرائيلي” أن البحث سيتركز أكثر ما يكون على مسألتي الحدود والأمن . إنهما، في الواقع، قضية واحدة محورها الأرض: ماذا سيبقى للفلسطينيين من أرض خارج إطار الاستيطان الصهيوني المتمادي، وكيف ستحمي “إسرائيل” “حصتها” المعترف بها من الأرض؟
أوباما، كما كيري، أقرّا بأن المفاوضات ستكون شاقة وطويلة . هما كرّسا لها، بدايةً، تسعة أشهر . خلالها يحظّر على الطرفين أن يسرّبا شيئاً عن تطوراتها . إنها مفاوضات سرية بمعزل عن الإعلام الذي يمكن أن “يخرّبها” . كيري سيتابعها شخصياً وإن كان مبعوثه مارتن أنديك سيتولى إدارتها . كما وعد كيري بأن يشير بأصبع الاتهام إلى الطرف الذي يتسبب في تعطيلها . هذا الوعد فسّره الفلسطينيون بأنه تهديد موجّه اليهم بالدرجة الأولى، لأنه لم يسبق للولايات المتحدة خلال 65 سنة مضت على زرع “إسرائيل” بين ظهراني العرب أن وجّهت إليها لوماً!
الفلسطينيون المعارضون للمفاوضات وغير المشاركين فيها كالوا للسلطة الفلسطينية اتهامات شتى . أبرز هؤلاء حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” . “حماس” دانت تصرف السلطة واعتبرته طعنة لوثيقة المصالحة الوطنية . أما “الجهاد الإسلامي” فقد دان أمينها العام رمضان عبدالله شلّح العودة إلى مفاوضاتٍ لم ولن تكون ذات جدوى، واصفاً إياها بأنها “ليست مفاوضات بل مقايضات”.
هل أصبح قبول المفاوضات أو رفضها هو قضية الفلسطينيين المركزية؟
“دبلوماسية الرشى”
(عوني صادق-الخليج الإماراتية)
استؤنفت في واشنطن، الأسبوع الماضي، المفاوضات بين وفد السلطة الفلسطينية برئاسة “كبير المفاوضين” صائب عريقات، والوفد “الإسرائيلي” برئاسة وزيرة العدل “الإسرائيلية”، تسيبي ليفني . وهذا المقال ليس مخصصاً لمناقشة ما يمكن أن تسفر عنه هذه “الجولة الجديدة” من المفاوضات التي يفترض أن تستمر تسعة أشهر، لأنها من المؤكد لن تختلف عن “الجولات” السابقة التي استمرت عشرين سنة من “المفاوضات العبثية” بالنسبة للفلسطينيين، وفي خدمة البرنامج “الإسرائيلي” للاستيلاء على فلسطين كلها، عبر عمليات التهويد والاستيطان التي لا تتوقف . إن الغرض من هذا المقال هو إلقاء قليل من الضوء على تعامل الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” مع السلطة الفلسطينية، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه “دبلوماسية الرشى” وتحويل هذه الدبلوماسية إلى سياسة معتمدة في أكبر قضية سرقة في التاريخ .
قبل أن تتوقف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” في شهر اكتوبر/ تشرين الأول من العام ،2010 تمت آخر جولة مكوكية قام بها المبعوث الأمريكي ل (السلام في الشرق الأوسط) حينذاك، جورج ميتشيل، في شهر نيسان من العام نفسه . يومها وصفت المقترحات التي حملها ميتشيل إلى السلطة الفلسطينية بأنها “ليست إلا مقترحات صهيونية قدمها له نتنياهو، تشكل في جوهرها خطوة التفافية، تعيد إنتاج القديم للتهرب من وقف عمليات التهويد والاستيطان” . لقد فشلت جولة ميتشيل مع كل خبرته وسجله، بل لأن أهم ما تضمنته المقترحات كان يدور حول “دولة فلسطينية في حدود مؤقتة”، حيث كان الرئيس محمود عباس قد “تورط” برفضه هذا الاقتراح . بعدها بأسابيع قدم ميتشيل استقالته، وأيضا بعد ذلك بأسابيع توقفت المفاوضات، لتنتظر جولات وزير الخارجية جون كيري المكوكية الستة ويلتقي الوفدان على طاولة في واشنطن .
كانت مقترحات ميتشيل في ذلك الوقت تستند إلى “رزمة” من “الرشى” المقدمة من الجانب “الإسرائيلي”، وضعت تحت عنوان “مبادرات حسن النية”، وتضمنت إطلاق سراح بعض المعتقلين، وإزالة بعض الحواجز العسكرية، وتسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية عن مناطق معينة في الضفة الغربية . ولأن السياسة الأمريكية ليس لديها إلا “الرشى”، أو اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، لم يكن في مقترحات وزير الخارجية جون كيري غيرها، ولم تختلف كثيراً عن مقترحات جورج ميتشيل، وكانت هذه المرة، كما نشرتها الصحف العبرية:
- إطلاق سراح معتقلين ممن كانوا قبل (اتفاق أوسلو) .
- تجميد مؤقت ومحدود وغير معلن للاستيطان خارج الكتل الاستيطانية الكبرى .
- إقامة مناطق صناعية فلسطينية، وفلسطينية - “إسرائيلية” - أردنية في منطقتي طولكرم وأريحا لتشغيل العمال الفلسطينيين .
- السماح بإدخال ذخيرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية وإقامة بنى تحتية وأدوات لتفريق المتظاهرين .
- شق طريق جديد حول محافظة رام الله .
- منح تراخيص للبناء وعدم هدم البناء غير المرخص في قرى تقع في منطقة (ج) .
- بناء مطار في رام الله .
مع ملاحظة أن كل ذلك، على تفاهته، ليس إلا وعوداً قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، ولن تعدم سلطات الاحتلال الأسباب للتنصل منها . وللتدليل على صدق هذا الزعم بالرغم من أنه لا حاجة للتدليل عليه، لننظر إلى بند إطلاق سراح المعتقلين . لقد كان يفترض أن يتم إطلاق سراح المعتقلين المزمع إطلاق سراحهم قبل أن تستأنف المفاوضات، لكن “الاتفاق” الذي توصل إليه كيري وقبلته الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية، ينص على أن يتم ذلك على أربع دفعات “بالتوازي مع سير المفاوضات” . أي أنه في أية لحظة تتعثر فيها المفاوضات أو تعلق، يتوقف إطلاق سراح من لم يصلهم الدور . أما البنود الأخرى فأكثرها أصعب تنفيذاً .
وليست الولايات المتحدة وحدها، وليست هي و”إسرائيل” وحدهما، من يعتمد “دبلوماسية الرشى” هذه مع السلطة الفلسطينية، بل إن الاتحاد الأوروبي وكل “الدول المانحة” تعتمدها في تعاملها، ولنفس الأهداف التي تتلخص في فرض الاستسلام للمطالب “الإسرائيلية” كلها، وليس فقط العودة إلى طاولة المفاوضا
ت . ومما لا شك فيه أننا سنكون أغبياء، أو أننا سنتغابى، إن نحن استغربنا هذه السياسة من جانب أمريكا والغرب، أو إن استغربنا الاستجابة والخضوع لهذه السياسة اللتين تبديهما السلطة الفلسطينية .
لماذا؟
لأن هذه السلطة ليست في نهاية المطاف وآخر التحليل سوى الثمرة المرة ل (اتفاق أوسلو)، وهذا الاتفاق ليس سوى مشروع أمريكي - “إسرائيلي” لخدمة المخططات الصهيونية في فلسطين . وكما ترى هذه السلطة ليس لديها أية خيارات غير خيار “المفاوضات”، كما يعلن ذلك رئيس السلطة . والسلطة تعلم جيداً أن وجودها مرهون ببقاء “المفاوضات”، وتعلم جيداً أن هذه “المفاوضات” هي مفاوضات من جانب واحد، وأن “إسرائيل تفاوض إسرائيل” .
وتعلم جيداً، مرة ثالثة، أن هذه “المفاوضات” ليست فقط “عبثية”، بل غطاء للسياسة “الإسرائيلية” في التهويد والاستيطان .
إن “دبلوماسية الرشى” التي اعتمدتها وتعتمدها الولايات المتحدة تؤكد للمرة المليون أنها ليست، ولم تكن يوماً، “وسيطاً” نزيها أو غير نزيه، بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، بل كانت دائماً وهي اليوم، حليفاً وشريكاً ل “الإسرائيليين” ضد الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية . وفي اللحظة التي قبل فيها بعض الفلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي “الوساطة” الأمريكية، قبلوا فيها التنازل عن حقوقهم الوطنية . وما “الرشى” التي قدمتها، ومعها الغرب، سوى “دفعات” من ثمن وطن يسرق باسم “المفاوضات” . وستظل تدفع حتى تتم “الصفقة” وتكتمل تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني .
كل الرهانات تسقط وتبقى دولة فلسطين
(طارق مصاروة-الرأي الأردنية)
لم تعد الدعوة إلى رفض استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، مكسباً دعائياً للفرق والمنظمات الفلسطينية .. ولا بدائل للعمل السياسي والدبلوماسي!! وحتى لا يبقى الكلام بين متفائل ومتشائم.. أو كما يقال المتشائل، نحب في هذه الفترة البالغة الدقة أن نبقى نسترشد ببعض الأنباء التي لا يمكن ان نسميها بالمثيرة، لكنها أنباء لها دلالات كبيرة. مثلاً:
- مثلاً اقتراح شيخ كاليفورنيا في الكونغرس فاين شتاين – ديمقراطي يهودي – باصدار قرار من المجلس يدعم الوزير كيري في سعيه من اجل انجاح عملية السلام، واقامة دولتين: إسرائيلية وفلسطينية. ونجح الاقتراح وصيغته تشير دون كلام كثير، إلى الاعتراف بدولة فلسطينية تلتقي مع تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة. ودولة يهودية ديمقراطية في حدود آمنة ومُعترف بها.
ومرَّ الاقتراح دون أي حماس من الحزب الجمهوري!
- لقد حدد السفير الأميركي في تل أبيب شابيرا – وهو يهودي – قضايا التفاوض بأربع: الحدود، والأمن، واللاجئين والقدس. وهذه هي المرة الأولى التي ترد فيها القدس في قائمة التفاوض من أي جانب إسرائيلي أو أميركي!
- هل كل شيء يجري لمصلحة الفلسطينيين؟!.
- .. كلا فهناك شروط أميركية وليست إسرائيلية، لكنها من الداخل شروط إسرائيلية:
- الشرط الأول: تجميد طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة في هذه الدورة من الجمعية العمومية على الأقل.
- الشرط الثاني: عدم إثارة الدولة الفلسطينية لأية قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية طالما أن المفاوضات مستمرة.
المدة المحددة لكل ذلك هي تسعة شهور لا أكثر!
كنا قلنا إن لا حلَّ أمام التطرف الصهيوني في التعامل مع قضية الاحتلال إلا بالاحتمالين:
- تمييع مشروع الدولة الفلسطينية بتوسيع حدوده، سواء بالعودة إلى «البديل الأردني» أي دمج الضفة الغربية، أو بالمشروع القديم، توسيع قطاع غزة بضم شمال سيناء إليه، ودمجه بمصر. وهذا التمييع راهنت واشنطن عليه بانجاح سيطرة الاخوان المسلمين.. وقد سمعنا هنا في جبل الحسين شعار النظام الجمهوري ووحدة الضفتين، وشهدنا أيام مرسي انفلات الحدود بأكثر من مائة وعشرين نفقا تمرّ السيارات من بعضها.. وتشجيع الجماعات المسلحة التي يختلط فيها الاخواني والحماسي والجهادي والقاعدي لكنها كلها تلتقي بهدف واحد.
- أو القبول بالدولة الفلسطينية المدنية الديمقراطية التي تعيش بأمن وسلام مع جيرانها.
لا رهان على الهرب من مواجهة الحقيقة الكبيرة: دولة فلسطين!.
الاحتلال وسلفيت الوادعة
(أمجد عرار-الخليج الإماراتية)
الفلسطينيون، بحكم التجربة والمعاناة، وجدوا أنفسهم يضعون على قائمة الجرائم ما ليس لشعوب أخرى حاجة بها، وهي جريمة التعامل مع الاحتلال، والتعامل بمعنى الخيانة، خيانة الشعب والوطن والأمة والإنسانية . الاحتلال حين يبدأ استدراج شخص لهذا المستنقع، يقول له: “هذه ليست عمالة . . إنما علاقة بين طرفين، تساعدنا ونساعدك”، ثم ينتهي الأمر به إلى أن يتحوّل إلى أداة طيّعة، ممسحة لا حول لها ولا قوة ولا قدرة على رد أوامر مشغّليه .
قبل بضعة أيام أفاق أهالي مدينة سلفيت الفلسطينية العريقة، على خبر مفجع هزّ كبيرها وصغيرها، وبعد دقائق انتشرت موجاته لتعم فلسطين كلّها . أم شابة لم تتجاوز السابعة والعشرين من عمرها، وطفلاها بعمر الرابعة والخامسة، وجدوا جثثاً هامدة في منزلهم . الخبر قال إن الأم وطفليها لقوا حتفهم إثر تسرّب غاز، لكن ما هي إلا ساعات حتى تبيّن أن الحادث جريمة قتل، والغاز للتمويه .
لم يكن وقع الخبر عادياً في بلدة ريفية وادعة تميّزت عبر التاريخ بالثقافة والمبادرات الإبداعية والتعاون بين أبنائها، هذا التعاون الذي أثمر تطويراً لمدينتهم جعلها مركزية في منطقتها، وهي من أقدم مناطق فلسطين في تعاطي السياسة، وكانت منذ بدايات العمل النضالي المرتبط بالاستعمار وبعده الاحتلال، مقراً لقيادات الحركة الوطنية، وهي من المناطق النادرة التي لم تضربها الفتن العشائرية والحزبية .
بيئة تحمل هذه المواصفات وأكثر منها، لا يمكن أن يتركها الاحتلال بلا عبث أو محاولات تخريب، وقد فشل دائماً في تحويل حوادث فردية إلى اقتتال داخلي، حيث ينجح أبناؤها في محاصرة الحدث ووضعه في نصابه وإنهاء الفتنة في مهدها . لكن الاحتلال لا يكف عن محاولاته جر ضعاف النفوس إلى مستنقعه ليضرب من خلالهم استقرار الشعب الفلسطيني ويدق الأسافين في مبنى وحدته الوطنية . ولأنه ما من شعب يخلو من ضعاف نفوس ومنحرفين، فإن الاحتلال يجد قلة من هؤلاء لتحقيق أهدافه الفتنوية من خلالهم .
هذا الوحش الآدمي في سلفيت كان واحداً ممن نجح الاحتلال في إلباسهم ثوب الخيانة والعار، وإذ قبل على نفسه أرذل الصفات، لم يجد وازعاً من ضمير مباع أو شرف مفقود، يمنعه من قتل زوجة أخيه وطفليها، وهو يحاول سرقة بعض المال من منزلهم .
هؤلاء تدرّبهم مخابرات الاحتلال على كيفية إتقان المهمّة القذرة، ومن ذلك التظاهر بالوطنية والتديّن والإنسانية وحقوق الإنسان وكل الشعارات البراقة التي تخفي تحتها أقبح الصفات . لذلك تجد هذا العميل قد لقّب نفسه “أبو الطيّب”، للإيحاء بالطيبة ولاستعارة فروسية المتنبي . وعلى صفحته في “الفيس بوك” تقرأ أشياء كثيرة، معظمها آيات قرآنية وأحاديث شريفة، ومواعظ وحكم وأدعية، يمكنك أن تقرأ منها “اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي . . وتعلم حاجتي فاعطني سؤالي . . وتعلم ما في نفسي، فاغفر لي ذنوبي” . ها نحن نكتب عن جريمة مر عليها بضعة أيام، لكن عائلة العميل المجرم، لم تنتظر ساعات، إذ سارعت للتبرؤ منه في بيان على الملأ، وطالبت بإنزال أغلظ العقوبات به وهدر دمه حيث إنه خان وطنه ودينه وباع نفسه للاحتلال والشيطان . ولا شك أن من يبيع النفس لأي أحد يطوّعها للبيع لكل من يدفع .
