Haneen
2013-12-08, 12:41 PM
اقلام عربي 487
1/9/2013
في هذا الملــــف:
إعلام السم والعسل
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
موقف الأردن واضح ولا تجبروه على غيره
صالح القلاب-الرأي الأردنية
الضربة الأميركية من زاوية عربية
خالد الدخيل – الحياة اللندنية
«لائحة الاتهام» الأمريكية وما بعدها
عريب الرنتاوي- الدستور الأردنية
اطمئنوا ... انها ضربة «محدودة»
الياس حرفوش-الحياة اللندنية
فرصة لإسقاط النظام وإنقاذ لبنان
علي حماده- النهار اللبنانية
تفجير لبنان
هاشم عبدالعزيز-الخليج الإماراتية
القرضاوي.. أو كُلّ هذا الحقد والكراهية
محمد خروب-الرأي الأردنية
ما بين الحرية والأمن
سعاد فهد المعجل- الشرق الأوسط
جمعة الفشل والمصير المجهول
عادل السنهورى-اليوم السابع
إعلام السم والعسل
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
أواخر عام 1984 عقدت في العاصمة الأردنية الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني قاطعتها الغالبية الساحقة من الفصائل الفلسطينية، وحدث حينها أن تعزز الانقسام الفلسطيني الذي كانت بدايته دامية قبل عامين من ذلك الوقت إثر خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية وعدد من قياداتها من لبنان، في مشهد وصفه رونالد ريغان، الرئيس الأمريكي في حينه، أنه أروع مشهد رآه في حياته . على وقع ذلك الانقسام، خرجت تظاهرات معارضة لجلسة المجلس الوطني، وأخرى مؤيدة . وفي إحدى التظاهرات المعارضة، سقط جرحى برصاص الاحتلال، لكن معظم وسائل الإعلام وصفت التظاهرة بأنها مؤيدة .
في زيارة لأحد الجرحى في المستشفى تساءل عن سبب لجوء هذه الوسائل الإعلامية للكذب وسرقة دمه ومعاناته في غير الهدف الذي خرج لأجله ضد الاحتلال، وتوظّف آلامه لغاية هي تريدها ولم تبذل هي والقائمون عليها ما ينبغي أن يبذله حملة المبادئ . لو استشهد ذلك الشاب لزرعوا في نواياه من نواياهم، ولفكّروا بالنيابة عنه، ولقوّلوه ما لم يقله .
الناس من دون إعلام معزولون عن العالم، وكان من الممكن أن تكون وسائل الإعلام لنقل ما يجري في أية منطقة إلى بقية مناطق العالم، وهذا من شأنه أن ينشئ رابطاً إنسانياً بين البشر في كل مكان قائماً على أساس نقل حقيقة الأحداث . لكن هذا الأساس المفترض لرسالة وسائل الإعلام بقي في الإطار النظري على نطاق واسع، مع ملاحظة أن هناك من وسائل الإعلام العربية من لا يزال ممسكاً بزمام الحقيقة وملتزماً المنطلقات والثوابت القومية ومصالح الأمة، رغم أن الحفاظ على هذه الثوابت ليس مهمة سهلة في هذا الزمن الضاغط على رقاب العباد وعقولهم وأفئدتهم، والأنكى أن هذا التسميم للإنسان يجري باسم حقوق الإنسان، زاعماً أنه ناطق باسم حريته والدفاع عن مصالحه .
الإنسان من حقه أن يعرف حقيقة الأحداث بموضوعية ومن دون تدخّل وإدخال، لا السم في العسل ولا العسل في السم . الإنسان من حقه ألا يفكّر هذا المذيع أو معد البرامج بالإنابة عنه، وألا يكذب عليه أحد لاستخدامه على نحو قطيعي كلبنة في جسر للكذب تمر عليه المؤامرات . الإنسان العربي، على نحو خاص ولا أقول على نحو حصري، من حقه أن يطالب وسائل الإعلام ألا تقدم له وجبات متتالية من الأطعمة السياسية المسمومة والشرعنة القذرة للفتنة والقتل على الهوية، وتحويل الدماء إلى ماء عبر فتاوى مأجورة ومقولبة لتحقيق أهداف سياسية .
الإنسان من حقّه أن تبقى أذناه نظيفتين لا تلوّثهما حفلات الهرج والمرج والردح السياسي والبذاءات والشتائم والألفاظ السوقية، خدمة لمشروع التفتيت والشرذمة وإدخال أبناء الشعب العربي في اشتباك داخلي دام وحروب أهلية، لا غاية لها إلا إبقاء “إسرائيل” واضعة ساقاً على ساق، تتفرّج وتضحك وتسخر من أمة مستعبدة ويسعى بعضها لاستعباد البعض الآخر .
الإنسان العربي من حقه ألا يرى “إسرائيل” باعتبارها في العائلة العربية تحتل خارطة فلسطين ويظهر الصهاينة القتلة على شاشات العرب بوصفهم رأياً آخر أو طرفاً محاوراً . والإعلام الذي يريده المواطن العربي، ذاك الذي يبني ولا يهدم، ولا يسخّر نفسه كأداة لتعكير صفو الأمان في الشوارع العربية .
موقف الأردن واضح ولا تجبروه على غيره
صالح القلاب-الرأي الأردنية
مرات عدة أكد الأردن، وهو لا يزال يؤكد، على أنه لن يكون هناك أي عمل عسكري من أراضيه تجاه سوريا ولا بأي شكل من الأشكال لكن ومع ذلك فإن من يسعون لولاءٍ أكثر للنظام السوري يصرون على مواصلة «تنظيراتهم» وتحذيراتهم وبطرقٍ وكأن هذا البلد «مكسر عصا» وكأنه بلا حوْل ولا قوة وغير قادر أن يدافع عن نفسه وعن شعبه إذا جدَّ الجد وإذا تطاول عليه الذين لم يتورعوا ولم يترددوا في إستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً منذ العام 1925 ضد أطفال شعب بقوا يتعاملون معه وكأنه ليس شعبهم.
على مدى عامين ونصف بقي الأردن، فعلياً، ينأى بنفسه عن الأزمة السورية وبقي يحرص كل الحرص على ألاَّ يكون جزءاً من هذه الأزمة التي غدت أزمة إقليمية ودولية مستفحلة وهو بقي يواصل النصائح للمسؤولين السوريين، الذين من طبعهم أن تأخذهم العزة الكاذبة بالإثم، بأن عليهم ألاَّ يبتعدوا عن شعبهم وأن عليهم ألاَّ يلجأوا إلى القوة الغاشمة لحل مشاكلهم القديمة جداً مع هذا الشعب الطيب الذي تحمَّلهُم لأكثر من أربعين عاماً أكثر من اللزوم لكنهم لم يستمعوا إلى هذه النصائح وصدَّقوا من كانوا ولا زالوا يكذبون عليهم بأن الأمة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر معهم وأن الشعب الأردني «عن بكرة أبيه» يؤيدهم ويقف مواقفهم!!.
ربما لألف مرة قال الأميركيون وحلفاؤهم أن الضربة العسكرية المرتقبة، التي تشير بعض التقديرات إلى أنها قد تكون قبل يوم الأربعاء المقبل وقد تكون قبل ذلك وفي أي لحظة، لن تكون بريَّة إطلاقاً وإنها ستقتصر على الصواريخ وعلى الغارات الجوية لكن مع ذلك فإن تجار المواقف الرخيصة مستمرون في «فلسفاتهم» ومستمرون في تحذير الأردن، في ما يشبه الإتهام، من المشاركة في الحرب الإمبريالية السكناجية على نظام «الممانعة والمقاومة».
إننا نسمع يومياً على ألسنة كبار المسؤولين الأردنيين الذين في أيديهم وليس في أيدي غيرهم أيَّ قرار كهذا القرار بأن الأردن لن يكون منطلقاً لأي عمل عسكري ضد سوريا وأن الأردن ليس جزءاً من هذه الحرب المنتظرة وأنه في الوقت ذاته ضد ذبح الشعب السوري بهذه الطريقة الهمجية وضد تشريده وضد هذه الإنحيازات المذهبية والطائفية التي باتت تهدد أعز دولة عربية شقيقة بالنسبة للأردنيين لخطر الإنقسام والتشظي ولكل هذا الدمار والخراب الذي لم يَحِلْ حتى بدول الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
لقد أكد الأردن على هذا مرات عدة وهو لا يزال يؤكد عليه لكن ومع ذلك فإنَّ هناك تلميحات تصل إلى حد التهديد بأن المدن الأردنية ليست بعيدة عن الصواريخ التي بقيت صامتة أمام إحتلال الجولان كل هذه السنوات الطويلة وهذا يجعلنا نقول إننا سنواصل الحرص على ألاَّ نكون جزءاً من هذه الحرب المرتقبة وبأي شكل من الأشكال لكن هذا لا يعني أننا سنصمت على أي تحدٍّ لنا وعلى أي إستهداف لبلدنا وشعبنا وهنا فإن المؤكد أن «إخوتنا»!!، الذين يحكمون القطر الشقيق بالحديد، يعرفون أن شعبنا موحدٌ وعلى قلب رجل واحد هو قائدنا الذي نعتز بقيادته الملك عبد الله بن الحسين وأنَّ جيشنا «الجيش العربي» يتمتع بلياقة قتالية على مستوى لياقة أهم جيوش العالم وأنه يتمتع بشجاعة خبرها هؤلاء «الإخوان» على أرض حوران وعلى أرض الجولان الحبيبة في العام 1973.
إنه على الذين دفعوا نظام القطر الشقيق إلى إرتكاب حماقة إستخدام الأسلحة الكيمياوية، المحرمة دولياً بموجب «بروتوكول» العام 1925، ضد أطفال الشعب السوري ألاَّ يفكروا بأن يلعبوا أي لعبة خطرة مع هذا البلد المملكة الأردنية الهاشمية وأن يتذكروا أن الجيش العربي السوري تحول إلى ميليشيات طائفية يقودها حسن نصر الله وقاسم سليماني وأنه عندما يبقى عاجزاً أمام حمص وحلب أكثر من عامين فإنه بالتأكيد لن يستطيع الدفاع عن دمشق إذا إضطر جيشنا العربي إلى الدفاع عن بلده وعن شعبه.. وهذا ما لا نريده ولا نفكر فيه على الإطلاق.. لكننا قد نضطر إليه إذا تعرض بلدنا وتعرض شعبنا إلى أي حماقة كالحماقات التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه!
الضربة الأميركية من زاوية عربية
خالد الدخيل – الحياة اللندنية
هناك سبل كثيرة للنظر إلى الضربة الأميركية المتوقعة ضد النظام السوري على خلفية استخدامه السلاح الكيماوي ضد مواطنيه. هناك من هو مشغول بحجم هذه الضربة، وهناك من يتركز اهتمامه على توقيتها. وثالث يتساءل عن إمكان فبركة واشنطن والأمم المتحدة - وفي شكل عام الغرب - للدليل على استخدام الكيماوي من قبل النظام السوري. ورابع يرى ضرورة الاهتمام بتداعيات هذه الضربة، وهل ستؤدي إلى حرب إقليمية؟ وخامس يتمنى، وسادس يخشى أن تؤدي الضربة إلى سقوط النظام السوري. أنا أكتب ظهر أمس السبت، وبالتالي فربما أن الضربة حصلت قبيل ساعات من طباعة هذا المقال، وفي ظني أن الضربة لن تحصل قبل يوم غد الإثنين، ولا بعد الخميس المقبل.
كل ما سبق زوايا نظر مهمة لموضوع مهم، لكن هناك زاويا أخرى لا تقل أهمية، بل ربما أنها أكثر خطورة حتى من الضربة ذاتها. لهذه الزوايا ميزة تفرقها عن غيرها، وهي التي تضفي عليها أهمية وخطورة أكثر من غيرها، وهي أنها زوايا عربية قبل أي شيء آخر. أهم هذه الزوايا العربية تتمثل في السؤال الآتي: كيف ينبغي أن ننظر الى الضربة الأميركية؟ هل هي لخدمة المصالح الأميركية؟ أم لأجل تحقيق مصالح الشعب السوري؟ ماذا ينبغي أن يكون عليه موقفنا من هذه الضربة؟ هل نحن معها أم ضدها؟ أم ينبغي لنا أن نكون في موقف بين الموقفين؟ والغريب أن هذه الأسئلة - وللدقة هذه الارتباكات - تتجاور تماماً مع شبه إجماع عربي رسمي وغير رسمي على دموية النظام السوري، وعلى أنه نظام قاتل، وأنه السبب الأول والأهم في كل المآسي التي مرّ ويمر بها الشعب السوري منذ ما قبل الثورة وبعدها، وبالتالي فإن سقوطه أو تغييره أو استبداله سيكون في مصلحة هذا الشعب. لكن بعد كل ذلك، ليس هناك اتفاق على أي شيء تقريباً. سيقال إن هذه الأسئلة وحال الخلاف والشقاق حولها تعبر عن عجز متمكن، وعن ارتباك متفشّ بين الجميع أمام حدث كبير غامض في مصادره وأهدافه ومآلاته، وأن مرد ذلك العجز والارتباك الى حال انقسام مزمن بين العرب على كل شيء، وعلى كل مستوى تقريباً.
