Haneen
2013-12-08, 12:52 PM
اقلام عربي 500
16/9/2013
في هذا الملــــف:
«أوسلو»... ماذا تبقى منه؟
نادية سعد الدين-السفير اللبنانية
اذا أرادت إسرائيل من أوسلو؟
أنطـوان شلحـت- السفير اللبنانية
في ذكرى “أوسلو”
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
محادثات السلام بين فلسطين وإسرائيل.. لماذا الآن؟
مريم الخاطر-الشرق القطرية
مصر.. حماس واللعب في النار
طارق الحميد-الشرق الأوسط
«مبارك» يرشح الرئيس القادم!
محمد أمين-المصري اليوم
فعليا.. نهاية بشار
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
هل تتخلى الصين عن "سياسة عدم التدخل"؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
المغرب: خصائص الأزمة الحكومية
محمد الأشهب-الحياة اللندنية
«أوسلو»... ماذا تبقى منه؟
نادية سعد الدين-السفير اللبنانية
لم يقيّض لمسار أوسلو، منذ ولادته قبل عشرين عاماً، أن يسفر عن شيء، ليس لأن الاتفاق يحمل بذور فشله أو لاختلال موازين القوى لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما، لإصرار الاحتلال على تحكيم هذا الخلل في فرض تسوية لا تحقق الحدّ الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، ما أحدث مأزقاً حرجاً وأوضاعاً متدهورة في الأراضي المحتلة ومساراً تفاوضياً متعثراً تارة، وجامداً طوراً، على الرغم من متوالية المؤتمرات والاتفاقيات التي بقيت إما صورية أو حبراً على ورق. وبذلك اجتمعت ثلاثة عناصر للحيلولة دون إمكانية تنفيذه فعلياً؛ أولها مضمون الاتفاق الذي لم تمنع معارضة معظم الفصائل الفلسطينية عملية تمريره، وثانيها طبيعة الاحتلال الذي استخدم الاتفاق لتكريس مشروعه الاستعماري في فلسطين، وثالثها الانحياز الأميركي المفتوح في ظل غياب أو تراجع الدعم العربي الإسلامي للقضية الفلسطينية.
نقطة تحول حاسمة
شكل اتفاق أوسلو نقطة تحول حاسمة في تكوين الحقل السياسي الفلسطيني وتغيير قواعد اللعبة السياسية فيه وتحديد مفرداته وتحدياته، وفي أزمته البنيوية أيضاً، تبعاً لإشكاليات نشأته وفق أوسلو وليس تتويجاً لنجاح المشروع الوطني في بلوغ غايته في التحرير وتقرير المصير وحق العودة إقامة الدولة. وقد أنتج ذلك نظاماً منقوص السيادة في إطار سلطة ومحدودة الصلاحيات ومحكومة بتدابير والتزامات، منها التخلي عن الكفاح المسلح واعتماد استراتيجية التفاوض والاعتراف بالكيان الإسرائيلي، والتسليم بكيان سياسي لايطابق الوطن في حدوده التاريخية، انسجاماً مع خطاب «الواقعية الجديدة» الآخذ بالمتغيرات الدولية والإقليمية، مقابل اعتراف الاحتلال بالمنظمة من دون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
لمنظمة التحرير حصتها الأكبر من المسؤولية، إن لم يكن جلها، لأنها ارتضت تجزئة قضايا الوضع النهائي إلى ستة مجالات أساسية (اللاجئون والقدس والاستيطان والحدود والأمن والمياه) وتأجيل بحثها إلى المرحلة النهائية من المفاوضات التي كان يجب أن تنتهي في عام 1999، الأمر الذي تسبب في فتح «فرجار» جلسات التفاوض على أوسعه، والانغماس في مناقشة تفصيلات جزئية صغيرة على حساب القضايا الجوهرية للصراع، وتحرير الاحتلال من أي التزامات أو مساءلة ما دامت تلك القضايا خاضعة للبحث، فضلاً عما سببه أوسلو من تفكيك مختلف مكونات السيادة الفلسطينية. وهذا الوضع أرخى أوراق الضغط القوية ضدّ الكيان الإسرائيلي، بينما أثقل السلطة بالتزامات «أوسلو» الذي ما عاد الاحتلال يدرجه في حسابه، ما عكس عدم وضوح المعادلة بين سلطة تريد الحفاظ على اتفاقاتها تلجأ إلى خطاب دبلوماسي مرن، وبين واقع على الأرض يستلزم خطاباً وأداءً ومستوى تنظيمياً مختلفاً، خاصة في المسألة المتعلقة بالتخلي العملي عن الكفاح المسلح، وقصر حمل السلاح على قوى الأمن مصحوباً بمطالبات إسرائيلية أميركية للسلطة بوقف «العنف» وملاحقة حركات المقاومة، انسجاماً مع الاتفاق الذي لم يسمح للجانب الفلسطيني بتشكيل أي قوات مسلحة أخرى غير قوة شرطة مقيدة أمنياً، من دون اشتراط ربط ذلك بالتوصل إلى تسوية متفق عليها للصراع.
ضبابية «أوسلو»
وفي موازاة ذلك أصابت ضبابية بنود «أوسلو» أسّ «الدولة» نفسه بغياب أي ذكر لها في الاتفاق، ولكن بحساب الرؤية الفلسطينية فقد كان من المفروغ منه إذا ما تم التوصل إلى تسوية قضايا الوضع النهائي فإن النتيجة المنطقية ستكون قيام دولة فلسطينية.
بيدّ أنه سمح للاحتلال الانفلات من ضغط اللحظة، والمضي قدماً في مخطط إفراغ مشروع إقامة دولة فلسطينية متصلة من أي مضمون فعلي، عبر إغراق المساحة المخصصة لكيانها بالمستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، ما تسببّ في قضمّ 80% من مساحة الضفة الغربية، مقابل أقل من 20% للفلسطينيين، تشكل 12% من فلسطين التاريخية، ضمن ثمانية «كانتونات» غير متصلة جغرافياً، لتشكل مع قطاع غزة قوام الدولة، وفق الرؤية الإسرائيلية للكيان الفلسطيني المستقبلي الذي لا يخرج عن إطار حكم ذاتي باستثناء السيادة والأمن الموكولتين للاحتلال.
بموجب الاتفاق وعبر استعماره فلسطين، أوغل الاحتلال في السيطرة على مواردها الطبيعية، والتحكم بمفاتيح الاقتصاد والهيمنة عليه، علاوة على المعابر والحدود والتجارة الخارجية، وشلّ الحياة في الضفة الغربية بالجدار العنصري والطرق الالتفافية والمستوطنات ومحاصرة قطاع غزة وعزل مدينة القدس وحرمان السلطة من عائداتها السياحية وضرب حركتها التجارية.
أدى ذلك، بطبيعة الحال، إلى تراكم أوضاع اقتصادية متدهورة عبر السنوات، حتى بلغت حداً خطيراً، بسبب الاحتلال الذي يشكل عنصراً أساسياً في الأزمة، بالإضافة إلى السياسات الحكومية الفلسطينية، التي يحتاج بعضها إلى مراجعة، وتراجع الدعم المالي للمانحين، الذي في أغلبه مسيّس ومشروط بجداول أعمال لا تخدم المصلحة الوطنية العليا، تماشياً مع سياسة الاحتلال المستهدفة الإبقاء على التبعية الاقتصادية والسياسية الفلسطينية، وزيادة تأثير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في السياسة الاقتصادية الفلسطينية، والخلل في هيكلية الموازنة العامة للسلطة، حيث يذهب 34% من ميزانيتها الإجمالية، بشكل تقديري عام، للأمن، بينما يتوزع الباقي على القطاعات الحيوية والخدمية الأخرى، أي على حساب تطوير البنية التحتية وايجاد المشاريع الموّلدة لفرص العمل ولقاعدة إنتاجية واسعة. وهذه العقيدة الأمنية، تشمل حماية أكثر من نصف مليون مستعمر في 180 مستوطنة، وملاحقة عناصر المقاومة، وتوفير متطلبات الجنرال الأميركي وعناصره في الضفة الغربية المحتلة.
مفاوضات لا متناهية
لم يغير نيل فلسطين صفة «دولة مراقب» غير عضو في الأمم المتحدة في 29/11/ 2012 من واقع الحال، على الرغم من أهمية هذا المكسب الدبلوماسي السياسي. إلا أن المسعى الأممي لم يُـقمّ الدولة فعلياً، ولم يكن بديلا عن التفاوض الذي لم تغادر القيادة الفلسطينية دائرته قط، ولكنها أرادت إيجاد بيئة تفاوضية جديدة من خلال تحسين المركز القانوني على المستوى الدولي عبر العضوية في الأمم المتحدة، بدون أن تضع الخطوة ضمن إطار استراتيجية بديلة عن المفاوضات بعدما أدركت فشلها، أمام قرار التجميد «المؤقت» للخطوات اللاحقة بها، مثل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، لإعطاء فرصة أخرى جديدة للمفاوضات.
كما لن يلزم القرار الجانب الإسرائيلي ما يعاكس ما تجسده يدّه المحتلة يومياً من متغيرات استيطانية في الأراضي الفلسطينية، وإنما ستكون محاولة أخرى لإدارة الصراع وليس حله، في ظل انتفاء الضغط الأميركي والدولي. إلا ان ضغط واشنطن موجه نحو القيادة الفلسطينية وحدها، وقد تمكن هذا الضغط من دفعها إلى «تكسير» شروطها والالتحاق بدائرة التفاوض اللامتناهية، خالية من أوراق القوة والإجماع الوطني الشعبي، باستثناء إنجاز «يتيم» و«مجزوء» باتفاق إطلاق سراح 104 من الأسرى «القدامى» المعتقلين في سجون الاحتلال قبل اتفاق أوسلو، ضمن دفعات، بحسب تقدم مسار المفاوضات.
غير أن الإشكالية تكمن هنا في التعويل المستمر للقيادة الفلسطينية على مسار التفاوض، في اعتباره خياراً استراتيجياً أوحد يتقدم على سواه من البدائل الأخرى، ولا يأخذ العنصر الإسرائيلي بالاعتبار، في ظل برلمان عنصري يضم غلاة المستوطنين والمتطرفين اليمينيين، وتشكيلة حكومية يمينية استيطانية، وإزاء انتفاء اختلاف حقيقي بين الأحزاب، بمختلف توجهاتها اليسارية واليمينية والدينية، تجاه القضية الفلسطينية، حيث ترفع مجتمعة «لاءات» في وجه العودة إلى حدود 4 حزيران 1967 وتقسيم القدس وحق العودة ووقف الاستيطان، مقابل إما الحديث عن دولة فلسطينية منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح أو رفضها كلياً.
اذا أرادت إسرائيل من أوسلو؟
أنطـوان شلحـت- السفير اللبنانية
اعترف الوزير وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق يوسي بيلين الذي كان المهندس الرئيس لاتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في سياق مقال جديد نشره في أواخر آب/ 2013 أن هذا الاتفاق، الذي جرى توقيعه قبل عشرين عاماً، تبنى إلى حدّ كبير مفهوم اليمين الإسرائيلي إزاء تسوية الصراع مع الفلسطينيين، وهو مفهوم «الخطوات الموقتة». وأشار إلى أن هذا المفهوم أوجده مناحيم بيغن في اتفاقيات «كامب ديفيد» (مع مصر) في سنة 1978، وتبناه يتسحاق شامير في مؤتمر مدريد في سنة 1991. وشدّد على أن الاتفاقات الموقتة لم تشكل حتى أوسلو جزءاً من رؤية «معسكر السلام الإسرائيلي»، وإنما كانت صيغة ولدت في كنف الزعامة اليمينية في إسرائيل، واضطُر «معسكر السلام» إلى القبول بها.
سبق لبيلين نفسه أن أشار إلى أن اتفاق أوسلو غيّر مجرى التاريخ في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأتاح إمكان عقد اتفاقية السلام مع الأردن، وأوجد عنوانًا جديدًا لتمثيل الشعب الفلسطيني (السلطة الفلسطينية)، وأدى إلى ازدهار اقتصادي غير مسبوق في إسرائيل، وحسّن صورة الدولة العبرية في نادي الأسرة الدولية، وفتح أمامها مجالاً كبيرا لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول كثيرة بما فيها دول عربية، وأدى إلى نشوء خريطة سياسية- حزبية جديدة في إسرائيل (من أبرز مظاهرها تعزّز تيار الوسط)، غير أنه على الرغم من ذلك كله أخفق في تحقيق غاية إحراز سلام إسرائيلي- فلسطيني دائم.
لعل أهم ما تشي به أقوال بيلين كامن في حقيقة أخرى ليست غائبة عن الأذهان، هي أن اتفاق أوسلو لم يكن اتفاقية سلام إسرائيلية- فلسطينية على الإطلاق، وإنما مجرّد اتفاق مبادئ عامة تتعلق بهذا السلام الدائم، وذلك في إثر بدء أول مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين استمرت أقل من سبعة أشهر (في إطار مفاوضات مؤتمر مدريد للسلام) من دون أن تسفر عن أي نتائج ملموسة، وتمثل الهدف الأساسي منه - على الأقل من وجهة نظر إسرائيل- في إجراء محادثات مباشرة من وراء الكواليس، كي يكون في إمكان عملية مدريد أن تستمر بعد أن وصلت إلى ما يشبه الطريق المسدودة. وهذا يعني، في أقل تعديل، أن إحراز السلام الدائم ظلّ رهن المحادثات، التي استمرت عقب أوسلو، والتي لا تزال حتى الآن عالقة وعاجزة عن تحقيق أي اختراق حقيقي.
