Haneen
2013-12-08, 12:38 PM
اقلام عربي 484
28/8/2013
في هذا الملــــف:
عيون وآذان (التفاوض مع نازيين جدد)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
نحو تصفية تاريخية للقضية الفلسطينية
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
الاستيطان يسمم عملية السلام
بقلم: غازي السعدي عن الشبيبة العمانية
اسرائيل الدويلة صارت عظمى وانهارت كل الدول العربية!
بقلم: نزار حسين راشد عن القدس العربي
اليهود وواقعنا المأساوي..!
بقلم: محمد بن إبراهيم الشيباني عن القبس الكويتية
مقياس ريشتر الفلسطيني.. لمن فقد الرؤية
بقلم: سليم قلالة عن الشروق الجزائرية
هل يدخل حزب الله فلسطين؟!
بقلم: صادق النابلسي عن الأخبار البيروتية
ما وراء الأخبار.. لماذا يقرعون طبول الحرب؟
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
خطيئة إخوانية
بقلم: حمادة فراعنة عن الرأي الأردنية
ثمرة الربيع: عناق المتطرف الديني بالمؤدلج السياسي!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
هل سيتكرر سيناريو صدام مع الأسد؟
بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية
كلمة الرياض : لا حلول سياسية بلا ضغط عسكري..
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
الوحش الذى استيقظ فينا
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
عيون وآذان (التفاوض مع نازيين جدد)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
كل إستطلاع للرأي العام الاسرائيلي يُظهر وجود غالبية واضحة ضد السلام مع الفلسطينيين، بل ضد إتفاقات اوسلو لأن الغالبية الاسرائيلية تعتبرها خطراً على اسرائيل. مقابل هذه الغالبية هناك إجماع في الحكومة الاسرائيلية على رفض السلام مع الفلسطينيين، إلا إذا قبل هؤلاء أن يسلموا بلادهم لغزاة محتلين ويرحلوا.
أبو مازن قبِل دخول مفاوضات سلام جديدة مذعناً للابتزاز الاميركي والغياب العربي الكامل. وادارة أوباما تريد فعلاً تحقيق سلام بين الفلسطينيين واسرائيل عجزت عن مثله كل ادارة اميركية سابقة منذ أيام ترومان وايزنهاور. وشخصياً لا شك عندي في صدق نوايا الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزير خارجيته جون كيري، إلا أن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع سلاماً فطريق المقبرة معبَّد بالنوايا الحسنة.
ثم هناك حكومة اسرائيل وهي آخر حكومة نازية جديدة، وتمارس تفرقة عنصرية معلنة (ابارتهيد) ضد أصحاب البلاد وتضم رقماً قياسياً من مجرمي الحرب والمتطرفين والمهاجرين وأنصار الاستيطان.
رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وهو رئيس عصابة جريمة لا حكومة، يريد من المفاوضات تأييداً أميركياً ضد ايران وسكوتاً أوروبياً غربياً عن الاستيطان. كما انه يريد دعم الحكم الانتقالي في مصر فهو يعتقد أن التعامل مع عسكر مصر أسهل من التعاون مع الاخوان المسلمين، هذا مع العلم أن الاخوان ضحوا بمبادئهم في سبيل الحكم وحافظوا على علاقة جيدة وحيدة مع اسرائيل وأميركا. في المقابل الحكم الانتقالي بحماية الجيش يتمتع بعلاقة وثيقة مع الدول العربية القادرة على المساعدة، ويملك حرية القرار فلو أن حكّام مصر يعلنون تجميد معاهدة السلام مع اسرائيل لانضم اليهم في يوم واحد نصف أنصار الاخوان مع بقية العرب.
ماذا فعلت حكومة اسرائيل دعماً لعملية السلام؟ هي أعلنت بناء 1200 وحدة إستيطان جديدة في الضفة الغربية والقدس العربية، أو الشرقية، أو الوحيدة، تضاف الى 878 وحدة سكنية أخرى أعلنت قبل ذلك بأيام. وقبل يومين قتلت ثلاثة فلسطينيين يدافعون عن بيوتهم في قلنديا.
جون كيري زار المنطقة ست مرات، وأجرى مئات الاتصالات الهاتفية، ليجلس الفلسطينيون والاسرائيليون الى طاولة المفاوضات، واسرائيل تكافئه بتكسير قوائم الطاولة. وحكومة اسرائيل من الوقاحة أن توزع أرقام الاستيطان من نوع 400 وحدة سكنية في جيلو و210 في هارهوما و183 وحدة في بسغات زئيف، وهذه كلها داخل المنطقة الخضراء داخل القدس العربية، والبقية عندي بالأرقام في الضفة.
قرأت في صحف اسرائيل ان المستوطنين في الضفة الغربية زادوا 2.12 في المئة خلال الأشهر الستة الأخيرة وستكون الزيادة أكبر مع نهاية السنة.
على ماذا سيتفاوض أبو مازن؟ ميديا ليكود أكثر صراحة من حكومة مجرمي الحرب الاسرائيليين وأقرأ:
- الفلسطينيون يبنون مستوطنة، والحديث عن فكرة مدينة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، وأقول إنه لو بنى الفلسطينيون في تل أبيب لما كانت مستوطنة لأن البلاد كلها لهم.
- عملية السلام يعطي فيها جانب واحد كل التنازلات، وأصرّ على أن التنازل من الفلسطينيين فالأرض كلها لهم واسرائيل دولة محتلة باغية.
- الإفراج عن الارهابيين أهون مشكلة، والعصابة تتحدث عن أسرى من المناضلين الفلسطينيين، أما الحقيقة فهي أن كل عضو في حكومة اسرائيل وجيشها والمستوطنين إرهابي مجرم.
- «ماذا يريد الارهابيون؟» وأيضاً: «قابلوا الارهابيين، لا حسن نية.» وأكرر ما سبق عن الارهابيين الذين يحتلون بلاداً ويقتلون ويدمرون. وأزيد أن الفلسطينيين ضحايا في بلادهم.
مرة أخرى لماذا يفاوض أبو مازن وفلسطين كلها محتلة، وحكومة الفاشست لا تريد أن تترك لأهلها 22 في المئة منها؟ أتوقع إنتفاضة ثالثة فلا حل منطقياً آخر أمام الفلسطينيين.
نحو تصفية تاريخية للقضية الفلسطينية
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
لا بأس من العودة إلى كتاب “الحرب” ل “كلاوزفيتز” طالما أن طبولها تقرع في بلادنا بقوة هذه الأيام، إذن “الحرب هي فعل عنف غايته إجبار الخصم على الخضوع لإرادتنا السياسية” بحسب مؤسس علم الحرب الذي يرى أيضاً أنها “امتداد للسياسة بوسائل أخرى”، علماً أن هذا التعريف مسبوق بتعريف عربي للشاعر نصر بن سيار الذي رأى أن “الحرب أولها كلام”، وقد توصل إلى هذا الاستنتاج قبل ألف عام من خلاصة كلاوزفيتز .
الواضح أن الدول الغربية شنت حروباً عديدة في بلادنا منذ النصف الثاني من القرن الماضي كانت كلها لمصلحة “إسرائيل” أي “لفرض إرادة” الدولة الصهيونية على العالم العربي بوصفها امتداداً للغرب وجزءاً بنيوياً منه يستدعي بذل التضحيات البشرية والمادية الكبيرة من أجلها: لنتذكر حرب السويس عام 1956 وحرب 1967 التي انطوت على تغطية غربية شاملة وبكل الوسائل، وحرب العام 1982 على لبنان التي شاركت الدول الغربية ليس فقط بحمايتها ودعمها في المراحل كافة، وإنما أيضاً بإرسال قوات دولية من أجل مساعدة الغازي في السيطرة على الأرض وترتيب اتفاق 17 مايو/أيار مع لبنان 1983 لتثبيت نتائج الغزو وضمان بقاء هذا البلد تحت الإرادة “الإسرائيلية” . وحرب الخليج الثانية عام 1991وحرب عناقيد الغضب عام 1996 التي انتهت برعاية غربية للصراع “الإسرائيلي” - اللبناني عبر اتفاق إبريل/نيسان . وحرب الخليج الثالثة عام 2003 التي أدت إلى تدمير العراق من أجل تحسين البيئة الآمنة ل “إسرائيل” كما جاء في العديد من القراءات الغربية للحرب . ثم حرب العام 2006 على لبنان التي تمت بتغطية غربية شاملة، وبإعلان أمريكي صريح على لسان كوندوليزا رايس بأنها فاتحة شرق أوسط جديد، ومن ثم انتهت الى إرسال نحو ثمانية آلاف جندي دولي الى جنوب لبنان في إطار مهمة الأمم المتحدة لحماية الحدود “الإسرائيلية” .
وقد شنت من بعد حرب ليبيا التي أطاحت القذافي واعتبرت نصراً ل “إسرائيل” أعلنه مراراً الكاتب الشهير برنار هنري ليفي الذي لعب دوراً مهماً في تنسيق الاتصالات من أجل شن الحرب . . هذا إذا أردنا إهمال حربي غزة عام 2008 و2012 اللتين استاثرتا بتغطية غربية شاملة .
وإذ تقرع طبول الحرب الأمريكية بخاصة والغربية عموماً هذه الأيام في بلادنا وسط حرائق مشتعلة في العراق ولبنان وسوريا ومصر وتونس وليبيا فإنها تضمر الغاية نفسها أي ضمان الخضوع للإرادة “الإسرائيلية” . ومن نافل القول إن المناورة الهزلية للتفاوض “الإسرائيلي” - الفلسطيني حول الحل النهائي خلال تسعة أشهر هي أشبه بتلك التي اعتمدت عشية حرب الخليج الثانية 1991 والتي توجت بمفاوضات مدريد وأدت إلى توقيع اتفاقية اوسلو، ويشاع بقوة هذه الأيام أن اتفاقاً جدياً بين الطرفين صار جاهزًا بمعظم عناصره، وأنه ينطوي على حل نهائي للقضية الفلسطينية يطوي عبره الفلسطينيون حق العودة الى أراضي العام 1948 على أن يعلنه أبومازن رسمياً بوصفه رئيساً لدولة قانونية هي عضو مراقب في الأمم المتحدة، وتصبح كاملة العضوية بمجرد أن تتخلى عن حق العودة وأن تحصر حقوق الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة .
لقد خاض “المحافظون الجدد” في واشنطن حرب العراق دفاعاً عن “إسرائيل” كي تصبح البيئة المحيطة بها أكثر أمناً ومدعاة للطمأنينة، والراجح أن حرب هذه الأيام إن تمت فستكون من أجل إلغاء آخر مقاومة مسلحة وسياسية للدولة الصهيونية وبالتالي تميكنها من فرض إرادتها على مجمل البيئة المحيطة بها مقابل عرض القضية الفلسطينية عبر “صولد” تاريخي ينتقل فيه الشعب الفلسطيني من حال الاحتلال إلى حال التبعية، ونحن هنا نتحدث عن انتصار الغرب في الحرب الجديدة .
ثمة من يعتقد أن الحروب السابقة كما الحرب الوشيكة (إن حصلت) كانت كلها مخططة من أجل الحصول على “تنزيلات” فلسطينية من الصعب الحصول عليها في ظل أنظمة عربية رافضة للتصفية، وتنازع الرئيس الفلسطيني سلطته على الشعب وعلى القضية خصوصاً أن الذين ينازعونه قضيته كانت لديهم أجزاء من الشعب والمنظمات الفلسطينية، ويتمتعون بوسائل تحرك وتعبئة فعّالة للغاية، ولعل المقارنة بين حال الفلسطينيين في العراق في عهد النظام السابق وحالهم اليوم ومن يقارن الأمس باليوم والوسائل الموظفة في القضية الفلسطينية بالأمس واليوم سيصل إلى وجهين متناقضين للصورة، بل ثمة من يؤكد جازماً أن اتفاقية انسحاب الجيش الأمريكي من العراق قد انطوت على بند سري بألا يتدخل هذا البلد بالقضية الفلسطينية، وألا يبني معسكرات تدريب وتسليح ودعم للفلسطينيين .
في مرجع غير بعيد من كلاوزفيتز وإن كان قد سبقه بثلاثة قرون يرى مكيافيللي صاحب كتاب “الأمير” و”فن الحرب” ومؤلفات أخرى أنه “من المفيد جداً أن يظهر المرء بمظهر الفضيلة” و”أن يساند ديناً ما، وإن كان يعتقد بفساده” . . تتلاءم هذه الرؤية مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الغرب التي تدمر بلداننا من أجل “السلام” كما تزعم، وليس من أجل مصالح “إسرائيل” وتدعم الدولة العبرية بكل الوسائل مع اعتقاد مرشديها المسيحيين، أن من تدعمهم هم المسؤولون عن قتل السيد المسيح .
إذا أردنا أن نرى بملء أعيننا، وأن نسمع بآذاننا جيداً، فإن مؤشرات شديدة القوة تفيد بأن “صولد” القضية الفلسطينية التاريخي قد أصبح جاهزاً، لكن إعلانه رهن بحرب جديدة تطيح بآخر معاقل الممانعة في المنطقة، أي بسقوط عرب جدد ومواقع عربية جديدة وهذا إن تم سيكون ملائماً أيضاً لتعريف مكيافيللي آخر “على المرء ألا يكون شريفاً على الدوام” . . أو البتة إذا كان من اليانكي وحلفائه .
الاستيطان يسمم عملية السلام
بقلم: غازي السعدي عن الشبيبة العمانية
يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، أن اعتراف الفلسطينيين "بيهودية إسرائيل" هو جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وليس البناء في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهذا الادعاء مردود عليه، فالاستيطان يشكل العائق الأساسي أمام طريق التسوية، وهذا باعتراف العالم بأجمعه، بما في ذلك المجموعة الأوروبية، والولايات المتحدة، وجزء لا يستهان به من الإسرائيليين، أحزاباً وأفراداً، فالاستيطان الذي يجري في ظل قوانين إسرائيلية غير شرعية، ومنافية للقانون الدولي، وبحماية الجيش لتكريس الاحتلال، هو السبب الرئيسي في تعطيل عملية السلام، حتى أن المفاوضات الحالية المفروضة على الفلسطينيين تراوح مكانها، ومن أهم أسباب تعثرها "الاستيطان".
منذ اتفاقيات "أوسلو" عام 1993، ضاعفت إسرائيل عدد المستوطنين ثلاث مرات، وارتفع عددهم ليصل إلى (700) ألف مستوطن حالياً، رغم أن خارطة الطريق الأمريكية، والتي وافقت عليها إسرائيل، تلزمها بتجميد البناء الاستيطاني، وعدم القيام بإجراءات من جانب واحد، فقد بلغ عدد المستوطنات المعترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، وغير المعترف بها دولياً (121) مستوطنة، وهناك مئات النقاط الاستيطانية التي أقامها المستوطنون، والمخالفة حتى للقوانين الإسرائيلية، والتي تشكل نواة لتحويلها إلى مستوطنات، ففي عام 2004، توصلت حكومة إسرائيل- التي كان يرأسها "أرئيل شارون" - مع الإدارة الأمريكية إلى أربعة التزامات هي: عدم إقامة مستوطنات جديدة، عدم السماح بالبناء خارج حدود خطوط البناء القائمة في المستوطنات، عدم مصادرة أو تخصيص أراضٍ جديدة للبناء الاستيطاني، وعدم منح محفزات اقتصادية للمستوطنين، إلا أن إسرائيل لا تحترم ولا تلتزم بالاتفاقيات، لا مع الفلسطينيين، ولا مع ولية نعمتها الولايات المتحدة.
إن البند رقم (46) من ميثاق "لاهاي" المتعلق بالممتلكات الخاصة تحت الاحتلال، ُيلزم الدولة المحتلة بالحفاظ والدفاع عن الممتلكات الخاصة للمواطنين، ويحظر البند رقم (47) من هذا الميثاق نهب الأراضي الواقعة في مناطق الاحتلال، ويحظر البند (52) من هذا الميثاق مصادرة أراضٍ، كما يحظر ميثاق جنيف قيام الدولة المحتلة بنقل مواطنين إلى المناطق التي احتلتها، فكيف يريد "نتنياهو" المخادعة بقوله بأن الاستيطان لا يشكل عائقاً أمام السلام وأن العائق برفض اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، فمثل هذا الاعتراف- المرفوض جملة وتفصيلاً- لا تنص عليه لا اتفاقات أوسلو، ولا قرارات اللجنة الرباعية الدولية، ولا القرارات الدولية، فإذا أرادت إسرائيل تغيير اسمها إلى دولة اليهود، فهذا أمر يتعلق بها، حتى أنها لم تطلب من الدول العربية التي أقامت سلاماً أو علاقات معها بمثل هذا الاعتراف، فإسرائيل التي تخالف جميع القرارات والمواثيق الدولية، تقوم بترحيل المواطنين الفلسطينيين، من قراهم ومضاربهم ومساكنهم، كما حصل في لواء القدس، وفي الأغوار، وأخيراً وليس آخراً، بنقل (1300) مواطن فلسطيني من سكان قرى الخليل إلى أماكن أخرى، وهذا ما سبق أن جرى في منطقة عام 1948، ومستمر حالياً، بنقل آلاف الفلسطينيين من عرب النقب، ومن حملة الجنسية الإسرائيلية، للاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضيهم، لتحويلها إلى مستوطنات وقواعد عسكرية، وكل ذلك يتعارض مع الشرعية الدولية، لكن إسرائيل تعتمد في بطشها على قوتها العسكرية، والحماية السياسية الأمريكية لها في المنابر الدولية.
في عام 1978 تأسست في إسرائيل جمعية استيطانية تحمل اسم "أمانا"، وهذه الجمعية ممولة من الحكومة الإسرائيلية، والوكالة اليهودية، ويهود العالم، كذلك تم إقامة مصرف للأهداف الاستيطانية، يحمل اسم "ياحد"- أي مع بعض- فالمصرف والجمعية يقومان بتوفير الأموال للمستوطنين، لشراء الأراضي، والمنازل في القدس الشرقية، فالحكومة الإسرائيلية تستخدم هاتين الجمعيتين، وتقف خلفهما، لتنفيذ مشاريع استيطانية، وبتخطيط وتنفيذ شق الطرق بين المستوطنات، وفي إقامة النقاط الاستيطانية غير القانونية بالنسبة للقانون الإسرائيلي، لتأخذ منها الحكومة ذريعة في المنابر الدولية، بعدم تحميلها المسؤولية عنها، لكن الخداع والكذب الإسرائيلي، فإن الحكومة قررت اعتماد قائمة أطلق عليها بقائمة الأولوية القومية والأفضلية للحصول على الدعم الحكومي، والحصول على المنح والمساعدات، والإعفاءات الضريبية، وشملت القائمة (20) تجمعاً استيطانياً، من النقاط غير المعترف بها حكومياً، وخارج نطاق التجمعات الاستيطانية الكبيرة، إضافة إلى (15) مستوطنة معزولة، يزعمون أن الحكومة ستفككها في أي اتفاق سلام، بينما نرى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على دعمها وتعزيزها، مما يزيد من انكشاف الخداع والألاعيب الإسرائيلية.
إن أساليب الخداع الإسرائيلي في إخفاء سلبها للأراضي الفلسطينية عديدة، فإسرائيل تستغل وضع اليد على أراضي الفلسطينيين، تارة وفقاً للقوانين العثمانية، وتارة وفقاً للقوانين الانتدابية، وأخرى وفقاً للقانون الأردني المتعلق بقوانين البناء في الضفة الغربية، الذي يتطلب إثبات ملكية الأرض، كشرط للمصادقة على مخططات البناء، فبين أعوام 1979-1992، صادرت إسرائيل (1513) ألف دونم من الأراضي في الضفة الغربية، اعتبرتها أراضي دولة، وفي عام 1984 كلف رئيس الحكومة المحامية "تاليا ساسون" بترؤس فريق لإعداد تقرير حول المستوطنات وقانونيتها، وعشوائيتها، لمواجهة الضغوط الدولية فكان التقرير عكس ما أرادته الحكومة، فتقريرها أثار عاصفة من الاتهامات بانتهاك القوانين للسيطرة ونهب الأراضي، غير أن الحكومة لدفن التقرير، شكلت لجنة للبحث في التوصيات، والتهرب من تنفيذ التقرير الذي أشار إلى وجود (105) مواقع استيطانية غير قانونية.