تدخَّل حَمَد فأعاد "الجزيرة" إلى "إخوانيتها"؟
(سركيس نعوم-النهار اللبنانية)
"صحيح تعرضت غزة لضائقة مالية وإقتصادية، بعدما أوقفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مدَّ "حركة حماس" التي تحكمها منذ سنوات لها بالأموال الطائلة جراء وقوفها إلى جانب الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الاسد"، يقول المرجع "الإسلامي" اللبناني المزمن. ويضيف: "السلطة الوطنية الفلسطينية كانت تدفع رواتب للموظفين في غزة، وتحديداً للذين منهم منقطعون عن العمل سواء بسبب ولائهم للسلطة أو "حركة فتح" أو منظمة التحرير. في عز الضائقة المذكورة اقترح محمود الزهّار أحد القادة البارزين في "حماس" الإتصال بإيران بغية حلِّها.
طبعاً تدارست القيادة الحمساوية هذا الموضوع ولم تُبدِ ممانعة لتوجه الزهار إلى طهران. لكنها لم تتخذ قراراً رسمياً بذلك. فأتى إلى بيروت وسافر منها الى العاصمة الإيرانية، وعاد بالطريقة نفسها حاملاً عشرين مليون دولار أميركي. طبعاً "حماس" لم تقطع علاقتها بإيران. لكن برودة قوية سيطرت عليها جراء اختلاف موقف كل منهما من الذي تشهده سوريا منذ آذار 2011، فضلاً عن ان مستوياتها صارت في الحدود الدنيا. الزهّار شخصية قاسية عرفتُه في "مرج الزهور" في لبنان في أثناء إبعاد إسرائيل لمجموعة من القيادات الفلسطينية "الراديكالية" في رأيها. وهو ليس عضواً الآن في قيادة "حماس" التي انتُخِبت أخيراً، بخلاف هنية الذي يعتبره الكثيرون معقولاً، والذي حصل وبالانتخاب على موقع نائب الأمين العام إضافة إلى ترؤسه حكومة غزة".
قُلت لي سابقاً عندما كنا نتكلَّم عن الأردن أن المقابل الذي حصلت عليه السلطة فيه اي النظام لقاء تسهيل قيام السعودية من اراضيه بعملها مع الثوار السوريين، قُلتَ أن المقابل هو سكوت الإسلاميين من أبنائه (الأردنيين والفلسطينيين) على النظام والتخلي عن معارضتهم الشارعية له أو التخفيف منها. لكن لا أحد في العالم العربي وربما خارجه يجهل أن غالبية هؤلاء الإسلاميين تنتمي إلى "الإخوان المسلمين". فكيف يتعاونون مع السعودية التي تحاربُهم وترفضهم سواء في دول الخليج العربية أو في مصر أو في سوريا أو في غيرها؟
أجاب المرجع "الإسلامي" اللبناني المزمن نفسه: "لا تنسَ أن جمعيات إسلامية سلفية في الأردن مشت مع النظام الحاكم فيه وأيدته. أما جماعة "الإخوان" فهي قسمان واحد فلسطيني وآخر أردني. هناك "إخوان" أردنيون تطغى عليهم صفة "الحمائم". أما فلسطينيو "الإخوان" فهم "صقور" في غالبيتهم الساحقة. علماً ان الإسلاميين الأردنيين عموماً وعلى تنوعهم لم يطالبوا بإسقاط النظام الملكي. اكتفوا بالمطالبة بضرب الفساد ومحاسبة الفاسدين والمُفسدين. كما رفعوا مطالب ملحة لهم بل لشعب الأردن كله تتعلق بقضايا حياتية واقتصادية ومعيشية".
ماذا عن دولة قطر والذي جرى فيها من تغيير على رأس الدولة بتنازل الامير حمد بن خليفة آل ثاني عن إمارة الدولة لولي عهده تميم؟ لقد صوَّر الكثيرون في المنطقة والعالم الإنتقال السلمي و"الطوعي" عملاً مدبَّراً ضد "جماعة الإخوان المسلمين" التي ثَبُت وبالملموس في السنوات الاخيرة انها تتمتع برعاية قطر وحمايتها ودعمها المادي حيث يجب، والتسليحي حيث يجب، والسياسي في المحافل الأقليمية والدولية. فهل هذا التصوير صحيح؟ أجاب المرجع "الإسلامي" اللبناني المزمن نفسه: "التنازل عن الحكم الذي شهدته قطر مؤخراً كان يُحضَّر له منذ أكثر من سنة، وأسبابه صحية في معظمها. ونحن نعرف أن ولي العهد تميم الذي صار أميراً من أنصار قيام المملكة العربية السعودية بدور أساسي خارج حدودها وخصوصاً بعد "اندلاع" "الربيع العربي". ونعرف أن قطر في عهده مع دور جزئي لها في كل المشار إليه. إنها إمارة صغيرة نجحت في ممارسة دور اقليمي وربما دولي مهم. الآن ستتخلى عن ذلك جزئياً للسعودية. علماً أن تميم يتحدث ايضاً مع أقرانه من المسؤولين (الأمراء الشباب) في السعودية من الند إلى الند بسبب تقارب الأعمار.
أما مع الملك عبدالله بن عبد العزيز فإنه يقبِّل يده كما يفعل الأمراء السعوديون، ويبدي له الكثير من الاحترام والإجلال. وأما قصة الإنقلاب القطري الكامل على "الإخوان" فليست صحيحة "يضيف المرجع نفسه. ويتابع "صحيح ان الامير تميم بدأ تغييراً جزئياً لنشاطهم في بداية تسلمه السلطة وانعكس ذلك على فضائية "الجزيرة" القطرية. لكن والده الأمير حمد تدخّل وطلب عودة "الجزيرة" إلى سياستها "الإخوانية" السابقة وخصوصاً في مصر. وتم ذلك سريعاً".
ما هي قصة الشيخ "الإخواني" يوسف القرضاوي وما هي حقيقة وضعه في قطر الجديدة؟
إسرائيل وأزمة مصر
(حلمي الأسمر-الدستور الأردنية)
منذ اليوم الأول لانقلاب السيسي على مرسي، ابتهجت نخب إسرائيل، وراح سياسيوها يبذلون كل جهد ممكن لتثبيت الوضع الجديد، وهذا كان متوقعا، لأنهم لم يستطيعوا أن يتعايشوا مع حكم يستند إلى فكر إسلامي، سفير إسرائيل في مصر قال إن السفارة أغلقت منذ هاجمتها الجماهير الغاضبة، ولا يجدون مكانا يستأجرونه ويعمل فريق صغير جدا من منزل السفير.. كما ان مرسي لم يكن يرد على مكالمات نتنياهو، ولم يحدث أي اتصال رسمي مباشر بين مرسي وقادة اسرائيل طيلة سنة كاملة من حكمه.
السؤال الذي سيطر على النخب الصهيونية، كان: كيف بالإمكان توفير الدعم اللازم لتعزيز شرعية الانقلابيين في مصر..؟
أحد الذين أبدوا اهتماماً فائقاً في تقديم النصح لصناع القرار في تل أبيب في هذا الشأن، كان ألون ليفين، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، رئيس تحرير مجلة « سيكور مموكاد « البحثية. حسبما رصد الدكتور صالح النعامي، ففي العدد الأخير من المجلة، نشر ليفين ثلاث دراسات تناولت جميعها الطرائق الواجب على إسرائيل اتباعها لتوفير الدعم للانقلابيين، إلى جانب رصد طرائق توظيف الانقلاب على مرسي لصالح إسرائيل. وعلى رأس « العوائد الإيجابية « التي يرى ليفين إن إسرائيل ستحققها من الانقلاب هو تعاظم التعاون الإستراتيجي بين مصر وإسرائيل، إلى جانب عودة معسكر الاعتدال في العالم العربي بقوة بشكل يسمح لإسرائيل بهامش مناورة كبير لتحقيق مصالحها!
في هذا السياق، يرصد الدكتور النعامي، من خلال متابعته الحثيثة لما يجري في إعلام العدو، جملة من التصريحات والمواقف، التي تظهر على نحو لا يقبل الشك، تبني إسرائيل الكامل للسيسي وبرنامجه الانقلابي، المستشرق الصهيوني آفي ميدا يقول: جهد عظيم يقوم به عسكر مصر عبر سعيهم تغيير البيئة الثقافية بما يضعف التطرف الإسلامي، امنون ابراموفيتش، معلق قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية: بالنسبة لنتنياهو انجاح الانقلاب على مرسي يتقدم على احباط النووي الايراني، ولتكريس شرعية الانقلابيين.. قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة تكشف: نتنياهو طلب من أوباما الضغط على زعماء عرب لتكثيف زيارتهم لمصر ، البرفسور إفرايم كام، كبير باحثي « مركز أبحاث الأمن القومي « الإسرائيلي في صحيفة « إسرائيل اليوم «، يحذر من خطورة فشل الانقلاب العسكري ويقول ان مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تقتضي نجاح تحالف العسكر والليبراليين في إدارة شؤون مصر وكبح جماح الإسلاميين. دان حالوتس، رئيس أركان الجيش الأسبق: « أهم نتيجة لخطوات السيسي الأخيرة هي اضعاف الجيش المصري على المدى البعيد، وإسدال الستار على إمكانية تطويره « ( إذاعة الجيش الإسرائيلي) « إفرايم هليفي، رئيس الموساد الأسبق: « نجاح الانقلاب على مرسي سيعزز مكانة أمريكا وهذا بدوره سيعزز مكانتنا الإقليمية « المستشرق الإسرائيلي إيال زيسير: إفشال مرسي مثل دوماً مصلحة استراتيجية لنا لأنه يوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي.
المفكر اليهودي إيال بردو: احتفاء النخبة الحاكمة في إسرائيل بانقلاب العسكر على مرسي يعكس موقفا عنصريا تجاه العرب وأنهم لا يستحقون الديموقراطية. عنوان بحث أعده وكيل الخارجية الصهيوني الأسبق ألون ليفين حول عزل مرسي: انتهى حلم الديموقراطية العربية.
أودي سيغل، معلق التلفزة الإسرائيلية الثانية: نتنياهو أكثر الناس سعادة على وجه الأرض بسقوط مرسي، فقد جرح كبرياءه خلال الحملة الاخيرة على غزة.
هل ثمة من يشك، أن الانقلاب انتصار لإرادة إسرائيل في المنطقة، وتنفيذ لأجندتها وأجندة الأنظمة العربية التي ارتعبت من ربيع الثورات، انتظروا نفجر الأوضاع في تونس، بعد مصر، لأنهما أهم بلدين «نجح» فيهما الربيع، فأزهر على نحو ما، والمطلوب سحق هذه الزهور، كي لا تتكاثر!
هل كانت غلطة.. إدخال الإخوان؟
(عبد الرحمن الراشد- الشرق الأوسط)
هناك رأيان متطرفان في قراءة ما حدث في مصر، الأول الذي يقدم التأييد الشعبي والثقافي الواسع لإسقاط حكومة محمد مرسي الإخوانية دليلا على أن السماح للإخوان منذ البداية بالرئاسة كان خطأ، وما حدث تصحيح له.
وفريق آخر، يعتبر الدفاع عن التغيير في مصر، وخاصة من جانب الليبراليين، جريمة ضمير كبرى، عرتهم على حقيقتهم. والرأيان المتناقضان يعبران فقط عن المسافة الفكرية الفاصلة في الشارع العربي، لا المصري فقط. ويعبران عن حجم الجهل الشائع في أوساط المنخرطين في الجدل السياسي اليوم. وبعض الزملاء وجدوا في ما أكتبه هذه الأيام مع عزل مرسي تناقضا صارخا مع ما كتبته عندما «ابتهجت» بفوز الإخوان بعد الانتخابات. لا، ليس تناقضا أبدا. فوز الإخوان كان يعبر عن انتصار للديمقراطية الليبرالية، وإخراجهم عندما خرجوا عن السكة، أيضا نجاح مماثل ليس ضد الإخوان بل ضد القرصنة. لقد دخلوا راضين بقواعد العمل وتم إقصاؤهم يوم خرجوا عليها، ويفترض إقصاء كل من يفعلها، سواء كانوا إخوانا أو ليبراليين أو وطنيين. وليس صحيحا أن الليبراليين انقلبوا على خطابهم بتصفيقهم للانقلاب العسكري. ما فعله مرسي والإخوان في الحكم هو أخطر مما فعله مبارك، لأنه جاء على ظهر نظام له شروط، ومنحه شرعية هائلة، لكنه خذل النظام واعتبر ركوب الصندوق الانتخابي وسيلة للسيطرة، كما فعلت حماس في غزة والخميني في إيران، وثنائي البشير والترابي في السودان. إسقاط مرسي ضرورة حتى يدرك من بعده أن الأغلبية والرئاسة لا تعطيهم شيكا على بياض لامتهان المؤسسات والحريات. وحتى في الديمقراطيات الأكثر رسوخا تحدث عمليات التصحيح عندما يشعر المشرعون أو السياسيون بالخطر. الرئيس ريتشارد نيكسون أجبر على الاستقالة بعد تعديه على الحزب المنافس.
فقط بعد عام واحد من فوزه الكاسح برئاسة ثانية. لقد قام مرسي بالاستيلاء على منصب المدعي العام وحاول الاستيلاء على القضاء وسكت على أتباعه عندما قاموا بمنع المحكمة الدستورية من الانعقاد بسد الدرج مهددين القضاة إن عبروا. أي من هذه الأفعال تكفي لمحاسبة الرئيس وتعتبر جرائم دستورية كافية لعزله.
كنت، ولا أزال، من الذين يؤمنون بضرورة إشراك الإخوان المسلمين في العملية السياسية حيث يوجد مشروع ديمقراطي أو سياسي شعبي، رغم وجود شكوك واسعة في قدرتهم على القبول بنظام تعددي يؤمن بتداول السلطة. فعليا، الإخوان فريق أساسي في أي عمل سياسي جماعي لكنه يحتاج إلى ترويض، بحيث يعي أنها عملية سياسية ليست دينية. مصر تسير في طريق مستقيم مليء بالحفر الخطرة، لكنها تسير فيه بلا توقف، وهذا أمر مدهش. حتى تجربة الاعتصامات، والتعامل مع الأزمة، والاختلاف على كيفية الانتقال من مرحلة عزل رئيس دولة وإسقاط حكومة، وتدخل الجيش، كل هذا جزء مهم من التعلم والتجريب، ولو نجح المصريون في الانتقال بسلام وساروا على نفس الطريق فإن مصر تكون انتقلت إلى مرحلة متقدمة. يصبح الفريق الفائز مستقبلا يعي جيدا أنه يحكم لكنه محكوم بالمؤسسات، فلا قوانينه الرئاسية محصنة، ولا تستطيع يده أن تطال مؤسسات القضاء، وحريات التعبير مكفولة، لكن التحريض على العنف والكراهية مرفوضان. هل يمكن للمصريين أن يصلوا إلى هذه النقطة من نظام متطور يرسي دعائم دولة حقيقية قادرة على النجاة؟
من الممكن ذلك، والأمل كبير أن يتجاوز المصريون محنة اليوم، ويتركوا وراءهم رغبات الإقصاء ويتجهوا نحو مصالحة شاملة، تشمل النظامين اللذين أسقطا، مبارك ومرسي، وتبدأ البلاد صفحة جديدة تحت نظام أكثر وضوحا، يستوعب الجميع.