هذا صحيح، ولكن هناك ما هو أقرب الى الحقيقة، وأكثر تعبيراً عن هذا الواقع، وهو أن إشكال الضربة ينبع من حقيقة أنها ستأتي من الولايات المتحدة ومن خلفها الغرب ضد نظام عربي. هنا يبرز السؤال: هل كون النظام عربياً يجيز التغاضي عن جرائمه؟ سيقول الجميع من غير أتباع وأنصار النظام: لا. الجريمة تبقى كذلك مهما كانت هويتها، لكن أن يأتي عقاب جريمة طرف عربي من طرف غير عربي، ومن الغرب تحديداً يجعل منه أمراً محل شبهة يقتضي رفضه، أو على الأقل حرمانه من مشروعية الموافقة العربية عليه. الضربة الأميركية تهدف الى خدمة مصالح أميركية وهي غير معنية بمصالح الشعب السوري ولا بمصالح العرب. وهذا صحيح تماماً، لكن مأزق هذا الرأي أنه يتوقف عند هذا الحد، حدّ الرفض ولا يتجاوزه، ويستند في جوهره إلى تبرير أخلاقي هشّ، بل وزائف أمام حال سياسية تفرض نفسها على الجميع.
هل هناك فرق من الناحية الأخلاقية أو القانونية بين أن يُقتل العربي بيد عربي آخر، وأن يُقتل على يد طرف غير عربي؟ ينطوي السؤال على عنصرية باذخة. قتل الإنسان محرّم لأنه إنسان قبل أي شيء آخر، فما بالك عندما يتم تدمير بلد بكامله لأجل أن يبقى الرئيس في سدة الحكم. سورية تدمر وشعبها يُقتل في شكل يومي، ويتحول إلى لاجئين في المنافي في شكل يومي أيضاً. والعرب عاجزون أو لا يريدون أن يفعلوا شيئاً. من حقك أن ترفض التدخل الأجنبي في الأزمة، لكن ليس من حقك أن ترفضه من دون أن تقدم بديلاً منه. أنت بهذا الموقف تمنح رخصة مجانية للنظام لمواصلة التدمير والقتل، أما الحديث عن المصلحة فهو نوع من اللغو. من الطبيعي أن يعمل الغرب لأجل مصالحه، وهذا يحسب له لا عليه. هل هناك من يعمل لمصالح غيره؟ لماذا لا يعمل العرب لأجل مصالحهم؟ هل الأتراك أو الإيرانيون أو غيرهم يعملون لمصالح العرب؟ هذا نوع من الهذيان. ثم إن السوريين من غير قيادة النظام وأتباعها هم أصحاب القول الفصل في تقرير الموقف من كل ما يتعلق بالمأزق الذي يعيشونه، ويدفعون ثمنه يومياً.
الطرف الأول الذي فرض المأزق على الجميع هو النظام السوري، والدول العربية فرضت بعجزها عن فعل أي شيء في هذه الحال أيضاً. هناك دول عربية تعلن رفضها للضربة بطريقة مرتبكة لا تجعل لرفضها مترتبات سياسية معينة، وتكتفي بأن تكون شاهد زور على ما سيحدث. نموذج ذلك مصر في عهد الانقلاب العسكري. الأردن نموذج آخر لدولة عربية لا تعلن رفضاً ولا قبولاً للضربة، ولكن تؤكد أنها لن تكون منطلقاً لهذه الضربة. على الناحية الأخرى، هناك دول عربية تقبل ضمناً بالضربة لكنها تلوذ بالصمت ولا تعلن موقفاً، وقائمة هذه الدول طويلة من الخليج العربي إلى المغرب العربي. لبنان الأكثر تأثراً بالحرب الأهلية السورية منقسم في موقفه من الضربة بين شعار «المقاومة» وشعار «النأي بالنفس»، أما العراق الذي يعاني حرباً أهلية ونفوذاً إيرانياً ترتفع أكلافه يوماً بعد آخر، فيحذر من مخاطر الضربة ولكن من دون أن يعلن رفضاً قاطعاً لها. الجزء الحاكم من النظام العراقي منقسم بين ارتباط مع طهران على أساس مذهبي، وارتباط مع واشنطن على أساس سياسي، وانطلاقاً من ذلك سيذهب رئيس الحكومة نوري المالكي إلى العاصمة الأميركية لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع أميركا صاحبة الضربة.
الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان أعلنتا موقفاً واضحاً من الضربة هما تركيا وإيران. تركيا لا تؤيد الضربة وحسب، بل ومستعدة للمشاركة فيها. إيران ترفض الضربة وتطلق تصريحات رنانة، ولكنها مبهمة عن رد فعلها في حال حصلت. لن تفعل إيران شيئاً بعد انسحاب روسيا، وإذا كانت الضربة محدودة وقصيرة الأمد. موقف هاتين الدولتين لافت لجهة أنه يؤكد المؤكد، وهو أن الدول العربية المعنية أكثر من غيرها بحرب أهلية في بلد عربي، والأكثر تأثراً بتداعياتها وتداعيات الضربة الأميركية المتوقعة، هي الوحيدة التي لا تملك موقفاً سياسياً واضحاً ومتماسكاً. الأيديولوجيا العربية هي العائق الكبير أمام الدول العربية لإعلان موقف واضح من حدث يؤمن بعضها بضرورته، ويؤمن البعض الآخر بحتميته، وهذا ليس جديداً على أية حال. كنا في الموقع نفسه تقريباً في كل الأزمات التي عرفها العرب، أقله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما يكون الموقف العربي على هذا النحو، إما مرتبكاً بصمت أو رافضاً بصمت أو قابلاً بصمت أيضاً، فإنه يعبر عن ضعف سياسي وعجز عسكري، ومن ثم عن غياب للرؤية. والدولة من دون موقف متماسك ومعلن - وبخاصة في اللحظات الحرجة - ليست دولة تماماً.
في هذه الحال يعبر ارتباك الرأي العام العربي وتناقض مواقفه ما بين سذاجة أخلاقية أو انتهازية سياسية، عن طبيعة الدولة التي ينتمي إليها، والخطاب السياسي الذي تعتاش عليه من أزمة إلى أخرى، ومن مأزق إلى آخر.
«لائحة الاتهام» الأمريكية وما بعدها
عريب الرنتاوي- الدستور الأردنية
بكل المقاييس والمعايير، تبدو “لائحة الاتهام” الأمريكية لسوريا، أقل صدقية ومهنية من تلك التي نُسبت إلى كولن باول قبل عشر سنوات تقريباً، حين قدّم الوزير / الجنرال مرافعته الشهيرة في الأمم المتحدة، للبرهنة على امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل وصلات متينة مع القاعدة ... مرافعة كيري ومعها تقرير الاستخبارات، أقل إقناعاً وأضعف حجة، لأسباب عديدة، منها على الأقل، أن معظم، والبعض يقول جميع، المعلومات التي أوردها التقرير، مُستقاة من مصادر مفتوحة أو من مصادر المعارضة السورية، وبما يذكّر بدور أحمد الجلبي وأمثاله، في تضليل الاستخبارات الأمريكية، عن سوء تقدير منها، أو ربما لرغبة في تجميع أية أدلة وشواهد، بما فيها أكثرها كذباً وتلفيقاً.
أنت بحاجة لأن تثق بالإدارة الأمريكية، وحسن نواياها، وسلامة سرائرها، حتى تصدق ما ورد في تقرير الاستخبارات، لكن بعد تجربة العراق وما سبقها ورافقها وأعقبها، من تجاوزات وتعديات على “القيم” و”المبادئ” و”الأخلاق” و”القانون الدولي” ... بات من الصعب على الرأي العام الدولي (والأمريكي كذلك) تصديق ما يصدر عن الإدارة، وأخذه على محمل اليقين ... ولعل هذا ما حصل بالضبط، في مجلس العموم البريطاني الذي أطاح برغبة حكومة كاميرون في المشاركة بالحرب، استناداً لـ”السابقة العراقية”، وربما كان شيئاً مماثلاً سيحدث لو أن فرانسوا هولاند أو باراك أوباما، عادا للجمعية الوطنية الفرنسية والكونغرس الأمريكي لطلب الإذن قبل الذهاب إلى خنادق القتال.
هي الحرب إذن، وقد بتنا نعد الساعات الأخيرة بانتظار طلقتها الأولى ... هي الحرب التي باتت حاجة أمريكية، للرئيس والإدارة، بحثاً عن استعادة الدور والهيبة والمكانة والصورة، من دون أن يكون لها صلة بمجريات الأزمة السورية وتطوراتها وضروراتها ... هي الحرب، وقد باتت محكومة بحسابات واشنطن الداخلية، أكثر من حسابات الصراع الدائر في سوريا وعليها.
لكنها، “حرب في فنجان”، إن صدقت النوايا الأمريكية المعلنة بأنها لا تشبه أي حرب قبلها ... وأنها محدودة وسريعة وبأهداف منتقاة بعناية فائقة، لا تستهدف إسقاط النظام، ولا تسعى في تحقيق تحوّل استراتيجي في موازين القوى على الأرض ... والأهم من كل هذا وذاك، أنها الحرب التي ستفتح الطريق للمفاوضات والحل السياسي و”جنيف 2”، هذا على الأقل ما تردده أوساط سياسية ودبلوماسية غربية وحتى عربية، في عمان وغيرها من عواصم المنطقة.
قبل نهاية الأسبوع الحالي، من المقرر أن يكون الرئيس الأمريكي قد التقى نظيره الروسي على هامش قمة الدول العشرين الغنية في سان بطرسبورغ، والأرجح أن واشنطن ستعمل على إنفاذ الضربة العسكرية قبل هذه التئام هذه القمة، وثمة معلومات تحدثت عن ضربة قد تكون حصلت قبل أن يرى هذا المقال النور، إذ ليس من المعقول أن يطأ أوباما أرض روسيا فيما صواريخه وطائرات تدك معاقل الجيش والنظام في سوريا ... وإن تأخرت الضربة إلى ما بعد قمة العشرين الكبار، فمعنى ذلك أنها قد لا تحصل أبداً، وهذا أمر مستبعد بكل الحسابات والمقاييس، بالنظر لكلفته الباهظة على الولايات المتحدة ورئيسها في الداخل وعلى الساحة الدولية.
وثمة ما يعزز الاعتقاد بأن الضربة العسكرية الأمريكية قد تعزز فرص الحل السياسي، بعد أن أدركت واشنطن حجم المصاعب والعراقيل التي تحول دون تنفيذ ضربة تكتيكية لنظام الأسد، دع عنك إعلان حرب شاملة عليه ... وسيكون بمقدور واشنطن وحلفائها، الادعاء بنجاح هذا المعسكر في “استعادة التوازن”، بعد أن فقد أركانه توازنهم على الأرض إثر “معركة القصير” وما تلاها من تقدم ميداني للجيش السوري النظامي، وسيكون بالإمكان ادعاء الذهاب إلى “جنيف 2” من موقع الأنداد والمتكافئين، حتى لا نقول من موقع المنتصر، وثمة في تصريحات معظم عواصم العالم، بمن فيها تلك الذاهبة إلى حرب مع سوريا، ما يؤكد أولوية الحل السياسي وحتميته.
لكن بالقدر الذي قد تحرّك فيه ضربة عسكرية محدودة جمود الحل السياسي التفاوضي، بالقدر الذي تحمل في طياتها مخاطر الانزلاق إلى مواجهة غير محسوبة، وفوضى يصعب السيطرة عليها ... كما أن فرص أن يكون الأسد جزءاً من الحل، بعد الضربة العسكرية، قد تكون أصعب بكثير مما كانت عليه قبلها ... وهذه ستكون بلا شك، عقبة كؤود في وجه “جنيف 2”، هي كانت كذلك من قبل الضربة، لكنها ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً بعدها.
على أية حال، يبدو التكهن بما سيأتي بعد الضربة ضرباً من المجازفة، كالضربة ذاتها ... ذلك أن الكثير سيعتمد على “بنك الأهداف” التي ستضربها الصواريخ الأمريكية، وطبيعة الرد السوري على هذه الضربة والكيفية التي سيتصرف بها حلفاء دمشق حيالها ... هذه الأسئلة والتساؤلات، وكثيرٌ غيرها، ستجد أجوبتها الشافية بأسرع مما يُظن، وإن غداً لناظره قريب.
اطمئنوا ... انها ضربة «محدودة»
الياس حرفوش-الحياة اللندنية
قد تأتي الضربة الاميركية المنتظرة لسورية الليلة او غداً، مع صدور هذا المقال او بعد ايام من صدوره. لم يعد التوقيت مهماً. المهم الآن والبارز على سطح الاحداث هو ان ضربة باراك اوباما لبشار الاسد آتية لا محالة. انه اوباما الجديد الذي لم نتعرف على وجهه الخشن منذ انتخابه هو الذي نراه اليوم على الشاشة، متلبساً وجه جورج بوش الابن وبيل كلينتون وجورج بوش الاب، يقود مغامرة جديدة في ساحات الشرق الاوسط.
لم يكن اوباما يرغب في تورط كهذا. تفاداه حتى اللحظة التي صار فيها تفاديه يعتبر هزيمة لأميركا ذاتها. لا تعادلها سوى الهزيمة التي يمكن ان تتعرض لها في الحرب الفعلية. جلس اوباما في مكتبه البيضاوي في البيت الابيض على مدى سنتين ونصف السنة، يحصي أعداد القتلى من ابناء الشعب السوري بعشرات الألوف، وأعداد الجرحى بمئات الألوف، وأعداد المهجرين بالملايين، الذين ملأوا شوارع المدن والساحات والمخيمات التي استطاعوا الوصول اليها في البلدان المجاورة، من تركيا الى الاردن الى العراق الى لبنان. وماذا فعل رئيس الولايات المتحدة طوال هذه المدة؟ لا شيء! الى ان زلّ لسانه وارتكب ذلك «الخطأ» ذات يوم من شهر آب (اغسطس) من العام الماضي، فحذّر بشار الاسد من تجاوز «الخط الاحمر» وعدم استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه.