إن السلطة الفلسطينية، أخفقت في التصدي للممارسات الإسرائيلية، وللاستيطان، وإنهاء الاحتلال، بينما نجحت في تعرية إسرائيل في العالم، وحصولها على صفة دولة مراقب، وابتعاد الدول الأوروبية من التعاطف معها، وما القرار الأوروبي الأخير، ضد الاستيطان، إلا دليلا على ذلك، حتى أن أكثر من نصف الإسرائيليين، وفق استطلاع صحيفة "يديعوت احرونوت 26-7-2013" يخجلون من كونهم إسرائيليين أثناء تواجدهم في الخارج، ونقلت "يديعوت احرونوت 7-8-2013" عن الصحيفة الألمانية "شتوتجارت نسيتوتنج" التي نشرت رسماً كاريكاتيرياً، وصفت فيه المفاوضات بالهراء، تظهر فيه رئيس الوزراء "نتنياهو"، وعلى صدر قميصه علم إسرائيل، وهو يقوم بتسميم حمامة السلام، وقد كتب على زجاجة السم التي يسكب منها على غذاء الحمامة: وباء المستوطنات، وأن اليهود يسممون السلام، وهو المصطلح الذي كان سائداً في عهد النازية، فهذه هي صورة إسرائيل في العالم الآخذ وهجها بالانحصار، فالاستيطان يخيم على محادثات السلام، وليس عدم الاعتراف بيهودية الدولة.
اسرائيل الدويلة صارت عظمى وانهارت كل الدول العربية!
بقلم: نزار حسين راشد عن القدس العربي
إسرائيل: الدولة الّتي بدأت بالكيبوتز، وانتهت برأسمالية الدولة، وتصنيع عسكري ثقيل، تموّله الدولة وتحميه أيضاً، ليست بعيدة كثيرا عن النموذج الإشتراكي، بداية ونهاية، لا بل إنّ كتابّا شيوعيين في العهد السوفيتي، وإبّان نشأة إسرائيل، اعتبر ‘الكيبوتز′ اليهودي من أفضل النماذج الإشتراكيّة القائمة على سطح الكرة، إن لم يكن أفضلها! حزب المعراخ’العمل، الّذي بنا دولة إسرائيل، ارتكز في بنائها إلى قاعدة عمّاليّة، وسياسات اشتراكيّة في بناء الدولة، ولم يكن الحزب الشيوعي ‘راكاح’ إلّا ملحقاً أكثر أدلجة لمثل هذا التوجه ولذا أُعطي مساحة للحركة في ذلك العهد.
الدولة الإسرائيليّة اليوم تنفق على بناء المستوطنات من ميزانيّتها، وتتكفل بإيواء كل من لا يملك بيتاً في إسرائيل! الأرض طبعا على حسابنا نحن، وهكذا تختصر التكلفة للحد الأدنى!
لم تتغيّر إسرائيل كثيراً منذ نشأتها، فهي ذات وجه بشقين، شق الدولة الراعية، الّتي تتكفّل بشؤون المواطن، والشق الآخر العنصري والدّيني المتعصّب، وهكذا يتكامل وجه إسرائيل!
تقليديّا كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي راكاح، هوالإطار الّذي نشط من خلاله الفلسطينيون تحت الحكم الإسرائيلي، وكان هذا عملا ضمن الإطار المتاح، في ظل القوانين الإسرائيليّة، الّتي فُصّلت للانقضاض على المواطنين العرب، فهؤلاء عقبة، ليس فقط لأطماع التوسّع والمصادرة والتأميم، ولكن أمام النقاء العنصري أيضاً! وهذا ما كشفته الأيّام، حين كشفت إسرائيل نصف وجهها الآخر!
هذه الحقيقة بالطبع، لم تكن غائبة، عن رواد الحركة الوطنيّة العربيّة، داخل إسرائيل، بالرغم من انتمائهم السياسي لراكاح، وتبنّيهم المعلن للأيديولوجيّة الماركسيّة، والّذي لم يكن في حقيقته إلّا التفافا على عقبات الدولة الصهيونيّة!ولهذا لقيت كتاباتهم وبخاصة إنتاجاتهم الأدبيّة، من رواية وشعر، رواجا كبيرا لدى فلسطينيي الشتات، فقط لأنّها تحمل رائحة الهويّة، والّتي تفوح بقوّة، برائحة الإنتماء المُهدّد، وليس برائحة الأيديولوجيّة الماركسيّة، الّتي تهبّ طبيعيّاً من الكيبوتز الإسرائيلي، ولاحقاً صياصي المستوطنين، والقادمين في جُلّهم من دول المعسكر الإشتراكي!
هذا الزواج القصري بين إسرائيل ومواطنيها العرب، جعل كُلّاً منهما يدير ظاهره للآخر، ويتنسّم هواء النافذة الّتي تُطلّ على بستان الحبيب!ولكلّ حبيبه بالطبع!
ولكنّ الفريق الأقل وعياً، والأشد سطحيّة في قراءته للأمور، قد صدّق الكذبة، وبدأ يطلق مزاميره متغنّياً بالصراع الطبقي والدولة العُمّاليّة متعدّدة الأعراق، ولاعناً أعداءه الوهميين، وعلى رأسهم الكمبرادور، والرأسمالي المتوحش، متناسياً أن الرأسمالي المتوحش هوالّذي يموّل فقراء اليهود أو البروليتاريا الإسرائيليّة، كما يحب اليسار أن يسمّيها، ومتناسيا أيضا أنّه ليس في إسرائيل مُلّاك كبار، فأرض فلسطين الصغيرة لا تتّسع لمثل هذا الترف، والمطلوب تحصيصها وتوزيعها على فقراء أو بروليتاريا المهاجرين الجدد!وإذن فإنّ تركيبة البروليتاريا الإسرائيلية، تجعلها تضع يدها في يد الأخ الأكبر’الرأسمالي’، والأب الحنون:الدولة، فكيف ستكون حليفا إذن للفلسطيني المسكين، وتعُضّ اليد الّتي تطعمهامن جوع وتؤويها من خوف!
الغريب أنه حتّى بعد أن أصبحت الشيوعيّة في وطنها الأم وفي داخل إسرائيل أثراً بعد عين، وبعد أن جرف التيّار اليسار الإسرائيلي ومعه راكاح!تمسّك اليسار الفلسطيني ومعه العربي أيضاً بإرثه من هذه البضاعة الفكرية الكاسدة أو الّتي تخطّاها الزمن، فالمنجل والمطرقة، دفنت في أرضها وبقيت مرفوعة في أرضنا فقط!حتّى بعد أن انتهى حفل التأبين، وانصرف المُشيّعون إلى شؤونهم.
الجيل الجديد من اليساريين، لا يملك حكمة الآباء ودهائهم، فقرأ وصيّتهم خطأً، ولم يحلّ رموزها جيّداً، ليس ذلك فقط، فقد سدر في غيّه، ونصب له عدوّاً جديداً، هو ما سمّاه بالإسلام السياسي، وهو يعني بالضبط المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة المنطلقة من العقيدة الدينيّة، وكذا المقاومة السلميّة، داخل ما يسمّى بالخط الأخضر، فها هو ينظّم مسيرات جماهيريّة في أم الفحم في وجه الشيخ رائد صلاح، والمد الإسلامي المتصاعد داخل حدود 48، كما يجعل من حركة حماس عدوّه الأوّل، خلافا لكل أعراف حركات التحرر في كُلّ بلاد العالم، فقد قاتل آباء الكنيسة إلى جانب الثوار في كثير من بلاد أمريكا الجنوبيّة، لا بل قاتلوا إلى جانب تشي غيفارا نفسه، ولكنّ اليساريين العرب لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من القول!وهذه حدود علمهم!
حتّى بعد أن أعلنت إسرائيل عن يهوديتها، وسمّت نفسها دولة يهوديّة، ووضعت الاعتراف بذلك على رأس مطالبها من الفلسطينيين، لاستئناف التفاوض، لم يهزّ ذلك شعرة في رأس اليسار، ورُبّما أجملوه في دائرة الصراع الطبقي والممارسات الكمبرادوريّة! كيف؟ لا أحد يدري بالطبع إلّا اليسار نفسه!
الجيل الّذي ورث اليسار عن آبائه القدامى، لم يعد يرى فيه إلّا عداء لما يسمّيه الأيديولوجيّة الغيبيّة الّتي تٌنحّي الصراع الطبقي جانباً، وحين يضع فكرته تلك موضع التطبيق، نجده ينجرُ إلى خندق أعداء اليسار المعاميد، مثل معسكر الثورة المضادّة في مصر وجنرالات الانقلاب العسكري، والمؤيَّدين فقط من بعض دول الخليج، العدو التاريخي التقليدي لحركات اليسار العربي! فهل وصل العمى والتنكّر إلى هذا الحد المفرط؟!
اليهود وواقعنا المأساوي..!
بقلم: محمد بن إبراهيم الشيباني عن القبس الكويتية
تابعت ممارسات اليهود وكيانهم الصهيوني المشبع بالحقد والدموية لأمتنا العربية والاسلامية، في الكتب والمجلات القديمة حتى اصبح عندنا في مركز المخطوطات مكتبة جامعة تصل كتبها الى اكثر من خمسمائة كتاب ومجلة وأطلس، هذا الكيان ما زال يحيك المؤامرات ويقتل ويهدم البيوت على اهلها، ويعتقل ويعذب على مرأى من العالم بأسره من دون حراك منه! والاشنع من ذلك امتنا العربية بعددها الكثير وجيوشها النائمة وبعض قادتها الذين اصبحت معاركهم كيف يزينون بدلهم ومكاتبهم وعدد الذين يخدمونهم ويخدمون اسرهم وبيوتهم من جنود ومكلفين، والاكثار من السيارات الفارهة علاوة على التجارة وجمع المال بمختلف انواعه المباحة والمحرمة، القى الجميع السلاح واصبحت التدريبات العسكرية مقدمة في الحصول على الوظيفة فقط لا غير وليس لاسترداد كرامة الامة وهويتها.
اسرائيل تخطط وتعمل ليل نهار في صناعة السلاح وبناء المفاعلات وتجنيد الشباب والتوسع في المستوطنات والاراضي، وامتنا امة الجهاد بات جندها يحرسون قصور زعمائها! هم يعملون للتوسع ونحن نعمل للتقوقع! وفرق شاسع بيننا وبينهم، ولا يحمي وينصر رب العباد امة بهذه الهزالة والذلة والتراجع والتقهقر، ويؤيد الدولة الكافرة التي تعمل وتخطط وتحشد لتبحث عن التوسع والنصر، فأي الفريقين احق بذلك؟
انظروا الى هذه الدويلة وما فعلته ومازالت بأوطاننا العربية اليوم في مصر وسوريا ولبنان والمغرب العربي، بل واليمن، وعربدتها التي مازالت في اهلنا في فلسطين من قتل وهدم مستمر لبيوتهم واملاكهم، والمستعمرات مازالت تبنى والعالم كله يرى ولا انكار، ودم اليهودي مازال هو الافضل مقارنة بالدم الفلسطيني العربي.
دماء عربية اليوم تسال في كل مكان بكيد اليهود ومعاونة خونة العرب من قادة وكبراء! لقد مات فيهم ما كان في الاجيال الماضية من نصرة قضايا الامة، والهم الاكبر في علوها والمحافظة عليها من العاديات والنائبات القادمات لها، فعدوها لن يقتنع بما يحدث لها ويعتبره قليلا عليها، ويريدها اكثر فرقة ودمارا وتقاتلا بينها، ونزعا لكل مبادئها وحب اوطانها، ونزع ما في صدور اجيالها من حب دينها وكتاب ربها، هم يعملون لذلك ليلهم ونهارهم لا يكلون ولا يملون، ولعلها ارهاصات يخرج من خلالها مجددها الذي يقيل عثراتها ويرفعها ويبعثها من جديد، وليس ذلك على الله بعزيز.. والله المستعان.
مقياس ريشتر الفلسطيني.. لمن فقد الرؤية
بقلم: سليم قلالة عن الشروق الجزائرية
هناك مقياس واحد لمعرفة طبيعة ما يحدث في العالم العربي والإسلامي اليوم، لمن اختلطت عليه الأمور أو اضطربت لديه الرؤية، أو كثرت عليه التحاليل وتناقضت عنده الآراء والأقوال لدى الفقهاء أو السياسيين أو المحللين.. هذا المقياس لا يخطئ ولا يثير الجدل كما لا يخطئ مقياس ريشتر ولا يثير الجدل عند حساب شدّة الزلازل، هو مقياس فلسطين وغزة كجزء لا ينفصل عنها، بقدر ما تكون درجات التقييم إيجابية لصالح فلسطين في أية مسألة، بقدر ما يكون الحدث أو التغيير أو الاضطراب أو حتى الانقلاب إيجابيا، وبقدر ما تُصبح سلبية على هذا المقياس تكون سلبية بقدر ما نقترب من تحرير الأرض ومن إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وعودة اللاجئين نكون في الطريق الصحيح، وبقدر ما نبتعد نكون في الطريق الخاطئ.
لا تبحثوا بعيدا، أيَا ما بَدت أمامكم المسائل مضطربة، وتناقضت أمامكم الفتاوى، واحترتم بين ما حدث في مصر انقلابا أم ثورة جديدة، وما يحدث في العالم العربي ربيعا أم شتاء، أو ما يحدث من تفجيرات في لبنان والعراق هو من فعل هذا أو ذاك، واسألوا أنفسكم:هل يخدم فلسطين والشعب الفلسطيني، أم يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي وأنصاره؟
وستبدو لكم الصورة واضحة لا غبار عليها، وستكتشفون حقيقة الصراع بين المعارضة السورية والأسد، ووهم المعركة بين السنّة والشيعة في العراق، وزيف الوطنية من حقيقتها في مصر، والهدف الحقيقي من المساعدات الخليجية لها، بل ستعرفون خلفية تدخل (الناتو) في ليبيا، وما وراء تحريك الإرهاب في تونس، وتشتيت القوى في اليمن، ومحاولة زرع الفتنة في جنوب الجزائر...
ستعرفون كل هذا من خلال مقياس ريشتر فلسطين الذي لا يخطئ أبدا في مركزه القدس، أو عند الأطراف في غزة، ستنجلي الغمامة عن أعينكم، وتتوقفوا عن متابعة كل هذه التحاليل المتناقضة، باعتبار أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة، ولا يمكن لأحد أن يدّعي الوطنية أو الإخلاص أو خدمة أمن بلده القومي إذا لم يأخذها بعين الاعتبار.
ابحثوا في مفردات أي من الأطراف المتصارعة، والتي تحاول تخوين بعضها البعض، وتتبعوا مواقف كل منها في الواقع، وقارنوا ذلك برد فعل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بعيدا عن من يمثله رسميا، بل واسمعوا له في المعابر حيث يُحاصر كل يوم، وفي المخيمات حيث يموت في صمت، وفي البلدان حيث يعيش بلا كرامة، وستعرفون إن كان هذا البلد أو ذاك على حق، إن كان هذا الفصيل أو ذاك على حق، هذا الحزب أو ذاك على حق، هذا الجيش أو ذاك على حق... هو ذا مقياس ريشتر الفلسطيني.. لا تبحثوا عن مقياس آخر غيره لتوضيح الرؤية أو تسديد الرمي.
هل يدخل حزب الله فلسطين؟!
بقلم: صادق النابلسي عن الأخبار البيروتية
تشهد إسرائيل منذ انتهاء عدوانها على لبنان صيف عام 2006 امتداداً معقداً لهزيمتها. منذ ذلك التاريخ لا سلاح لها غير الوله الكسير، ومراثي العجزة، وكلمات التهديد والوعيد، والأطر الجامدة المكررة التي لا يمكنها التنبؤ لها بفوز حتمي إذا شنت حرباً جديدة على حزب الله. ما تنشره معاهد الدراسات السياسية والاستراتيجية عن خطط سنوية للجيش الإسرائيلي (معهد بيغن ـــ السادات نموذجاً) لا يظهر منها أنّ إسرائيل قد خرجت من عقيدتها الأمنية التقليدية وتجاوزت نظرية بن غوريون القائمة على مبدأ «القوة لتأمين جوهر البقاء».
وهي نظرية تضاءلت قيمتها وتأثيرها أمام فوضى التحولات في السياسة والأمن والجغرافيا والاقتصاد والرأي العام، وأمام تبدّل حقيقي في توازنات القوى الإقليمية، وصعود متعاظم لدور حزب الله العسكري الذي فاق دوره أدوار دول أساسية ومحورية في المنطقة (الفاعلون من غير الدول). هاجس البقاء بشقيْه الكينوني والحضاري تفاقم على نحو مطّرد مع تطور الأحداث التي تجري على ضفاف الكيان الصهيوني. وسؤال الوجود المدرج من ضمن المحفوظات المدرسية الأساسية، يزداد تجذراً وإلحاحاً داخل الوعي الإسرائيلي، ما يعني أنّه سؤال أصيل عبر التاريخ، ينتقل من جيل إلى جيل، ويجري في الدم والمعرفة والوقائع. واليوم هو أكثر هولاً من أي زمن سابق بعد طفرة التهديدات اللانمطية، وتهشم الكثير من المفاهيم كمفهوم أمن الدولة أو الأمن القومي التي راجت منذ صلح وستفاليا عام 1684، وتكسر مبدأ شرعية الحدود التي فرضتها الجرائم والمصالح الاستعمارية بالعنف وعلى نحو اعتباطي بحسب تشومسكي Noam Chomsky.
تشعر إسرائيل بأنها أمام مرحلة ملتبسة بكل المقاييس، وبأن حركة التاريخ تضعها أمام معضلة الاستمرارية والثبات في المساحة الجغرافية وفي العمق الاستراتيجي.
وما حصل منذ «الربيع العربي» من انهيارات ومتغيرات جيو ـــ استراتيجية وعسكرية جعل قدرة إسرائيل على ضمان أمنها تتقلص إلى مستويات دنيا. فما عاد بالإمكان أن تعيش مناطق في عزلة عما يجري من أحداث وصراعات في أماكن قريبة أو بعيدة عنها، وخصوصاً أن النظام الدولي، منذ عام 1994، شهد مفهوماً جديداً للأمن يقوم على كونية وعالمية وواحدية الأمن الإنساني، بفعل تزايد عوامل الارتباط بين الدول والشعوب ونتيجة لجملة من التأثيرات المتبادلة في شتى الميادين. فانتشار الحروب والنزاعات في نطاق جغرافي محدد لا يمنع مجالات جغرافية أخرى من أن تتسرب الأخطار والتهديدات الأمنية إليها. وبناءً عليه فإن مهمة تأمين وحماية الكيان الإسرائيلي في ظل المتغيرات الجديدة في بيئة المنطقة، واتساع نطاق الصراعات الطائفية والإثنية، وتعاظم الخلل في مجالات ومستويات الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء، تجعل كلها من هذه المهمة غاية لا تدرك.
2
تعرف إسرائيل أن حاجاتها إلى الأمان والتوسّع وتحقيق الذات حاجات وجودية تتطلب منها مراكمة القوة وتنويع صيغ الردع في مواجهة أعدائها، وخصوصاً حزب الله (Shamuel Bar في دراسته المقدمة لمؤتمر هرتزيليا 2007)، لكنها حائرة في إطار أي استراتيجية تضع ذلك. هل في إطار استراتيجية ليّنة تقوم على تجفيف مصادر التمويل، التطويق، الحصار، الاستفزاز والمضايقة، وضع قيود غربية وعربية على الأموال والأشخاص (قرار الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أخيراً)، تهديد بيئة حزب الله بسلسلة من التفجيرات الدموية بهدف خفض مستوى نشاطه ووقف انخراطه السياسي والعسكري المتصاعد خارج مجاله ومداره التقليدي. بيد أنّ سؤالاً استطرادياً ينشأ على ضفاف السؤال الآنف يدور حول إمكان هذه الاستراتيجية، (وسنسميها أيضاً البتر الناعم أو البطيء)، التي تحتاج إلى النفس الطويل والوقت المديد، إجبار حزب الله على تفكيك بنيته ونزع سلاحه، على قاعدة «بالصبر تبلغ ما تريد patience pays»، أم في إطار استراتيجية متشددة مبنية على الاندفاع الكامل (البتر السريع والفوري) بضربات قاصمة مدمرة لإفناء العدو، وخصوصاً أنّ إسرائيل تملك من القوة البشرية المدرّبة والوسائل التكنولوجيّة الحديثة والأسلحة الفتّاكة ما لا تملكه أقوى جيوش المنطقة، لكنّ إسرائيل واقعة في الالتباس واللاوثوقوية في ما تفعل. ولا تملك يقيناً بإمكان النجاح في أي من الاستراتيجيتين ـــ وهي التي جربتهما طيلة أعوام صراعها المرير مع حزب الله ـــ حتى وهي تنظر إلى سوريا حليفة الحزب مرهقة القوى، ضعيفة البنية، وتشاهد المقاومة الفلسطينية مشتتة الذهن، مذبذبة المسار، وتضحك على شعوب العالم العربي المنقسمة على نفسها والمشغولة بكثافة الفتن السياسية والطائفية والعرقية!