والنبلاء أيضا يفشلون
(علي سالم-الشرق الأوسط)
بعد أن تقابلت السيدة أشتون مع الرئيس السابق في محبسه، وهو اللقاء الذي استمر لساعتين، عقدت والدكتور البرادعي مؤتمرا صحافيا رفضت فيه الإفصاح عن محتوى اللقاء. وقبل أن ينتهي المؤتمر استأذنت في الانصراف للحاق بموعد طائرتها. ويظل السؤال بغير إجابة: ماذا كانت مهمتها، ومن بالتحديد طلب منها أداءها؟ وخصوصا أنها ذكرت أنه «طُلب مني»، لقد انشغل الجميع بأداة السؤال «كيف» وليس «لماذا».. كيف سمحت القيادة السياسية لها بزيارة الرئيس السابق، وهى ليست من أهله أو محاميه؟
معظم الأسئلة التي تبدأ بكيف يهدف صاحبها لعدم الحصول على إجابة، هو فقط يريد إظهار غضبه، ولو أنه سأل نفسه، لماذا سمحت الحكومة بهذا اللقاء، كان سيدرك على الفور أنه تم بطلب من الحكومة المصرية، ومن الدكتور البرادعي كما يبدو من ظاهر الأمور. إنها محاولة أخيرة ويائسة بذلها الدكتور البرادعي لتفادي تفجر الموقف وسقوط الضحايا في منطقة رابعة العدوية، وما سيتلوه من كوارث محتمة. هي ليست وساطة، بل إدخال شخصية إلى المشهد، قادرة بثقافتها ودرجة خيالها السياسي ومنصبها المسؤول، على إقناع الدكتور مرسي بفض الاعتصامات سلميا، نظرا لما يمثله الاتحاد الأوروبي له وللجماعة، من نصير بغض النظر عن صحة هذا الاعتقاد. ولساعتين كاملتين، شرحت السيدة له كل الأخطار الحقيقية، وهي تناشده، وتوقظ بداخله الإحساس بالمسؤولية العامة عن حياة الناس في بلده، كما تنبهه إلى مدى ما سيحظى به من احترام في الغرب وأميركا، بل والعالم كله، عندما يطلب من جماعته فض الاعتصام والكف عن العنف، بينما هو سجين ينتظر المحاكمة. لم تكن السيدة تخدعه في شيء، ولكن من المؤكد أنها شرحت له بأن موافقته على ذلك، ستخفف إلى أبعد حد من موجة الكراهية عند الشعب المصر ضد جماعته، وأن مبادرته سترغم الحكومة المصرية على عدم مطاردة أعضاء الجماعة وإرسالهم إلى المحاكم والسجون. ساعتان والسيدة تشرح والرجل يقول كلمة واحدة هي لأ.. وربما قال: حسنا.. أعود إلى منصبي أولا ثم أصدر قرارا جمهوريا بفض الاعتصامات.
ربما تسألني: هل حضرت ذلك الاجتماع؟
وأرد عليك: اطمئن.. محضر الاجتماع بكل ما قيل فيه موجود عند أجهزة الحكومة المصرية، كما هو موجود عند أجهزة الاتحاد الأوروبي، وأؤكد لك أنه لا يختلف كثيرا عما أقوله لك الآن. يكفيني أن أعرف كيف يفكر شخص ما لكي أستنتج ماذا سيقول.
كان الانفعال السائد عند السيدة أشتون هو الحزن، كان هذا واضحا في نبرات صوتها، وأنا أعرف هذا الإحساس جيدا، أن تشعر أنك فشلت في منع جريمة كبيرة لأن بعض الناس لا يتورعون عن قتل أهلهم ليكسبوا قضاياهم السياسية، أي ليثبتوا أنهم أقوياء. هي لا تشعر بالندم لقيامها بهذه المهمة، فهذا ما يحتمه الواجب والسياسة ومصالح الغرب ومصلحة مصر والمنطقة.
غير أن الإنسان في أوقات من هذا النوع يوجه الاتهام إلى نفسه.. آه لو كنت قادرا أكثر على الإقناع. وهذا هو ما يجلب الحزن. أعتقد أن هذا الموقف سيدفع السيدة أشتون لقراءة المزيد عن إحساس بعض الناس باللذة عند ممارسة القتل أو السماح به أو التشجيع عليه.
كيف يمكن تدارك الفوضى في ليبيا؟
(رأي القدس العربي)
رغم مرور اكثر من عام على انتخاب المؤتمر الوطني العام، لم تستطع ليبيا الدولة الانطلاق لتأمين مسار جديد بعد الثورة، كما ان جدول الاعمال الذي كان على المؤتمر الوطني العام الالتزام به، لم يعد محترما، بدليل تأخر معظم الخطوات لانهاء المرحلة الانتقالية، ومنها على الاخص انتخاب هيئة كتابة الدستور.
وكانت الانتخابات اعطت انطباعا عاما للخارج بأن الليبيين، الذين انتخبوا لاول مرة في حياتهم، استطاعوا ان ينجزوا اقتراعا هادئا ومبشرا بامكانية تمرير مرحلة انتقالية هادئة وسلسة.
وللاسف، شهدت ليبيا تدهورا كبيرا بسبب بقاء الميليشيات المسلحة بالشارع وقيامها بالسيطرة على مناطق ومدن بذريعة محاربة فلول النظام السابق، الا ان هذه العمليات نمت عن وجود انقسامات عميقة بالمجتمع ادت بسكان ثلاث مدن على الاقل الى مطالبة الامم المتحدة بالتدخل لاعادتهم الى بيوتهم.
ومع الوقت تبين ان الاجواء التي رافقت الانتخابات والنتائج التي تمخضت عنها آيلة الى التغيير على الارض، وان الذين لم يحالفهم الحظ بالانتخابات هم الممسكون فعليا بالسلطة، وقد حالوا دون تمكين المؤتمر الوطني والحكومة من انشاء جيش لكل ليبيا، وقوى امن لكل الليبيين حتى مع وجود اقتراحات بدمج معظم هذه الميليشيات في المؤسسات الشرعية، لذلك تحولت ليبيا، بل غرقت مع الوقت بما يشبه الفوضى التي استغلتها جماعات متطرفة وقريبة من تنظيم ‘القاعدة’، لتدافع عن وجودها وتتابع حربا ضد القوى الغربية، لكنها في الواقع تحارب تعافي ليبيا وخروجها الفعلي من النظام السابق. ولعل الحال اليوم اكبر دليل على ذلك، فالمؤتمر الوطني العام وهو الهيئة التشريعية والمؤسسة الوحيدة التي تحظى بشرعية بدأت تشهد انهيارا ليس فقط بتجميد عضوية تحالف القوى الوطنية ومشاركته بالعملية السياسية، وانما تآكلت شرعيتها منذ اصدارها قانون العزل الذي حرمها ويحرم ليبيا من شخصيات كفوءة بذريعة عملها في ظل النظام السابق.
ومن الدلائل المؤسفة على الانهيارات الحاصلة، ان حكومة علي زيدان التي ابدت بعد تنصيبها حزما واستعدادا لتصويب الاوضاع، تراجعت مع الوقت واضطرت لتقديم تنازلات لهذا الفريق او ذاك، الى ان انتهت اخيرا الى امكان ضم الميليشيات التي حاصرت الوزارات وعطلتها الى صفوف القوى الامنية.
وهذا كله يدل على ان المهمة الاساسية والعاجلة التي كان على المؤتمر الوطني العام ان يتصدى لها ويعالجها هي مسألة المصالحة الوطنية، ومن الواضح ان قوى سياسية وميليشياوية من داخل المؤتمر وخارجه هي التي دفعته الى اضاعة البوصلة وتمييع هذا الاستحقاق الوطني الكبير، فقط لحماية مصالحها وابقاء ليبيا امام الاحتمالات الخطيرة، ومن اهمها الانقسام بين شرق وغرب، وبين ليبراليين واسلاميين، وبين مطالبين بتدخل خارجي ومصرين على معالجة المشاكل في الداخل رغم ان امكانات المصالحة الداخلية تتضاءل.
من اسوأ النتائج لهذه الفوضى ان كل القوى لم تأخذ بحرمة الدم، وباستثناء مهاجمة القوى المتطرفة مقار دبلوماسية لدول ساعدت الثورة على تحقيق اهدافها، فان شيوع الاغتيالات في الاونة الاخيرة يظهر ان الصراعات احتدمت وبدأت تبحث عن امكانية للحسم من اجل السيطرة على السلطة لفريق دون آخر، وما اغتيال عبد السلام المسماري الذي اذاع البيان الاول للثورة سوى دليل على ان الثوريين على اختلاف انتماءاتهم قد اصبحوا في مزاج آخر لا علاقة له ببناء وطن ودولة، ولا عجب في مثل هذه الحال ان تعود الاصوات المطالبة بعودة الملكية ودستورها كحل مؤقت ريثما يستفتى الليبيون على النظام الذي يريدونه، وليس مؤكدا انهم جميعا يؤمنون بان فترة الملكية كانت جيدة، فضلا عن ان النظرة الى المصالح والى المسار السياسي المفضل لليبيا قد يتغير بتغير القوى الموجودة على الارض.
لعل المطلوب اليوم ان يبرهن اعضاء المؤتمر الوطني العام على احترام مسؤوليتهم واتخاذ قرارات جماعية واضحة بشأن المطلوب امنيا والمطلوب سياسيا، وكذلك بدعم الحكومة في برنامجها من اجل بلورة جيش وطني وقوى امنية وطنية، واذا لم يفعلوا ذلك، فان ليبيا ستبقى في فوضى الى اجل غير معلوم.
الطبقة السياسية فشلت في إنقاذ لبنان والمؤسّسة العسكرية تقدّم درساً في الوطنية
(اميل خوري- النهار اللبنانية)
تطرق قائد الجيش العماد جان قهوجي في "أمر اليوم" لمناسبة الذكرى الـ68 لعيد الجيش الى السجال الذي حصل حول تأجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الاركان بالقول: "ان الخشية من الفراغ حتمت الكثير من القرارات التي لم تكن لتتم لو دارت عجلة الحياة السياسية دورتها الطبيعية أو لم تتحكم الخلافات بين الاحزاب والتيارات في الاستحقاقات الدستورية، لكن ما حصل يجب أن يشكل حافزاً للجميع كي لا يسمحوا مجدداً بأن تكون التجاذبات السياسية هي التي تتحكم بمسار المؤسسات الدستورية وديمومتها وأن تفتك الخلافات الشخصية والسياسية بقيمنا الدستورية وباتفاق الطائف".
هذا الكلام الصادر عن مرجع عسكري كبير يدل الى أي مدى باتت المؤسسة العسكرية هي التي تعطي دروساً في الوطنية واحترام الديموقراطية والدستور لطبقة سياسية دأبت منذ العام 2005 على تعطيل الاستحقاقات الى حد إلغائها باللجوء الى التمديد لمن هم على رأس المؤسسات والدولة خوفاً من الفراغ وان التجاذبات الحادة بين 8 و14 آذار وتبادل الشروط التعجيزية جعل المؤسسة العسكرية تعطي السياسيين دروساً في وجوب احترام الدستور والقوانين واتفاق الطائف، وأن تكون هذه المؤسسة للبنان وحده.
لقد بلغت الخلافات الشخصية والحزبية حدا جعلت التمديد لقائد الجيش ورئيس الاركان لا بد منه، وهذا يحصل اول مرة في تاريخ المؤسسة لأن هذه الخلافات حالت دون الاتفاق على تعيين قائد جديد للجيش، بحيث بات التمديد امراً عادياً كلما تعذر الاتفاق على الخلف.
وكانت قوى 8 آذار اول من عمل على عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية بإفقاد نصاب الجلسات النيابية المخصصة لانتخابه وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية اذ ان النواب كانوا يحضرون الجلسات ولا يتعمدون التغيب عنها كما فعل نواب 8 آذار للحؤول دون انتخاب مرشح من 14 آذار، بل كانوا يضعون في صندوق الاقتراع اسم المرشح الذي يريدون للرئاسة الاولى او يضعون ورقة بيضاء حرصا منهم على القيام بواجب الانتخاب وليس التقاعس عن القيام به بدون اي عذر شرعي، فيعلن رئيس المجلس اسم الفائز بالاكثرية ولو بصوت واحد كما فاز المرشح سليمان فرنجية ضد المرشح الياس سركيس. وتخشى اوساط سياسية ان تكرر قوى 8 آذار لعبة تغييب نوابها المتعمدة عن الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية في ايار 2014 اذا لم تتفق مع 14 آذار على مرشح توافقي كما حصل في الانتخابات السابقة عندما اتفقا على ان يكون العماد ميشال سليمان هو المرشح التوافقي، وعندها تتحمل قوى 8 آذار مسؤولية التمديد للرئيس سليمان اذا تعذر عليها الاتفاق مع 14 آذار على خلف له لأن التمديد في هذه الحالة يصبح الحل الوحيد لتجنب الفراغ القاتل. فاذا كانت قوى 8 آذار او بعضها يرفضون التمديد للرئيس سليمان فما عليها الا أن تبحث منذ الآن على قوى 14 آذار عن المرشح المقبول منهما، حتى اذا تعذر ذلك كان على جميع النواب حضور جلسات الانتخاب تأميناً للنصاب وقياماً بواجبهم الوطني وليس التغيب عنها من دون عذر شرعي لا لشيء الا لافتقاد نصابها والحؤول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعندها يصبح التمديد للرئيس الحالي امراً لا مفر منه خوفاً من الفراغ وان على جميع النواب احترام الدستور واللعبة الديموقراطية بقبول نتائج الانتخابات اياً يكن الفائز فيها.
والتجاذبات السياسية الحادة بين 8 و14 آذار التي حالت دون التوصل الى اتفاق على قانون للانتخاب لأن كلا منهما اراد ان يكون القانون مفصلاً على قياسه وليس على قياس الوطن، وان تعرف نتائج الانتخابات قبل اجرائها، الأمر الذي فرض التمديد لمجلس النواب 17 شهراً، وهو تمديد قد يتكرر اذا ظلت الخلافات قائمة حول قانون الانتخاب وهذا يتطلب من الحكومة ومن المجلس مباشرة البحث منذ الآن في قانون جديد وليس انتظار الايام الاخيرة من انتهاء ولاية المجلس الممددة للبحث فيه، فيفرض عدم التوصل الى اتفاق تمديدا آخر يسيء الى صورة لبنان في الخارج. وهذا التجاذب السياسي كان سيعطل عجلة الحكم على مستوى رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية والحكومة لو لم يتدخل الخارج ليجعل من اتفاق الدوحة سبيلاً للخروج من ازمات مواجهة هذه الاستحقاقات.
لقد دعا الرئيس سليمان الى تشكيل حكومة حيادية اذا تعذر التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية في البلاد وكان البطريرك الراعي قد دعا ايضا الى تشكيل مثل هذه الحكومة وايدت قوى 14 آذار بكل مكوناتها ذلك في غياب الاتفاق على حكومة تضم سياسيين. فهل يشكل التمديد لمجلس النواب ثم التمديد لقائد الجيش والتمديد لحكومة تصريف الاعمال حافزاً بأن تظل التجاذبات السياسية هي التي تتحكم بمسار المؤسسات الدستورية وتحتم اتخاذ قرارات خشية الفراغ، وهل تتوقف هذه التجاذبات رحمة بالوطن والمواطن وتعيد 8 آذار ولا سيما "حزب الله"، النظر في الشروط التعجيزية التي تضع لبنان بين خيارين اما التمديد واما الفراغ؟
3/8/2013
في هذا الملــــف:
كيري من الضفة إلى قطاع غزة
)منير شفيق-الجزيرة نت)
مفاوضات واشنطن
(فالح الطويل- الرأي الأردنية)
لماذا لا ..لاستئناف المفاوضات ؟!
