Haneen
2013-12-08, 01:40 PM
اقلام عربي 534
30/10/2013
في هذا الملــــف:
الصراع يحتدم بين التغيير واعدائه
القدس العربي
كيف تخسر أميركا حلفاءها؟!
الشرق الاوسط
المربّع الذهبي بدلاً من المثلث الذهبي
النهار اللبنانية
المشروع النووي الأردني
الدستور الاردنية
.. التجسس علينا في الاتجاهين !
الرأي الأردنية
الثورات والتحرر من اللامعقول
الاهرام المصرية
الصراع يحتدم بين التغيير واعدائه
د. سعيد الشهابي – القدس العربي:
ما الذي يدفع السعودية التي عرفت بسياستها الهادئة للخروج على ذلك المألوف والنزول الى الملعب السياسي الاقليمي والدولي بثقلها كله بشكل مكشوف وبدون الخشية من الانعكاسات السلبية لذلك على مستقبل حكم البيت السعودي؟ التدخلات السعودية في دول الجوار ليست جديدة بل تعود للعقود الاولى بعد تكوين الدولة السعودية الحالية قبل ثمانين عاما، بل ان الصراع الذي يتخذ احيانا ابعادا مذهبية يعود الى أيام محمد علي قبل حوالى مائتي عام، بعد الدعوة الوهابية الاولى.
وما تزال ذاكرة الجيل المتقدم في العمر تستحضر تدخلها قبل خمسين عاما في اليمن لمواجهة المد الناصري والتصدي للجمهوريين، ودخولها حربا طاحنة راح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين. وعندما حدثت ازمة الكويت إثر الاجتياح العراقي لاراضيها في اغسطس 1990 شعر البيت السعودي بالتحدي الحقيقي لمنظومة حكمه، فلم يتردد في استدعاء التدخل الخارجي لخوض اكبر حرب تكنولوجية في العالم تصدرتها الولايات المتحدة الامريكية.
كانت تلك التجربة مضرة جدا بسمعة الحكم السعودي، فقد اظهرته غير قادر على الوفاء بالتزامات السعودية حيال امن دول مجلس التعاون عندما يتعرض للخطر، ولكنها كشفت كذلك استعداد النظام للتضحية بالسيادة الاقليمية اذا استدعى الامن السياسي للنظام ذلك. ولكن ما حدث بعد عامين كان مثيرا للاستغراب والتساؤل عن مدى حكمة بعض التصرفات السعودية. فالدخول في صراع مع قطر في 1992 حول مركز حدودي لا يعكس حنكة سياسية خصوصا انه لم يحقق ما تريده الرياض: اثبات قوة ذراعها العسكرية الضاربة وقدرتها على بسط النفوذ اقليميا. فقد ادت تلك الخطوة لتوتر في العلاقات ما تزال آثاره مستمرة حتى الآن، وربما كان احد الاسباب التي دفعت قطر للولوج الى عالم النفوذ الاقليمي بمستوى غير مسبوق، الامر الذي كان طوال العقدين الاخيرين مصدر انزعاج السعودية وغضبها. ولكن تجربة قطر لم تكن كافية، فسرعان ما دخلت الرياض في صراع مع الامارات حول حقل االشيبةب بالقرب من حدود البلدين مع سلطنة عمان. واذا كانت تلك التدخلات محدودة في حجمها وأثرها، فان مواقفها المعلنة والسرية تجاه الوضع في العراق بعد حرب 2003 تلها اهداف غير معلنة اهمها منع رياح التغيير من الوصول الى حدودها. ثم جاء اجتياحها العسكري السافر قبل ثلاثين شهرا لقمع ثورة شعب البحرين. ذلك التدخل كان الاكثر تعبيرا عن رغبة المملكة ليس في اثبات وجودها فحسب، بل في استعدادها للمغامرات وان كانت غير محسوبة اذا تعرض نظامها السياسي لتحديات جدية، او اصبح نفوذها السياسي الاقليمي خصوصا داخل مجلس التعاون مهددا. ويمكن القول ان الصمت الذي قوبل به ذلك التدخل شجع الرياض على انتهاج سياسات اكثر وضوحا وتوسعا، وأعمق رغبة في توسيع النفوذ الاقليمي.
والسؤال هنا: ما الذي يدفع الحكم السعودي لتوسيع نفوذه؟ أهو الحاجة المادية ام السعي لتغيير التوازن السياسي في الشرق الاوسط ام الدفاع عن الوجود؟ فالسعودية التي يبلغ دخلها السنوي من النفط حوالي 400 مليار دولار لا تحتاج لادارة الدولة اكثر من 100 مليار، وبالتالي فهي ليست محتاجة للمزيد من الثروة. ولا شك انها تسعى للحفاظ على التوازن السياسي بالشكل الذي يمنع محاولات التغيير فيها بشكل جوهري. وهذا نابع من الرغبة من الحفاظ على نظام الحكم القائم، ومنع محاولات تغييره. فمع علم السعودية بالتبعات السياسية المحتملة للتدخل في شؤون الدول المحيطة فقد هرعت بدافع السعي للحفاظ على النظام لكسر الثوابت في العلاقات بين الشعوب.
وجاء تدخلها العسكري السافر في البحرين ليدشن عهدا جديدا اكثر استقطابا ودموية. فالمنطقة لم تشهد في عقودها السابقة ما تشهده اليوم من حمامات دم في العديد من المناطق. فما يجري في العراق من تفجيرات يومية بعيد عن ثقافة الامة وتراث شعوبها، فلم يحدث ان استهدف العرب او المسلمون بعضهم بالقتل الجماعي في الاسواق والمساجد والطرقات والجامعات. ولم يحدث ان تصدى جيش عربي لمعارضي النظام بقتل اكثر من 3000 شخص في يوم واحد كما جرى في مصر. فذلك تعبير عن دموية وسادية غير معهودة في التاريخ المعاصر للعرب والمسلمين.
الامر الواضح ان الحكم السعودي رأى في النهضة السياسية التي تجسدت بثورات الربيع العربي تهديدا لنظامه السياسي ولا بد من مواجهته. وتدرك الرياض ان احدى انجع السبل لتحقيق ذلك بث حالة الفوضى الفكرية والايديولوجية والمذهبية وخلط الاوراق وترويج العنف، فكل تلك الظواهر مانعة عن النهوض السياسي. فالمجتمع المفكك الذي يتقاتل افراده وفق خطوط التمايز المذهبي والايديولوجي، وتسيل فيه حمامات الدم، لا يمكن ان ينهض باحثا عن الحرية او مطالبا بالحقوق.ت لقد كان هناك قدر من التماسك في المجتمعات التي ثارت ضد انظمة حكمها الاستبدادية، وهكذا كان المصريون والتونسيون والبحرانيون والليبيون واليمنيون والسوريون عند انطلاقهم للتغير. وتدخلت قوى الثورة المضادة التي تتصدرها السعودية لتعكر اجواء التغيير ولتدخل تلك المجتمعات في اتون التوترات الدينية والطائفية والايديولوجية، ليس على مستوى الفكر والسجال النظري، بل على مستوى القتل الجماعي والارهاب.
ثلاث ظواهر تجلت في الشهور الاخيرة في مجتمعات الثورة. اولها تنامي نزعات العنف والتطرف من قبل قطاعات واتجاهات يمكن ربط الكثير منها بالدعم السعودي، ثانيها: الابتعاد الجماهيري بشكل تدريجي عن مجالات السياسة والتغيير نتيجة انتشار العنف والتطرف، ثالثها: نزوع انظمة الحكم القائمة بعيدا عن الاصلاح السياسي والتوجه للمزيد من التشدد والاستبداد. ووجد الغربيون انفسهم في وضع حرج. فهم حلفاء لانظمة الاستبداد منذ عقود وقد احرجتهم ثورات التغيير، وحاولوا تشجيع اصدقائهم على تطوير انظمتهم السياسية ولكن بدون جدوى. وكان امامهم خيارات ثلاثة: اما الاستمرار في دعم الانظمة الاستبدادية لانها تضمن مصالح الغربيين وتبدو مستقرة، او دعم الثورات بشكل مكشوف وهذا ينطوي على مخاطر آنية تتمثل اساسا بتوتر العلاقات مع الحكومات الصديقة، او انتهاج سياسة اللاموقف واللامبالاة وترك الامور على عواهنها بانتظار ما يسفر الصراع عنه. اغلب الدول الغربية اختار الوقوف مع الانظمة وتخلى عن شعاراته التي رفعها بترويج الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان في العالم. السعودية مارست ضغوطا كبيرة مستغلة اموالها النفطية الهائلة، واستطاعت التأثير على مواقف تلك الدول بشكل واضح. المال النفطي استغل بشكل بشع لاستئجار شركات العلاقات العامة في العواصم الغربية، بالاضافة لصفقات السلاح العملاقة.
وجاءت قضية الصراع في سورية لتفجر العلاقات بين الدول الغربية ودول مجلس التعاون التي تتصدر الدعوة للتدخل العسكري الغربي لحسم الموقف ضد بشار الاسد. وهنا برزت الازمة بابشع اشكالها. فظهور المجموعات المسلحة ذات الاتجاه الديني المتطرف ا مر مقلق جدا للغربيين، الذين عاشوا الدرس الافغاني وادركوا ان دعم هؤلاء سينقلب عليهم. هذا من جهة.
ومن جهة اخرى فان اقرار السياسة السعودية بدعم المجموعات الارهابية يمثل تضاربا مع خيار االحرب ضد الارهابب. فكيف تحارب هذه المجموعات من جهة ويوفر لها الدعم من جهةت اخرى. وربما ادى هذا التضارب واللغط حول تسليح المجموعات المتطرفة لاقناع الغربيين بشكل اكبر بان السعودية تقف وراء موجات التطرف والعنف في العديد من البلدان: العراق وسورية وافغانستان وباكستان وليبيا وتونس. السعودية تسعى لاقناع الغربيين بانها تستطيع السيطرة على هذه المجموعات، وانها ستكون مفيدة في الوقوف ضد ايران وحلفائها.
وقد سعت الرياض لتسويق هذه الفكرة، وربما استطاعت اقناع بعض الدول الغربية خصوصا بريطانيا بامكان الاستفادة من المجموعات المسلحة ذات النزعات الدينية المتطرفة لمواجهة محور االاسلام السياسيب. السعودية خيرت الغربيين بين هذا المحور ومحور االاسلام الجهادي’، وبذلت جهودا كبيرة لتسويق هذه الفكرة. ولكن يبدو ان الامريكيين ادركوا انها فكرة لن يكتب لها النجاح لانها تنطوي على تناقض واضح: فكيف تدعم االارهابب بينما تشن حربا دولية ضده.