مهما تكن هذه الظروف لا بُدّ من أن نشير إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، يتسحاق رابين، سعى إلى أن ينجز تفاهمات مع السوريين والفلسطينيين من شأنها أن تضمن تحييدهمـا في سياق المواجهة مع العراق وإيران، عبر الاستفادة القصوى من انهيار الاتحاد السوفياتي واستفراد الولايات المتحدة بزعامة الحلبة الدولية، ومن عزلة منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات في ضوء تأييدهما نظام صدام حسين خلال حرب الخليج الأولى في سنة 1991. ومع ذلك، فإن المظاهر الاحتفالية التي رافقت توقيع اتفاق أوسلو في حدائق البيت الأبيض الأميركي كوّنت انطباعا وهميا قويا بأنه اتفاقية سلام، بينما لم يكن أكثر من خطوة أولى بسيطة للغاية على طريق التوصل إلى هكذا اتفاقية.
في واقع الأمر فإن وجهة النظر الإسرائيلية إزاء اتفاق أوسلو ومسارات العملية السياسية التي أطلقها كانت محكومة بفرضيات كثيرة ترتبط، أكثر من أي شيء آخر، بدفع المصالح الإسرائيلية الإقليمية والعالمية قدما. وقد بدأت ملامحها تتضح، رويدا رويدا، مع كل جولة مفاوضات بين الجانبين جرت في وقت لاحق، بدءا من مفاوضات القاهرة في إثر عملية أوسلو مباشرة، ومروراً بجولة المفاوضات التي عُقدت بين الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت (أنهت ولايتها في 31 آذار/ مارس 2009) وبين السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، والتي انطلقت في إثر مؤتمر أنابوليس المنعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 وتوقفت في أواخر سنة 2008 بالتزامن مع شنّ الحرب الإسرائيلية على غزة، وانتهاء بجولة المفاوضات الحالية التي ترعاها الولايات المتحدة. واستنادا إلى رصد عمودي لمختلف التصريحات والتحليلات الإسرائيلية المتعلقة بسيرورة المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو، يبدو أن هناك فرضيتين هما في حكم الأبرز:
الفرضية الأولى، أن السلطة الفلسطينية، التي أصبحت العنوان الجديد لتمثيل الشعب العربي الفلسطيني في عُرف إسرائيل، ستعمل على تطبيق حق تقرير المصير لهذا الشعب بواسطة إقامة دولة فلسطينية فقط في المناطق التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران (يونيو) 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة.
الفرضية الثانية، أن السلطة الفلسطينية ستتطلع إلى تلك الغاية في نطاق الاستعداد للتوصل إلى تسوية تاريخية، تشمل تسوية جغرافية، مع دولة إسرائيل والحركة الصهيونية، تضع حداً للصراع معهما.
المشكلة في «إرث» أوسلو ورابين
يعتقد كثيرون من الذين دفعوا نحو اتفاق أوسلو أن «الإرث» الباقي من هذا الاتفاق ومن السياسة التي انتهجها رابين حتى اغتياله في سنة 1995، هو ضرورة تقسيم الأرض وتخلي كل طرف عن مطالبه التاريخية بكامل فلسطين، والتي تشكل برأيهم السبب الجذري للصراع. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع من رؤية أن «إرث أوسلو» يشتمل على العناصر الأساسيّة التي يتكوّن منها الموقف الإسرائيليّ الراهن إزاء التسوية. ويمكن أن نبرهن ذلك من خلال استعادة أهمّ ما ورد في آخر خطاب ألقاه رابين في الكنيست في الخامس من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1995، أي قبل شهر واحد من اغتياله، وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين، والتي ليس من قبيل المبالغة القول إنّها بقيت ترخي بظلالها على التطوّرات اللاحقة.
وممّا قاله رابين في ذلك الخطاب: «إنّنا نعتبر أنّ الحلّ الدائم (للصراع الإسرائيليّ - الفلسطينيّ) سيكون في إطار أراضي دولة إسرائيل التي ستشمل أغلبيّة مناطق أرض إسرائيل - كما كانت عليه الحال أيّام الانتداب البريطانيّ -، وسيُقام إلى جانبها كيان فلسطينيّ سيكون وطنا لمعظم السكّان الفلسطينيّين المقيمين في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، ونريد أن يكون هذا الكيان أقلّ من دولة كي يصرّف على نحوٍ مستقلٍّ حياةَ الفلسطينيّين الذين يخضعون له... وستتجاوز حدود دولة إسرائيل لدى تطبيق الحلّ الدائم خطوط ما قبل حرب الأيّام الستّة، حيث إنّنا لن نعود إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967... وسيجري تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن دولة إسرائيل في غور الأردنّ في أوسع معنى لهذا المفهوم». وأضاف رابين: «إنّ القدس ستكون موحَّدة بوصفها عاصمة إسرائيل وتحت سيادتها، لتشمل كذلك معاليه أدوميم وغفعات زئيف».
ليس من قبيل المصادفة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو يؤكد لدى مشاركته في مناسبات إحياء ذكرى اغتيال رابين، أن الشعب في إسرائيل موحّد حيال ضرورة التوصل إلى السلام لكن من دون أن يتنازل عن حقه في الحياة في البلد، وعن حقه في الدفاع عن أمنه وسلامته، فضلاً عن كونه موحّدًا حيال مطلب الحفاظ على القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل إلى الأبد. وفي الجلسة الخاصة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي في هذه المناسبة في سنة 2010 اقتبس نتنياهو فقرات طويلة من آخر خطاب ألقاه رابين لإسناد ما أكده لاحقًا في كلمته فيما يتعلق بضرورة عدم تجميد أعمال البناء في المستوطنات، وضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية العتيدة منزوعة السلاح وتعترف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي.
ما تقدّم يعني، وفق المنطق السليم، أنّ المؤسّسة السياسيّة الإسرائيليّة مستمرّة في تطبيق المدلول الحقيقيّ لـ «إرث أوسلو»، ولا سيّما تشديده على وجوب أن تكون أيّ تسوية للصراع مستندة أساساً إلى تلبية «حاجات إسرائيل الأمنيّة» بموجب مفهومها هي لهذه الحاجات، والذي يعتبرها مطاطة ولا يحدّد نهاية لها.
في ذكرى “أوسلو”
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
ما زال الفلسطينيون وبعض العرب يجادلون حول اتفاق أوسلو بعد مرور عشرين عاماً على توقيعه وعدد من توابعه الفرعية، وهي كلّها لم يطبّق منها سوى سلطة تملك مهمات أمنية جزئية وصلاحيات خدماتية . في ما عدا ذلك، الاحتلال موجود بلحمه وشحمه وعظمه، باعتداءاته قتلاً واعتقالاً وهدماً للمنازل، باستيطانه الممتد على مدار الساعة والممزّق لبقايا أرض فلسطينية، بتهويده للقدس ومقدّساتها الإسلامية والمسيحية .
عشرون عاماً والجدل هو ذاته رغم الحقائق والوقائع وخيبات الأمل والخسائر التي اتضح أنها بالجملة . السبب هو غياب المعيارية ومرجعية المحاكمة في النظر إلى كل ما يتعلّق بالمسيرة الفلسطينية، فمن كانت مرجعيته حركة أو حزباً أو قائداً أو جهازاً، يتبنى ما تقول له هذه المرجعيات وما تفعل باعتباره هو الخط الوطني الصحيح . ومن اتخذ من الحق الفلسطيني والثوابت الوطنية والحقوق التاريخية ومقررات الإجماع الوطني الفلسطيني، مرجعيته من دون أي اعتبار حزبي أو مصلحي آخر، بإمكانه أن يتتبّع المنحنى التنازلي في البرنامج السياسي الفلسطيني . وكم يكون مسار هذا المنحنى صادماً ومهولاً لمن يلقي نظرتين على ما بدأت به القضية وما انتهت إليه .
إذا أردنا احترام الصراحة، فإن هذا الاحترام يفرض علينا الإقرار بأن فلسطين الأرض والوطن والهوية، لم تعد قضية مبدئية بنظر فريق سياسي فلسطيني وعربي يبدأ بطبقات منتفعة يمثّلها النظام الرسمي والمفاوضون، ويمر بحفنة كتّاب ومحلّلين وإعلاميين ومتحزّبين ذوي مصالح، وينتهي بمطبّلين مزمّرين من التابعية المصفّقة وذوي الثقة العمياء . كثيرون من هؤلاء منطقهم يشبه موقف مؤيدي احتلال العراق مدفوعين بالرغبة في تحقيق الديمقراطية، وعندما تبيّن أن كل الأهداف باستثناء تدمير العراق باتت نوعاً من الوهم والسراب، لكنّهم لم يراجعوا ولم يتراجعوا ولم يعتذروا .
عندما تتغلّب الاعتبارات القطيعية والغيبية، لن يعود مستهجناً تصفيق بعض الناس لناهبيهم ومستغليهم وسائقيهم إلى حيث الوهم للشعب والمنافع للثلة التي تقود وتضلل . وبهذا المعنى لا يوضع كل المؤيّدين في سلّة واحدة، ولا يكون المعارضون كذلك في سلّة واحدة، بل تظهر مساحة تجمع أناساً من الطرفين يظلّلها الانقياد الأعمى . وبين هذا وذاك تتعثّر قضية فلسطين وتجد “إسرائيل” فرصتها السانحة لاستكمال المشروع الصهيوني القائم على القضم التدريجي للأرض والتمدّد على المساحة المنصوص عليها صهيونياً ومنتهاها المتمثّل ب “دولة من النيل إلى الفرات”، وهي منطقة باتت تعيش مخاضاً مرتبطاً بهذا المنتهى .
في معادلة ما تبقى من صراع مع المخطط الصهيوني، لم يعد للعامل العربي الرسمي أي وجود إلا بالمعنى السلبي، أي أن صراح الحقوق مع مغتصبيها بات حكراً على المؤمنين بها بلا سند أو داعم أو عامل قومي، فيما العامل الدولي حكر على حماة “إسرائيل” . ولهذا وجدنا وزير خارجية الولايات المتحدة انشغل عشية ذكرى اتفاق أوسلو باستئناف المفاوضات بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني، وهي في ظل موازين القوى القائمة تشبه التفاوض بين مستلق على الأرض وجالس على صدره . وفي كل الظروف والأحوال، تستفيد “إسرائيل” من الوقت أفضل استفادة، في حين أن بقايا الفلسطينيين والعرب يشغّلون العداد لرصد الانتهاكات “الإسرائيلية” في القدس، وتكرر وسائل إعلامهم أخباراً نمطية من نوع “المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة”، والحقيقة أنهم يقتحمونه من جهة الانقسام الفلسطيني والتواطؤ العربي والفتاوى المشبوهة .
محادثات السلام بين فلسطين وإسرائيل.. لماذا الآن؟
مريم الخاطر-الشرق القطرية
ان تتحدث عن فلسطين وان تدافع عن حق الإنسان الفلسطيني فأنت أمام مؤامرة ضارية، قد يجتمع عليك الكون كله ضدك، بل انت في حرب ضروس تشتد قوتها أيضا في وجه اولئك المدافعين من غير ابناء العروبة عندما يتحدّون سياسات بلادهم في عقر دارهم ليقدموا صورة مشرفة للدفاع عن حق الإنسان الفلسطيني بصورة تُعجز بل تُخجل العرب.
حضرت مؤتمر (حقوق الإنسان في فلسطين — 11 — 13 سبتمبر الجاري) "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاراضي الفلسطينية المحتلة" المنعقد في استراليا بدعوة وتنظيم من الجامعة الاسترالية الوطنية والذي توج بكلمة افتتاحية للدكتور ريتشادر فولك، المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين. والذي ما فتئ يذكر المؤتمرين بقانونية حق الإنسان الفلسطيني مختتما ومذكرا بحضور الحق الثقافي فيما جسده محمود درويش في رائعته" سجل يا تاريخ أنا عربي " والتي تحكي مسيرة النضال وشرعية الوجود واحقية الدفاع عن الذات والوطن والهوية في ظل شريعة الغاب الدولية وعقيدة السلب والنهب المبنية على وعد بلفور المشؤوم وأحفاده من المتآمرين الدوليين.
عشيّة افتتاح هذا المؤتمر صاح جرس إنذار الحريق، وجم الحضور ولكن تبين ان الانذار لم ُيرَنُّ اعتباطيا كما أشارت مُنّظِمة المؤتمر وهي بروفيسورة استرالية مناضلة في حقوق الانسان الفلسطيني منوهة بأنهم دائما ما يواجهون بمثل هذه المضايقات عند عقد مثل هذه المؤتمرات للدفاع عن القضية الفلسطينية.
حضرت اليوم الثاني فإذا بها تنوه بأن جهاز العرض الرئيسي على الحاسب قد تعطل بـ "فيروس" ليحجب عروضا لأساتذة من مختلف التوجهات والجامعات والمنظمات الحقوقية... ولكن المنظِمة كانت جاهزة بجهاز آخر ليستمر العرض اقصد وليستمر النضال ايضا... إذ عندما أقبل مدير منظمة "اللجنة الاسرائيلية ضد هدم بيوت الفلسطينين " Israeli Committee against house demolishing لتقديم عرضه الحقوقي عن معاناة الشعب الفلسطيني صاح جرس الإنذار مرة أخرى معلنا بالصوت المسجل ان هذا الإجراء مجرد تجربة انذار لحريق. "وأي إنذار في أي وقت؟! إنها فعلا مؤامرة" هتف بها عدد من كبار الأساتذة الدوليين من حولي.
خصوصا وان العرض وضح بالصور الحية تعنت الحكومة الاسرائيلية في سلب الفلسطيني حقه في الأرض وبناء المستوطنات على انقاضه، مؤكدا ان سياسة اسرائيل من عملية الهدم هي: "No home for Individual Palestinians، no homeland for the Palestinian collectives "
" عندما لا يقوم بيتٌ لفلسطيني، لنْ يقوم وطنٌ لكلّ الفلسطينيين"
لم يكن التشويش هذا فقط في أرض المؤتمر بل وقف احد الحضور المعارضين ناقدا ومنوها الى ان الصحف الاسترالية ضد هذا المؤتمر بتصريح: "اسرائيل تنتقد مؤتمرا معارضا لها لا يقدم للجامعة الاسترالية الوطنية العريقة اي رصيد يذكر" بل اتهم النقد الصحفي القائمين على المؤتمر بالانحياز وانتهاك القيم المستحقة للدعم من المال العام منوها بأنها تدمير للسمعة العريقة للجامعة وأكاديمييها.