عدم جرأة إسرائيل على شن حرب على حزب الله منذ سبع سنوات يعكس تغيّراً في طبيعة إدراك القيادتين السياسية والعسكرية الصهيونيتين للتهديدات النابعة من الجبهة الشمالية. والمثل الشهير الذي يقول:Strike hard while the iron is hot أي «اضرب على الحديد وهو ساخن» لا يشبه البتة المثل الآخر: «ختامها مسك». فحتى لو كانت المنطقة من حولها تنهار وحزب الله في حفرة تلتف عليه الوحوش، فلا يقين بأنّ الإمكانات متاحة لخوض حرب تكون نتيجتها فوزاً لها بالضربة القاضية ومن الجولة الأولى. إسرائيل لا تشكو من مرض الجبن فحسب، بل أيضاً من تهور يحيل المبادرة على جحيم حقيقية. لقد بان ذلك بوضوح خلال الأربعة والثلاثين يوماً من سير المعارك في الحرب الأخيرة، أخفقت فيها التقويمات والتقديرات والحسابات الإسرائيلية، وبُغتت القيادتان بمفاجآت المقاومة، وذهلت من نوعية الصواريخ التي كانت بحوزة المقاومين، إذ لم يكن لدى الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أدنى معلومة أو احتمال عنها، بل حتى لم تصل إليها أوهامها بحسب ما ذكره السيد نصر الله في مقابلته الأخيرة مع قناة «الميادين».
في اللحظة الراهنة، تبدو إسرائيل مشغولة أكثر وعلى نحو متزايد بالقوة المتعاظمة لحزب الله. حزب الله الذي بدأ ببضعة رجال وبضع بنادق، تلخصه اليوم عبارة السيد نصر الله الشهيرة: «لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين المجهزين الحاضرين للشهادة». فكيف لإسرائيل أن تبدأه بقتال؟ ثم إنّ أي جولة جديدة لن تكون كبقية الجولات.
فموازين القوة ما عادت كالسابق، ومستوى التحولات في الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية لدى عدد كبير من الدول العربية والأجنبية يعكس على الأقل في بعض جوانبه تمحورات ومواءمات مرتبطة مباشرة بالمصالح الخاصة لهذه الدول. ومعنى ذلك أنّ إسرائيل ليست هي القائد، التي بمجرد أن تعلن بدء أعمالها الحربية سيتحرك حلفاؤها العرب والأوروبيون وراءها سريعاً. هذه المرة لن تجد إسرائيل الكثير من الحلفاء المستعدين لانقاذها. أميركا تستدير وتنظم تراجعها.
أوروبا تعيد تعريف هويتها ومصالحها. القوى الأساسية في العالم تعيش حالة ضمور في نفوذها، في مقابل صعود قوى أخرى تعمل على فتح الطريق أمام عالم متعدد الأقطاب يكثر فيه الفاعلون والمستحوذون على القوة (انتشار القوة - القرن الحالي لن يكون قرن دولة ما - بحسب جوزف ناي Josef Nye)، التي لن تكون وقفاً على عدد محدد من الدول. والتشقق يصيب تقريباً كل شيء في النظام الدولي القائم مع وصول التناقضات إلى معظم طبقات هذا النظام. أمام هذه الصورة، هل سيكون بمقدور إسرائيل أن تخوض حرباً وحدها، أم بمعونة بعض الحلفاء وتحقق فيها نصراً حاسماً. هناك في الجانب الإسرائيلي من يشير إلى أثر الخيارات غير الصائبة أو القاتلة على وجود الكيان برمته.
لقد مرّر السيد حسن في مقابلته الأخيرة جملة لم يلتفت إليها أحد، عندما نقل كلاماً عن قادة العدو قالوا فيه: «لو استمرت الحرب (حرب 2006) لانهارت إسرائيل». بالنسبة إلى إسرائيل أية طلقة غير محسوبة قد تكون انتحاراً، وهذا ما قصده السيد نصر الله في مهرجان عيتا الشعب عندما قال: «لا يفترضنّ أحد أنّه إذا فتح معركة معنا هو الذي يحسم المعركة. نحن من نحسم المعركة.
نحن من نوقّت ختام المعركة». وعبر عقود من حضور الإسرائيليين على أرض فلسطين، لم يكن أحد من العرب يتهددهم بالغزو، في وقت أعلن فيه السيد نصر الله صراحة أنّ جنوده سيدخلون الجليل. ثمة إرباك هائل داخل إسرائيل في تقدير الاستثناء التاريخي للحظة الحالية، إذ مثلما تريد إسرائيل إزالة حزب الله ومحوه من الوجود لما يسببه لها من مخاطر وجودية مستمرة، فإنّ حزب الله يريد إزالتها أيضاً من الوجود. مع فارق أساسي هذه المرة. ماذا لو بادر حزب الله إلى إطلاق الرصاصة الأولى ودخول فلسطين بتوقيته هو؟
ما وراء الأخبار.. لماذا يقرعون طبول الحرب؟
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
يبدو أن معسكر التآمر على سورية قد وصل إلى طريق مسدود، لذلك بدأ يقرع طبول الحرب، ويهدد بتدخل عسكري مباشر ضد سورية بعد أن قُطع أمله بأن تحقق العصابات الإرهابية التي تم استقدامها من 83 دولة خرقاً على المستوى العملياتي فوق الأرض السورية.
لقد وضع هذا المعسكر، الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» ودول الاستعمار القديم، كل ما لديه من أوراق لإسقاط الدولة السورية لكنه لم يستطع ذلك حيث بقيت مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والخدمية تثبت وجوديتها على امتداد مساحة القطر على الرغم من الأعمال الإرهابية التي يتم تنفيذها بحق الموظفين والعمال ورجال الأمن، وذلك لقناعة الجميع بأن ما يجري على الأرض السورية يستهدف جميع مكونات الشعب السوري السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، لكن طبول الحرب التي تقرع على سموم غاز السارين الذي استخدمه الإرهابيون في أكثر من مكان، لا يمكن أن تقنع الرأي العام الأمريكي والأوروبي والعالمي بالحجج الواهية التي يتذرع بها هؤلاء، وخاصة أن الكذب الأمريكي الذي انكشف أمره بعد غزو العراق بحجة امتلاكه الأسلحة المحرمة دولياً، لم يعد ممكناً تكراره الآن في سورية، وبالتالي فإن الرأي العام العالمي يدرك تماماً أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر «إن حصل» ما هو إلا اعتداء صارخ على القانون الدولي، وهو أيضاً مساعدة علنية ومباشرة لـ «جبهة النصرة» وغيرها من المجموعات التكفيرية التي تتصل وشائجها القوية مع تنظيم «القاعدة» الذي تدعي الولايات المتحدة الأمريكية محاربته، وهو رد فعل ليس بمحله تجاه سورية التي تعاونت بشكل كبير مع لجنة التحقيق الأممية التي تنفذ مهمتها بكل حرية في المناطق التي تسيطر عليها الدولة بينما تتم عرقلة تنفيذ المهمة في الأماكن التي يوجد فيها الإرهابيون المسلحون.
إجمالاً نقول: لا نتمنى أن ترتكب الإدارة الأمريكية حماقة جديدة، هي ومن يقرع طبول الحرب معها، وذلك ليس لأننا نخشى المواجهة، أو لأننا لا نمتلك السلاح المناسب للدفاع عن أنفسنا وبطرائق قد تفاجئ العالم، وإنما لأننا نعلم جيداً أن مثل ذلك العدوان لن يجلب إلا الويلات والندم والهزيمة لكل الأطراف التي تلعب الآن بالنار، وتهلل للإسراع بارتكاب حماقة جديدة، ولأننا نعلم أيضاً أن الحل السياسي للأزمة في سورية هو الحل الأقل تكلفة، وخاصة أننا اقتربنا من القضاء المبرم على الإرهابيين الذين لا يشكلون خطراً على سورية فقط وإنما على العالم أجمع.
خطيئة إخوانية
بقلم: حمادة فراعنة عن الرأي الأردنية
خطوة مهمة ، تلك التي أعلنتها حركة حماس على لسان إسماعيل هنية ، بدعوتها الفصائل والشخصيات لمشاركتها في إدارة قطاع غزة ، وهي متأخرة ، ولكنها تأتي خير من أن لا تأتي ، ولأنها خطوة نوعية تستحق التقدير والإهتمام ، على الطريق الطويل من أجل التراجع عن الإنقلاب ، وإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة .
تستحق التقدير ، لأنها تعكس فهم قيادة حركة حماس أن هنالك تطورات سياسية ، يجب التكيف معها ، وإستحقاقات يجب تلبيتها بعد السياسات الخاطئة التي إرتكبتها في تعاملها مع الأحداث السورية وإنحيازها إلى المعارضة المسلحة ، وتدخلها بالشأن الداخلي المصري وتوظيف محطاتها التلفزيونية وإعلامها ضد ثورة 30 يونيو ، وإنحيازها الفاقع لسياسات الإخوان المسلمين وخياراتهم ، فالفلسطيني سبق وأن دفع أثماناً باهظة في الكويت والعراق وليبيا ، ولا يجوز أن يكرر خطاياه بسبب إنحيازاته الحزبية لهذا الخيار على حساب ذاك ، فهو بحاجة للعرب ، كل العرب ، كحاجته للمسلمين والمسيحيين ، والمؤمنين بالعدالة ودعاة حقوق الأنسان ، وقضيته عادلة ، يجب أن لا تقع بين أيادي المتصارعين لأسباب حزبية وفئوية .
حركة حماس بدعوتها هذه ، تعني أن سياستها في الاستئثار والهيمنة والتسلط الفئوي الحزبي الأخواني ، غير مجدية بعد أكثر من سبع سنوات من عمر الانقلاب ، فقد فشلت في جعل قطاع غزة عنواناً للتنمية وحسن الخدمات وتوفير متطلبات العيش الكريم ، وإشاعة قيم التعددية والديمقراطية والأحتكام إلى صناديق الأقتراع وممارستها ، مثلما فشلت في جعل قطاع غزة عنواناً للمقاومة ، وإستنزاف العدو ، وبدلاً من ذلك توصلت إلى إتفاق الهدنة مع الإسرائيليين برعاية الرئيس محمد مرسي يوم 21/ 11/ 2012 ، ولذلك لا هي نجحت في تقديم قطاع غزة على أنه محرر من الإحتلال ، ولا هي نجحت في تقديم قطاع غزة محتلاً وقامت بعمليات مقاومة ، لإستكمال خطوات طرد الإحتلال .
هذا الفشل الإخواني الحمساوي هو الذي دفع إسماعيل هنية ، متأخراً كي يطالب الفصائل والشخصيات للمشاركة في إدارة القطاع ، وهي دعوة ومشاركة لم تجد الإستجابة من قبل الفصائل والشخصيات الفلسطينية لأن طريق المصالحة ، يجب أن تبدأ بخطوة الاتفاق كما جرى في القاهرة والدوحة ، إعلان حكومة موحدة لغزة ورام الله ، والاتفاق على إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية لتجديد ولاية الرئيس التي إنتهت ، وولاية المجلس التشريعي التي إنتهت أيضاً .
خطوة حماس التراجعية ، خطوة صغيرة ومتواضعة ، ولذلك فهي غير كافية كي تدفع الفصائل والشخصيات للتجاوب معها والإنخراط في آليتها ، ولذلك وصفتها أغلبية قيادات الفصائل الفلسطينية بأنها هروب من قبل حماس ، من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه ، ولذلك لن تقدم لحركة حماس شبكة إنقاذ ، ولن توفر لها شبكة حماية ، فالمطلوب من حركة حماس أن تعي الخطيئة المزدوجة التي وقعت فيها ، وأولها الإنقلاب والتفرد والهيمنة الحزبية الاخوانية ، وثانيها تدخلها الحزبي الفئوي وتأثير ذلك على كيفية تعاملها مع الأحداث الجارية في سوريا ومن بعدها في مصر ، والمطلوب منها التراجع عن الخطوتين .
ثمرة الربيع: عناق المتطرف الديني بالمؤدلج السياسي!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
هناك تحالفات هشة متجددة بنيت على أنقاض «الربيع العربي»، يجمع فيما بينها البكاء على انهيار تجربة الربيع بما حملته من آمال عريضة وتصورات فانتازية عن عالم عربي وشرق أوسط جديد، السياسي المؤدلج غير راض على ما آلت إليه الأوضاع، ولديه أزمة حقيقية مع دول الاستقرار تعود إلى رغبته في ابتزاز أنظمتها السياسية عبر المطالبة المبتسرة بالإصلاحات السياسية ولو بدفع أثمان باهظة، كالتحالف مع التطرف وآيديولوجيا العنف، كان ذلك سابقا مع تبرير عنف «القاعدة» في التسعينات باعتبار أن مكونه الرئيسي وسببه الجوهري هو غياب الإصلاحات فيما تبين لاحقا أنه أشبه بالمزحة السامجة (تشبه هذه المزحة تصريح أردوغان أن إسرائيل والغرب وراء سقوط مرسي).
الآيديولوجي المتطرف أيضا يتحالف مع الخطابات السياسية الابتزازية هذه الأيام بعد أن كان يكفرها سابقا ويصب عليها جام غضبه وإرهابه لمجرد رأي سياسي حول نقده للعنف الديني أو التطرف أو الإرهاب، لكنه اليوم يحاول أن يتترس بعقله العنفي خلف مصطلحات ليبرالية الصنع والمنشأ لكن بمضامين أصولية، تتحول الديمقراطية إلى حكم شمولي، ويتم تصوير الإرهاب والترويع والعنف على أنها معارضة واعتصام سلمي، لكن هذه الازدواجية لا يمكن أن تصمد أمام الأتباع، لذلك يتم إنتاج خطابين؛ الأول للغرب والشخصيات المتحالفة من خارج الإسلام السياسي والإعلام يتحدث بلغة سياسية مصلحية، ويتم إنتاج خطاب آخر للأتباع والكوادر وباقي المجموعات المتطرفة مصاغ بلغة دينية وثوقية حادة تضع الآخرين في قوالب الجاهلية وتستخدم كل إمكاناتها في تنزيل النصوص الدينية الواردة في سياق الكفار والمنافقين ليعممها على خصومه السياسيين الذين ربما كانوا أكثر تدينا وفهما لها منه، لكنهم في النهاية، بعيدا عن ذلك، مساوون له تماما في المواطنة وحق تقرير المصير.
وكما أخطأ السياسي المضاد للأنظمة فهمه لطبيعة العنف الذي تولد منذ بداية السبعينات بسبب انفراجة الأوضاع فيما يخص الإسلام السياسي التي قادها باقتدار الرئيس أنور السادات وساهم في ذلك ردة الفعل تجاه فترة قمع عبد الناصر، منذ ذلك الوقت أطلق سراح قيادات «الإخوان»، وتم الانفتاح على الغرب وأقرت أنظمة التعدد الحزبي، ولاحقا عشنا في الثمانينات مرحلة الصحوة التي ألقت بظلالها على طبيعة الأنظمة السياسية وتبنيها لخطابات موازية تستجلب الشرعية الدينية قبل السياسية، ومن هنا تضخم العامل الديني في الحياة السياسية وولدت معه مكونات لخطاب عنفي انقلابي يسعى إلى تحقيق حلم الخلافة، وظل حتى لحظة الربيع يتخذ أشكالا وأنماطا مختلفة، لكن الهدف والمضمون واحد، استبدلت الحاكمية والشورى بإرادة الشعب والصندوق، واستبدل التحالف مع الأنظمة العربية التي تحالفت مع الإسلاميين إبان الحقبة الناصرية بالتحالف مباشرة مع «الشيطان الأكبر» الغرب وإسرائيل لكن في حدود إشكالات العلاقة مع «حماس» وليس المقاومة المفهوم الأشمل.
السياسي الثائر والمستلب من الإسلام السياسي بات يتحدث عن الديمقراطية بشكل مجتزأ ومبتسر ومنقوص، معتمدا على لعبة الأرقام وحصر مفهوم الديمقراطية في الانتخاب بين لا حديث عن الفصل بين السلطات ولا حديث عن ضمان الحريات السياسية الفكر والفن والحرية الدينية ووجود أحزاب معارضة والهوية الوطنية المشتركة.. إلخ
السياسي في هذا الابتسار والتحالف بمنطق السياسة يحول جماعات الإسلام السياسي، ومنها «الإخوان» بتجربتها الفاشلة، إلى طائفة أو أقلية دينية مضطهدة، وهي جزء من أزمة فهم الغرب والولايات المتحدة لطبيعة الإسلام السياسي والفرق الكبير بينه وبين الأقليات الدينية، حيث لا يختلف في المعتقد الديني، وإنما في الأهداف السياسية والطموح للحكم وآلية التغيير الاجتماعي، وهي تمظهرات سياسية - اجتماعية وليست عقائدية، كما أن طرحها بهذا السياق الطائفي الأقلوي هو معادل آخر لطريقة تكفير هذه الجماعات المتطرفة للمجتمع المسلم ووصفه بالجاهلي، وإلا فكيف يمكن للسياسي المتحالف مع «الإخوان» أن يتجاهل مكونات أكثر عراقة وتجذرا في المجتمعات الإسلامية كالإسلام الرسمي ويمثله الأزهر في مصر والتيارات السلفية الحاضرة اجتماعيا بشكل أقوى، بل المهيمنة، كظاهرة معولمة لها تجلياتها المختلفة، فنحن أمام سلفيات متباينة لكن بإطار ومرجعية فكرية متقاربة، هذا عدا أن أغلب المجتمعات الإسلامية، وعلى رأسها المجتمع المصري، هي مجتمعات متدينة ومتسامحة إجمالا لم تطرأ عليها تحولات نوعية وضخمة كالتي طرأت على مجتمعات أوروبية أو حتى آسيوية فيما يخص العامل الديني.
الإسلام السياسي الحركي يعبر عن موجات اجتماعية وليس مجرد أحزاب وتنظيمات سياسية، هناك فرق كبير من جهة مصادر التلقي والانتشار والتعبئة، لذلك التحولات بحاجة إلى خطابات بديلة على مستوى الفكر والعقل وليس فقط على مستوى الخيار السياسي، فكما لم تتحول جماعات الإسلام السياسي أو حتى بعض الجماعات المنشقة عنها ممن كانت لها سابقة العنف، كالجماعة الإسلامية والجهاد، إلى خيار المشاركة السياسية بمجرد قرار قيادي، فلا يمكن أن تعود إلى مربع السلم الأهلي بمجرد قرار أو انقلاب داخل الجماعة، هناك حاجة لوقت طويل للمراجعة والتفكير والخروج من كل أطر ما قبل الدولة الحديثة، ومنها مفردات الخلافة والشمولية والأممية.
هناك عناق حميم الآن بين المتطرف الديني والمؤدلج السياسي بشعارات الخوف من عودة حكم العسكر والأنظمة القمعية وتراجع الحريات السياسية، في حين أن كل هذه المخاوف تبدو أكبر في ظل الحكم الشمولي للإسلام السياسي لسبب بسيط هو عواقب تسييس الدين أكثر خطرا وفداحة من تحييد العامل الديني في الصراع السياسي، وللحديث بقية.
هل سيتكرر سيناريو صدام مع الأسد؟
بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية
ستكون منطقة الشرق الاوسط مجدداً على موعد قريب مع ضربة عسكرية واسعة او محدودة من قبل الدول الغربية بقيادة اميركية ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد لأنه المتهم الرئيس في الهجوم اخيراً بالسلاح الكيمياوي على مناطق الغوطة بريف العاصمة دمشق والذي راح ضحيته اكثر من الف قتيل و آلاف المصابين من الاطفال و النساء و المسلحين السوريين المعارضين.
من الناحية الدولية، هناك شقان يتعلقان بنظرية الأمن القومي الاميركي، الشق الخاص بزعامة كونية لمنظومة القيم الديمقراطية التي تأسس عليها النظام السياسي الاميركي وبالتالي اي طرف اوجهة او دولة تتناقض او تتسبب في حرج او تقوض نفوذ هذه الزعامة تمثل تهديداً للأمن القومي في الولايات المتحدة ويستوجب التدخل العسكري. اما الشق الثاني، فله صلة بوقوع تهديدات مباشرة للأراضي والمصالح الاميركية او لأراضي ومصالح الدول الحليفة ويتطلب ذلك عملاً عسكرياً واسعاً و مباشراً.
في الحالة السورية، فأن الهجوم الكيمياوي على الغوطة بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه، النظام السوري او اي طرف ثاني له دلالات ستراتيجية بالغة الخطورة منها و اهمها ان اسرائيل - و هي حليف اساسي للولايات المتحدة - يمكن ان تواجه هجوماً شبيهاً بالهجوم على ريف دمشق في حال انتشرت الفوضى اكثر مما عليه في الوقت الراهن في سورية، كما ان الهجوم يعد تحدياً للزعامة الاميركية لقيم الديمقراطية في العالم وهذا امر يضر بهيبتها ونفوذها لأن هذه الزعامة الاعتبارية و الاخلاقية اخذت على عاتقها اقامة نظام دولي جديد و الدفاع عنه وهناك استحقاقات ملزمة بنشر اسلوب الحكم الحر و التعددي وبالتالي من المنطقي ان يبادر الاميركيون الى التعامل مع الملف الكيمياوي السوري بجدية وحزم واذا لم يفعلوا ذلك، فأنهم سيواجهون حالة من الازدراء والسخرية من الشعب الاميركي اولاً و بقية الشعوب الاخرى.