جاء قرار السعودية برفض مقعدها بمجلس الامن الدولي ليزيد الوضع غموضا وتوترا. وبررت الرياض ذلك بان مجلس الامن فشل في إقرار الحرب ضد سورية، ولم يقدم مشروعا واقعيا لحل المشكلة الفلسطينية او السماح باقامة الدولة الفلسطينية على بعض اجزاء فلسطين، بينما دعت الدول الغربية السعودية لقبول المقعد والاستفادة منه للتأثير على قرارات مجلس الامن الدولي. وفيما دعمت دول مجلس التعاون ومصر ذلك الرفض الذي ابلغته السعودية لسفراء دول العالم لدى الرياض، تتواصل الجهود لملء المقعد الشاغر قريبا اذا لم تتراجع السعودية عن قرارها، وهو امر ما يزال ممكنا.
ولم تخف السعودية امتعاضها من التقارب الامريكي – الايراني الذي قد يكون، اذا ما توفرت ظروفه، بديلا للمحور الامريكي – السعودي. وهذا التطور يعتبر ازمة للدول الثلاث: امريكا والسعودية وايران. فما تزال ادارة اوباما تسعى لمنع تصدع العلاقات مع السعودية، وسعى وزير خارجيته، جون كيري، لاقناع نظيره السعودي بالعدول عن قرار رفض المقعد. وفي الوقت نفسه بدا ان ايران قدمت تنازلات عديدة ازاء مشروعها النووي وفي الملفات السياسية الاقليمية الاخرى، وبرغم عدم وضوح طبيعة التنازلات الا ان الواضح ان طهران تصدر بين الحين والآخر تصريحات اقل تشددا تجاه السعودية. ومن جانبه استطاع الحكم السعودي، للمرة الاولى منذ عقود، تحريك المياه الراكدة في منطقة طالما كانت مسرحا للحرب ومنطلقا للمجموعات التي تهدد العالم وامنه، وتقدم صورا سلبية للغرب عن الاسلام. هذه السياسات السعودية معقدة وخطيرة، ومن شأنها ان تؤدي الى حروب اقليمية، برغم برود نقاط التماس في الازمة السورية. ايران متشبثة بالملف السوري وترفض التخلي عنه، بينما تريد السعودية مقايضة ذلك بترك البحرين تابعة لنفوذها، وعدم مطالبتها بسحب قواتها العسكرية التي يعتبرها البحرانيون ‘محتلة’. الايرانيون في موقف صعب، وتصريحات الرئيس الدكتور حسن روحاني ومبادراته لحل الازمة النووية وتبريد الخطوط الاقليمية الساخنة حظيت بقبول كبير لدى الغربيين، ولكنها قد تؤدي الى خلافات داخل ايران بسبب رفض تيارات اخرى لتقديم التنازلات. ووفقا لبعض المصادر فقد خففت ايران موقفها ازاء عدد من القضايا، فيما كسبت قرارا بابقاء الوضع السوري معلقا. فقد وافقت على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة، وقلصت اهتمامها الاقليمي، خصوصا ازاء البحرين واليمن، وكلتاهما محاذيتان للسعودية. ومع عدم ضمان قدرة الرئيس روحاني على تنفيذ ذلك التفاهم، يبدو مسرح الشرق الاوسط مهيأ للمزيد من المفاجآت. فمن جهة تسعى الرياض وطهران لتهدئة التوتر بينهما، ولكن تصريحات الرياض بالابتعاد عن واشنطن ورفض مقعدها بمجلس الامن، بالاضافة لتكثيف القمع الداخلي وتحدي المطالبين بحقوق اكبر للمرأة، وزيادة الدعم المالي والسياسي للمجموعات المتطرفة في سورية، واستهداف حزب الله اللبناني والسعي لمنع تشكيل حكومة لبنانية بمشاركته، كل تلك التطورات لا تكشف توجها لتخفيف الصراع في المنطقة او بين البلدين، بل يكشف ان السعودية تسعى لتقوية موقعها السياسي لتستطيع التفاوض مع ايران بشكل مختلف.
وهكذا تبدو السياسة السعودية اليوم مختلفة في ممارساتها السياسية عما كانت عليه من هدوء وجنوح للعمل في الخفاء. وهذا يعكس شعورا جديدا لدى رموز الحكم السعودي، بان التطورات الاقليمية لا تسير وفق رغبتهم، وان الحلفاء الغربيين يتحركون وفق ما تقتضيه مصالحهم، ومن الممكن ان يطوروا العلاقات مع ايران التي تنظر السعودية الى نفوذها الاقليمي بقلق شديد. ولا تخفي الرياض امتعاضها من أربع خصائص تميز السياسة الايرانية: إتقان المناورة السياسية، وتشكيل التحالفات الاقليمية، والاعتماد على الذات لبناء القدرات العسكرية خصوصا الصاروخية والنووية، وتناغمها مع ثورات الربيع العربي بشكل واضح.
فالثورة من اجل التغيير انطلقت اساسا من ايران التي طالما اتهمها الحكام العرب بالسعي لما اطلق عليه ‘تصدير الثورة’. وعندما لم تستطع السعودية ركوب موجة التغيير الثوري سعت لافشاله او محاولة احتواء نتائجه او خلق فوضى سياسية وامنية غير مناسبة للخيار الثوري في التغيير. ولذلك تبدو المصالحة السعودية – الايرانية مستبعدة في الوقت الحاضر نظرا لطبيعة نظامي البلدين. والسؤال هنا: الى اين يتجه المشروع السياسي السعودي في المنطقة بعد اسقاط حكم الاخوان في مصر واستهداف بقية الثورات ؟ السعودية نزلت الى الميدان هذه المرة باسلوب ‘انتحاري’، فقد تحقق مكاسب سياسية كبيرة بهزيمة ثورات الشعوب من اجل التغيير، او قد لا يحالفها الحظ فتنتصر شعوب المنطقة على انظمتها الديكتاتورية، وتصبح منظومة الحكم التي تدافع السعودية عنها باستماته غير قادرة على الصمود امام اصرار الجماهير على التغيير. وتعلم الرياض وبقية العواصم العربية ان المعركة من اجل الاصلاح والتغيير ما تزال في بدايتها، وان القضاء عليها يتطلب اكثر مما فعله جنرالات مصر عندما قتلوا اكثر من الف شخص في يوم واحد.
كيف تخسر أميركا حلفاءها؟!
عبد المنعم سعيد- الشرق الاوسط:
بقدر ما كتب لباراك أوباما عند ولايته الأولى لرئاسة الولايات المتحدة أن يحرز قصب السبق في أمور كثيرة.. من أول رئيس «أسود» وحتى أول من نجح في إخراج قانون الرعاية الصحية إلى الوجود؛ فإنه الآن ربما يحوز مكانة أخرى بأنه الرئيس الذي نجح عهده في تفكيك تحالفات الولايات المتحدة الرئيسة. وخلال أسبوع واحد ما بين نشر مقالي السابق، ومقالي الحالي، فإن واشنطن أصبحت تواجه حالات من التوتر والأزمة بينها وبين كافة حلفائها الرئيسين، لا يستثنى أحد ولا يستبعد. وتفاوتت حالات الأزمة بين ما هو هيكلي، وما هو استراتيجي حول إدارة علاقات دولية حيوية لأطراف متعددة، وما هو لحظي حول السياسات الآنية التي تقلب الدنيا رأسا على عقب. العجيب أن أوباما الذي كان يعد أكثر رؤساء الولايات المتحدة قدرة على التواصل مع الآخرين داخل وخارج أميركا منذ رونالد ريغان؛ إذا به يبدو عاجزا عن توصيل رسالة معقولة للآخرين، وأحيانا لا يجد ما يقول سوى الصمت!
بداية الأسبوع شهدت بقايا أزمة إغلاق الإدارة الأميركية لمكاتبها بعد أن أصبحت الحكومة الفيدرالية عاجزة عن الإنفاق، لأن المسألة ببساطة أن العالم سوف يضع يده مرة أخرى على قلبه بعد ثلاثة أشهر فقط. ما لا يفهمه الأميركيون، ومن الجائز أوباما أيضا، أنه لا يمكن لإدارة أميركية أن تغلق ما يقرب من 20 في المائة من الاقتصاد العالمي فجأة انتظارا لمداولات ومناوشات ومناورات بين الإدارة الأميركية وأغلبية مجلس النواب. القضية هنا ليس فقط أسواق المال، أو حركة الاستثمارات العالمية، أو حتى سلامة البحار والفضاء، ولكن أيضا القدرة على اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية رشيدة. حلفاء الولايات المتحدة الرئيسين في العالم الغربي هم أول من تأثر بالأزمة، والعجب هنا أن واشنطن لم تلق بالا، عادّة ما يجري فيها قضية داخلية بحتة يتصارع فيها حزب الشاي و«حزب القهوة» على من عليه دفع حساب عجز الموازنة الأميركية! الدول الأوروبية ومعها بقية الحلفاء في كندا وأستراليا واليابان حبسوا أنفاسهم وتنفسوا الصعداء، ولكن القلق والتساؤل ظلا باقيين حول قدرة الولايات المتحدة على قيادة الاقتصاد العالمي.
لم تمض أيام حتى ظهر أن معضلة القيادة الأميركية أكبر بكثير مما هو مقدر.. فالقيادة الاقتصادية نابعة من النصيب الأميركي في الناتج الإجمالي العالمي، ولكن القيادة التكنولوجية ممتلئة حتى الحافة بالإشكاليات العظمى. شكل الأزمة من الظاهر بدأ مع هروب الموظف الأميركي في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن إلى روسيا مفشيا قيام أجهزة المخابرات الأميركية بالتجسس على الرسائل الإلكترونية للمواطنين الأميركيين في إطار حملتها ضد الإرهاب. كانت النتيجة هي التساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الإدارة الأميركية في التجسس على مواطنيها. إلى هنا فإننا أمام إشكالية تقليدية بين حرية وخصوصية البشر وحماية الأمن القومي من عمليات إرهابية، ولكن المسألة تضخمت عندما نشر أن التجسس شمل أيضا الدول الأخرى بما فيها الدول الحليفة بما فيها قيادات هذه الدول. وبالمناسبة فإن التجسس على الحلفاء ليس أمرا غريبا، وحتى عام 1971 كان هناك داخل وكالة المخابرات المركزية الأميركية قسم متخصص بالتجسس على المملكة المتحدة، ولكن القسم جرى إلغاؤه، ولم يكن يعني ذلك توقف التجسس وإنما تغير أساليبه وربما أيضا شروطه بين البلدان المتحالفة. الآن أصبح على أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية أن تغضب للتجسس على تليفونها الخاص، وأن تتوجه مع فرنسا إلى الولايات المتحدة بطلب فتح مفاوضات مباشرة للتعامل مع هذا الموضوع الحيوي. بعض الدول الأوروبية الأخرى كانت أشد غضبا فطرحت على دول الاتحاد الأوروبي وقف مفاوضات خاصة بالتجارة بين جانبي المحيط الأطلسي. هنا فإن الغضب الأوروبي ربما يتعدى التجسس إلى الحقائق الموضوعية التي تقف وراءه، وهي أن الولايات المتحدة تكاد تحتكر قيادة الثورة الصناعية الثالثة بما فيها من أقمار صناعية كثيفة قادرة على التجسس والتحكم في الاتصالات العالمية. والحقيقة هي أنه لا يوجد مقابل عالمي آخر لشركات «أبل» و«مايكروسوفت» و«غوغل» و«ياهو» وغيرها ممن يتحكمون في محركات الاتصالات العالمية كلها أو أغلبها بعد أن جرت إزاحة «نوكيا» و«سوني»، وهي من وفرة أرباحها قادرة دوما على التجديد والاختراع والاستحواذ على الشركات الأوروبية الأقل قدرة.