لم يفهم نظام بشار من ذلك سوى انها رسالة مهادنة من اوباما مفادها: اقتل منهم من تشاء وبالأعداد التي لا توجع «ضميرك». فقط، استخدم اسلحة لا تحرجني امام العالم، ولا تظهرني كرئيس ضعيف لأميركا قوية. اعتقد بشار ان سقف الحماية الروسية وحلف «الممانعة» والعجز الغربي حيال القتل المتمادي ليست سوى تراخيص تجيز له ان يفعل بشعبه ما يشاء. أليس ان هذا شعبه، وليس امامه سوى تأديب هذا الشعب بكل الوسائل، اذا تحوّل الى مجموعات من «الارهابيين»؟
لم يبقِ بشار اي فرصة امام اوباما للهرب من مواجهة الازمة السورية. مع ذلك، اختار الرئيس الاميركي أهون انواع المواجهة. وصفها بنفسه بأنها مواجهة «محدودة»، مطمئناً الرئيس السوري الى ان نظامه باقٍ، وأن قدرته على استئناف القتل لن تمسّ. فقط بضعة صواريخ «كروز» لإنقاذ سمعة اوباما في الداخل وأمام الحلفاء، كي لا يقال ان كلمة رئيس الولايات المتحدة صارت بلا قيمة امام العالم.
من كلام اوباما الى شبكة «بي بي اس» (pbs) الاميركية العامة يوم الاربعاء الماضي يمكن استخلاص الكثير. ولا شك في ان الرئيس السوري وحلفاءه تمعنوا في هذا الكلام واستخلصوا منه ما يرضيهم. يقول اوباما: هذه مجرد اشارة الى الاسد ان من الافضل له ألا يفعلها مرة ثانية (المقصود ألا يقتل السوريين بالكيماوي مجدداً). ويضيف اوباما ببلاغته المعهودة (!): ... لكن هذا لن يحل كل المشاكل داخل سورية، كما انه لن ينهي قتل المدنيين الأبرياء داخل سورية.
بكلام آخر، يتوسل اوباما الى الاسد ان يتفهم «ظروفه». انه مضطر «لارتكاب» هذه الضربة، ويأمل ألا يحرجه الرئيس السوري بالكيماوي مرة اخرى. هناك وسائل عدة اخرى «مقبولة» لقتل السوريين. رجاء، لا تكرروا هذه الغلطة مع رئيس اميركا. فقلبه لا يتحرك الا امام منظر ضحايا الكيماوي.
لا تهدف الضربة الاميركية الى تغيير شيء على الارض في سورية. لا الى تغيير ميزان القوى بين النظام والمعارضة ولا الى الحد من اعمال القصف بالطيران والبراميل المتفجرة. ولا طبعاً الى اسقاط النظام. ويخطئ من يقارن بين ما ينوي اوباما ان يفعله في سورية وما فعله بيل كلينتون بعد عام 1995 لإرغام الصرب على التفاوض ومن اجل انقاذ اقليم كوسوفو بعد ذلك بأربع سنوات. لقد تأخر القرار الاميركي في سورية كثيراً الى ان تضاعفت شراسة النظام وازداد التفكك في صفوف المعارضة واخترقتها كل صنوف المقاتلين و «المجاهدين» من كل حدب وصوب، وبات الحل السياسي بعيد المنال.
فرصة لإسقاط النظام وإنقاذ لبنان
علي حماده- النهار اللبنانية
حتى كتابة هذه السطور لم تكن الولايات المتحدة باشرت ضربتها العسكرية للنظام في سوريا. لذلك لن ندخل في التكهنات، فالمهم ماذا بعد الضربة؟
اسوأ السيناريوات ان تكون الضربة "عقابية" محدودة بهدف ابلاغ رسالة الى النظام في شأن استخدام الأسلحة الكيميائية. ففي هذه الحالة سيخرج بشار في اليوم التالي ليعلن "النصر الإلهي " رقم - ٢ اسوة بالسيد حسن نصرالله غداة حرب ٢٠٠٦ الكارثية. وانطلاقا من اعلانه النصر، سيتمتع بزخم معنوي وسياسي وعسكري وبدعم ميداني من الايرانيين وذراعهم "حزب الله" لتحسين وضعه على الارض، وتالياً تحسين موقعه التفاوضي تحضيرا لـ"جنيف -٢". والمأمول من "جنيف-٢ " ان يكون مؤتمرا دوليا لحل الازمة السورية عنوانه مرحلة ما بعد آل الاسد وبطانتهم المقربة بكاملها. فبشار ومن حوله لا يمكن في أي حال ان يكونوا جزءا من مستقبل سوريا مهما صار.
انطلاقا مما تقدم يصير السيناريو الافضل هو ان تأتي الضربة الاميركية بزخم كاف يخلخل النظام، ويفتح الباب واسعاً امام تقدم قوات الثورة في اتجاه العاصمة واختراقها لانتزاع شرعية الوجود في عاصمة الدولة السورية. وبالمستوى نفسه في الاهمية لا بد من ان تفتح الضربة متى كانت قوية بما يكفي لزعزعة النظام الباب امام هزيمة ايران الميدانية في سوريا ومعها بطبيعة الحال "حزب الله" الذي ينبغي ان يهزم في سوريا مهما كلف الامر. وإلا فإن الحرب في سوريا مستمرة لسنوات طويلة. ومن يتحدثون اليوم عن مئة الف قتيل سيتحدثون بعد عام عن مئتين او ثلاثمئة الف.
لا مناص من استغلال الثورة الفرصة الذهبية التي قد تتوافر لها عبر الضربة الاميركية. ولا بد لها من ان تستميت للبناء عليها، لان الفرصة قد لا تتكرر مرة أخرى قبل سنوات طويلة. المطلوب اذا التفكير في إسقاط النظام في كل مكان مهما بلغت الكلفة. هذه هي مهمة "الجيش السوري الحر" بكل مكوناته والويته، ومهمة جميع الدول الداعمة، عربية كانت أم غربية. يبقى أن نرى ما هي حدود الضربة الاميركية. ماذا عن لبنان في خضم هذه المعمعة؟ ثمة مشكلة يتسبب بها "حزب الله" منذ ان تورط في قتل السوريين على أرضهم تلبية لقرار من المركز في طهران: هذا التورط يجب ان ينتهي اليوم قبل الغد، كيفما أتت الضربة. وعلى الحزب أن يعيد مقاتليه الى لبنان من دون ابطاء. كما انه مطالب بأن يدرك ان للتورط حدودا، وان اي محاولة لتوسيع دائرة الازمة عبر شن حروب جديدة أكان من الجنوب أم غيره مرفوضة لبنانيا، ولن تكون أي مغامرة في هذا الاطار شبيهة بمغامرة ٢٠٠٦ البائسة. مطلوب من "حزب الله" أن يعي أن كل الابواب مفتوحة امامه للانخراط في العملية السياسية اللبنانية الداخلية، وانما من دون سلاحه. لا شرعية لهذا السلاح. يجب ان نذهب جميعا الى طاولة الحوار الوطني الجدي للبحث مع "حزب الله" بكل ايجابية في الاجراءات العملية وروزنامة تسليمه السلاح الى الدولة اللبنانية لينتقل الى العمل السياسي المشروع والطبيعي اسوة بكل القوى السياسية اللبنانية الاخرى. هذه هي الوسيلة الوحيدة لانقاذ لبنان من شظايا ازمات المنطقة المتكاثرة.
تفجير لبنان
هاشم عبدالعزيز-الخليج الإماراتية
لبنان في حال انتقال، هذا ليس في انقسامه، بل في لعبة الفتنة التي تستهدف هذا البلد مكونات وكياناً .
لمجرد الإشارة فقط بعد نحو سنتين عاشها أهل صيدا، عاصمة الجنوب اللبناني، وهم يدفعون الثمن من اقتصاد مدينتهم وعلاقتهم بجوارهم، إضافة إلى ما صار أقرب إلى مسلسل يومي وأسبوعي من قطع الطرق وترويع المواطنين بإطلاق الرصاص والتعديات والذهاب أبعد من هذا بإشهار السلاح على الجيش، أسقط الجيش اللبناني المربع الأمني الذي عرف بجماعة الشيخ أحمد الأسير، وقد قيل إنه كان لا بد من إسقاطه لأن عدم تجفيف هذه البؤرة الأمنية كان سيسقط الجيش نفسه كآخر درع وطنية موحدة تحمي لبنان، بالنظر إلى دعوات الأسير الطائفية للجنود بالتمرد على قياداتهم، ولأن اعتداء هذه الجماعة على الجيش تسبب باستشهاد جنود أعاد إلى صيدا مشاهد العام 1975 عندما انطلقت شرارة الحرب الأهلية من المدينة نفسها .
النتيجة التي حسبت آنذاك بإسقاط هذا المربع الأمني قدرت أنها خطوة مهمة وبخاصة لجهة التصدي للعبة الفتنة الطائفية، لكنها لم تغفل حقيقة أن لبنان بات ملغماً بمثل هذه المربعات التي لا تعد ولا تحصى، ففي كل “زاروب” أسير، وفي كل شارع أسير آخر، وفي كل حي هناك مكون من هذا القبيل، ما يعني أن كل متر مربع لبناني بات مربعاً أمنياً وخطراً لأي منها ليس أقل من المربع الآفل، ولكن تجدر الإشارة إلى أن وجود هذه الجماعة كان مفاجئاً وسريعاً ومضخماً إعلامياً وظلت حتى الآن لغزاً من ألغاز الوضع اللبناني السائد وهو على أي حال قائم على الانقسام .
من هذه النقطة يمكن النظر إلى تفجير الضاحية الجنوبية وتفجيرات طرابلس، فالجامع بينهما ضحايا من الأبرياء شهداء وجرحى وترويع، والتقاء كل الفرقاء السياسيين على الإدانة، ووصف هذه التفجيرات بالإجرامية والوحشية والإرهابية وبالأعمال الدنيئة لإثارة الفتنة الطائفية، بقي دون الوصول إلى كشف هذه الجرائم التي تهدد كيان لبنان لا في أمنه واستقراره وحسب بل في مصير كيانه .
والأمر لا يتوقف عند هذا العجز، بل لا تخلو نظرة المنقسمين بعضهم إلى بعض من ريب، وحين يصير الشكل حاضراً في مسار الأطراف السياسية في أي بلد تتوافر ليس الفرص بل المناخات للاختراق وهذا يصير متاحاً للأفراد والجماعات والأجهزة والدول التي تلعب ويستفيدون من وضع ومترتبات هذا الانقسام .
لسنا بصدد الجانب المشرق والحافل لبنان عربياً وإنسانياً، فأمامنا الانقسام بأضراره الفادحة ومخاطره المحدقة، والشاهد على هذا أن أبشع الجرائم ترتكب وهي مرشحة لموسم “الازدهار” طالما بقي لبنان واقعاً تحت وطأة شلل الانقسام .
إشكالية المنقسمين في لبنان أنهم في الداخل يتقاسمون الحصص أو “المخصصات الطائفية”، لكنهم ينقسمون ويتنافرون وربما يتواجهون في مجرات العلاقات والارتباطات إن لم نقل الولاءات الإقليمية والدولية عوضاً عن أن يكون هذا انفتاحاً لروافد تصب في النهر اللبناني .
لقد كان الإجماع النيابي الذي ناله تمام سلام رئيساً للحكومة اللبنانية الثالثة والسبعين ليس مفاجئاً قل نظيره وحسب . بل بدا باعثاً على الأمل والتفاؤل في الداخل اللبناني وفي المدارات العربية والإقليمية والدولية على خروج لبنان من أزمته السياسية بتداعياتها على مجمل الأوضاع في البلاد، لكن هذه البداية لم تتوقف عند لحظتها السارة بل دخلت دورة التآكل الشرسة في تأكيد من الفرقاء لما هو مؤكد أن الأصل هو انقسامهم، وعلى هذا لا زال لبنان منذ شهور في ظل حكومة تصريف أعمال وهو وضع مريح للمنقسمين لكنه متعب للبنان .
ما الذي يتعين على الساسة اللبنانيين فعله؟
الواقع أن جميع هؤلاء لا ينفكّون عن الحديث عن قضايا الوفاق الوطني والحذر من زرع بذور الفتنة الطائفية، ومن هؤلاء الساسة النائب وليد جنبلاط، رئيس جبهة النضال الوطني الذي دعا إلى تشكيل حكومة وفاق وطني “لنحمي لبنان ونجنبه مزيداً من الانفجارات”، لافتاً إلى أن “إسرائيل” هي المستفيد الوحيد من الانقسام اللبناني والعربي”، ومؤكداً “ضرورة اعتبار ما حصل في طرابلس حافزاً للقاء الجميع والخروج من الانغلاق”، لكن ما الذي يمنع تحول الأقوال هكذا إلى أفعال؟ هذا هو السؤال .
