Haneen
2013-12-08, 01:15 PM
اقلام عربي 526
21/10/2013
في هذا الملــــف:
الدور الفلسطيني في إطلاق المختطفين
هيثم زعيتر-اللواء اللبنانية
«حماس» في النفق
غسان شربل-الحياة اللندنية
ما على "حماس" أن تجيب عنه
عبد الاله بلقزيز- الخليج الإماراتية
في بيتنا ليبرمان!
صبحي حديدي- القدس العربي
يهود "إسرائيل" وتحديات الهجرة المعاكسة
مأمون الحسيني- الخليج الإماراتية
السعودية المتحفِّظة تفاجئ العالم بغضبها؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
الثورة تتحول إلى حرب أهلية
طاهر العدوان-الرأي الأردنية
الدور الفلسطيني في إطلاق المختطفين
هيثم زعيتر-اللواء اللبنانية
أفضت الاتصالات التي بُذلت على أكثر من صعيد، إلى خواتيم سعيدة لقضية المخطوفين اللبنانيين التسعة في بلدة أعزاز السورية بعد 17 شهراً على احتجازهم. وتمحورت الاتصالات التي أدت إلى الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين التسعة والطيارين التركيين وعدداً من النساء السوريات، لتشمل: لبنان، سوريا، تركيا، قطر وفلسطين.
وبعد انتهاء الأزمة، بات ضرورياً الإضاءة على جانب من الاتصالات التي أدت إلى خواتيم إيجابية للقضية، التي اضطلع بالدور الرئيسي فيها المدير العام للأمن العام اللواء الركن عباس إبراهيم، ومحور هذه الاتصالات الجانب الفلسطيني، بمتابعة شخصية من رئيس دولة فلسطين محمود عباس، حيث كان هذا الدور موضع إشادة وتقدير من القيادات اللبنانية.
وأكدت مصادر مطلعة على قضية المخطوفين لـ «اللـواء» أن الرئيس «أبو مازن» بذل جهوداً بصمت من أجل إنهاء هذه المأساة منذ لحظة اختطاف اللبنانيين على أيدي مسلحين في بلدة أعزاز السورية، حيث كلف عدداً من القيادات الفلسطينية الاتصال بأطراف عدة بعيداً عن «الضوضاء الإعلامية».
ونشطت الدبلوماسية الفلسطينية في رام الله وبيروت وأنقرة ودمشق بالتواصل مع المعنيين، بما في ذلك الخاطفين، حيث كادت أن تتوج هذه الاتصالات بخواتيم سعيدة بعد فترة قصيرة من الاختطاف، لكن الخاطفين كانوا يغيرون طلباتهم باستمرار مما عقد الأمور. وبعد تذليل عقبات عدة، تم الاتفاق مع الجانب التركي، لكن لم يلتزم الخاطفون بذلك، حيث تأزم ذلك أيضاً مع سلسلة من التطورات أدت إلى تأجيل الموضوع.
وكشفت مصادر لـ «اللواء» أنه منذ أسابيع عدة، بدأت تتوافر بوادر إيجابية للطرف الفلسطيني عن إمكانية تحقيق النتيجة المرجوة بإنهاء هذا الملف وتداعياته، فقام سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وسفير دولة فلسطين في أنقرة نبيل معروف، وبتوجيهات ومتابعة من الرئيس «أبو مازن»، بتشكيل خلية عمل دائمة تولت التواصل مع اللواء إبراهيم - المكلف بمتابعة القضية لبنانياً - ومع الخاطفين. وبعد حصول الطرف الفلسطيني على معلومات من الطرفين بإمكانية حلحلة الأمور، جرى عقد اجتماعات واتصالات مكثفة بين اللواء إبراهيم والسفير دبور في لبنان، فيما نقل السفير معروف المعلومات إلى الجانبين التركي والقطري، على اعتبار أنهما مكلفين مع «هيئة علماء المسلمين» من قبل الخاطفين بحل القضية.
وأشارت المصادر إلى انه عندما توافرت معلومات جديدة لدى الجانب القطري، قام بدعوة السفير الفلسطيني في تركيا معروف إلى الدوحة - التي شهدت تغييراً في قيادتها بتسلم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سدة الحكم - والتقى السفير معروف بوزير الخارجية القطري خالد العطية، وقدم له المعلومات المتوافرة لديه، حيث وجد في ذلك إمكانية لعقد صفقة للإفراج عن المختطفين اللبنانيين التسعة والطيارين التركيين وعدد من النساء السوريات المحتجزات في سوريا.
وإزاء هذه المعطيات الإيجابية حرك الوزير العطية طواقم العمل، التي عملت على مدى حوالي أسبوعين مما أدى إلى الإفراج عن المختطفين.
وقد سجلت الدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس «أبو مازن» انتصاراً جديداً، حيث أولى الرئيس الفلسطيني هذه القضية اهتمامه، بالرغم من كثافة الملفات المتشعبة التي تعيشها القضية الفلسطينية، لأن من عانى أبناء شعبه ظلم الاعتقال، يعرف معنى الاحتجاز وعذاباته وحرمان العائلات من أبنائها. وأكد الرئيس «أبو مازن» لـ «اللـواء» «أن هذه الخطوة والمساعي، هي مناسبة لنرد الجميل للبنان، الذي قدم الكثير للقضية الفلسطينية، فاحتضن أبناء فلسطين وقدم قوافل الشهداء دفاعاً عنها».
وكشفت المصادر أن اللحظات التي سبقت عملية إنجاز إطلاق المخطوفين اللبنانيين كادت أن تتعرقل مجدداً، مما دفع بالرئيس «أبو مازن» - أثناء زيارته ألمانيا - إلى الاتصال بقنوات لها تأثيرها على النظام في سوريا، ما سهل إطلاق عدد من الموقوفات بقضايا جنائية، وهو ما أدى إلى إطلاق سراح المختطفين اللبنانيين في أعزاز.
وأضافت المصادر: ان الرئيس عباس تابع قضية الإفراج عن المختطفين عبر اتصالات مع الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، والسفيرين الفلسطينيين دبور ومعروف. وقد هنأ الرئيس عباس، الرئيس سليمان في اتصال هاتفي أجراه معه بالإفراج عن المختطفين اللبنانيين.
وشكر الرئيس اللبناني، الرئيس «أبو مازن» على الجهود الفلسطينية في الإفراج عن المختطفين. كما أجرى الرئيس «أبو مازن» اتصالاً بالرئيس بري هنأه فيه بانتهاء قضية المختطفين والإفراج عنهم، حيث شكره رئيس مجلس النواب اللبناني على الجهود الفلسطينية. وتلقى الرئيس عباس اتصالاً هاتفياً من اللواء إبراهيم شكره فيه على جهوده في إنهاء مأساة المختطفين اللبنانيين، كما تلقى الرئيس الفلسطيني اتصالاً هاتفياً من نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ عبد الأمير قبلان، شكره فيه على جهوده لإطلاق سراح المختطفين اللبنانيين في سوريا.
«حماس» في النفق
غسان شربل-الحياة اللندنية
حفرت «حماس» أنفاقاً كثيرة. لخرق الحصار. واستقدام السلع والسلاح. تحولت الأنفاق رئة للتنفس ووسيلة للالتفاف. تحولت صناعة مميزة وتجارة رائجة. ومرت في الأنفاق أشياء كثيرة وأوهام كثيرة. وفجأة طوت مصر صفحة «الإخوان». لم يعد باستطاعة خالد مشعل زيارة محمد مرسي في قصر الاتحادية بعد السلام على المرشد محمد بديع. أصدقاء مشعل يقيمون في السجن ولم تعد زيارته مصر واردة. مصر السيسي اتهمت «حماس» بالمشاركة في دفع مصر إلى نفق «الإخوان». أغلقت الأنفاق التي لم يجرؤ حسني مبارك على إغلاقها. استيقظت «حماس» ووجدت نفسها في النفق. خسرت القاهرة بعدما خسرت دمشق. وطهران بعيدة والعودة إلى الالتصاق بها مكلفة في المشهد الحالي للعلاقات السنية - الشيعية.
كانت «حماس» تقيم هانئة في محور الممانعة. وكان موقعها مميزاً. إنها الحلقة السنية الوحيدة في المحور. قيادتها في الخارج تقيم في دمشق وتحظى بتسهيلات. وعلاقتها بـ «حزب الله» توفر لها حرية الحركة في لبنان ومخيماته. وكانت ايران سخية مع الحركة. لم تبخل عليها بالمال أو الصواريخ. وكان المجال الحيوي الأساسي لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل يشمل دمشق وطهران والدوحة مع إطلالات محدودة في عواصم أخرى وفقاً لاتجاهات الرياح.
عزّزت «حماس» شرعيتها في القطاع عندما واجهت الحرب الإسرائيلية عليه. كررت ما فعله «حزب الله» في لبنان عام 2006 حين أدخل الصواريخ الإيرانية في معادلة النزاع مع إسرائيل. «حماس» حققت شيئاً إضافياً. الغارات الإسرائيلية أيقظت ميول رجب طيب أردوغان «الإخوانية» ففكر في كسر الحصار على القطاع وكان ما كان من أزمة عميقة بين تل أبيب والقطاع.
لم يكن سراً أن الود كان مفقوداً مع مصر مبارك. كان الرئيس المصري يقول لزواره إن علاقات القيادة السورية بإيران أعمق مما يعتقد كثيرون. وكان يتعامل مع «حماس» بوصفها جزءاً من المحور الذي استنزف هالة ياسر عرفات ويستنزف حالياً موقع محمود عباس. ولم يكن غريباً أن تصاب «حماس» بـ «عقدة مصر» وحكم الجغرافيا هنا مبرم ولا يمكن رده.
قرأت «حماس» بدايات «الربيع العربي» بعينين ممانعتين و»إخوانيتين». ابتهجت برؤية زين العابدين بن علي يتوارى ليبدأ في تونس زمن الغنوشي. وابتهجت برؤية مبارك يتنحى وبرؤية المرشد المصري و»إخوانه» يطلّون في الميادين ثم يتسلمون الأختام. وثمة من ذهب بعيداً وتوقع أن تلعب «حماس» دوراً في شرق أوسط جديد يقيم بين مرشدَين الأول في طهران والثاني في القاهرة. دمشق أيضاً قرأت الأحداث التونسية والمصرية بعينين ممانعتين قبل أن يتكشف أن الربيع مثقل برياح «الأخونة» لا الممانعة. خيل لدمشق أن الممانعة بوليصة تأمين ضد اقتراب الربيع منها. وربما شاركتها قيادة «حماس» الاعتقاد. لكن الرياح لفحت سورية.