ولكن كان رد الدكتورة المنظمة شجاعا وجريئا بقولها: "نحن لا نقرأ لصحف التابلويد.." فظننت ان هذا الخبر صادر عن احدى الصحف المغمورة بحثت فإذا به صادر عن أعرق الصحف الاسترالية وأشهرها The Australian"" اتضحت الصورة لدي عندما وجدته في صفحة الرأي، ولكنه حتما كان رأيا يريد وقف الدعم وتضييق الخناق حتى على أدبيات الرأي الآخر في الطرح الحقوقي والأدبي بعد دحر الحق واغتصابه في ردهات السياسة لدى ام بلفور بل وأبنائها واحفادها أيضا.
يسمّيها الطرح الأراضي الفلسطينية المحتلة" " Occupied Palestinian Territory واسميها فلسطين المحتلة، ويسميها اسرائيل وأرفض ان اسمي الغاشمة إلا بالكيان المحتل، وانا أعني ضرورة التمسك بهذا الإطلاق، إذا إنه حتى انتهاك الحقوق ضالع في استخدام اللغة باحتيال ودهاء لسحب الحق لذلك هي "أراضٍ محتلة" حتى ولو تم الاتفاق على اعطائها حق الكينونة ولو بمقايضة ذليلة خاسرة سميت بـ "الأرض مقابل السلام". وأي أرض؟ فقد منع الكيانُ الفلسطينيينَ حتى هذا الحق رغم تنازلات "أوسلو" المؤلمة بدوافع أيديولوجية لتكريس الاحتلال بإطلاق ديني يشي بآلية سياسة التهويد والاستيطان وتوظيف "أفيون الدين" لتخدير الشعوب وخدمة مشروعات الاستيطان التوسعية بإطلاق مسمى " يهوذا والسامرة " على الأراضي العربية في "الضفة الغربية" تلك التي تخضع لمعاول التهويد الجائر.
جاء هذا المؤتمر في وقت مهم جدا من استئناف مفاوضات السلام على الصعيد الدولي ورغم الجهود الكبيرة المبذولة من قبل منظمي المؤتمر وحرصهم على تمثيله بأعلى مستوى إلا ان انتهاك الحقوق جزء من عملية مستمرة لم يسلم منها حق الإنسان الفلسطيني حتى على مستوى المحاضرات وأدبيات الطرح الأكاديمي والمنظمات غير الحكومية لا في ديار العرب ولا الغرب.
بعيد ذلك المؤتمر عقدت محاضرة مستقلة مثرية للمقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين بعنوان:" المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية، لماذا الآن؟ "
"الاشتراطات الأساسية المسبقة لأية مخرجات إيجابية لحل ناجع للمفاوضات لم تتضح بعد." وهذا سبب طرح الدكتور فولك السؤال عنوانا للمحاضرة المثرية خصوصا في ظل بروز التحركات وسط ما سمي بـ "ربيع عربي" غير واعد في شأن العرب على وجه الخصوص.
أما وإنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة على انعقاد وشيك، فإن السؤال المطروح: ما جدوى الكيانات الدولية التي سميّ أهمها بـ "الأمم المتحدة" حول هذه الانتهاكات طويلة — الأجل؟ وما مدى تأثير تلك التقارير النافذة والنزيهة حول الانتهاكات الاسرائيلية والتي تصدر عن أمثال المقرر الخاص وسط هذه المنظومة الأممية "الوهمية" التي تلويها أذرع "اللوبي الدولي الغاشم المتآمر "؟ وأخيرا ما موقف عضوياتنا وتمويلنا من ذلك ونحن فيها دول مستقلة صاحبة رأي وصوت وقرار؟!!!
مصر.. حماس واللعب في النار
طارق الحميد-الشرق الأوسط
أخطاء حركة حماس لا تنتهي، داخليا وخارجيا، لكنها هذه المرة ترتكب خطأ قاتلا يفوق كل أخطائها السابقة عندما تقحم نفسها في المشهد المصري. مصر اليوم ليست نظام مبارك، والظروف السياسية بالمنطقة ليست على حالها في السنوات العشر السابقة، حيث استفادت حماس مطولا من علاقاتها المضمونة حينها مع إيران وحزب الله، ونظام الأسد!
في ذلك الوقت كان من السهل على حماس تغطية أخطائها بالتلحف بشعار «الممانعة والمقاومة» الكاذب، الذي ثبت زيفه، وهو الشعار الذي حظي بعملية تضليل إعلامية كبيرة مكنت حماس مرارا من الهروب من استحقاقات أخطائها، سواء بحق القضية الفلسطينية، أو بحق مصر تحديدا يوم كان بعض حلفاء حماس هناك إما صادقين بتعاطفهم مع القضية الفلسطينية، أو مجرد ناقمين على نظام مبارك، وكان تعاطفهم مع حماس من باب عدو عدوي صديقي، هذا عدا عن استفادة حماس وقتها من «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يشكلون عمقا حقيقيا للحركة.
اليوم تغيرت الأوضاع تماما في مصر وخارجها؛ بالنسبة لمصر هناك الآن نقمة حقيقية ليس تجاه «الإخوان المسلمين» وحسب، بل ضد الحركات الإسلامية، وبالتالي فإن تدخل حماس في الشأن المصري، وبأي شكل من الأشكال، يعني أن الحركة الإخوانية تلعب بالنار، حيث باتت تواجه رأيا عاما حقيقيا، وليس النظام أو العسكر، وعندما يرى المصريون الآن عمليات إلقاء قبض على مسلحين من غزة، مثلما أعلن الجيش أمس، فإنهم، أي المصريين، ينظرون لحماس على أنها الجناح العسكري لـ«الإخوان» في مصر، وبالتالي فمثلما احترق حزب الله شعبيا بعد أن اكتشف المخدوعون به وجهه الطائفي، وأيقنوا أن هدفه الحقيقي بالمنطقة هو خدمة إيران، وذلك من خلال قتال حزب الله للسوريين في سوريا نصرة للأسد، فإن حماس تواجه الآن المصير نفسه بمصر.
والحقيقة أن هذا أمر واقع يلمسه اليوم من يتابع وسائل الإعلام المصرية، وتحديدا التي كان لها سابق تعاطف مع حماس من قبل، ولذا فمن المذهل ألا تتنبه حماس ومتطرفوها لذلك اليوم، وخصوصا بعد إسقاط مرسي و«الإخوان»، وتردد اسم حماس كثيرا بشكل سلبي الآن، وفي أصعب المراحل التي تمر بها مصر، سواء العمليات الإرهابية في سيناء، أو حالة القلق الأمني عموما، هذا عدا عن أن المصريين لم ينسوا بالطبع قصة هروب مساجين حزب الله وحماس من السجون بعد الثورة على مبارك، ووصولهم السريع إلى غزة، مما يعني تورط حماس الحقيقي في التآمر على أمن مصر!
وعليه فإن واقع الحال يقول إن حماس غارقة بمشاكلها، داخليا وخارجيا، خصوصا أن علاقتها بإيران وحزب الله يشوبها الكثير من «الشك» بعد الثورة السورية، والآن تزيد حماس من تعميق أزمتها باللعب في النار المصرية، فمتى تتعلم حماس من أخطائها؟ ومتى تستوعب أنها باتت تدفع المصريين الآن لمناقشة أمر شديد الأهمية، وهو ضرورة أن يعيد المصريون فعليا تقييمهم لواقع الأمور في غزة، ووفقا للبعد الاستراتيجي هناك؟
«مبارك» يرشح الرئيس القادم!
محمد أمين-المصري اليوم
استمعت إلى تسجيلات مبارك التى انفردت بها «اليوم السابع».. أكثر الناس سعادة بهذه التسجيلات الجيش، والفريق السيسى، وحبيب العادلى.. أكثر الناس غضباً هم الإخوان والأمريكان، ومرشحو الرئاسة السابقون، والفريق سامى عنان، ومشايخ القبائل العربية.. السؤال: لماذا لم يستغل مبارك وقته الطويل فى كتابة المذكرات؟.. الملاحظ أن جمهور مبارك أكبر مما يتصور مبارك نفسه (!)
لم يكن مبارك وحده من تصور أن السيسى «إخوان».. كثيرون روجوا هذه الشائعة وغيرها.. اختيار مرسى له أشعل نار الشائعات.. الآن فقط عرفنا أنه وطنى، انحاز للوطن فى لحظة حاسمة.. مبارك قال إنه طلع «عُقر».. ملايين غير مبارك ترشحه للرئاسة.. هناك حملة شعبية عنوانها «كمل جميلك».. شهادة من الشعب للسيسى.. مبارك نفسه يرى أن الرئيس القادم لابد أن يكون من الجيش!
من جديد عدنا إلى طرح السؤال: من الرئيس القادم لمصر؟.. يبدو أن طبيب مبارك كان مهموماً بالسؤال.. سأله فى التسجيلات التى انفرد بها الزميل محمود المملوك، السؤال الأهم: من يحكم مصر فى ظل هذه الميليشيات الإرهابية؟.. مبارك لم يتردد حين قال: الرئيس القادم لازم يكون من الجيش. المصريون يتجهون لاختيار قيادة قوية.. صحيفة أمريكية قالت الشعب يريد قيادة عسكرية!
ربما يشعر الثوار بالصدمة مؤقتاً.. حين خرجنا فى 25 يناير قلنا مدنية مدنية.. لا دينية ولا عسكرية.. لهفها الإخوان وسرقوها من الثوار.. تم تصحيح المسار فى 30 يونيو.. هل يسرقها «العسكر» الآن؟.. هل تنتظر مصر ثورة ثالثة؟.. أم أن المتغيرات تستدعى إجراءً استثنائياً.. شرط أن يحافظ الرئيس صاحب الخلفية العسكرية على الحريات وحقوق الإنسان.. إلى أين تتجه مصر مستقبلاً؟!
الطريف أن مبارك لم يكشف عن رأيه فيما لو ترشح السيسى.. لم يقل إن كان يوافق أم لا؟.. لكنه قال رأيه صراحة فى سامى عنان.. قال: سامى عنان ماينفعش.. سواء بما يعرفه عنه، أو لأن الظرف اختلف.. ربما لو ترشح طنطاوى أو عنان فى المرة الأولى لنجح.. الآن تغيرت الدنيا.. ظهور السيسى كشف سوءات المجلس العسكرى.. فضح رخاوة الفترة الانتقالية الأولى لحساب الإخوان!
التسجيلات تضمنت شهادات وأحكاماً على بعض رجال الدولة.. هناك شهادة أخرى لـ«العادلى».. مازال مبارك يثق فى قدرة وزير داخليته على حفظ أمن البلاد.. يرى مثلاً أنه يستطيع أن يلم الإخوان فى ثلاثة أيام، والدنيا تهدى بعدها.. ربما تكون شهادة، وربما تكون إدانة.. أما موقفه من مشايخ القبائل فلا شك أنه يغضبهم.. مبارك قال إنهم ديكور، والشباب بيمشّوهم.. هل كان على حق؟!
البعض قد يتوقف عند «أخلاقيات» التسجيلات.. قد يتحدث عن حقوق مبارك فى إذاعتها من عدمها.. قد يتحدث عن طريقة تسريبها.. بغض النظر عن هذا عندى تسجيلات حقيقية بصوته.. فلا هو يشعر بالحرج، ولا هو لديه رأى آخر، لو انتبه للتسجيل.. رأيه: سيناء باظت بعد عفو «مرسى» عن إرهابيين، وأمريكا وراء 25 يناير بحجة التوريث.. بينما كان «أوباما» يخطط للشرق الأوسط الكبير(!)
أخيراً.. سمعنا رأى مبارك فى «السيسى» و«مرسى» والإخوان.. قال إن 25 يناير ثورة.. ماذا لو سمعنا دردشة مماثلة لـ«مرسى» مع طبيبه الخاص، أو حتى حارسه؟.. ماذا يقول عن مبارك شخصياً؟.. كيف يرى سنوات حكمه؟.. ما رأيه فى «السيسى»؟.. ماذا يقول فى المرشد؟.. هل يرى أن 30 يونيو ثورة أم انقلاب؟!
فعليا.. نهاية بشار
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
رغم الإحباطات، يلوح في آخر النفق اليوم ضوء يؤذن بقرب نهاية نظام الأسد. فقد سرَّعت جريمة الألف والأربعمائة سوري الذين قتلوا خنقا بالغاز في ضواحي العاصمة دمشق في أفول النظام. وما مشروع تجريده من سلاحه الاستراتيجي عمليا إلا تجريده من الحكم تحت عنوان أوسع اسمه الحل السلمي. ومنذ أسبوعين تقريبا والحديث يتردد همسا عن حل سلمي يقضي بخروج بشار الأسد في نهاية العام الحالي، أي قبل موعد الانتخابات بخمسة أشهر. إقصاء الأسد يقال إنه صدر عن الروس بعد جريمة الكيماوي التي دفعت بالأميركيين لأول مرة نحو التهديد باستخدام العصا الغليظة، العقوبة التأديبية، وبسببها توجد اليوم جبهة دولية مستعدة للمشاركة في أي حل عسكري.
سوريا تتعقد، وكما يقال «اشتدي أزمة تنفرجي». نحن أمام اشتباك يزداد تعقيدا، السياسي مع الدبلوماسي المتعدد الأطراف والأدوار، الروسي مع الأميركي من جهة، والرئيس الأميركي مع الكونغرس من جهة أخرى، وهناك إشكالات الرأي العام في أوروبا، وبريطانيا تحديدا، الرافض لأي عمل عسكري. وهناك أيضا الضغوط العربية. فقد ولدت جبهة عربية ثلاثية فاعلة، من السعودية والإمارات والأردن، نشط مسؤولوها في رحلات مكوكية من موسكو إلى باريس ولندن. ولا ننسى أن أوباما النائم استيقظ، ووعد لأول مرة منذ توليه الرئاسة، باستخدام القوة. ثم فاجأتنا روسيا بعرضها أن يتخلى الأسد عن مخزونه الكيماوي الضخم، الذي كان ينكر وجوده أصلا. هذه التطورات تمخضت عن العودة إلى مشروع جنيف؛ التفاوض حول حل سلمي.