بالمقارنة بين تجربة حكم صدام حسين في العراق و تجربة حكم الاسد في سورية، فأن نظام الاسد غير بعيد عن احتمال تكرار بعض التفاصيل الخاصة بالسيناريو الذي جرى تنفيذه على نظام صدام منها شن غارات جوية و صاروخية لتدمير مواقع عسكرية حيوية في سورية وهذا معناه ان التدخل العسكري الغربي بسبب هجوم مناطق الغوطة قريب المنال، كما ان الغرب ربما يذهب الى خيار آخر وهو ابرام اتفاق دولي مع نظام الاسد لنزع الاسلحة المحظورة التي بحوزة الجيش السوري النظامي بذريعة ان النظام فقد السيطرة على هذه الاسلحة وهذا امر فعال لأنه يشكل ضمانة لأمن اسرائيل و أمن حلفاء الولايات المتحدة من العرب كالمملكة الاردنية.
في اسوأ حسابات النظام السوري، السؤال التالي: هل يمكن للغرب ان يتذرع بالسلاح الكيمياوي الذي استخدم في غوطة دمشق ليفكر بالانتقال الى تطبيق سيناريو صدام في العام 2003؟ بمعنى يكون الهدف من اي تدخل عسكري غربي وشيك هو الاطاحة بنظام حكم الاسد وتمكين المعارضة السورية منه كما جرى بالضبط مع رئيس النظام الدكتاتوري السابق في العراق ثم تلي هذه الخطوة تشكيل حكومة سورية انتقالية باشراف دولي تكون من مهامها القاء القبض على الرئيس الاسد وبقية اعوانه لمحاكمتهم على جرائم انسانية بينها استعمال الكيمياوي ضد المدنيين.على المستوى الدبلوماسي، سيحاول اصدقاء النظام السوري ابعاد شبح السيناريو الغربي الذي تم تجريبه على نظام صدام بحيث تكون الضربة العسكرية الغربية محدودة و سريعة و مجرد عملية عقابية كي لا تتكرر الهجمات الكيمياوية في المدن السورية وبالتالي لا يكون هدف الضربة العسكرية الغربية التخلص من حكم الاسد.
بالنسبة للقيادة الروسية الداعمة بقوة لنظام الاسد ستحاول على الارجح مبادلة وقف أية ضربة عسكرية غربية في سورية في حال حدوثها بتعزيز فرص التسوية السياسية في اطار عقد مؤتمر جنيف 2 وربما يتدخل الروس هذه المرة للضغط على الرئيس السوري لترك السلطة ضمن خطة حل مناسبة اي ان الغرب استفاد عملياً مما حصل في الغوطة باتجاه القيام بضغط عسكري على النظام السوري و اجباره على تقديم تنازلات مهمة لابرام حل سياسي مع معارضيه وقد يفعل الاسد كل ما هو مطلوب منه ليتجنب المصير الذي واجه صدام حسين.
كلمة الرياض : لا حلول سياسية بلا ضغط عسكري..
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
غير الاستراتيجيين الذين يديرون سيناريوهات الضربة على سورية تبقى التحليلات تخمينية؛ لأن الأسرار خاصة بالقيادات العسكرية والسياسية وبمن سيقومون بتنفيذ هذه المهمة، لكن في إطار التجاذبات السورية مع خصومها وحلفائها أعادنا وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الغالب على حضوره الإعلام السوري إلى طيب الذكر محمد الصحاف قبل احتلال العراق، فكل الردود إنذارات وضربات مقابلة وإعلان فشل هذا التصرف، وانتصار للإرادة الوطنية وقيادتها..
الغريب في الأمر موقف روسيا، فهي لن ترد عسكرياً، ولم تمنع الأسد من استعمال السلاح الكيماوي، وتعلق الحجج على أمريكا وحلفائها في اتخاذ قرار عسكري بضرب سورية، إلاّ إذا كانت هناك صفقة مع الغرب بتسويات أخرى كانقلاب عسكري من قلب جيش النظام لتغيير الوجوه وجمع كل الأطراف بما فيها المعارضة تجنباً لأن يحتل المشهد والقوة إسلاميون متطرفون، لكن ما هي الفائدة الروسية من ذلك؟
قطعاً حفظ ماء الوجه واستنفاد محاولاتها مع الأسد القبول بحلول مرضية، أو أن قوة دولية تشترك بها روسيا مع دول عديدة لتحل بديلاً عن الجيش النظامي والحر لإقامة حكومة انتقالية تقوم، تحت المظلة الدولية، بإعادة سورية إلى وحدتها كبديل عن أن تكون مركزاً خطراً للإرهاب أو حرب أهلية..
سورية من جانبها تقول إن الضربة تريد خلق توازن عسكري في الداخل لتتم التسوية وفق منطق قوة الطرفين، وهذا احتمال مقبول لو أن أمريكا والدول المشاركة لها دعمت الجيش الحر بقوة مساوية دون اللجوء لاستخدام القوة، لكن مسار الأمور يتجه نحو تنفيذ الرغبة الأمريكية لجني العديد من الأرباح السياسية أولاً بإعادة مركزها كدولة مقبولة من الرأي العام العربي والعالمي بعد انحسار دورها وحتى هيبتها والظهور بأن المنطقة مركز نفوذها ولا تقبل شراكة مع روسيا أو غيرها باستخدام نفوذ مضاد لها فيها..
تراجع روسيا عن دعم مناصريها ليس الأول والأخير، فقد استخدم الأطلسي قوته في ضرب صربيا وهي المحسوبة روحياً على كنيستها، وعرقياً على أرومتها السلافية وجرى نفس الحدث مع ليبيا دون أن تحرك سفينة أو طائرة واحدة، ومع سورية قد تكون وضعت مثل هذا الاحتمال فصار خيارها هو الابتعاد عن صِدام مدمر، وهي التي تعرف أن بطنها مكشوفاً لأي حرب محتملة طالما دول منظومة الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى هم حلفاء الغرب وأعضاء في اتحاد أوروبا حالياً..
فوائد الضربة قد تطرح على إيران ضغطاً مباشراً سواء بحد رقعة تحالفها مع العراق وسورية وحزب الله بما سمي بالهلال الشيعي، وجرّها مرغمة إلى تنازلات عن مشروعها النووي، وهو فائدة للغرب وأمريكا وإسرائيل معاً، والأخرى أن تتمدد القاعدة في مناطق خطرة بدعم من دول وليس منظمات فقط، بما يفرض إيقاعه خاصة وأن العراق وسورية أصبحتا خاضعتين لهذه المنظمة الإرهابية..
الصين كعادتها تستخدم السياسة في حدود منفعتها، ولذلك جاءت تصريحاتها خجولة بحدود مفهوم انتظار التحقيقات بشأن الكيماوي، وضرورة الإجماع الدولي وخطورة مثل هذه الإجراءات، وكل ذلك يفسر لنا أن التحالفات بين القوى الصغيرة والكبرى تبقى ضمن اللعبة التي يستفيد منها الطرف الفاعل، ومثلما تخلت أمريكا عن شاه إيران وغيره، فقد تتخلى روسيا وإيران عن الأسد، طالما الأمور لا تقبل التهور في اللعبة الخطرة وخاصة مع الغرب الذي طالما كان المنتصر في الحلول السياسية والعسكرية أو فرضهما على أي خصم.
الوحش الذى استيقظ فينا
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
احذر من الوحش الذى استيقظ فينا، لاننا إذا لم نسارع إلى كبح جماحه فلن يسلم أحد من شروره، وستصبح مصر كلها ضحية له.
(1)
أتحدث عن خطاب الكراهية ودعوات الانتقام التى تستهدف ترويع الآخرين وتصفيتهم ليس لإقصائهم فحسب ولكن أيضا لاقتلاعهم وحرمانهم من حقهم فى الكرامة فضلا عن الحياة والوجود. إلى غير ذلك من عناوين ومفردات حملة الجنون التى باتت تملأ الفضاء المصرى، وصارت تستخلص من الناس أسوأ وأتعس ما فيهم.
أتحدث عن التهليل لاستخدام القوة وعدم الاكتراث بالمجازر التى وقعت والاستخفاف بأرواح ودماء القتلى والشماتة فى الضحايا، واستسهال التخوين والتوزيع المجانى لتهم الإرهاب والتحريض على القتل وقلب نظام الحكم والتخابر مع الأعداء. وأستغرب ان يتم ذلك كله من خلال منابر عامة، سواء كانت صحفا سيارة أو قنوات وبرامج تليفزيونية، كما يمارس من خلال سيل من البلاغات المقدمة إلى النيابة، من جانب الميليشيات الجديدة التى خرجت من المخابئ والجحور وصارت تستهدف كل ما هو سوى ومحترم فى بر مصر، ولا تسأل عما هو نبيل وشريف.
فى ظل هذه الأجواء المسمومة تحولت دعوات الوفاق الوطنى والمصالحة والسلام الأهلى والالتزام بالتعددية واحترام الرأى الآخر والحل السلمى للخلافات السياسية، هذه كلها تحولت إلى مثالب يرمى بها من تجرأ وتطرق إليها، وأصبحت مبررات لشن حملات التجريح والتشويه. بل ان الدعوة إلى المصالحة الوطنية التى هى من أنبل وأنجح أساليب العمل السياسى صارت تحظى بدرجة عالية من المقاومة والاستنكار.
وسيل الكتابات والحوارات التليفزيونية التى تبنت هذا الموقف يفوق الحصر. بل اننى قرأت سبابا لأصحاب تلك الدعوة نشرته إحدى الصحف تحت عنوان: أبوكم لأبو المصالحة! والمقصود فى الدارجة المصرية هو ملعون أبوكم وأبو المصالحة التى تتحدثون عنها. أى ان الداعى إليها ليس مجرحا ومستهدفا بالهجاء فحسب، ولكنه ملعون الأبوين أيضا.
(2)
نقلت جريدة الأهرام يوم الأحد الماضى 25/8 عن المستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية أحمد المسلمانى قوله ان الكراهية فى مجتمعنا خطر على الأمن القومى. وهو تعبير دقيق ومهم رغم ان الجريدة لم تشر إلى السياق الذى وردت فيه، إلا أن صاحبنا لم يبين لنا لماذا اطلقت حملة الكراهية فى الوقت الراهن؟ ومن يقف وراءها؟ ومن يتولى بثها والترويج لها؟ صحيح ان المنابر التى تتبنى تلك الحملة ليست فوق الشبهة والوجوه التى تسوقها لها رصيدها المعتبر من عدم الاحترام وسوء السمعة، إلا أنه من المهم للغاية ان تسلط الأضواء على خلفية المشهد لكى نعرف بالضبط من صاحب المصلحة فى بث تلك السموم وزرع الفتنة فى المجتمع بما يؤدى إلى تمزيق أواصره وشل قدرته على النهوض فضلا عن التقدم، وذلك هو الهدف النهائى لأى خطر يهدد الأمن القومى لأى بلد.
ان الوحش فى هذه الحالة لا يصيب الآخر فقط، ولكنه يسمم الأجواء ويلوث الإدراك العام بحيث يحول المواطنين العاديين إلى وحوش صغار وقنابل موقوتة، مشحونة بالكراهية، الأمر الذى يقسم المجتمع إلى ميليشيات متخاصمة ومستنفرة ويحول الوطن الواحد إلى معسكرات متحاربة يتأهب كل منها للانقضاض على الاخر وافنائه. وما لا يقل خطورة عن ذلك ان استمرار ذلك الوضع يعد إعلانا عن فشل السلطة القائمة فى الحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية وعجزها عن حماية التنوع والتعدد فيها.
ثمة حلقة غامضة فى خلفية إطلاق الوحش. ذلك اننا إذا فهمنا دور المنابر المستخدمة وعرفنا شيئا عن المصالح المستهدفة وأدركنا حقيقة العناصر التى تغذى السموم وتروج للحقد والكراهية، فإن علاقة هؤلاء بالأجهزة الأمنية التى عادت إلى انتعاشها مؤخرا تظل محل تساؤل تردد كثيرا على شبكات التواصل الاجتماعى، وقد أثار تلك الشكوك وقواها ان العناصر التى ترعى الوحش وتغذيه لها صلاتها التاريخية الثابتة بتلك الأجهزة. وأهمية استجلاء هذه النقطة انها تبين لنا ما إذا كانت عملية إطلاق الوحش جزءا من سياسة الدولة أم انها تتم لحساب جهات لها مصالحها الخاصة، أم أنها نقطة التقت عندها مصالح الطرفين.
(3)
ليس سرا أن الهدف النهائى لهذه الحملة هو القضاء على الإخوان والخلاص منهم بصورة نهائية عند الحد الأدنى والخلاص من التيار الإسلامى فى مجمله عند الحد الأقصى. وهذا الهدف الكامن أعلنت عنه أصوات بلا حصر خلال الأسابيع الأخيرة، بعضها تسرع وذكر ان «الجماعة» انتهت بالفعل، وبعضها أكد انها تلقت ضربة قاضية أخرجتها من التاريخ بغير رجعة. وبعضها ذهب إلى أن المجتمع لفظها إلى الأبد. إلى غير ذلك من التعبيرات التى تحدث بها البعض عما يتمنونه وليس عما هو حاصل بالفعل.
صحيح ان الإخوان وقعوا فى أخطاء عدة، وان شعبية الحركة تراجعت إلى حد كبير فى مصر، وصحيح أيضا أن أداء بعض الحركات الإسلامية فى الفترة الماضية كان منفرا وليس جاذبا، لكن من الصحيح أيضا انه على مدار التاريخ لم يحدث ان حركة عقائدية لها شعبية إسلامية أو غير إسلامية انتهت بقرار أو بإجراءات إدارية أو حملات أمنية من أى نوع. وحين تكون الحركة إسلامية فى بلد متدين بطبيعته مثل مصر فان القضاء عليها واقتلاعها بالكامل يعد من رابع المستحيلات. وهذا ليس رأيا خاصا ولكنه رأى أى باحث منصف، له علم بالسياسة أو بالاجتماع أو بالتاريخ.
وهو معنى عبرت عنه كتابات عدة فى العديد من الصحف الغربية وفى بعض الصحف العربية والمصرية، نعم قد تضعف الحركة وتندثر ومن ثم تختفى من الوجود، وهو ما يؤكده تاريخ الفرق عند المسلمين. ولكن ذلك يتم من خلال تآكل الأفكار التدريجى أو تعارضها مع ثوابت الشرع أو فطرة الناس، ولم يحدث مرة واحدة ان تم ذلك بقرار سلطانى أو بحملات قمعية وأمنية.
ان الجهد الهائل الذى نشهده هذه الأيام لشيطنة الإخوان لتبرير القضاء عليهم بما فى ذلك الادعاء بان الاشتباك معهم بمثابة حرب جديدة على الإرهاب، لو بذل عُشره لاحتوائهم وتشجيعهم على مراجعة اخطائهم وتصحيح علاقتهم مع المجتمع بمؤسساته المختلفة، لكان ذلك أجدى وأنجح وأقرب إلى تحقيق المصلحة العليا للبلد. ناهيك عن سوء التقدير والتعبير فى استخدام مصطلح الحرب على الإرهاب الذى أريد به دغدغة مشاع الغربيين. ذلك ان الحرب الوهمية التى استخدمت نفس المصطلح فى التجربة الأمريكية، كانت ولاتزال أفشل حروبها، ولم تحقق الهدف منها رغم مضى نحو عشر سنوات على انطلاقها. فضلا عن أن كثيرين يعتبرون انها عممت الإرهاب فى العالم ولم تقض عليه.
ادرى أن ثمة قائمة طويلة من الاتهامات إلى الإخوان سواء فى عهد الدكتور محمد مرسى أو بعد انقلاب 3 يوليو، ينبغى أن تخضع وقائعها لتحقيق نزيه لكى يحاسب المسئولون عنها. ولا اعرف ان كان ذلك بات ممكنا الان أم لا، ثم اننا لم نسمع صوتهم فيما نسب إليهم من إدعاءات. علما بأن كل ما تلقيناه حتى الآن ظل محصورا فى التقارير الأمنية، التى على أساسها أجريت المحاكمات عبر وسائل الإعلام وعلقت المشانق فى فضاءاتها.
(4)
على عكس ما يتصور كثيرون أو يتمنون. فالمشكلة بدأت ولم تنته. أو عند الحد الأدنى فانها بصدد الدخول فى منعطف جديد أشد خطرا. ذلك ان ما جرى طوال شهر يوليو من الصعب نسيانه أو طى صفحته بسهولة. ليس لدى ما أقوله عن حوادث التخريب التى وقعت خصوصا حرق الكنائس واقتحام اقسام الشرطة، أو عمليات القتل والتعذيب التى تحدثت عنها وسائل الإعلام. وقل ذلك عن أحداث الاتحادية وغيرها من النوازل التى حلت فى عهد الدكتور مرسى. لان تلك الوقائع لم تحقق ولم نعرف من الفاعل فيها، وكل ما بين أيدينا الآن هو إادعاءات أمنية وأصداء إعلامية، تخدم سياسة الاقصاء والاجتثاث بأكثر مما تخدم الحقيقة.
الوحش الذى استيقظ فينا كان أداؤه دمويا خلال شهر يوليو، وتمثل فى سلسلة من المجاذر التى كانت حصيلتها ثلاثة آلاف قتيل وعشرة آلاف مصاب منهم 7 آلاف إصابتهم خطرة وبعضهم على وشك الموت. وهذه هى الأرقام التى سجلتها نقابة الأطباء، واعتبرتها حدودا دنيا مرشحة للزيادة، لان هناك قتلى ومصابين لم يتم التعرف على هوياتهم ولم تسجل بطاقاتهم.
وحسبما فهمت فهناك ضغوط أمنية على وزارة الصحة والمستشفيات لحجب المعلومات الخاصة بالقتلى والمصابين. هذا الملف الدموى يخضع الآن لعملية توثيق قيل لى إنه حافل بالمعلومات الخطيرة والمفاجآت الصادمة، التى تحتاج بدورها إلى تحقيق نزيه يعرف الرأى العام بالمدى الذى وصل إليه الجنون وعبر عنه الوحش فى تلك الفترة.
لا أتحدث عن محاسبة المسئولين عن تلك المذابح، خصوصا ان ذلك ملف ملغوم يتعذر فتحه فى الوقت الراهن، وانما سيترك أمره للتاريخ عله يكون أكثر حيادا وإنصافا. لكنى أتحدث عن شلال الدماء التى تدفقت غزيرة خلال تلك الفترة، ربما يمكن ان تستنبته وترويه. بطبيعة الحال فان أحدا لا يتمنى أن تطلق تلك الدماء جولة جديدة من العنف تدخلنا فى جحيم الحالة الجزائرية وعشرية الموت السوداء التى خيمت هناك فى تسعينيات القرن الماضى، لكن أحدا لا يستطيع ان يضمن ان ذلك لن يحدث وان وحش القتل لن يولد لنا وحش الثأر، الذى أرجح ان يكون جنينا فى الوقت الراهن.
المثير للدهشة ان ثمة تجاهلا لذلك الملف وانكارا له، حيث لا أرى جهدا من أى نوع يبذل للتعاطى معه وتجنب تداعياته المخيفة التى تهدد السلم الأهلى، وتهدد الأمن القومى فى نفس الوقت، الأمر الذى يسلمنا إلى مجهول يحفل بمختلف الشرور التى تخطر أو لا تخطر على البال.
لقد أعلن رسميا أن رئاسة الجمهورية سوف تشكل لجنة لتقصى حقائق ما جرى فى مذبحة الحرس الجمهورى، ولكن اللجنة لم تر النور. وفى خريطة الطريق التى أعلنها الفريق عبدالفتاح السيسى فى 3/7 أعلن عن تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وممثلة لمختلف التوجهات، ورغم مضى أكثر من خمسين يوما على ذلك الإعلان، فان اللجنة بدورها لم تر النور.
ليس عندى تفسير لتجاهل هذه المسألة، وأرجو ألا يكون ذلك التجاهل راجعا إلى تنامى نفوذ تيار الاستئصال فى دوائر السلطة الذى يعول على الحل الأمنى وينحاز إلى الاقتلاع والإبادة. وإلى أن تنجلى الحقيقة فى هذا الشأن فإن الوحش سيظل يكبر ويزداد توحشا. ولن تستعرب إذا استحضر وحوشا أخرى تملأ الغابة التى صرنا من سكانها.
28/8/2013
في هذا الملــــف:
عيون وآذان (التفاوض مع نازيين جدد)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
نحو تصفية تاريخية للقضية الفلسطينية
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
الاستيطان يسمم عملية السلام
بقلم: غازي السعدي عن الشبيبة العمانية
اسرائيل الدويلة صارت عظمى وانهارت كل الدول العربية!
بقلم: نزار حسين راشد عن القدس العربي
اليهود وواقعنا المأساوي..!