راقب مشعل المشهد السوري. وراقبت السلطات السورية رد فعل «حماس». ولم يكن سراً أن الأرياف التي انتفضت سنية. وأن لـ «إخوان» سورية حساباً قديماً مع النظام. وحين سال الدم لمنع المحتجّين من التحصن في «ميدان تحرير» يشبه نظيره في مصر أو العثور على بنغازي سورية ازدادت حراجة الموقف. دخلت عناصر جديدة على الأزمة. موقف الشيخ القرضاوي وترويج قطر للربيع. نصح مشعل المسؤولين السوريين بضرورة البحث عن حل سياسي «لأن المشكلة ليست أمنية». أجرى اتصالات وقام بشبه وساطات. لكن الوضع تفاقم. كانت دمشق تريد من «حماس» موقفاً أوضح لا سيما من حملات القرضاوي عليها. استنتج مشعل أن المغادرة صارت أفضل من البقاء وأقل كلفة وهكذا فعل. أكتب استناداً إلى ما رواه لي في عمان وقد حرص على التشديد مرات أنه لا ينسى ما قدمته سورية للمقاومة و»حماس». وكادت المغادرة أن تؤدي إلى قطيعة بين «حماس» وإيران لولا تدخل السيد حسن نصرالله الذي يدرك الحاجة إلى «حماس» في منطقة تنزلق نحو نزاع سني - شيعي مدمر.
تقيم «حماس» حالياً في النفق. الرئيس السوري يتهمها بـ «الخيانة والغدر». والنظام المصري الحالي يتهمها بلعب أدوار أمنية خطرة على الأرض المصرية. ولم يعد سراً. دمشق الحالية تفضّل محمود عباس الذي كانت تكلف «حماس» و«الجهاد» بعرقلته. والقاهرة الحالية تفضله. ومثلهما عمان. رجل واحد يستطيع مساعدة «حماس» على الخروج من النفق. اسم هذا الرجل محمود عباس. لكن هذه المساعدة ليست مجانية ويتحتم على «حماس» دفع ثمنها. خُطب إسماعيل هنية لا تكفي للخروج من النفق ولا تساعد. تحتاج «حماس» إلى ما هو أكثر.
ما على "حماس" أن تجيب عنه
عبد الاله بلقزيز- الخليج الإماراتية
برر موسى أبو مرزوق رفع خالد مشعل “علم” المعارضة السورية بالقول إن ذلك حصل بالخطأ، أي من دون علم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بأن الأمر يتعلق ب “علم” المعارضة، تبرير عجيب غريب في وسع أي تلميذ صغير السن، ومبتدئ الفهم أن يفنذه، سياسي بحجم خالد مشعل، مقيم في دمشق لسنوات عدة، يلتبس عليه أمر العلم الرسمي للدولة فيرفع غيره، وهل علم الدولة السورية مجهول، أو صعب التمييز، إلى حد اشتباه أمره على زعيم حركة سياسية كانت متحالفة، إلى عهد قريب، مع نظام تلك الدولة التي ترفرف أعلامها في كل الانحاء، حتى على مرأى من مكتب مشعل في دمشق؟
بعيداً عن مجادلة تبرير ضعيف الحجة، نصارح قادة “حماس” بأنهم لم يعثروا على المدخل المناسب لمراجعة مواقفهم، التي اتخذوها في الثلاثين شهراً السابقة، وجرت عليهم عواصف من النقد والاعتراض، فلا خطاب خالد مشعل، في اجتماع مؤسسة القدس في بيروت، اختار المفردات المناسبة لتصحيح تلك المواقف، أو تحلى بالقليل من الشجاعة الأدبية للاعتراف بأن رهانات قيادة “الحركة” لم تكن سليمة تماماً، ولا حديث موسى أبو مرزوق لإحدى المحطات الفضائية العربية، عشية عيد الأضحى، كان موفقاً في طمأنة المعترضين على سياسات حركته بأن عهداً من المراجعة سيبدأ . أما الهروب من هذا الواجب السياسي إلى ترديد خطاب المقاومة فقليل الفائدة والحيلة، لأن أكثر الناس يعرف أن مقاومة قادة “حماس” معطلة بقوة مفعول اتفاق الهدنة المبرم بينها والكيان الصهيوني، بضمانة محمد مرسي، وأن خطاب المقاومة - الذي تتردد مفرداته على ألسنة قادة الحركة - إنما هو مصروف لأداء وظائف أخرى في نطاق المضاربات السياسية والايديولوجية التي تزدحم بها الحياة الفلسطينية الداخلية .
على “حماس” أن لا تستهين بأخطائها، قديمها والجديد، وأن لا تستصغر شأن من يعارضون نهجها اليوم بعد إذ كانوا لها سنداً أو حليفاً، وأن لا تستسهل النظر إلى اعتراضاتهم وتستخف بها، أو تستخف في الرد عليها، كما أن عليها أن لا تستهين بما سوف ينجم عن تلك الأخطاء من نتائج بالغة السلبية، بل شديدة السوء، على أوضاعها، وعلى مكانتها في الحركة الوطنية الفلسطينية، ومستقبلها السياسي، فقد يغرمها ذلك الاستصغار والاستخفاف كثيراً، ولن يفيدها في الخروج من نفقها اصطفافاتها الايديولوجية في الإقليم والعالم . سيكون عليها أن تمتلك القدر الضروري من الشجاعة لتجيب عن أسئلة مأزقها الراهن، وتقدم على مراجعة خياراتها السياسية إقداماً صادقاً قبل فوات الأوان، وأول ما سيكون عليها أن تراجعه موقفها من حال الانقسام الحادة في المجتمع الوطني الفلسطيني ومؤسساته، وازدواجية شخصيتها (مقاومة/سلطة)، وغلبة المنزع العقائدي على مشروعها السياسي، وتضخم نزعة احتكار التمثيل السياسي الوطني عندها . إن هذه المراجعة - التي أخطأتها في الماضي - تفرض نفسها عليها، اليوم، أكثر مما كان في السابق بسبب ما جرى - ويجري - من متغيرات متسارعة .
إن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي بيئتها الوحيدة النظيفة التي يمكن أن تعيش فيها، وأن يتوسع مشروعها فيها ويحاط بحزام أمان . غير ذلك سيتحول قطاع غزة إلى “غيتو” تختنق فيه الحركة - بعد اختناق الشعب - وتفقد القدرة على الإمساك بأوضاعها، وخاصة بعد أن اشتد الطوق عليها نتيجة الكمية الهائلة من الأخطاء المجانية التي أوقعتها فيها سياساتها الايديولوجية غير المحسوبة . وطريق الوحدة الوطنية مفتوحة أمام “حماس” لم يغلقها عليها أحد، لا “فتح” ولا فصائل منظمة التحرير . وآلياتها واتفاقاتها مكتوبة منذ زمن “اتفاقا القاهرة الأول والثاني، “اتفاق صنعاء”، “اتفاق مكة” . . .)، ولا تحتاج إلى أكثر من إرادة التوقيع، حتى ينطلق مسار الخروج من حال الانقسام التي قصمت ظهر الوطن . ولن تجد “حماس” في محيطها العربي من سيعرقل مسعاها في سبيل الوحدة الوطنية، وإن اختلف معها (مع “حماس”) المختلفون، فوحدة الشعب الفلسطيني ليست مطلباً وطنياً فحسب، بل مطلب عربي أيضاً، شعبي ابتداء ورسمي تالياً .
ليس هذا وحده ما على “حماس” أن تكب عليه، في سياق المراجعات المطلوبة منها، بل سيكون عليها أن تلتفت إلى محيطها العربي، الذي هو حاضنتها الأولى والأخيرة، وإلى ما تعانيه علاقاتها به من اضطراب وسوء، فتفكر في الأسباب التي أخذتها إلى أسوأ العلاقات بذلك المحيط، وإلى فقدانه الثقة بها إلى هذا الحد الذي نراه في هذه الأيام . ولسنا نعني بهذا المحيط الحكومات والنظم العربية حصراً، وإنما نعني به قوى الرأي العام من أحزاب، ومنظمات شعبية، ونخب ثقافية وإعلامية . . أيضاً، فهذه - بدورها - لم تعد ترى في “حماس” وتقلباتها السياسية، وتحالفاتها الجديدة، ما كانت تراه سابقاً: قبل سنوات ثلاث .
على قيادة “حماس” أن تسأل نفسها، بصدق، الأسئلة التي لا مهرب لها من مواجهتها بشجاعة: لماذا انهارت علاقاتها بسوريا: حاضنتها السياسية والعسكرية الوحيدة في المنطقة؟ لماذا ساءت، إلى الحد الأقصى، مع مصر: مركز القرار العربي والرئة الوحيدة التي تتنفس منها غزة؟ ولماذا تأزمت علاقاتها بالسعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد وفرتا لها غطاء خليجياً، وساندتاها في مواجهة العدوان الصهيوني؟ ولماذا ينتقدها جيش عرمرم من المثقفين والصحفيين المعروفين، تاريخياً، بدعمهم لخيارالمقاومة، وبعضهم ملاحق في بلده بهذه “التهمة” الشريفة؟ هل جميع هذه الدول والقوى على خطأ فيما “حماس” وحدها على صواب؟ وماذا لو أن قطاع غزة، لا سمح الله، تعرض للعدوان أو للغزو: كيف ستواجه “حماس” الموقف وقد خسرت الحاضنة السورية وقوى الإسناد الرسمي والشعبي في مصر والسعودية والإمارات؟ ممن سينفعها، عندئذ، من القوى التي راهنت عليها على حساب محيطها الطبيعي؟ ثم هل من المشروع لدى حركة مقاومة أن تستعيض عن مرجعيتها الوطنية والعربية بمرجعية ايديولوجية ذات جدول أعمال مختلف؟
أسئلة كثيرة تنتظر “حماس” عند مفترق الطريق .
في بيتنا ليبرمان!
صبحي حديدي- القدس العربي
من قلب مستوطنة إسرائيلية في الجولان السوري المحتل، ولأنّ مناخ الانتخابات البلدية يقتضي قسطاً من التشويق الدرامي، كُشف النقاب عن فصل جديد في المسلسل، العتيق، الخاصّ بجولات التفاوض السرّية بين النظام السوري وإسرائيل. صاحب الكشف الأحدث كان أفيغادور ليبرمان، زعيم حزب ‘إسرائيل بيتنا’، وزير الخارجية السابق، ونائب رئيس الوزراء حتى أواخر 2012، تاريخ اضطراره إلى الاستقالة بسبب قضايا فساد وإساءة ثقة. وأمّا الكشف فهو أنّ النظام السوري كان على وشك توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بوساطة أمريكية مباشرة (تولاها الدبلوماسي الأمريكي المخضرم فردريك هوف، الذي تواصل مع بشار الأسد مباشرة)؛ وتحمّس لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وشاركه الحماس إيهود باراك وزير الدفاع آنذاك، واعترض عليها ليبرمان نفسه (ولهذا يفضح أسرارها اليوم!).
عنصران لافتان يتقاطعان في هذه الحكاية، رغم أنهما يتكاملان تماماً في تعزيز السمات الكلاسيكية لسلوك النظام السوري إزاء ملفّ التفاوض السرّي مع إسرائيل، سواء في عهد الأسد الابن، أو على امتداد ثلاثة عقود من حكم أبيه: أنّ الجهة الوسيطة لم تكن واحدة، أمريكية في هذه الحال، بل متعددة (تركيا بصفة خاصة)؛ وأنّ الخطاب الرسمي للنظام، أسوة بخطابات حلفائه وأنصاره في ‘محور الممانعة’، كان يواصل الضجيج والعجيج حول ‘الصمود’ و’التصدّي’ و’المقاومة’… إلى هذَيْن العنصرَيْن، فضح ليبرمان عنصراً ثالثاً لعله الأكثر دراماتيكية: أنّ انتفاضات ‘الربيع العربي’ عموماً، والانتفاضة السورية خصوصاً، هي التي أربكت مشروع الوساطة الأمريكية، قبل أن تتسبب في وأده تماماً، وإغلاقه: ليس إلى إشعار آخر، بل إلى أجل طويل غير مسمّى، لأنّ أيّ أجل صار مرتبطاً بمصير النظام السوري ذاته.