المسألة هنا ليست أن دول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في حلف الناتو على وشك فض الشراكة مع الولايات المتحدة، ولكن المؤكد أن السيادة الوطنية لهذه الدول أصبحت واقعة في اختبار كبير، ولا يوجد لدى الولايات المتحدة ما يساعدها على التعامل مع الواقع التكنولوجي الذي توحش عالميا إلى الدرجة التي ربما سوف يستحيل معها التحكم فيه، ولا يبدو أن إدارتها لديها القدرة على كبح جماح ما وصلت إليه أجهزة تجسسها من تطور لا يصيب الأعداء فقط، وإنما يصيب الأصدقاء أيضا. ذات المسألة ظهرت عندما قام رئيس الوزراء الباكستاني نزار شريف بزيارة واشنطن، ورغم أن جعبة الرجل حملت الكثير، لكن واحدا من ملفاته الرئيسة كان الضربات التي توجهها طائرات «بريداتور» من دون طيار الأميركية إلى قواعد إرهابية في باكستان وحدودها مع أفغانستان، ولكنها تصيب المدنيين أيضا مما تسبب في حرج بالغ للحكومة الباكستانية تجاه مواطنيها، وعدم قدرتها على الدفاع عن حلفها مع أميركا في وقت تقوم فيه هذه الأخيرة باختراق سيادتها عندما يعن لها ذلك.
مرة أخرى، فإن الحلف الباكستاني - الأميركي ليس بطريقه إلى الاختفاء، فهناك من المصالح ما هو أكثر من ضربات طائرات من دون طيار، ولكن علاقات الدول درجات، والتحالفات أنواع، وعندما تبدأ الثقة في الروابط تتأرجح، فإنه لا يمضي وقت طويل إلا ويصبح على الدول أن تتخذ قرارات خطيرة. بعض من هذا ظهر في علاقة المملكة العربية السعودية بواشنطن، وهي علاقة وثيقة واستراتيجية منذ لقاء قادة البلدين في قناة السويس عام 1944 عند نهاية الحرب العالمية الثانية، ودعمها موقف البلدين من الشيوعية والحرب الباردة ثم الوقوف المشترك في مواجهة الغزو العراقي للكويت، والقلاقل والفوضى التي تذيعها إيران في المنطقة. وشهدت الأيام الماضية تغيرا في هذه العلاقة مع الموقف الشجاع الذي اتخذته المملكة عندما قررت عدم قبول عضوية مجلس الأمن. لم تكن المملكة على استعداد لقبول مهزلة سياسية يكون فيها مجلس الأمن غطاء لذبح الشعب السوري، ودفن القضية الفلسطينية، والتواطؤ مع جماعات إرهابية ضد المصالح المصرية، والتواطؤ مع طهران على حساب المصالح العربية. ليس بمثل هذه الطريقة تجري التحالفات الدولية، هكذا كان القول والموقف السعودي الذي قادت إليه سياسات أوباما المتضاربة والعاجزة عن اتخاذ مواقف يستطيع الحلفاء التفاعل والتجاوب معها.
المربّع الذهبي بدلاً من المثلث الذهبي
عبد الوهاب بدرخان- النهار اللبنانية:
"نحن دولة تحترم شعبها"... العبارة للسيد حسن نصرالله. والمعنى يقصد "دولة حزب الله" التي تستعيد مخطوفيها سواء من سوريا أو من اسرائيل. أما الدولة الاخرى، "دولة جميع اللبنانيين"، فلم تكلّف نفسها عناء تحديد مرجع رسمي لحل قضية المسجونين والمفقودين لدى النظام السوري منذ أعوام طويلة، وكأن هذا النظام امتنع عن التعاون في هذا الملف لأنه لم توجد "لجنة أو جهة معينة" لبنانية لمتابعته. ماذا عن انكار النظام وتضليلاته للجان أمنية قصدت دمشق بالفعل واستُخفّ بها ولم تُعطَ اجابات ولا ايضاحات؟ وماذا عن مراجعات رؤساء ورؤساء حكومات ونواب وسياسيين، وصولاً الى العماد ميشال عون الذي لم ينتزع خيراً ولا شراً في هذا الموضوع في عز الغزل بينه وبين بشار الاسد؟
ثم ان "احترام الشعب" لا يكون فقط باسترجاع الأسرى والمخطوفين، وهذا واجب، بل يكون أيضاً في الإحجام عن غزوات كـ 7 أيار 2008، وعن الإصرار على تكرارها لا لشيء إلا لأن البعض المسلّح من الشعب يريد مصادرة ارادة البعض الآخر، بل تقزيم الدولة وتجاوز الجيش وبالتالي مصادرة ارادة البلد. وطالما أن السيد نصرالله أعلن مساء الاثنين أن الأزمة في سوريا انتهت وأنه خرج منتصراً منها موزعاً الفرص الأخيرة على الفريق الآخر في الداخل، وعلى أربع - خمس في المنطقة، فما الذي يزعجه في مراهنة الآخرين على ما يجري في سوريا.
لكلٍ رهانه، ولا شيء انحسم في سوريا لمجرد أن نصرالله يعلن ذلك. فهو يعلم جيداً أن الأزمة بلغت الآن لحظة صعبة ولا تغيير جذرياً طرأ على الوضع الميداني، إلا اذا كان نصرالله مغتبطاً بنجاح خطة النظامين السوري والايراني بزرع "داعش" في مناطق المعارضة الى حدّ تحذير طرابلس بخطة مماثلة. ولكل أوهامه، فخلال العامين الأخيرين بشّر الأمين العام لـ "حزب الله" نفسه وجمهوره بالكثير من الأوهام و"المنامات"، وداس الكثير من الحقائق من دون أن يتمكّن من تغييرها سواء في لبنان أو في سوريا.
ففي لبنان لا يزال مصرّاً على أن يأتيه "الفريق الآخر" صاغراً مستسلماً معترفاً بالهزيمة وراضخاً للسلاح غير الشرعي وشروطه لتشكيل حكومة يفترض أن تكون "توافقية"، وإذ فشل هذا الرهان فإنه يعزو الأمر الى الغضب السعودي. وفي سوريا استسهل منذ اللحظة الاولى الاستهزاء بثورة الشعب مستبدلاً العداء للسوريين بالعداء لاسرائيل فاستسهل أيضاً قتلهم والتعامي المتعمّد عن آلامهم وطموحاتهم. هذه عقلية متجبرة لا علاقة لها بروح المقاومة و"احترام الشعوب".
في الخطاب المقبل قد يهدّد نصرالله رافضي "المثلث الذهبي" (الشعب والجيش والمقاومة) الذي لم يعد له معنى منذ زمن، بفرض "المربع الذهبي" (الاسد والمقاومة والجيش والشعب)، فاغتنموا "الفرصة" قبل أن يفعل.
المشروع النووي الأردني
د.رحيل محمد غرايبة (http://www.addustour.com/columnist/87/)
تم الإعلان أمس عن اختيار شركة (روس أتوم) الروسية للقيام بإنشاء أول محطة نووية في الأردن في منطقة «عمرة» التي تبعد (60)كم جنوب شرق خربة السمراء، بكلفة تقدر بسبعة مليارات دينار، وستبدأ المفاوضات الأسبوع المقبل تمهيداً لتوقيع الاتفاقية.
موضوع إنشاء المشروع النووي كان محل جدل كبير بين الخبراء والمختصين في مجال الطاقة في الاردن، ومثار جدل أكبر بين المواطنين بشكل عام، حيث أن هذا المشروع يشكل مصدر قلق وتوتر شديد للشعب الأردني، لأسباب مبرّرة ومشروعة كثيرة ومتعددة؛ بعضها يعود إلى مخاطر التلوث المحتمل، قياساً على ما حدث في كثير من الدول النووية؛ مثل كارثة «تشيرنوبل» في أوكرانيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، والتي ألحقت ضرراً كبيراً بالإنسان والحيوان والمزروعات والثمار والتراب والماء والهواء، وحديثاً تمت كارثة مشابهة في اليابان حيث ألحقت الفياضانات أضراراً بمفاعل «فوكوشيما» الذي ما زالت آثاره تشكل خطراً يهدد حياة الشعب الياباني والشعوب المجاورة.
تكمن المشكلة الجوهرية لدى الأردنيين بالخوف والذعر الذي يتملكهم، عندما يرون أن اليابان التي تحظى بتقدم كبير، وتمتلك إمكانات ذات تقنية عالية، ولديها قدرات متميزة، تكاد تسبق الدول الغربية المتقدمة وتتفوق عليها، ومع ذلك وجدت صعوبة بالغة في وقف آثار الكارثة الخطرة، ولم تستطع الحيلولة دون احتمال تسرب الإشعاعات النووية من المحطة المتضررة، ما يثير الاستهجان والاستغراب والسخرية لدى الأردنيين فيما لو حصلت هذه الكارثة عندنا، فلن يستطيع أحد أن يزعم أن هذا الاحتمال بعيد أو غير متوقع، ولن يستطيع أحد أن يزعم مهما أوتي من علم وبلاغة وقوة منطق، أن يقنع الشعب الأردني بأننا نملك 1% من إمكانيات اليابان! التي أصبحت تفكر بالتخلص من الطاقة النووية، كما فعلت ألمانيا الأكثر تحضراً وتقدماً وعراقة؛ حيث اتخذت قراراً بالتخلص من كل مفاعلاتها النووية بحلول العام (2025م)، والذهاب إلى مصادر الطاقة المتجددة.
إذا كان الهدف الوحيد لدى الأردن ينحصر بالحصول على مصادر أخرى للطاقة غير النفط والغاز حيث أصبحت كلفتها عالية، ومرهقة للموازنة، فهذا يجعلنا نطرح سؤالاً كبيراً ومشروعاً: لماذا لا ننفق المليارات السبع على مصادر الطاقة المتجددة، وهناك شركات عالمية مستعدة للإسهام والتعاون مع الأردن في تقديم هذه التقنية الصديقة للبيئة، التي تحمي الأردن وتحمي الإنسان والحيوان والماء والهواء والتراب من تلوث خطير محتمل، لن تزول آثاره عبر مئات السنوات!!.