كمية كبيرة من التطورات السياسية نتيجة لما حدث على التراب السوري، ليس فقط وقوع المذبحة الكيماوية، بل في نظري إنه أيضا نتيجة فشل بشار الأسد في كسب الحرب، رغم المجهود العسكري الهائل الداعم له الذي دام أكثر من تسعة أشهر، من روسيا وإيران وحزب الله وفصائل عراقية. كل ما حققه الأسد أنه استعاد بضع بلدات مثل القصير وما زالت معظم سوريا خارج سلطة قواته. وفي الوقت نفسه، ارتفع أداء التحالف العربي والفرنسي والبريطاني بدعم المعارضة، سياسيا وعسكريا.
نقول للمعارضة ما يقوله عادة مدربو كرة القدم: «ركزوا أعينكم على الكرة»، لأن كل ما يحدث خارج محيطها مجرد تفاصيل قد تلهي اللاعب عن الهدف الرئيس. الهدف هو إسقاط الأسد، وليس معاقبته، وقد أصبح ذلك قريبا. لهذا سيحاول الأسد إلهاء العالم بخدع كثيرة، بعد أن صار يقف على حافة الهاوية، بعد أن دفعه «الجيش الحر» وصار ممكنا إسقاطه بسلاح «الحل السلمي». المعارضة غاضبة لأنه لن يقصف تأديبيا، وهي مخطئة لأن الهدف أكبر من ذلك، فالثمن الذي يجب أن تطالب به المعارضة اليوم إبعاده، وليس إطلاق مائة صاروخ «توما هوك» فقط. فإن رضي الروس بحل الخروج فهذا يعني انتصار الثورة السورية.
المتوقع عودة طرح «الحل اليمني»، أي إخراج الأسد ورفاقه نهائيا، وتكليف المؤسسات القائمة، وتحديدا الجيش، مع قيادات المعارضة العسكرية والسياسية، بإدارة البلاد، وهذا خيار جيد ينتهي بإسقاط كل النظام تدريجيا، من دون انهيار البلاد. الخيار الأسوأ أن يهرب الأسد خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن يستمر القتال ويتحول إلى حروب متعددة الأقطاب؛ جيش حر، وقوى ثورية مستقلة، وتنظيمات «القاعدة»، وميليشيات طائفية مدعومة من إيران وغيرها. فالمحافظة على المؤسسات تعني المحافظة على الدولة وليس النظام، وتعني المحافظة على وحدة البلاد، وتضمن الحصول على الدعم الدولي السياسي والعسكري والقانوني.
وحتى لا تفقد المعارضة المسلحة قضيتها أثناء تفاوض القوى الكبرى في جنيف، تبقى مهمتها الرئيسة كسب الحرب ميدانيا، لأن انتصاراتها هي التي ستضطر الفرقاء للقبول بها لاعبا رئيسا، ومن خلال مكاسب الأرض تستطيع توجيه مسار الحل السياسي، زمنا وشكلا.
هل تتخلى الصين عن "سياسة عدم التدخل"؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
أظهر انضمام الصين الى روسيا الاتحادية في ممارسة حق النقض (أي "الفيتو") في مجلس الأمن حيال مشروع قرار غربي يدين وبقوة القمع القاسي جداً الذي مارسه نظام الرئيس بشار الاسد على غالبية الشعب السوري الثائرة عليه، شعوراً لديها بالحاجة إلى إحداث تغيير جوهري في سياستها الخارجية. وجعل ذلك الصينيين وباحثين آسيويين كثيرين، متابعين من قرب لهذه الدولة الكبيرة الصاعدة ببطء ولكن بثبات السلم الموصل الى مدينة الدولة العظمى، يتأكدون انها قررت التخلي عن قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى التي التزمتها طويلاً. لكنهم لا يزالون يجهلون موعد تنفيذ قرار كهذا، وإذا كانت وضعت جدولاً بالظروف والقضايا والمصالح التي تجعلها تنفذه. علماً أنهم يرجحون ان يكون الدافع لتضامنها مع الموقف الروسي في مجلس الأمن هو خشيتها ان ترتد عليها الادانة الدولية لنظام يقمع شعبه في سوريا، باعتبار انها تمارس القمع نفسه مع أقلية الأويغور المسلمة (عددها يناهز الـ100 مليون نسمة). لكنهم يكادون أن يكونوا واثقين أن النمو الاقتصادي والحاجة المتزايدة الى موارد طبيعية غير متوافرة عندها لا بد أن يدفعاها وفي وقت غير بعيد الى وضع سياسة عملانية تحفظ مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ولا يكون مبدأ عدم التدخل المشار اليه اعلاه جزءاً منها. ومن الموارد المذكورة النفط والغاز اللذان تشكل دول عربية عدة داعمة بل متبنية لأي إدانة وأي عمل دوليين ضد نظام سوريا المصدر الأساسي لهما. وفي انتظار انتهاء السياسة المذكورة، يقول الباحثون الآسيويون المتابعون أنفسهم، اتخذت الصين مواقف عدة بيَّنت في وضوح انها بدأت تسلك تغيير سياسة عدم التدخل. فهي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن، ولم تمارس حق النقض بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن، على مشروع قرار سمح بتنفيذ حملة عسكرية جوية ضد نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عقاباً له على قمع شعبه إلى درجة الإبادة. كما دعمت قراراً آخر في المجلس المذكور فرض حظر على شحنات السلاح الى ليبيا، ونصَّ على عقوبات عدة أخرى. وانطلق الموقفان المشار اليهما من تعامل سابق جيد مع نظام القذافي أتاح للصين البدء في تنفيذ مشروعات بقيمة 18٫8 مليار دولار وتشغيل زهاء 35 ألف من مواطنيها فيها، ومن رغبة في عدم خسارة ذلك كله.
هل للشعب الصيني او لقادة الرأي العام فيه موقف من سياسة التدخل في شؤون الدول الاخرى المعمول بها او من الدعوة إلى تغييرها؟
تلقت السلطات الصينية، يجيب الباحثون الآسيويون أنفسهم، مرتين في الآونة الآخيرة (عام 2012 والعام الذي قبله) انتقادات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي لعجزها عن حماية 29 عاملاً صينياً اختطفهم ثوار سودانيون و25 آخرين اختطفهم افراد قبائل في شبه جزيرة سيناء المصرية. وركز أصحابها أن الصين كقوة عظمى عليها ان تبرز عضلاتها الاقتصادية والعسكرية لحماية مواطنيها الذين يعرّضون حياتهم للخطر في سبيل المصلحة العامة، تماماً مثلما تفعل الولايات المتحدة عندما ترسل سفنها الحربية لحماية رعاياها او لانقاذهم أو لإجلائهم تجنباً لأخطار حروب مرتقبة وعمليات ارهابية تستهدفهم. وطبعاً "محت" السلطات المذكورة الانتقادات المذكورة، علماً أن نظامها لا يسمح بالكثير منها عادة، وذلك بعدما اثارت نقاشاً شعبياً حول ايهما اكثر حماية للصين ومصالحها التخلي عن سياسة عدم التدخل أو التمسك بها. لكن ذلك كله أشعر المسؤولين الصينيين بالحاجة الى اجراء مراجعة لسياسات بلادهم حيال الشرق الأوسط وشمال افريقيا وحتى باكستان وافغانستان. والتقارير المتوافرة عن هذا الأمر تشير الى أن هؤلاء يبحثون في اقامة قواعد عسكرية في باكستان قرب الحدود مع افغانستان، وقاعدة بحرية في بلوشستان، وذلك لمواجهة المساعدات التي يتلقاها الثوار المسلمون من البلدين المذكورين، ولتأمين استمرار تدفق النفط والتبادل التجاري. ومصالحها الاقتصادية والنفطية تجعلها مهتمة ايضاً باليمن والخليج وباب المندب.
في اختصار، يشدد الباحثون الآسيويون انفسهم، على أن الصين القوة العظمى الاقتصادية الصاعدة ستصبح لاعباً عالمياً (دولياً) قادراً على حماية مصالحه بقوته العسكرية. ويعني ذلك أن عليها اتخاذ مواقف جدية وحاسمة من قضايا وأزمات دولية تؤثر على مصالحها وعدم الاكتفاء إما بالتأييد السلبي أو بالرفض السلبي، فهل تفعل؟
المغرب: خصائص الأزمة الحكومية
محمد الأشهب-الحياة اللندنية
لا تشبه الأزمة الحكومية في المغرب غيرها من الحالات. وزاد في تعقيدها أن لا أحد يرغب في استنساخ تجربة مصر أو تونس، إلى درجة أن التعايش مع الأزمة أصبح ظاهرة. وبعد مرور أزيد من أربعة أشهر على استقالة وزراء حزب الاستقلال واكتفائهم بتصريف الأعمال، دعاهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى الاستمرار في أداء مهماتهم، من دون أن يغلق الباب أمام مشاوراته المتعثرة والحليف المرتقب «تجمع الأحرار».
في كل مرة تضعف حظوظ إخراج الطبعة الثانية للحكومة يهرب رئيسها إلى التلويح بإمكان الاستمرار كحكومة أقلية. طالما أن أحزاب المعارضة تعهدت عدم إطاحة الحكومة عبر طلب سحب الثقة. والثابت في غضون ذلك أن بن كيران يرغب في تحويل الموقف إلى مصدر قوة، بخاصة لناحية فرض شروطه على «تجمع الأحرار» الذي يريد ما هو أكبر من تعديل حكومي. وردد قياديوه أنهم لا يريدون أن يكونوا بمثابة عجلة إنقاذ لإسعاف عربة الحكومة المتوقفة في منتصف الطريق. لكن «تجمع الأحرار» مثل باقي أطياف المعارضة لا يميل إلى قلب الطاولة. لأن انسحابه من المشاورات لا يعني العودة إلى المعارضة فقط، بل يعزز اتجاهاً محتملاً للضغط من أجل إسقاط الحكومة.
لدى اجتماع العاهل المغربي الملك محمد السادس مع رئيس الحكومة، كان لافتاً عدم صدور أي بيان رسمي، بل إن الخبر في حد ذاته ارتدى طابعاً موحياً. أقله أن محمد السادس نأى بنفسه بعيداً عن الدخول على خط المشاورات. كونها من صلاحيات رئيس الحكومة.
وطالما أن القصر طلب من الوزراء المستقيلين الاستمرار في تصريف الأعمال يصبح من غير المفهوم أن يعاود رئيس الحكومة الطلب نفسه الذي يعتبر تحصيل حاصل، إلا أن يكون بن كيران أراد استخدام هذا الوضع الاستثنائي ورقة ضعط لفرض شروط على «تجمع الأحرار».
مصدر الخلل في ظل هذا التجاذب أن الدستور الجديد خلا من الإشارة إلى حل وفاقي في حال انهيار الائتلاف الحكومي. فقد رهن رحيل السلطة التنفيذية، إما من طريق الاستقالة أو من خلال طلب سحب الثقة في مجلس النواب. وعلى افتراض أن هكذا خلاصات تؤدي بالضرورة إلى تنظيم انتخابات مبكرة، فإن الدستور لا يجيب عن السؤال الأهم، في حال واجهت رئيس الحكومة صعوبات في حيازة غالبية سائدة. وهو يتحدث عن التصديق الديموقراطي عبر التصويت لفائدة البرنامج الذي تعتزم الحكومة تنفيذه.
ثمة إشكالات سياسية تطرح نفسها، من قبيل ماذا يحدث في حال إصرار تجمع الأحرار على معاودة النظر في البرنامج الحكومي، هل يعاود رئيس الحكومة طلب الثقة من مجلس النواب أم يكتفي باعتبار انضمام حزب جديد مجرد تعيين حكومي لا يطاول جوهر الالتزامات الحكومية. ومثل هذا الوضع يجعل «تجمع الأحرار» في وضع حرج، بخاصة إن صوّت ضد البرنامج الحكومي الذي يسري مفعوله الآن، فكيف يحسم في التناقض الحاصل؟
أكبر من أزمة حكومية يمكن احتواؤها عبر ترميم أركانها، تميل الأوضاع في المغرب إلى التأثر بالمعطيات الإقليمية، ذلك أن حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي التوجه، كان ينظر إلى استئثار تيارات إسلامية بالحكم في بعض بلدان ما يعرف بالربيع العربي. إنه دعم غير مباشر لتوجهاته. وعلى رغم أنه أقر مسافة أبعد حيال قربه إلى «الإخوان المسلمين» في مصر، فإن خصومه لا ينظرون إلى الأمر من الزاوية نفسها. وربما كان الفارق أنه يسائلون حكومة بن كيران على أدائها السياسي والاقتصادي، وليس المرجعية الدينية.
لا يعني المأزق الذي تردت نحو مشاورات تشكيل الحكومة. سوى أن الأطراف كلها في الموالاة والمعارضة انضبطت لقاعدة المرجعية الدستورية. وفي حال ظهر جديد فإن بن كيران سيسارع الخطى في اتجاه الانفتاح أكثر على شريكه المحتمل. كما يمكن أن يتجاهل الوضع، إمعاناً منه في إحراج خصومه على إطاحة حكومته قبل انتهاء ولايتها. لكن ما من طرف يريد أن يذهب نحو هذه المغامرة. لكن من دون استبعادها نهائياً، من منطلق أن انتخابات العام 2011 لن تستنسخ بكل حرفياتها، فقد جرت مياه كثيرة تحت جسور بلدان الربيع العربي، والمغرب لا زال يراهن على أنه كان استثناء.
16/9/2013
في هذا الملــــف:
«أوسلو»... ماذا تبقى منه؟
نادية سعد الدين-السفير اللبنانية
اذا أرادت إسرائيل من أوسلو؟
أنطـوان شلحـت- السفير اللبنانية
في ذكرى “أوسلو”
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
محادثات السلام بين فلسطين وإسرائيل.. لماذا الآن؟
مريم الخاطر-الشرق القطرية
مصر.. حماس واللعب في النار
طارق الحميد-الشرق الأوسط
«مبارك» يرشح الرئيس القادم!