لم يكن مدهشاً، والحال هذه، أن تشهد الأسابيع الأولى من الانتفاضة السورية تلك التذكرة الصريحة من رامي مخلوف، ابن خال الأسد، وتمساح المال والأعمال، وصيرفي النظام: أنّ الارتباط وثيق بين أمن ‘الحركة التصحيحية’ وأمن إسرائيل؛ وأنه هكذا كان على الدوام، في المنعطفات الكبرى والصغرى، وهكذا يتوجب أن يظلّ اليوم تحديداً، حين تصبح منجاة النظام على المحك. وقبلها في مناسبة ذات مغزى، أجرى ماهر الأسد، العمود الثاني في البيت الأسدي، مفاوضات سرّية مع إيتان بن تسور، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية؛ في العاصمة الأردنية عمّان، أواسط 2003. وكان اختيار الشقيق لهذه المهمة غريباً من حيث الشكل، بالنظر إلى أنّ خبرته في السياسة، فكيف بالتفاوض الشاقّ المعقد، ليست ضعيفة فحسب، بل محدودة تماماً، وأقرب إلى الدرجة صفر. أمّا من حيث المحتوى فقد كان اختياره يقول ببساطة: نحن نتفاوض على بيت السلطة أوّلاً، وعلى نظامها ثانياً؛ وليست سورية، الدولة أو الجيش أو حزب البعث… إلا عناصر ديكور، مكمِّلة في أفضل تقدير!
مناسبة أخرى، ذات سمة دراماتيكية بدورها، وقعت أواخر العام 1999، في حياة الأسد الأب، حين كانت أكثر من نار هادئة، في واشنطن ودمشق والقدس المحتلة، تطبخ المسوّدات والخرائط الضرورية، قبيل التوصّل إلى اتفاقية سلام بين إسرائيل والنظام السوري. آنذاك نشرت صحيفة ‘هآرتس′ الإسرائيلية خبراً لافتاً، سرعان ما أكدته صحف عربية نقلاً عن ‘مصادر سورية مسؤولة’، حول ترتيبات كان يتولّى أمرها عبد الوهاب الدراوشة، عضو الكنيست آنذاك، لعقد ‘قمّة روحية’ استثنائية في دمشق. لائحة ضيوف تلك القمّة ضمّت مفتي سورية، الشيخ أحمد كفتارو؛ ويسرائيل لاو، كبير حاخامات إسرائيل؛ والحاخامات إلياهو بكشي، عوفاديا يوسف (الزعيم التاريخي لحركة ‘شاس′) ويوسف جيجاتي (حاخام اليهود السوريين). وكان مطلوباً من القمّة أن تكسر، على الجانبين السوري والإسرائيلي في الواقع، طبقة أولى من الجليد النفسي، السميك والصلب والعتيق، الذي كان لا بدّ من كسر طبقاته واحدة تلو الأخرى، قبل الشروع في التطبيع.
أقدار تلك القمة حسمتها وقائع متلاحقة، بينها التحضيرات لقمّة أخرى أهمّ، في جنيف، بين الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون والأسد الأب؛ ثمّ ما أسفرت عنه من فشل ذريع قاد الأسد إلى اليقين بأنّ التفرّغ لترتيبات توريث نجله بشار، بات أكثر إلحاحاً من إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل. بيد أنّ لقاءً مشهوداً، و’تاريخياً حسب توصيف الصحافة الإسرائيلية، سوف يستوحي مشروع القمّة الروحية تلك، ويجمع مفتي النظام السوري أحمد بدر الدين حسون، والحاخام الأكبر للجالية اليهودية في النرويج يوئاف ملكيئور؛ سعياً، هنا أيضاً، وبضوء أخضر من الأسد الابن هذه المرّة، إلى اختبار إمكانية كسر الجليد جديد. ذلك لأنّ اللقاء لم يكن روحياً فحسب، كما حرص حسون على التأكيد، بل تضمّن طلب الحاخام من المفتي أن يبذل مساعيه الحميدة نقل رفاة الجاسوس الإسرائيلي الشهير ايلي كوهين إلى إسرائيل. وذاك طلب سياسي بامتياز، خاصة إذا تأمّل المرء ردّ المفتي على الحاخام: سوف يصبح الطلب واقعياً، بعد تحقيق السلام بين البلدين!
ويبقى أنّ ليبرمان، زعيم ‘إسرائيل بيتنا’، هو الصهيوني الأحدث الذي يذكّر ـ مَنْ تنفعه الذكرى، أوّلاً ـ بأنّ بيت النظام السوري ليس أقلّ من باحة خلفية للبيت الإسرائيلي؛ وأسباب بقائه، أو بالأحرى استمرار وجوده في صيغة الاستبداد والفساد والنهب والحكم العائلي، مرهونة بما يقدّم من خدمات لأمن إسرائيل.
يهود "إسرائيل" وتحديات الهجرة المعاكسة
مأمون الحسيني- الخليج الإماراتية
لم يحل السجال المحتدم الذي ترتفع نبرته باطراد في الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية الصهيونية، على إيقاع مواقف وتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حيال ما يسميه “الخديعة” التي يسوقها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، و”المخاطر” التي يمكن أن تترتب على تقارب طهران مع عواصم الغرب، ولاسيما واشنطن التي يبدو أنها بصدد “الانقلاب” على سياستها التقليدية المتعلقة بملف إيران النووي، وربما العديد من الملفات الأخرى في الشرق الأوسط، لم يحل دون انفجار سجال آخر له صلة بإحدى أهم الركائز التي حملت المشروع الصهيوني منذ انطلاقته السياسية في العام ،1897 وزودته بالأوكسجين الضروري للتحقق على أرض الواقع في العام ،1948 والاستمرار في الحياة حتى وقتنا الحاضر . والمقصود هنا، قضية الهجرة اليهودية التي باتت تأخذ منحى معاكساً في السنوات الأخيرة، وبخاصة بين أصحاب الكفاءات من الشبان الذين ضاقوا ذرعا بتداعيات الأزمة الاقتصادية المستدامة، وخاب أملهم في إمكانية الوصول إلى بر الأمن والاستقرار والسلام .
وعلى رغم أن هذا النمط من السجال ليس الأول من نوعه في كيان الاحتلال الذي شهد موجات مد وجزر على صعيد الهجرة إلى ومن فلسطين المحتلة، خلال العقود الماضية، غير أن ما يدور اليوم يبدو مثقلاً بالهواجس والتحديات والمخاطر المختلفة عن كل ما سبق . والأمر هنا يتجاوز المعطيات الرقمية التي تشير إلى أن من يغادر فلسطين المحتلة سنوياً، لفترات طويلة، هو حوالي 22 ألف شخص، في حين يعود إليها نحو 11 إلى 12 ألف شخص، بعد غياب سنوات، وهو ما بدا جلياً في سجل أصحاب حق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية التي جرت في كانون الثاني/ يناير الماضي حيث تبيَن أن نحو 620 ألف شخص، أي حوالي 11% من أصحاب حق الاقتراع، هم في تعداد المهاجرين . الأمر يتجاوز هذا المعطى الرقمي إلى رزمة من المستجدات المتعلقة بهذه القضية الحيوية للدولة العبرية، والتي تحرك مكامن القلق في أوصال التجمع الصهيوني اليهودي .
ويبدو أن الأبرز في هذه المستجدات، ذات الطابع النوعي، والتي تترجمها حقيقة إصرار اليهود في العالم الذين يتمتع نحو 90% منهم بمستوى معيشة أعلى من المتاح في “إسرائيل”، على البقاء في بلدانهم الأصلية، مع حدوث تبدل جوهري على وظيفة “الوكالة اليهودية” المعنية اليوم بتوجيه مبعوثيها للعمل في التعليم في أماكن تواجد اليهود خارج فلسطين المحتلة، لا يتعلق فقط برغبة أجيال الشباب اليهودي، المتصل بالواقع العولمي والممتلك لناصية لغته، في مغادرة مربع الخوف الوجودي الذي ترسمه التطورات السياسية والميدانية الوازنة في المنطقة، أو حلمه في إحداث قطيعة مع الواقع الاقتصادي في الدولة العبرية الذي تتعمق فيه الهوة الطبقية باستمرار، وإنما يتصل كذلك بنضوب المادة البشرية “اليهودية” القابلة للاستجلاب إلى “أرض اللبن والعسل”، بعد الهجرة الكبرى من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق أوائل تسعينات القرن الماضي، لاسيما أن أبناء الديانة اليهودية هم الوحيدون الذين تتقلص أعدادهم باطراد بسبب الزواج المختلط (58% من يهود أمريكا يتزوجون زواجاً مختلطاً) والخلاف التاريخي على تعريف “اليهودي”، وميل الأجيال الشابة إلى الاندماج في مجتمعاتهم من دون إيلاء أدنى اهتمام بالأيديولوجيا أو ما يسمونه في الكيان “الحلم الصهيوني”، وهو ما يفسر استجلاب الفلاشا إلى الكيان من إفريقيا قبل سنوات، ومحاولة تهجير مجموعة من الهنود الحمر الذين يقطنون على ضفاف الأمازون، في المقطع الذي يخترق جمهورية بيرو في أمريكا اللاتينية، بزعم أنهم “جزء من جالية يهودية “فريدة” يعود أصلها إلى أواخر القرن التاسع عشر” .
بناء على ما سبق، وتحت وطأة هرولة الكفاءات واللامعين في العلوم والتكنولوجيا ورجال الأعمال نحو مغادرة الكيان، وتوجه أغلبيتهم إلى ألمانيا التي تعتبر الأكثر ازدهاراً في أوروبا، في مفارقة تعبر عن السخرية من المبالغة في دور الهولوكوست (المحرقة) والنازية في إقامة دولة “إسرائيل”، يرتفع منسوب الخشية الصهيونية من احتمال حدوث هجرة معاكسة لليهود الروس في حال وصول الاقتصاد الروسي إلى المستوى اللائق، وما يمكن أن يجره ذلك من خلل في ميزان الديمغرافيا بين الفلسطينيين واليهود، وخاصة في ظل تزايد المؤشرات على جنوح قطاعات واسعة من يهود الكيان نحو التفكير في الهجرة . وحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة “هآرتس” أوائل أغسطس/آب الماضي، فإن 37% من “الإسرائيليين” يفكرون في الهجرة والعيش في دول أخرى، فيما اظهر استطلاع آخر بأن 78% من العائلات “الإسرائيلية” تدعم سفر أبنائها إلى الخارج، محملة الحكومة أسباب ذلك .