القرضاوي.. أو كُلّ هذا الحقد والكراهية
محمد خروب-الرأي الأردنية
كثيرون ظنوا ان الشيخ يوسف القرضاوي، الذي «لمّعته» الفضائيات وأضفت عليه بعض القداسة، بل هناك من ظن انه «معصوم» لأنه يفتي بكل شيء ولا يتوقف عن زج الدين في السياسة على نحو يخدم اجندة معينة باتت اكثر من معروفة، بعد ان استبد بالشيخ كل هذا الغضب وانكشف مدى الحقد الذي يُكنّه لمن يخالف مشروع الاخوان او ينتقد شهوة السلطة والاستحواذ لديهم وسعيهم لاقصاء شركائهم في الوطن بل واستعدادهم لاجتثاثهم وترويعهم والتنكيل بهم، فضلاً عن انخراطهم في تحالفات سياسية مشبوهة باتت اكثر وضوحاً بعد اسقاط الشعب المصري سلطتهم في المحروسة، على نحو بدا القرضاوي وكأنه اصيب بمسّ لم يبرأ منه، بدليل تلك اللغة والمفردات والمصطلحات التي يتفوه بها خلف الميكروفونات وخصوصاً من على منابر المساجد، على النحو الذي رأيناه يوم اول من امس في خطبة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب في الدوحة، عندما «قرّر» (كونه معصوماً بالطبع) أن «شيخ الازهر ولا مَنْ كان مفتياً في زمن ما» بأنهما ليسا من العلماء (كذا) لأنهما في رأي سماحته (الذي لا يأتيه الباطل) يُمثّلان السلطة ولا يمثلان الشعب، اما العلماء (في نظره) فهم الذين يمثلون علوم القرآن والسنة ويمثلون حقيقة الشعب وجراحه (!!).
نقول: كثيرون ظنّوا ان الشيخ قد اتعظ بما جرى، وأنه سيقف موقفاً شجاعاً مع ذاته وينبذ منطق الإلغاء والاقصاء ويستعيد لغة التسامح والاخاء والمحبة التي حضّ عليها الاسلام الحنيف، وقبل كل ذلك عدم السماح لنفسه بتكفير الناس او شطبهم لأنهم لا يتماثلون مع خطابه او مواقفه التي هي فئوية وفتنوية في الان ذاته، لكنه بدلا من ذلك يمضي في سبيله موزعاً الاتهامات هنا وهناك ومُصْدِراً «شهادات العِلْم والايمان» لهذا الذي يتبع نهجه ويقرّ «فتاواه» ذات الاتجاه السياسي الواضح والذي يرى في جماعة الاخوان المسلمين (ومن يشايعها من الحكّام والأحزاب) انها تمثل الاسلام الصحيح، وما عدا ذلك كله كفر وزندقة وليذهب معتنقوه الى الجحيم على النحو الذي خاطب به الفريق عبدالفتاح السيسي عندما قال من على منبر المسجد «انت يا سيسي كنت وزيراً في عهد مرسي فكيف لك ان تعزله، فلتذهب انت ومَنْ معك الى الجحيم، بعدما حنثت بقسم اليمين امام الله» أي كان على السيسي أن يخضع لجبروت الجماعة وان يدير ظهره لمصالح اغلبية الشعب المصري ويقبل ان يطيع المخلوق (مرسي) ويعصي الخالق، الذي ارسل رسله وانبياءه لاقامة العدل ورفع الظلم والانتصار للفقراء والمستضعفين.. ولكم ان تتخيلوا، أن القرضاوي بات يرى في محمد البرادعي مُنْتصرا للحق ورافضا ايذاء الناس (يقصد ايذاء الجماعة) ونسي الشيخ او تناسى ان «جماعته» هي التي اتهمت البرادعي بالعمالة للاميركان بل ولفقت له «تهمة» من على منصة رابعة العدوية بأنه زار اسرائيل «سراً» لنيل تأييدها لـِ»انقلاب» السيسي.. فعلى من يريد القرضاوي تمرير خطابه؟
ثم تأتي آخر «فرقعات» الشيخ في الخطبة «العصماء» اياها يوم اول من امس، عندما رأى في العدوان الغربي الاستعماري الوشيك على سوريا، بأن ترسانة القتل الاميركية والفرنسية هي «ادوات سخّرها الله للانتقام وأن الله (يُهيّء) مَنْ ينتقم منهم لأنهم (يستحقون) ما يجري عليهم»..
هل ثمة ما يمكن تأويله في كلام الشيخ الذي كان دعا منذ فترة ليست بالقصيرة من الازمة السورية، الى «الجهاد» في سوريا ضد الاسد وحزب الله, الشيعة والروافض والنصيريين؟ ولم يسمع أحد منه كلاماً ولو همساً شبيهاً بذلك، عندما زار غزة بموافقة خطية من نتنياهو ورعاية من محمد «الثالث» مرسي الذي تنبأت عرّافة يهودية بأنه سيحرر الاقصى فلم يَدْعُ القرضاوي من غزة هاشم الى فك أسر الاقصى ولم يتمنَ حتى (مجرد امنية) الصلاة في المسجد الاقصى, بل هو وحليفه السلطان العثماني الجديد رجب طيب اردوغان، تمنيا بل اكّدا انهما سيصلّيان «قريباً» في المسجد الاموي وكان هذا القريب منذ اشهر طويلة، لكن اردوغان يخرج على العالم الان ليقول: ان اي هجوم على سوريا «يجب» أن يتضمن اسقاط نظام الاسد (...) فيما كان عجزه عن تحقيقه.. جليّاً، رغم كل ما بذله من جهود وما حاكه من مؤامرات وما وفره من دعم استخباري ولوجستي وملاذات آمنة وسلاح متقدم للمتمردين وباقي عصابات المسلحين، التي تروّع السوريين وتزيد من معاناتهم وتسرّع في تدمير ما تبقى من بلادهم وهذا كل ما يهدف اليه السلطان العثماني الجديد ولا يكترث له الشيخ القرضاوي الذي ضاقت لديه الرؤية واستغلقت عليه العبارة, فلم يعد يُفرّق بين الانظمة والأوطان ومطامع المستعمرين وبعد أن ارتفع لديه منسوب الحقد والكراهية على كل من يخالف رأيه وخطابه الفئوي المنحاز بغير حدود لجماعة خسرت مشروعها وانكشف برنامجها الاستحواذي.
أما الذين سيغضبهم هذا المقال، لأننا مسّسنا بـ»المعصوم»، فإن عليهم أن يتريّثوا قليلاً ويتأكدوا عما اذا كان الشيخ يتحدث في الدين (الذي ليس حكراً عليه ولا على غيره بالتأكيد) أم في السياسة؟ وفي الاخيرة كل شيء متاح عدا ان لا عصمة لشيخ أو متدثر بجلباب.. او مفتٍ.
ما بين الحرية والأمن
سعاد فهد المعجل- الشرق الأوسط
أحداث مصر الأخيرة طرحت سؤالا تقليديا، حول أولويات الإصلاح السياسي في العالم العربي، وعما إذا كان الأمن والأمان أهم من الحرية والديمقراطية. لا نريد أن نكرر بأنه لا يوجد تعارض أو تناقض بين سيادة الديمقراطية كنهج، وتأمين الأمن والانضباط داخل أي مجتمع.
التردد الذي مارسه الكثيرون تجاه أحداث مصر الأخيرة مفهوم ومبرر ومتوقع، والموقف الذي اتخذه حتى ألدّ أعداء «الإخوان» ضد استخدام العنف والقوة لفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، ينبع من مخاوف البعض من عودة العسكر لتصدر المشهد العربي، بعد أن خطت الشعوب العربية خطوة جبارة من ربيع العرب نحو ترسيخ مفاهيم الحرية والحقوق المجتمعية.. وغيرها من الأسس لبناء الدولة المدنية.
مشكلة الموقف من أحداث مصر، هي المشكلة ذاتها التي برزت في أحداث العراق من قبل.. وأخيرا أحداث سوريا، فالعرب أصبحوا محكومين بسيناريوهات محددة، إما ديمقراطية وحرية، أو فوضى وغياب للأمن، أو اصطفاف مع متشددي تيار الإسلام السياسي، الذين يتصدرون مشهد الصراع في مصر، ويسيطر بعضهم على جبهة المقاومة في سوريا مع كل ما يمثله هذا التيار من تعارض مع أبسط أولويات المجتمع المدني، أو دعم العسكر والجيش ونهج القوة والعنف في سبيل ترويض طموحات الإسلام السياسي الشاذة.
إشكالية الخبز والأمن، أو البندقية والعسكر، تبرز من جديد في أحداث مصر، كما برزت من قبل في أحداث العراق، حين عمت الفوضى، وسالت الدماء، فلا يزال أثر سقوط صدام حسين ونظامه العسكري العنيف قائما، بحيث أصبح الناس أمام خيارين؛ الأمن في ظل قمع وديكتاتورية صدام، أو الحرية مع الفوضى والتفجيرات والدماء.
إن حضور النموذج العراقي دائما في كل مرة تحدث فيها أحداث صاخبة في العالم العربي، هو حضور مهدد للتغيير السياسي المطلوب، فانهيار المؤسسة الأمنية للدولة حمل معه انهيارا للدولة بأكملها، ولا داعي لشرح ذلك، فأوضاع العراق تتحدث عن نفسها، لكن هناك جانبا آخر من الرواية لم يُروَ بشكل جيد، وهو أن الدولة ليست مؤسسة أمنية فقط، بل هي منظومة مؤسسات يؤمنها نهج ديمقراطي متكامل وحريات إنسانية ومجتمعية راسخة، ويبقى على العرب وسط حيرتهم اختيار أحد الطريقين؛ طريق الخبز أو طريق الجيش، أن يبحثوا عن طريق ثالث يؤدي بهم إلى دولة مؤسسات حقيقية قائمة على احترام الفرد أولا قبل تأمين أمنه ورغيفه. هذا الطريق الثالث هو الذي سيحفره شباب الربيع العربي في مصر وفي غيرها، والطريق طويل بالطبع، لكنه حقا قد بدأ.
جمعة الفشل والمصير المجهول
عادل السنهورى-اليوم السابع
فشل الإخوان فى كل شىء ونجحوا بامتياز فى امتحان الإرهاب والترويع. الشعب كان شاهدًا يوم الجمعة على السقوط المدوى والمذرى والمهين للجماعة فى القدرة على الحشد والدعوة للتظاهر، ولم يشعر بهم أحد إلا من خلال افتعالهم أعمال العنف فى مناطق متعددة بالمحافظات، وبخاصة فى القاهرة وعدد من محافظات الوجه البحرى، فى محاولة يائسة فى آخر اليوم للفت الانتباه وكاميرات التصوير. عدة آلاف خرجت تهيم على وجهها، ترفع العلامة الماسونية الشهيرة نقلًا عن رئيس الوزراء التركى الفاقد لتوازنه السياسى هذه الأيام، لا تدرى إلى أين المسير بعد أن فقدت غالبية قياداتها التى كانت تنتظر وتنفذ تعليماتها، ولا إلى أى مصير مجهول يسيرون. التخبط والعشوائية وترديد الشائعات والأكاذيب والألفاظ المسيئة كانت السمة المميزة لمسيرات الإخوان المحدودة، والتى تحولت إلى مسيرات للإرهاب والتخريب قبل نهاية اليوم.
الجماعة فقدت اتزانها وانفصل الجسد المنهك عن الرأس المدبر والمحرك والممول لعمليات الإرهاب، وتحول المشهد إلى عبث يمارسه ما تبقى من فلول الإخوان دون هدف سياسى واضح، سوى تصدير الخوف والترويع للشعب المصرى، الذى أكد للمرة الثانية والثالثة فى مظاهرات الجمعة أن كراهيته للإخوان ولفظه ومقته لهم فاقت الوصف، ولكن الجماعة ايضا فقدت القدرة على فهم الرسالة واستيعابها، وتمضى فى طريق الضلال والغواية. اللافت للانتباه فى مظاهرات الفشل الإخوانية أن الشعب هو الذى بات يتصدى لهم ويطاردهم ويلاحقهم فى كل مكان، كالمنبوذين، مثلما حدث فى دمياط والمحلة وطنطا والبحيرة والإسكندرية.
واللافت أكثر هو التحول الخطير فى موقف أبناء الريف المصرى ضد تنظيم الإخوان، فقد تصدى أبناء أكثر من قرية لمسيرات ومظاهرات الإخوان وشعاراتهم المسيئة للجيش المصرى وقائده. التحول فى موقف ابناء الشعب المصرى فى الريف يحتاج إلى تحليل اجتماعى ونفسى، فقد اعتمد الإخوان كثيرا منذ نشأة الجماعة على الظهير الشعبى فى الريف وتوظيف النزعة الدينية لدى البسطاء والفقراء للأغراض السياسية، واستغلال عوزهم وفقرهم بالشعارات الزائفة وبعبوات الزيت والسكر.
محصلة ما جرى يوم الجمعة هو الفشل، وفقدان التنظيم قدرته على الحشد بعد أن فقد ما تبقى له من رصيد شعبى فى الشارع والمدن والقرى، والعمليات الإرهابية ضد أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة ستدفع به إلى الانتقال من خانة التنظيم المحظور إلى التنظيم الإرهابي. ويبدو أنه قرر الانتقال إلى الخانة الأخيرة.