(سلامة العكور-الرأي الاردنية)
المفاوضات .. الرابحون والخاسـرون
(رشيد حسن –الدستور الاردنية)
لماذا يتفاوضون ما داموا سيختلفون؟
(عصام نعمان-الخليج الإماراتية)
“دبلوماسية الرشى”
(عوني صادق-الخليج الإماراتية)
كل الرهانات تسقط وتبقى دولة فلسطين
(طارق مصاروة-الرأي الأردنية)
الاحتلال وسلفيت الوادعة
(أمجد عرار-الخليج الإماراتية)
تدخَّل حَمَد فأعاد "الجزيرة" إلى "إخوانيتها"؟
(سركيس نعوم-النهار اللبنانية)
إسرائيل وأزمة مصر
(حلمي الأسمر-الدستور الأردنية)
هل كانت غلطة.. إدخال الإخوان؟
(عبد الرحمن الراشد- الشرق الأوسط)
والنبلاء أيضا يفشلون
(علي سالم-الشرق الأوسط)
كيف يمكن تدارك الفوضى في ليبيا؟
(رأي القدس العربي)
الطبقة السياسية فشلت في إنقاذ لبنان والمؤسّسة العسكرية تقدّم درساً في الوطنية
(اميل خوري- النهار اللبنانية)
كيري من الضفة إلى قطاع غزة
)منير شفيق-الجزيرة نت)
عاد وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية جون كيري إلى واشنطن وهو يحمل إنجازاً دبلوماسياً لم تعتد إدارة أوباما على مثله، فقد جاء كيري بنجاح مبادرته التي عمل عليها طيلة ستة أشهر إلى واشنطن كأنه يقول لأوباما كفى جموداً وتردّداً وارتباكاً في السياسة الأميركية. مشكلة افتقار إدارة أوباما للمبادرة أو تحقيق إنجاز دبلوماسي متواضع، ولو في مستوى الإنجاز الذي حققه كيري مع محمود عباس ونتنياهو، يعود إلى ميزان القوى وليس إلى فقدان الحذاقة السياسية، أو انعدام الرغبة في المبادرة، أو الركون إلى الجمود والتردّد والارتباك، أو الافتقار إلى قيادات مبادرة مقدامة.
لقد تدهورت مكانة أميركا التي كانت عليها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى فشل مشروع المحافظين الجدد مع نهاية إدارة جورج دبليو بوش، واندلاع الأزمة المالية التي أطاحت بأهم أسس العولمة وأدخلت الاقتصاد الأميركي في أزمة امتدّت إلى خمس سنوات حتى الآن، وقد وصلت ديون الإدارة الأميركية إلى حوالي 16 ترليون دولار. فعجز إدارة أوباما في مرحلتيها الأولى والثانية جاء نتيجة هذه الحقيقة، ولم يكن بإمكان أية إدارة أخرى أن تفعل أكثر مما فعلت. لأن ميزان القوى على المستوى العالمي كما على مستوى أقاليم العالم قد اختلّ في غير مصلحة أميركا منعكساً على قدراتها العسكرية ونفوذها السياسي وقدراتها التنافسية التجارية والاقتصادية، بل ومنعكساً على مستوى الكوادر البحثية.
ولهذا كانت إدارة أوباما بحاجة ماسّة إلى إنجاز دبلوماسي، لا سيما بعد الإنجازات الدبلوماسية التي حققها الروس خلال سنة من الآن، فلم تجد أفضل من تحريك المفاوضات بين سلطة رام الله وحكومة نتنياهو. فمحمود عباس هو الأفضل للّعب بملعبه ما دام مسلوب الإرادة أمام موازنة السلطة والدعم المالي الأميركي الأوروبي، وما دام مرتهناً لإستراتيجية التسوية والمفاوضات وليس عنده من بديل لها حتى لو فشلت فشلاً ذريعاً على امتداد سنوات.
ولهذا ما كان أسهل من إقناعه بتقديم تنازلات إضافية ليقبل نتنياهو بالذهاب إلى التفاوض. ولا يستطيع من يعرف محمود عباس أن يقول "ليّ ذراعه". لأن تمنَّعه دائماً، أو تمسكه ببعض المواقف حتى لو كانت بهزال "وقف الاستيطان"، لا يحتاج إلى أكثر من "إقناع" ولا يصل إلى "ليّ الذراع". وبالفعل كانت المشكلة دائماً بالنسبة إلى وزير خارجية أميركا هي انتزاع تنازلات جديدة من الفلسطينيين والعرب لإقناع نتنياهو بقبول التفاوض، ولا سيما عندما يأتي الأمر إلى المساس بما يحفظ ماء الوجه بالنسبة إلى المفاوض الفلسطيني. وهذا ما جعل نتنياهو يصل إلى تثبيت الموقف الأميركي وتعزيزه أكثر فأكثر من ناحية السعي لفرض الاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية الدولة.
محمود عباس وبعد تمنُّع أو تشرُّط بأن العودة إلى المفاوضات مرهونة بوقف الاستيطان، بمعنى وقف مشاريع استيطان جديدة، علماً أن ما حدث من استيطان في الضفة الغربية وتهويد القدس ومنطقتها كاد يصل إلى حدّ التشبع، ولكن مع ذلك لم يقبل نتنياهو التنازل الشكلي بوقف الاستيطان، فكان لا بدّ من أن يأتي التراجع من محمود عباس. وهذا ما حصل وليس لأحد أن يلف ويدور ويقول عكس ذلك.
أما المأساة بل المهزلة فهي اشتراط محمود عباس أن تتقدّم أميركا بتعهد خطي بأن تكون "حدود 1967" مرجعية للمفاوضات، وليس نتنياهو، علماً بأن أميركا هي التي صاغت قرار 242، وهي التي أعلنت مراراً وتكراراً أن "حدود 1967" مرجعية المفاوضات مع إجراء تعديلات وتبادل أراضٍ، فما الذي سيزيده التعهد الخطي عدا الاستناد إلى وهم من جانب محمود عباس فيذهب إلى المفاوضات متخلياً حتى عن شرط وقف الاستيطان؟ وبالمناسبة، إن المشكلة في الاحتلال وفي الاستيطان من حيث أتى وفي تهويد القدس وما يجري من حفريات واعتداءات على المسجد الأقصى، وليس في وقف الاستيطان. وذلك ناهيك عن أن المشكلة في التنازل عن 78% من فلسطين، ومن ثم عن تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر وعودة اللاجئين إلى بيوتهم وأراضيهم التي هجروا منها. بكلمة أخرى إن محمود عباس مفرّط حتى في الأراضي التي احتلت عام 1967 وفي القدس الشرقية. ودعك من تفريطه الأساسي المتعلق بفلسطين ما قبل حرب يونيو/حزيران 1967، فمن يفرّط بـ78% وأكثر فلماذا لا يفرّط بـ88% وأكثر؟
أما مشكلة محمود عباس المكملة للتفريطين السابقين فتتمثل في تفريطه بإستراتيجية الكفاح المسلح والمقاومة، وحتى بإستراتيجية الانتفاضة. ومن ثم تعلقه الذي يزيد على تعلق العشاق العذريين بإستراتيجية التسوية والمفاوضات والرهان على "الوسيط الأميركي" الذي هو شريك للكيان الصهيوني. من هنا فإن إنجاز جون كيري لا يشكل في حقيقته إنجازاً ما دام الذي يفاوضه هو محمود عباس، صاحب الأريحية في التنازلات الفلسطينية، وصاحب اليد الحديدية من خلال الأجهزة الأمنية المؤمركة المصهينة في ضرب المقاومة وفي إجهاض أي نضال شعبي، وقد أعلن، أو تعهد، ألاّ تندلع انتفاضة شعبية ضدّ الاحتلال بوجوده.
ولكن مع ذلك ستظل إعادة محمود عباس إلى التفاوض مع نتنياهو (عملياً بناء على شروط نتنياهو)، إنجازاً معنوياً لدبلوماسية جون كيري بعد أن عزّ الإنجاز في قضايا ومواقع أخرى. صحيح أن جون كيري سعى لهذا الإنجاز بحدّ ذاته إلاّ أن ثمة دوافع أخرى أكثر أهمية بالنسبة إلى السياسة الأميركية، وهي الحيلولة دون اندلاع انتفاضة فلسطينية في الضفة الغربية، وإفساح المجال لتشديد الخناق على قطاع غزة تمهيداً لانتزاع سلاح المقاومة الذي أذّل عدوانيْن صهيونيين (حربا 2008/2009 و2012). وهذا ما تعبّر عنه الحملة ضدّ حماس والفلسطينيين جملة من قِبَل عدد من الصحف والأقنية الفضائية المصرية.
عندما تطلق مفاوضات سرية بين سلطة رام الله وحكومة نتنياهو يُراد منها أن تشيع أجواء من التفاؤل لدى بعض الأوساط، لا سيما داخل بعض الفصائل لتغطية أية معارضة أو تجمع ضدّ التحركات الشبابية التي تشكل إرهاصات لانتفاضة ستطيح حتماً بالاحتلال وتفرض تفكيك المستوطنات وإطلاق كل الأسرى واستنقاذ القدس. فالأجواء التي تشيعها عملية المفاوضات تغطي هجمات أجهزة الأمن المتكرّرة على التحركات الشبابية في الضفة الغربية، كما تتستر على الاعتقالات التي تمارسها قوات الاحتلال دون توقف تحت سمع سلطة رام الله وأجهزتها وبصرهما، لا أصمّهما ولا أعماهما الله.
إن احتمال اندلاع انتفاضة في الضفة الغربية شكل قلقاً مستمراً للإدارة الأميركية ولحكومة نتنياهو، لا سيما خلال السنة الأخيرة. وهذا القلق شاركهما فيه، بالضرورة، محمود عباس، ومن هنا سهل العودة إلى التفاوض، إضافة إلى ما تقدّم، بعد عسر دام عدّة سنوات. على أن السؤال يبقى هو مدى جديّة المفاوضات أو عبثيتها، أو ما هو الاحتمال الأغلب بالنسبة إلى نتائج هذه الجولة. والأهم في ظل ما تغيّر من موازين قوى عالمية وإقليمية وعربية في غير مصلحة أميركا والكيان الصهيوني.
الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من أن تقع، في البداية، أو لأول وهلة بتجربة المفاوضات العبثية السابقة التي دامت، بتقطع، من 1994 إلى 2010، وفشلت حتى في عهد محمود عباس مع كل ما قدّمه من تنازلات إضافية لا سيما في قمع كل مقاومة للاحتلال. وقد سرّب أنه وافق على أن يكون تبادل الأراضي يشمل ما ابتلعه الجدار وما يلحق به من أغوار ومن تنازلات تمسّ القدس والعودة (الحل العادل بقضية اللاجئين تعني التوطين والتعويض).
ولكن بالرغم من تجربة المفاوضات السابقة التي لا يجوز أن تسمّى عبثية لأنها تضمنت مزيداً من التنازلات وغطت الاستيطان وتهويد القدس وأسهمت بإجهاض زخم المقاومة والانتفاضتين، وبالرغم من أن الوصول إلى حل شامل غير ممكن لأنه سيكون تصفية فاضحة للقضية الفلسطينية، فإن المسعى عبر المفاوضات التي لا تستهدف من حيث إطلاقها إلى تحقيق حل شامل، سيحمل بطيّاته محاولة للوصول إلى اتفاق جزئي طويل الأمد. فيما يُرادُ منه تحقيق هدف الحيلولة دون اندلاع انتفاضة إلى جانب تغطية خنق قطاع غزة وضربه.
من هنا يجب أن تبقى الأعين مفتحة على ما سيجري من مفاوضات سريّة في واشنطن حدّد لها مدى تسعة أشهر. كل ما تقدّم يتطلب الإدانة الحازمة عالية الصوت لقرار محمود عباس العودة إلى المفاوضات، كما يتطلب تحركات شعبية ضدّها. ولكن يجب أن تعلو الإدانة وتشتدّ أكثر عندما يحصل هذا التوافق على إطلاق المفاوضات في وقت يجري فيه تفريغ النقب من سكانه العرب الأصليين ومصادرته كله عملياً، مما يشكل جريمة لا تقلّ خطورتها عما يجري من استيطان في الضفة الغربية وتهويد للقدس.
وهكذا بدلاً من أن يُغلق الباب في وجه نتنياهو وتآمر إدارة أوباما معه في عملية الإبادة التي يتعرض لها أهل النقب ومصادرة أراضيهم وتهجيرهم، وبدلاً من أن تنتفض الضفة الغربية نصرة لأهلنا في النقب ومناطق الـ48، تأتي المفاوضات لتغطي الجريمة، وبدلاً من أن يدعم قطاع غزة ليشتعل نصرة للنقب يصار إلى ردم الأنفاق وحصاره.
مفاوضات واشنطن
(فالح الطويل- الرأي الأردنية)
محقون الذين يشكون بقدرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية في واشنطن، الان، على اختراق حالة الجمود الراهنة، في العملية السلمية، نحو حل قريب مما استهدفته مبادرة السلام العربية، ولحالات سياسية ثلاث مستحكمة. أولا، أنها لم تعتمد أي مرجعية سياسية كان تناسيها وإغفالها سببا مباشرا في استمرار وتفاقم الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك على الرغم من كل التصريحات التفاوضية التي سمعناها الأسبوع الماضي؛ ثانيا، أنها تجيء في خضم وضع سياسي في المنطقة لا يمثل ضغطا على إسرائيل، بل مما تحسبه إسرائيل فرصة مواتية للفوز بكل ما اغتصبته من أرض وحقوق؛ ثالثا، لأن الأهداف الأمريكية من إجرائها في هذا الوقت بالذات، أهداف أمريكية داخلية صرفة.
فإسرائيل لا تعترف بأن الضفة الغربية والقدس الشرقية أرضا محتلة؛ بل ترى فيها، وفقا لاتفاقات أوسلو وتفسيرها للقرار/242، أرضا متنازعا عليها قابلة للتفاوض بشأنها؛ وأن الاستيطان حق للإسرائيليين أعلنوا أنهم لا يتنازلون عنه؛ وأن القدس عاصمة إسرائيل الموحدة؛ وأن على الفلسطينيين أن ينسوا حق اللاجئين في العودة وحتى في التعويض؛ وأن أي كيان فلسطيني قد ينتهي الاتفاق إليه، سيكون، في أفضل أحواله، أشبه ببانتونستان مما نعرفه كان قائما في جنوب إفريقيا العنصرية؛ وأن أي تفاهم مع الفلسطينيين، حول أية قضية، لا قيمة له إلا إذا جاء ضمن اتفاق عام مقبول لدى الطرفين لا يحسب نهائيا ما لم يقبله الشعب الإسرائيلي في استفتاء عام.
ثانيا، لا تساعد الفلسطينيين الظروف السياسية الراهنة، في المنطقة؛ بل إنها، في حالتها القائمة، تشجع إسرائيل على التعنت في مواقفها؛ فقد نجحت وأصدقاؤها في تدمير لعراق وسوريا، وإخراجهما من ساحة النزال؛ كما نجحت في إبعاد مصر عن الساحة لفترة طويلة، وعندما عادت مصر، بعد ثورة 30 حزيران، لدورها ومكانتها، أخذت تتعرض لما يشبه الحرب الأهلية التي تتمنى إسرائيل وأصدقاؤها أن تنتهي بتدميرها كما فعلوا مع سوريا. أما الأردن الصامد، على الرغم من كل محاولات النيل منه، فهم بصدد التعرض له، بأساليب وشعارات ومحاولات تمثل أفضل ما يمكن للمستوطنين أن يفعلوه. فاستقرار الأردن يمثل عقبة أمام استكمال إسرائيل لكل الشروط السياسية التي تمكنها من تحقيق كل أهدافها الاستراتيجية، في المنطقة.
ثالثا، يصرح المسؤولون الأمريكيون أن المحادثات لا تستهدف سوى التوصل إلى برنامج إجرائي يحدد مكان المفاوضات، وتوقيتاتها، وحدودها، وأن الفترة اللازمة لتحقيق ذلك ستكون تسعة أشهر تقريبا؛ وأن مهتهم ستكون تأمين استمرارها ونجاحها.
يرى المتشككون أن المفاوضات تستهدف، بالدرجة الأولى، (1)منع تحرك الفلسطينيين، في أيلول القادم، لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم دولة عضوا فيها؛ و(2) تعطيل ذهابهم، إن فشلوا، لمحكمة العدل الدولية لاستصدار حكم ضد احتلال إسرائيل أراضي دولة من دول الأمم المتحدة؛ ثم(3)إفشال تحركهم للانضمام لمنظمات دولية متخصصة، كما يتحدثون، في نيويورك. وهو تحرك كان سيلحق بإسرائيل، لو أتيحت له الفرصة ليبدأ، هزيمة سياسية وأخلاقية، وخاصة أنه يجيء بعد رفض الاتحاد الأوروبي التعامل مع المستوطنين ومستوطناتهم كجزء منها. وقد قبلت إسرائيل بالذهاب للمفاوضات لمنع ذلك، أولا. وهاهي المفاوضات تعقد، بكل نتائجها الخطيرة التي نعرفها، مسبقا، معرفة أكيدة، فهل سنتمكن من تلافي تلك النتائج؟
لماذا لا ..لاستئناف المفاوضات ؟!