ومع ذلك، وبالتضاد مع كل الحقائق التي يكشفها واقع تفاقم الهجرة المعاكسة التي يعتبرها القادة الصهاينة “اخطر من التهديد الإيراني وحزب الله” على الدولة العبرية، سواء ما تعلق منها بزيف المزاعم الصهيونية حول ارتباط اليهود بما يسمونه “أرض الميعاد”، واغتراب أغلبية الشبيبة اليهودية عن “إسرائيل” والأطر اليهودية والصهيونية، وانتفاء الحاجة إلى سرقة المزيد من الأرض الفلسطينية، تواصل حكومة نتنياهو تصعيد أعمال الاستيطان التي ازدادت بنسبة 70% في النصف الأول من هذا العام بالمقارنة مع العام الماضي، حسب تقرير منظمة “السلام الآن”، تحت عباءة ذات المزاعم والأكاذيب المتعلقة ب “حق الشعب اليهودي في البناء على أرضه التاريخية”، و الاستجابة للنمو السكاني الذي يجري تضخيمه، وفقاً للاعتبارات الأيديولوجية والسياسية والمالية التي تتناسب ومصالح وتوجهات أصحاب رأس المال وقوى الائتلاف الحاكم .
السعودية المتحفِّظة تفاجئ العالم بغضبها؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
لم يفاجئ غضب المملكة العربية السعودية على روسيا العالم. فالأخيرة لم تقصّر في دعم نظام الأسد لمواجهته وبكل الوسائل الثورة الشعبية العارمة عليه منذ منتصف آذار 2011. وعمّق ذلك التنسيق السياسي الذي كان قائماً بين موسكو وطهران ووسَّعه. فضلاً أن روسيا تعاملت مع "المبادرة السعودية" التي توجه بها اليها الأمير بندر بن سلطان المسؤول الأول عن الأمن القومي في البلاد باستخفاف ظهر في تفاصيلها التي سرَّبتها إلى وسائل الإعلام.
ولم يفاجئ غضب المملكة العربية السعودية على أميركا قسماً كبيراً من العالم رغم أن انكشافه الرسمي للرأي العام والمجتمع الدولي لم يحصل الا أخيراً. ذلك أن قادتها حرصوا دوماً على عدم التعرّض للدولة الأعظم علانية لاعتبارين أساسيين، أولهما التحالف الوثيق القائم بينهما منذ تأسيس الدولة السعودية الذي رسَّخته المصالح المشتركة وخصوصاً بعد اكتشاف النفط فيها وتحولها دولة مهمة لتأمين استمرار تدفّقه، أو للتحكم باسعاره، أو للحؤول دون تحوله وسيلة أو أداة في الصراعات السياسية الكبيرة إقليمية أو دولية. وثانيهما مظلة الحماية التي فتحتها أميركا دائماً فوق المملكة، والتي صارت حاجة ماسة لها في العقود الأخيرة، أولاً بسبب تهوّر عراق صدام حسين وطموحاته السعودية من وراء احتلال الكويت، وثانياً بسبب التهديد الذي شكّله لها النظام الإسلامي في إيران منذ تأسيسه عام 1979، أو بالأحرى للعائلة الحاكمة فيها ولاحقاً للخليج العربي الذي تتزعمه ثم للعالم العربي وللسنة العرب عموماً. وهو تهديد صار بالغ الجدية في السنوات الأخيرة. لكن الحرص المشار اليه تبدَّد عندما بدأت الهواجس والمخاوف وربما الشكوك تنتاب كبار المملكة وتحديداً بعد "الانتصارات"، وإن المحدودة والجزئية، التي بدأ أخصامها أو أعداؤها من عرب وعجم يحقّقونها بمساعدة الحليفة والحامية أميركا. وفي مقدم هؤلاء سوريا الأسد وإيران الإسلامية. وكانت الإشارات الأولى لتبدُّده إمتناع وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل عن إلقاء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكنها على ما يبدو لم تترك الأثر المتوخى منها ولا سيما في أميركا إذ تابعت بنجاح مسيرة السعي نحو الحوار مع إيران الإسلامية، بعد مسيرتها الناجحة مع روسيا في موضوع "كيماوي الأسد". فكان لا بد من موقف ذي وقع أكبر ليس على أميركا فقط بل على العالم كله. وكان الموقف قراراً بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن. كما كان لا بد من حيثيات مهمة جداً عند العرب والمسلمين تبرِّر الموقف والقرار أو من أسباب موجبة، فاضيفت قضية فلسطين المظلوم شعبها ومعه العرب منذ نحو 65 سنة إلى دوافع القرار ومعها السلاح النووي الاسرائيلي، وإن أتى ذكره في إطار الإعتراض على عدم إزالة اسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط وتحميل أميركا وغيرها مسؤولية إطلاق سباق تسليح نووي خطير في المنطقة.
هل فاجأ الموقف – القرار السعودي أحداً؟ وهل يتفاعل أم يتم إيجاد حل سريع له؟ فاجأ طبعاً روسيا الإتحادية التي اعتقدت أنها بدأت مسيرة قطف الثمار اليانعة وهي ستكون طويلة. وقد أبرز تعليقها هذا التفاجؤ. وفاجأ أكثر الإدارة الأميركية التي يعرف رأسها وكبارها عتب السعودية وغضبها، والتي لم تتوقع يوماً أن تشرب المملكة، التي تعودت دائماً العمل في الظل وخلف الكواليس والتحفّظ وأحياناً التراجع أمام غالبية المواجهات الكبرى معتمدة على الحماية الأميركية، أن تشرب "حليب السباع".
أما الجواب عن السؤال الثاني فأكثر صعوبة. ذلك أن التفاعل يحصل في حال لم ينجح كبار المجتمع الدولي في إقناع السعودية عبر وعود "كبيرة"، لا يضمن أحد تنفيذها، بالتراجع عن رفض مقعد مجلس الأمن، وتالياً في حال انطلق المطالبون ومن زمان بإصلاح نظام المجلس عبر إدخال تعديلات عليه تطال عدد أعضائه وممارسة حق النقض، وهؤلاء يمثلون غالبية دول العالم ومن بينها دول كبيرة ومهمة، من الموقف – القرار السعودي للمطالبة بالإصلاح قبل حل المشكلة الجديدة. ولا أحد يعرف إذا كان ذلك سيحصل أم لا. كما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم باستمرار السعودية على موقفها إذ أنه قد يُكتِّل ضدها، كبيران هما روسيا وأميركا، وقد يساهم في حل مشكلات إقليمية خطيرة على نحو لا بد منها (إيران مثلاً)، ويبقي مشكلة فلسطين بلا حل. إلا إن السؤال الذي يُطرح اليوم هو: هل ان موقف المملكة رد فعل عفوي أم أنه جزء من خطة وبرنامج؟ وهل له آثار سلبية على داخلها؟
الثورة تتحول إلى حرب أهلية
طاهر العدوان-الرأي الأردنية
تضع مسألة انعقاد جنيف ٢ جميع الأطراف السورية وغيرالسورية المعنية بالصراع امام لحظة انكشاف الحقائق التي تجعل مهمة الوسيط الأممي الأخضر الابراهيمي شبه مستحيلة، اي مهمة جلب جميع الأطراف الى مائدة المؤتمر المقترح في موعد يحدد في تشرين الثاني المقبل .
الحقيقة الأولى - ان انتفاضة الربيع السوري قد تحولت من مظاهرات سلمية الى ثورة مسلحة لتنتهي الى حرب أهلية كاملة الأوصاف . والحقيقة الثانية - انها أصبحت جزءاً من ما يسمى ( الحرب الدولية على الإرهاب ) بعد ان توغلت القاعدة في عمق الساحة السورية . والحقيقة الثالثة - انها غدت خط دفاع حياة او موت بالنسبة لأطراف الصراع الطائفي الممتد من قم الإيرانية الى ضاحية بيروت الجنوبية مروراً بالسيدة زينب في دمشق وحرب التفجير والتهجير حول بغداد .
كل هذه الحقائق تعني غياب تكون او وجود (قيادة جمعية ) تجمع مكونات الشعب السوري او غالبيته العظمى بدون تصنيفات العرق والمذهب هذا الغياب ينطبق على النظام وعلى المعارضة .
فصمود الأسد قام على قدرته اولاً - في تفكيك وتدمير المجتمع السوري مستعينا بالديموغرافيا المذهبية والطائفية المؤيدة له في وجه الأغلبية المناهضة . وثانياً - في أقلمة الصراع مذهبياً للاستعانة علنا بميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية ولم تخف كل شعارات المقاومة والممانعة هذه الحقيقة بما في ذلك استنهاض بعض الاتجاهات القومية الفاشية بمواجهة المكون الإسلامي في الثورة السورية .
على جانب المعارضة تدلل الانقسامات واختلافات الرأي وسرعة استبدال القيادات في الائتلاف الوطني على غياب تكون قيادة سياسية ونضالية وعسكرية ماهرة قادرة على بناء استراتيجية واضحة للثورة، يومية وبعيدة المدى، من شأنها ان تجمع السوريين حولها بدون اعتبارات لعرق ومذهب وأيديولوجية .
هذا الأنقسام سمح للنظام بان يستولي على آلة القوة العسكرية للدولة في حربه على شعبه، ويجر الثورة الى ردود فعل غير مدروسة ادت الى شرذمة قوتها وقدراتها، وسمحت للقاعدة وغيرها التسلل الى صفوفها الى ان تحولت الى حرب أهلية تفرز أمراء حرب وميليشيات بدل بناء جيش ثوري موحد بقيادة وطنية موحدة .
هذه الحقائق تجعل مهمة الابراهيمي شاقة ومعقدة لا تسمح له بالإعلان عن موعد لجنيف ٢ وحتى ان اضطر الأمين العام للأمم المتحدة الى اعلان وتحديد موعد، تحت ضغط التفاهمات الامريكية الروسية، فان جنيف ٢ سينطبق عليه المثل القائل ( تغميس خارج الصحن ) لان الوصول الى تسويات في حالة التمرد او الثورة أسهل بكثير منه في حالة الحرب الأهلية التي عادة ما تأخذ وقتاً طويلا قبل ان تنتهي بفرض الاستسلام، من قبل طرف على الطرف الآخر، او الافتراق النهائي بالتقسيم وبناء الدويلات .
الظروف الميدانية والتاريخية لم تنضج بعد لنجاح جنيف او اي مؤتمر آخر، فالروس والأمريكيون والأوروبيون معنيون بمواصلة الحرب ضد الإرهاب وهذه المرة في سوريا كما في أفغانستان، وإيران وحلفاؤها المذهبيون مشتبكون عملياً في مواجهة غير مباشرة لكنها حامية الوطيس مع الخليج العربي وهذه المرة في سوريا أيضاً، اما على طرفي النظام والمعارضة فان حجم الدمار وشلالات الدماء والأحقاد والثارات بين الطرفين تجعل من عدم استعداد اي طرف للاستسلام او التعايش مع الطرف الآخر هو الحقيقة الأهم
21/10/2013
في هذا الملــــف:
الدور الفلسطيني في إطلاق المختطفين
هيثم زعيتر-اللواء اللبنانية
«حماس» في النفق
غسان شربل-الحياة اللندنية
ما على "حماس" أن تجيب عنه
عبد الاله بلقزيز- الخليج الإماراتية
في بيتنا ليبرمان!