بقلم: محمد بن إبراهيم الشيباني عن القبس الكويتية
مقياس ريشتر الفلسطيني.. لمن فقد الرؤية
بقلم: سليم قلالة عن الشروق الجزائرية
هل يدخل حزب الله فلسطين؟!
بقلم: صادق النابلسي عن الأخبار البيروتية
ما وراء الأخبار.. لماذا يقرعون طبول الحرب؟
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
خطيئة إخوانية
بقلم: حمادة فراعنة عن الرأي الأردنية
ثمرة الربيع: عناق المتطرف الديني بالمؤدلج السياسي!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
هل سيتكرر سيناريو صدام مع الأسد؟
بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية
كلمة الرياض : لا حلول سياسية بلا ضغط عسكري..
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
الوحش الذى استيقظ فينا
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
عيون وآذان (التفاوض مع نازيين جدد)
بقلم: جهاد الخازن عن الحياة اللندنية
كل إستطلاع للرأي العام الاسرائيلي يُظهر وجود غالبية واضحة ضد السلام مع الفلسطينيين، بل ضد إتفاقات اوسلو لأن الغالبية الاسرائيلية تعتبرها خطراً على اسرائيل. مقابل هذه الغالبية هناك إجماع في الحكومة الاسرائيلية على رفض السلام مع الفلسطينيين، إلا إذا قبل هؤلاء أن يسلموا بلادهم لغزاة محتلين ويرحلوا.
أبو مازن قبِل دخول مفاوضات سلام جديدة مذعناً للابتزاز الاميركي والغياب العربي الكامل. وادارة أوباما تريد فعلاً تحقيق سلام بين الفلسطينيين واسرائيل عجزت عن مثله كل ادارة اميركية سابقة منذ أيام ترومان وايزنهاور. وشخصياً لا شك عندي في صدق نوايا الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن ووزير خارجيته جون كيري، إلا أن النوايا الحسنة وحدها لا تصنع سلاماً فطريق المقبرة معبَّد بالنوايا الحسنة.
ثم هناك حكومة اسرائيل وهي آخر حكومة نازية جديدة، وتمارس تفرقة عنصرية معلنة (ابارتهيد) ضد أصحاب البلاد وتضم رقماً قياسياً من مجرمي الحرب والمتطرفين والمهاجرين وأنصار الاستيطان.
رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، وهو رئيس عصابة جريمة لا حكومة، يريد من المفاوضات تأييداً أميركياً ضد ايران وسكوتاً أوروبياً غربياً عن الاستيطان. كما انه يريد دعم الحكم الانتقالي في مصر فهو يعتقد أن التعامل مع عسكر مصر أسهل من التعاون مع الاخوان المسلمين، هذا مع العلم أن الاخوان ضحوا بمبادئهم في سبيل الحكم وحافظوا على علاقة جيدة وحيدة مع اسرائيل وأميركا. في المقابل الحكم الانتقالي بحماية الجيش يتمتع بعلاقة وثيقة مع الدول العربية القادرة على المساعدة، ويملك حرية القرار فلو أن حكّام مصر يعلنون تجميد معاهدة السلام مع اسرائيل لانضم اليهم في يوم واحد نصف أنصار الاخوان مع بقية العرب.
ماذا فعلت حكومة اسرائيل دعماً لعملية السلام؟ هي أعلنت بناء 1200 وحدة إستيطان جديدة في الضفة الغربية والقدس العربية، أو الشرقية، أو الوحيدة، تضاف الى 878 وحدة سكنية أخرى أعلنت قبل ذلك بأيام. وقبل يومين قتلت ثلاثة فلسطينيين يدافعون عن بيوتهم في قلنديا.
جون كيري زار المنطقة ست مرات، وأجرى مئات الاتصالات الهاتفية، ليجلس الفلسطينيون والاسرائيليون الى طاولة المفاوضات، واسرائيل تكافئه بتكسير قوائم الطاولة. وحكومة اسرائيل من الوقاحة أن توزع أرقام الاستيطان من نوع 400 وحدة سكنية في جيلو و210 في هارهوما و183 وحدة في بسغات زئيف، وهذه كلها داخل المنطقة الخضراء داخل القدس العربية، والبقية عندي بالأرقام في الضفة.
قرأت في صحف اسرائيل ان المستوطنين في الضفة الغربية زادوا 2.12 في المئة خلال الأشهر الستة الأخيرة وستكون الزيادة أكبر مع نهاية السنة.
على ماذا سيتفاوض أبو مازن؟ ميديا ليكود أكثر صراحة من حكومة مجرمي الحرب الاسرائيليين وأقرأ:
- الفلسطينيون يبنون مستوطنة، والحديث عن فكرة مدينة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية، وأقول إنه لو بنى الفلسطينيون في تل أبيب لما كانت مستوطنة لأن البلاد كلها لهم.
- عملية السلام يعطي فيها جانب واحد كل التنازلات، وأصرّ على أن التنازل من الفلسطينيين فالأرض كلها لهم واسرائيل دولة محتلة باغية.
- الإفراج عن الارهابيين أهون مشكلة، والعصابة تتحدث عن أسرى من المناضلين الفلسطينيين، أما الحقيقة فهي أن كل عضو في حكومة اسرائيل وجيشها والمستوطنين إرهابي مجرم.
- «ماذا يريد الارهابيون؟» وأيضاً: «قابلوا الارهابيين، لا حسن نية.» وأكرر ما سبق عن الارهابيين الذين يحتلون بلاداً ويقتلون ويدمرون. وأزيد أن الفلسطينيين ضحايا في بلادهم.
مرة أخرى لماذا يفاوض أبو مازن وفلسطين كلها محتلة، وحكومة الفاشست لا تريد أن تترك لأهلها 22 في المئة منها؟ أتوقع إنتفاضة ثالثة فلا حل منطقياً آخر أمام الفلسطينيين.
نحو تصفية تاريخية للقضية الفلسطينية
بقلم: فيصل جلول عن الخليج الاماراتية
لا بأس من العودة إلى كتاب “الحرب” ل “كلاوزفيتز” طالما أن طبولها تقرع في بلادنا بقوة هذه الأيام، إذن “الحرب هي فعل عنف غايته إجبار الخصم على الخضوع لإرادتنا السياسية” بحسب مؤسس علم الحرب الذي يرى أيضاً أنها “امتداد للسياسة بوسائل أخرى”، علماً أن هذا التعريف مسبوق بتعريف عربي للشاعر نصر بن سيار الذي رأى أن “الحرب أولها كلام”، وقد توصل إلى هذا الاستنتاج قبل ألف عام من خلاصة كلاوزفيتز .
الواضح أن الدول الغربية شنت حروباً عديدة في بلادنا منذ النصف الثاني من القرن الماضي كانت كلها لمصلحة “إسرائيل” أي “لفرض إرادة” الدولة الصهيونية على العالم العربي بوصفها امتداداً للغرب وجزءاً بنيوياً منه يستدعي بذل التضحيات البشرية والمادية الكبيرة من أجلها: لنتذكر حرب السويس عام 1956 وحرب 1967 التي انطوت على تغطية غربية شاملة وبكل الوسائل، وحرب العام 1982 على لبنان التي شاركت الدول الغربية ليس فقط بحمايتها ودعمها في المراحل كافة، وإنما أيضاً بإرسال قوات دولية من أجل مساعدة الغازي في السيطرة على الأرض وترتيب اتفاق 17 مايو/أيار مع لبنان 1983 لتثبيت نتائج الغزو وضمان بقاء هذا البلد تحت الإرادة “الإسرائيلية” . وحرب الخليج الثانية عام 1991وحرب عناقيد الغضب عام 1996 التي انتهت برعاية غربية للصراع “الإسرائيلي” - اللبناني عبر اتفاق إبريل/نيسان . وحرب الخليج الثالثة عام 2003 التي أدت إلى تدمير العراق من أجل تحسين البيئة الآمنة ل “إسرائيل” كما جاء في العديد من القراءات الغربية للحرب . ثم حرب العام 2006 على لبنان التي تمت بتغطية غربية شاملة، وبإعلان أمريكي صريح على لسان كوندوليزا رايس بأنها فاتحة شرق أوسط جديد، ومن ثم انتهت الى إرسال نحو ثمانية آلاف جندي دولي الى جنوب لبنان في إطار مهمة الأمم المتحدة لحماية الحدود “الإسرائيلية” .
وقد شنت من بعد حرب ليبيا التي أطاحت القذافي واعتبرت نصراً ل “إسرائيل” أعلنه مراراً الكاتب الشهير برنار هنري ليفي الذي لعب دوراً مهماً في تنسيق الاتصالات من أجل شن الحرب . . هذا إذا أردنا إهمال حربي غزة عام 2008 و2012 اللتين استاثرتا بتغطية غربية شاملة .
وإذ تقرع طبول الحرب الأمريكية بخاصة والغربية عموماً هذه الأيام في بلادنا وسط حرائق مشتعلة في العراق ولبنان وسوريا ومصر وتونس وليبيا فإنها تضمر الغاية نفسها أي ضمان الخضوع للإرادة “الإسرائيلية” . ومن نافل القول إن المناورة الهزلية للتفاوض “الإسرائيلي” - الفلسطيني حول الحل النهائي خلال تسعة أشهر هي أشبه بتلك التي اعتمدت عشية حرب الخليج الثانية 1991 والتي توجت بمفاوضات مدريد وأدت إلى توقيع اتفاقية اوسلو، ويشاع بقوة هذه الأيام أن اتفاقاً جدياً بين الطرفين صار جاهزًا بمعظم عناصره، وأنه ينطوي على حل نهائي للقضية الفلسطينية يطوي عبره الفلسطينيون حق العودة الى أراضي العام 1948 على أن يعلنه أبومازن رسمياً بوصفه رئيساً لدولة قانونية هي عضو مراقب في الأمم المتحدة، وتصبح كاملة العضوية بمجرد أن تتخلى عن حق العودة وأن تحصر حقوق الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة .
لقد خاض “المحافظون الجدد” في واشنطن حرب العراق دفاعاً عن “إسرائيل” كي تصبح البيئة المحيطة بها أكثر أمناً ومدعاة للطمأنينة، والراجح أن حرب هذه الأيام إن تمت فستكون من أجل إلغاء آخر مقاومة مسلحة وسياسية للدولة الصهيونية وبالتالي تميكنها من فرض إرادتها على مجمل البيئة المحيطة بها مقابل عرض القضية الفلسطينية عبر “صولد” تاريخي ينتقل فيه الشعب الفلسطيني من حال الاحتلال إلى حال التبعية، ونحن هنا نتحدث عن انتصار الغرب في الحرب الجديدة .
ثمة من يعتقد أن الحروب السابقة كما الحرب الوشيكة (إن حصلت) كانت كلها مخططة من أجل الحصول على “تنزيلات” فلسطينية من الصعب الحصول عليها في ظل أنظمة عربية رافضة للتصفية، وتنازع الرئيس الفلسطيني سلطته على الشعب وعلى القضية خصوصاً أن الذين ينازعونه قضيته كانت لديهم أجزاء من الشعب والمنظمات الفلسطينية، ويتمتعون بوسائل تحرك وتعبئة فعّالة للغاية، ولعل المقارنة بين حال الفلسطينيين في العراق في عهد النظام السابق وحالهم اليوم ومن يقارن الأمس باليوم والوسائل الموظفة في القضية الفلسطينية بالأمس واليوم سيصل إلى وجهين متناقضين للصورة، بل ثمة من يؤكد جازماً أن اتفاقية انسحاب الجيش الأمريكي من العراق قد انطوت على بند سري بألا يتدخل هذا البلد بالقضية الفلسطينية، وألا يبني معسكرات تدريب وتسليح ودعم للفلسطينيين .
في مرجع غير بعيد من كلاوزفيتز وإن كان قد سبقه بثلاثة قرون يرى مكيافيللي صاحب كتاب “الأمير” و”فن الحرب” ومؤلفات أخرى أنه “من المفيد جداً أن يظهر المرء بمظهر الفضيلة” و”أن يساند ديناً ما، وإن كان يعتقد بفساده” . . تتلاءم هذه الرؤية مع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية زعيمة الغرب التي تدمر بلداننا من أجل “السلام” كما تزعم، وليس من أجل مصالح “إسرائيل” وتدعم الدولة العبرية بكل الوسائل مع اعتقاد مرشديها المسيحيين، أن من تدعمهم هم المسؤولون عن قتل السيد المسيح .
إذا أردنا أن نرى بملء أعيننا، وأن نسمع بآذاننا جيداً، فإن مؤشرات شديدة القوة تفيد بأن “صولد” القضية الفلسطينية التاريخي قد أصبح جاهزاً، لكن إعلانه رهن بحرب جديدة تطيح بآخر معاقل الممانعة في المنطقة، أي بسقوط عرب جدد ومواقع عربية جديدة وهذا إن تم سيكون ملائماً أيضاً لتعريف مكيافيللي آخر “على المرء ألا يكون شريفاً على الدوام” . . أو البتة إذا كان من اليانكي وحلفائه .
الاستيطان يسمم عملية السلام
بقلم: غازي السعدي عن الشبيبة العمانية
يزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، أن اعتراف الفلسطينيين "بيهودية إسرائيل" هو جوهر الصراع في الشرق الأوسط، وليس البناء في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهذا الادعاء مردود عليه، فالاستيطان يشكل العائق الأساسي أمام طريق التسوية، وهذا باعتراف العالم بأجمعه، بما في ذلك المجموعة الأوروبية، والولايات المتحدة، وجزء لا يستهان به من الإسرائيليين، أحزاباً وأفراداً، فالاستيطان الذي يجري في ظل قوانين إسرائيلية غير شرعية، ومنافية للقانون الدولي، وبحماية الجيش لتكريس الاحتلال، هو السبب الرئيسي في تعطيل عملية السلام، حتى أن المفاوضات الحالية المفروضة على الفلسطينيين تراوح مكانها، ومن أهم أسباب تعثرها "الاستيطان".
منذ اتفاقيات "أوسلو" عام 1993، ضاعفت إسرائيل عدد المستوطنين ثلاث مرات، وارتفع عددهم ليصل إلى (700) ألف مستوطن حالياً، رغم أن خارطة الطريق الأمريكية، والتي وافقت عليها إسرائيل، تلزمها بتجميد البناء الاستيطاني، وعدم القيام بإجراءات من جانب واحد، فقد بلغ عدد المستوطنات المعترف بها من قبل الحكومة الإسرائيلية، وغير المعترف بها دولياً (121) مستوطنة، وهناك مئات النقاط الاستيطانية التي أقامها المستوطنون، والمخالفة حتى للقوانين الإسرائيلية، والتي تشكل نواة لتحويلها إلى مستوطنات، ففي عام 2004، توصلت حكومة إسرائيل- التي كان يرأسها "أرئيل شارون" - مع الإدارة الأمريكية إلى أربعة التزامات هي: عدم إقامة مستوطنات جديدة، عدم السماح بالبناء خارج حدود خطوط البناء القائمة في المستوطنات، عدم مصادرة أو تخصيص أراضٍ جديدة للبناء الاستيطاني، وعدم منح محفزات اقتصادية للمستوطنين، إلا أن إسرائيل لا تحترم ولا تلتزم بالاتفاقيات، لا مع الفلسطينيين، ولا مع ولية نعمتها الولايات المتحدة.
إن البند رقم (46) من ميثاق "لاهاي" المتعلق بالممتلكات الخاصة تحت الاحتلال، ُيلزم الدولة المحتلة بالحفاظ والدفاع عن الممتلكات الخاصة للمواطنين، ويحظر البند رقم (47) من هذا الميثاق نهب الأراضي الواقعة في مناطق الاحتلال، ويحظر البند (52) من هذا الميثاق مصادرة أراضٍ، كما يحظر ميثاق جنيف قيام الدولة المحتلة بنقل مواطنين إلى المناطق التي احتلتها، فكيف يريد "نتنياهو" المخادعة بقوله بأن الاستيطان لا يشكل عائقاً أمام السلام وأن العائق برفض اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، فمثل هذا الاعتراف- المرفوض جملة وتفصيلاً- لا تنص عليه لا اتفاقات أوسلو، ولا قرارات اللجنة الرباعية الدولية، ولا القرارات الدولية، فإذا أرادت إسرائيل تغيير اسمها إلى دولة اليهود، فهذا أمر يتعلق بها، حتى أنها لم تطلب من الدول العربية التي أقامت سلاماً أو علاقات معها بمثل هذا الاعتراف، فإسرائيل التي تخالف جميع القرارات والمواثيق الدولية، تقوم بترحيل المواطنين الفلسطينيين، من قراهم ومضاربهم ومساكنهم، كما حصل في لواء القدس، وفي الأغوار، وأخيراً وليس آخراً، بنقل (1300) مواطن فلسطيني من سكان قرى الخليل إلى أماكن أخرى، وهذا ما سبق أن جرى في منطقة عام 1948، ومستمر حالياً، بنقل آلاف الفلسطينيين من عرب النقب، ومن حملة الجنسية الإسرائيلية، للاستيلاء على آلاف الدونمات من أراضيهم، لتحويلها إلى مستوطنات وقواعد عسكرية، وكل ذلك يتعارض مع الشرعية الدولية، لكن إسرائيل تعتمد في بطشها على قوتها العسكرية، والحماية السياسية الأمريكية لها في المنابر الدولية.
في عام 1978 تأسست في إسرائيل جمعية استيطانية تحمل اسم "أمانا"، وهذه الجمعية ممولة من الحكومة الإسرائيلية، والوكالة اليهودية، ويهود العالم، كذلك تم إقامة مصرف للأهداف الاستيطانية، يحمل اسم "ياحد"- أي مع بعض- فالمصرف والجمعية يقومان بتوفير الأموال للمستوطنين، لشراء الأراضي، والمنازل في القدس الشرقية، فالحكومة الإسرائيلية تستخدم هاتين الجمعيتين، وتقف خلفهما، لتنفيذ مشاريع استيطانية، وبتخطيط وتنفيذ شق الطرق بين المستوطنات، وفي إقامة النقاط الاستيطانية غير القانونية بالنسبة للقانون الإسرائيلي، لتأخذ منها الحكومة ذريعة في المنابر الدولية، بعدم تحميلها المسؤولية عنها، لكن الخداع والكذب الإسرائيلي، فإن الحكومة قررت اعتماد قائمة أطلق عليها بقائمة الأولوية القومية والأفضلية للحصول على الدعم الحكومي، والحصول على المنح والمساعدات، والإعفاءات الضريبية، وشملت القائمة (20) تجمعاً استيطانياً، من النقاط غير المعترف بها حكومياً، وخارج نطاق التجمعات الاستيطانية الكبيرة، إضافة إلى (15) مستوطنة معزولة، يزعمون أن الحكومة ستفككها في أي اتفاق سلام، بينما نرى أن الحكومة الإسرائيلية تعمل على دعمها وتعزيزها، مما يزيد من انكشاف الخداع والألاعيب الإسرائيلية.
إن أساليب الخداع الإسرائيلي في إخفاء سلبها للأراضي الفلسطينية عديدة، فإسرائيل تستغل وضع اليد على أراضي الفلسطينيين، تارة وفقاً للقوانين العثمانية، وتارة وفقاً للقوانين الانتدابية، وأخرى وفقاً للقانون الأردني المتعلق بقوانين البناء في الضفة الغربية، الذي يتطلب إثبات ملكية الأرض، كشرط للمصادقة على مخططات البناء، فبين أعوام 1979-1992، صادرت إسرائيل (1513) ألف دونم من الأراضي في الضفة الغربية، اعتبرتها أراضي دولة، وفي عام 1984 كلف رئيس الحكومة المحامية "تاليا ساسون" بترؤس فريق لإعداد تقرير حول المستوطنات وقانونيتها، وعشوائيتها، لمواجهة الضغوط الدولية فكان التقرير عكس ما أرادته الحكومة، فتقريرها أثار عاصفة من الاتهامات بانتهاك القوانين للسيطرة ونهب الأراضي، غير أن الحكومة لدفن التقرير، شكلت لجنة للبحث في التوصيات، والتهرب من تنفيذ التقرير الذي أشار إلى وجود (105) مواقع استيطانية غير قانونية.
إن السلطة الفلسطينية، أخفقت في التصدي للممارسات الإسرائيلية، وللاستيطان، وإنهاء الاحتلال، بينما نجحت في تعرية إسرائيل في العالم، وحصولها على صفة دولة مراقب، وابتعاد الدول الأوروبية من التعاطف معها، وما القرار الأوروبي الأخير، ضد الاستيطان، إلا دليلا على ذلك، حتى أن أكثر من نصف الإسرائيليين، وفق استطلاع صحيفة "يديعوت احرونوت 26-7-2013" يخجلون من كونهم إسرائيليين أثناء تواجدهم في الخارج، ونقلت "يديعوت احرونوت 7-8-2013" عن الصحيفة الألمانية "شتوتجارت نسيتوتنج" التي نشرت رسماً كاريكاتيرياً، وصفت فيه المفاوضات بالهراء، تظهر فيه رئيس الوزراء "نتنياهو"، وعلى صدر قميصه علم إسرائيل، وهو يقوم بتسميم حمامة السلام، وقد كتب على زجاجة السم التي يسكب منها على غذاء الحمامة: وباء المستوطنات، وأن اليهود يسممون السلام، وهو المصطلح الذي كان سائداً في عهد النازية، فهذه هي صورة إسرائيل في العالم الآخذ وهجها بالانحصار، فالاستيطان يخيم على محادثات السلام، وليس عدم الاعتراف بيهودية الدولة.