1/9/2013
في هذا الملــــف:
إعلام السم والعسل
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
موقف الأردن واضح ولا تجبروه على غيره
صالح القلاب-الرأي الأردنية
الضربة الأميركية من زاوية عربية
خالد الدخيل – الحياة اللندنية
«لائحة الاتهام» الأمريكية وما بعدها
عريب الرنتاوي- الدستور الأردنية
اطمئنوا ... انها ضربة «محدودة»
الياس حرفوش-الحياة اللندنية
فرصة لإسقاط النظام وإنقاذ لبنان
علي حماده- النهار اللبنانية
تفجير لبنان
هاشم عبدالعزيز-الخليج الإماراتية
القرضاوي.. أو كُلّ هذا الحقد والكراهية
محمد خروب-الرأي الأردنية
ما بين الحرية والأمن
سعاد فهد المعجل- الشرق الأوسط
جمعة الفشل والمصير المجهول
عادل السنهورى-اليوم السابع
إعلام السم والعسل
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
أواخر عام 1984 عقدت في العاصمة الأردنية الدورة السابعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني قاطعتها الغالبية الساحقة من الفصائل الفلسطينية، وحدث حينها أن تعزز الانقسام الفلسطيني الذي كانت بدايته دامية قبل عامين من ذلك الوقت إثر خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية وعدد من قياداتها من لبنان، في مشهد وصفه رونالد ريغان، الرئيس الأمريكي في حينه، أنه أروع مشهد رآه في حياته . على وقع ذلك الانقسام، خرجت تظاهرات معارضة لجلسة المجلس الوطني، وأخرى مؤيدة . وفي إحدى التظاهرات المعارضة، سقط جرحى برصاص الاحتلال، لكن معظم وسائل الإعلام وصفت التظاهرة بأنها مؤيدة .
في زيارة لأحد الجرحى في المستشفى تساءل عن سبب لجوء هذه الوسائل الإعلامية للكذب وسرقة دمه ومعاناته في غير الهدف الذي خرج لأجله ضد الاحتلال، وتوظّف آلامه لغاية هي تريدها ولم تبذل هي والقائمون عليها ما ينبغي أن يبذله حملة المبادئ . لو استشهد ذلك الشاب لزرعوا في نواياه من نواياهم، ولفكّروا بالنيابة عنه، ولقوّلوه ما لم يقله .
الناس من دون إعلام معزولون عن العالم، وكان من الممكن أن تكون وسائل الإعلام لنقل ما يجري في أية منطقة إلى بقية مناطق العالم، وهذا من شأنه أن ينشئ رابطاً إنسانياً بين البشر في كل مكان قائماً على أساس نقل حقيقة الأحداث . لكن هذا الأساس المفترض لرسالة وسائل الإعلام بقي في الإطار النظري على نطاق واسع، مع ملاحظة أن هناك من وسائل الإعلام العربية من لا يزال ممسكاً بزمام الحقيقة وملتزماً المنطلقات والثوابت القومية ومصالح الأمة، رغم أن الحفاظ على هذه الثوابت ليس مهمة سهلة في هذا الزمن الضاغط على رقاب العباد وعقولهم وأفئدتهم، والأنكى أن هذا التسميم للإنسان يجري باسم حقوق الإنسان، زاعماً أنه ناطق باسم حريته والدفاع عن مصالحه .
الإنسان من حقه أن يعرف حقيقة الأحداث بموضوعية ومن دون تدخّل وإدخال، لا السم في العسل ولا العسل في السم . الإنسان من حقه ألا يفكّر هذا المذيع أو معد البرامج بالإنابة عنه، وألا يكذب عليه أحد لاستخدامه على نحو قطيعي كلبنة في جسر للكذب تمر عليه المؤامرات . الإنسان العربي، على نحو خاص ولا أقول على نحو حصري، من حقه أن يطالب وسائل الإعلام ألا تقدم له وجبات متتالية من الأطعمة السياسية المسمومة والشرعنة القذرة للفتنة والقتل على الهوية، وتحويل الدماء إلى ماء عبر فتاوى مأجورة ومقولبة لتحقيق أهداف سياسية .
الإنسان من حقّه أن تبقى أذناه نظيفتين لا تلوّثهما حفلات الهرج والمرج والردح السياسي والبذاءات والشتائم والألفاظ السوقية، خدمة لمشروع التفتيت والشرذمة وإدخال أبناء الشعب العربي في اشتباك داخلي دام وحروب أهلية، لا غاية لها إلا إبقاء “إسرائيل” واضعة ساقاً على ساق، تتفرّج وتضحك وتسخر من أمة مستعبدة ويسعى بعضها لاستعباد البعض الآخر .
الإنسان العربي من حقه ألا يرى “إسرائيل” باعتبارها في العائلة العربية تحتل خارطة فلسطين ويظهر الصهاينة القتلة على شاشات العرب بوصفهم رأياً آخر أو طرفاً محاوراً . والإعلام الذي يريده المواطن العربي، ذاك الذي يبني ولا يهدم، ولا يسخّر نفسه كأداة لتعكير صفو الأمان في الشوارع العربية .
موقف الأردن واضح ولا تجبروه على غيره
صالح القلاب-الرأي الأردنية
مرات عدة أكد الأردن، وهو لا يزال يؤكد، على أنه لن يكون هناك أي عمل عسكري من أراضيه تجاه سوريا ولا بأي شكل من الأشكال لكن ومع ذلك فإن من يسعون لولاءٍ أكثر للنظام السوري يصرون على مواصلة «تنظيراتهم» وتحذيراتهم وبطرقٍ وكأن هذا البلد «مكسر عصا» وكأنه بلا حوْل ولا قوة وغير قادر أن يدافع عن نفسه وعن شعبه إذا جدَّ الجد وإذا تطاول عليه الذين لم يتورعوا ولم يترددوا في إستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً منذ العام 1925 ضد أطفال شعب بقوا يتعاملون معه وكأنه ليس شعبهم.
على مدى عامين ونصف بقي الأردن، فعلياً، ينأى بنفسه عن الأزمة السورية وبقي يحرص كل الحرص على ألاَّ يكون جزءاً من هذه الأزمة التي غدت أزمة إقليمية ودولية مستفحلة وهو بقي يواصل النصائح للمسؤولين السوريين، الذين من طبعهم أن تأخذهم العزة الكاذبة بالإثم، بأن عليهم ألاَّ يبتعدوا عن شعبهم وأن عليهم ألاَّ يلجأوا إلى القوة الغاشمة لحل مشاكلهم القديمة جداً مع هذا الشعب الطيب الذي تحمَّلهُم لأكثر من أربعين عاماً أكثر من اللزوم لكنهم لم يستمعوا إلى هذه النصائح وصدَّقوا من كانوا ولا زالوا يكذبون عليهم بأن الأمة العربية من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر معهم وأن الشعب الأردني «عن بكرة أبيه» يؤيدهم ويقف مواقفهم!!.
ربما لألف مرة قال الأميركيون وحلفاؤهم أن الضربة العسكرية المرتقبة، التي تشير بعض التقديرات إلى أنها قد تكون قبل يوم الأربعاء المقبل وقد تكون قبل ذلك وفي أي لحظة، لن تكون بريَّة إطلاقاً وإنها ستقتصر على الصواريخ وعلى الغارات الجوية لكن مع ذلك فإن تجار المواقف الرخيصة مستمرون في «فلسفاتهم» ومستمرون في تحذير الأردن، في ما يشبه الإتهام، من المشاركة في الحرب الإمبريالية السكناجية على نظام «الممانعة والمقاومة».
إننا نسمع يومياً على ألسنة كبار المسؤولين الأردنيين الذين في أيديهم وليس في أيدي غيرهم أيَّ قرار كهذا القرار بأن الأردن لن يكون منطلقاً لأي عمل عسكري ضد سوريا وأن الأردن ليس جزءاً من هذه الحرب المنتظرة وأنه في الوقت ذاته ضد ذبح الشعب السوري بهذه الطريقة الهمجية وضد تشريده وضد هذه الإنحيازات المذهبية والطائفية التي باتت تهدد أعز دولة عربية شقيقة بالنسبة للأردنيين لخطر الإنقسام والتشظي ولكل هذا الدمار والخراب الذي لم يَحِلْ حتى بدول الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية.
لقد أكد الأردن على هذا مرات عدة وهو لا يزال يؤكد عليه لكن ومع ذلك فإنَّ هناك تلميحات تصل إلى حد التهديد بأن المدن الأردنية ليست بعيدة عن الصواريخ التي بقيت صامتة أمام إحتلال الجولان كل هذه السنوات الطويلة وهذا يجعلنا نقول إننا سنواصل الحرص على ألاَّ نكون جزءاً من هذه الحرب المرتقبة وبأي شكل من الأشكال لكن هذا لا يعني أننا سنصمت على أي تحدٍّ لنا وعلى أي إستهداف لبلدنا وشعبنا وهنا فإن المؤكد أن «إخوتنا»!!، الذين يحكمون القطر الشقيق بالحديد، يعرفون أن شعبنا موحدٌ وعلى قلب رجل واحد هو قائدنا الذي نعتز بقيادته الملك عبد الله بن الحسين وأنَّ جيشنا «الجيش العربي» يتمتع بلياقة قتالية على مستوى لياقة أهم جيوش العالم وأنه يتمتع بشجاعة خبرها هؤلاء «الإخوان» على أرض حوران وعلى أرض الجولان الحبيبة في العام 1973.
إنه على الذين دفعوا نظام القطر الشقيق إلى إرتكاب حماقة إستخدام الأسلحة الكيمياوية، المحرمة دولياً بموجب «بروتوكول» العام 1925، ضد أطفال الشعب السوري ألاَّ يفكروا بأن يلعبوا أي لعبة خطرة مع هذا البلد المملكة الأردنية الهاشمية وأن يتذكروا أن الجيش العربي السوري تحول إلى ميليشيات طائفية يقودها حسن نصر الله وقاسم سليماني وأنه عندما يبقى عاجزاً أمام حمص وحلب أكثر من عامين فإنه بالتأكيد لن يستطيع الدفاع عن دمشق إذا إضطر جيشنا العربي إلى الدفاع عن بلده وعن شعبه.. وهذا ما لا نريده ولا نفكر فيه على الإطلاق.. لكننا قد نضطر إليه إذا تعرض بلدنا وتعرض شعبنا إلى أي حماقة كالحماقات التي أوصلت سوريا إلى ما هي عليه!
الضربة الأميركية من زاوية عربية
خالد الدخيل – الحياة اللندنية
هناك سبل كثيرة للنظر إلى الضربة الأميركية المتوقعة ضد النظام السوري على خلفية استخدامه السلاح الكيماوي ضد مواطنيه. هناك من هو مشغول بحجم هذه الضربة، وهناك من يتركز اهتمامه على توقيتها. وثالث يتساءل عن إمكان فبركة واشنطن والأمم المتحدة - وفي شكل عام الغرب - للدليل على استخدام الكيماوي من قبل النظام السوري. ورابع يرى ضرورة الاهتمام بتداعيات هذه الضربة، وهل ستؤدي إلى حرب إقليمية؟ وخامس يتمنى، وسادس يخشى أن تؤدي الضربة إلى سقوط النظام السوري. أنا أكتب ظهر أمس السبت، وبالتالي فربما أن الضربة حصلت قبيل ساعات من طباعة هذا المقال، وفي ظني أن الضربة لن تحصل قبل يوم غد الإثنين، ولا بعد الخميس المقبل.
كل ما سبق زوايا نظر مهمة لموضوع مهم، لكن هناك زاويا أخرى لا تقل أهمية، بل ربما أنها أكثر خطورة حتى من الضربة ذاتها. لهذه الزوايا ميزة تفرقها عن غيرها، وهي التي تضفي عليها أهمية وخطورة أكثر من غيرها، وهي أنها زوايا عربية قبل أي شيء آخر. أهم هذه الزوايا العربية تتمثل في السؤال الآتي: كيف ينبغي أن ننظر الى الضربة الأميركية؟ هل هي لخدمة المصالح الأميركية؟ أم لأجل تحقيق مصالح الشعب السوري؟ ماذا ينبغي أن يكون عليه موقفنا من هذه الضربة؟ هل نحن معها أم ضدها؟ أم ينبغي لنا أن نكون في موقف بين الموقفين؟ والغريب أن هذه الأسئلة - وللدقة هذه الارتباكات - تتجاور تماماً مع شبه إجماع عربي رسمي وغير رسمي على دموية النظام السوري، وعلى أنه نظام قاتل، وأنه السبب الأول والأهم في كل المآسي التي مرّ ويمر بها الشعب السوري منذ ما قبل الثورة وبعدها، وبالتالي فإن سقوطه أو تغييره أو استبداله سيكون في مصلحة هذا الشعب. لكن بعد كل ذلك، ليس هناك اتفاق على أي شيء تقريباً. سيقال إن هذه الأسئلة وحال الخلاف والشقاق حولها تعبر عن عجز متمكن، وعن ارتباك متفشّ بين الجميع أمام حدث كبير غامض في مصادره وأهدافه ومآلاته، وأن مرد ذلك العجز والارتباك الى حال انقسام مزمن بين العرب على كل شيء، وعلى كل مستوى تقريباً.