محمد أمين-المصري اليوم
فعليا.. نهاية بشار
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
هل تتخلى الصين عن "سياسة عدم التدخل"؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
المغرب: خصائص الأزمة الحكومية
محمد الأشهب-الحياة اللندنية
«أوسلو»... ماذا تبقى منه؟
نادية سعد الدين-السفير اللبنانية
لم يقيّض لمسار أوسلو، منذ ولادته قبل عشرين عاماً، أن يسفر عن شيء، ليس لأن الاتفاق يحمل بذور فشله أو لاختلال موازين القوى لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، وإنما، لإصرار الاحتلال على تحكيم هذا الخلل في فرض تسوية لا تحقق الحدّ الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، ما أحدث مأزقاً حرجاً وأوضاعاً متدهورة في الأراضي المحتلة ومساراً تفاوضياً متعثراً تارة، وجامداً طوراً، على الرغم من متوالية المؤتمرات والاتفاقيات التي بقيت إما صورية أو حبراً على ورق. وبذلك اجتمعت ثلاثة عناصر للحيلولة دون إمكانية تنفيذه فعلياً؛ أولها مضمون الاتفاق الذي لم تمنع معارضة معظم الفصائل الفلسطينية عملية تمريره، وثانيها طبيعة الاحتلال الذي استخدم الاتفاق لتكريس مشروعه الاستعماري في فلسطين، وثالثها الانحياز الأميركي المفتوح في ظل غياب أو تراجع الدعم العربي الإسلامي للقضية الفلسطينية.
نقطة تحول حاسمة
شكل اتفاق أوسلو نقطة تحول حاسمة في تكوين الحقل السياسي الفلسطيني وتغيير قواعد اللعبة السياسية فيه وتحديد مفرداته وتحدياته، وفي أزمته البنيوية أيضاً، تبعاً لإشكاليات نشأته وفق أوسلو وليس تتويجاً لنجاح المشروع الوطني في بلوغ غايته في التحرير وتقرير المصير وحق العودة إقامة الدولة. وقد أنتج ذلك نظاماً منقوص السيادة في إطار سلطة ومحدودة الصلاحيات ومحكومة بتدابير والتزامات، منها التخلي عن الكفاح المسلح واعتماد استراتيجية التفاوض والاعتراف بالكيان الإسرائيلي، والتسليم بكيان سياسي لايطابق الوطن في حدوده التاريخية، انسجاماً مع خطاب «الواقعية الجديدة» الآخذ بالمتغيرات الدولية والإقليمية، مقابل اعتراف الاحتلال بالمنظمة من دون الاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية.
لمنظمة التحرير حصتها الأكبر من المسؤولية، إن لم يكن جلها، لأنها ارتضت تجزئة قضايا الوضع النهائي إلى ستة مجالات أساسية (اللاجئون والقدس والاستيطان والحدود والأمن والمياه) وتأجيل بحثها إلى المرحلة النهائية من المفاوضات التي كان يجب أن تنتهي في عام 1999، الأمر الذي تسبب في فتح «فرجار» جلسات التفاوض على أوسعه، والانغماس في مناقشة تفصيلات جزئية صغيرة على حساب القضايا الجوهرية للصراع، وتحرير الاحتلال من أي التزامات أو مساءلة ما دامت تلك القضايا خاضعة للبحث، فضلاً عما سببه أوسلو من تفكيك مختلف مكونات السيادة الفلسطينية. وهذا الوضع أرخى أوراق الضغط القوية ضدّ الكيان الإسرائيلي، بينما أثقل السلطة بالتزامات «أوسلو» الذي ما عاد الاحتلال يدرجه في حسابه، ما عكس عدم وضوح المعادلة بين سلطة تريد الحفاظ على اتفاقاتها تلجأ إلى خطاب دبلوماسي مرن، وبين واقع على الأرض يستلزم خطاباً وأداءً ومستوى تنظيمياً مختلفاً، خاصة في المسألة المتعلقة بالتخلي العملي عن الكفاح المسلح، وقصر حمل السلاح على قوى الأمن مصحوباً بمطالبات إسرائيلية أميركية للسلطة بوقف «العنف» وملاحقة حركات المقاومة، انسجاماً مع الاتفاق الذي لم يسمح للجانب الفلسطيني بتشكيل أي قوات مسلحة أخرى غير قوة شرطة مقيدة أمنياً، من دون اشتراط ربط ذلك بالتوصل إلى تسوية متفق عليها للصراع.
ضبابية «أوسلو»
وفي موازاة ذلك أصابت ضبابية بنود «أوسلو» أسّ «الدولة» نفسه بغياب أي ذكر لها في الاتفاق، ولكن بحساب الرؤية الفلسطينية فقد كان من المفروغ منه إذا ما تم التوصل إلى تسوية قضايا الوضع النهائي فإن النتيجة المنطقية ستكون قيام دولة فلسطينية.
بيدّ أنه سمح للاحتلال الانفلات من ضغط اللحظة، والمضي قدماً في مخطط إفراغ مشروع إقامة دولة فلسطينية متصلة من أي مضمون فعلي، عبر إغراق المساحة المخصصة لكيانها بالمستوطنات والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية، ما تسببّ في قضمّ 80% من مساحة الضفة الغربية، مقابل أقل من 20% للفلسطينيين، تشكل 12% من فلسطين التاريخية، ضمن ثمانية «كانتونات» غير متصلة جغرافياً، لتشكل مع قطاع غزة قوام الدولة، وفق الرؤية الإسرائيلية للكيان الفلسطيني المستقبلي الذي لا يخرج عن إطار حكم ذاتي باستثناء السيادة والأمن الموكولتين للاحتلال.
بموجب الاتفاق وعبر استعماره فلسطين، أوغل الاحتلال في السيطرة على مواردها الطبيعية، والتحكم بمفاتيح الاقتصاد والهيمنة عليه، علاوة على المعابر والحدود والتجارة الخارجية، وشلّ الحياة في الضفة الغربية بالجدار العنصري والطرق الالتفافية والمستوطنات ومحاصرة قطاع غزة وعزل مدينة القدس وحرمان السلطة من عائداتها السياحية وضرب حركتها التجارية.
أدى ذلك، بطبيعة الحال، إلى تراكم أوضاع اقتصادية متدهورة عبر السنوات، حتى بلغت حداً خطيراً، بسبب الاحتلال الذي يشكل عنصراً أساسياً في الأزمة، بالإضافة إلى السياسات الحكومية الفلسطينية، التي يحتاج بعضها إلى مراجعة، وتراجع الدعم المالي للمانحين، الذي في أغلبه مسيّس ومشروط بجداول أعمال لا تخدم المصلحة الوطنية العليا، تماشياً مع سياسة الاحتلال المستهدفة الإبقاء على التبعية الاقتصادية والسياسية الفلسطينية، وزيادة تأثير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في السياسة الاقتصادية الفلسطينية، والخلل في هيكلية الموازنة العامة للسلطة، حيث يذهب 34% من ميزانيتها الإجمالية، بشكل تقديري عام، للأمن، بينما يتوزع الباقي على القطاعات الحيوية والخدمية الأخرى، أي على حساب تطوير البنية التحتية وايجاد المشاريع الموّلدة لفرص العمل ولقاعدة إنتاجية واسعة. وهذه العقيدة الأمنية، تشمل حماية أكثر من نصف مليون مستعمر في 180 مستوطنة، وملاحقة عناصر المقاومة، وتوفير متطلبات الجنرال الأميركي وعناصره في الضفة الغربية المحتلة.
مفاوضات لا متناهية
لم يغير نيل فلسطين صفة «دولة مراقب» غير عضو في الأمم المتحدة في 29/11/ 2012 من واقع الحال، على الرغم من أهمية هذا المكسب الدبلوماسي السياسي. إلا أن المسعى الأممي لم يُـقمّ الدولة فعلياً، ولم يكن بديلا عن التفاوض الذي لم تغادر القيادة الفلسطينية دائرته قط، ولكنها أرادت إيجاد بيئة تفاوضية جديدة من خلال تحسين المركز القانوني على المستوى الدولي عبر العضوية في الأمم المتحدة، بدون أن تضع الخطوة ضمن إطار استراتيجية بديلة عن المفاوضات بعدما أدركت فشلها، أمام قرار التجميد «المؤقت» للخطوات اللاحقة بها، مثل الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، لإعطاء فرصة أخرى جديدة للمفاوضات.
كما لن يلزم القرار الجانب الإسرائيلي ما يعاكس ما تجسده يدّه المحتلة يومياً من متغيرات استيطانية في الأراضي الفلسطينية، وإنما ستكون محاولة أخرى لإدارة الصراع وليس حله، في ظل انتفاء الضغط الأميركي والدولي. إلا ان ضغط واشنطن موجه نحو القيادة الفلسطينية وحدها، وقد تمكن هذا الضغط من دفعها إلى «تكسير» شروطها والالتحاق بدائرة التفاوض اللامتناهية، خالية من أوراق القوة والإجماع الوطني الشعبي، باستثناء إنجاز «يتيم» و«مجزوء» باتفاق إطلاق سراح 104 من الأسرى «القدامى» المعتقلين في سجون الاحتلال قبل اتفاق أوسلو، ضمن دفعات، بحسب تقدم مسار المفاوضات.
غير أن الإشكالية تكمن هنا في التعويل المستمر للقيادة الفلسطينية على مسار التفاوض، في اعتباره خياراً استراتيجياً أوحد يتقدم على سواه من البدائل الأخرى، ولا يأخذ العنصر الإسرائيلي بالاعتبار، في ظل برلمان عنصري يضم غلاة المستوطنين والمتطرفين اليمينيين، وتشكيلة حكومية يمينية استيطانية، وإزاء انتفاء اختلاف حقيقي بين الأحزاب، بمختلف توجهاتها اليسارية واليمينية والدينية، تجاه القضية الفلسطينية، حيث ترفع مجتمعة «لاءات» في وجه العودة إلى حدود 4 حزيران 1967 وتقسيم القدس وحق العودة ووقف الاستيطان، مقابل إما الحديث عن دولة فلسطينية منقوصة السيادة ومنزوعة السلاح أو رفضها كلياً.
اذا أرادت إسرائيل من أوسلو؟
أنطـوان شلحـت- السفير اللبنانية
اعترف الوزير وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق يوسي بيلين الذي كان المهندس الرئيس لاتفاق أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في سياق مقال جديد نشره في أواخر آب/ 2013 أن هذا الاتفاق، الذي جرى توقيعه قبل عشرين عاماً، تبنى إلى حدّ كبير مفهوم اليمين الإسرائيلي إزاء تسوية الصراع مع الفلسطينيين، وهو مفهوم «الخطوات الموقتة». وأشار إلى أن هذا المفهوم أوجده مناحيم بيغن في اتفاقيات «كامب ديفيد» (مع مصر) في سنة 1978، وتبناه يتسحاق شامير في مؤتمر مدريد في سنة 1991. وشدّد على أن الاتفاقات الموقتة لم تشكل حتى أوسلو جزءاً من رؤية «معسكر السلام الإسرائيلي»، وإنما كانت صيغة ولدت في كنف الزعامة اليمينية في إسرائيل، واضطُر «معسكر السلام» إلى القبول بها.
سبق لبيلين نفسه أن أشار إلى أن اتفاق أوسلو غيّر مجرى التاريخ في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأتاح إمكان عقد اتفاقية السلام مع الأردن، وأوجد عنوانًا جديدًا لتمثيل الشعب الفلسطيني (السلطة الفلسطينية)، وأدى إلى ازدهار اقتصادي غير مسبوق في إسرائيل، وحسّن صورة الدولة العبرية في نادي الأسرة الدولية، وفتح أمامها مجالاً كبيرا لإقامة علاقات دبلوماسية مع دول كثيرة بما فيها دول عربية، وأدى إلى نشوء خريطة سياسية- حزبية جديدة في إسرائيل (من أبرز مظاهرها تعزّز تيار الوسط)، غير أنه على الرغم من ذلك كله أخفق في تحقيق غاية إحراز سلام إسرائيلي- فلسطيني دائم.
لعل أهم ما تشي به أقوال بيلين كامن في حقيقة أخرى ليست غائبة عن الأذهان، هي أن اتفاق أوسلو لم يكن اتفاقية سلام إسرائيلية- فلسطينية على الإطلاق، وإنما مجرّد اتفاق مبادئ عامة تتعلق بهذا السلام الدائم، وذلك في إثر بدء أول مفاوضات غير مباشرة بين الجانبين استمرت أقل من سبعة أشهر (في إطار مفاوضات مؤتمر مدريد للسلام) من دون أن تسفر عن أي نتائج ملموسة، وتمثل الهدف الأساسي منه - على الأقل من وجهة نظر إسرائيل- في إجراء محادثات مباشرة من وراء الكواليس، كي يكون في إمكان عملية مدريد أن تستمر بعد أن وصلت إلى ما يشبه الطريق المسدودة. وهذا يعني، في أقل تعديل، أن إحراز السلام الدائم ظلّ رهن المحادثات، التي استمرت عقب أوسلو، والتي لا تزال حتى الآن عالقة وعاجزة عن تحقيق أي اختراق حقيقي.
مهما تكن هذه الظروف لا بُدّ من أن نشير إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، يتسحاق رابين، سعى إلى أن ينجز تفاهمات مع السوريين والفلسطينيين من شأنها أن تضمن تحييدهمـا في سياق المواجهة مع العراق وإيران، عبر الاستفادة القصوى من انهيار الاتحاد السوفياتي واستفراد الولايات المتحدة بزعامة الحلبة الدولية، ومن عزلة منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات في ضوء تأييدهما نظام صدام حسين خلال حرب الخليج الأولى في سنة 1991. ومع ذلك، فإن المظاهر الاحتفالية التي رافقت توقيع اتفاق أوسلو في حدائق البيت الأبيض الأميركي كوّنت انطباعا وهميا قويا بأنه اتفاقية سلام، بينما لم يكن أكثر من خطوة أولى بسيطة للغاية على طريق التوصل إلى هكذا اتفاقية.