اسرائيل الدويلة صارت عظمى وانهارت كل الدول العربية!
بقلم: نزار حسين راشد عن القدس العربي
إسرائيل: الدولة الّتي بدأت بالكيبوتز، وانتهت برأسمالية الدولة، وتصنيع عسكري ثقيل، تموّله الدولة وتحميه أيضاً، ليست بعيدة كثيرا عن النموذج الإشتراكي، بداية ونهاية، لا بل إنّ كتابّا شيوعيين في العهد السوفيتي، وإبّان نشأة إسرائيل، اعتبر ‘الكيبوتز′ اليهودي من أفضل النماذج الإشتراكيّة القائمة على سطح الكرة، إن لم يكن أفضلها! حزب المعراخ’العمل، الّذي بنا دولة إسرائيل، ارتكز في بنائها إلى قاعدة عمّاليّة، وسياسات اشتراكيّة في بناء الدولة، ولم يكن الحزب الشيوعي ‘راكاح’ إلّا ملحقاً أكثر أدلجة لمثل هذا التوجه ولذا أُعطي مساحة للحركة في ذلك العهد.
الدولة الإسرائيليّة اليوم تنفق على بناء المستوطنات من ميزانيّتها، وتتكفل بإيواء كل من لا يملك بيتاً في إسرائيل! الأرض طبعا على حسابنا نحن، وهكذا تختصر التكلفة للحد الأدنى!
لم تتغيّر إسرائيل كثيراً منذ نشأتها، فهي ذات وجه بشقين، شق الدولة الراعية، الّتي تتكفّل بشؤون المواطن، والشق الآخر العنصري والدّيني المتعصّب، وهكذا يتكامل وجه إسرائيل!
تقليديّا كان الحزب الشيوعي الإسرائيلي راكاح، هوالإطار الّذي نشط من خلاله الفلسطينيون تحت الحكم الإسرائيلي، وكان هذا عملا ضمن الإطار المتاح، في ظل القوانين الإسرائيليّة، الّتي فُصّلت للانقضاض على المواطنين العرب، فهؤلاء عقبة، ليس فقط لأطماع التوسّع والمصادرة والتأميم، ولكن أمام النقاء العنصري أيضاً! وهذا ما كشفته الأيّام، حين كشفت إسرائيل نصف وجهها الآخر!
هذه الحقيقة بالطبع، لم تكن غائبة، عن رواد الحركة الوطنيّة العربيّة، داخل إسرائيل، بالرغم من انتمائهم السياسي لراكاح، وتبنّيهم المعلن للأيديولوجيّة الماركسيّة، والّذي لم يكن في حقيقته إلّا التفافا على عقبات الدولة الصهيونيّة!ولهذا لقيت كتاباتهم وبخاصة إنتاجاتهم الأدبيّة، من رواية وشعر، رواجا كبيرا لدى فلسطينيي الشتات، فقط لأنّها تحمل رائحة الهويّة، والّتي تفوح بقوّة، برائحة الإنتماء المُهدّد، وليس برائحة الأيديولوجيّة الماركسيّة، الّتي تهبّ طبيعيّاً من الكيبوتز الإسرائيلي، ولاحقاً صياصي المستوطنين، والقادمين في جُلّهم من دول المعسكر الإشتراكي!
هذا الزواج القصري بين إسرائيل ومواطنيها العرب، جعل كُلّاً منهما يدير ظاهره للآخر، ويتنسّم هواء النافذة الّتي تُطلّ على بستان الحبيب!ولكلّ حبيبه بالطبع!
ولكنّ الفريق الأقل وعياً، والأشد سطحيّة في قراءته للأمور، قد صدّق الكذبة، وبدأ يطلق مزاميره متغنّياً بالصراع الطبقي والدولة العُمّاليّة متعدّدة الأعراق، ولاعناً أعداءه الوهميين، وعلى رأسهم الكمبرادور، والرأسمالي المتوحش، متناسياً أن الرأسمالي المتوحش هوالّذي يموّل فقراء اليهود أو البروليتاريا الإسرائيليّة، كما يحب اليسار أن يسمّيها، ومتناسيا أيضا أنّه ليس في إسرائيل مُلّاك كبار، فأرض فلسطين الصغيرة لا تتّسع لمثل هذا الترف، والمطلوب تحصيصها وتوزيعها على فقراء أو بروليتاريا المهاجرين الجدد!وإذن فإنّ تركيبة البروليتاريا الإسرائيلية، تجعلها تضع يدها في يد الأخ الأكبر’الرأسمالي’، والأب الحنون:الدولة، فكيف ستكون حليفا إذن للفلسطيني المسكين، وتعُضّ اليد الّتي تطعمهامن جوع وتؤويها من خوف!
الغريب أنه حتّى بعد أن أصبحت الشيوعيّة في وطنها الأم وفي داخل إسرائيل أثراً بعد عين، وبعد أن جرف التيّار اليسار الإسرائيلي ومعه راكاح!تمسّك اليسار الفلسطيني ومعه العربي أيضاً بإرثه من هذه البضاعة الفكرية الكاسدة أو الّتي تخطّاها الزمن، فالمنجل والمطرقة، دفنت في أرضها وبقيت مرفوعة في أرضنا فقط!حتّى بعد أن انتهى حفل التأبين، وانصرف المُشيّعون إلى شؤونهم.
الجيل الجديد من اليساريين، لا يملك حكمة الآباء ودهائهم، فقرأ وصيّتهم خطأً، ولم يحلّ رموزها جيّداً، ليس ذلك فقط، فقد سدر في غيّه، ونصب له عدوّاً جديداً، هو ما سمّاه بالإسلام السياسي، وهو يعني بالضبط المقاومة الفلسطينيّة المسلّحة المنطلقة من العقيدة الدينيّة، وكذا المقاومة السلميّة، داخل ما يسمّى بالخط الأخضر، فها هو ينظّم مسيرات جماهيريّة في أم الفحم في وجه الشيخ رائد صلاح، والمد الإسلامي المتصاعد داخل حدود 48، كما يجعل من حركة حماس عدوّه الأوّل، خلافا لكل أعراف حركات التحرر في كُلّ بلاد العالم، فقد قاتل آباء الكنيسة إلى جانب الثوار في كثير من بلاد أمريكا الجنوبيّة، لا بل قاتلوا إلى جانب تشي غيفارا نفسه، ولكنّ اليساريين العرب لا يعلمون، يعلمون ظاهرا من القول!وهذه حدود علمهم!
حتّى بعد أن أعلنت إسرائيل عن يهوديتها، وسمّت نفسها دولة يهوديّة، ووضعت الاعتراف بذلك على رأس مطالبها من الفلسطينيين، لاستئناف التفاوض، لم يهزّ ذلك شعرة في رأس اليسار، ورُبّما أجملوه في دائرة الصراع الطبقي والممارسات الكمبرادوريّة! كيف؟ لا أحد يدري بالطبع إلّا اليسار نفسه!
الجيل الّذي ورث اليسار عن آبائه القدامى، لم يعد يرى فيه إلّا عداء لما يسمّيه الأيديولوجيّة الغيبيّة الّتي تٌنحّي الصراع الطبقي جانباً، وحين يضع فكرته تلك موضع التطبيق، نجده ينجرُ إلى خندق أعداء اليسار المعاميد، مثل معسكر الثورة المضادّة في مصر وجنرالات الانقلاب العسكري، والمؤيَّدين فقط من بعض دول الخليج، العدو التاريخي التقليدي لحركات اليسار العربي! فهل وصل العمى والتنكّر إلى هذا الحد المفرط؟!
اليهود وواقعنا المأساوي..!
بقلم: محمد بن إبراهيم الشيباني عن القبس الكويتية
تابعت ممارسات اليهود وكيانهم الصهيوني المشبع بالحقد والدموية لأمتنا العربية والاسلامية، في الكتب والمجلات القديمة حتى اصبح عندنا في مركز المخطوطات مكتبة جامعة تصل كتبها الى اكثر من خمسمائة كتاب ومجلة وأطلس، هذا الكيان ما زال يحيك المؤامرات ويقتل ويهدم البيوت على اهلها، ويعتقل ويعذب على مرأى من العالم بأسره من دون حراك منه! والاشنع من ذلك امتنا العربية بعددها الكثير وجيوشها النائمة وبعض قادتها الذين اصبحت معاركهم كيف يزينون بدلهم ومكاتبهم وعدد الذين يخدمونهم ويخدمون اسرهم وبيوتهم من جنود ومكلفين، والاكثار من السيارات الفارهة علاوة على التجارة وجمع المال بمختلف انواعه المباحة والمحرمة، القى الجميع السلاح واصبحت التدريبات العسكرية مقدمة في الحصول على الوظيفة فقط لا غير وليس لاسترداد كرامة الامة وهويتها.
اسرائيل تخطط وتعمل ليل نهار في صناعة السلاح وبناء المفاعلات وتجنيد الشباب والتوسع في المستوطنات والاراضي، وامتنا امة الجهاد بات جندها يحرسون قصور زعمائها! هم يعملون للتوسع ونحن نعمل للتقوقع! وفرق شاسع بيننا وبينهم، ولا يحمي وينصر رب العباد امة بهذه الهزالة والذلة والتراجع والتقهقر، ويؤيد الدولة الكافرة التي تعمل وتخطط وتحشد لتبحث عن التوسع والنصر، فأي الفريقين احق بذلك؟
انظروا الى هذه الدويلة وما فعلته ومازالت بأوطاننا العربية اليوم في مصر وسوريا ولبنان والمغرب العربي، بل واليمن، وعربدتها التي مازالت في اهلنا في فلسطين من قتل وهدم مستمر لبيوتهم واملاكهم، والمستعمرات مازالت تبنى والعالم كله يرى ولا انكار، ودم اليهودي مازال هو الافضل مقارنة بالدم الفلسطيني العربي.
دماء عربية اليوم تسال في كل مكان بكيد اليهود ومعاونة خونة العرب من قادة وكبراء! لقد مات فيهم ما كان في الاجيال الماضية من نصرة قضايا الامة، والهم الاكبر في علوها والمحافظة عليها من العاديات والنائبات القادمات لها، فعدوها لن يقتنع بما يحدث لها ويعتبره قليلا عليها، ويريدها اكثر فرقة ودمارا وتقاتلا بينها، ونزعا لكل مبادئها وحب اوطانها، ونزع ما في صدور اجيالها من حب دينها وكتاب ربها، هم يعملون لذلك ليلهم ونهارهم لا يكلون ولا يملون، ولعلها ارهاصات يخرج من خلالها مجددها الذي يقيل عثراتها ويرفعها ويبعثها من جديد، وليس ذلك على الله بعزيز.. والله المستعان.
مقياس ريشتر الفلسطيني.. لمن فقد الرؤية
بقلم: سليم قلالة عن الشروق الجزائرية
هناك مقياس واحد لمعرفة طبيعة ما يحدث في العالم العربي والإسلامي اليوم، لمن اختلطت عليه الأمور أو اضطربت لديه الرؤية، أو كثرت عليه التحاليل وتناقضت عنده الآراء والأقوال لدى الفقهاء أو السياسيين أو المحللين.. هذا المقياس لا يخطئ ولا يثير الجدل كما لا يخطئ مقياس ريشتر ولا يثير الجدل عند حساب شدّة الزلازل، هو مقياس فلسطين وغزة كجزء لا ينفصل عنها، بقدر ما تكون درجات التقييم إيجابية لصالح فلسطين في أية مسألة، بقدر ما يكون الحدث أو التغيير أو الاضطراب أو حتى الانقلاب إيجابيا، وبقدر ما تُصبح سلبية على هذا المقياس تكون سلبية بقدر ما نقترب من تحرير الأرض ومن إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وعودة اللاجئين نكون في الطريق الصحيح، وبقدر ما نبتعد نكون في الطريق الخاطئ.
لا تبحثوا بعيدا، أيَا ما بَدت أمامكم المسائل مضطربة، وتناقضت أمامكم الفتاوى، واحترتم بين ما حدث في مصر انقلابا أم ثورة جديدة، وما يحدث في العالم العربي ربيعا أم شتاء، أو ما يحدث من تفجيرات في لبنان والعراق هو من فعل هذا أو ذاك، واسألوا أنفسكم:هل يخدم فلسطين والشعب الفلسطيني، أم يصب في مصلحة الكيان الإسرائيلي وأنصاره؟
وستبدو لكم الصورة واضحة لا غبار عليها، وستكتشفون حقيقة الصراع بين المعارضة السورية والأسد، ووهم المعركة بين السنّة والشيعة في العراق، وزيف الوطنية من حقيقتها في مصر، والهدف الحقيقي من المساعدات الخليجية لها، بل ستعرفون خلفية تدخل (الناتو) في ليبيا، وما وراء تحريك الإرهاب في تونس، وتشتيت القوى في اليمن، ومحاولة زرع الفتنة في جنوب الجزائر...
ستعرفون كل هذا من خلال مقياس ريشتر فلسطين الذي لا يخطئ أبدا في مركزه القدس، أو عند الأطراف في غزة، ستنجلي الغمامة عن أعينكم، وتتوقفوا عن متابعة كل هذه التحاليل المتناقضة، باعتبار أن فلسطين هي القضية المركزية للأمة، ولا يمكن لأحد أن يدّعي الوطنية أو الإخلاص أو خدمة أمن بلده القومي إذا لم يأخذها بعين الاعتبار.
ابحثوا في مفردات أي من الأطراف المتصارعة، والتي تحاول تخوين بعضها البعض، وتتبعوا مواقف كل منها في الواقع، وقارنوا ذلك برد فعل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات، بعيدا عن من يمثله رسميا، بل واسمعوا له في المعابر حيث يُحاصر كل يوم، وفي المخيمات حيث يموت في صمت، وفي البلدان حيث يعيش بلا كرامة، وستعرفون إن كان هذا البلد أو ذاك على حق، إن كان هذا الفصيل أو ذاك على حق، هذا الحزب أو ذاك على حق، هذا الجيش أو ذاك على حق... هو ذا مقياس ريشتر الفلسطيني.. لا تبحثوا عن مقياس آخر غيره لتوضيح الرؤية أو تسديد الرمي.
هل يدخل حزب الله فلسطين؟!
بقلم: صادق النابلسي عن الأخبار البيروتية
تشهد إسرائيل منذ انتهاء عدوانها على لبنان صيف عام 2006 امتداداً معقداً لهزيمتها. منذ ذلك التاريخ لا سلاح لها غير الوله الكسير، ومراثي العجزة، وكلمات التهديد والوعيد، والأطر الجامدة المكررة التي لا يمكنها التنبؤ لها بفوز حتمي إذا شنت حرباً جديدة على حزب الله. ما تنشره معاهد الدراسات السياسية والاستراتيجية عن خطط سنوية للجيش الإسرائيلي (معهد بيغن ـــ السادات نموذجاً) لا يظهر منها أنّ إسرائيل قد خرجت من عقيدتها الأمنية التقليدية وتجاوزت نظرية بن غوريون القائمة على مبدأ «القوة لتأمين جوهر البقاء».
وهي نظرية تضاءلت قيمتها وتأثيرها أمام فوضى التحولات في السياسة والأمن والجغرافيا والاقتصاد والرأي العام، وأمام تبدّل حقيقي في توازنات القوى الإقليمية، وصعود متعاظم لدور حزب الله العسكري الذي فاق دوره أدوار دول أساسية ومحورية في المنطقة (الفاعلون من غير الدول). هاجس البقاء بشقيْه الكينوني والحضاري تفاقم على نحو مطّرد مع تطور الأحداث التي تجري على ضفاف الكيان الصهيوني. وسؤال الوجود المدرج من ضمن المحفوظات المدرسية الأساسية، يزداد تجذراً وإلحاحاً داخل الوعي الإسرائيلي، ما يعني أنّه سؤال أصيل عبر التاريخ، ينتقل من جيل إلى جيل، ويجري في الدم والمعرفة والوقائع. واليوم هو أكثر هولاً من أي زمن سابق بعد طفرة التهديدات اللانمطية، وتهشم الكثير من المفاهيم كمفهوم أمن الدولة أو الأمن القومي التي راجت منذ صلح وستفاليا عام 1684، وتكسر مبدأ شرعية الحدود التي فرضتها الجرائم والمصالح الاستعمارية بالعنف وعلى نحو اعتباطي بحسب تشومسكي Noam Chomsky.
تشعر إسرائيل بأنها أمام مرحلة ملتبسة بكل المقاييس، وبأن حركة التاريخ تضعها أمام معضلة الاستمرارية والثبات في المساحة الجغرافية وفي العمق الاستراتيجي.
وما حصل منذ «الربيع العربي» من انهيارات ومتغيرات جيو ـــ استراتيجية وعسكرية جعل قدرة إسرائيل على ضمان أمنها تتقلص إلى مستويات دنيا. فما عاد بالإمكان أن تعيش مناطق في عزلة عما يجري من أحداث وصراعات في أماكن قريبة أو بعيدة عنها، وخصوصاً أن النظام الدولي، منذ عام 1994، شهد مفهوماً جديداً للأمن يقوم على كونية وعالمية وواحدية الأمن الإنساني، بفعل تزايد عوامل الارتباط بين الدول والشعوب ونتيجة لجملة من التأثيرات المتبادلة في شتى الميادين. فانتشار الحروب والنزاعات في نطاق جغرافي محدد لا يمنع مجالات جغرافية أخرى من أن تتسرب الأخطار والتهديدات الأمنية إليها. وبناءً عليه فإن مهمة تأمين وحماية الكيان الإسرائيلي في ظل المتغيرات الجديدة في بيئة المنطقة، واتساع نطاق الصراعات الطائفية والإثنية، وتعاظم الخلل في مجالات ومستويات الأمن الإقليمي والدولي على حد سواء، تجعل كلها من هذه المهمة غاية لا تدرك.
2
تعرف إسرائيل أن حاجاتها إلى الأمان والتوسّع وتحقيق الذات حاجات وجودية تتطلب منها مراكمة القوة وتنويع صيغ الردع في مواجهة أعدائها، وخصوصاً حزب الله (Shamuel Bar في دراسته المقدمة لمؤتمر هرتزيليا 2007)، لكنها حائرة في إطار أي استراتيجية تضع ذلك. هل في إطار استراتيجية ليّنة تقوم على تجفيف مصادر التمويل، التطويق، الحصار، الاستفزاز والمضايقة، وضع قيود غربية وعربية على الأموال والأشخاص (قرار الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي أخيراً)، تهديد بيئة حزب الله بسلسلة من التفجيرات الدموية بهدف خفض مستوى نشاطه ووقف انخراطه السياسي والعسكري المتصاعد خارج مجاله ومداره التقليدي. بيد أنّ سؤالاً استطرادياً ينشأ على ضفاف السؤال الآنف يدور حول إمكان هذه الاستراتيجية، (وسنسميها أيضاً البتر الناعم أو البطيء)، التي تحتاج إلى النفس الطويل والوقت المديد، إجبار حزب الله على تفكيك بنيته ونزع سلاحه، على قاعدة «بالصبر تبلغ ما تريد patience pays»، أم في إطار استراتيجية متشددة مبنية على الاندفاع الكامل (البتر السريع والفوري) بضربات قاصمة مدمرة لإفناء العدو، وخصوصاً أنّ إسرائيل تملك من القوة البشرية المدرّبة والوسائل التكنولوجيّة الحديثة والأسلحة الفتّاكة ما لا تملكه أقوى جيوش المنطقة، لكنّ إسرائيل واقعة في الالتباس واللاوثوقوية في ما تفعل. ولا تملك يقيناً بإمكان النجاح في أي من الاستراتيجيتين ـــ وهي التي جربتهما طيلة أعوام صراعها المرير مع حزب الله ـــ حتى وهي تنظر إلى سوريا حليفة الحزب مرهقة القوى، ضعيفة البنية، وتشاهد المقاومة الفلسطينية مشتتة الذهن، مذبذبة المسار، وتضحك على شعوب العالم العربي المنقسمة على نفسها والمشغولة بكثافة الفتن السياسية والطائفية والعرقية!