هذا صحيح، ولكن هناك ما هو أقرب الى الحقيقة، وأكثر تعبيراً عن هذا الواقع، وهو أن إشكال الضربة ينبع من حقيقة أنها ستأتي من الولايات المتحدة ومن خلفها الغرب ضد نظام عربي. هنا يبرز السؤال: هل كون النظام عربياً يجيز التغاضي عن جرائمه؟ سيقول الجميع من غير أتباع وأنصار النظام: لا. الجريمة تبقى كذلك مهما كانت هويتها، لكن أن يأتي عقاب جريمة طرف عربي من طرف غير عربي، ومن الغرب تحديداً يجعل منه أمراً محل شبهة يقتضي رفضه، أو على الأقل حرمانه من مشروعية الموافقة العربية عليه. الضربة الأميركية تهدف الى خدمة مصالح أميركية وهي غير معنية بمصالح الشعب السوري ولا بمصالح العرب. وهذا صحيح تماماً، لكن مأزق هذا الرأي أنه يتوقف عند هذا الحد، حدّ الرفض ولا يتجاوزه، ويستند في جوهره إلى تبرير أخلاقي هشّ، بل وزائف أمام حال سياسية تفرض نفسها على الجميع.
هل هناك فرق من الناحية الأخلاقية أو القانونية بين أن يُقتل العربي بيد عربي آخر، وأن يُقتل على يد طرف غير عربي؟ ينطوي السؤال على عنصرية باذخة. قتل الإنسان محرّم لأنه إنسان قبل أي شيء آخر، فما بالك عندما يتم تدمير بلد بكامله لأجل أن يبقى الرئيس في سدة الحكم. سورية تدمر وشعبها يُقتل في شكل يومي، ويتحول إلى لاجئين في المنافي في شكل يومي أيضاً. والعرب عاجزون أو لا يريدون أن يفعلوا شيئاً. من حقك أن ترفض التدخل الأجنبي في الأزمة، لكن ليس من حقك أن ترفضه من دون أن تقدم بديلاً منه. أنت بهذا الموقف تمنح رخصة مجانية للنظام لمواصلة التدمير والقتل، أما الحديث عن المصلحة فهو نوع من اللغو. من الطبيعي أن يعمل الغرب لأجل مصالحه، وهذا يحسب له لا عليه. هل هناك من يعمل لمصالح غيره؟ لماذا لا يعمل العرب لأجل مصالحهم؟ هل الأتراك أو الإيرانيون أو غيرهم يعملون لمصالح العرب؟ هذا نوع من الهذيان. ثم إن السوريين من غير قيادة النظام وأتباعها هم أصحاب القول الفصل في تقرير الموقف من كل ما يتعلق بالمأزق الذي يعيشونه، ويدفعون ثمنه يومياً.
الطرف الأول الذي فرض المأزق على الجميع هو النظام السوري، والدول العربية فرضت بعجزها عن فعل أي شيء في هذه الحال أيضاً. هناك دول عربية تعلن رفضها للضربة بطريقة مرتبكة لا تجعل لرفضها مترتبات سياسية معينة، وتكتفي بأن تكون شاهد زور على ما سيحدث. نموذج ذلك مصر في عهد الانقلاب العسكري. الأردن نموذج آخر لدولة عربية لا تعلن رفضاً ولا قبولاً للضربة، ولكن تؤكد أنها لن تكون منطلقاً لهذه الضربة. على الناحية الأخرى، هناك دول عربية تقبل ضمناً بالضربة لكنها تلوذ بالصمت ولا تعلن موقفاً، وقائمة هذه الدول طويلة من الخليج العربي إلى المغرب العربي. لبنان الأكثر تأثراً بالحرب الأهلية السورية منقسم في موقفه من الضربة بين شعار «المقاومة» وشعار «النأي بالنفس»، أما العراق الذي يعاني حرباً أهلية ونفوذاً إيرانياً ترتفع أكلافه يوماً بعد آخر، فيحذر من مخاطر الضربة ولكن من دون أن يعلن رفضاً قاطعاً لها. الجزء الحاكم من النظام العراقي منقسم بين ارتباط مع طهران على أساس مذهبي، وارتباط مع واشنطن على أساس سياسي، وانطلاقاً من ذلك سيذهب رئيس الحكومة نوري المالكي إلى العاصمة الأميركية لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع أميركا صاحبة الضربة.
الدولتان الوحيدتان في المنطقة اللتان أعلنتا موقفاً واضحاً من الضربة هما تركيا وإيران. تركيا لا تؤيد الضربة وحسب، بل ومستعدة للمشاركة فيها. إيران ترفض الضربة وتطلق تصريحات رنانة، ولكنها مبهمة عن رد فعلها في حال حصلت. لن تفعل إيران شيئاً بعد انسحاب روسيا، وإذا كانت الضربة محدودة وقصيرة الأمد. موقف هاتين الدولتين لافت لجهة أنه يؤكد المؤكد، وهو أن الدول العربية المعنية أكثر من غيرها بحرب أهلية في بلد عربي، والأكثر تأثراً بتداعياتها وتداعيات الضربة الأميركية المتوقعة، هي الوحيدة التي لا تملك موقفاً سياسياً واضحاً ومتماسكاً. الأيديولوجيا العربية هي العائق الكبير أمام الدول العربية لإعلان موقف واضح من حدث يؤمن بعضها بضرورته، ويؤمن البعض الآخر بحتميته، وهذا ليس جديداً على أية حال. كنا في الموقع نفسه تقريباً في كل الأزمات التي عرفها العرب، أقله منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعندما يكون الموقف العربي على هذا النحو، إما مرتبكاً بصمت أو رافضاً بصمت أو قابلاً بصمت أيضاً، فإنه يعبر عن ضعف سياسي وعجز عسكري، ومن ثم عن غياب للرؤية. والدولة من دون موقف متماسك ومعلن - وبخاصة في اللحظات الحرجة - ليست دولة تماماً.
في هذه الحال يعبر ارتباك الرأي العام العربي وتناقض مواقفه ما بين سذاجة أخلاقية أو انتهازية سياسية، عن طبيعة الدولة التي ينتمي إليها، والخطاب السياسي الذي تعتاش عليه من أزمة إلى أخرى، ومن مأزق إلى آخر.
«لائحة الاتهام» الأمريكية وما بعدها
عريب الرنتاوي- الدستور الأردنية
بكل المقاييس والمعايير، تبدو “لائحة الاتهام” الأمريكية لسوريا، أقل صدقية ومهنية من تلك التي نُسبت إلى كولن باول قبل عشر سنوات تقريباً، حين قدّم الوزير / الجنرال مرافعته الشهيرة في الأمم المتحدة، للبرهنة على امتلاك نظام صدام حسين لأسلحة دمار شامل وصلات متينة مع القاعدة ... مرافعة كيري ومعها تقرير الاستخبارات، أقل إقناعاً وأضعف حجة، لأسباب عديدة، منها على الأقل، أن معظم، والبعض يقول جميع، المعلومات التي أوردها التقرير، مُستقاة من مصادر مفتوحة أو من مصادر المعارضة السورية، وبما يذكّر بدور أحمد الجلبي وأمثاله، في تضليل الاستخبارات الأمريكية، عن سوء تقدير منها، أو ربما لرغبة في تجميع أية أدلة وشواهد، بما فيها أكثرها كذباً وتلفيقاً.
أنت بحاجة لأن تثق بالإدارة الأمريكية، وحسن نواياها، وسلامة سرائرها، حتى تصدق ما ورد في تقرير الاستخبارات، لكن بعد تجربة العراق وما سبقها ورافقها وأعقبها، من تجاوزات وتعديات على “القيم” و”المبادئ” و”الأخلاق” و”القانون الدولي” ... بات من الصعب على الرأي العام الدولي (والأمريكي كذلك) تصديق ما يصدر عن الإدارة، وأخذه على محمل اليقين ... ولعل هذا ما حصل بالضبط، في مجلس العموم البريطاني الذي أطاح برغبة حكومة كاميرون في المشاركة بالحرب، استناداً لـ”السابقة العراقية”، وربما كان شيئاً مماثلاً سيحدث لو أن فرانسوا هولاند أو باراك أوباما، عادا للجمعية الوطنية الفرنسية والكونغرس الأمريكي لطلب الإذن قبل الذهاب إلى خنادق القتال.
هي الحرب إذن، وقد بتنا نعد الساعات الأخيرة بانتظار طلقتها الأولى ... هي الحرب التي باتت حاجة أمريكية، للرئيس والإدارة، بحثاً عن استعادة الدور والهيبة والمكانة والصورة، من دون أن يكون لها صلة بمجريات الأزمة السورية وتطوراتها وضروراتها ... هي الحرب، وقد باتت محكومة بحسابات واشنطن الداخلية، أكثر من حسابات الصراع الدائر في سوريا وعليها.
لكنها، “حرب في فنجان”، إن صدقت النوايا الأمريكية المعلنة بأنها لا تشبه أي حرب قبلها ... وأنها محدودة وسريعة وبأهداف منتقاة بعناية فائقة، لا تستهدف إسقاط النظام، ولا تسعى في تحقيق تحوّل استراتيجي في موازين القوى على الأرض ... والأهم من كل هذا وذاك، أنها الحرب التي ستفتح الطريق للمفاوضات والحل السياسي و”جنيف 2”، هذا على الأقل ما تردده أوساط سياسية ودبلوماسية غربية وحتى عربية، في عمان وغيرها من عواصم المنطقة.
قبل نهاية الأسبوع الحالي، من المقرر أن يكون الرئيس الأمريكي قد التقى نظيره الروسي على هامش قمة الدول العشرين الغنية في سان بطرسبورغ، والأرجح أن واشنطن ستعمل على إنفاذ الضربة العسكرية قبل هذه التئام هذه القمة، وثمة معلومات تحدثت عن ضربة قد تكون حصلت قبل أن يرى هذا المقال النور، إذ ليس من المعقول أن يطأ أوباما أرض روسيا فيما صواريخه وطائرات تدك معاقل الجيش والنظام في سوريا ... وإن تأخرت الضربة إلى ما بعد قمة العشرين الكبار، فمعنى ذلك أنها قد لا تحصل أبداً، وهذا أمر مستبعد بكل الحسابات والمقاييس، بالنظر لكلفته الباهظة على الولايات المتحدة ورئيسها في الداخل وعلى الساحة الدولية.
وثمة ما يعزز الاعتقاد بأن الضربة العسكرية الأمريكية قد تعزز فرص الحل السياسي، بعد أن أدركت واشنطن حجم المصاعب والعراقيل التي تحول دون تنفيذ ضربة تكتيكية لنظام الأسد، دع عنك إعلان حرب شاملة عليه ... وسيكون بمقدور واشنطن وحلفائها، الادعاء بنجاح هذا المعسكر في “استعادة التوازن”، بعد أن فقد أركانه توازنهم على الأرض إثر “معركة القصير” وما تلاها من تقدم ميداني للجيش السوري النظامي، وسيكون بالإمكان ادعاء الذهاب إلى “جنيف 2” من موقع الأنداد والمتكافئين، حتى لا نقول من موقع المنتصر، وثمة في تصريحات معظم عواصم العالم، بمن فيها تلك الذاهبة إلى حرب مع سوريا، ما يؤكد أولوية الحل السياسي وحتميته.
لكن بالقدر الذي قد تحرّك فيه ضربة عسكرية محدودة جمود الحل السياسي التفاوضي، بالقدر الذي تحمل في طياتها مخاطر الانزلاق إلى مواجهة غير محسوبة، وفوضى يصعب السيطرة عليها ... كما أن فرص أن يكون الأسد جزءاً من الحل، بعد الضربة العسكرية، قد تكون أصعب بكثير مما كانت عليه قبلها ... وهذه ستكون بلا شك، عقبة كؤود في وجه “جنيف 2”، هي كانت كذلك من قبل الضربة، لكنها ستكون أكثر صعوبة وتعقيداً بعدها.
على أية حال، يبدو التكهن بما سيأتي بعد الضربة ضرباً من المجازفة، كالضربة ذاتها ... ذلك أن الكثير سيعتمد على “بنك الأهداف” التي ستضربها الصواريخ الأمريكية، وطبيعة الرد السوري على هذه الضربة والكيفية التي سيتصرف بها حلفاء دمشق حيالها ... هذه الأسئلة والتساؤلات، وكثيرٌ غيرها، ستجد أجوبتها الشافية بأسرع مما يُظن، وإن غداً لناظره قريب.
اطمئنوا ... انها ضربة «محدودة»
الياس حرفوش-الحياة اللندنية
قد تأتي الضربة الاميركية المنتظرة لسورية الليلة او غداً، مع صدور هذا المقال او بعد ايام من صدوره. لم يعد التوقيت مهماً. المهم الآن والبارز على سطح الاحداث هو ان ضربة باراك اوباما لبشار الاسد آتية لا محالة. انه اوباما الجديد الذي لم نتعرف على وجهه الخشن منذ انتخابه هو الذي نراه اليوم على الشاشة، متلبساً وجه جورج بوش الابن وبيل كلينتون وجورج بوش الاب، يقود مغامرة جديدة في ساحات الشرق الاوسط.
لم يكن اوباما يرغب في تورط كهذا. تفاداه حتى اللحظة التي صار فيها تفاديه يعتبر هزيمة لأميركا ذاتها. لا تعادلها سوى الهزيمة التي يمكن ان تتعرض لها في الحرب الفعلية. جلس اوباما في مكتبه البيضاوي في البيت الابيض على مدى سنتين ونصف السنة، يحصي أعداد القتلى من ابناء الشعب السوري بعشرات الألوف، وأعداد الجرحى بمئات الألوف، وأعداد المهجرين بالملايين، الذين ملأوا شوارع المدن والساحات والمخيمات التي استطاعوا الوصول اليها في البلدان المجاورة، من تركيا الى الاردن الى العراق الى لبنان. وماذا فعل رئيس الولايات المتحدة طوال هذه المدة؟ لا شيء! الى ان زلّ لسانه وارتكب ذلك «الخطأ» ذات يوم من شهر آب (اغسطس) من العام الماضي، فحذّر بشار الاسد من تجاوز «الخط الاحمر» وعدم استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه.