صبحي حديدي- القدس العربي
يهود "إسرائيل" وتحديات الهجرة المعاكسة
مأمون الحسيني- الخليج الإماراتية
السعودية المتحفِّظة تفاجئ العالم بغضبها؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
الثورة تتحول إلى حرب أهلية
طاهر العدوان-الرأي الأردنية
الدور الفلسطيني في إطلاق المختطفين
هيثم زعيتر-اللواء اللبنانية
أفضت الاتصالات التي بُذلت على أكثر من صعيد، إلى خواتيم سعيدة لقضية المخطوفين اللبنانيين التسعة في بلدة أعزاز السورية بعد 17 شهراً على احتجازهم. وتمحورت الاتصالات التي أدت إلى الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين التسعة والطيارين التركيين وعدداً من النساء السوريات، لتشمل: لبنان، سوريا، تركيا، قطر وفلسطين.
وبعد انتهاء الأزمة، بات ضرورياً الإضاءة على جانب من الاتصالات التي أدت إلى خواتيم إيجابية للقضية، التي اضطلع بالدور الرئيسي فيها المدير العام للأمن العام اللواء الركن عباس إبراهيم، ومحور هذه الاتصالات الجانب الفلسطيني، بمتابعة شخصية من رئيس دولة فلسطين محمود عباس، حيث كان هذا الدور موضع إشادة وتقدير من القيادات اللبنانية.
وأكدت مصادر مطلعة على قضية المخطوفين لـ «اللـواء» أن الرئيس «أبو مازن» بذل جهوداً بصمت من أجل إنهاء هذه المأساة منذ لحظة اختطاف اللبنانيين على أيدي مسلحين في بلدة أعزاز السورية، حيث كلف عدداً من القيادات الفلسطينية الاتصال بأطراف عدة بعيداً عن «الضوضاء الإعلامية».
ونشطت الدبلوماسية الفلسطينية في رام الله وبيروت وأنقرة ودمشق بالتواصل مع المعنيين، بما في ذلك الخاطفين، حيث كادت أن تتوج هذه الاتصالات بخواتيم سعيدة بعد فترة قصيرة من الاختطاف، لكن الخاطفين كانوا يغيرون طلباتهم باستمرار مما عقد الأمور. وبعد تذليل عقبات عدة، تم الاتفاق مع الجانب التركي، لكن لم يلتزم الخاطفون بذلك، حيث تأزم ذلك أيضاً مع سلسلة من التطورات أدت إلى تأجيل الموضوع.
وكشفت مصادر لـ «اللواء» أنه منذ أسابيع عدة، بدأت تتوافر بوادر إيجابية للطرف الفلسطيني عن إمكانية تحقيق النتيجة المرجوة بإنهاء هذا الملف وتداعياته، فقام سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وسفير دولة فلسطين في أنقرة نبيل معروف، وبتوجيهات ومتابعة من الرئيس «أبو مازن»، بتشكيل خلية عمل دائمة تولت التواصل مع اللواء إبراهيم - المكلف بمتابعة القضية لبنانياً - ومع الخاطفين. وبعد حصول الطرف الفلسطيني على معلومات من الطرفين بإمكانية حلحلة الأمور، جرى عقد اجتماعات واتصالات مكثفة بين اللواء إبراهيم والسفير دبور في لبنان، فيما نقل السفير معروف المعلومات إلى الجانبين التركي والقطري، على اعتبار أنهما مكلفين مع «هيئة علماء المسلمين» من قبل الخاطفين بحل القضية.
وأشارت المصادر إلى انه عندما توافرت معلومات جديدة لدى الجانب القطري، قام بدعوة السفير الفلسطيني في تركيا معروف إلى الدوحة - التي شهدت تغييراً في قيادتها بتسلم الشيخ تميم بن حمد آل ثاني سدة الحكم - والتقى السفير معروف بوزير الخارجية القطري خالد العطية، وقدم له المعلومات المتوافرة لديه، حيث وجد في ذلك إمكانية لعقد صفقة للإفراج عن المختطفين اللبنانيين التسعة والطيارين التركيين وعدد من النساء السوريات المحتجزات في سوريا.
وإزاء هذه المعطيات الإيجابية حرك الوزير العطية طواقم العمل، التي عملت على مدى حوالي أسبوعين مما أدى إلى الإفراج عن المختطفين.
وقد سجلت الدبلوماسية الفلسطينية بقيادة الرئيس «أبو مازن» انتصاراً جديداً، حيث أولى الرئيس الفلسطيني هذه القضية اهتمامه، بالرغم من كثافة الملفات المتشعبة التي تعيشها القضية الفلسطينية، لأن من عانى أبناء شعبه ظلم الاعتقال، يعرف معنى الاحتجاز وعذاباته وحرمان العائلات من أبنائها. وأكد الرئيس «أبو مازن» لـ «اللـواء» «أن هذه الخطوة والمساعي، هي مناسبة لنرد الجميل للبنان، الذي قدم الكثير للقضية الفلسطينية، فاحتضن أبناء فلسطين وقدم قوافل الشهداء دفاعاً عنها».
وكشفت المصادر أن اللحظات التي سبقت عملية إنجاز إطلاق المخطوفين اللبنانيين كادت أن تتعرقل مجدداً، مما دفع بالرئيس «أبو مازن» - أثناء زيارته ألمانيا - إلى الاتصال بقنوات لها تأثيرها على النظام في سوريا، ما سهل إطلاق عدد من الموقوفات بقضايا جنائية، وهو ما أدى إلى إطلاق سراح المختطفين اللبنانيين في أعزاز.
وأضافت المصادر: ان الرئيس عباس تابع قضية الإفراج عن المختطفين عبر اتصالات مع الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، والسفيرين الفلسطينيين دبور ومعروف. وقد هنأ الرئيس عباس، الرئيس سليمان في اتصال هاتفي أجراه معه بالإفراج عن المختطفين اللبنانيين.
وشكر الرئيس اللبناني، الرئيس «أبو مازن» على الجهود الفلسطينية في الإفراج عن المختطفين. كما أجرى الرئيس «أبو مازن» اتصالاً بالرئيس بري هنأه فيه بانتهاء قضية المختطفين والإفراج عنهم، حيث شكره رئيس مجلس النواب اللبناني على الجهود الفلسطينية. وتلقى الرئيس عباس اتصالاً هاتفياً من اللواء إبراهيم شكره فيه على جهوده في إنهاء مأساة المختطفين اللبنانيين، كما تلقى الرئيس الفلسطيني اتصالاً هاتفياً من نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ عبد الأمير قبلان، شكره فيه على جهوده لإطلاق سراح المختطفين اللبنانيين في سوريا.
«حماس» في النفق
غسان شربل-الحياة اللندنية
حفرت «حماس» أنفاقاً كثيرة. لخرق الحصار. واستقدام السلع والسلاح. تحولت الأنفاق رئة للتنفس ووسيلة للالتفاف. تحولت صناعة مميزة وتجارة رائجة. ومرت في الأنفاق أشياء كثيرة وأوهام كثيرة. وفجأة طوت مصر صفحة «الإخوان». لم يعد باستطاعة خالد مشعل زيارة محمد مرسي في قصر الاتحادية بعد السلام على المرشد محمد بديع. أصدقاء مشعل يقيمون في السجن ولم تعد زيارته مصر واردة. مصر السيسي اتهمت «حماس» بالمشاركة في دفع مصر إلى نفق «الإخوان». أغلقت الأنفاق التي لم يجرؤ حسني مبارك على إغلاقها. استيقظت «حماس» ووجدت نفسها في النفق. خسرت القاهرة بعدما خسرت دمشق. وطهران بعيدة والعودة إلى الالتصاق بها مكلفة في المشهد الحالي للعلاقات السنية - الشيعية.
كانت «حماس» تقيم هانئة في محور الممانعة. وكان موقعها مميزاً. إنها الحلقة السنية الوحيدة في المحور. قيادتها في الخارج تقيم في دمشق وتحظى بتسهيلات. وعلاقتها بـ «حزب الله» توفر لها حرية الحركة في لبنان ومخيماته. وكانت ايران سخية مع الحركة. لم تبخل عليها بالمال أو الصواريخ. وكان المجال الحيوي الأساسي لرئيس مكتبها السياسي خالد مشعل يشمل دمشق وطهران والدوحة مع إطلالات محدودة في عواصم أخرى وفقاً لاتجاهات الرياح.
عزّزت «حماس» شرعيتها في القطاع عندما واجهت الحرب الإسرائيلية عليه. كررت ما فعله «حزب الله» في لبنان عام 2006 حين أدخل الصواريخ الإيرانية في معادلة النزاع مع إسرائيل. «حماس» حققت شيئاً إضافياً. الغارات الإسرائيلية أيقظت ميول رجب طيب أردوغان «الإخوانية» ففكر في كسر الحصار على القطاع وكان ما كان من أزمة عميقة بين تل أبيب والقطاع.
لم يكن سراً أن الود كان مفقوداً مع مصر مبارك. كان الرئيس المصري يقول لزواره إن علاقات القيادة السورية بإيران أعمق مما يعتقد كثيرون. وكان يتعامل مع «حماس» بوصفها جزءاً من المحور الذي استنزف هالة ياسر عرفات ويستنزف حالياً موقع محمود عباس. ولم يكن غريباً أن تصاب «حماس» بـ «عقدة مصر» وحكم الجغرافيا هنا مبرم ولا يمكن رده.
قرأت «حماس» بدايات «الربيع العربي» بعينين ممانعتين و»إخوانيتين». ابتهجت برؤية زين العابدين بن علي يتوارى ليبدأ في تونس زمن الغنوشي. وابتهجت برؤية مبارك يتنحى وبرؤية المرشد المصري و»إخوانه» يطلّون في الميادين ثم يتسلمون الأختام. وثمة من ذهب بعيداً وتوقع أن تلعب «حماس» دوراً في شرق أوسط جديد يقيم بين مرشدَين الأول في طهران والثاني في القاهرة. دمشق أيضاً قرأت الأحداث التونسية والمصرية بعينين ممانعتين قبل أن يتكشف أن الربيع مثقل برياح «الأخونة» لا الممانعة. خيل لدمشق أن الممانعة بوليصة تأمين ضد اقتراب الربيع منها. وربما شاركتها قيادة «حماس» الاعتقاد. لكن الرياح لفحت سورية.
راقب مشعل المشهد السوري. وراقبت السلطات السورية رد فعل «حماس». ولم يكن سراً أن الأرياف التي انتفضت سنية. وأن لـ «إخوان» سورية حساباً قديماً مع النظام. وحين سال الدم لمنع المحتجّين من التحصن في «ميدان تحرير» يشبه نظيره في مصر أو العثور على بنغازي سورية ازدادت حراجة الموقف. دخلت عناصر جديدة على الأزمة. موقف الشيخ القرضاوي وترويج قطر للربيع. نصح مشعل المسؤولين السوريين بضرورة البحث عن حل سياسي «لأن المشكلة ليست أمنية». أجرى اتصالات وقام بشبه وساطات. لكن الوضع تفاقم. كانت دمشق تريد من «حماس» موقفاً أوضح لا سيما من حملات القرضاوي عليها. استنتج مشعل أن المغادرة صارت أفضل من البقاء وأقل كلفة وهكذا فعل. أكتب استناداً إلى ما رواه لي في عمان وقد حرص على التشديد مرات أنه لا ينسى ما قدمته سورية للمقاومة و»حماس». وكادت المغادرة أن تؤدي إلى قطيعة بين «حماس» وإيران لولا تدخل السيد حسن نصرالله الذي يدرك الحاجة إلى «حماس» في منطقة تنزلق نحو نزاع سني - شيعي مدمر.