(سلامة العكور-الرأي الاردنية)
استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية مسألة خلافية في الأوساط الفلسطينية .. فبعض الفصائل ولربما معظمها يرى أنها عدمية لا ولن تسفر عن شيء في صالح القضية الفلسطينية .. وهي عمليا كذلك .
ولهم في فشل المفاوضات السابقة التي استمرت عقودا وأجهضتها اسرائيل دليل دامغ على صحة رؤاهم .. لا سيما وان المفاوضات ستبحث في الحل النهائي شريطة عدم الإقتراب من القدس الشرقية وحق العودة والاستيطان ..ونتنياهو يرفض سلفا أي كلام عن دولة فلسطينية على أرض أل 4حزيران 1967 .. لكن السؤال الذي يفرض نفسه مباشرة وبدون مواربة على المعارضين لاستئناف المفاوضات هو : ما هو البديل وما العمل طالما أن الوضع العربي المتردي من سيء إلى أسوأ وميئوس منه وأن الإنقسام في الصف الفلسطيني يستعصي على الحل ؟!..وان اسرائيل تواصل زرع المستوطنات في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية بدون هوادة
وتواصل اعتداءاتها على الأقصى المبارك وعلى المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس وفي بيت لحم وفي الخليل وحيثما وجدت على أرض فلسطين وتعمل في سباق مع الزمن لتهويدها.. لقد طال انتظار الشعب الفلسطيني لبلوج الفجر الموعود وقياداته ترفض استئناف المفاوضات بانتظار انحسار الظروف القاسية ومعطيات الواقع المر والعنيد بامتلاكهم أوراقا تفاوضية قوية ورابحة تعزز موقفهم .. ويستطيعون انتزاع حقوقهم الوطنية من قبضة العدو الطامع في اراضيهم ومياههم وثرواتهم .. ولا يعودون لمد أيديهم للمساعدات المالية من واشنطن ومن عواصم العرب والغرب.
لقد استغلت اسرائيل إلى حد كبير وخطير الوقت الذي تتعرض فيه إلى ما يردعها ويتصدى لغلوائها بل والى عربدتها ووعيدها سواء من العرب اومن المقاومة الفلسطينية اومن المجتمع الدولي .. بل إن البعض نعى عملية السلام بعجرها وبجرها .. وبتراجع زخم النضال الوطني الفلسطيني بسبب الانقسام المشؤوم من جهة وبوقف المفاوضات من جهة اخرى وبتراجع القضية الفلسطينية عن كونها قضية العرب المركزية والقضية الاولى على سلم اولويات امريكا واللجنة الرباعية والمجتمع الدولي، عاشت اسرائيل أيام مجدها واستتباب أمنها ..بعض الفصائل التي كانت تسعى لتحرير ولو موضع خيمة على ارض فلسطين لشن اشكال النضال والكفاح والجهاد لتحرير فلسطين من النهر الى البحر أين هم اليوم ؟..ربما يسأل أحدهم : لماذا ظلت اسرائيل تطالب باستئناف المفاوضات وهي عمليا لا تريد السلام باستحقاقاته ؟..وهنا نقول ان ذلك من باب المناورة والديماغوجيا لتضليل الرأي العام الدولي وبصورة خاصة الرأي العام الغربي..والظهور بمظهرالدولة الحريصة على السلام وعلى أمن المنطقة واستقرارها ..وان الفلسطينيين هم الذين لا يريدون السلام ..وهم الذين يرفضون أو يجهضون مبادرات السلام .
البعض يقول ان اسرائيل تريد استئناف المفاوضات لشراء الوقت اللازم لاستكمال برنامجها الاستيطاني ..والبعض الآخر يقول ان اسرائيل لم تتوقف يوما عن بناء المستوطنات سواء بمفاوضات او بدونها .. فالوقت كله لها .. وإذا انتظرالمفاوض الفلسطيني « والكلام للبعض الآخر» حتى تتحقق وحدة الصف الفلسطيني ووحدة الموقف العربي كي يستأنف المفاوضات، فإن اسرائيل ستكون قد ابتلعت جميع الاراضي المحتلة وزرعتها بالمستوطنات وضمتها وهودتها ..ولن يجد المفاوض الفلسطيني ما يفاوض عليه .. فليكف العدميون عن مزايداتهم ..فإذا تحقق مكسب للقضية العادلة في المفاوضات فهو أمر حسن ..وبعكس ذلك فليس في الامر جديد ..وباختصار شديد إن استئناف المفاوضات جاء بإملاءات الذي يقدم الدعم والمساعدات للفلسطينيين ..والمخفي أعظم .
المفاوضات .. الرابحون والخاسـرون
(رشيد حسن –الدستور الاردنية)
بداية وقبل ان ندخل في التفاصيل، نجزم ان الخاسر الوحيد من المفاوضات، هو الشعب الفلسطيني ... والرابحون كثر، وفي مقدمتهم العدو الصهيوني واميركا، ومن لف لفهم.
وفي التفاصيل .. فقد التأمت هذه المفاوضات وفقا للشروط والاشتراطات الصهيونية.. فلم يتوقف الاستيطان، رغم كل ما قيل من تعهدات اميركية شفوية، وفي هذا الصدد نشير الى ما نشرته معاريف الاسرائيلية في عددها الصادر الاربعاء الماضي: “ تم توفيع اتفاق سري بين رئيس الحكومة نتنياهو، ووزير اسكانه اوري ارئييل من حزب البيت اليهودي اليميني ، يقضي ببناء الاف البؤر الاستيطانية، مقابل بقاء الحزب في الائتلاف، بعد قرار اطلاق سراح 104 اسرى فلسطينين “ وتضيف الصحيفة “ ان المفاوضات بين نتنياهو وارئييل جرت بمراسلة خطية مباشرة ، كي لا يتم تسريب المعلومات للاعلام، وخوفا من احراج نتنياهو امام لادارة الاميركية والفلسطينين بعد استئناف المفاوضات في واشنطن، وبحسب هذه التفاهمات سيجري خلال الفترة المقبلة المصادقة على بناء الف وحدة سكنية جديدة، وبعد عدة أشهر سيجري بناء ما بين 3500 الى 4500 بؤرة استيطانية جديدة أيضا”.
وفي السياق ذاته كشف الباحث المتخصص قي شؤون الاستيطان بالقدس المحتلة، أحمد صب لبن، عن مخطط لاعضاء في الحكومة الاسرائيلية، لبناء حي استيطاني جديد بالقدس القديمة قرب باب الساهرة، يتكون من اربع بنايات . “الدستور”: الاول من الشهر الحالي. وجاءت تصريحات نائب وزير الخارجية “ ان اقامة دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران ، يعتبر انتحارا لدولة اسرائيل” ليؤكد ان العدو لم يوافق على وقف الاستيطان وعلى اقامة دولة فلسطينية بحدود الرابع من حزيران، وهذا يعني بصريح العبارة بان ما اشيع من تعهدات اميركية شفوية ، ليست الا كلاما انشائيا غامضا ، لا يشكل الزاما لواشنطن ولا للعدو ، وانما هو مجرد مجرد بوابة لدخول الفلسطينين ااى بوابة المفاوضات .
ومن ناحية أخرى فان استئناف المفاوضات من شأنه ان يربك نهج المقاطعة الدولية للعدو، والتي بلغت أشدها بقرار الاتحاد الاوروبي مقاطعة منتوجات المستعمرات الاسرائيلية المقامة في الضفة الغربية المحتلة.
واشنطن هي أيضا من أكبر المستفيدين، فهي تعطي حليفها العدو الصهيوني فرصة جدية لاستكمال تنفيذ خططه ومخططاته التوسعية وخاصة تهويد القدس ، ما يشكل “عربون” ثقة جديدا لنتنياهو، وتشعره بذلك انها حريصة على مصالح اسرائيل، في الوقت الذي ترسل فيه رسالة لحلفائها من الدول العربية، بانها لم تهمل ملف الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني ، وها هي تعيد الحياة الى العملية السلمية، وتخرجها من غرفة الانعاش، كما تعود لتشدد قبضتها على الملف بكامله، وابقائه تحت السيطرة، ريثما تنجز القضايا الاهم في المنطقة.
القيادة الفلسطينية –مع الاسف- لم تستفد من التجارب المريرة السابقة، والتي كانت بمثابة الكارثة على القضية وعلى الشعب، فلقد استغل العدو المفاوضات السابقة للاستيلاء على أكثر من 86% من اراضي القدس المحتلة، وعلى أكثر من 60% من اراضي الضفة الغربية، واصبح عدد المستوطنين حوالي 600 الف مستوطن ارهابي.. يعيثون في الارض المحتلة خرابا وتدميرا.
ومن هنا بدلا من التمسك بشروطها التي اصرت عليها لثلاث سنوات، انهارت امام الصغوط الاميركية، وسلمت “الرسن” لوزير خارجية واشنطن.
لقد استغلت واشنطن والعدو الصهيوني المستجدات الخطيرة، التي تعصف بالمنظقة وتنشر الفوضى في اكثر من دولة، وحالة الانقسام الخطيرة في المجتمع الفلسطيني، فجرت القيادة الى مربع التفاوض ، وهي في أضعف حالاتها، وأسوأ اوضاعها، وقد فقدت الظهر والسند، والأرض الصلبة التي تمشي عليها.
ان التجربة المريرة التي خاضتها القيادة، وقد ثبت كارثة خيار “ لا بديل عن المفاوضات الا المفاوضات” تفرض عليها الا تذهب الى المفاوضات الا وقد تسلحت بالانتفاضة الثالثة، لتعديل موازين القوى، ولتثبت لواشنطن وللعدو ، انها لن تستطيع تجاوز اهداف الانتفاضة، في الانسحاب الكامل للعدو من الارض المحتلة، واقامة الدولة المستقلة على كامل هذه الارض، وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين بموجب القرار الاممي 194.
باختصار... ندعو القيادة الفلسطينية ان تعود الى الشعب الفلسطيني، تقرأ الاستطلاعات، وتسمع ما يقوله سرا وعلانية، فهو صاحب القضية .. وهو البوصلة التي لا تخطئ. وندعو الوفد المفاوض ان يكف عن احتضان وتقبيل ليفني “كما نقل مراسل “البي. بي. سي” ولا ينسوا انهم يفاوضون قتلة.. ايديهم ملطخة بدماء ابناء شعبهم .
لماذا يتفاوضون ما داموا سيختلفون؟
(عصام نعمان-الخليج الإماراتية)
منذ اتفاق أوسلو العام 1993 والفلسطينيون يتفاوضون مع “الإسرائيليين” دونما جدوى . ليس كل الفلسطينيين وافقوا على المفاوضات أو اشتركوا فيها، وليس كل “الإسرائيليين” . مع ذلك ما انفك الطرفان يحرصان على المفاوضات رغم كل المواقف المعلنة التي توحي باستحالة جدواها . آخر التمارين اللافتة في هذا المجال الجولةُ الأخيرة التي عقدت في واشنطن تحت إشراف وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري وبرعاية رئيسها باراك أوباما .
لماذا العودة إلى الدوامة نفسها ما دام الطرفان واثقين بأنهما سيختلفان بعد يوم أو شهر أو سنة؟
ثمة أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة .
في خانة الأسباب “الإسرائيلية” المباشرة، يمكن إدراج وثيقة خاصة وزّعها “مكتب الإعلام الوطني” التابع لرئيس حكومة “إسرائيل” بنيامين نتنياهو على وزرائه تشرح أسباب العودة إلى المفاوضات .
للعودة ثلاثة أهداف: استنفاد فرص التوصل إلى حل سلمي، الحؤول دون حدوث تطورات سلبية ضد “إسرائيل” داخل الهيئات الدولية، و”الاستعداد للتحديات التي حولنا” .
الوثيقة ركّزت على التأكيد بأن المفاوضات جاءت استجابة لمطالب نتنياهو من دون الرضوخ لأي شروط مسبقة، “ومن دون إعلان “إسرائيل” أن المفاوضات ستجري على أساس خطوط ،1967 ومن دون تجميد البناء في الضفة الغربية ومن دون إطلاق الأسرى قبل بدء المفاوضات” .
تبدو الأسباب المباشرة، في نظر نتنياهو، كافية لإقناع معظم قطاعات المجتمع السياسي “الإسرائيلي” بضرورة استئناف المفاوضات . لكن، هل هي كل شيء؟
ثمة سبب غير مباشر، معروف إنما غير معلن بصورة رسمية، مفاده أن لدى القيادة “الإسرائيلية” العليا دراسة استراتيجية موثقة، مدعومة بدراسة أخرى أمريكية، تؤكدان أن عدم التوصل إلى “حل الدولتين” سيفضي عاجلاً أو آجلاً إلى دولة واحدة ثنائية القومية، ستؤول تركيبتها بالضرورة إلى طغيان العرب الفلسطينيين ديموغرافياً (عددياً) على اليهود ما يؤدي تالياً إلى ضياع “يهودية” الدولة وخسران الصهاينة السيطرة السياسية على كيانها ومؤسساتها .
في خانة الأسباب الفلسطينية “الرسمية” المباشرة نقع على “عقلية واقعية” تبدو مستعدة دائماً لتقديم عشرات الأسباب والحيثيات . أصحاب هذه العقلية يقولون: لنكن واقعيين . الاستيطان متواصل بمفاوضات ومن دون مفاوضات . كذلك اعتقال آلاف الفلسطينيين . فلماذا لا نعود إلى المفاوضات لإبقاء القضية حيّة ولإشعار المجتمع الدولي بضرورة الاهتمام بأوضاع الفلسطينيين المأساوية وبالتالي تقديم الدعم المادي والعون الإنساني وإطلاق الأسرى والضغط على “إسرائيل” إذا ما ثابرت على التصلّب والرفض؟
يشفع مؤيدو “خيار” المفاوضات تبريراتهم باعتزامهم اعتماد إجراءات يقولون إن من شأنها ليّ ذراع “إسرائيل” إذا ما امتنعت عن تقديم تنازلات محسوبة . أبرز الإجراءات : استكمال التوجّه إلى الأمم المتحدة للحصول على صفة الدولة كاملة العضوية، وتفعيل الاستفادة من الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية في لاهاي بخصوص عدم شرعية جدار الفصل العنصري، والعودة إلى تنفيذ مضمون تقرير “غولدستون” بخصوص جرائم الحرب التي ارتكبتها “إسرائيل” في حربها على قطاع غزة، وتفعيل ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية وما يمكن أن ينجم عنه من انعكاسات إيجابية على المقاومة الشعبية الفلسطينية .
ترى، ألم يكن حرياً بالسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير أن تقوما بكل الإجراءات المار ذكرها قبل العودة إلى اعتماد “خيار” المفاوضات؟
لعل الجواب عن هذا السؤال يكمن في الأسباب غير المباشرة التي دفعت بالسلطة الفلسطينية، مرة أخرى، إلى حلبة المفاوضات . ذلك أن اتفاق أوسلو وتوابعه أدى إلى قيام نظام سياسي في الضفة الغربية ينطوي على مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية واسعة، إضافة إلى شبكة من العلاقات الأمنية والاقتصادية تستفيد منها قوى وشرائح داخل السلطة الفلسطينية وعلى هامشها ما أدى ويؤدي إلى نشوء مصالح ضالعة يهمها استمرار الوضع الراهن وحمايته بمفاوضات تجري مع “إسرائيل” برعاية المجتمع الدولي وبقيادة الولايات المتحدة .