الشعب الأردني لا يشعر بالطمأنينة نتيجة إصرار بعض المسؤولين على المضي قدماً في إنشاء المحطة النووية التي تحتاج إلى أموال طائلة وتقنية عالية، وخبرات متطورة ليست متوافرة! وضمانات صارمة نعجز عن امتلاكها! وإلى مياه كثيرة تفتقر إليها الأردن حيث تشهد فقراً شديداً في المياه، ولا تستطيع توفير مياه الشرب للمواطنين ، في ظل تزايد الطلب وتزايد السكان وتزايد أعداد المهاجرين والوافدين، بينما نلحظ تباطؤا واضحاً في الشروع في إنجاز مشاريع جديّة لمصادر الطاقة المتجددة، حيث ما زلنا نسمع بأن هناك مخططات في هذا المجال منذ عشرات السنوات، لم تخرج إلى حيّز التنفيذ والإنجاز.
.. التجسس علينا في الاتجاهين !
طارق مصاروه – الرأي الاردنية:
المشكل ليس في تجسس الأميركيين على أصدقائهم. فذلك جزء من الانحدار الخلقي الذي تمارسه القوى الكبرى في صراعها مع بعضها، وفي عمليات هيمنتها على دول العالم. المشكل هو أن للتجسس وجهاً بشعاً آخر هو استعمال أعظم إنجازات العلم في حقول الاتصال، لتدمير قيادات الشعوب، واحتوائها قبل ذلك، وتطويعها لتكون في خدمة الطغيان. فماذا يمكن لدوائر الجاسوسية الأميركية أن تعرف أكثر عن مستشارة ألمانيا بمراقبة هاتفها الخاص، والتسمع على مكالماتها الخاصة؟؟.
وتتحدث الصحافة الأميركية عن التركيز التجسسي الأميركي على بلدان كالأردن ومصر وباكستان.وتورد رقماً مهولاً عن رصد عشرات ملايين المكالمات الهاتفية في إسبانيا في يوم واحد. لكن الصحافة لا تقول لنا لماذا كل هذا السرف في التركيز التجسسي على بلد صغير كالأردن، أو على بلد فقير كمصر، أو بلد فاشل كباكستان؟!.
قبل أن نجيب على أي سؤال ورد أو سيرد نقول: إنّ للتجسس أكثر من وجه. فهو ليس مجرد نقل معلومات من البلد المستهدف إلى واشنطن، وإنما له أيضاً وظيفة أخطر هي: نقل الأوامر من واشنطن إلى البلد المستهدف!!. فقد سمعنا كثيراً عن أن الربيع العربي بدأ بالاتصالات على «الفيس بوك» و»التويتر»، وأن «مؤسسات المجتمع المدني» التي فرّخت بعشرات الآلاف كانت الجزء الأكثر تأثيراً على تحركات الشارع. فإذا أضفنا إلى تأثير الاتصالات، وجمعيات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، وحماية الصحافة، والإصلاح، والاستحداثات المذهبية والدينية، .. وأموال بعض دول النفط.. فإننا أمام المشهد الذي عايناه في مصر وسوريا وتونس وليبيا.. وما كان يمكن أن نشهده في بلدان عربية أخرى!!.
ثم نسأل: لماذا لا تمرر واشنطن كل هذه الحصيلة الهائلة من معلومات التجسس لحليفها الإسرائيلي؟!. سواء أكان هذا التمرير رسمياً أم عن طريق صهيوني أميركي مزروع في مفاصل شبكات استقبال المعلومات، ومفاصل شبكات ايصال التعليمات؟!.
من هنا يمكن أن نفهم سرّ نشاط التجسس الأميركي في الأردن. فالقيادات الصهيونية لم تخف منذ عام 1921 اصرارها على تهويد كل فلسطين، وحل مشكل الفلسطينيين المشردين عن وطنهم في الأردن. وهذا كلام ليس جديداً.. ونسمعه حتى في الأردن من أن الفلسطينيين هم الأكثرية، للترويج لمقولة: فلسطين هي الأردن!!.
إنّ رصد قوى المجتمع الأردني التي تقاتل دفاعاً عن الدولة الأردنية، وعن النظام السياسي في الأردن، يدلنا على التنبه الطبيعي للحذر من الصديق الأميركي. والتنبه إلى خطورة اطلاق الحريات التي ابتدعتها صحافة الاتصالات المنفلتة، والفضائيات التي تملأ أجواء الوطن العربي بالحقد والنزعات المنحطة المذهبية والعنصرية. ومتابعة ما يسمي ببعض «منظمات المجتمع المدني».
فما هو سبب وجود هذه المنظمات التي تمولها السفارات والمنظمات الدولية المشبوهة جهاراً نهاراً إذا كان عندنا أحزاب، ومجلس أمة، ونقابات وجمعيات خيرية، ومنظمات للمرأة ورعاية الطفولة؟؟ لماذا نستبدل مؤسساتنا الوطنية الذاتية ونشجع المستوردة الممولة.. لولا نفوذ التجسس الأميركي؟.
.. لنتذكر: فهذا السطو الأميركي البريطاني علينا فرض حبس الشيوعي الأردني لكونه شيوعياً خمسة عشر عاماً... سجناً!!.
الثورات والتحرر من اللامعقول
د. نوال السعداوي – الاهرام
من إيجابيات الثورات أنها لاتسقط النظام المستقر فقط, بل تسقط فكرة الاستقرار ذاتها, التي تتمسك بها الأنظمة المستبدة.
تواكب الثورات السياسية ثورات فكرية, تنتج عنها تغييرات جذرية للعقل وتطور جديد لرؤية العالم.
من فوائد الأزمات أنها تقود للثورات, التي تغير النظريات الثابتة في العلوم الطبيعية و الاجتماعية, منها الطب والبيولوجيا والكيمياء والفيزياء والفلسفة والاقتصاد والأديان والأخلاق, قانون الحياة هو التغير, لا توجد حتمية بيولوجية أو عقائدية, يتطور المخ البشري مع الثورات المتكررة وتغير النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية.
نحن نغير حياتنا عندما نغير عقولنا, وعندما نغير عقولنا نقوم بثورات تغير النظام الذي يحكمنا, والذي يسهم بدوره في تغيير عقولنا, هكذا يستمر التطور العقلي للانسان عبر ملايين السنين تطور المخ البشري وأصبح له ثلاثة أجزاء:
الجزء القديم الموروث من مخ الزواحف( الجذع المخي) وظيفته الحفاظ علي البقاء, مركز الأكل والشرب والتكاثر والدفاع عن النفس.
الجزء الثاني( الطرفي) يشترك فيه مخ الانسان مع مخ الثدييات, مركز الذاكرة والتعلم والتقليد والقيام بالعمليات الآلية للحياة اليومية.
الجزء الثالث, المخ الترابطي( الفص الجداري) أو القشرة الحديثة تكونت ببطء شديد, وأصبحت قادرة علي التخيل والربط بين الأشياء غير المترابطة, والإبداع وحرية التفكير والصدق والعدالة والمسئولية الأخلاقية, انه العقل الحديث, يواجه به الإنسان المفاجآت والأزمات, ويتغلب عليها بالمنطق والبرهان والخطط: التصدي للعدو الخارجي أو تنظيم الثورات لإسقاط النظام, وبناء نظام جديد أكثر عدلا وحرية.
الأجزاء الثلاثة للمخ تتداخل وتترابط وتتيح لنا الجمع بين قوة التعقل والتوازن وجموح الخيال والثورة والإبداع, هذه القدرة العقلية تربط بين14 ألف مليون خلية عصبية, وهي عبقرية الانسان الذي أبدع الاختراعات العلمية والثورات الاجتماعية, التي حطمت الثوابت والحتميات البيولوجية والعقائدية, وصنعت ثوابت وحتميات جديدة, تتحطم بدورها مع الابداع والثورة وتجديد العقل الانساني, فهل يعجز هذا العقل العبقري عن تحرير العالم من الحروب المشتعلة في كل مكان حتياليوم ؟ وهل يعجز عن القضاء علي الفقر أو القهر الاقتصادي الذي يطحن الأغلبية الساحقة من الشعوب ؟ وهل يعجز عن إنهاء القهر الجنسي للنساء والأطفال ؟
وهل تعجز عقولنا بعد ثوراتنا المتعاقبة عن تمهيد الطريق لتحقيق الأهداف الثورية؟ أو علي لأقل, إصدار دستور جديد يحقق المساواة بين المواطنين دون تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو الطبقة؟.
ليست المشكلة عجز العقل البشري, بل النظم الحاكمة الظالمة بقوة الأموال والإعلام والدين والسلاح, واستخدام اللعب السياسية والكلمات المراوغة لإخفاء الظلم والتفرقة, مثلا كلمة الهوية ماذا تعني؟ وكيف تشعل الهوية النيران لحرق العدالة في الدستور؟ وهل هوية الدولة تختلف عن هوية الوطن والمجتمع والشعب ؟ هل هوية المرأة تختلف عن هوية الرجل ؟ هل هوية الإنسان المصري تختلف حسب موروثه من المذاهب أو الأديان أو الايديولوجيات ؟ أليست الهوية الإنسانية حقا للجميع بالتساوي والعدل ؟ أم أنها هوية الحزب الإسلامي السلفي المسيطر بأفكاره اللامعقولة ؟ هل توقفت عقولنا عن التطور حتي يسيطر علينا اللامعقول ؟ كيف لأستاذ جامعي أن يعلق بعنقه خرزة زرقاء تقيه الحسد ؟ كيف لأستاذة جامعية بالنانو تكنولوجي أن تغطي رأسها لأنه عورة ؟ كيف لزعيم اشتراكي الجمع بين أربع زوجات في فراش واحد ويعاملهن بالعدل ؟
كيف لمثقف أن يفسخ بإرادته المنفردة عقدا وقعه هو وزوجته معا؟
كيف يعيش1% من المصريين في القصور و95% في القبور؟
كيف تعجز الدولة عن عقاب واحد ممن قتلوا الثوار؟ أو واحد ممن زرعوا الفساد ؟ أو استرداد شيء من الأموال المنهوبة المهربة ؟
تندرج النظم الظالمة تحت الانحرافات التطورية, فتنمو قلة علي حساب الأغلبية, أو ينمو عضو بالجسد علي حساب الأعضاء الأخري, مما يوقف التطور لبعض الكائنات الحية, في نوع من الإبل, تضخم قرن الذكر مما عرقل سيره فتخلف عن الركب ومات, وأدي تضخم فقرات الذيول لانقراض بعض الفيلة أو الديناصورات فهل ينقرض نوع بشري في القرن العشرين بسبب التحيز ضد الجنس الآخر أو ضد الطبقات والمذاهب الأخري ؟.