تقيم «حماس» حالياً في النفق. الرئيس السوري يتهمها بـ «الخيانة والغدر». والنظام المصري الحالي يتهمها بلعب أدوار أمنية خطرة على الأرض المصرية. ولم يعد سراً. دمشق الحالية تفضّل محمود عباس الذي كانت تكلف «حماس» و«الجهاد» بعرقلته. والقاهرة الحالية تفضله. ومثلهما عمان. رجل واحد يستطيع مساعدة «حماس» على الخروج من النفق. اسم هذا الرجل محمود عباس. لكن هذه المساعدة ليست مجانية ويتحتم على «حماس» دفع ثمنها. خُطب إسماعيل هنية لا تكفي للخروج من النفق ولا تساعد. تحتاج «حماس» إلى ما هو أكثر.
ما على "حماس" أن تجيب عنه
عبد الاله بلقزيز- الخليج الإماراتية
برر موسى أبو مرزوق رفع خالد مشعل “علم” المعارضة السورية بالقول إن ذلك حصل بالخطأ، أي من دون علم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” بأن الأمر يتعلق ب “علم” المعارضة، تبرير عجيب غريب في وسع أي تلميذ صغير السن، ومبتدئ الفهم أن يفنذه، سياسي بحجم خالد مشعل، مقيم في دمشق لسنوات عدة، يلتبس عليه أمر العلم الرسمي للدولة فيرفع غيره، وهل علم الدولة السورية مجهول، أو صعب التمييز، إلى حد اشتباه أمره على زعيم حركة سياسية كانت متحالفة، إلى عهد قريب، مع نظام تلك الدولة التي ترفرف أعلامها في كل الانحاء، حتى على مرأى من مكتب مشعل في دمشق؟
بعيداً عن مجادلة تبرير ضعيف الحجة، نصارح قادة “حماس” بأنهم لم يعثروا على المدخل المناسب لمراجعة مواقفهم، التي اتخذوها في الثلاثين شهراً السابقة، وجرت عليهم عواصف من النقد والاعتراض، فلا خطاب خالد مشعل، في اجتماع مؤسسة القدس في بيروت، اختار المفردات المناسبة لتصحيح تلك المواقف، أو تحلى بالقليل من الشجاعة الأدبية للاعتراف بأن رهانات قيادة “الحركة” لم تكن سليمة تماماً، ولا حديث موسى أبو مرزوق لإحدى المحطات الفضائية العربية، عشية عيد الأضحى، كان موفقاً في طمأنة المعترضين على سياسات حركته بأن عهداً من المراجعة سيبدأ . أما الهروب من هذا الواجب السياسي إلى ترديد خطاب المقاومة فقليل الفائدة والحيلة، لأن أكثر الناس يعرف أن مقاومة قادة “حماس” معطلة بقوة مفعول اتفاق الهدنة المبرم بينها والكيان الصهيوني، بضمانة محمد مرسي، وأن خطاب المقاومة - الذي تتردد مفرداته على ألسنة قادة الحركة - إنما هو مصروف لأداء وظائف أخرى في نطاق المضاربات السياسية والايديولوجية التي تزدحم بها الحياة الفلسطينية الداخلية .
على “حماس” أن لا تستهين بأخطائها، قديمها والجديد، وأن لا تستصغر شأن من يعارضون نهجها اليوم بعد إذ كانوا لها سنداً أو حليفاً، وأن لا تستسهل النظر إلى اعتراضاتهم وتستخف بها، أو تستخف في الرد عليها، كما أن عليها أن لا تستهين بما سوف ينجم عن تلك الأخطاء من نتائج بالغة السلبية، بل شديدة السوء، على أوضاعها، وعلى مكانتها في الحركة الوطنية الفلسطينية، ومستقبلها السياسي، فقد يغرمها ذلك الاستصغار والاستخفاف كثيراً، ولن يفيدها في الخروج من نفقها اصطفافاتها الايديولوجية في الإقليم والعالم . سيكون عليها أن تمتلك القدر الضروري من الشجاعة لتجيب عن أسئلة مأزقها الراهن، وتقدم على مراجعة خياراتها السياسية إقداماً صادقاً قبل فوات الأوان، وأول ما سيكون عليها أن تراجعه موقفها من حال الانقسام الحادة في المجتمع الوطني الفلسطيني ومؤسساته، وازدواجية شخصيتها (مقاومة/سلطة)، وغلبة المنزع العقائدي على مشروعها السياسي، وتضخم نزعة احتكار التمثيل السياسي الوطني عندها . إن هذه المراجعة - التي أخطأتها في الماضي - تفرض نفسها عليها، اليوم، أكثر مما كان في السابق بسبب ما جرى - ويجري - من متغيرات متسارعة .
إن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي بيئتها الوحيدة النظيفة التي يمكن أن تعيش فيها، وأن يتوسع مشروعها فيها ويحاط بحزام أمان . غير ذلك سيتحول قطاع غزة إلى “غيتو” تختنق فيه الحركة - بعد اختناق الشعب - وتفقد القدرة على الإمساك بأوضاعها، وخاصة بعد أن اشتد الطوق عليها نتيجة الكمية الهائلة من الأخطاء المجانية التي أوقعتها فيها سياساتها الايديولوجية غير المحسوبة . وطريق الوحدة الوطنية مفتوحة أمام “حماس” لم يغلقها عليها أحد، لا “فتح” ولا فصائل منظمة التحرير . وآلياتها واتفاقاتها مكتوبة منذ زمن “اتفاقا القاهرة الأول والثاني، “اتفاق صنعاء”، “اتفاق مكة” . . .)، ولا تحتاج إلى أكثر من إرادة التوقيع، حتى ينطلق مسار الخروج من حال الانقسام التي قصمت ظهر الوطن . ولن تجد “حماس” في محيطها العربي من سيعرقل مسعاها في سبيل الوحدة الوطنية، وإن اختلف معها (مع “حماس”) المختلفون، فوحدة الشعب الفلسطيني ليست مطلباً وطنياً فحسب، بل مطلب عربي أيضاً، شعبي ابتداء ورسمي تالياً .
ليس هذا وحده ما على “حماس” أن تكب عليه، في سياق المراجعات المطلوبة منها، بل سيكون عليها أن تلتفت إلى محيطها العربي، الذي هو حاضنتها الأولى والأخيرة، وإلى ما تعانيه علاقاتها به من اضطراب وسوء، فتفكر في الأسباب التي أخذتها إلى أسوأ العلاقات بذلك المحيط، وإلى فقدانه الثقة بها إلى هذا الحد الذي نراه في هذه الأيام . ولسنا نعني بهذا المحيط الحكومات والنظم العربية حصراً، وإنما نعني به قوى الرأي العام من أحزاب، ومنظمات شعبية، ونخب ثقافية وإعلامية . . أيضاً، فهذه - بدورها - لم تعد ترى في “حماس” وتقلباتها السياسية، وتحالفاتها الجديدة، ما كانت تراه سابقاً: قبل سنوات ثلاث .
على قيادة “حماس” أن تسأل نفسها، بصدق، الأسئلة التي لا مهرب لها من مواجهتها بشجاعة: لماذا انهارت علاقاتها بسوريا: حاضنتها السياسية والعسكرية الوحيدة في المنطقة؟ لماذا ساءت، إلى الحد الأقصى، مع مصر: مركز القرار العربي والرئة الوحيدة التي تتنفس منها غزة؟ ولماذا تأزمت علاقاتها بالسعودية والإمارات العربية المتحدة، وقد وفرتا لها غطاء خليجياً، وساندتاها في مواجهة العدوان الصهيوني؟ ولماذا ينتقدها جيش عرمرم من المثقفين والصحفيين المعروفين، تاريخياً، بدعمهم لخيارالمقاومة، وبعضهم ملاحق في بلده بهذه “التهمة” الشريفة؟ هل جميع هذه الدول والقوى على خطأ فيما “حماس” وحدها على صواب؟ وماذا لو أن قطاع غزة، لا سمح الله، تعرض للعدوان أو للغزو: كيف ستواجه “حماس” الموقف وقد خسرت الحاضنة السورية وقوى الإسناد الرسمي والشعبي في مصر والسعودية والإمارات؟ ممن سينفعها، عندئذ، من القوى التي راهنت عليها على حساب محيطها الطبيعي؟ ثم هل من المشروع لدى حركة مقاومة أن تستعيض عن مرجعيتها الوطنية والعربية بمرجعية ايديولوجية ذات جدول أعمال مختلف؟
أسئلة كثيرة تنتظر “حماس” عند مفترق الطريق .
في بيتنا ليبرمان!
صبحي حديدي- القدس العربي
من قلب مستوطنة إسرائيلية في الجولان السوري المحتل، ولأنّ مناخ الانتخابات البلدية يقتضي قسطاً من التشويق الدرامي، كُشف النقاب عن فصل جديد في المسلسل، العتيق، الخاصّ بجولات التفاوض السرّية بين النظام السوري وإسرائيل. صاحب الكشف الأحدث كان أفيغادور ليبرمان، زعيم حزب ‘إسرائيل بيتنا’، وزير الخارجية السابق، ونائب رئيس الوزراء حتى أواخر 2012، تاريخ اضطراره إلى الاستقالة بسبب قضايا فساد وإساءة ثقة. وأمّا الكشف فهو أنّ النظام السوري كان على وشك توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، بوساطة أمريكية مباشرة (تولاها الدبلوماسي الأمريكي المخضرم فردريك هوف، الذي تواصل مع بشار الأسد مباشرة)؛ وتحمّس لها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وشاركه الحماس إيهود باراك وزير الدفاع آنذاك، واعترض عليها ليبرمان نفسه (ولهذا يفضح أسرارها اليوم!).
عنصران لافتان يتقاطعان في هذه الحكاية، رغم أنهما يتكاملان تماماً في تعزيز السمات الكلاسيكية لسلوك النظام السوري إزاء ملفّ التفاوض السرّي مع إسرائيل، سواء في عهد الأسد الابن، أو على امتداد ثلاثة عقود من حكم أبيه: أنّ الجهة الوسيطة لم تكن واحدة، أمريكية في هذه الحال، بل متعددة (تركيا بصفة خاصة)؛ وأنّ الخطاب الرسمي للنظام، أسوة بخطابات حلفائه وأنصاره في ‘محور الممانعة’، كان يواصل الضجيج والعجيج حول ‘الصمود’ و’التصدّي’ و’المقاومة’… إلى هذَيْن العنصرَيْن، فضح ليبرمان عنصراً ثالثاً لعله الأكثر دراماتيكية: أنّ انتفاضات ‘الربيع العربي’ عموماً، والانتفاضة السورية خصوصاً، هي التي أربكت مشروع الوساطة الأمريكية، قبل أن تتسبب في وأده تماماً، وإغلاقه: ليس إلى إشعار آخر، بل إلى أجل طويل غير مسمّى، لأنّ أيّ أجل صار مرتبطاً بمصير النظام السوري ذاته.