عدم جرأة إسرائيل على شن حرب على حزب الله منذ سبع سنوات يعكس تغيّراً في طبيعة إدراك القيادتين السياسية والعسكرية الصهيونيتين للتهديدات النابعة من الجبهة الشمالية. والمثل الشهير الذي يقول:Strike hard while the iron is hot أي «اضرب على الحديد وهو ساخن» لا يشبه البتة المثل الآخر: «ختامها مسك». فحتى لو كانت المنطقة من حولها تنهار وحزب الله في حفرة تلتف عليه الوحوش، فلا يقين بأنّ الإمكانات متاحة لخوض حرب تكون نتيجتها فوزاً لها بالضربة القاضية ومن الجولة الأولى. إسرائيل لا تشكو من مرض الجبن فحسب، بل أيضاً من تهور يحيل المبادرة على جحيم حقيقية. لقد بان ذلك بوضوح خلال الأربعة والثلاثين يوماً من سير المعارك في الحرب الأخيرة، أخفقت فيها التقويمات والتقديرات والحسابات الإسرائيلية، وبُغتت القيادتان بمفاجآت المقاومة، وذهلت من نوعية الصواريخ التي كانت بحوزة المقاومين، إذ لم يكن لدى الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية أدنى معلومة أو احتمال عنها، بل حتى لم تصل إليها أوهامها بحسب ما ذكره السيد نصر الله في مقابلته الأخيرة مع قناة «الميادين».
في اللحظة الراهنة، تبدو إسرائيل مشغولة أكثر وعلى نحو متزايد بالقوة المتعاظمة لحزب الله. حزب الله الذي بدأ ببضعة رجال وبضع بنادق، تلخصه اليوم عبارة السيد نصر الله الشهيرة: «لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المقاتلين المدربين المجهزين الحاضرين للشهادة». فكيف لإسرائيل أن تبدأه بقتال؟ ثم إنّ أي جولة جديدة لن تكون كبقية الجولات.
فموازين القوة ما عادت كالسابق، ومستوى التحولات في الاتجاهات الرئيسية للسياسة الخارجية لدى عدد كبير من الدول العربية والأجنبية يعكس على الأقل في بعض جوانبه تمحورات ومواءمات مرتبطة مباشرة بالمصالح الخاصة لهذه الدول. ومعنى ذلك أنّ إسرائيل ليست هي القائد، التي بمجرد أن تعلن بدء أعمالها الحربية سيتحرك حلفاؤها العرب والأوروبيون وراءها سريعاً. هذه المرة لن تجد إسرائيل الكثير من الحلفاء المستعدين لانقاذها. أميركا تستدير وتنظم تراجعها.
أوروبا تعيد تعريف هويتها ومصالحها. القوى الأساسية في العالم تعيش حالة ضمور في نفوذها، في مقابل صعود قوى أخرى تعمل على فتح الطريق أمام عالم متعدد الأقطاب يكثر فيه الفاعلون والمستحوذون على القوة (انتشار القوة - القرن الحالي لن يكون قرن دولة ما - بحسب جوزف ناي Josef Nye)، التي لن تكون وقفاً على عدد محدد من الدول. والتشقق يصيب تقريباً كل شيء في النظام الدولي القائم مع وصول التناقضات إلى معظم طبقات هذا النظام. أمام هذه الصورة، هل سيكون بمقدور إسرائيل أن تخوض حرباً وحدها، أم بمعونة بعض الحلفاء وتحقق فيها نصراً حاسماً. هناك في الجانب الإسرائيلي من يشير إلى أثر الخيارات غير الصائبة أو القاتلة على وجود الكيان برمته.
لقد مرّر السيد حسن في مقابلته الأخيرة جملة لم يلتفت إليها أحد، عندما نقل كلاماً عن قادة العدو قالوا فيه: «لو استمرت الحرب (حرب 2006) لانهارت إسرائيل». بالنسبة إلى إسرائيل أية طلقة غير محسوبة قد تكون انتحاراً، وهذا ما قصده السيد نصر الله في مهرجان عيتا الشعب عندما قال: «لا يفترضنّ أحد أنّه إذا فتح معركة معنا هو الذي يحسم المعركة. نحن من نحسم المعركة.
نحن من نوقّت ختام المعركة». وعبر عقود من حضور الإسرائيليين على أرض فلسطين، لم يكن أحد من العرب يتهددهم بالغزو، في وقت أعلن فيه السيد نصر الله صراحة أنّ جنوده سيدخلون الجليل. ثمة إرباك هائل داخل إسرائيل في تقدير الاستثناء التاريخي للحظة الحالية، إذ مثلما تريد إسرائيل إزالة حزب الله ومحوه من الوجود لما يسببه لها من مخاطر وجودية مستمرة، فإنّ حزب الله يريد إزالتها أيضاً من الوجود. مع فارق أساسي هذه المرة. ماذا لو بادر حزب الله إلى إطلاق الرصاصة الأولى ودخول فلسطين بتوقيته هو؟
ما وراء الأخبار.. لماذا يقرعون طبول الحرب؟
بقلم: محي الدين المحمد عن تشرين السورية
يبدو أن معسكر التآمر على سورية قد وصل إلى طريق مسدود، لذلك بدأ يقرع طبول الحرب، ويهدد بتدخل عسكري مباشر ضد سورية بعد أن قُطع أمله بأن تحقق العصابات الإرهابية التي تم استقدامها من 83 دولة خرقاً على المستوى العملياتي فوق الأرض السورية.
لقد وضع هذا المعسكر، الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية و«إسرائيل» ودول الاستعمار القديم، كل ما لديه من أوراق لإسقاط الدولة السورية لكنه لم يستطع ذلك حيث بقيت مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والخدمية تثبت وجوديتها على امتداد مساحة القطر على الرغم من الأعمال الإرهابية التي يتم تنفيذها بحق الموظفين والعمال ورجال الأمن، وذلك لقناعة الجميع بأن ما يجري على الأرض السورية يستهدف جميع مكونات الشعب السوري السياسية والاجتماعية وحتى الدينية، لكن طبول الحرب التي تقرع على سموم غاز السارين الذي استخدمه الإرهابيون في أكثر من مكان، لا يمكن أن تقنع الرأي العام الأمريكي والأوروبي والعالمي بالحجج الواهية التي يتذرع بها هؤلاء، وخاصة أن الكذب الأمريكي الذي انكشف أمره بعد غزو العراق بحجة امتلاكه الأسلحة المحرمة دولياً، لم يعد ممكناً تكراره الآن في سورية، وبالتالي فإن الرأي العام العالمي يدرك تماماً أن التدخل العسكري الأمريكي المباشر «إن حصل» ما هو إلا اعتداء صارخ على القانون الدولي، وهو أيضاً مساعدة علنية ومباشرة لـ «جبهة النصرة» وغيرها من المجموعات التكفيرية التي تتصل وشائجها القوية مع تنظيم «القاعدة» الذي تدعي الولايات المتحدة الأمريكية محاربته، وهو رد فعل ليس بمحله تجاه سورية التي تعاونت بشكل كبير مع لجنة التحقيق الأممية التي تنفذ مهمتها بكل حرية في المناطق التي تسيطر عليها الدولة بينما تتم عرقلة تنفيذ المهمة في الأماكن التي يوجد فيها الإرهابيون المسلحون.
إجمالاً نقول: لا نتمنى أن ترتكب الإدارة الأمريكية حماقة جديدة، هي ومن يقرع طبول الحرب معها، وذلك ليس لأننا نخشى المواجهة، أو لأننا لا نمتلك السلاح المناسب للدفاع عن أنفسنا وبطرائق قد تفاجئ العالم، وإنما لأننا نعلم جيداً أن مثل ذلك العدوان لن يجلب إلا الويلات والندم والهزيمة لكل الأطراف التي تلعب الآن بالنار، وتهلل للإسراع بارتكاب حماقة جديدة، ولأننا نعلم أيضاً أن الحل السياسي للأزمة في سورية هو الحل الأقل تكلفة، وخاصة أننا اقتربنا من القضاء المبرم على الإرهابيين الذين لا يشكلون خطراً على سورية فقط وإنما على العالم أجمع.
خطيئة إخوانية
بقلم: حمادة فراعنة عن الرأي الأردنية
خطوة مهمة ، تلك التي أعلنتها حركة حماس على لسان إسماعيل هنية ، بدعوتها الفصائل والشخصيات لمشاركتها في إدارة قطاع غزة ، وهي متأخرة ، ولكنها تأتي خير من أن لا تأتي ، ولأنها خطوة نوعية تستحق التقدير والإهتمام ، على الطريق الطويل من أجل التراجع عن الإنقلاب ، وإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة .
تستحق التقدير ، لأنها تعكس فهم قيادة حركة حماس أن هنالك تطورات سياسية ، يجب التكيف معها ، وإستحقاقات يجب تلبيتها بعد السياسات الخاطئة التي إرتكبتها في تعاملها مع الأحداث السورية وإنحيازها إلى المعارضة المسلحة ، وتدخلها بالشأن الداخلي المصري وتوظيف محطاتها التلفزيونية وإعلامها ضد ثورة 30 يونيو ، وإنحيازها الفاقع لسياسات الإخوان المسلمين وخياراتهم ، فالفلسطيني سبق وأن دفع أثماناً باهظة في الكويت والعراق وليبيا ، ولا يجوز أن يكرر خطاياه بسبب إنحيازاته الحزبية لهذا الخيار على حساب ذاك ، فهو بحاجة للعرب ، كل العرب ، كحاجته للمسلمين والمسيحيين ، والمؤمنين بالعدالة ودعاة حقوق الأنسان ، وقضيته عادلة ، يجب أن لا تقع بين أيادي المتصارعين لأسباب حزبية وفئوية .
حركة حماس بدعوتها هذه ، تعني أن سياستها في الاستئثار والهيمنة والتسلط الفئوي الحزبي الأخواني ، غير مجدية بعد أكثر من سبع سنوات من عمر الانقلاب ، فقد فشلت في جعل قطاع غزة عنواناً للتنمية وحسن الخدمات وتوفير متطلبات العيش الكريم ، وإشاعة قيم التعددية والديمقراطية والأحتكام إلى صناديق الأقتراع وممارستها ، مثلما فشلت في جعل قطاع غزة عنواناً للمقاومة ، وإستنزاف العدو ، وبدلاً من ذلك توصلت إلى إتفاق الهدنة مع الإسرائيليين برعاية الرئيس محمد مرسي يوم 21/ 11/ 2012 ، ولذلك لا هي نجحت في تقديم قطاع غزة على أنه محرر من الإحتلال ، ولا هي نجحت في تقديم قطاع غزة محتلاً وقامت بعمليات مقاومة ، لإستكمال خطوات طرد الإحتلال .
هذا الفشل الإخواني الحمساوي هو الذي دفع إسماعيل هنية ، متأخراً كي يطالب الفصائل والشخصيات للمشاركة في إدارة القطاع ، وهي دعوة ومشاركة لم تجد الإستجابة من قبل الفصائل والشخصيات الفلسطينية لأن طريق المصالحة ، يجب أن تبدأ بخطوة الاتفاق كما جرى في القاهرة والدوحة ، إعلان حكومة موحدة لغزة ورام الله ، والاتفاق على إجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية لتجديد ولاية الرئيس التي إنتهت ، وولاية المجلس التشريعي التي إنتهت أيضاً .
خطوة حماس التراجعية ، خطوة صغيرة ومتواضعة ، ولذلك فهي غير كافية كي تدفع الفصائل والشخصيات للتجاوب معها والإنخراط في آليتها ، ولذلك وصفتها أغلبية قيادات الفصائل الفلسطينية بأنها هروب من قبل حماس ، من المأزق الذي أوقعت نفسها فيه ، ولذلك لن تقدم لحركة حماس شبكة إنقاذ ، ولن توفر لها شبكة حماية ، فالمطلوب من حركة حماس أن تعي الخطيئة المزدوجة التي وقعت فيها ، وأولها الإنقلاب والتفرد والهيمنة الحزبية الاخوانية ، وثانيها تدخلها الحزبي الفئوي وتأثير ذلك على كيفية تعاملها مع الأحداث الجارية في سوريا ومن بعدها في مصر ، والمطلوب منها التراجع عن الخطوتين .
ثمرة الربيع: عناق المتطرف الديني بالمؤدلج السياسي!
بقلم: يوسف الديني عن الشرق الأوسط
هناك تحالفات هشة متجددة بنيت على أنقاض «الربيع العربي»، يجمع فيما بينها البكاء على انهيار تجربة الربيع بما حملته من آمال عريضة وتصورات فانتازية عن عالم عربي وشرق أوسط جديد، السياسي المؤدلج غير راض على ما آلت إليه الأوضاع، ولديه أزمة حقيقية مع دول الاستقرار تعود إلى رغبته في ابتزاز أنظمتها السياسية عبر المطالبة المبتسرة بالإصلاحات السياسية ولو بدفع أثمان باهظة، كالتحالف مع التطرف وآيديولوجيا العنف، كان ذلك سابقا مع تبرير عنف «القاعدة» في التسعينات باعتبار أن مكونه الرئيسي وسببه الجوهري هو غياب الإصلاحات فيما تبين لاحقا أنه أشبه بالمزحة السامجة (تشبه هذه المزحة تصريح أردوغان أن إسرائيل والغرب وراء سقوط مرسي).
الآيديولوجي المتطرف أيضا يتحالف مع الخطابات السياسية الابتزازية هذه الأيام بعد أن كان يكفرها سابقا ويصب عليها جام غضبه وإرهابه لمجرد رأي سياسي حول نقده للعنف الديني أو التطرف أو الإرهاب، لكنه اليوم يحاول أن يتترس بعقله العنفي خلف مصطلحات ليبرالية الصنع والمنشأ لكن بمضامين أصولية، تتحول الديمقراطية إلى حكم شمولي، ويتم تصوير الإرهاب والترويع والعنف على أنها معارضة واعتصام سلمي، لكن هذه الازدواجية لا يمكن أن تصمد أمام الأتباع، لذلك يتم إنتاج خطابين؛ الأول للغرب والشخصيات المتحالفة من خارج الإسلام السياسي والإعلام يتحدث بلغة سياسية مصلحية، ويتم إنتاج خطاب آخر للأتباع والكوادر وباقي المجموعات المتطرفة مصاغ بلغة دينية وثوقية حادة تضع الآخرين في قوالب الجاهلية وتستخدم كل إمكاناتها في تنزيل النصوص الدينية الواردة في سياق الكفار والمنافقين ليعممها على خصومه السياسيين الذين ربما كانوا أكثر تدينا وفهما لها منه، لكنهم في النهاية، بعيدا عن ذلك، مساوون له تماما في المواطنة وحق تقرير المصير.
وكما أخطأ السياسي المضاد للأنظمة فهمه لطبيعة العنف الذي تولد منذ بداية السبعينات بسبب انفراجة الأوضاع فيما يخص الإسلام السياسي التي قادها باقتدار الرئيس أنور السادات وساهم في ذلك ردة الفعل تجاه فترة قمع عبد الناصر، منذ ذلك الوقت أطلق سراح قيادات «الإخوان»، وتم الانفتاح على الغرب وأقرت أنظمة التعدد الحزبي، ولاحقا عشنا في الثمانينات مرحلة الصحوة التي ألقت بظلالها على طبيعة الأنظمة السياسية وتبنيها لخطابات موازية تستجلب الشرعية الدينية قبل السياسية، ومن هنا تضخم العامل الديني في الحياة السياسية وولدت معه مكونات لخطاب عنفي انقلابي يسعى إلى تحقيق حلم الخلافة، وظل حتى لحظة الربيع يتخذ أشكالا وأنماطا مختلفة، لكن الهدف والمضمون واحد، استبدلت الحاكمية والشورى بإرادة الشعب والصندوق، واستبدل التحالف مع الأنظمة العربية التي تحالفت مع الإسلاميين إبان الحقبة الناصرية بالتحالف مباشرة مع «الشيطان الأكبر» الغرب وإسرائيل لكن في حدود إشكالات العلاقة مع «حماس» وليس المقاومة المفهوم الأشمل.
السياسي الثائر والمستلب من الإسلام السياسي بات يتحدث عن الديمقراطية بشكل مجتزأ ومبتسر ومنقوص، معتمدا على لعبة الأرقام وحصر مفهوم الديمقراطية في الانتخاب بين لا حديث عن الفصل بين السلطات ولا حديث عن ضمان الحريات السياسية الفكر والفن والحرية الدينية ووجود أحزاب معارضة والهوية الوطنية المشتركة.. إلخ
السياسي في هذا الابتسار والتحالف بمنطق السياسة يحول جماعات الإسلام السياسي، ومنها «الإخوان» بتجربتها الفاشلة، إلى طائفة أو أقلية دينية مضطهدة، وهي جزء من أزمة فهم الغرب والولايات المتحدة لطبيعة الإسلام السياسي والفرق الكبير بينه وبين الأقليات الدينية، حيث لا يختلف في المعتقد الديني، وإنما في الأهداف السياسية والطموح للحكم وآلية التغيير الاجتماعي، وهي تمظهرات سياسية - اجتماعية وليست عقائدية، كما أن طرحها بهذا السياق الطائفي الأقلوي هو معادل آخر لطريقة تكفير هذه الجماعات المتطرفة للمجتمع المسلم ووصفه بالجاهلي، وإلا فكيف يمكن للسياسي المتحالف مع «الإخوان» أن يتجاهل مكونات أكثر عراقة وتجذرا في المجتمعات الإسلامية كالإسلام الرسمي ويمثله الأزهر في مصر والتيارات السلفية الحاضرة اجتماعيا بشكل أقوى، بل المهيمنة، كظاهرة معولمة لها تجلياتها المختلفة، فنحن أمام سلفيات متباينة لكن بإطار ومرجعية فكرية متقاربة، هذا عدا أن أغلب المجتمعات الإسلامية، وعلى رأسها المجتمع المصري، هي مجتمعات متدينة ومتسامحة إجمالا لم تطرأ عليها تحولات نوعية وضخمة كالتي طرأت على مجتمعات أوروبية أو حتى آسيوية فيما يخص العامل الديني.
الإسلام السياسي الحركي يعبر عن موجات اجتماعية وليس مجرد أحزاب وتنظيمات سياسية، هناك فرق كبير من جهة مصادر التلقي والانتشار والتعبئة، لذلك التحولات بحاجة إلى خطابات بديلة على مستوى الفكر والعقل وليس فقط على مستوى الخيار السياسي، فكما لم تتحول جماعات الإسلام السياسي أو حتى بعض الجماعات المنشقة عنها ممن كانت لها سابقة العنف، كالجماعة الإسلامية والجهاد، إلى خيار المشاركة السياسية بمجرد قرار قيادي، فلا يمكن أن تعود إلى مربع السلم الأهلي بمجرد قرار أو انقلاب داخل الجماعة، هناك حاجة لوقت طويل للمراجعة والتفكير والخروج من كل أطر ما قبل الدولة الحديثة، ومنها مفردات الخلافة والشمولية والأممية.
هناك عناق حميم الآن بين المتطرف الديني والمؤدلج السياسي بشعارات الخوف من عودة حكم العسكر والأنظمة القمعية وتراجع الحريات السياسية، في حين أن كل هذه المخاوف تبدو أكبر في ظل الحكم الشمولي للإسلام السياسي لسبب بسيط هو عواقب تسييس الدين أكثر خطرا وفداحة من تحييد العامل الديني في الصراع السياسي، وللحديث بقية.
هل سيتكرر سيناريو صدام مع الأسد؟
بقلم: باسل محمد عن الصباح العراقية
ستكون منطقة الشرق الاوسط مجدداً على موعد قريب مع ضربة عسكرية واسعة او محدودة من قبل الدول الغربية بقيادة اميركية ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد لأنه المتهم الرئيس في الهجوم اخيراً بالسلاح الكيمياوي على مناطق الغوطة بريف العاصمة دمشق والذي راح ضحيته اكثر من الف قتيل و آلاف المصابين من الاطفال و النساء و المسلحين السوريين المعارضين.
من الناحية الدولية، هناك شقان يتعلقان بنظرية الأمن القومي الاميركي، الشق الخاص بزعامة كونية لمنظومة القيم الديمقراطية التي تأسس عليها النظام السياسي الاميركي وبالتالي اي طرف اوجهة او دولة تتناقض او تتسبب في حرج او تقوض نفوذ هذه الزعامة تمثل تهديداً للأمن القومي في الولايات المتحدة ويستوجب التدخل العسكري. اما الشق الثاني، فله صلة بوقوع تهديدات مباشرة للأراضي والمصالح الاميركية او لأراضي ومصالح الدول الحليفة ويتطلب ذلك عملاً عسكرياً واسعاً و مباشراً.
في الحالة السورية، فأن الهجوم الكيمياوي على الغوطة بغض النظر عن الطرف المسؤول عنه، النظام السوري او اي طرف ثاني له دلالات ستراتيجية بالغة الخطورة منها و اهمها ان اسرائيل - و هي حليف اساسي للولايات المتحدة - يمكن ان تواجه هجوماً شبيهاً بالهجوم على ريف دمشق في حال انتشرت الفوضى اكثر مما عليه في الوقت الراهن في سورية، كما ان الهجوم يعد تحدياً للزعامة الاميركية لقيم الديمقراطية في العالم وهذا امر يضر بهيبتها ونفوذها لأن هذه الزعامة الاعتبارية و الاخلاقية اخذت على عاتقها اقامة نظام دولي جديد و الدفاع عنه وهناك استحقاقات ملزمة بنشر اسلوب الحكم الحر و التعددي وبالتالي من المنطقي ان يبادر الاميركيون الى التعامل مع الملف الكيمياوي السوري بجدية وحزم واذا لم يفعلوا ذلك، فأنهم سيواجهون حالة من الازدراء والسخرية من الشعب الاميركي اولاً و بقية الشعوب الاخرى.