30/10/2013
في هذا الملــــف:
الصراع يحتدم بين التغيير واعدائه
القدس العربي
كيف تخسر أميركا حلفاءها؟!
الشرق الاوسط
المربّع الذهبي بدلاً من المثلث الذهبي
النهار اللبنانية
المشروع النووي الأردني
الدستور الاردنية
.. التجسس علينا في الاتجاهين !
الرأي الأردنية
الثورات والتحرر من اللامعقول
الاهرام المصرية
الصراع يحتدم بين التغيير واعدائه
د. سعيد الشهابي – القدس العربي:
ما الذي يدفع السعودية التي عرفت بسياستها الهادئة للخروج على ذلك المألوف والنزول الى الملعب السياسي الاقليمي والدولي بثقلها كله بشكل مكشوف وبدون الخشية من الانعكاسات السلبية لذلك على مستقبل حكم البيت السعودي؟ التدخلات السعودية في دول الجوار ليست جديدة بل تعود للعقود الاولى بعد تكوين الدولة السعودية الحالية قبل ثمانين عاما، بل ان الصراع الذي يتخذ احيانا ابعادا مذهبية يعود الى أيام محمد علي قبل حوالى مائتي عام، بعد الدعوة الوهابية الاولى.
وما تزال ذاكرة الجيل المتقدم في العمر تستحضر تدخلها قبل خمسين عاما في اليمن لمواجهة المد الناصري والتصدي للجمهوريين، ودخولها حربا طاحنة راح ضحيتها عشرات الآلاف من الطرفين. وعندما حدثت ازمة الكويت إثر الاجتياح العراقي لاراضيها في اغسطس 1990 شعر البيت السعودي بالتحدي الحقيقي لمنظومة حكمه، فلم يتردد في استدعاء التدخل الخارجي لخوض اكبر حرب تكنولوجية في العالم تصدرتها الولايات المتحدة الامريكية.
كانت تلك التجربة مضرة جدا بسمعة الحكم السعودي، فقد اظهرته غير قادر على الوفاء بالتزامات السعودية حيال امن دول مجلس التعاون عندما يتعرض للخطر، ولكنها كشفت كذلك استعداد النظام للتضحية بالسيادة الاقليمية اذا استدعى الامن السياسي للنظام ذلك. ولكن ما حدث بعد عامين كان مثيرا للاستغراب والتساؤل عن مدى حكمة بعض التصرفات السعودية. فالدخول في صراع مع قطر في 1992 حول مركز حدودي لا يعكس حنكة سياسية خصوصا انه لم يحقق ما تريده الرياض: اثبات قوة ذراعها العسكرية الضاربة وقدرتها على بسط النفوذ اقليميا. فقد ادت تلك الخطوة لتوتر في العلاقات ما تزال آثاره مستمرة حتى الآن، وربما كان احد الاسباب التي دفعت قطر للولوج الى عالم النفوذ الاقليمي بمستوى غير مسبوق، الامر الذي كان طوال العقدين الاخيرين مصدر انزعاج السعودية وغضبها. ولكن تجربة قطر لم تكن كافية، فسرعان ما دخلت الرياض في صراع مع الامارات حول حقل االشيبةب بالقرب من حدود البلدين مع سلطنة عمان. واذا كانت تلك التدخلات محدودة في حجمها وأثرها، فان مواقفها المعلنة والسرية تجاه الوضع في العراق بعد حرب 2003 تلها اهداف غير معلنة اهمها منع رياح التغيير من الوصول الى حدودها. ثم جاء اجتياحها العسكري السافر قبل ثلاثين شهرا لقمع ثورة شعب البحرين. ذلك التدخل كان الاكثر تعبيرا عن رغبة المملكة ليس في اثبات وجودها فحسب، بل في استعدادها للمغامرات وان كانت غير محسوبة اذا تعرض نظامها السياسي لتحديات جدية، او اصبح نفوذها السياسي الاقليمي خصوصا داخل مجلس التعاون مهددا. ويمكن القول ان الصمت الذي قوبل به ذلك التدخل شجع الرياض على انتهاج سياسات اكثر وضوحا وتوسعا، وأعمق رغبة في توسيع النفوذ الاقليمي.
والسؤال هنا: ما الذي يدفع الحكم السعودي لتوسيع نفوذه؟ أهو الحاجة المادية ام السعي لتغيير التوازن السياسي في الشرق الاوسط ام الدفاع عن الوجود؟ فالسعودية التي يبلغ دخلها السنوي من النفط حوالي 400 مليار دولار لا تحتاج لادارة الدولة اكثر من 100 مليار، وبالتالي فهي ليست محتاجة للمزيد من الثروة. ولا شك انها تسعى للحفاظ على التوازن السياسي بالشكل الذي يمنع محاولات التغيير فيها بشكل جوهري. وهذا نابع من الرغبة من الحفاظ على نظام الحكم القائم، ومنع محاولات تغييره. فمع علم السعودية بالتبعات السياسية المحتملة للتدخل في شؤون الدول المحيطة فقد هرعت بدافع السعي للحفاظ على النظام لكسر الثوابت في العلاقات بين الشعوب.
وجاء تدخلها العسكري السافر في البحرين ليدشن عهدا جديدا اكثر استقطابا ودموية. فالمنطقة لم تشهد في عقودها السابقة ما تشهده اليوم من حمامات دم في العديد من المناطق. فما يجري في العراق من تفجيرات يومية بعيد عن ثقافة الامة وتراث شعوبها، فلم يحدث ان استهدف العرب او المسلمون بعضهم بالقتل الجماعي في الاسواق والمساجد والطرقات والجامعات. ولم يحدث ان تصدى جيش عربي لمعارضي النظام بقتل اكثر من 3000 شخص في يوم واحد كما جرى في مصر. فذلك تعبير عن دموية وسادية غير معهودة في التاريخ المعاصر للعرب والمسلمين.
الامر الواضح ان الحكم السعودي رأى في النهضة السياسية التي تجسدت بثورات الربيع العربي تهديدا لنظامه السياسي ولا بد من مواجهته. وتدرك الرياض ان احدى انجع السبل لتحقيق ذلك بث حالة الفوضى الفكرية والايديولوجية والمذهبية وخلط الاوراق وترويج العنف، فكل تلك الظواهر مانعة عن النهوض السياسي. فالمجتمع المفكك الذي يتقاتل افراده وفق خطوط التمايز المذهبي والايديولوجي، وتسيل فيه حمامات الدم، لا يمكن ان ينهض باحثا عن الحرية او مطالبا بالحقوق.ت لقد كان هناك قدر من التماسك في المجتمعات التي ثارت ضد انظمة حكمها الاستبدادية، وهكذا كان المصريون والتونسيون والبحرانيون والليبيون واليمنيون والسوريون عند انطلاقهم للتغير. وتدخلت قوى الثورة المضادة التي تتصدرها السعودية لتعكر اجواء التغيير ولتدخل تلك المجتمعات في اتون التوترات الدينية والطائفية والايديولوجية، ليس على مستوى الفكر والسجال النظري، بل على مستوى القتل الجماعي والارهاب.
ثلاث ظواهر تجلت في الشهور الاخيرة في مجتمعات الثورة. اولها تنامي نزعات العنف والتطرف من قبل قطاعات واتجاهات يمكن ربط الكثير منها بالدعم السعودي، ثانيها: الابتعاد الجماهيري بشكل تدريجي عن مجالات السياسة والتغيير نتيجة انتشار العنف والتطرف، ثالثها: نزوع انظمة الحكم القائمة بعيدا عن الاصلاح السياسي والتوجه للمزيد من التشدد والاستبداد. ووجد الغربيون انفسهم في وضع حرج. فهم حلفاء لانظمة الاستبداد منذ عقود وقد احرجتهم ثورات التغيير، وحاولوا تشجيع اصدقائهم على تطوير انظمتهم السياسية ولكن بدون جدوى. وكان امامهم خيارات ثلاثة: اما الاستمرار في دعم الانظمة الاستبدادية لانها تضمن مصالح الغربيين وتبدو مستقرة، او دعم الثورات بشكل مكشوف وهذا ينطوي على مخاطر آنية تتمثل اساسا بتوتر العلاقات مع الحكومات الصديقة، او انتهاج سياسة اللاموقف واللامبالاة وترك الامور على عواهنها بانتظار ما يسفر الصراع عنه. اغلب الدول الغربية اختار الوقوف مع الانظمة وتخلى عن شعاراته التي رفعها بترويج الديمقراطية والدفاع عن حقوق الانسان في العالم. السعودية مارست ضغوطا كبيرة مستغلة اموالها النفطية الهائلة، واستطاعت التأثير على مواقف تلك الدول بشكل واضح. المال النفطي استغل بشكل بشع لاستئجار شركات العلاقات العامة في العواصم الغربية، بالاضافة لصفقات السلاح العملاقة.
وجاءت قضية الصراع في سورية لتفجر العلاقات بين الدول الغربية ودول مجلس التعاون التي تتصدر الدعوة للتدخل العسكري الغربي لحسم الموقف ضد بشار الاسد. وهنا برزت الازمة بابشع اشكالها. فظهور المجموعات المسلحة ذات الاتجاه الديني المتطرف ا مر مقلق جدا للغربيين، الذين عاشوا الدرس الافغاني وادركوا ان دعم هؤلاء سينقلب عليهم. هذا من جهة.
ومن جهة اخرى فان اقرار السياسة السعودية بدعم المجموعات الارهابية يمثل تضاربا مع خيار االحرب ضد الارهابب. فكيف تحارب هذه المجموعات من جهة ويوفر لها الدعم من جهةت اخرى. وربما ادى هذا التضارب واللغط حول تسليح المجموعات المتطرفة لاقناع الغربيين بشكل اكبر بان السعودية تقف وراء موجات التطرف والعنف في العديد من البلدان: العراق وسورية وافغانستان وباكستان وليبيا وتونس. السعودية تسعى لاقناع الغربيين بانها تستطيع السيطرة على هذه المجموعات، وانها ستكون مفيدة في الوقوف ضد ايران وحلفائها.
وقد سعت الرياض لتسويق هذه الفكرة، وربما استطاعت اقناع بعض الدول الغربية خصوصا بريطانيا بامكان الاستفادة من المجموعات المسلحة ذات النزعات الدينية المتطرفة لمواجهة محور االاسلام السياسيب. السعودية خيرت الغربيين بين هذا المحور ومحور االاسلام الجهادي’، وبذلت جهودا كبيرة لتسويق هذه الفكرة. ولكن يبدو ان الامريكيين ادركوا انها فكرة لن يكتب لها النجاح لانها تنطوي على تناقض واضح: فكيف تدعم االارهابب بينما تشن حربا دولية ضده.