في واقع الأمر فإن وجهة النظر الإسرائيلية إزاء اتفاق أوسلو ومسارات العملية السياسية التي أطلقها كانت محكومة بفرضيات كثيرة ترتبط، أكثر من أي شيء آخر، بدفع المصالح الإسرائيلية الإقليمية والعالمية قدما. وقد بدأت ملامحها تتضح، رويدا رويدا، مع كل جولة مفاوضات بين الجانبين جرت في وقت لاحق، بدءا من مفاوضات القاهرة في إثر عملية أوسلو مباشرة، ومروراً بجولة المفاوضات التي عُقدت بين الحكومة الإسرائيلية السابقة برئاسة إيهود أولمرت (أنهت ولايتها في 31 آذار/ مارس 2009) وبين السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، والتي انطلقت في إثر مؤتمر أنابوليس المنعقد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007 وتوقفت في أواخر سنة 2008 بالتزامن مع شنّ الحرب الإسرائيلية على غزة، وانتهاء بجولة المفاوضات الحالية التي ترعاها الولايات المتحدة. واستنادا إلى رصد عمودي لمختلف التصريحات والتحليلات الإسرائيلية المتعلقة بسيرورة المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو، يبدو أن هناك فرضيتين هما في حكم الأبرز:
الفرضية الأولى، أن السلطة الفلسطينية، التي أصبحت العنوان الجديد لتمثيل الشعب العربي الفلسطيني في عُرف إسرائيل، ستعمل على تطبيق حق تقرير المصير لهذا الشعب بواسطة إقامة دولة فلسطينية فقط في المناطق التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران (يونيو) 1967، أي الضفة الغربية وقطاع غزة.
الفرضية الثانية، أن السلطة الفلسطينية ستتطلع إلى تلك الغاية في نطاق الاستعداد للتوصل إلى تسوية تاريخية، تشمل تسوية جغرافية، مع دولة إسرائيل والحركة الصهيونية، تضع حداً للصراع معهما.
المشكلة في «إرث» أوسلو ورابين
يعتقد كثيرون من الذين دفعوا نحو اتفاق أوسلو أن «الإرث» الباقي من هذا الاتفاق ومن السياسة التي انتهجها رابين حتى اغتياله في سنة 1995، هو ضرورة تقسيم الأرض وتخلي كل طرف عن مطالبه التاريخية بكامل فلسطين، والتي تشكل برأيهم السبب الجذري للصراع. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع من رؤية أن «إرث أوسلو» يشتمل على العناصر الأساسيّة التي يتكوّن منها الموقف الإسرائيليّ الراهن إزاء التسوية. ويمكن أن نبرهن ذلك من خلال استعادة أهمّ ما ورد في آخر خطاب ألقاه رابين في الكنيست في الخامس من تشرين الأوّل/ أكتوبر 1995، أي قبل شهر واحد من اغتياله، وتحدّث في سياقه عن رؤيته بشأن جوهر التسوية مع الفلسطينيّين، والتي ليس من قبيل المبالغة القول إنّها بقيت ترخي بظلالها على التطوّرات اللاحقة.
وممّا قاله رابين في ذلك الخطاب: «إنّنا نعتبر أنّ الحلّ الدائم (للصراع الإسرائيليّ - الفلسطينيّ) سيكون في إطار أراضي دولة إسرائيل التي ستشمل أغلبيّة مناطق أرض إسرائيل - كما كانت عليه الحال أيّام الانتداب البريطانيّ -، وسيُقام إلى جانبها كيان فلسطينيّ سيكون وطنا لمعظم السكّان الفلسطينيّين المقيمين في قطاع غزّة والضفّة الغربيّة، ونريد أن يكون هذا الكيان أقلّ من دولة كي يصرّف على نحوٍ مستقلٍّ حياةَ الفلسطينيّين الذين يخضعون له... وستتجاوز حدود دولة إسرائيل لدى تطبيق الحلّ الدائم خطوط ما قبل حرب الأيّام الستّة، حيث إنّنا لن نعود إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967... وسيجري تثبيت الحدود الأمنيّة للدفاع عن دولة إسرائيل في غور الأردنّ في أوسع معنى لهذا المفهوم». وأضاف رابين: «إنّ القدس ستكون موحَّدة بوصفها عاصمة إسرائيل وتحت سيادتها، لتشمل كذلك معاليه أدوميم وغفعات زئيف».
ليس من قبيل المصادفة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية بنيامين نتنياهو يؤكد لدى مشاركته في مناسبات إحياء ذكرى اغتيال رابين، أن الشعب في إسرائيل موحّد حيال ضرورة التوصل إلى السلام لكن من دون أن يتنازل عن حقه في الحياة في البلد، وعن حقه في الدفاع عن أمنه وسلامته، فضلاً عن كونه موحّدًا حيال مطلب الحفاظ على القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل إلى الأبد. وفي الجلسة الخاصة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي في هذه المناسبة في سنة 2010 اقتبس نتنياهو فقرات طويلة من آخر خطاب ألقاه رابين لإسناد ما أكده لاحقًا في كلمته فيما يتعلق بضرورة عدم تجميد أعمال البناء في المستوطنات، وضرورة أن تكون الدولة الفلسطينية العتيدة منزوعة السلاح وتعترف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي.
ما تقدّم يعني، وفق المنطق السليم، أنّ المؤسّسة السياسيّة الإسرائيليّة مستمرّة في تطبيق المدلول الحقيقيّ لـ «إرث أوسلو»، ولا سيّما تشديده على وجوب أن تكون أيّ تسوية للصراع مستندة أساساً إلى تلبية «حاجات إسرائيل الأمنيّة» بموجب مفهومها هي لهذه الحاجات، والذي يعتبرها مطاطة ولا يحدّد نهاية لها.
في ذكرى “أوسلو”
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
ما زال الفلسطينيون وبعض العرب يجادلون حول اتفاق أوسلو بعد مرور عشرين عاماً على توقيعه وعدد من توابعه الفرعية، وهي كلّها لم يطبّق منها سوى سلطة تملك مهمات أمنية جزئية وصلاحيات خدماتية . في ما عدا ذلك، الاحتلال موجود بلحمه وشحمه وعظمه، باعتداءاته قتلاً واعتقالاً وهدماً للمنازل، باستيطانه الممتد على مدار الساعة والممزّق لبقايا أرض فلسطينية، بتهويده للقدس ومقدّساتها الإسلامية والمسيحية .
عشرون عاماً والجدل هو ذاته رغم الحقائق والوقائع وخيبات الأمل والخسائر التي اتضح أنها بالجملة . السبب هو غياب المعيارية ومرجعية المحاكمة في النظر إلى كل ما يتعلّق بالمسيرة الفلسطينية، فمن كانت مرجعيته حركة أو حزباً أو قائداً أو جهازاً، يتبنى ما تقول له هذه المرجعيات وما تفعل باعتباره هو الخط الوطني الصحيح . ومن اتخذ من الحق الفلسطيني والثوابت الوطنية والحقوق التاريخية ومقررات الإجماع الوطني الفلسطيني، مرجعيته من دون أي اعتبار حزبي أو مصلحي آخر، بإمكانه أن يتتبّع المنحنى التنازلي في البرنامج السياسي الفلسطيني . وكم يكون مسار هذا المنحنى صادماً ومهولاً لمن يلقي نظرتين على ما بدأت به القضية وما انتهت إليه .
إذا أردنا احترام الصراحة، فإن هذا الاحترام يفرض علينا الإقرار بأن فلسطين الأرض والوطن والهوية، لم تعد قضية مبدئية بنظر فريق سياسي فلسطيني وعربي يبدأ بطبقات منتفعة يمثّلها النظام الرسمي والمفاوضون، ويمر بحفنة كتّاب ومحلّلين وإعلاميين ومتحزّبين ذوي مصالح، وينتهي بمطبّلين مزمّرين من التابعية المصفّقة وذوي الثقة العمياء . كثيرون من هؤلاء منطقهم يشبه موقف مؤيدي احتلال العراق مدفوعين بالرغبة في تحقيق الديمقراطية، وعندما تبيّن أن كل الأهداف باستثناء تدمير العراق باتت نوعاً من الوهم والسراب، لكنّهم لم يراجعوا ولم يتراجعوا ولم يعتذروا .
عندما تتغلّب الاعتبارات القطيعية والغيبية، لن يعود مستهجناً تصفيق بعض الناس لناهبيهم ومستغليهم وسائقيهم إلى حيث الوهم للشعب والمنافع للثلة التي تقود وتضلل . وبهذا المعنى لا يوضع كل المؤيّدين في سلّة واحدة، ولا يكون المعارضون كذلك في سلّة واحدة، بل تظهر مساحة تجمع أناساً من الطرفين يظلّلها الانقياد الأعمى . وبين هذا وذاك تتعثّر قضية فلسطين وتجد “إسرائيل” فرصتها السانحة لاستكمال المشروع الصهيوني القائم على القضم التدريجي للأرض والتمدّد على المساحة المنصوص عليها صهيونياً ومنتهاها المتمثّل ب “دولة من النيل إلى الفرات”، وهي منطقة باتت تعيش مخاضاً مرتبطاً بهذا المنتهى .
في معادلة ما تبقى من صراع مع المخطط الصهيوني، لم يعد للعامل العربي الرسمي أي وجود إلا بالمعنى السلبي، أي أن صراح الحقوق مع مغتصبيها بات حكراً على المؤمنين بها بلا سند أو داعم أو عامل قومي، فيما العامل الدولي حكر على حماة “إسرائيل” . ولهذا وجدنا وزير خارجية الولايات المتحدة انشغل عشية ذكرى اتفاق أوسلو باستئناف المفاوضات بين الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني، وهي في ظل موازين القوى القائمة تشبه التفاوض بين مستلق على الأرض وجالس على صدره . وفي كل الظروف والأحوال، تستفيد “إسرائيل” من الوقت أفضل استفادة، في حين أن بقايا الفلسطينيين والعرب يشغّلون العداد لرصد الانتهاكات “الإسرائيلية” في القدس، وتكرر وسائل إعلامهم أخباراً نمطية من نوع “المستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة”، والحقيقة أنهم يقتحمونه من جهة الانقسام الفلسطيني والتواطؤ العربي والفتاوى المشبوهة .
محادثات السلام بين فلسطين وإسرائيل.. لماذا الآن؟
مريم الخاطر-الشرق القطرية
ان تتحدث عن فلسطين وان تدافع عن حق الإنسان الفلسطيني فأنت أمام مؤامرة ضارية، قد يجتمع عليك الكون كله ضدك، بل انت في حرب ضروس تشتد قوتها أيضا في وجه اولئك المدافعين من غير ابناء العروبة عندما يتحدّون سياسات بلادهم في عقر دارهم ليقدموا صورة مشرفة للدفاع عن حق الإنسان الفلسطيني بصورة تُعجز بل تُخجل العرب.
حضرت مؤتمر (حقوق الإنسان في فلسطين — 11 — 13 سبتمبر الجاري) "الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الاراضي الفلسطينية المحتلة" المنعقد في استراليا بدعوة وتنظيم من الجامعة الاسترالية الوطنية والذي توج بكلمة افتتاحية للدكتور ريتشادر فولك، المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين. والذي ما فتئ يذكر المؤتمرين بقانونية حق الإنسان الفلسطيني مختتما ومذكرا بحضور الحق الثقافي فيما جسده محمود درويش في رائعته" سجل يا تاريخ أنا عربي " والتي تحكي مسيرة النضال وشرعية الوجود واحقية الدفاع عن الذات والوطن والهوية في ظل شريعة الغاب الدولية وعقيدة السلب والنهب المبنية على وعد بلفور المشؤوم وأحفاده من المتآمرين الدوليين.
عشيّة افتتاح هذا المؤتمر صاح جرس إنذار الحريق، وجم الحضور ولكن تبين ان الانذار لم ُيرَنُّ اعتباطيا كما أشارت مُنّظِمة المؤتمر وهي بروفيسورة استرالية مناضلة في حقوق الانسان الفلسطيني منوهة بأنهم دائما ما يواجهون بمثل هذه المضايقات عند عقد مثل هذه المؤتمرات للدفاع عن القضية الفلسطينية.
حضرت اليوم الثاني فإذا بها تنوه بأن جهاز العرض الرئيسي على الحاسب قد تعطل بـ "فيروس" ليحجب عروضا لأساتذة من مختلف التوجهات والجامعات والمنظمات الحقوقية... ولكن المنظِمة كانت جاهزة بجهاز آخر ليستمر العرض اقصد وليستمر النضال ايضا... إذ عندما أقبل مدير منظمة "اللجنة الاسرائيلية ضد هدم بيوت الفلسطينين " Israeli Committee against house demolishing لتقديم عرضه الحقوقي عن معاناة الشعب الفلسطيني صاح جرس الإنذار مرة أخرى معلنا بالصوت المسجل ان هذا الإجراء مجرد تجربة انذار لحريق. "وأي إنذار في أي وقت؟! إنها فعلا مؤامرة" هتف بها عدد من كبار الأساتذة الدوليين من حولي.
خصوصا وان العرض وضح بالصور الحية تعنت الحكومة الاسرائيلية في سلب الفلسطيني حقه في الأرض وبناء المستوطنات على انقاضه، مؤكدا ان سياسة اسرائيل من عملية الهدم هي: "No home for Individual Palestinians، no homeland for the Palestinian collectives "
" عندما لا يقوم بيتٌ لفلسطيني، لنْ يقوم وطنٌ لكلّ الفلسطينيين"
لم يكن التشويش هذا فقط في أرض المؤتمر بل وقف احد الحضور المعارضين ناقدا ومنوها الى ان الصحف الاسترالية ضد هذا المؤتمر بتصريح: "اسرائيل تنتقد مؤتمرا معارضا لها لا يقدم للجامعة الاسترالية الوطنية العريقة اي رصيد يذكر" بل اتهم النقد الصحفي القائمين على المؤتمر بالانحياز وانتهاك القيم المستحقة للدعم من المال العام منوها بأنها تدمير للسمعة العريقة للجامعة وأكاديمييها.