المفاوضات بدأت فعلاً بجلسة تمهيدية في واشنطن مخصصة للبحث في جدول أعمال الجلسات اللاحقة التي ستعقد في “إسرائيل” أو في الضفة وربما في عمان ايضاً . وقد رَشَحَ من أوساط الوفدين الفلسطيني “الإسرائيلي” أن البحث سيتركز أكثر ما يكون على مسألتي الحدود والأمن . إنهما، في الواقع، قضية واحدة محورها الأرض: ماذا سيبقى للفلسطينيين من أرض خارج إطار الاستيطان الصهيوني المتمادي، وكيف ستحمي “إسرائيل” “حصتها” المعترف بها من الأرض؟
أوباما، كما كيري، أقرّا بأن المفاوضات ستكون شاقة وطويلة . هما كرّسا لها، بدايةً، تسعة أشهر . خلالها يحظّر على الطرفين أن يسرّبا شيئاً عن تطوراتها . إنها مفاوضات سرية بمعزل عن الإعلام الذي يمكن أن “يخرّبها” . كيري سيتابعها شخصياً وإن كان مبعوثه مارتن أنديك سيتولى إدارتها . كما وعد كيري بأن يشير بأصبع الاتهام إلى الطرف الذي يتسبب في تعطيلها . هذا الوعد فسّره الفلسطينيون بأنه تهديد موجّه اليهم بالدرجة الأولى، لأنه لم يسبق للولايات المتحدة خلال 65 سنة مضت على زرع “إسرائيل” بين ظهراني العرب أن وجّهت إليها لوماً!
الفلسطينيون المعارضون للمفاوضات وغير المشاركين فيها كالوا للسلطة الفلسطينية اتهامات شتى . أبرز هؤلاء حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” . “حماس” دانت تصرف السلطة واعتبرته طعنة لوثيقة المصالحة الوطنية . أما “الجهاد الإسلامي” فقد دان أمينها العام رمضان عبدالله شلّح العودة إلى مفاوضاتٍ لم ولن تكون ذات جدوى، واصفاً إياها بأنها “ليست مفاوضات بل مقايضات”.
هل أصبح قبول المفاوضات أو رفضها هو قضية الفلسطينيين المركزية؟
“دبلوماسية الرشى”
(عوني صادق-الخليج الإماراتية)
استؤنفت في واشنطن، الأسبوع الماضي، المفاوضات بين وفد السلطة الفلسطينية برئاسة “كبير المفاوضين” صائب عريقات، والوفد “الإسرائيلي” برئاسة وزيرة العدل “الإسرائيلية”، تسيبي ليفني . وهذا المقال ليس مخصصاً لمناقشة ما يمكن أن تسفر عنه هذه “الجولة الجديدة” من المفاوضات التي يفترض أن تستمر تسعة أشهر، لأنها من المؤكد لن تختلف عن “الجولات” السابقة التي استمرت عشرين سنة من “المفاوضات العبثية” بالنسبة للفلسطينيين، وفي خدمة البرنامج “الإسرائيلي” للاستيلاء على فلسطين كلها، عبر عمليات التهويد والاستيطان التي لا تتوقف . إن الغرض من هذا المقال هو إلقاء قليل من الضوء على تعامل الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” مع السلطة الفلسطينية، من خلال ما يمكن أن نطلق عليه “دبلوماسية الرشى” وتحويل هذه الدبلوماسية إلى سياسة معتمدة في أكبر قضية سرقة في التاريخ .
قبل أن تتوقف المفاوضات الفلسطينية - “الإسرائيلية” في شهر اكتوبر/ تشرين الأول من العام ،2010 تمت آخر جولة مكوكية قام بها المبعوث الأمريكي ل (السلام في الشرق الأوسط) حينذاك، جورج ميتشيل، في شهر نيسان من العام نفسه . يومها وصفت المقترحات التي حملها ميتشيل إلى السلطة الفلسطينية بأنها “ليست إلا مقترحات صهيونية قدمها له نتنياهو، تشكل في جوهرها خطوة التفافية، تعيد إنتاج القديم للتهرب من وقف عمليات التهويد والاستيطان” . لقد فشلت جولة ميتشيل مع كل خبرته وسجله، بل لأن أهم ما تضمنته المقترحات كان يدور حول “دولة فلسطينية في حدود مؤقتة”، حيث كان الرئيس محمود عباس قد “تورط” برفضه هذا الاقتراح . بعدها بأسابيع قدم ميتشيل استقالته، وأيضا بعد ذلك بأسابيع توقفت المفاوضات، لتنتظر جولات وزير الخارجية جون كيري المكوكية الستة ويلتقي الوفدان على طاولة في واشنطن .
كانت مقترحات ميتشيل في ذلك الوقت تستند إلى “رزمة” من “الرشى” المقدمة من الجانب “الإسرائيلي”، وضعت تحت عنوان “مبادرات حسن النية”، وتضمنت إطلاق سراح بعض المعتقلين، وإزالة بعض الحواجز العسكرية، وتسليم السلطة الفلسطينية المسؤولية الأمنية عن مناطق معينة في الضفة الغربية . ولأن السياسة الأمريكية ليس لديها إلا “الرشى”، أو اللجوء إلى القوة أو التهديد بها، لم يكن في مقترحات وزير الخارجية جون كيري غيرها، ولم تختلف كثيراً عن مقترحات جورج ميتشيل، وكانت هذه المرة، كما نشرتها الصحف العبرية:
- إطلاق سراح معتقلين ممن كانوا قبل (اتفاق أوسلو) .
- تجميد مؤقت ومحدود وغير معلن للاستيطان خارج الكتل الاستيطانية الكبرى .
- إقامة مناطق صناعية فلسطينية، وفلسطينية - “إسرائيلية” - أردنية في منطقتي طولكرم وأريحا لتشغيل العمال الفلسطينيين .
- السماح بإدخال ذخيرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية وإقامة بنى تحتية وأدوات لتفريق المتظاهرين .
- شق طريق جديد حول محافظة رام الله .
- منح تراخيص للبناء وعدم هدم البناء غير المرخص في قرى تقع في منطقة (ج) .
- بناء مطار في رام الله .
مع ملاحظة أن كل ذلك، على تفاهته، ليس إلا وعوداً قد لا تجد طريقها إلى التنفيذ، ولن تعدم سلطات الاحتلال الأسباب للتنصل منها . وللتدليل على صدق هذا الزعم بالرغم من أنه لا حاجة للتدليل عليه، لننظر إلى بند إطلاق سراح المعتقلين . لقد كان يفترض أن يتم إطلاق سراح المعتقلين المزمع إطلاق سراحهم قبل أن تستأنف المفاوضات، لكن “الاتفاق” الذي توصل إليه كيري وقبلته الحكومة “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية، ينص على أن يتم ذلك على أربع دفعات “بالتوازي مع سير المفاوضات” . أي أنه في أية لحظة تتعثر فيها المفاوضات أو تعلق، يتوقف إطلاق سراح من لم يصلهم الدور . أما البنود الأخرى فأكثرها أصعب تنفيذاً .
وليست الولايات المتحدة وحدها، وليست هي و”إسرائيل” وحدهما، من يعتمد “دبلوماسية الرشى” هذه مع السلطة الفلسطينية، بل إن الاتحاد الأوروبي وكل “الدول المانحة” تعتمدها في تعاملها، ولنفس الأهداف التي تتلخص في فرض الاستسلام للمطالب “الإسرائيلية” كلها، وليس فقط العودة إلى طاولة المفاوضا
ت . ومما لا شك فيه أننا سنكون أغبياء، أو أننا سنتغابى، إن نحن استغربنا هذه السياسة من جانب أمريكا والغرب، أو إن استغربنا الاستجابة والخضوع لهذه السياسة اللتين تبديهما السلطة الفلسطينية .
لماذا؟
لأن هذه السلطة ليست في نهاية المطاف وآخر التحليل سوى الثمرة المرة ل (اتفاق أوسلو)، وهذا الاتفاق ليس سوى مشروع أمريكي - “إسرائيلي” لخدمة المخططات الصهيونية في فلسطين . وكما ترى هذه السلطة ليس لديها أية خيارات غير خيار “المفاوضات”، كما يعلن ذلك رئيس السلطة . والسلطة تعلم جيداً أن وجودها مرهون ببقاء “المفاوضات”، وتعلم جيداً أن هذه “المفاوضات” هي مفاوضات من جانب واحد، وأن “إسرائيل تفاوض إسرائيل” .
وتعلم جيداً، مرة ثالثة، أن هذه “المفاوضات” ليست فقط “عبثية”، بل غطاء للسياسة “الإسرائيلية” في التهويد والاستيطان .
إن “دبلوماسية الرشى” التي اعتمدتها وتعتمدها الولايات المتحدة تؤكد للمرة المليون أنها ليست، ولم تكن يوماً، “وسيطاً” نزيها أو غير نزيه، بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”، بل كانت دائماً وهي اليوم، حليفاً وشريكاً ل “الإسرائيليين” ضد الفلسطينيين وحقوقهم الوطنية . وفي اللحظة التي قبل فيها بعض الفلسطينيين في ثمانينات القرن الماضي “الوساطة” الأمريكية، قبلوا فيها التنازل عن حقوقهم الوطنية . وما “الرشى” التي قدمتها، ومعها الغرب، سوى “دفعات” من ثمن وطن يسرق باسم “المفاوضات” . وستظل تدفع حتى تتم “الصفقة” وتكتمل تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني .
كل الرهانات تسقط وتبقى دولة فلسطين
(طارق مصاروة-الرأي الأردنية)
لم تعد الدعوة إلى رفض استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، مكسباً دعائياً للفرق والمنظمات الفلسطينية .. ولا بدائل للعمل السياسي والدبلوماسي!! وحتى لا يبقى الكلام بين متفائل ومتشائم.. أو كما يقال المتشائل، نحب في هذه الفترة البالغة الدقة أن نبقى نسترشد ببعض الأنباء التي لا يمكن ان نسميها بالمثيرة، لكنها أنباء لها دلالات كبيرة. مثلاً:
- مثلاً اقتراح شيخ كاليفورنيا في الكونغرس فاين شتاين – ديمقراطي يهودي – باصدار قرار من المجلس يدعم الوزير كيري في سعيه من اجل انجاح عملية السلام، واقامة دولتين: إسرائيلية وفلسطينية. ونجح الاقتراح وصيغته تشير دون كلام كثير، إلى الاعتراف بدولة فلسطينية تلتقي مع تطلعات الشعب الفلسطيني المشروعة. ودولة يهودية ديمقراطية في حدود آمنة ومُعترف بها.
ومرَّ الاقتراح دون أي حماس من الحزب الجمهوري!
- لقد حدد السفير الأميركي في تل أبيب شابيرا – وهو يهودي – قضايا التفاوض بأربع: الحدود، والأمن، واللاجئين والقدس. وهذه هي المرة الأولى التي ترد فيها القدس في قائمة التفاوض من أي جانب إسرائيلي أو أميركي!
- هل كل شيء يجري لمصلحة الفلسطينيين؟!.
- .. كلا فهناك شروط أميركية وليست إسرائيلية، لكنها من الداخل شروط إسرائيلية:
- الشرط الأول: تجميد طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة في هذه الدورة من الجمعية العمومية على الأقل.
- الشرط الثاني: عدم إثارة الدولة الفلسطينية لأية قضايا أمام المحكمة الجنائية الدولية طالما أن المفاوضات مستمرة.
المدة المحددة لكل ذلك هي تسعة شهور لا أكثر!
كنا قلنا إن لا حلَّ أمام التطرف الصهيوني في التعامل مع قضية الاحتلال إلا بالاحتمالين:
- تمييع مشروع الدولة الفلسطينية بتوسيع حدوده، سواء بالعودة إلى «البديل الأردني» أي دمج الضفة الغربية، أو بالمشروع القديم، توسيع قطاع غزة بضم شمال سيناء إليه، ودمجه بمصر. وهذا التمييع راهنت واشنطن عليه بانجاح سيطرة الاخوان المسلمين.. وقد سمعنا هنا في جبل الحسين شعار النظام الجمهوري ووحدة الضفتين، وشهدنا أيام مرسي انفلات الحدود بأكثر من مائة وعشرين نفقا تمرّ السيارات من بعضها.. وتشجيع الجماعات المسلحة التي يختلط فيها الاخواني والحماسي والجهادي والقاعدي لكنها كلها تلتقي بهدف واحد.
- أو القبول بالدولة الفلسطينية المدنية الديمقراطية التي تعيش بأمن وسلام مع جيرانها.
لا رهان على الهرب من مواجهة الحقيقة الكبيرة: دولة فلسطين!.
الاحتلال وسلفيت الوادعة
(أمجد عرار-الخليج الإماراتية)
الفلسطينيون، بحكم التجربة والمعاناة، وجدوا أنفسهم يضعون على قائمة الجرائم ما ليس لشعوب أخرى حاجة بها، وهي جريمة التعامل مع الاحتلال، والتعامل بمعنى الخيانة، خيانة الشعب والوطن والأمة والإنسانية . الاحتلال حين يبدأ استدراج شخص لهذا المستنقع، يقول له: “هذه ليست عمالة . . إنما علاقة بين طرفين، تساعدنا ونساعدك”، ثم ينتهي الأمر به إلى أن يتحوّل إلى أداة طيّعة، ممسحة لا حول لها ولا قوة ولا قدرة على رد أوامر مشغّليه .
قبل بضعة أيام أفاق أهالي مدينة سلفيت الفلسطينية العريقة، على خبر مفجع هزّ كبيرها وصغيرها، وبعد دقائق انتشرت موجاته لتعم فلسطين كلّها . أم شابة لم تتجاوز السابعة والعشرين من عمرها، وطفلاها بعمر الرابعة والخامسة، وجدوا جثثاً هامدة في منزلهم . الخبر قال إن الأم وطفليها لقوا حتفهم إثر تسرّب غاز، لكن ما هي إلا ساعات حتى تبيّن أن الحادث جريمة قتل، والغاز للتمويه .
لم يكن وقع الخبر عادياً في بلدة ريفية وادعة تميّزت عبر التاريخ بالثقافة والمبادرات الإبداعية والتعاون بين أبنائها، هذا التعاون الذي أثمر تطويراً لمدينتهم جعلها مركزية في منطقتها، وهي من أقدم مناطق فلسطين في تعاطي السياسة، وكانت منذ بدايات العمل النضالي المرتبط بالاستعمار وبعده الاحتلال، مقراً لقيادات الحركة الوطنية، وهي من المناطق النادرة التي لم تضربها الفتن العشائرية والحزبية .
بيئة تحمل هذه المواصفات وأكثر منها، لا يمكن أن يتركها الاحتلال بلا عبث أو محاولات تخريب، وقد فشل دائماً في تحويل حوادث فردية إلى اقتتال داخلي، حيث ينجح أبناؤها في محاصرة الحدث ووضعه في نصابه وإنهاء الفتنة في مهدها . لكن الاحتلال لا يكف عن محاولاته جر ضعاف النفوس إلى مستنقعه ليضرب من خلالهم استقرار الشعب الفلسطيني ويدق الأسافين في مبنى وحدته الوطنية . ولأنه ما من شعب يخلو من ضعاف نفوس ومنحرفين، فإن الاحتلال يجد قلة من هؤلاء لتحقيق أهدافه الفتنوية من خلالهم .
هذا الوحش الآدمي في سلفيت كان واحداً ممن نجح الاحتلال في إلباسهم ثوب الخيانة والعار، وإذ قبل على نفسه أرذل الصفات، لم يجد وازعاً من ضمير مباع أو شرف مفقود، يمنعه من قتل زوجة أخيه وطفليها، وهو يحاول سرقة بعض المال من منزلهم .