جاء قرار السعودية برفض مقعدها بمجلس الامن الدولي ليزيد الوضع غموضا وتوترا. وبررت الرياض ذلك بان مجلس الامن فشل في إقرار الحرب ضد سورية، ولم يقدم مشروعا واقعيا لحل المشكلة الفلسطينية او السماح باقامة الدولة الفلسطينية على بعض اجزاء فلسطين، بينما دعت الدول الغربية السعودية لقبول المقعد والاستفادة منه للتأثير على قرارات مجلس الامن الدولي. وفيما دعمت دول مجلس التعاون ومصر ذلك الرفض الذي ابلغته السعودية لسفراء دول العالم لدى الرياض، تتواصل الجهود لملء المقعد الشاغر قريبا اذا لم تتراجع السعودية عن قرارها، وهو امر ما يزال ممكنا.
ولم تخف السعودية امتعاضها من التقارب الامريكي – الايراني الذي قد يكون، اذا ما توفرت ظروفه، بديلا للمحور الامريكي – السعودي. وهذا التطور يعتبر ازمة للدول الثلاث: امريكا والسعودية وايران. فما تزال ادارة اوباما تسعى لمنع تصدع العلاقات مع السعودية، وسعى وزير خارجيته، جون كيري، لاقناع نظيره السعودي بالعدول عن قرار رفض المقعد. وفي الوقت نفسه بدا ان ايران قدمت تنازلات عديدة ازاء مشروعها النووي وفي الملفات السياسية الاقليمية الاخرى، وبرغم عدم وضوح طبيعة التنازلات الا ان الواضح ان طهران تصدر بين الحين والآخر تصريحات اقل تشددا تجاه السعودية. ومن جانبه استطاع الحكم السعودي، للمرة الاولى منذ عقود، تحريك المياه الراكدة في منطقة طالما كانت مسرحا للحرب ومنطلقا للمجموعات التي تهدد العالم وامنه، وتقدم صورا سلبية للغرب عن الاسلام. هذه السياسات السعودية معقدة وخطيرة، ومن شأنها ان تؤدي الى حروب اقليمية، برغم برود نقاط التماس في الازمة السورية. ايران متشبثة بالملف السوري وترفض التخلي عنه، بينما تريد السعودية مقايضة ذلك بترك البحرين تابعة لنفوذها، وعدم مطالبتها بسحب قواتها العسكرية التي يعتبرها البحرانيون ‘محتلة’. الايرانيون في موقف صعب، وتصريحات الرئيس الدكتور حسن روحاني ومبادراته لحل الازمة النووية وتبريد الخطوط الاقليمية الساخنة حظيت بقبول كبير لدى الغربيين، ولكنها قد تؤدي الى خلافات داخل ايران بسبب رفض تيارات اخرى لتقديم التنازلات. ووفقا لبعض المصادر فقد خففت ايران موقفها ازاء عدد من القضايا، فيما كسبت قرارا بابقاء الوضع السوري معلقا. فقد وافقت على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة، وقلصت اهتمامها الاقليمي، خصوصا ازاء البحرين واليمن، وكلتاهما محاذيتان للسعودية. ومع عدم ضمان قدرة الرئيس روحاني على تنفيذ ذلك التفاهم، يبدو مسرح الشرق الاوسط مهيأ للمزيد من المفاجآت. فمن جهة تسعى الرياض وطهران لتهدئة التوتر بينهما، ولكن تصريحات الرياض بالابتعاد عن واشنطن ورفض مقعدها بمجلس الامن، بالاضافة لتكثيف القمع الداخلي وتحدي المطالبين بحقوق اكبر للمرأة، وزيادة الدعم المالي والسياسي للمجموعات المتطرفة في سورية، واستهداف حزب الله اللبناني والسعي لمنع تشكيل حكومة لبنانية بمشاركته، كل تلك التطورات لا تكشف توجها لتخفيف الصراع في المنطقة او بين البلدين، بل يكشف ان السعودية تسعى لتقوية موقعها السياسي لتستطيع التفاوض مع ايران بشكل مختلف.
وهكذا تبدو السياسة السعودية اليوم مختلفة في ممارساتها السياسية عما كانت عليه من هدوء وجنوح للعمل في الخفاء. وهذا يعكس شعورا جديدا لدى رموز الحكم السعودي، بان التطورات الاقليمية لا تسير وفق رغبتهم، وان الحلفاء الغربيين يتحركون وفق ما تقتضيه مصالحهم، ومن الممكن ان يطوروا العلاقات مع ايران التي تنظر السعودية الى نفوذها الاقليمي بقلق شديد. ولا تخفي الرياض امتعاضها من أربع خصائص تميز السياسة الايرانية: إتقان المناورة السياسية، وتشكيل التحالفات الاقليمية، والاعتماد على الذات لبناء القدرات العسكرية خصوصا الصاروخية والنووية، وتناغمها مع ثورات الربيع العربي بشكل واضح.
فالثورة من اجل التغيير انطلقت اساسا من ايران التي طالما اتهمها الحكام العرب بالسعي لما اطلق عليه ‘تصدير الثورة’. وعندما لم تستطع السعودية ركوب موجة التغيير الثوري سعت لافشاله او محاولة احتواء نتائجه او خلق فوضى سياسية وامنية غير مناسبة للخيار الثوري في التغيير. ولذلك تبدو المصالحة السعودية – الايرانية مستبعدة في الوقت الحاضر نظرا لطبيعة نظامي البلدين. والسؤال هنا: الى اين يتجه المشروع السياسي السعودي في المنطقة بعد اسقاط حكم الاخوان في مصر واستهداف بقية الثورات ؟ السعودية نزلت الى الميدان هذه المرة باسلوب ‘انتحاري’، فقد تحقق مكاسب سياسية كبيرة بهزيمة ثورات الشعوب من اجل التغيير، او قد لا يحالفها الحظ فتنتصر شعوب المنطقة على انظمتها الديكتاتورية، وتصبح منظومة الحكم التي تدافع السعودية عنها باستماته غير قادرة على الصمود امام اصرار الجماهير على التغيير. وتعلم الرياض وبقية العواصم العربية ان المعركة من اجل الاصلاح والتغيير ما تزال في بدايتها، وان القضاء عليها يتطلب اكثر مما فعله جنرالات مصر عندما قتلوا اكثر من الف شخص في يوم واحد.
كيف تخسر أميركا حلفاءها؟!
عبد المنعم سعيد- الشرق الاوسط:
بقدر ما كتب لباراك أوباما عند ولايته الأولى لرئاسة الولايات المتحدة أن يحرز قصب السبق في أمور كثيرة.. من أول رئيس «أسود» وحتى أول من نجح في إخراج قانون الرعاية الصحية إلى الوجود؛ فإنه الآن ربما يحوز مكانة أخرى بأنه الرئيس الذي نجح عهده في تفكيك تحالفات الولايات المتحدة الرئيسة. وخلال أسبوع واحد ما بين نشر مقالي السابق، ومقالي الحالي، فإن واشنطن أصبحت تواجه حالات من التوتر والأزمة بينها وبين كافة حلفائها الرئيسين، لا يستثنى أحد ولا يستبعد. وتفاوتت حالات الأزمة بين ما هو هيكلي، وما هو استراتيجي حول إدارة علاقات دولية حيوية لأطراف متعددة، وما هو لحظي حول السياسات الآنية التي تقلب الدنيا رأسا على عقب. العجيب أن أوباما الذي كان يعد أكثر رؤساء الولايات المتحدة قدرة على التواصل مع الآخرين داخل وخارج أميركا منذ رونالد ريغان؛ إذا به يبدو عاجزا عن توصيل رسالة معقولة للآخرين، وأحيانا لا يجد ما يقول سوى الصمت!
بداية الأسبوع شهدت بقايا أزمة إغلاق الإدارة الأميركية لمكاتبها بعد أن أصبحت الحكومة الفيدرالية عاجزة عن الإنفاق، لأن المسألة ببساطة أن العالم سوف يضع يده مرة أخرى على قلبه بعد ثلاثة أشهر فقط. ما لا يفهمه الأميركيون، ومن الجائز أوباما أيضا، أنه لا يمكن لإدارة أميركية أن تغلق ما يقرب من 20 في المائة من الاقتصاد العالمي فجأة انتظارا لمداولات ومناوشات ومناورات بين الإدارة الأميركية وأغلبية مجلس النواب. القضية هنا ليس فقط أسواق المال، أو حركة الاستثمارات العالمية، أو حتى سلامة البحار والفضاء، ولكن أيضا القدرة على اتخاذ قرارات سياسية واقتصادية رشيدة. حلفاء الولايات المتحدة الرئيسين في العالم الغربي هم أول من تأثر بالأزمة، والعجب هنا أن واشنطن لم تلق بالا، عادّة ما يجري فيها قضية داخلية بحتة يتصارع فيها حزب الشاي و«حزب القهوة» على من عليه دفع حساب عجز الموازنة الأميركية! الدول الأوروبية ومعها بقية الحلفاء في كندا وأستراليا واليابان حبسوا أنفاسهم وتنفسوا الصعداء، ولكن القلق والتساؤل ظلا باقيين حول قدرة الولايات المتحدة على قيادة الاقتصاد العالمي.
لم تمض أيام حتى ظهر أن معضلة القيادة الأميركية أكبر بكثير مما هو مقدر.. فالقيادة الاقتصادية نابعة من النصيب الأميركي في الناتج الإجمالي العالمي، ولكن القيادة التكنولوجية ممتلئة حتى الحافة بالإشكاليات العظمى. شكل الأزمة من الظاهر بدأ مع هروب الموظف الأميركي في وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن إلى روسيا مفشيا قيام أجهزة المخابرات الأميركية بالتجسس على الرسائل الإلكترونية للمواطنين الأميركيين في إطار حملتها ضد الإرهاب. كانت النتيجة هي التساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الإدارة الأميركية في التجسس على مواطنيها. إلى هنا فإننا أمام إشكالية تقليدية بين حرية وخصوصية البشر وحماية الأمن القومي من عمليات إرهابية، ولكن المسألة تضخمت عندما نشر أن التجسس شمل أيضا الدول الأخرى بما فيها الدول الحليفة بما فيها قيادات هذه الدول. وبالمناسبة فإن التجسس على الحلفاء ليس أمرا غريبا، وحتى عام 1971 كان هناك داخل وكالة المخابرات المركزية الأميركية قسم متخصص بالتجسس على المملكة المتحدة، ولكن القسم جرى إلغاؤه، ولم يكن يعني ذلك توقف التجسس وإنما تغير أساليبه وربما أيضا شروطه بين البلدان المتحالفة. الآن أصبح على أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية أن تغضب للتجسس على تليفونها الخاص، وأن تتوجه مع فرنسا إلى الولايات المتحدة بطلب فتح مفاوضات مباشرة للتعامل مع هذا الموضوع الحيوي. بعض الدول الأوروبية الأخرى كانت أشد غضبا فطرحت على دول الاتحاد الأوروبي وقف مفاوضات خاصة بالتجارة بين جانبي المحيط الأطلسي. هنا فإن الغضب الأوروبي ربما يتعدى التجسس إلى الحقائق الموضوعية التي تقف وراءه، وهي أن الولايات المتحدة تكاد تحتكر قيادة الثورة الصناعية الثالثة بما فيها من أقمار صناعية كثيفة قادرة على التجسس والتحكم في الاتصالات العالمية. والحقيقة هي أنه لا يوجد مقابل عالمي آخر لشركات «أبل» و«مايكروسوفت» و«غوغل» و«ياهو» وغيرها ممن يتحكمون في محركات الاتصالات العالمية كلها أو أغلبها بعد أن جرت إزاحة «نوكيا» و«سوني»، وهي من وفرة أرباحها قادرة دوما على التجديد والاختراع والاستحواذ على الشركات الأوروبية الأقل قدرة.