ولكن كان رد الدكتورة المنظمة شجاعا وجريئا بقولها: "نحن لا نقرأ لصحف التابلويد.." فظننت ان هذا الخبر صادر عن احدى الصحف المغمورة بحثت فإذا به صادر عن أعرق الصحف الاسترالية وأشهرها The Australian"" اتضحت الصورة لدي عندما وجدته في صفحة الرأي، ولكنه حتما كان رأيا يريد وقف الدعم وتضييق الخناق حتى على أدبيات الرأي الآخر في الطرح الحقوقي والأدبي بعد دحر الحق واغتصابه في ردهات السياسة لدى ام بلفور بل وأبنائها واحفادها أيضا.
يسمّيها الطرح الأراضي الفلسطينية المحتلة" " Occupied Palestinian Territory واسميها فلسطين المحتلة، ويسميها اسرائيل وأرفض ان اسمي الغاشمة إلا بالكيان المحتل، وانا أعني ضرورة التمسك بهذا الإطلاق، إذا إنه حتى انتهاك الحقوق ضالع في استخدام اللغة باحتيال ودهاء لسحب الحق لذلك هي "أراضٍ محتلة" حتى ولو تم الاتفاق على اعطائها حق الكينونة ولو بمقايضة ذليلة خاسرة سميت بـ "الأرض مقابل السلام". وأي أرض؟ فقد منع الكيانُ الفلسطينيينَ حتى هذا الحق رغم تنازلات "أوسلو" المؤلمة بدوافع أيديولوجية لتكريس الاحتلال بإطلاق ديني يشي بآلية سياسة التهويد والاستيطان وتوظيف "أفيون الدين" لتخدير الشعوب وخدمة مشروعات الاستيطان التوسعية بإطلاق مسمى " يهوذا والسامرة " على الأراضي العربية في "الضفة الغربية" تلك التي تخضع لمعاول التهويد الجائر.
جاء هذا المؤتمر في وقت مهم جدا من استئناف مفاوضات السلام على الصعيد الدولي ورغم الجهود الكبيرة المبذولة من قبل منظمي المؤتمر وحرصهم على تمثيله بأعلى مستوى إلا ان انتهاك الحقوق جزء من عملية مستمرة لم يسلم منها حق الإنسان الفلسطيني حتى على مستوى المحاضرات وأدبيات الطرح الأكاديمي والمنظمات غير الحكومية لا في ديار العرب ولا الغرب.
بعيد ذلك المؤتمر عقدت محاضرة مستقلة مثرية للمقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فلسطين بعنوان:" المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية، لماذا الآن؟ "
"الاشتراطات الأساسية المسبقة لأية مخرجات إيجابية لحل ناجع للمفاوضات لم تتضح بعد." وهذا سبب طرح الدكتور فولك السؤال عنوانا للمحاضرة المثرية خصوصا في ظل بروز التحركات وسط ما سمي بـ "ربيع عربي" غير واعد في شأن العرب على وجه الخصوص.
أما وإنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة على انعقاد وشيك، فإن السؤال المطروح: ما جدوى الكيانات الدولية التي سميّ أهمها بـ "الأمم المتحدة" حول هذه الانتهاكات طويلة — الأجل؟ وما مدى تأثير تلك التقارير النافذة والنزيهة حول الانتهاكات الاسرائيلية والتي تصدر عن أمثال المقرر الخاص وسط هذه المنظومة الأممية "الوهمية" التي تلويها أذرع "اللوبي الدولي الغاشم المتآمر "؟ وأخيرا ما موقف عضوياتنا وتمويلنا من ذلك ونحن فيها دول مستقلة صاحبة رأي وصوت وقرار؟!!!
مصر.. حماس واللعب في النار
طارق الحميد-الشرق الأوسط
أخطاء حركة حماس لا تنتهي، داخليا وخارجيا، لكنها هذه المرة ترتكب خطأ قاتلا يفوق كل أخطائها السابقة عندما تقحم نفسها في المشهد المصري. مصر اليوم ليست نظام مبارك، والظروف السياسية بالمنطقة ليست على حالها في السنوات العشر السابقة، حيث استفادت حماس مطولا من علاقاتها المضمونة حينها مع إيران وحزب الله، ونظام الأسد!
في ذلك الوقت كان من السهل على حماس تغطية أخطائها بالتلحف بشعار «الممانعة والمقاومة» الكاذب، الذي ثبت زيفه، وهو الشعار الذي حظي بعملية تضليل إعلامية كبيرة مكنت حماس مرارا من الهروب من استحقاقات أخطائها، سواء بحق القضية الفلسطينية، أو بحق مصر تحديدا يوم كان بعض حلفاء حماس هناك إما صادقين بتعاطفهم مع القضية الفلسطينية، أو مجرد ناقمين على نظام مبارك، وكان تعاطفهم مع حماس من باب عدو عدوي صديقي، هذا عدا عن استفادة حماس وقتها من «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يشكلون عمقا حقيقيا للحركة.
اليوم تغيرت الأوضاع تماما في مصر وخارجها؛ بالنسبة لمصر هناك الآن نقمة حقيقية ليس تجاه «الإخوان المسلمين» وحسب، بل ضد الحركات الإسلامية، وبالتالي فإن تدخل حماس في الشأن المصري، وبأي شكل من الأشكال، يعني أن الحركة الإخوانية تلعب بالنار، حيث باتت تواجه رأيا عاما حقيقيا، وليس النظام أو العسكر، وعندما يرى المصريون الآن عمليات إلقاء قبض على مسلحين من غزة، مثلما أعلن الجيش أمس، فإنهم، أي المصريين، ينظرون لحماس على أنها الجناح العسكري لـ«الإخوان» في مصر، وبالتالي فمثلما احترق حزب الله شعبيا بعد أن اكتشف المخدوعون به وجهه الطائفي، وأيقنوا أن هدفه الحقيقي بالمنطقة هو خدمة إيران، وذلك من خلال قتال حزب الله للسوريين في سوريا نصرة للأسد، فإن حماس تواجه الآن المصير نفسه بمصر.
والحقيقة أن هذا أمر واقع يلمسه اليوم من يتابع وسائل الإعلام المصرية، وتحديدا التي كان لها سابق تعاطف مع حماس من قبل، ولذا فمن المذهل ألا تتنبه حماس ومتطرفوها لذلك اليوم، وخصوصا بعد إسقاط مرسي و«الإخوان»، وتردد اسم حماس كثيرا بشكل سلبي الآن، وفي أصعب المراحل التي تمر بها مصر، سواء العمليات الإرهابية في سيناء، أو حالة القلق الأمني عموما، هذا عدا عن أن المصريين لم ينسوا بالطبع قصة هروب مساجين حزب الله وحماس من السجون بعد الثورة على مبارك، ووصولهم السريع إلى غزة، مما يعني تورط حماس الحقيقي في التآمر على أمن مصر!
وعليه فإن واقع الحال يقول إن حماس غارقة بمشاكلها، داخليا وخارجيا، خصوصا أن علاقتها بإيران وحزب الله يشوبها الكثير من «الشك» بعد الثورة السورية، والآن تزيد حماس من تعميق أزمتها باللعب في النار المصرية، فمتى تتعلم حماس من أخطائها؟ ومتى تستوعب أنها باتت تدفع المصريين الآن لمناقشة أمر شديد الأهمية، وهو ضرورة أن يعيد المصريون فعليا تقييمهم لواقع الأمور في غزة، ووفقا للبعد الاستراتيجي هناك؟
«مبارك» يرشح الرئيس القادم!
محمد أمين-المصري اليوم
استمعت إلى تسجيلات مبارك التى انفردت بها «اليوم السابع».. أكثر الناس سعادة بهذه التسجيلات الجيش، والفريق السيسى، وحبيب العادلى.. أكثر الناس غضباً هم الإخوان والأمريكان، ومرشحو الرئاسة السابقون، والفريق سامى عنان، ومشايخ القبائل العربية.. السؤال: لماذا لم يستغل مبارك وقته الطويل فى كتابة المذكرات؟.. الملاحظ أن جمهور مبارك أكبر مما يتصور مبارك نفسه (!)
لم يكن مبارك وحده من تصور أن السيسى «إخوان».. كثيرون روجوا هذه الشائعة وغيرها.. اختيار مرسى له أشعل نار الشائعات.. الآن فقط عرفنا أنه وطنى، انحاز للوطن فى لحظة حاسمة.. مبارك قال إنه طلع «عُقر».. ملايين غير مبارك ترشحه للرئاسة.. هناك حملة شعبية عنوانها «كمل جميلك».. شهادة من الشعب للسيسى.. مبارك نفسه يرى أن الرئيس القادم لابد أن يكون من الجيش!
من جديد عدنا إلى طرح السؤال: من الرئيس القادم لمصر؟.. يبدو أن طبيب مبارك كان مهموماً بالسؤال.. سأله فى التسجيلات التى انفرد بها الزميل محمود المملوك، السؤال الأهم: من يحكم مصر فى ظل هذه الميليشيات الإرهابية؟.. مبارك لم يتردد حين قال: الرئيس القادم لازم يكون من الجيش. المصريون يتجهون لاختيار قيادة قوية.. صحيفة أمريكية قالت الشعب يريد قيادة عسكرية!
ربما يشعر الثوار بالصدمة مؤقتاً.. حين خرجنا فى 25 يناير قلنا مدنية مدنية.. لا دينية ولا عسكرية.. لهفها الإخوان وسرقوها من الثوار.. تم تصحيح المسار فى 30 يونيو.. هل يسرقها «العسكر» الآن؟.. هل تنتظر مصر ثورة ثالثة؟.. أم أن المتغيرات تستدعى إجراءً استثنائياً.. شرط أن يحافظ الرئيس صاحب الخلفية العسكرية على الحريات وحقوق الإنسان.. إلى أين تتجه مصر مستقبلاً؟!
الطريف أن مبارك لم يكشف عن رأيه فيما لو ترشح السيسى.. لم يقل إن كان يوافق أم لا؟.. لكنه قال رأيه صراحة فى سامى عنان.. قال: سامى عنان ماينفعش.. سواء بما يعرفه عنه، أو لأن الظرف اختلف.. ربما لو ترشح طنطاوى أو عنان فى المرة الأولى لنجح.. الآن تغيرت الدنيا.. ظهور السيسى كشف سوءات المجلس العسكرى.. فضح رخاوة الفترة الانتقالية الأولى لحساب الإخوان!
التسجيلات تضمنت شهادات وأحكاماً على بعض رجال الدولة.. هناك شهادة أخرى لـ«العادلى».. مازال مبارك يثق فى قدرة وزير داخليته على حفظ أمن البلاد.. يرى مثلاً أنه يستطيع أن يلم الإخوان فى ثلاثة أيام، والدنيا تهدى بعدها.. ربما تكون شهادة، وربما تكون إدانة.. أما موقفه من مشايخ القبائل فلا شك أنه يغضبهم.. مبارك قال إنهم ديكور، والشباب بيمشّوهم.. هل كان على حق؟!
البعض قد يتوقف عند «أخلاقيات» التسجيلات.. قد يتحدث عن حقوق مبارك فى إذاعتها من عدمها.. قد يتحدث عن طريقة تسريبها.. بغض النظر عن هذا عندى تسجيلات حقيقية بصوته.. فلا هو يشعر بالحرج، ولا هو لديه رأى آخر، لو انتبه للتسجيل.. رأيه: سيناء باظت بعد عفو «مرسى» عن إرهابيين، وأمريكا وراء 25 يناير بحجة التوريث.. بينما كان «أوباما» يخطط للشرق الأوسط الكبير(!)
أخيراً.. سمعنا رأى مبارك فى «السيسى» و«مرسى» والإخوان.. قال إن 25 يناير ثورة.. ماذا لو سمعنا دردشة مماثلة لـ«مرسى» مع طبيبه الخاص، أو حتى حارسه؟.. ماذا يقول عن مبارك شخصياً؟.. كيف يرى سنوات حكمه؟.. ما رأيه فى «السيسى»؟.. ماذا يقول فى المرشد؟.. هل يرى أن 30 يونيو ثورة أم انقلاب؟!
فعليا.. نهاية بشار
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
رغم الإحباطات، يلوح في آخر النفق اليوم ضوء يؤذن بقرب نهاية نظام الأسد. فقد سرَّعت جريمة الألف والأربعمائة سوري الذين قتلوا خنقا بالغاز في ضواحي العاصمة دمشق في أفول النظام. وما مشروع تجريده من سلاحه الاستراتيجي عمليا إلا تجريده من الحكم تحت عنوان أوسع اسمه الحل السلمي. ومنذ أسبوعين تقريبا والحديث يتردد همسا عن حل سلمي يقضي بخروج بشار الأسد في نهاية العام الحالي، أي قبل موعد الانتخابات بخمسة أشهر. إقصاء الأسد يقال إنه صدر عن الروس بعد جريمة الكيماوي التي دفعت بالأميركيين لأول مرة نحو التهديد باستخدام العصا الغليظة، العقوبة التأديبية، وبسببها توجد اليوم جبهة دولية مستعدة للمشاركة في أي حل عسكري.
سوريا تتعقد، وكما يقال «اشتدي أزمة تنفرجي». نحن أمام اشتباك يزداد تعقيدا، السياسي مع الدبلوماسي المتعدد الأطراف والأدوار، الروسي مع الأميركي من جهة، والرئيس الأميركي مع الكونغرس من جهة أخرى، وهناك إشكالات الرأي العام في أوروبا، وبريطانيا تحديدا، الرافض لأي عمل عسكري. وهناك أيضا الضغوط العربية. فقد ولدت جبهة عربية ثلاثية فاعلة، من السعودية والإمارات والأردن، نشط مسؤولوها في رحلات مكوكية من موسكو إلى باريس ولندن. ولا ننسى أن أوباما النائم استيقظ، ووعد لأول مرة منذ توليه الرئاسة، باستخدام القوة. ثم فاجأتنا روسيا بعرضها أن يتخلى الأسد عن مخزونه الكيماوي الضخم، الذي كان ينكر وجوده أصلا. هذه التطورات تمخضت عن العودة إلى مشروع جنيف؛ التفاوض حول حل سلمي.