هؤلاء تدرّبهم مخابرات الاحتلال على كيفية إتقان المهمّة القذرة، ومن ذلك التظاهر بالوطنية والتديّن والإنسانية وحقوق الإنسان وكل الشعارات البراقة التي تخفي تحتها أقبح الصفات . لذلك تجد هذا العميل قد لقّب نفسه “أبو الطيّب”، للإيحاء بالطيبة ولاستعارة فروسية المتنبي . وعلى صفحته في “الفيس بوك” تقرأ أشياء كثيرة، معظمها آيات قرآنية وأحاديث شريفة، ومواعظ وحكم وأدعية، يمكنك أن تقرأ منها “اللهم إنك تعلم سري وعلانيتي فاقبل معذرتي . . وتعلم حاجتي فاعطني سؤالي . . وتعلم ما في نفسي، فاغفر لي ذنوبي” . ها نحن نكتب عن جريمة مر عليها بضعة أيام، لكن عائلة العميل المجرم، لم تنتظر ساعات، إذ سارعت للتبرؤ منه في بيان على الملأ، وطالبت بإنزال أغلظ العقوبات به وهدر دمه حيث إنه خان وطنه ودينه وباع نفسه للاحتلال والشيطان . ولا شك أن من يبيع النفس لأي أحد يطوّعها للبيع لكل من يدفع .
تدخَّل حَمَد فأعاد "الجزيرة" إلى "إخوانيتها"؟
(سركيس نعوم-النهار اللبنانية)
"صحيح تعرضت غزة لضائقة مالية وإقتصادية، بعدما أوقفت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مدَّ "حركة حماس" التي تحكمها منذ سنوات لها بالأموال الطائلة جراء وقوفها إلى جانب الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الاسد"، يقول المرجع "الإسلامي" اللبناني المزمن. ويضيف: "السلطة الوطنية الفلسطينية كانت تدفع رواتب للموظفين في غزة، وتحديداً للذين منهم منقطعون عن العمل سواء بسبب ولائهم للسلطة أو "حركة فتح" أو منظمة التحرير. في عز الضائقة المذكورة اقترح محمود الزهّار أحد القادة البارزين في "حماس" الإتصال بإيران بغية حلِّها.
طبعاً تدارست القيادة الحمساوية هذا الموضوع ولم تُبدِ ممانعة لتوجه الزهار إلى طهران. لكنها لم تتخذ قراراً رسمياً بذلك. فأتى إلى بيروت وسافر منها الى العاصمة الإيرانية، وعاد بالطريقة نفسها حاملاً عشرين مليون دولار أميركي. طبعاً "حماس" لم تقطع علاقتها بإيران. لكن برودة قوية سيطرت عليها جراء اختلاف موقف كل منهما من الذي تشهده سوريا منذ آذار 2011، فضلاً عن ان مستوياتها صارت في الحدود الدنيا. الزهّار شخصية قاسية عرفتُه في "مرج الزهور" في لبنان في أثناء إبعاد إسرائيل لمجموعة من القيادات الفلسطينية "الراديكالية" في رأيها. وهو ليس عضواً الآن في قيادة "حماس" التي انتُخِبت أخيراً، بخلاف هنية الذي يعتبره الكثيرون معقولاً، والذي حصل وبالانتخاب على موقع نائب الأمين العام إضافة إلى ترؤسه حكومة غزة".
قُلت لي سابقاً عندما كنا نتكلَّم عن الأردن أن المقابل الذي حصلت عليه السلطة فيه اي النظام لقاء تسهيل قيام السعودية من اراضيه بعملها مع الثوار السوريين، قُلتَ أن المقابل هو سكوت الإسلاميين من أبنائه (الأردنيين والفلسطينيين) على النظام والتخلي عن معارضتهم الشارعية له أو التخفيف منها. لكن لا أحد في العالم العربي وربما خارجه يجهل أن غالبية هؤلاء الإسلاميين تنتمي إلى "الإخوان المسلمين". فكيف يتعاونون مع السعودية التي تحاربُهم وترفضهم سواء في دول الخليج العربية أو في مصر أو في سوريا أو في غيرها؟
أجاب المرجع "الإسلامي" اللبناني المزمن نفسه: "لا تنسَ أن جمعيات إسلامية سلفية في الأردن مشت مع النظام الحاكم فيه وأيدته. أما جماعة "الإخوان" فهي قسمان واحد فلسطيني وآخر أردني. هناك "إخوان" أردنيون تطغى عليهم صفة "الحمائم". أما فلسطينيو "الإخوان" فهم "صقور" في غالبيتهم الساحقة. علماً ان الإسلاميين الأردنيين عموماً وعلى تنوعهم لم يطالبوا بإسقاط النظام الملكي. اكتفوا بالمطالبة بضرب الفساد ومحاسبة الفاسدين والمُفسدين. كما رفعوا مطالب ملحة لهم بل لشعب الأردن كله تتعلق بقضايا حياتية واقتصادية ومعيشية".
ماذا عن دولة قطر والذي جرى فيها من تغيير على رأس الدولة بتنازل الامير حمد بن خليفة آل ثاني عن إمارة الدولة لولي عهده تميم؟ لقد صوَّر الكثيرون في المنطقة والعالم الإنتقال السلمي و"الطوعي" عملاً مدبَّراً ضد "جماعة الإخوان المسلمين" التي ثَبُت وبالملموس في السنوات الاخيرة انها تتمتع برعاية قطر وحمايتها ودعمها المادي حيث يجب، والتسليحي حيث يجب، والسياسي في المحافل الأقليمية والدولية. فهل هذا التصوير صحيح؟ أجاب المرجع "الإسلامي" اللبناني المزمن نفسه: "التنازل عن الحكم الذي شهدته قطر مؤخراً كان يُحضَّر له منذ أكثر من سنة، وأسبابه صحية في معظمها. ونحن نعرف أن ولي العهد تميم الذي صار أميراً من أنصار قيام المملكة العربية السعودية بدور أساسي خارج حدودها وخصوصاً بعد "اندلاع" "الربيع العربي". ونعرف أن قطر في عهده مع دور جزئي لها في كل المشار إليه. إنها إمارة صغيرة نجحت في ممارسة دور اقليمي وربما دولي مهم. الآن ستتخلى عن ذلك جزئياً للسعودية. علماً أن تميم يتحدث ايضاً مع أقرانه من المسؤولين (الأمراء الشباب) في السعودية من الند إلى الند بسبب تقارب الأعمار.
أما مع الملك عبدالله بن عبد العزيز فإنه يقبِّل يده كما يفعل الأمراء السعوديون، ويبدي له الكثير من الاحترام والإجلال. وأما قصة الإنقلاب القطري الكامل على "الإخوان" فليست صحيحة "يضيف المرجع نفسه. ويتابع "صحيح ان الامير تميم بدأ تغييراً جزئياً لنشاطهم في بداية تسلمه السلطة وانعكس ذلك على فضائية "الجزيرة" القطرية. لكن والده الأمير حمد تدخّل وطلب عودة "الجزيرة" إلى سياستها "الإخوانية" السابقة وخصوصاً في مصر. وتم ذلك سريعاً".
ما هي قصة الشيخ "الإخواني" يوسف القرضاوي وما هي حقيقة وضعه في قطر الجديدة؟
إسرائيل وأزمة مصر
(حلمي الأسمر-الدستور الأردنية)
منذ اليوم الأول لانقلاب السيسي على مرسي، ابتهجت نخب إسرائيل، وراح سياسيوها يبذلون كل جهد ممكن لتثبيت الوضع الجديد، وهذا كان متوقعا، لأنهم لم يستطيعوا أن يتعايشوا مع حكم يستند إلى فكر إسلامي، سفير إسرائيل في مصر قال إن السفارة أغلقت منذ هاجمتها الجماهير الغاضبة، ولا يجدون مكانا يستأجرونه ويعمل فريق صغير جدا من منزل السفير.. كما ان مرسي لم يكن يرد على مكالمات نتنياهو، ولم يحدث أي اتصال رسمي مباشر بين مرسي وقادة اسرائيل طيلة سنة كاملة من حكمه.
السؤال الذي سيطر على النخب الصهيونية، كان: كيف بالإمكان توفير الدعم اللازم لتعزيز شرعية الانقلابيين في مصر..؟
أحد الذين أبدوا اهتماماً فائقاً في تقديم النصح لصناع القرار في تل أبيب في هذا الشأن، كان ألون ليفين، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية الأسبق، رئيس تحرير مجلة « سيكور مموكاد « البحثية. حسبما رصد الدكتور صالح النعامي، ففي العدد الأخير من المجلة، نشر ليفين ثلاث دراسات تناولت جميعها الطرائق الواجب على إسرائيل اتباعها لتوفير الدعم للانقلابيين، إلى جانب رصد طرائق توظيف الانقلاب على مرسي لصالح إسرائيل. وعلى رأس « العوائد الإيجابية « التي يرى ليفين إن إسرائيل ستحققها من الانقلاب هو تعاظم التعاون الإستراتيجي بين مصر وإسرائيل، إلى جانب عودة معسكر الاعتدال في العالم العربي بقوة بشكل يسمح لإسرائيل بهامش مناورة كبير لتحقيق مصالحها!
في هذا السياق، يرصد الدكتور النعامي، من خلال متابعته الحثيثة لما يجري في إعلام العدو، جملة من التصريحات والمواقف، التي تظهر على نحو لا يقبل الشك، تبني إسرائيل الكامل للسيسي وبرنامجه الانقلابي، المستشرق الصهيوني آفي ميدا يقول: جهد عظيم يقوم به عسكر مصر عبر سعيهم تغيير البيئة الثقافية بما يضعف التطرف الإسلامي، امنون ابراموفيتش، معلق قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية: بالنسبة لنتنياهو انجاح الانقلاب على مرسي يتقدم على احباط النووي الايراني، ولتكريس شرعية الانقلابيين.. قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة تكشف: نتنياهو طلب من أوباما الضغط على زعماء عرب لتكثيف زيارتهم لمصر ، البرفسور إفرايم كام، كبير باحثي « مركز أبحاث الأمن القومي « الإسرائيلي في صحيفة « إسرائيل اليوم «، يحذر من خطورة فشل الانقلاب العسكري ويقول ان مصلحة إسرائيل الإستراتيجية تقتضي نجاح تحالف العسكر والليبراليين في إدارة شؤون مصر وكبح جماح الإسلاميين. دان حالوتس، رئيس أركان الجيش الأسبق: « أهم نتيجة لخطوات السيسي الأخيرة هي اضعاف الجيش المصري على المدى البعيد، وإسدال الستار على إمكانية تطويره « ( إذاعة الجيش الإسرائيلي) « إفرايم هليفي، رئيس الموساد الأسبق: « نجاح الانقلاب على مرسي سيعزز مكانة أمريكا وهذا بدوره سيعزز مكانتنا الإقليمية « المستشرق الإسرائيلي إيال زيسير: إفشال مرسي مثل دوماً مصلحة استراتيجية لنا لأنه يوقف تحقق سيناريو الرعب الذي بشر به الربيع العربي.
المفكر اليهودي إيال بردو: احتفاء النخبة الحاكمة في إسرائيل بانقلاب العسكر على مرسي يعكس موقفا عنصريا تجاه العرب وأنهم لا يستحقون الديموقراطية. عنوان بحث أعده وكيل الخارجية الصهيوني الأسبق ألون ليفين حول عزل مرسي: انتهى حلم الديموقراطية العربية.
أودي سيغل، معلق التلفزة الإسرائيلية الثانية: نتنياهو أكثر الناس سعادة على وجه الأرض بسقوط مرسي، فقد جرح كبرياءه خلال الحملة الاخيرة على غزة.
هل ثمة من يشك، أن الانقلاب انتصار لإرادة إسرائيل في المنطقة، وتنفيذ لأجندتها وأجندة الأنظمة العربية التي ارتعبت من ربيع الثورات، انتظروا نفجر الأوضاع في تونس، بعد مصر، لأنهما أهم بلدين «نجح» فيهما الربيع، فأزهر على نحو ما، والمطلوب سحق هذه الزهور، كي لا تتكاثر!
هل كانت غلطة.. إدخال الإخوان؟
(عبد الرحمن الراشد- الشرق الأوسط)
هناك رأيان متطرفان في قراءة ما حدث في مصر، الأول الذي يقدم التأييد الشعبي والثقافي الواسع لإسقاط حكومة محمد مرسي الإخوانية دليلا على أن السماح للإخوان منذ البداية بالرئاسة كان خطأ، وما حدث تصحيح له.
وفريق آخر، يعتبر الدفاع عن التغيير في مصر، وخاصة من جانب الليبراليين، جريمة ضمير كبرى، عرتهم على حقيقتهم. والرأيان المتناقضان يعبران فقط عن المسافة الفكرية الفاصلة في الشارع العربي، لا المصري فقط. ويعبران عن حجم الجهل الشائع في أوساط المنخرطين في الجدل السياسي اليوم. وبعض الزملاء وجدوا في ما أكتبه هذه الأيام مع عزل مرسي تناقضا صارخا مع ما كتبته عندما «ابتهجت» بفوز الإخوان بعد الانتخابات. لا، ليس تناقضا أبدا. فوز الإخوان كان يعبر عن انتصار للديمقراطية الليبرالية، وإخراجهم عندما خرجوا عن السكة، أيضا نجاح مماثل ليس ضد الإخوان بل ضد القرصنة. لقد دخلوا راضين بقواعد العمل وتم إقصاؤهم يوم خرجوا عليها، ويفترض إقصاء كل من يفعلها، سواء كانوا إخوانا أو ليبراليين أو وطنيين. وليس صحيحا أن الليبراليين انقلبوا على خطابهم بتصفيقهم للانقلاب العسكري. ما فعله مرسي والإخوان في الحكم هو أخطر مما فعله مبارك، لأنه جاء على ظهر نظام له شروط، ومنحه شرعية هائلة، لكنه خذل النظام واعتبر ركوب الصندوق الانتخابي وسيلة للسيطرة، كما فعلت حماس في غزة والخميني في إيران، وثنائي البشير والترابي في السودان. إسقاط مرسي ضرورة حتى يدرك من بعده أن الأغلبية والرئاسة لا تعطيهم شيكا على بياض لامتهان المؤسسات والحريات. وحتى في الديمقراطيات الأكثر رسوخا تحدث عمليات التصحيح عندما يشعر المشرعون أو السياسيون بالخطر. الرئيس ريتشارد نيكسون أجبر على الاستقالة بعد تعديه على الحزب المنافس.
فقط بعد عام واحد من فوزه الكاسح برئاسة ثانية. لقد قام مرسي بالاستيلاء على منصب المدعي العام وحاول الاستيلاء على القضاء وسكت على أتباعه عندما قاموا بمنع المحكمة الدستورية من الانعقاد بسد الدرج مهددين القضاة إن عبروا. أي من هذه الأفعال تكفي لمحاسبة الرئيس وتعتبر جرائم دستورية كافية لعزله.
كنت، ولا أزال، من الذين يؤمنون بضرورة إشراك الإخوان المسلمين في العملية السياسية حيث يوجد مشروع ديمقراطي أو سياسي شعبي، رغم وجود شكوك واسعة في قدرتهم على القبول بنظام تعددي يؤمن بتداول السلطة. فعليا، الإخوان فريق أساسي في أي عمل سياسي جماعي لكنه يحتاج إلى ترويض، بحيث يعي أنها عملية سياسية ليست دينية. مصر تسير في طريق مستقيم مليء بالحفر الخطرة، لكنها تسير فيه بلا توقف، وهذا أمر مدهش. حتى تجربة الاعتصامات، والتعامل مع الأزمة، والاختلاف على كيفية الانتقال من مرحلة عزل رئيس دولة وإسقاط حكومة، وتدخل الجيش، كل هذا جزء مهم من التعلم والتجريب، ولو نجح المصريون في الانتقال بسلام وساروا على نفس الطريق فإن مصر تكون انتقلت إلى مرحلة متقدمة. يصبح الفريق الفائز مستقبلا يعي جيدا أنه يحكم لكنه محكوم بالمؤسسات، فلا قوانينه الرئاسية محصنة، ولا تستطيع يده أن تطال مؤسسات القضاء، وحريات التعبير مكفولة، لكن التحريض على العنف والكراهية مرفوضان. هل يمكن للمصريين أن يصلوا إلى هذه النقطة من نظام متطور يرسي دعائم دولة حقيقية قادرة على النجاة؟
من الممكن ذلك، والأمل كبير أن يتجاوز المصريون محنة اليوم، ويتركوا وراءهم رغبات الإقصاء ويتجهوا نحو مصالحة شاملة، تشمل النظامين اللذين أسقطا، مبارك ومرسي، وتبدأ البلاد صفحة جديدة تحت نظام أكثر وضوحا، يستوعب الجميع.