المسألة هنا ليست أن دول الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في حلف الناتو على وشك فض الشراكة مع الولايات المتحدة، ولكن المؤكد أن السيادة الوطنية لهذه الدول أصبحت واقعة في اختبار كبير، ولا يوجد لدى الولايات المتحدة ما يساعدها على التعامل مع الواقع التكنولوجي الذي توحش عالميا إلى الدرجة التي ربما سوف يستحيل معها التحكم فيه، ولا يبدو أن إدارتها لديها القدرة على كبح جماح ما وصلت إليه أجهزة تجسسها من تطور لا يصيب الأعداء فقط، وإنما يصيب الأصدقاء أيضا. ذات المسألة ظهرت عندما قام رئيس الوزراء الباكستاني نزار شريف بزيارة واشنطن، ورغم أن جعبة الرجل حملت الكثير، لكن واحدا من ملفاته الرئيسة كان الضربات التي توجهها طائرات «بريداتور» من دون طيار الأميركية إلى قواعد إرهابية في باكستان وحدودها مع أفغانستان، ولكنها تصيب المدنيين أيضا مما تسبب في حرج بالغ للحكومة الباكستانية تجاه مواطنيها، وعدم قدرتها على الدفاع عن حلفها مع أميركا في وقت تقوم فيه هذه الأخيرة باختراق سيادتها عندما يعن لها ذلك.
مرة أخرى، فإن الحلف الباكستاني - الأميركي ليس بطريقه إلى الاختفاء، فهناك من المصالح ما هو أكثر من ضربات طائرات من دون طيار، ولكن علاقات الدول درجات، والتحالفات أنواع، وعندما تبدأ الثقة في الروابط تتأرجح، فإنه لا يمضي وقت طويل إلا ويصبح على الدول أن تتخذ قرارات خطيرة. بعض من هذا ظهر في علاقة المملكة العربية السعودية بواشنطن، وهي علاقة وثيقة واستراتيجية منذ لقاء قادة البلدين في قناة السويس عام 1944 عند نهاية الحرب العالمية الثانية، ودعمها موقف البلدين من الشيوعية والحرب الباردة ثم الوقوف المشترك في مواجهة الغزو العراقي للكويت، والقلاقل والفوضى التي تذيعها إيران في المنطقة. وشهدت الأيام الماضية تغيرا في هذه العلاقة مع الموقف الشجاع الذي اتخذته المملكة عندما قررت عدم قبول عضوية مجلس الأمن. لم تكن المملكة على استعداد لقبول مهزلة سياسية يكون فيها مجلس الأمن غطاء لذبح الشعب السوري، ودفن القضية الفلسطينية، والتواطؤ مع جماعات إرهابية ضد المصالح المصرية، والتواطؤ مع طهران على حساب المصالح العربية. ليس بمثل هذه الطريقة تجري التحالفات الدولية، هكذا كان القول والموقف السعودي الذي قادت إليه سياسات أوباما المتضاربة والعاجزة عن اتخاذ مواقف يستطيع الحلفاء التفاعل والتجاوب معها.
المربّع الذهبي بدلاً من المثلث الذهبي
عبد الوهاب بدرخان- النهار اللبنانية:
"نحن دولة تحترم شعبها"... العبارة للسيد حسن نصرالله. والمعنى يقصد "دولة حزب الله" التي تستعيد مخطوفيها سواء من سوريا أو من اسرائيل. أما الدولة الاخرى، "دولة جميع اللبنانيين"، فلم تكلّف نفسها عناء تحديد مرجع رسمي لحل قضية المسجونين والمفقودين لدى النظام السوري منذ أعوام طويلة، وكأن هذا النظام امتنع عن التعاون في هذا الملف لأنه لم توجد "لجنة أو جهة معينة" لبنانية لمتابعته. ماذا عن انكار النظام وتضليلاته للجان أمنية قصدت دمشق بالفعل واستُخفّ بها ولم تُعطَ اجابات ولا ايضاحات؟ وماذا عن مراجعات رؤساء ورؤساء حكومات ونواب وسياسيين، وصولاً الى العماد ميشال عون الذي لم ينتزع خيراً ولا شراً في هذا الموضوع في عز الغزل بينه وبين بشار الاسد؟
ثم ان "احترام الشعب" لا يكون فقط باسترجاع الأسرى والمخطوفين، وهذا واجب، بل يكون أيضاً في الإحجام عن غزوات كـ 7 أيار 2008، وعن الإصرار على تكرارها لا لشيء إلا لأن البعض المسلّح من الشعب يريد مصادرة ارادة البعض الآخر، بل تقزيم الدولة وتجاوز الجيش وبالتالي مصادرة ارادة البلد. وطالما أن السيد نصرالله أعلن مساء الاثنين أن الأزمة في سوريا انتهت وأنه خرج منتصراً منها موزعاً الفرص الأخيرة على الفريق الآخر في الداخل، وعلى أربع - خمس في المنطقة، فما الذي يزعجه في مراهنة الآخرين على ما يجري في سوريا.
لكلٍ رهانه، ولا شيء انحسم في سوريا لمجرد أن نصرالله يعلن ذلك. فهو يعلم جيداً أن الأزمة بلغت الآن لحظة صعبة ولا تغيير جذرياً طرأ على الوضع الميداني، إلا اذا كان نصرالله مغتبطاً بنجاح خطة النظامين السوري والايراني بزرع "داعش" في مناطق المعارضة الى حدّ تحذير طرابلس بخطة مماثلة. ولكل أوهامه، فخلال العامين الأخيرين بشّر الأمين العام لـ "حزب الله" نفسه وجمهوره بالكثير من الأوهام و"المنامات"، وداس الكثير من الحقائق من دون أن يتمكّن من تغييرها سواء في لبنان أو في سوريا.
ففي لبنان لا يزال مصرّاً على أن يأتيه "الفريق الآخر" صاغراً مستسلماً معترفاً بالهزيمة وراضخاً للسلاح غير الشرعي وشروطه لتشكيل حكومة يفترض أن تكون "توافقية"، وإذ فشل هذا الرهان فإنه يعزو الأمر الى الغضب السعودي. وفي سوريا استسهل منذ اللحظة الاولى الاستهزاء بثورة الشعب مستبدلاً العداء للسوريين بالعداء لاسرائيل فاستسهل أيضاً قتلهم والتعامي المتعمّد عن آلامهم وطموحاتهم. هذه عقلية متجبرة لا علاقة لها بروح المقاومة و"احترام الشعوب".
في الخطاب المقبل قد يهدّد نصرالله رافضي "المثلث الذهبي" (الشعب والجيش والمقاومة) الذي لم يعد له معنى منذ زمن، بفرض "المربع الذهبي" (الاسد والمقاومة والجيش والشعب)، فاغتنموا "الفرصة" قبل أن يفعل.
المشروع النووي الأردني
د.رحيل محمد غرايبة (http://www.addustour.com/columnist/87/)
تم الإعلان أمس عن اختيار شركة (روس أتوم) الروسية للقيام بإنشاء أول محطة نووية في الأردن في منطقة «عمرة» التي تبعد (60)كم جنوب شرق خربة السمراء، بكلفة تقدر بسبعة مليارات دينار، وستبدأ المفاوضات الأسبوع المقبل تمهيداً لتوقيع الاتفاقية.
موضوع إنشاء المشروع النووي كان محل جدل كبير بين الخبراء والمختصين في مجال الطاقة في الاردن، ومثار جدل أكبر بين المواطنين بشكل عام، حيث أن هذا المشروع يشكل مصدر قلق وتوتر شديد للشعب الأردني، لأسباب مبرّرة ومشروعة كثيرة ومتعددة؛ بعضها يعود إلى مخاطر التلوث المحتمل، قياساً على ما حدث في كثير من الدول النووية؛ مثل كارثة «تشيرنوبل» في أوكرانيا التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي، والتي ألحقت ضرراً كبيراً بالإنسان والحيوان والمزروعات والثمار والتراب والماء والهواء، وحديثاً تمت كارثة مشابهة في اليابان حيث ألحقت الفياضانات أضراراً بمفاعل «فوكوشيما» الذي ما زالت آثاره تشكل خطراً يهدد حياة الشعب الياباني والشعوب المجاورة.
تكمن المشكلة الجوهرية لدى الأردنيين بالخوف والذعر الذي يتملكهم، عندما يرون أن اليابان التي تحظى بتقدم كبير، وتمتلك إمكانات ذات تقنية عالية، ولديها قدرات متميزة، تكاد تسبق الدول الغربية المتقدمة وتتفوق عليها، ومع ذلك وجدت صعوبة بالغة في وقف آثار الكارثة الخطرة، ولم تستطع الحيلولة دون احتمال تسرب الإشعاعات النووية من المحطة المتضررة، ما يثير الاستهجان والاستغراب والسخرية لدى الأردنيين فيما لو حصلت هذه الكارثة عندنا، فلن يستطيع أحد أن يزعم أن هذا الاحتمال بعيد أو غير متوقع، ولن يستطيع أحد أن يزعم مهما أوتي من علم وبلاغة وقوة منطق، أن يقنع الشعب الأردني بأننا نملك 1% من إمكانيات اليابان! التي أصبحت تفكر بالتخلص من الطاقة النووية، كما فعلت ألمانيا الأكثر تحضراً وتقدماً وعراقة؛ حيث اتخذت قراراً بالتخلص من كل مفاعلاتها النووية بحلول العام (2025م)، والذهاب إلى مصادر الطاقة المتجددة.
إذا كان الهدف الوحيد لدى الأردن ينحصر بالحصول على مصادر أخرى للطاقة غير النفط والغاز حيث أصبحت كلفتها عالية، ومرهقة للموازنة، فهذا يجعلنا نطرح سؤالاً كبيراً ومشروعاً: لماذا لا ننفق المليارات السبع على مصادر الطاقة المتجددة، وهناك شركات عالمية مستعدة للإسهام والتعاون مع الأردن في تقديم هذه التقنية الصديقة للبيئة، التي تحمي الأردن وتحمي الإنسان والحيوان والماء والهواء والتراب من تلوث خطير محتمل، لن تزول آثاره عبر مئات السنوات!!.