لم يكن مدهشاً، والحال هذه، أن تشهد الأسابيع الأولى من الانتفاضة السورية تلك التذكرة الصريحة من رامي مخلوف، ابن خال الأسد، وتمساح المال والأعمال، وصيرفي النظام: أنّ الارتباط وثيق بين أمن ‘الحركة التصحيحية’ وأمن إسرائيل؛ وأنه هكذا كان على الدوام، في المنعطفات الكبرى والصغرى، وهكذا يتوجب أن يظلّ اليوم تحديداً، حين تصبح منجاة النظام على المحك. وقبلها في مناسبة ذات مغزى، أجرى ماهر الأسد، العمود الثاني في البيت الأسدي، مفاوضات سرّية مع إيتان بن تسور، المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية؛ في العاصمة الأردنية عمّان، أواسط 2003. وكان اختيار الشقيق لهذه المهمة غريباً من حيث الشكل، بالنظر إلى أنّ خبرته في السياسة، فكيف بالتفاوض الشاقّ المعقد، ليست ضعيفة فحسب، بل محدودة تماماً، وأقرب إلى الدرجة صفر. أمّا من حيث المحتوى فقد كان اختياره يقول ببساطة: نحن نتفاوض على بيت السلطة أوّلاً، وعلى نظامها ثانياً؛ وليست سورية، الدولة أو الجيش أو حزب البعث… إلا عناصر ديكور، مكمِّلة في أفضل تقدير!
مناسبة أخرى، ذات سمة دراماتيكية بدورها، وقعت أواخر العام 1999، في حياة الأسد الأب، حين كانت أكثر من نار هادئة، في واشنطن ودمشق والقدس المحتلة، تطبخ المسوّدات والخرائط الضرورية، قبيل التوصّل إلى اتفاقية سلام بين إسرائيل والنظام السوري. آنذاك نشرت صحيفة ‘هآرتس′ الإسرائيلية خبراً لافتاً، سرعان ما أكدته صحف عربية نقلاً عن ‘مصادر سورية مسؤولة’، حول ترتيبات كان يتولّى أمرها عبد الوهاب الدراوشة، عضو الكنيست آنذاك، لعقد ‘قمّة روحية’ استثنائية في دمشق. لائحة ضيوف تلك القمّة ضمّت مفتي سورية، الشيخ أحمد كفتارو؛ ويسرائيل لاو، كبير حاخامات إسرائيل؛ والحاخامات إلياهو بكشي، عوفاديا يوسف (الزعيم التاريخي لحركة ‘شاس′) ويوسف جيجاتي (حاخام اليهود السوريين). وكان مطلوباً من القمّة أن تكسر، على الجانبين السوري والإسرائيلي في الواقع، طبقة أولى من الجليد النفسي، السميك والصلب والعتيق، الذي كان لا بدّ من كسر طبقاته واحدة تلو الأخرى، قبل الشروع في التطبيع.
أقدار تلك القمة حسمتها وقائع متلاحقة، بينها التحضيرات لقمّة أخرى أهمّ، في جنيف، بين الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون والأسد الأب؛ ثمّ ما أسفرت عنه من فشل ذريع قاد الأسد إلى اليقين بأنّ التفرّغ لترتيبات توريث نجله بشار، بات أكثر إلحاحاً من إبرام معاهدة سلام مع إسرائيل. بيد أنّ لقاءً مشهوداً، و’تاريخياً حسب توصيف الصحافة الإسرائيلية، سوف يستوحي مشروع القمّة الروحية تلك، ويجمع مفتي النظام السوري أحمد بدر الدين حسون، والحاخام الأكبر للجالية اليهودية في النرويج يوئاف ملكيئور؛ سعياً، هنا أيضاً، وبضوء أخضر من الأسد الابن هذه المرّة، إلى اختبار إمكانية كسر الجليد جديد. ذلك لأنّ اللقاء لم يكن روحياً فحسب، كما حرص حسون على التأكيد، بل تضمّن طلب الحاخام من المفتي أن يبذل مساعيه الحميدة نقل رفاة الجاسوس الإسرائيلي الشهير ايلي كوهين إلى إسرائيل. وذاك طلب سياسي بامتياز، خاصة إذا تأمّل المرء ردّ المفتي على الحاخام: سوف يصبح الطلب واقعياً، بعد تحقيق السلام بين البلدين!
ويبقى أنّ ليبرمان، زعيم ‘إسرائيل بيتنا’، هو الصهيوني الأحدث الذي يذكّر ـ مَنْ تنفعه الذكرى، أوّلاً ـ بأنّ بيت النظام السوري ليس أقلّ من باحة خلفية للبيت الإسرائيلي؛ وأسباب بقائه، أو بالأحرى استمرار وجوده في صيغة الاستبداد والفساد والنهب والحكم العائلي، مرهونة بما يقدّم من خدمات لأمن إسرائيل.
يهود "إسرائيل" وتحديات الهجرة المعاكسة
مأمون الحسيني- الخليج الإماراتية
لم يحل السجال المحتدم الذي ترتفع نبرته باطراد في الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية الصهيونية، على إيقاع مواقف وتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو حيال ما يسميه “الخديعة” التي يسوقها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، و”المخاطر” التي يمكن أن تترتب على تقارب طهران مع عواصم الغرب، ولاسيما واشنطن التي يبدو أنها بصدد “الانقلاب” على سياستها التقليدية المتعلقة بملف إيران النووي، وربما العديد من الملفات الأخرى في الشرق الأوسط، لم يحل دون انفجار سجال آخر له صلة بإحدى أهم الركائز التي حملت المشروع الصهيوني منذ انطلاقته السياسية في العام ،1897 وزودته بالأوكسجين الضروري للتحقق على أرض الواقع في العام ،1948 والاستمرار في الحياة حتى وقتنا الحاضر . والمقصود هنا، قضية الهجرة اليهودية التي باتت تأخذ منحى معاكساً في السنوات الأخيرة، وبخاصة بين أصحاب الكفاءات من الشبان الذين ضاقوا ذرعا بتداعيات الأزمة الاقتصادية المستدامة، وخاب أملهم في إمكانية الوصول إلى بر الأمن والاستقرار والسلام .
وعلى رغم أن هذا النمط من السجال ليس الأول من نوعه في كيان الاحتلال الذي شهد موجات مد وجزر على صعيد الهجرة إلى ومن فلسطين المحتلة، خلال العقود الماضية، غير أن ما يدور اليوم يبدو مثقلاً بالهواجس والتحديات والمخاطر المختلفة عن كل ما سبق . والأمر هنا يتجاوز المعطيات الرقمية التي تشير إلى أن من يغادر فلسطين المحتلة سنوياً، لفترات طويلة، هو حوالي 22 ألف شخص، في حين يعود إليها نحو 11 إلى 12 ألف شخص، بعد غياب سنوات، وهو ما بدا جلياً في سجل أصحاب حق الاقتراع في الانتخابات البرلمانية التي جرت في كانون الثاني/ يناير الماضي حيث تبيَن أن نحو 620 ألف شخص، أي حوالي 11% من أصحاب حق الاقتراع، هم في تعداد المهاجرين . الأمر يتجاوز هذا المعطى الرقمي إلى رزمة من المستجدات المتعلقة بهذه القضية الحيوية للدولة العبرية، والتي تحرك مكامن القلق في أوصال التجمع الصهيوني اليهودي .
ويبدو أن الأبرز في هذه المستجدات، ذات الطابع النوعي، والتي تترجمها حقيقة إصرار اليهود في العالم الذين يتمتع نحو 90% منهم بمستوى معيشة أعلى من المتاح في “إسرائيل”، على البقاء في بلدانهم الأصلية، مع حدوث تبدل جوهري على وظيفة “الوكالة اليهودية” المعنية اليوم بتوجيه مبعوثيها للعمل في التعليم في أماكن تواجد اليهود خارج فلسطين المحتلة، لا يتعلق فقط برغبة أجيال الشباب اليهودي، المتصل بالواقع العولمي والممتلك لناصية لغته، في مغادرة مربع الخوف الوجودي الذي ترسمه التطورات السياسية والميدانية الوازنة في المنطقة، أو حلمه في إحداث قطيعة مع الواقع الاقتصادي في الدولة العبرية الذي تتعمق فيه الهوة الطبقية باستمرار، وإنما يتصل كذلك بنضوب المادة البشرية “اليهودية” القابلة للاستجلاب إلى “أرض اللبن والعسل”، بعد الهجرة الكبرى من بلدان الاتحاد السوفييتي السابق أوائل تسعينات القرن الماضي، لاسيما أن أبناء الديانة اليهودية هم الوحيدون الذين تتقلص أعدادهم باطراد بسبب الزواج المختلط (58% من يهود أمريكا يتزوجون زواجاً مختلطاً) والخلاف التاريخي على تعريف “اليهودي”، وميل الأجيال الشابة إلى الاندماج في مجتمعاتهم من دون إيلاء أدنى اهتمام بالأيديولوجيا أو ما يسمونه في الكيان “الحلم الصهيوني”، وهو ما يفسر استجلاب الفلاشا إلى الكيان من إفريقيا قبل سنوات، ومحاولة تهجير مجموعة من الهنود الحمر الذين يقطنون على ضفاف الأمازون، في المقطع الذي يخترق جمهورية بيرو في أمريكا اللاتينية، بزعم أنهم “جزء من جالية يهودية “فريدة” يعود أصلها إلى أواخر القرن التاسع عشر” .
بناء على ما سبق، وتحت وطأة هرولة الكفاءات واللامعين في العلوم والتكنولوجيا ورجال الأعمال نحو مغادرة الكيان، وتوجه أغلبيتهم إلى ألمانيا التي تعتبر الأكثر ازدهاراً في أوروبا، في مفارقة تعبر عن السخرية من المبالغة في دور الهولوكوست (المحرقة) والنازية في إقامة دولة “إسرائيل”، يرتفع منسوب الخشية الصهيونية من احتمال حدوث هجرة معاكسة لليهود الروس في حال وصول الاقتصاد الروسي إلى المستوى اللائق، وما يمكن أن يجره ذلك من خلل في ميزان الديمغرافيا بين الفلسطينيين واليهود، وخاصة في ظل تزايد المؤشرات على جنوح قطاعات واسعة من يهود الكيان نحو التفكير في الهجرة . وحسب استطلاع للرأي نشرته صحيفة “هآرتس” أوائل أغسطس/آب الماضي، فإن 37% من “الإسرائيليين” يفكرون في الهجرة والعيش في دول أخرى، فيما اظهر استطلاع آخر بأن 78% من العائلات “الإسرائيلية” تدعم سفر أبنائها إلى الخارج، محملة الحكومة أسباب ذلك .