بالمقارنة بين تجربة حكم صدام حسين في العراق و تجربة حكم الاسد في سورية، فأن نظام الاسد غير بعيد عن احتمال تكرار بعض التفاصيل الخاصة بالسيناريو الذي جرى تنفيذه على نظام صدام منها شن غارات جوية و صاروخية لتدمير مواقع عسكرية حيوية في سورية وهذا معناه ان التدخل العسكري الغربي بسبب هجوم مناطق الغوطة قريب المنال، كما ان الغرب ربما يذهب الى خيار آخر وهو ابرام اتفاق دولي مع نظام الاسد لنزع الاسلحة المحظورة التي بحوزة الجيش السوري النظامي بذريعة ان النظام فقد السيطرة على هذه الاسلحة وهذا امر فعال لأنه يشكل ضمانة لأمن اسرائيل و أمن حلفاء الولايات المتحدة من العرب كالمملكة الاردنية.
في اسوأ حسابات النظام السوري، السؤال التالي: هل يمكن للغرب ان يتذرع بالسلاح الكيمياوي الذي استخدم في غوطة دمشق ليفكر بالانتقال الى تطبيق سيناريو صدام في العام 2003؟ بمعنى يكون الهدف من اي تدخل عسكري غربي وشيك هو الاطاحة بنظام حكم الاسد وتمكين المعارضة السورية منه كما جرى بالضبط مع رئيس النظام الدكتاتوري السابق في العراق ثم تلي هذه الخطوة تشكيل حكومة سورية انتقالية باشراف دولي تكون من مهامها القاء القبض على الرئيس الاسد وبقية اعوانه لمحاكمتهم على جرائم انسانية بينها استعمال الكيمياوي ضد المدنيين.على المستوى الدبلوماسي، سيحاول اصدقاء النظام السوري ابعاد شبح السيناريو الغربي الذي تم تجريبه على نظام صدام بحيث تكون الضربة العسكرية الغربية محدودة و سريعة و مجرد عملية عقابية كي لا تتكرر الهجمات الكيمياوية في المدن السورية وبالتالي لا يكون هدف الضربة العسكرية الغربية التخلص من حكم الاسد.
بالنسبة للقيادة الروسية الداعمة بقوة لنظام الاسد ستحاول على الارجح مبادلة وقف أية ضربة عسكرية غربية في سورية في حال حدوثها بتعزيز فرص التسوية السياسية في اطار عقد مؤتمر جنيف 2 وربما يتدخل الروس هذه المرة للضغط على الرئيس السوري لترك السلطة ضمن خطة حل مناسبة اي ان الغرب استفاد عملياً مما حصل في الغوطة باتجاه القيام بضغط عسكري على النظام السوري و اجباره على تقديم تنازلات مهمة لابرام حل سياسي مع معارضيه وقد يفعل الاسد كل ما هو مطلوب منه ليتجنب المصير الذي واجه صدام حسين.
كلمة الرياض : لا حلول سياسية بلا ضغط عسكري..
بقلم: يوسف الكويليت عن الرياض السعودية
غير الاستراتيجيين الذين يديرون سيناريوهات الضربة على سورية تبقى التحليلات تخمينية؛ لأن الأسرار خاصة بالقيادات العسكرية والسياسية وبمن سيقومون بتنفيذ هذه المهمة، لكن في إطار التجاذبات السورية مع خصومها وحلفائها أعادنا وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الغالب على حضوره الإعلام السوري إلى طيب الذكر محمد الصحاف قبل احتلال العراق، فكل الردود إنذارات وضربات مقابلة وإعلان فشل هذا التصرف، وانتصار للإرادة الوطنية وقيادتها..
الغريب في الأمر موقف روسيا، فهي لن ترد عسكرياً، ولم تمنع الأسد من استعمال السلاح الكيماوي، وتعلق الحجج على أمريكا وحلفائها في اتخاذ قرار عسكري بضرب سورية، إلاّ إذا كانت هناك صفقة مع الغرب بتسويات أخرى كانقلاب عسكري من قلب جيش النظام لتغيير الوجوه وجمع كل الأطراف بما فيها المعارضة تجنباً لأن يحتل المشهد والقوة إسلاميون متطرفون، لكن ما هي الفائدة الروسية من ذلك؟
قطعاً حفظ ماء الوجه واستنفاد محاولاتها مع الأسد القبول بحلول مرضية، أو أن قوة دولية تشترك بها روسيا مع دول عديدة لتحل بديلاً عن الجيش النظامي والحر لإقامة حكومة انتقالية تقوم، تحت المظلة الدولية، بإعادة سورية إلى وحدتها كبديل عن أن تكون مركزاً خطراً للإرهاب أو حرب أهلية..
سورية من جانبها تقول إن الضربة تريد خلق توازن عسكري في الداخل لتتم التسوية وفق منطق قوة الطرفين، وهذا احتمال مقبول لو أن أمريكا والدول المشاركة لها دعمت الجيش الحر بقوة مساوية دون اللجوء لاستخدام القوة، لكن مسار الأمور يتجه نحو تنفيذ الرغبة الأمريكية لجني العديد من الأرباح السياسية أولاً بإعادة مركزها كدولة مقبولة من الرأي العام العربي والعالمي بعد انحسار دورها وحتى هيبتها والظهور بأن المنطقة مركز نفوذها ولا تقبل شراكة مع روسيا أو غيرها باستخدام نفوذ مضاد لها فيها..
تراجع روسيا عن دعم مناصريها ليس الأول والأخير، فقد استخدم الأطلسي قوته في ضرب صربيا وهي المحسوبة روحياً على كنيستها، وعرقياً على أرومتها السلافية وجرى نفس الحدث مع ليبيا دون أن تحرك سفينة أو طائرة واحدة، ومع سورية قد تكون وضعت مثل هذا الاحتمال فصار خيارها هو الابتعاد عن صِدام مدمر، وهي التي تعرف أن بطنها مكشوفاً لأي حرب محتملة طالما دول منظومة الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى هم حلفاء الغرب وأعضاء في اتحاد أوروبا حالياً..
فوائد الضربة قد تطرح على إيران ضغطاً مباشراً سواء بحد رقعة تحالفها مع العراق وسورية وحزب الله بما سمي بالهلال الشيعي، وجرّها مرغمة إلى تنازلات عن مشروعها النووي، وهو فائدة للغرب وأمريكا وإسرائيل معاً، والأخرى أن تتمدد القاعدة في مناطق خطرة بدعم من دول وليس منظمات فقط، بما يفرض إيقاعه خاصة وأن العراق وسورية أصبحتا خاضعتين لهذه المنظمة الإرهابية..
الصين كعادتها تستخدم السياسة في حدود منفعتها، ولذلك جاءت تصريحاتها خجولة بحدود مفهوم انتظار التحقيقات بشأن الكيماوي، وضرورة الإجماع الدولي وخطورة مثل هذه الإجراءات، وكل ذلك يفسر لنا أن التحالفات بين القوى الصغيرة والكبرى تبقى ضمن اللعبة التي يستفيد منها الطرف الفاعل، ومثلما تخلت أمريكا عن شاه إيران وغيره، فقد تتخلى روسيا وإيران عن الأسد، طالما الأمور لا تقبل التهور في اللعبة الخطرة وخاصة مع الغرب الذي طالما كان المنتصر في الحلول السياسية والعسكرية أو فرضهما على أي خصم.
الوحش الذى استيقظ فينا
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
احذر من الوحش الذى استيقظ فينا، لاننا إذا لم نسارع إلى كبح جماحه فلن يسلم أحد من شروره، وستصبح مصر كلها ضحية له.
(1)
أتحدث عن خطاب الكراهية ودعوات الانتقام التى تستهدف ترويع الآخرين وتصفيتهم ليس لإقصائهم فحسب ولكن أيضا لاقتلاعهم وحرمانهم من حقهم فى الكرامة فضلا عن الحياة والوجود. إلى غير ذلك من عناوين ومفردات حملة الجنون التى باتت تملأ الفضاء المصرى، وصارت تستخلص من الناس أسوأ وأتعس ما فيهم.
أتحدث عن التهليل لاستخدام القوة وعدم الاكتراث بالمجازر التى وقعت والاستخفاف بأرواح ودماء القتلى والشماتة فى الضحايا، واستسهال التخوين والتوزيع المجانى لتهم الإرهاب والتحريض على القتل وقلب نظام الحكم والتخابر مع الأعداء. وأستغرب ان يتم ذلك كله من خلال منابر عامة، سواء كانت صحفا سيارة أو قنوات وبرامج تليفزيونية، كما يمارس من خلال سيل من البلاغات المقدمة إلى النيابة، من جانب الميليشيات الجديدة التى خرجت من المخابئ والجحور وصارت تستهدف كل ما هو سوى ومحترم فى بر مصر، ولا تسأل عما هو نبيل وشريف.
فى ظل هذه الأجواء المسمومة تحولت دعوات الوفاق الوطنى والمصالحة والسلام الأهلى والالتزام بالتعددية واحترام الرأى الآخر والحل السلمى للخلافات السياسية، هذه كلها تحولت إلى مثالب يرمى بها من تجرأ وتطرق إليها، وأصبحت مبررات لشن حملات التجريح والتشويه. بل ان الدعوة إلى المصالحة الوطنية التى هى من أنبل وأنجح أساليب العمل السياسى صارت تحظى بدرجة عالية من المقاومة والاستنكار.
وسيل الكتابات والحوارات التليفزيونية التى تبنت هذا الموقف يفوق الحصر. بل اننى قرأت سبابا لأصحاب تلك الدعوة نشرته إحدى الصحف تحت عنوان: أبوكم لأبو المصالحة! والمقصود فى الدارجة المصرية هو ملعون أبوكم وأبو المصالحة التى تتحدثون عنها. أى ان الداعى إليها ليس مجرحا ومستهدفا بالهجاء فحسب، ولكنه ملعون الأبوين أيضا.
(2)
نقلت جريدة الأهرام يوم الأحد الماضى 25/8 عن المستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية أحمد المسلمانى قوله ان الكراهية فى مجتمعنا خطر على الأمن القومى. وهو تعبير دقيق ومهم رغم ان الجريدة لم تشر إلى السياق الذى وردت فيه، إلا أن صاحبنا لم يبين لنا لماذا اطلقت حملة الكراهية فى الوقت الراهن؟ ومن يقف وراءها؟ ومن يتولى بثها والترويج لها؟ صحيح ان المنابر التى تتبنى تلك الحملة ليست فوق الشبهة والوجوه التى تسوقها لها رصيدها المعتبر من عدم الاحترام وسوء السمعة، إلا أنه من المهم للغاية ان تسلط الأضواء على خلفية المشهد لكى نعرف بالضبط من صاحب المصلحة فى بث تلك السموم وزرع الفتنة فى المجتمع بما يؤدى إلى تمزيق أواصره وشل قدرته على النهوض فضلا عن التقدم، وذلك هو الهدف النهائى لأى خطر يهدد الأمن القومى لأى بلد.
ان الوحش فى هذه الحالة لا يصيب الآخر فقط، ولكنه يسمم الأجواء ويلوث الإدراك العام بحيث يحول المواطنين العاديين إلى وحوش صغار وقنابل موقوتة، مشحونة بالكراهية، الأمر الذى يقسم المجتمع إلى ميليشيات متخاصمة ومستنفرة ويحول الوطن الواحد إلى معسكرات متحاربة يتأهب كل منها للانقضاض على الاخر وافنائه. وما لا يقل خطورة عن ذلك ان استمرار ذلك الوضع يعد إعلانا عن فشل السلطة القائمة فى الحفاظ على وحدة الجماعة الوطنية وعجزها عن حماية التنوع والتعدد فيها.
ثمة حلقة غامضة فى خلفية إطلاق الوحش. ذلك اننا إذا فهمنا دور المنابر المستخدمة وعرفنا شيئا عن المصالح المستهدفة وأدركنا حقيقة العناصر التى تغذى السموم وتروج للحقد والكراهية، فإن علاقة هؤلاء بالأجهزة الأمنية التى عادت إلى انتعاشها مؤخرا تظل محل تساؤل تردد كثيرا على شبكات التواصل الاجتماعى، وقد أثار تلك الشكوك وقواها ان العناصر التى ترعى الوحش وتغذيه لها صلاتها التاريخية الثابتة بتلك الأجهزة. وأهمية استجلاء هذه النقطة انها تبين لنا ما إذا كانت عملية إطلاق الوحش جزءا من سياسة الدولة أم انها تتم لحساب جهات لها مصالحها الخاصة، أم أنها نقطة التقت عندها مصالح الطرفين.
(3)
ليس سرا أن الهدف النهائى لهذه الحملة هو القضاء على الإخوان والخلاص منهم بصورة نهائية عند الحد الأدنى والخلاص من التيار الإسلامى فى مجمله عند الحد الأقصى. وهذا الهدف الكامن أعلنت عنه أصوات بلا حصر خلال الأسابيع الأخيرة، بعضها تسرع وذكر ان «الجماعة» انتهت بالفعل، وبعضها أكد انها تلقت ضربة قاضية أخرجتها من التاريخ بغير رجعة. وبعضها ذهب إلى أن المجتمع لفظها إلى الأبد. إلى غير ذلك من التعبيرات التى تحدث بها البعض عما يتمنونه وليس عما هو حاصل بالفعل.
صحيح ان الإخوان وقعوا فى أخطاء عدة، وان شعبية الحركة تراجعت إلى حد كبير فى مصر، وصحيح أيضا أن أداء بعض الحركات الإسلامية فى الفترة الماضية كان منفرا وليس جاذبا، لكن من الصحيح أيضا انه على مدار التاريخ لم يحدث ان حركة عقائدية لها شعبية إسلامية أو غير إسلامية انتهت بقرار أو بإجراءات إدارية أو حملات أمنية من أى نوع. وحين تكون الحركة إسلامية فى بلد متدين بطبيعته مثل مصر فان القضاء عليها واقتلاعها بالكامل يعد من رابع المستحيلات. وهذا ليس رأيا خاصا ولكنه رأى أى باحث منصف، له علم بالسياسة أو بالاجتماع أو بالتاريخ.
وهو معنى عبرت عنه كتابات عدة فى العديد من الصحف الغربية وفى بعض الصحف العربية والمصرية، نعم قد تضعف الحركة وتندثر ومن ثم تختفى من الوجود، وهو ما يؤكده تاريخ الفرق عند المسلمين. ولكن ذلك يتم من خلال تآكل الأفكار التدريجى أو تعارضها مع ثوابت الشرع أو فطرة الناس، ولم يحدث مرة واحدة ان تم ذلك بقرار سلطانى أو بحملات قمعية وأمنية.
ان الجهد الهائل الذى نشهده هذه الأيام لشيطنة الإخوان لتبرير القضاء عليهم بما فى ذلك الادعاء بان الاشتباك معهم بمثابة حرب جديدة على الإرهاب، لو بذل عُشره لاحتوائهم وتشجيعهم على مراجعة اخطائهم وتصحيح علاقتهم مع المجتمع بمؤسساته المختلفة، لكان ذلك أجدى وأنجح وأقرب إلى تحقيق المصلحة العليا للبلد. ناهيك عن سوء التقدير والتعبير فى استخدام مصطلح الحرب على الإرهاب الذى أريد به دغدغة مشاع الغربيين. ذلك ان الحرب الوهمية التى استخدمت نفس المصطلح فى التجربة الأمريكية، كانت ولاتزال أفشل حروبها، ولم تحقق الهدف منها رغم مضى نحو عشر سنوات على انطلاقها. فضلا عن أن كثيرين يعتبرون انها عممت الإرهاب فى العالم ولم تقض عليه.
ادرى أن ثمة قائمة طويلة من الاتهامات إلى الإخوان سواء فى عهد الدكتور محمد مرسى أو بعد انقلاب 3 يوليو، ينبغى أن تخضع وقائعها لتحقيق نزيه لكى يحاسب المسئولون عنها. ولا اعرف ان كان ذلك بات ممكنا الان أم لا، ثم اننا لم نسمع صوتهم فيما نسب إليهم من إدعاءات. علما بأن كل ما تلقيناه حتى الآن ظل محصورا فى التقارير الأمنية، التى على أساسها أجريت المحاكمات عبر وسائل الإعلام وعلقت المشانق فى فضاءاتها.
(4)
على عكس ما يتصور كثيرون أو يتمنون. فالمشكلة بدأت ولم تنته. أو عند الحد الأدنى فانها بصدد الدخول فى منعطف جديد أشد خطرا. ذلك ان ما جرى طوال شهر يوليو من الصعب نسيانه أو طى صفحته بسهولة. ليس لدى ما أقوله عن حوادث التخريب التى وقعت خصوصا حرق الكنائس واقتحام اقسام الشرطة، أو عمليات القتل والتعذيب التى تحدثت عنها وسائل الإعلام. وقل ذلك عن أحداث الاتحادية وغيرها من النوازل التى حلت فى عهد الدكتور مرسى. لان تلك الوقائع لم تحقق ولم نعرف من الفاعل فيها، وكل ما بين أيدينا الآن هو إادعاءات أمنية وأصداء إعلامية، تخدم سياسة الاقصاء والاجتثاث بأكثر مما تخدم الحقيقة.
الوحش الذى استيقظ فينا كان أداؤه دمويا خلال شهر يوليو، وتمثل فى سلسلة من المجاذر التى كانت حصيلتها ثلاثة آلاف قتيل وعشرة آلاف مصاب منهم 7 آلاف إصابتهم خطرة وبعضهم على وشك الموت. وهذه هى الأرقام التى سجلتها نقابة الأطباء، واعتبرتها حدودا دنيا مرشحة للزيادة، لان هناك قتلى ومصابين لم يتم التعرف على هوياتهم ولم تسجل بطاقاتهم.
وحسبما فهمت فهناك ضغوط أمنية على وزارة الصحة والمستشفيات لحجب المعلومات الخاصة بالقتلى والمصابين. هذا الملف الدموى يخضع الآن لعملية توثيق قيل لى إنه حافل بالمعلومات الخطيرة والمفاجآت الصادمة، التى تحتاج بدورها إلى تحقيق نزيه يعرف الرأى العام بالمدى الذى وصل إليه الجنون وعبر عنه الوحش فى تلك الفترة.
لا أتحدث عن محاسبة المسئولين عن تلك المذابح، خصوصا ان ذلك ملف ملغوم يتعذر فتحه فى الوقت الراهن، وانما سيترك أمره للتاريخ عله يكون أكثر حيادا وإنصافا. لكنى أتحدث عن شلال الدماء التى تدفقت غزيرة خلال تلك الفترة، ربما يمكن ان تستنبته وترويه. بطبيعة الحال فان أحدا لا يتمنى أن تطلق تلك الدماء جولة جديدة من العنف تدخلنا فى جحيم الحالة الجزائرية وعشرية الموت السوداء التى خيمت هناك فى تسعينيات القرن الماضى، لكن أحدا لا يستطيع ان يضمن ان ذلك لن يحدث وان وحش القتل لن يولد لنا وحش الثأر، الذى أرجح ان يكون جنينا فى الوقت الراهن.
المثير للدهشة ان ثمة تجاهلا لذلك الملف وانكارا له، حيث لا أرى جهدا من أى نوع يبذل للتعاطى معه وتجنب تداعياته المخيفة التى تهدد السلم الأهلى، وتهدد الأمن القومى فى نفس الوقت، الأمر الذى يسلمنا إلى مجهول يحفل بمختلف الشرور التى تخطر أو لا تخطر على البال.
لقد أعلن رسميا أن رئاسة الجمهورية سوف تشكل لجنة لتقصى حقائق ما جرى فى مذبحة الحرس الجمهورى، ولكن اللجنة لم تر النور. وفى خريطة الطريق التى أعلنها الفريق عبدالفتاح السيسى فى 3/7 أعلن عن تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وممثلة لمختلف التوجهات، ورغم مضى أكثر من خمسين يوما على ذلك الإعلان، فان اللجنة بدورها لم تر النور.
ليس عندى تفسير لتجاهل هذه المسألة، وأرجو ألا يكون ذلك التجاهل راجعا إلى تنامى نفوذ تيار الاستئصال فى دوائر السلطة الذى يعول على الحل الأمنى وينحاز إلى الاقتلاع والإبادة. وإلى أن تنجلى الحقيقة فى هذا الشأن فإن الوحش سيظل يكبر ويزداد توحشا. ولن تستعرب إذا استحضر وحوشا أخرى تملأ الغابة التى صرنا من سكانها.