الشعب الأردني لا يشعر بالطمأنينة نتيجة إصرار بعض المسؤولين على المضي قدماً في إنشاء المحطة النووية التي تحتاج إلى أموال طائلة وتقنية عالية، وخبرات متطورة ليست متوافرة! وضمانات صارمة نعجز عن امتلاكها! وإلى مياه كثيرة تفتقر إليها الأردن حيث تشهد فقراً شديداً في المياه، ولا تستطيع توفير مياه الشرب للمواطنين ، في ظل تزايد الطلب وتزايد السكان وتزايد أعداد المهاجرين والوافدين، بينما نلحظ تباطؤا واضحاً في الشروع في إنجاز مشاريع جديّة لمصادر الطاقة المتجددة، حيث ما زلنا نسمع بأن هناك مخططات في هذا المجال منذ عشرات السنوات، لم تخرج إلى حيّز التنفيذ والإنجاز.
.. التجسس علينا في الاتجاهين !
طارق مصاروه – الرأي الاردنية:
المشكل ليس في تجسس الأميركيين على أصدقائهم. فذلك جزء من الانحدار الخلقي الذي تمارسه القوى الكبرى في صراعها مع بعضها، وفي عمليات هيمنتها على دول العالم. المشكل هو أن للتجسس وجهاً بشعاً آخر هو استعمال أعظم إنجازات العلم في حقول الاتصال، لتدمير قيادات الشعوب، واحتوائها قبل ذلك، وتطويعها لتكون في خدمة الطغيان. فماذا يمكن لدوائر الجاسوسية الأميركية أن تعرف أكثر عن مستشارة ألمانيا بمراقبة هاتفها الخاص، والتسمع على مكالماتها الخاصة؟؟.
وتتحدث الصحافة الأميركية عن التركيز التجسسي الأميركي على بلدان كالأردن ومصر وباكستان.وتورد رقماً مهولاً عن رصد عشرات ملايين المكالمات الهاتفية في إسبانيا في يوم واحد. لكن الصحافة لا تقول لنا لماذا كل هذا السرف في التركيز التجسسي على بلد صغير كالأردن، أو على بلد فقير كمصر، أو بلد فاشل كباكستان؟!.
قبل أن نجيب على أي سؤال ورد أو سيرد نقول: إنّ للتجسس أكثر من وجه. فهو ليس مجرد نقل معلومات من البلد المستهدف إلى واشنطن، وإنما له أيضاً وظيفة أخطر هي: نقل الأوامر من واشنطن إلى البلد المستهدف!!. فقد سمعنا كثيراً عن أن الربيع العربي بدأ بالاتصالات على «الفيس بوك» و»التويتر»، وأن «مؤسسات المجتمع المدني» التي فرّخت بعشرات الآلاف كانت الجزء الأكثر تأثيراً على تحركات الشارع. فإذا أضفنا إلى تأثير الاتصالات، وجمعيات حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والطفل، وحماية الصحافة، والإصلاح، والاستحداثات المذهبية والدينية، .. وأموال بعض دول النفط.. فإننا أمام المشهد الذي عايناه في مصر وسوريا وتونس وليبيا.. وما كان يمكن أن نشهده في بلدان عربية أخرى!!.
ثم نسأل: لماذا لا تمرر واشنطن كل هذه الحصيلة الهائلة من معلومات التجسس لحليفها الإسرائيلي؟!. سواء أكان هذا التمرير رسمياً أم عن طريق صهيوني أميركي مزروع في مفاصل شبكات استقبال المعلومات، ومفاصل شبكات ايصال التعليمات؟!.
من هنا يمكن أن نفهم سرّ نشاط التجسس الأميركي في الأردن. فالقيادات الصهيونية لم تخف منذ عام 1921 اصرارها على تهويد كل فلسطين، وحل مشكل الفلسطينيين المشردين عن وطنهم في الأردن. وهذا كلام ليس جديداً.. ونسمعه حتى في الأردن من أن الفلسطينيين هم الأكثرية، للترويج لمقولة: فلسطين هي الأردن!!.
إنّ رصد قوى المجتمع الأردني التي تقاتل دفاعاً عن الدولة الأردنية، وعن النظام السياسي في الأردن، يدلنا على التنبه الطبيعي للحذر من الصديق الأميركي. والتنبه إلى خطورة اطلاق الحريات التي ابتدعتها صحافة الاتصالات المنفلتة، والفضائيات التي تملأ أجواء الوطن العربي بالحقد والنزعات المنحطة المذهبية والعنصرية. ومتابعة ما يسمي ببعض «منظمات المجتمع المدني».
فما هو سبب وجود هذه المنظمات التي تمولها السفارات والمنظمات الدولية المشبوهة جهاراً نهاراً إذا كان عندنا أحزاب، ومجلس أمة، ونقابات وجمعيات خيرية، ومنظمات للمرأة ورعاية الطفولة؟؟ لماذا نستبدل مؤسساتنا الوطنية الذاتية ونشجع المستوردة الممولة.. لولا نفوذ التجسس الأميركي؟.
.. لنتذكر: فهذا السطو الأميركي البريطاني علينا فرض حبس الشيوعي الأردني لكونه شيوعياً خمسة عشر عاماً... سجناً!!.
الثورات والتحرر من اللامعقول
د. نوال السعداوي – الاهرام
من إيجابيات الثورات أنها لاتسقط النظام المستقر فقط, بل تسقط فكرة الاستقرار ذاتها, التي تتمسك بها الأنظمة المستبدة.
تواكب الثورات السياسية ثورات فكرية, تنتج عنها تغييرات جذرية للعقل وتطور جديد لرؤية العالم.
من فوائد الأزمات أنها تقود للثورات, التي تغير النظريات الثابتة في العلوم الطبيعية و الاجتماعية, منها الطب والبيولوجيا والكيمياء والفيزياء والفلسفة والاقتصاد والأديان والأخلاق, قانون الحياة هو التغير, لا توجد حتمية بيولوجية أو عقائدية, يتطور المخ البشري مع الثورات المتكررة وتغير النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعائلية.
نحن نغير حياتنا عندما نغير عقولنا, وعندما نغير عقولنا نقوم بثورات تغير النظام الذي يحكمنا, والذي يسهم بدوره في تغيير عقولنا, هكذا يستمر التطور العقلي للانسان عبر ملايين السنين تطور المخ البشري وأصبح له ثلاثة أجزاء:
الجزء القديم الموروث من مخ الزواحف( الجذع المخي) وظيفته الحفاظ علي البقاء, مركز الأكل والشرب والتكاثر والدفاع عن النفس.
الجزء الثاني( الطرفي) يشترك فيه مخ الانسان مع مخ الثدييات, مركز الذاكرة والتعلم والتقليد والقيام بالعمليات الآلية للحياة اليومية.
الجزء الثالث, المخ الترابطي( الفص الجداري) أو القشرة الحديثة تكونت ببطء شديد, وأصبحت قادرة علي التخيل والربط بين الأشياء غير المترابطة, والإبداع وحرية التفكير والصدق والعدالة والمسئولية الأخلاقية, انه العقل الحديث, يواجه به الإنسان المفاجآت والأزمات, ويتغلب عليها بالمنطق والبرهان والخطط: التصدي للعدو الخارجي أو تنظيم الثورات لإسقاط النظام, وبناء نظام جديد أكثر عدلا وحرية.
الأجزاء الثلاثة للمخ تتداخل وتترابط وتتيح لنا الجمع بين قوة التعقل والتوازن وجموح الخيال والثورة والإبداع, هذه القدرة العقلية تربط بين14 ألف مليون خلية عصبية, وهي عبقرية الانسان الذي أبدع الاختراعات العلمية والثورات الاجتماعية, التي حطمت الثوابت والحتميات البيولوجية والعقائدية, وصنعت ثوابت وحتميات جديدة, تتحطم بدورها مع الابداع والثورة وتجديد العقل الانساني, فهل يعجز هذا العقل العبقري عن تحرير العالم من الحروب المشتعلة في كل مكان حتياليوم ؟ وهل يعجز عن القضاء علي الفقر أو القهر الاقتصادي الذي يطحن الأغلبية الساحقة من الشعوب ؟ وهل يعجز عن إنهاء القهر الجنسي للنساء والأطفال ؟
وهل تعجز عقولنا بعد ثوراتنا المتعاقبة عن تمهيد الطريق لتحقيق الأهداف الثورية؟ أو علي لأقل, إصدار دستور جديد يحقق المساواة بين المواطنين دون تفرقة بسبب الدين أو الجنس أو الطبقة؟.
ليست المشكلة عجز العقل البشري, بل النظم الحاكمة الظالمة بقوة الأموال والإعلام والدين والسلاح, واستخدام اللعب السياسية والكلمات المراوغة لإخفاء الظلم والتفرقة, مثلا كلمة الهوية ماذا تعني؟ وكيف تشعل الهوية النيران لحرق العدالة في الدستور؟ وهل هوية الدولة تختلف عن هوية الوطن والمجتمع والشعب ؟ هل هوية المرأة تختلف عن هوية الرجل ؟ هل هوية الإنسان المصري تختلف حسب موروثه من المذاهب أو الأديان أو الايديولوجيات ؟ أليست الهوية الإنسانية حقا للجميع بالتساوي والعدل ؟ أم أنها هوية الحزب الإسلامي السلفي المسيطر بأفكاره اللامعقولة ؟ هل توقفت عقولنا عن التطور حتي يسيطر علينا اللامعقول ؟ كيف لأستاذ جامعي أن يعلق بعنقه خرزة زرقاء تقيه الحسد ؟ كيف لأستاذة جامعية بالنانو تكنولوجي أن تغطي رأسها لأنه عورة ؟ كيف لزعيم اشتراكي الجمع بين أربع زوجات في فراش واحد ويعاملهن بالعدل ؟
كيف لمثقف أن يفسخ بإرادته المنفردة عقدا وقعه هو وزوجته معا؟
كيف يعيش1% من المصريين في القصور و95% في القبور؟
كيف تعجز الدولة عن عقاب واحد ممن قتلوا الثوار؟ أو واحد ممن زرعوا الفساد ؟ أو استرداد شيء من الأموال المنهوبة المهربة ؟
تندرج النظم الظالمة تحت الانحرافات التطورية, فتنمو قلة علي حساب الأغلبية, أو ينمو عضو بالجسد علي حساب الأعضاء الأخري, مما يوقف التطور لبعض الكائنات الحية, في نوع من الإبل, تضخم قرن الذكر مما عرقل سيره فتخلف عن الركب ومات, وأدي تضخم فقرات الذيول لانقراض بعض الفيلة أو الديناصورات فهل ينقرض نوع بشري في القرن العشرين بسبب التحيز ضد الجنس الآخر أو ضد الطبقات والمذاهب الأخري ؟.