والنبلاء أيضا يفشلون
(علي سالم-الشرق الأوسط)
بعد أن تقابلت السيدة أشتون مع الرئيس السابق في محبسه، وهو اللقاء الذي استمر لساعتين، عقدت والدكتور البرادعي مؤتمرا صحافيا رفضت فيه الإفصاح عن محتوى اللقاء. وقبل أن ينتهي المؤتمر استأذنت في الانصراف للحاق بموعد طائرتها. ويظل السؤال بغير إجابة: ماذا كانت مهمتها، ومن بالتحديد طلب منها أداءها؟ وخصوصا أنها ذكرت أنه «طُلب مني»، لقد انشغل الجميع بأداة السؤال «كيف» وليس «لماذا».. كيف سمحت القيادة السياسية لها بزيارة الرئيس السابق، وهى ليست من أهله أو محاميه؟
معظم الأسئلة التي تبدأ بكيف يهدف صاحبها لعدم الحصول على إجابة، هو فقط يريد إظهار غضبه، ولو أنه سأل نفسه، لماذا سمحت الحكومة بهذا اللقاء، كان سيدرك على الفور أنه تم بطلب من الحكومة المصرية، ومن الدكتور البرادعي كما يبدو من ظاهر الأمور. إنها محاولة أخيرة ويائسة بذلها الدكتور البرادعي لتفادي تفجر الموقف وسقوط الضحايا في منطقة رابعة العدوية، وما سيتلوه من كوارث محتمة. هي ليست وساطة، بل إدخال شخصية إلى المشهد، قادرة بثقافتها ودرجة خيالها السياسي ومنصبها المسؤول، على إقناع الدكتور مرسي بفض الاعتصامات سلميا، نظرا لما يمثله الاتحاد الأوروبي له وللجماعة، من نصير بغض النظر عن صحة هذا الاعتقاد. ولساعتين كاملتين، شرحت السيدة له كل الأخطار الحقيقية، وهي تناشده، وتوقظ بداخله الإحساس بالمسؤولية العامة عن حياة الناس في بلده، كما تنبهه إلى مدى ما سيحظى به من احترام في الغرب وأميركا، بل والعالم كله، عندما يطلب من جماعته فض الاعتصام والكف عن العنف، بينما هو سجين ينتظر المحاكمة. لم تكن السيدة تخدعه في شيء، ولكن من المؤكد أنها شرحت له بأن موافقته على ذلك، ستخفف إلى أبعد حد من موجة الكراهية عند الشعب المصر ضد جماعته، وأن مبادرته سترغم الحكومة المصرية على عدم مطاردة أعضاء الجماعة وإرسالهم إلى المحاكم والسجون. ساعتان والسيدة تشرح والرجل يقول كلمة واحدة هي لأ.. وربما قال: حسنا.. أعود إلى منصبي أولا ثم أصدر قرارا جمهوريا بفض الاعتصامات.
ربما تسألني: هل حضرت ذلك الاجتماع؟
وأرد عليك: اطمئن.. محضر الاجتماع بكل ما قيل فيه موجود عند أجهزة الحكومة المصرية، كما هو موجود عند أجهزة الاتحاد الأوروبي، وأؤكد لك أنه لا يختلف كثيرا عما أقوله لك الآن. يكفيني أن أعرف كيف يفكر شخص ما لكي أستنتج ماذا سيقول.
كان الانفعال السائد عند السيدة أشتون هو الحزن، كان هذا واضحا في نبرات صوتها، وأنا أعرف هذا الإحساس جيدا، أن تشعر أنك فشلت في منع جريمة كبيرة لأن بعض الناس لا يتورعون عن قتل أهلهم ليكسبوا قضاياهم السياسية، أي ليثبتوا أنهم أقوياء. هي لا تشعر بالندم لقيامها بهذه المهمة، فهذا ما يحتمه الواجب والسياسة ومصالح الغرب ومصلحة مصر والمنطقة.
غير أن الإنسان في أوقات من هذا النوع يوجه الاتهام إلى نفسه.. آه لو كنت قادرا أكثر على الإقناع. وهذا هو ما يجلب الحزن. أعتقد أن هذا الموقف سيدفع السيدة أشتون لقراءة المزيد عن إحساس بعض الناس باللذة عند ممارسة القتل أو السماح به أو التشجيع عليه.
كيف يمكن تدارك الفوضى في ليبيا؟
(رأي القدس العربي)
رغم مرور اكثر من عام على انتخاب المؤتمر الوطني العام، لم تستطع ليبيا الدولة الانطلاق لتأمين مسار جديد بعد الثورة، كما ان جدول الاعمال الذي كان على المؤتمر الوطني العام الالتزام به، لم يعد محترما، بدليل تأخر معظم الخطوات لانهاء المرحلة الانتقالية، ومنها على الاخص انتخاب هيئة كتابة الدستور.
وكانت الانتخابات اعطت انطباعا عاما للخارج بأن الليبيين، الذين انتخبوا لاول مرة في حياتهم، استطاعوا ان ينجزوا اقتراعا هادئا ومبشرا بامكانية تمرير مرحلة انتقالية هادئة وسلسة.
وللاسف، شهدت ليبيا تدهورا كبيرا بسبب بقاء الميليشيات المسلحة بالشارع وقيامها بالسيطرة على مناطق ومدن بذريعة محاربة فلول النظام السابق، الا ان هذه العمليات نمت عن وجود انقسامات عميقة بالمجتمع ادت بسكان ثلاث مدن على الاقل الى مطالبة الامم المتحدة بالتدخل لاعادتهم الى بيوتهم.
ومع الوقت تبين ان الاجواء التي رافقت الانتخابات والنتائج التي تمخضت عنها آيلة الى التغيير على الارض، وان الذين لم يحالفهم الحظ بالانتخابات هم الممسكون فعليا بالسلطة، وقد حالوا دون تمكين المؤتمر الوطني والحكومة من انشاء جيش لكل ليبيا، وقوى امن لكل الليبيين حتى مع وجود اقتراحات بدمج معظم هذه الميليشيات في المؤسسات الشرعية، لذلك تحولت ليبيا، بل غرقت مع الوقت بما يشبه الفوضى التي استغلتها جماعات متطرفة وقريبة من تنظيم ‘القاعدة’، لتدافع عن وجودها وتتابع حربا ضد القوى الغربية، لكنها في الواقع تحارب تعافي ليبيا وخروجها الفعلي من النظام السابق. ولعل الحال اليوم اكبر دليل على ذلك، فالمؤتمر الوطني العام وهو الهيئة التشريعية والمؤسسة الوحيدة التي تحظى بشرعية بدأت تشهد انهيارا ليس فقط بتجميد عضوية تحالف القوى الوطنية ومشاركته بالعملية السياسية، وانما تآكلت شرعيتها منذ اصدارها قانون العزل الذي حرمها ويحرم ليبيا من شخصيات كفوءة بذريعة عملها في ظل النظام السابق.
ومن الدلائل المؤسفة على الانهيارات الحاصلة، ان حكومة علي زيدان التي ابدت بعد تنصيبها حزما واستعدادا لتصويب الاوضاع، تراجعت مع الوقت واضطرت لتقديم تنازلات لهذا الفريق او ذاك، الى ان انتهت اخيرا الى امكان ضم الميليشيات التي حاصرت الوزارات وعطلتها الى صفوف القوى الامنية.
وهذا كله يدل على ان المهمة الاساسية والعاجلة التي كان على المؤتمر الوطني العام ان يتصدى لها ويعالجها هي مسألة المصالحة الوطنية، ومن الواضح ان قوى سياسية وميليشياوية من داخل المؤتمر وخارجه هي التي دفعته الى اضاعة البوصلة وتمييع هذا الاستحقاق الوطني الكبير، فقط لحماية مصالحها وابقاء ليبيا امام الاحتمالات الخطيرة، ومن اهمها الانقسام بين شرق وغرب، وبين ليبراليين واسلاميين، وبين مطالبين بتدخل خارجي ومصرين على معالجة المشاكل في الداخل رغم ان امكانات المصالحة الداخلية تتضاءل.
من اسوأ النتائج لهذه الفوضى ان كل القوى لم تأخذ بحرمة الدم، وباستثناء مهاجمة القوى المتطرفة مقار دبلوماسية لدول ساعدت الثورة على تحقيق اهدافها، فان شيوع الاغتيالات في الاونة الاخيرة يظهر ان الصراعات احتدمت وبدأت تبحث عن امكانية للحسم من اجل السيطرة على السلطة لفريق دون آخر، وما اغتيال عبد السلام المسماري الذي اذاع البيان الاول للثورة سوى دليل على ان الثوريين على اختلاف انتماءاتهم قد اصبحوا في مزاج آخر لا علاقة له ببناء وطن ودولة، ولا عجب في مثل هذه الحال ان تعود الاصوات المطالبة بعودة الملكية ودستورها كحل مؤقت ريثما يستفتى الليبيون على النظام الذي يريدونه، وليس مؤكدا انهم جميعا يؤمنون بان فترة الملكية كانت جيدة، فضلا عن ان النظرة الى المصالح والى المسار السياسي المفضل لليبيا قد يتغير بتغير القوى الموجودة على الارض.
لعل المطلوب اليوم ان يبرهن اعضاء المؤتمر الوطني العام على احترام مسؤوليتهم واتخاذ قرارات جماعية واضحة بشأن المطلوب امنيا والمطلوب سياسيا، وكذلك بدعم الحكومة في برنامجها من اجل بلورة جيش وطني وقوى امنية وطنية، واذا لم يفعلوا ذلك، فان ليبيا ستبقى في فوضى الى اجل غير معلوم.
الطبقة السياسية فشلت في إنقاذ لبنان والمؤسّسة العسكرية تقدّم درساً في الوطنية
(اميل خوري- النهار اللبنانية)
تطرق قائد الجيش العماد جان قهوجي في "أمر اليوم" لمناسبة الذكرى الـ68 لعيد الجيش الى السجال الذي حصل حول تأجيل تسريح قائد الجيش ورئيس الاركان بالقول: "ان الخشية من الفراغ حتمت الكثير من القرارات التي لم تكن لتتم لو دارت عجلة الحياة السياسية دورتها الطبيعية أو لم تتحكم الخلافات بين الاحزاب والتيارات في الاستحقاقات الدستورية، لكن ما حصل يجب أن يشكل حافزاً للجميع كي لا يسمحوا مجدداً بأن تكون التجاذبات السياسية هي التي تتحكم بمسار المؤسسات الدستورية وديمومتها وأن تفتك الخلافات الشخصية والسياسية بقيمنا الدستورية وباتفاق الطائف".
هذا الكلام الصادر عن مرجع عسكري كبير يدل الى أي مدى باتت المؤسسة العسكرية هي التي تعطي دروساً في الوطنية واحترام الديموقراطية والدستور لطبقة سياسية دأبت منذ العام 2005 على تعطيل الاستحقاقات الى حد إلغائها باللجوء الى التمديد لمن هم على رأس المؤسسات والدولة خوفاً من الفراغ وان التجاذبات الحادة بين 8 و14 آذار وتبادل الشروط التعجيزية جعل المؤسسة العسكرية تعطي السياسيين دروساً في وجوب احترام الدستور والقوانين واتفاق الطائف، وأن تكون هذه المؤسسة للبنان وحده.
لقد بلغت الخلافات الشخصية والحزبية حدا جعلت التمديد لقائد الجيش ورئيس الاركان لا بد منه، وهذا يحصل اول مرة في تاريخ المؤسسة لأن هذه الخلافات حالت دون الاتفاق على تعيين قائد جديد للجيش، بحيث بات التمديد امراً عادياً كلما تعذر الاتفاق على الخلف.
وكانت قوى 8 آذار اول من عمل على عرقلة انتخاب رئيس للجمهورية بإفقاد نصاب الجلسات النيابية المخصصة لانتخابه وهذا يحصل لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية اذ ان النواب كانوا يحضرون الجلسات ولا يتعمدون التغيب عنها كما فعل نواب 8 آذار للحؤول دون انتخاب مرشح من 14 آذار، بل كانوا يضعون في صندوق الاقتراع اسم المرشح الذي يريدون للرئاسة الاولى او يضعون ورقة بيضاء حرصا منهم على القيام بواجب الانتخاب وليس التقاعس عن القيام به بدون اي عذر شرعي، فيعلن رئيس المجلس اسم الفائز بالاكثرية ولو بصوت واحد كما فاز المرشح سليمان فرنجية ضد المرشح الياس سركيس. وتخشى اوساط سياسية ان تكرر قوى 8 آذار لعبة تغييب نوابها المتعمدة عن الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية في ايار 2014 اذا لم تتفق مع 14 آذار على مرشح توافقي كما حصل في الانتخابات السابقة عندما اتفقا على ان يكون العماد ميشال سليمان هو المرشح التوافقي، وعندها تتحمل قوى 8 آذار مسؤولية التمديد للرئيس سليمان اذا تعذر عليها الاتفاق مع 14 آذار على خلف له لأن التمديد في هذه الحالة يصبح الحل الوحيد لتجنب الفراغ القاتل. فاذا كانت قوى 8 آذار او بعضها يرفضون التمديد للرئيس سليمان فما عليها الا أن تبحث منذ الآن على قوى 14 آذار عن المرشح المقبول منهما، حتى اذا تعذر ذلك كان على جميع النواب حضور جلسات الانتخاب تأميناً للنصاب وقياماً بواجبهم الوطني وليس التغيب عنها من دون عذر شرعي لا لشيء الا لافتقاد نصابها والحؤول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعندها يصبح التمديد للرئيس الحالي امراً لا مفر منه خوفاً من الفراغ وان على جميع النواب احترام الدستور واللعبة الديموقراطية بقبول نتائج الانتخابات اياً يكن الفائز فيها.
والتجاذبات السياسية الحادة بين 8 و14 آذار التي حالت دون التوصل الى اتفاق على قانون للانتخاب لأن كلا منهما اراد ان يكون القانون مفصلاً على قياسه وليس على قياس الوطن، وان تعرف نتائج الانتخابات قبل اجرائها، الأمر الذي فرض التمديد لمجلس النواب 17 شهراً، وهو تمديد قد يتكرر اذا ظلت الخلافات قائمة حول قانون الانتخاب وهذا يتطلب من الحكومة ومن المجلس مباشرة البحث منذ الآن في قانون جديد وليس انتظار الايام الاخيرة من انتهاء ولاية المجلس الممددة للبحث فيه، فيفرض عدم التوصل الى اتفاق تمديدا آخر يسيء الى صورة لبنان في الخارج. وهذا التجاذب السياسي كان سيعطل عجلة الحكم على مستوى رئاسة الجمهورية والانتخابات النيابية والحكومة لو لم يتدخل الخارج ليجعل من اتفاق الدوحة سبيلاً للخروج من ازمات مواجهة هذه الاستحقاقات.
لقد دعا الرئيس سليمان الى تشكيل حكومة حيادية اذا تعذر التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية في البلاد وكان البطريرك الراعي قد دعا ايضا الى تشكيل مثل هذه الحكومة وايدت قوى 14 آذار بكل مكوناتها ذلك في غياب الاتفاق على حكومة تضم سياسيين. فهل يشكل التمديد لمجلس النواب ثم التمديد لقائد الجيش والتمديد لحكومة تصريف الاعمال حافزاً بأن تظل التجاذبات السياسية هي التي تتحكم بمسار المؤسسات الدستورية وتحتم اتخاذ قرارات خشية الفراغ، وهل تتوقف هذه التجاذبات رحمة بالوطن والمواطن وتعيد 8 آذار ولا سيما "حزب الله"، النظر في الشروط التعجيزية التي تضع لبنان بين خيارين اما التمديد واما الفراغ؟