لم يفهم نظام بشار من ذلك سوى انها رسالة مهادنة من اوباما مفادها: اقتل منهم من تشاء وبالأعداد التي لا توجع «ضميرك». فقط، استخدم اسلحة لا تحرجني امام العالم، ولا تظهرني كرئيس ضعيف لأميركا قوية. اعتقد بشار ان سقف الحماية الروسية وحلف «الممانعة» والعجز الغربي حيال القتل المتمادي ليست سوى تراخيص تجيز له ان يفعل بشعبه ما يشاء. أليس ان هذا شعبه، وليس امامه سوى تأديب هذا الشعب بكل الوسائل، اذا تحوّل الى مجموعات من «الارهابيين»؟
لم يبقِ بشار اي فرصة امام اوباما للهرب من مواجهة الازمة السورية. مع ذلك، اختار الرئيس الاميركي أهون انواع المواجهة. وصفها بنفسه بأنها مواجهة «محدودة»، مطمئناً الرئيس السوري الى ان نظامه باقٍ، وأن قدرته على استئناف القتل لن تمسّ. فقط بضعة صواريخ «كروز» لإنقاذ سمعة اوباما في الداخل وأمام الحلفاء، كي لا يقال ان كلمة رئيس الولايات المتحدة صارت بلا قيمة امام العالم.
من كلام اوباما الى شبكة «بي بي اس» (pbs) الاميركية العامة يوم الاربعاء الماضي يمكن استخلاص الكثير. ولا شك في ان الرئيس السوري وحلفاءه تمعنوا في هذا الكلام واستخلصوا منه ما يرضيهم. يقول اوباما: هذه مجرد اشارة الى الاسد ان من الافضل له ألا يفعلها مرة ثانية (المقصود ألا يقتل السوريين بالكيماوي مجدداً). ويضيف اوباما ببلاغته المعهودة (!): ... لكن هذا لن يحل كل المشاكل داخل سورية، كما انه لن ينهي قتل المدنيين الأبرياء داخل سورية.
بكلام آخر، يتوسل اوباما الى الاسد ان يتفهم «ظروفه». انه مضطر «لارتكاب» هذه الضربة، ويأمل ألا يحرجه الرئيس السوري بالكيماوي مرة اخرى. هناك وسائل عدة اخرى «مقبولة» لقتل السوريين. رجاء، لا تكرروا هذه الغلطة مع رئيس اميركا. فقلبه لا يتحرك الا امام منظر ضحايا الكيماوي.
لا تهدف الضربة الاميركية الى تغيير شيء على الارض في سورية. لا الى تغيير ميزان القوى بين النظام والمعارضة ولا الى الحد من اعمال القصف بالطيران والبراميل المتفجرة. ولا طبعاً الى اسقاط النظام. ويخطئ من يقارن بين ما ينوي اوباما ان يفعله في سورية وما فعله بيل كلينتون بعد عام 1995 لإرغام الصرب على التفاوض ومن اجل انقاذ اقليم كوسوفو بعد ذلك بأربع سنوات. لقد تأخر القرار الاميركي في سورية كثيراً الى ان تضاعفت شراسة النظام وازداد التفكك في صفوف المعارضة واخترقتها كل صنوف المقاتلين و «المجاهدين» من كل حدب وصوب، وبات الحل السياسي بعيد المنال.
فرصة لإسقاط النظام وإنقاذ لبنان
علي حماده- النهار اللبنانية
حتى كتابة هذه السطور لم تكن الولايات المتحدة باشرت ضربتها العسكرية للنظام في سوريا. لذلك لن ندخل في التكهنات، فالمهم ماذا بعد الضربة؟
اسوأ السيناريوات ان تكون الضربة "عقابية" محدودة بهدف ابلاغ رسالة الى النظام في شأن استخدام الأسلحة الكيميائية. ففي هذه الحالة سيخرج بشار في اليوم التالي ليعلن "النصر الإلهي " رقم - ٢ اسوة بالسيد حسن نصرالله غداة حرب ٢٠٠٦ الكارثية. وانطلاقا من اعلانه النصر، سيتمتع بزخم معنوي وسياسي وعسكري وبدعم ميداني من الايرانيين وذراعهم "حزب الله" لتحسين وضعه على الارض، وتالياً تحسين موقعه التفاوضي تحضيرا لـ"جنيف -٢". والمأمول من "جنيف-٢ " ان يكون مؤتمرا دوليا لحل الازمة السورية عنوانه مرحلة ما بعد آل الاسد وبطانتهم المقربة بكاملها. فبشار ومن حوله لا يمكن في أي حال ان يكونوا جزءا من مستقبل سوريا مهما صار.
انطلاقا مما تقدم يصير السيناريو الافضل هو ان تأتي الضربة الاميركية بزخم كاف يخلخل النظام، ويفتح الباب واسعاً امام تقدم قوات الثورة في اتجاه العاصمة واختراقها لانتزاع شرعية الوجود في عاصمة الدولة السورية. وبالمستوى نفسه في الاهمية لا بد من ان تفتح الضربة متى كانت قوية بما يكفي لزعزعة النظام الباب امام هزيمة ايران الميدانية في سوريا ومعها بطبيعة الحال "حزب الله" الذي ينبغي ان يهزم في سوريا مهما كلف الامر. وإلا فإن الحرب في سوريا مستمرة لسنوات طويلة. ومن يتحدثون اليوم عن مئة الف قتيل سيتحدثون بعد عام عن مئتين او ثلاثمئة الف.
لا مناص من استغلال الثورة الفرصة الذهبية التي قد تتوافر لها عبر الضربة الاميركية. ولا بد لها من ان تستميت للبناء عليها، لان الفرصة قد لا تتكرر مرة أخرى قبل سنوات طويلة. المطلوب اذا التفكير في إسقاط النظام في كل مكان مهما بلغت الكلفة. هذه هي مهمة "الجيش السوري الحر" بكل مكوناته والويته، ومهمة جميع الدول الداعمة، عربية كانت أم غربية. يبقى أن نرى ما هي حدود الضربة الاميركية. ماذا عن لبنان في خضم هذه المعمعة؟ ثمة مشكلة يتسبب بها "حزب الله" منذ ان تورط في قتل السوريين على أرضهم تلبية لقرار من المركز في طهران: هذا التورط يجب ان ينتهي اليوم قبل الغد، كيفما أتت الضربة. وعلى الحزب أن يعيد مقاتليه الى لبنان من دون ابطاء. كما انه مطالب بأن يدرك ان للتورط حدودا، وان اي محاولة لتوسيع دائرة الازمة عبر شن حروب جديدة أكان من الجنوب أم غيره مرفوضة لبنانيا، ولن تكون أي مغامرة في هذا الاطار شبيهة بمغامرة ٢٠٠٦ البائسة. مطلوب من "حزب الله" أن يعي أن كل الابواب مفتوحة امامه للانخراط في العملية السياسية اللبنانية الداخلية، وانما من دون سلاحه. لا شرعية لهذا السلاح. يجب ان نذهب جميعا الى طاولة الحوار الوطني الجدي للبحث مع "حزب الله" بكل ايجابية في الاجراءات العملية وروزنامة تسليمه السلاح الى الدولة اللبنانية لينتقل الى العمل السياسي المشروع والطبيعي اسوة بكل القوى السياسية اللبنانية الاخرى. هذه هي الوسيلة الوحيدة لانقاذ لبنان من شظايا ازمات المنطقة المتكاثرة.
تفجير لبنان
هاشم عبدالعزيز-الخليج الإماراتية
لبنان في حال انتقال، هذا ليس في انقسامه، بل في لعبة الفتنة التي تستهدف هذا البلد مكونات وكياناً .
لمجرد الإشارة فقط بعد نحو سنتين عاشها أهل صيدا، عاصمة الجنوب اللبناني، وهم يدفعون الثمن من اقتصاد مدينتهم وعلاقتهم بجوارهم، إضافة إلى ما صار أقرب إلى مسلسل يومي وأسبوعي من قطع الطرق وترويع المواطنين بإطلاق الرصاص والتعديات والذهاب أبعد من هذا بإشهار السلاح على الجيش، أسقط الجيش اللبناني المربع الأمني الذي عرف بجماعة الشيخ أحمد الأسير، وقد قيل إنه كان لا بد من إسقاطه لأن عدم تجفيف هذه البؤرة الأمنية كان سيسقط الجيش نفسه كآخر درع وطنية موحدة تحمي لبنان، بالنظر إلى دعوات الأسير الطائفية للجنود بالتمرد على قياداتهم، ولأن اعتداء هذه الجماعة على الجيش تسبب باستشهاد جنود أعاد إلى صيدا مشاهد العام 1975 عندما انطلقت شرارة الحرب الأهلية من المدينة نفسها .
النتيجة التي حسبت آنذاك بإسقاط هذا المربع الأمني قدرت أنها خطوة مهمة وبخاصة لجهة التصدي للعبة الفتنة الطائفية، لكنها لم تغفل حقيقة أن لبنان بات ملغماً بمثل هذه المربعات التي لا تعد ولا تحصى، ففي كل “زاروب” أسير، وفي كل شارع أسير آخر، وفي كل حي هناك مكون من هذا القبيل، ما يعني أن كل متر مربع لبناني بات مربعاً أمنياً وخطراً لأي منها ليس أقل من المربع الآفل، ولكن تجدر الإشارة إلى أن وجود هذه الجماعة كان مفاجئاً وسريعاً ومضخماً إعلامياً وظلت حتى الآن لغزاً من ألغاز الوضع اللبناني السائد وهو على أي حال قائم على الانقسام .
من هذه النقطة يمكن النظر إلى تفجير الضاحية الجنوبية وتفجيرات طرابلس، فالجامع بينهما ضحايا من الأبرياء شهداء وجرحى وترويع، والتقاء كل الفرقاء السياسيين على الإدانة، ووصف هذه التفجيرات بالإجرامية والوحشية والإرهابية وبالأعمال الدنيئة لإثارة الفتنة الطائفية، بقي دون الوصول إلى كشف هذه الجرائم التي تهدد كيان لبنان لا في أمنه واستقراره وحسب بل في مصير كيانه .
والأمر لا يتوقف عند هذا العجز، بل لا تخلو نظرة المنقسمين بعضهم إلى بعض من ريب، وحين يصير الشكل حاضراً في مسار الأطراف السياسية في أي بلد تتوافر ليس الفرص بل المناخات للاختراق وهذا يصير متاحاً للأفراد والجماعات والأجهزة والدول التي تلعب ويستفيدون من وضع ومترتبات هذا الانقسام .
لسنا بصدد الجانب المشرق والحافل لبنان عربياً وإنسانياً، فأمامنا الانقسام بأضراره الفادحة ومخاطره المحدقة، والشاهد على هذا أن أبشع الجرائم ترتكب وهي مرشحة لموسم “الازدهار” طالما بقي لبنان واقعاً تحت وطأة شلل الانقسام .
إشكالية المنقسمين في لبنان أنهم في الداخل يتقاسمون الحصص أو “المخصصات الطائفية”، لكنهم ينقسمون ويتنافرون وربما يتواجهون في مجرات العلاقات والارتباطات إن لم نقل الولاءات الإقليمية والدولية عوضاً عن أن يكون هذا انفتاحاً لروافد تصب في النهر اللبناني .
لقد كان الإجماع النيابي الذي ناله تمام سلام رئيساً للحكومة اللبنانية الثالثة والسبعين ليس مفاجئاً قل نظيره وحسب . بل بدا باعثاً على الأمل والتفاؤل في الداخل اللبناني وفي المدارات العربية والإقليمية والدولية على خروج لبنان من أزمته السياسية بتداعياتها على مجمل الأوضاع في البلاد، لكن هذه البداية لم تتوقف عند لحظتها السارة بل دخلت دورة التآكل الشرسة في تأكيد من الفرقاء لما هو مؤكد أن الأصل هو انقسامهم، وعلى هذا لا زال لبنان منذ شهور في ظل حكومة تصريف أعمال وهو وضع مريح للمنقسمين لكنه متعب للبنان .
ما الذي يتعين على الساسة اللبنانيين فعله؟
الواقع أن جميع هؤلاء لا ينفكّون عن الحديث عن قضايا الوفاق الوطني والحذر من زرع بذور الفتنة الطائفية، ومن هؤلاء الساسة النائب وليد جنبلاط، رئيس جبهة النضال الوطني الذي دعا إلى تشكيل حكومة وفاق وطني “لنحمي لبنان ونجنبه مزيداً من الانفجارات”، لافتاً إلى أن “إسرائيل” هي المستفيد الوحيد من الانقسام اللبناني والعربي”، ومؤكداً “ضرورة اعتبار ما حصل في طرابلس حافزاً للقاء الجميع والخروج من الانغلاق”، لكن ما الذي يمنع تحول الأقوال هكذا إلى أفعال؟ هذا هو السؤال .