كمية كبيرة من التطورات السياسية نتيجة لما حدث على التراب السوري، ليس فقط وقوع المذبحة الكيماوية، بل في نظري إنه أيضا نتيجة فشل بشار الأسد في كسب الحرب، رغم المجهود العسكري الهائل الداعم له الذي دام أكثر من تسعة أشهر، من روسيا وإيران وحزب الله وفصائل عراقية. كل ما حققه الأسد أنه استعاد بضع بلدات مثل القصير وما زالت معظم سوريا خارج سلطة قواته. وفي الوقت نفسه، ارتفع أداء التحالف العربي والفرنسي والبريطاني بدعم المعارضة، سياسيا وعسكريا.
نقول للمعارضة ما يقوله عادة مدربو كرة القدم: «ركزوا أعينكم على الكرة»، لأن كل ما يحدث خارج محيطها مجرد تفاصيل قد تلهي اللاعب عن الهدف الرئيس. الهدف هو إسقاط الأسد، وليس معاقبته، وقد أصبح ذلك قريبا. لهذا سيحاول الأسد إلهاء العالم بخدع كثيرة، بعد أن صار يقف على حافة الهاوية، بعد أن دفعه «الجيش الحر» وصار ممكنا إسقاطه بسلاح «الحل السلمي». المعارضة غاضبة لأنه لن يقصف تأديبيا، وهي مخطئة لأن الهدف أكبر من ذلك، فالثمن الذي يجب أن تطالب به المعارضة اليوم إبعاده، وليس إطلاق مائة صاروخ «توما هوك» فقط. فإن رضي الروس بحل الخروج فهذا يعني انتصار الثورة السورية.
المتوقع عودة طرح «الحل اليمني»، أي إخراج الأسد ورفاقه نهائيا، وتكليف المؤسسات القائمة، وتحديدا الجيش، مع قيادات المعارضة العسكرية والسياسية، بإدارة البلاد، وهذا خيار جيد ينتهي بإسقاط كل النظام تدريجيا، من دون انهيار البلاد. الخيار الأسوأ أن يهرب الأسد خلال الأشهر القليلة المقبلة، لكن يستمر القتال ويتحول إلى حروب متعددة الأقطاب؛ جيش حر، وقوى ثورية مستقلة، وتنظيمات «القاعدة»، وميليشيات طائفية مدعومة من إيران وغيرها. فالمحافظة على المؤسسات تعني المحافظة على الدولة وليس النظام، وتعني المحافظة على وحدة البلاد، وتضمن الحصول على الدعم الدولي السياسي والعسكري والقانوني.
وحتى لا تفقد المعارضة المسلحة قضيتها أثناء تفاوض القوى الكبرى في جنيف، تبقى مهمتها الرئيسة كسب الحرب ميدانيا، لأن انتصاراتها هي التي ستضطر الفرقاء للقبول بها لاعبا رئيسا، ومن خلال مكاسب الأرض تستطيع توجيه مسار الحل السياسي، زمنا وشكلا.
هل تتخلى الصين عن "سياسة عدم التدخل"؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
أظهر انضمام الصين الى روسيا الاتحادية في ممارسة حق النقض (أي "الفيتو") في مجلس الأمن حيال مشروع قرار غربي يدين وبقوة القمع القاسي جداً الذي مارسه نظام الرئيس بشار الاسد على غالبية الشعب السوري الثائرة عليه، شعوراً لديها بالحاجة إلى إحداث تغيير جوهري في سياستها الخارجية. وجعل ذلك الصينيين وباحثين آسيويين كثيرين، متابعين من قرب لهذه الدولة الكبيرة الصاعدة ببطء ولكن بثبات السلم الموصل الى مدينة الدولة العظمى، يتأكدون انها قررت التخلي عن قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الاخرى التي التزمتها طويلاً. لكنهم لا يزالون يجهلون موعد تنفيذ قرار كهذا، وإذا كانت وضعت جدولاً بالظروف والقضايا والمصالح التي تجعلها تنفذه. علماً أنهم يرجحون ان يكون الدافع لتضامنها مع الموقف الروسي في مجلس الأمن هو خشيتها ان ترتد عليها الادانة الدولية لنظام يقمع شعبه في سوريا، باعتبار انها تمارس القمع نفسه مع أقلية الأويغور المسلمة (عددها يناهز الـ100 مليون نسمة). لكنهم يكادون أن يكونوا واثقين أن النمو الاقتصادي والحاجة المتزايدة الى موارد طبيعية غير متوافرة عندها لا بد أن يدفعاها وفي وقت غير بعيد الى وضع سياسة عملانية تحفظ مصالحها الحيوية والاستراتيجية، ولا يكون مبدأ عدم التدخل المشار اليه اعلاه جزءاً منها. ومن الموارد المذكورة النفط والغاز اللذان تشكل دول عربية عدة داعمة بل متبنية لأي إدانة وأي عمل دوليين ضد نظام سوريا المصدر الأساسي لهما. وفي انتظار انتهاء السياسة المذكورة، يقول الباحثون الآسيويون المتابعون أنفسهم، اتخذت الصين مواقف عدة بيَّنت في وضوح انها بدأت تسلك تغيير سياسة عدم التدخل. فهي امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن، ولم تمارس حق النقض بوصفها عضواً دائماً في مجلس الأمن، على مشروع قرار سمح بتنفيذ حملة عسكرية جوية ضد نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عقاباً له على قمع شعبه إلى درجة الإبادة. كما دعمت قراراً آخر في المجلس المذكور فرض حظر على شحنات السلاح الى ليبيا، ونصَّ على عقوبات عدة أخرى. وانطلق الموقفان المشار اليهما من تعامل سابق جيد مع نظام القذافي أتاح للصين البدء في تنفيذ مشروعات بقيمة 18٫8 مليار دولار وتشغيل زهاء 35 ألف من مواطنيها فيها، ومن رغبة في عدم خسارة ذلك كله.
هل للشعب الصيني او لقادة الرأي العام فيه موقف من سياسة التدخل في شؤون الدول الاخرى المعمول بها او من الدعوة إلى تغييرها؟
تلقت السلطات الصينية، يجيب الباحثون الآسيويون أنفسهم، مرتين في الآونة الآخيرة (عام 2012 والعام الذي قبله) انتقادات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي لعجزها عن حماية 29 عاملاً صينياً اختطفهم ثوار سودانيون و25 آخرين اختطفهم افراد قبائل في شبه جزيرة سيناء المصرية. وركز أصحابها أن الصين كقوة عظمى عليها ان تبرز عضلاتها الاقتصادية والعسكرية لحماية مواطنيها الذين يعرّضون حياتهم للخطر في سبيل المصلحة العامة، تماماً مثلما تفعل الولايات المتحدة عندما ترسل سفنها الحربية لحماية رعاياها او لانقاذهم أو لإجلائهم تجنباً لأخطار حروب مرتقبة وعمليات ارهابية تستهدفهم. وطبعاً "محت" السلطات المذكورة الانتقادات المذكورة، علماً أن نظامها لا يسمح بالكثير منها عادة، وذلك بعدما اثارت نقاشاً شعبياً حول ايهما اكثر حماية للصين ومصالحها التخلي عن سياسة عدم التدخل أو التمسك بها. لكن ذلك كله أشعر المسؤولين الصينيين بالحاجة الى اجراء مراجعة لسياسات بلادهم حيال الشرق الأوسط وشمال افريقيا وحتى باكستان وافغانستان. والتقارير المتوافرة عن هذا الأمر تشير الى أن هؤلاء يبحثون في اقامة قواعد عسكرية في باكستان قرب الحدود مع افغانستان، وقاعدة بحرية في بلوشستان، وذلك لمواجهة المساعدات التي يتلقاها الثوار المسلمون من البلدين المذكورين، ولتأمين استمرار تدفق النفط والتبادل التجاري. ومصالحها الاقتصادية والنفطية تجعلها مهتمة ايضاً باليمن والخليج وباب المندب.
في اختصار، يشدد الباحثون الآسيويون انفسهم، على أن الصين القوة العظمى الاقتصادية الصاعدة ستصبح لاعباً عالمياً (دولياً) قادراً على حماية مصالحه بقوته العسكرية. ويعني ذلك أن عليها اتخاذ مواقف جدية وحاسمة من قضايا وأزمات دولية تؤثر على مصالحها وعدم الاكتفاء إما بالتأييد السلبي أو بالرفض السلبي، فهل تفعل؟
المغرب: خصائص الأزمة الحكومية
محمد الأشهب-الحياة اللندنية
لا تشبه الأزمة الحكومية في المغرب غيرها من الحالات. وزاد في تعقيدها أن لا أحد يرغب في استنساخ تجربة مصر أو تونس، إلى درجة أن التعايش مع الأزمة أصبح ظاهرة. وبعد مرور أزيد من أربعة أشهر على استقالة وزراء حزب الاستقلال واكتفائهم بتصريف الأعمال، دعاهم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران إلى الاستمرار في أداء مهماتهم، من دون أن يغلق الباب أمام مشاوراته المتعثرة والحليف المرتقب «تجمع الأحرار».
في كل مرة تضعف حظوظ إخراج الطبعة الثانية للحكومة يهرب رئيسها إلى التلويح بإمكان الاستمرار كحكومة أقلية. طالما أن أحزاب المعارضة تعهدت عدم إطاحة الحكومة عبر طلب سحب الثقة. والثابت في غضون ذلك أن بن كيران يرغب في تحويل الموقف إلى مصدر قوة، بخاصة لناحية فرض شروطه على «تجمع الأحرار» الذي يريد ما هو أكبر من تعديل حكومي. وردد قياديوه أنهم لا يريدون أن يكونوا بمثابة عجلة إنقاذ لإسعاف عربة الحكومة المتوقفة في منتصف الطريق. لكن «تجمع الأحرار» مثل باقي أطياف المعارضة لا يميل إلى قلب الطاولة. لأن انسحابه من المشاورات لا يعني العودة إلى المعارضة فقط، بل يعزز اتجاهاً محتملاً للضغط من أجل إسقاط الحكومة.
لدى اجتماع العاهل المغربي الملك محمد السادس مع رئيس الحكومة، كان لافتاً عدم صدور أي بيان رسمي، بل إن الخبر في حد ذاته ارتدى طابعاً موحياً. أقله أن محمد السادس نأى بنفسه بعيداً عن الدخول على خط المشاورات. كونها من صلاحيات رئيس الحكومة.
وطالما أن القصر طلب من الوزراء المستقيلين الاستمرار في تصريف الأعمال يصبح من غير المفهوم أن يعاود رئيس الحكومة الطلب نفسه الذي يعتبر تحصيل حاصل، إلا أن يكون بن كيران أراد استخدام هذا الوضع الاستثنائي ورقة ضعط لفرض شروط على «تجمع الأحرار».
مصدر الخلل في ظل هذا التجاذب أن الدستور الجديد خلا من الإشارة إلى حل وفاقي في حال انهيار الائتلاف الحكومي. فقد رهن رحيل السلطة التنفيذية، إما من طريق الاستقالة أو من خلال طلب سحب الثقة في مجلس النواب. وعلى افتراض أن هكذا خلاصات تؤدي بالضرورة إلى تنظيم انتخابات مبكرة، فإن الدستور لا يجيب عن السؤال الأهم، في حال واجهت رئيس الحكومة صعوبات في حيازة غالبية سائدة. وهو يتحدث عن التصديق الديموقراطي عبر التصويت لفائدة البرنامج الذي تعتزم الحكومة تنفيذه.
ثمة إشكالات سياسية تطرح نفسها، من قبيل ماذا يحدث في حال إصرار تجمع الأحرار على معاودة النظر في البرنامج الحكومي، هل يعاود رئيس الحكومة طلب الثقة من مجلس النواب أم يكتفي باعتبار انضمام حزب جديد مجرد تعيين حكومي لا يطاول جوهر الالتزامات الحكومية. ومثل هذا الوضع يجعل «تجمع الأحرار» في وضع حرج، بخاصة إن صوّت ضد البرنامج الحكومي الذي يسري مفعوله الآن، فكيف يحسم في التناقض الحاصل؟
أكبر من أزمة حكومية يمكن احتواؤها عبر ترميم أركانها، تميل الأوضاع في المغرب إلى التأثر بالمعطيات الإقليمية، ذلك أن حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي التوجه، كان ينظر إلى استئثار تيارات إسلامية بالحكم في بعض بلدان ما يعرف بالربيع العربي. إنه دعم غير مباشر لتوجهاته. وعلى رغم أنه أقر مسافة أبعد حيال قربه إلى «الإخوان المسلمين» في مصر، فإن خصومه لا ينظرون إلى الأمر من الزاوية نفسها. وربما كان الفارق أنه يسائلون حكومة بن كيران على أدائها السياسي والاقتصادي، وليس المرجعية الدينية.
لا يعني المأزق الذي تردت نحو مشاورات تشكيل الحكومة. سوى أن الأطراف كلها في الموالاة والمعارضة انضبطت لقاعدة المرجعية الدستورية. وفي حال ظهر جديد فإن بن كيران سيسارع الخطى في اتجاه الانفتاح أكثر على شريكه المحتمل. كما يمكن أن يتجاهل الوضع، إمعاناً منه في إحراج خصومه على إطاحة حكومته قبل انتهاء ولايتها. لكن ما من طرف يريد أن يذهب نحو هذه المغامرة. لكن من دون استبعادها نهائياً، من منطلق أن انتخابات العام 2011 لن تستنسخ بكل حرفياتها، فقد جرت مياه كثيرة تحت جسور بلدان الربيع العربي، والمغرب لا زال يراهن على أنه كان استثناء.