ومع ذلك، وبالتضاد مع كل الحقائق التي يكشفها واقع تفاقم الهجرة المعاكسة التي يعتبرها القادة الصهاينة “اخطر من التهديد الإيراني وحزب الله” على الدولة العبرية، سواء ما تعلق منها بزيف المزاعم الصهيونية حول ارتباط اليهود بما يسمونه “أرض الميعاد”، واغتراب أغلبية الشبيبة اليهودية عن “إسرائيل” والأطر اليهودية والصهيونية، وانتفاء الحاجة إلى سرقة المزيد من الأرض الفلسطينية، تواصل حكومة نتنياهو تصعيد أعمال الاستيطان التي ازدادت بنسبة 70% في النصف الأول من هذا العام بالمقارنة مع العام الماضي، حسب تقرير منظمة “السلام الآن”، تحت عباءة ذات المزاعم والأكاذيب المتعلقة ب “حق الشعب اليهودي في البناء على أرضه التاريخية”، و الاستجابة للنمو السكاني الذي يجري تضخيمه، وفقاً للاعتبارات الأيديولوجية والسياسية والمالية التي تتناسب ومصالح وتوجهات أصحاب رأس المال وقوى الائتلاف الحاكم .
السعودية المتحفِّظة تفاجئ العالم بغضبها؟
سركيس نعوم-النهار اللبنانية
لم يفاجئ غضب المملكة العربية السعودية على روسيا العالم. فالأخيرة لم تقصّر في دعم نظام الأسد لمواجهته وبكل الوسائل الثورة الشعبية العارمة عليه منذ منتصف آذار 2011. وعمّق ذلك التنسيق السياسي الذي كان قائماً بين موسكو وطهران ووسَّعه. فضلاً أن روسيا تعاملت مع "المبادرة السعودية" التي توجه بها اليها الأمير بندر بن سلطان المسؤول الأول عن الأمن القومي في البلاد باستخفاف ظهر في تفاصيلها التي سرَّبتها إلى وسائل الإعلام.
ولم يفاجئ غضب المملكة العربية السعودية على أميركا قسماً كبيراً من العالم رغم أن انكشافه الرسمي للرأي العام والمجتمع الدولي لم يحصل الا أخيراً. ذلك أن قادتها حرصوا دوماً على عدم التعرّض للدولة الأعظم علانية لاعتبارين أساسيين، أولهما التحالف الوثيق القائم بينهما منذ تأسيس الدولة السعودية الذي رسَّخته المصالح المشتركة وخصوصاً بعد اكتشاف النفط فيها وتحولها دولة مهمة لتأمين استمرار تدفّقه، أو للتحكم باسعاره، أو للحؤول دون تحوله وسيلة أو أداة في الصراعات السياسية الكبيرة إقليمية أو دولية. وثانيهما مظلة الحماية التي فتحتها أميركا دائماً فوق المملكة، والتي صارت حاجة ماسة لها في العقود الأخيرة، أولاً بسبب تهوّر عراق صدام حسين وطموحاته السعودية من وراء احتلال الكويت، وثانياً بسبب التهديد الذي شكّله لها النظام الإسلامي في إيران منذ تأسيسه عام 1979، أو بالأحرى للعائلة الحاكمة فيها ولاحقاً للخليج العربي الذي تتزعمه ثم للعالم العربي وللسنة العرب عموماً. وهو تهديد صار بالغ الجدية في السنوات الأخيرة. لكن الحرص المشار اليه تبدَّد عندما بدأت الهواجس والمخاوف وربما الشكوك تنتاب كبار المملكة وتحديداً بعد "الانتصارات"، وإن المحدودة والجزئية، التي بدأ أخصامها أو أعداؤها من عرب وعجم يحقّقونها بمساعدة الحليفة والحامية أميركا. وفي مقدم هؤلاء سوريا الأسد وإيران الإسلامية. وكانت الإشارات الأولى لتبدُّده إمتناع وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل عن إلقاء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكنها على ما يبدو لم تترك الأثر المتوخى منها ولا سيما في أميركا إذ تابعت بنجاح مسيرة السعي نحو الحوار مع إيران الإسلامية، بعد مسيرتها الناجحة مع روسيا في موضوع "كيماوي الأسد". فكان لا بد من موقف ذي وقع أكبر ليس على أميركا فقط بل على العالم كله. وكان الموقف قراراً بالاعتذار عن عضوية مجلس الأمن. كما كان لا بد من حيثيات مهمة جداً عند العرب والمسلمين تبرِّر الموقف والقرار أو من أسباب موجبة، فاضيفت قضية فلسطين المظلوم شعبها ومعه العرب منذ نحو 65 سنة إلى دوافع القرار ومعها السلاح النووي الاسرائيلي، وإن أتى ذكره في إطار الإعتراض على عدم إزالة اسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط وتحميل أميركا وغيرها مسؤولية إطلاق سباق تسليح نووي خطير في المنطقة.
هل فاجأ الموقف – القرار السعودي أحداً؟ وهل يتفاعل أم يتم إيجاد حل سريع له؟ فاجأ طبعاً روسيا الإتحادية التي اعتقدت أنها بدأت مسيرة قطف الثمار اليانعة وهي ستكون طويلة. وقد أبرز تعليقها هذا التفاجؤ. وفاجأ أكثر الإدارة الأميركية التي يعرف رأسها وكبارها عتب السعودية وغضبها، والتي لم تتوقع يوماً أن تشرب المملكة، التي تعودت دائماً العمل في الظل وخلف الكواليس والتحفّظ وأحياناً التراجع أمام غالبية المواجهات الكبرى معتمدة على الحماية الأميركية، أن تشرب "حليب السباع".
أما الجواب عن السؤال الثاني فأكثر صعوبة. ذلك أن التفاعل يحصل في حال لم ينجح كبار المجتمع الدولي في إقناع السعودية عبر وعود "كبيرة"، لا يضمن أحد تنفيذها، بالتراجع عن رفض مقعد مجلس الأمن، وتالياً في حال انطلق المطالبون ومن زمان بإصلاح نظام المجلس عبر إدخال تعديلات عليه تطال عدد أعضائه وممارسة حق النقض، وهؤلاء يمثلون غالبية دول العالم ومن بينها دول كبيرة ومهمة، من الموقف – القرار السعودي للمطالبة بالإصلاح قبل حل المشكلة الجديدة. ولا أحد يعرف إذا كان ذلك سيحصل أم لا. كما أن أحداً لا يستطيع أن يجزم باستمرار السعودية على موقفها إذ أنه قد يُكتِّل ضدها، كبيران هما روسيا وأميركا، وقد يساهم في حل مشكلات إقليمية خطيرة على نحو لا بد منها (إيران مثلاً)، ويبقي مشكلة فلسطين بلا حل. إلا إن السؤال الذي يُطرح اليوم هو: هل ان موقف المملكة رد فعل عفوي أم أنه جزء من خطة وبرنامج؟ وهل له آثار سلبية على داخلها؟
الثورة تتحول إلى حرب أهلية
طاهر العدوان-الرأي الأردنية
تضع مسألة انعقاد جنيف ٢ جميع الأطراف السورية وغيرالسورية المعنية بالصراع امام لحظة انكشاف الحقائق التي تجعل مهمة الوسيط الأممي الأخضر الابراهيمي شبه مستحيلة، اي مهمة جلب جميع الأطراف الى مائدة المؤتمر المقترح في موعد يحدد في تشرين الثاني المقبل .
الحقيقة الأولى - ان انتفاضة الربيع السوري قد تحولت من مظاهرات سلمية الى ثورة مسلحة لتنتهي الى حرب أهلية كاملة الأوصاف . والحقيقة الثانية - انها أصبحت جزءاً من ما يسمى ( الحرب الدولية على الإرهاب ) بعد ان توغلت القاعدة في عمق الساحة السورية . والحقيقة الثالثة - انها غدت خط دفاع حياة او موت بالنسبة لأطراف الصراع الطائفي الممتد من قم الإيرانية الى ضاحية بيروت الجنوبية مروراً بالسيدة زينب في دمشق وحرب التفجير والتهجير حول بغداد .
كل هذه الحقائق تعني غياب تكون او وجود (قيادة جمعية ) تجمع مكونات الشعب السوري او غالبيته العظمى بدون تصنيفات العرق والمذهب هذا الغياب ينطبق على النظام وعلى المعارضة .
فصمود الأسد قام على قدرته اولاً - في تفكيك وتدمير المجتمع السوري مستعينا بالديموغرافيا المذهبية والطائفية المؤيدة له في وجه الأغلبية المناهضة . وثانياً - في أقلمة الصراع مذهبياً للاستعانة علنا بميليشيات إيرانية وعراقية ولبنانية ولم تخف كل شعارات المقاومة والممانعة هذه الحقيقة بما في ذلك استنهاض بعض الاتجاهات القومية الفاشية بمواجهة المكون الإسلامي في الثورة السورية .
على جانب المعارضة تدلل الانقسامات واختلافات الرأي وسرعة استبدال القيادات في الائتلاف الوطني على غياب تكون قيادة سياسية ونضالية وعسكرية ماهرة قادرة على بناء استراتيجية واضحة للثورة، يومية وبعيدة المدى، من شأنها ان تجمع السوريين حولها بدون اعتبارات لعرق ومذهب وأيديولوجية .
هذا الأنقسام سمح للنظام بان يستولي على آلة القوة العسكرية للدولة في حربه على شعبه، ويجر الثورة الى ردود فعل غير مدروسة ادت الى شرذمة قوتها وقدراتها، وسمحت للقاعدة وغيرها التسلل الى صفوفها الى ان تحولت الى حرب أهلية تفرز أمراء حرب وميليشيات بدل بناء جيش ثوري موحد بقيادة وطنية موحدة .
هذه الحقائق تجعل مهمة الابراهيمي شاقة ومعقدة لا تسمح له بالإعلان عن موعد لجنيف ٢ وحتى ان اضطر الأمين العام للأمم المتحدة الى اعلان وتحديد موعد، تحت ضغط التفاهمات الامريكية الروسية، فان جنيف ٢ سينطبق عليه المثل القائل ( تغميس خارج الصحن ) لان الوصول الى تسويات في حالة التمرد او الثورة أسهل بكثير منه في حالة الحرب الأهلية التي عادة ما تأخذ وقتاً طويلا قبل ان تنتهي بفرض الاستسلام، من قبل طرف على الطرف الآخر، او الافتراق النهائي بالتقسيم وبناء الدويلات .
الظروف الميدانية والتاريخية لم تنضج بعد لنجاح جنيف او اي مؤتمر آخر، فالروس والأمريكيون والأوروبيون معنيون بمواصلة الحرب ضد الإرهاب وهذه المرة في سوريا كما في أفغانستان، وإيران وحلفاؤها المذهبيون مشتبكون عملياً في مواجهة غير مباشرة لكنها حامية الوطيس مع الخليج العربي وهذه المرة في سوريا أيضاً، اما على طرفي النظام والمعارضة فان حجم الدمار وشلالات الدماء والأحقاد والثارات بين الطرفين تجعل من عدم استعداد اي طرف للاستسلام او التعايش مع الطرف الآخر هو الحقيقة الأهم