القرضاوي.. أو كُلّ هذا الحقد والكراهية
محمد خروب-الرأي الأردنية
كثيرون ظنوا ان الشيخ يوسف القرضاوي، الذي «لمّعته» الفضائيات وأضفت عليه بعض القداسة، بل هناك من ظن انه «معصوم» لأنه يفتي بكل شيء ولا يتوقف عن زج الدين في السياسة على نحو يخدم اجندة معينة باتت اكثر من معروفة، بعد ان استبد بالشيخ كل هذا الغضب وانكشف مدى الحقد الذي يُكنّه لمن يخالف مشروع الاخوان او ينتقد شهوة السلطة والاستحواذ لديهم وسعيهم لاقصاء شركائهم في الوطن بل واستعدادهم لاجتثاثهم وترويعهم والتنكيل بهم، فضلاً عن انخراطهم في تحالفات سياسية مشبوهة باتت اكثر وضوحاً بعد اسقاط الشعب المصري سلطتهم في المحروسة، على نحو بدا القرضاوي وكأنه اصيب بمسّ لم يبرأ منه، بدليل تلك اللغة والمفردات والمصطلحات التي يتفوه بها خلف الميكروفونات وخصوصاً من على منابر المساجد، على النحو الذي رأيناه يوم اول من امس في خطبة الجمعة بمسجد عمر بن الخطاب في الدوحة، عندما «قرّر» (كونه معصوماً بالطبع) أن «شيخ الازهر ولا مَنْ كان مفتياً في زمن ما» بأنهما ليسا من العلماء (كذا) لأنهما في رأي سماحته (الذي لا يأتيه الباطل) يُمثّلان السلطة ولا يمثلان الشعب، اما العلماء (في نظره) فهم الذين يمثلون علوم القرآن والسنة ويمثلون حقيقة الشعب وجراحه (!!).
نقول: كثيرون ظنّوا ان الشيخ قد اتعظ بما جرى، وأنه سيقف موقفاً شجاعاً مع ذاته وينبذ منطق الإلغاء والاقصاء ويستعيد لغة التسامح والاخاء والمحبة التي حضّ عليها الاسلام الحنيف، وقبل كل ذلك عدم السماح لنفسه بتكفير الناس او شطبهم لأنهم لا يتماثلون مع خطابه او مواقفه التي هي فئوية وفتنوية في الان ذاته، لكنه بدلا من ذلك يمضي في سبيله موزعاً الاتهامات هنا وهناك ومُصْدِراً «شهادات العِلْم والايمان» لهذا الذي يتبع نهجه ويقرّ «فتاواه» ذات الاتجاه السياسي الواضح والذي يرى في جماعة الاخوان المسلمين (ومن يشايعها من الحكّام والأحزاب) انها تمثل الاسلام الصحيح، وما عدا ذلك كله كفر وزندقة وليذهب معتنقوه الى الجحيم على النحو الذي خاطب به الفريق عبدالفتاح السيسي عندما قال من على منبر المسجد «انت يا سيسي كنت وزيراً في عهد مرسي فكيف لك ان تعزله، فلتذهب انت ومَنْ معك الى الجحيم، بعدما حنثت بقسم اليمين امام الله» أي كان على السيسي أن يخضع لجبروت الجماعة وان يدير ظهره لمصالح اغلبية الشعب المصري ويقبل ان يطيع المخلوق (مرسي) ويعصي الخالق، الذي ارسل رسله وانبياءه لاقامة العدل ورفع الظلم والانتصار للفقراء والمستضعفين.. ولكم ان تتخيلوا، أن القرضاوي بات يرى في محمد البرادعي مُنْتصرا للحق ورافضا ايذاء الناس (يقصد ايذاء الجماعة) ونسي الشيخ او تناسى ان «جماعته» هي التي اتهمت البرادعي بالعمالة للاميركان بل ولفقت له «تهمة» من على منصة رابعة العدوية بأنه زار اسرائيل «سراً» لنيل تأييدها لـِ»انقلاب» السيسي.. فعلى من يريد القرضاوي تمرير خطابه؟
ثم تأتي آخر «فرقعات» الشيخ في الخطبة «العصماء» اياها يوم اول من امس، عندما رأى في العدوان الغربي الاستعماري الوشيك على سوريا، بأن ترسانة القتل الاميركية والفرنسية هي «ادوات سخّرها الله للانتقام وأن الله (يُهيّء) مَنْ ينتقم منهم لأنهم (يستحقون) ما يجري عليهم»..
هل ثمة ما يمكن تأويله في كلام الشيخ الذي كان دعا منذ فترة ليست بالقصيرة من الازمة السورية، الى «الجهاد» في سوريا ضد الاسد وحزب الله, الشيعة والروافض والنصيريين؟ ولم يسمع أحد منه كلاماً ولو همساً شبيهاً بذلك، عندما زار غزة بموافقة خطية من نتنياهو ورعاية من محمد «الثالث» مرسي الذي تنبأت عرّافة يهودية بأنه سيحرر الاقصى فلم يَدْعُ القرضاوي من غزة هاشم الى فك أسر الاقصى ولم يتمنَ حتى (مجرد امنية) الصلاة في المسجد الاقصى, بل هو وحليفه السلطان العثماني الجديد رجب طيب اردوغان، تمنيا بل اكّدا انهما سيصلّيان «قريباً» في المسجد الاموي وكان هذا القريب منذ اشهر طويلة، لكن اردوغان يخرج على العالم الان ليقول: ان اي هجوم على سوريا «يجب» أن يتضمن اسقاط نظام الاسد (...) فيما كان عجزه عن تحقيقه.. جليّاً، رغم كل ما بذله من جهود وما حاكه من مؤامرات وما وفره من دعم استخباري ولوجستي وملاذات آمنة وسلاح متقدم للمتمردين وباقي عصابات المسلحين، التي تروّع السوريين وتزيد من معاناتهم وتسرّع في تدمير ما تبقى من بلادهم وهذا كل ما يهدف اليه السلطان العثماني الجديد ولا يكترث له الشيخ القرضاوي الذي ضاقت لديه الرؤية واستغلقت عليه العبارة, فلم يعد يُفرّق بين الانظمة والأوطان ومطامع المستعمرين وبعد أن ارتفع لديه منسوب الحقد والكراهية على كل من يخالف رأيه وخطابه الفئوي المنحاز بغير حدود لجماعة خسرت مشروعها وانكشف برنامجها الاستحواذي.
أما الذين سيغضبهم هذا المقال، لأننا مسّسنا بـ»المعصوم»، فإن عليهم أن يتريّثوا قليلاً ويتأكدوا عما اذا كان الشيخ يتحدث في الدين (الذي ليس حكراً عليه ولا على غيره بالتأكيد) أم في السياسة؟ وفي الاخيرة كل شيء متاح عدا ان لا عصمة لشيخ أو متدثر بجلباب.. او مفتٍ.
ما بين الحرية والأمن
سعاد فهد المعجل- الشرق الأوسط
أحداث مصر الأخيرة طرحت سؤالا تقليديا، حول أولويات الإصلاح السياسي في العالم العربي، وعما إذا كان الأمن والأمان أهم من الحرية والديمقراطية. لا نريد أن نكرر بأنه لا يوجد تعارض أو تناقض بين سيادة الديمقراطية كنهج، وتأمين الأمن والانضباط داخل أي مجتمع.
التردد الذي مارسه الكثيرون تجاه أحداث مصر الأخيرة مفهوم ومبرر ومتوقع، والموقف الذي اتخذه حتى ألدّ أعداء «الإخوان» ضد استخدام العنف والقوة لفض اعتصامي رابعة العدوية وميدان النهضة، ينبع من مخاوف البعض من عودة العسكر لتصدر المشهد العربي، بعد أن خطت الشعوب العربية خطوة جبارة من ربيع العرب نحو ترسيخ مفاهيم الحرية والحقوق المجتمعية.. وغيرها من الأسس لبناء الدولة المدنية.
مشكلة الموقف من أحداث مصر، هي المشكلة ذاتها التي برزت في أحداث العراق من قبل.. وأخيرا أحداث سوريا، فالعرب أصبحوا محكومين بسيناريوهات محددة، إما ديمقراطية وحرية، أو فوضى وغياب للأمن، أو اصطفاف مع متشددي تيار الإسلام السياسي، الذين يتصدرون مشهد الصراع في مصر، ويسيطر بعضهم على جبهة المقاومة في سوريا مع كل ما يمثله هذا التيار من تعارض مع أبسط أولويات المجتمع المدني، أو دعم العسكر والجيش ونهج القوة والعنف في سبيل ترويض طموحات الإسلام السياسي الشاذة.
إشكالية الخبز والأمن، أو البندقية والعسكر، تبرز من جديد في أحداث مصر، كما برزت من قبل في أحداث العراق، حين عمت الفوضى، وسالت الدماء، فلا يزال أثر سقوط صدام حسين ونظامه العسكري العنيف قائما، بحيث أصبح الناس أمام خيارين؛ الأمن في ظل قمع وديكتاتورية صدام، أو الحرية مع الفوضى والتفجيرات والدماء.
إن حضور النموذج العراقي دائما في كل مرة تحدث فيها أحداث صاخبة في العالم العربي، هو حضور مهدد للتغيير السياسي المطلوب، فانهيار المؤسسة الأمنية للدولة حمل معه انهيارا للدولة بأكملها، ولا داعي لشرح ذلك، فأوضاع العراق تتحدث عن نفسها، لكن هناك جانبا آخر من الرواية لم يُروَ بشكل جيد، وهو أن الدولة ليست مؤسسة أمنية فقط، بل هي منظومة مؤسسات يؤمنها نهج ديمقراطي متكامل وحريات إنسانية ومجتمعية راسخة، ويبقى على العرب وسط حيرتهم اختيار أحد الطريقين؛ طريق الخبز أو طريق الجيش، أن يبحثوا عن طريق ثالث يؤدي بهم إلى دولة مؤسسات حقيقية قائمة على احترام الفرد أولا قبل تأمين أمنه ورغيفه. هذا الطريق الثالث هو الذي سيحفره شباب الربيع العربي في مصر وفي غيرها، والطريق طويل بالطبع، لكنه حقا قد بدأ.
جمعة الفشل والمصير المجهول
عادل السنهورى-اليوم السابع
فشل الإخوان فى كل شىء ونجحوا بامتياز فى امتحان الإرهاب والترويع. الشعب كان شاهدًا يوم الجمعة على السقوط المدوى والمذرى والمهين للجماعة فى القدرة على الحشد والدعوة للتظاهر، ولم يشعر بهم أحد إلا من خلال افتعالهم أعمال العنف فى مناطق متعددة بالمحافظات، وبخاصة فى القاهرة وعدد من محافظات الوجه البحرى، فى محاولة يائسة فى آخر اليوم للفت الانتباه وكاميرات التصوير. عدة آلاف خرجت تهيم على وجهها، ترفع العلامة الماسونية الشهيرة نقلًا عن رئيس الوزراء التركى الفاقد لتوازنه السياسى هذه الأيام، لا تدرى إلى أين المسير بعد أن فقدت غالبية قياداتها التى كانت تنتظر وتنفذ تعليماتها، ولا إلى أى مصير مجهول يسيرون. التخبط والعشوائية وترديد الشائعات والأكاذيب والألفاظ المسيئة كانت السمة المميزة لمسيرات الإخوان المحدودة، والتى تحولت إلى مسيرات للإرهاب والتخريب قبل نهاية اليوم.
الجماعة فقدت اتزانها وانفصل الجسد المنهك عن الرأس المدبر والمحرك والممول لعمليات الإرهاب، وتحول المشهد إلى عبث يمارسه ما تبقى من فلول الإخوان دون هدف سياسى واضح، سوى تصدير الخوف والترويع للشعب المصرى، الذى أكد للمرة الثانية والثالثة فى مظاهرات الجمعة أن كراهيته للإخوان ولفظه ومقته لهم فاقت الوصف، ولكن الجماعة ايضا فقدت القدرة على فهم الرسالة واستيعابها، وتمضى فى طريق الضلال والغواية. اللافت للانتباه فى مظاهرات الفشل الإخوانية أن الشعب هو الذى بات يتصدى لهم ويطاردهم ويلاحقهم فى كل مكان، كالمنبوذين، مثلما حدث فى دمياط والمحلة وطنطا والبحيرة والإسكندرية.
واللافت أكثر هو التحول الخطير فى موقف أبناء الريف المصرى ضد تنظيم الإخوان، فقد تصدى أبناء أكثر من قرية لمسيرات ومظاهرات الإخوان وشعاراتهم المسيئة للجيش المصرى وقائده. التحول فى موقف ابناء الشعب المصرى فى الريف يحتاج إلى تحليل اجتماعى ونفسى، فقد اعتمد الإخوان كثيرا منذ نشأة الجماعة على الظهير الشعبى فى الريف وتوظيف النزعة الدينية لدى البسطاء والفقراء للأغراض السياسية، واستغلال عوزهم وفقرهم بالشعارات الزائفة وبعبوات الزيت والسكر.
محصلة ما جرى يوم الجمعة هو الفشل، وفقدان التنظيم قدرته على الحشد بعد أن فقد ما تبقى له من رصيد شعبى فى الشارع والمدن والقرى، والعمليات الإرهابية ضد أقسام الشرطة ومؤسسات الدولة ستدفع به إلى الانتقال من خانة التنظيم المحظور إلى التنظيم الإرهابي. ويبدو أنه قرر الانتقال إلى الخانة الأخيرة.