Haneen
2013-12-08, 01:51 PM
اقلام عربي 538
4/11/2013
في هذا الملــــف:
الهوية والحق العربي
القدس العربي
الهزيمة الأولى للنظام المصري الجديد
الشرق الاوسط
أخطاء مصرية تفادتها "النهضة" في تونس
الخليج الاماراتية
استنفار أميركي وروسي لعقد جنيف – 2
النهار اللبنانية
سوريا وفلسطين في خطاب العرش
الدستور الاردنية
حاكموا مرسى أيضاً على «الهبل السياسى»
اليوم السابع
الهوية والحق العربي
الامير الحسن بن طلال- القدس العربي:
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ‘يا أيُّها الإنسانُ إنّك كادحٌ إلى ربِّك كدْحًا فمُلاقيه’. (سورة الانشقاق84 :6)
في جمادى الثانية سنة 1359 هـ، خاطب جدّي الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، أبو طلال ـ طيّب الله ثراهما – النشء العربيّ في رسالة حملت عنوان ‘من أنا’ قائلاً: ‘يجب على كل عربيّ أن يحكم بأن السلامة في الوحدة وأن الهلاك في التفرقة’. (الآثار الكاملة للملك عبد الله بن الحسين، 498). فكانت رسالة من عربي يتحدث عن العرب يؤكد فيها ثوابت العقيدة ويعرض تاريخ الأمة العربية وإنجازاتها منذ أن كرّمها الله بالهداية الإلهية والرسالة النبوية الشريفة.
رافق هبوب رياح التّغيير والإصلاح على المنطقة، سيطرة مظاهر الاقتتال ونوازع الحرب وغياب الأمن والاستقرار على بقع عزيزة من الوطن العربي الكبير. وفي غياب الأولويات، يتم هدر مقدّرات الأمة وتنحرف بوصلتها عن المسائل الاستراتيجية والقضايا الوجودية الكبرى اللصيقة بالهويّة والكينونة. فهل لا تزال قضية الحق العربي في فلسطين والقدس الشريف على رأس أولوياتنا؟
وفي ضوء عدم التشاور والتناصح والتوافق، والاستكانة إلى الإخفاق والتنازل وتضييع الفرص، يُنتهك الحق العربي، وينتقص الاستيطان كل يوم من الأرض العربية. كما تتداعى القدس السياسية، التي هي جوهر القضية الفلسطينية، ويقيد الاحتلال القدس الدينية بالقانون والإجراءات الإقصائية. وإذا كانت القدس قد بحثت سياسيًا، وبقيت القدس الدينية موضعا للتشاور الديني، فإن السؤال الملح هو: أين نحن من المستقبل؟
وفي إطار ما هو حادث في العالم العربي، وبالنظر إلى ما حصل طيلة العقود الفائتة، تبرز العديد من المفاجآت، التي نخشى أن يكون فيها الاختلاف هو الأصل، وما عداه، أي الاتفاق، هو الاستثناء، الذي نجدُّ السعي لإيجاده في واقع حياتنا. وليس أدلَّ على ذلك ما نسمع به، ولا نعلم تفاصيله، من مفاوضات تجري، تتغير فيها قواعد اللعبة، وتتبدل طبيعة القضايا، من دون أن يعلم عنها العرب والأصدقاء المتعاطفون كثير شيء.
ونحن هنا لا نُصدر حكمًا، وإنما نُذكر فقط بأن هناك الكثير على المحك، بالنسبة لنا كأردنيين. كما أن قدرنا المشترك يفرض علينا أن نكون معاً، ومُكوِّن هويتنا الوطنية ينطق بذلك، وتاريخنا يُحدث به، وحاضرنا يشهد عليه. ونحن نريد أن نُعطي دعمًا معنويًا وأخلاقيًا تقابله رغبة صادقة في انتصار الحق وتحقيق العدالة للأشقاء، لا تنتقص مما يجتهدون في تحصيله. فالأردن هو الرباط والثغر الصامد، إن شاء الله، ويبقى دائمًا واحة أمان في سياق إقليمي وعالمي، نظرًا لأهميته الاستراتيجية والجغرافية بالنسبة لقضية العرب؛ فلسطين. كما للأردن تأثير إيجابي في عالم يضطرب فيه توازن المصالح.
وقد يستتبع سؤالنا السابق عن المستقبل أسئلة استحقاق أخرى: أين الأردن من كل ما يجري؟ وهل له أن يكون حاضرًا في المشهد السياسي؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة قد لا تكون ببساطة طرحها، ولكن ما يمكن أن يعين عليها هو قدرتنا، كأردنيين، على تناول الهموم الأساسية في الداخل، وما يرتبط منها بالخارج. ويندرج ضمن هذه الهموم، بل من أخصها، والذي يصعب الفصل فيه بين داخل وخارج، هو بين ما هو أردني وما هو فلسطيني.
وقد يتبادر إلى الأذهان أكثر من سؤال في هذا السياق، ما الذي يربط بين منظومة المواطنة العربية الحرة المسؤولة والهوية العربية والشأن الفلسطيني، وما المغزى العملي من الحديث عن الاستقرار والجوار الآن؟ قطعًا، فإن الرابط بين القضيتين لا يخفى على ذي بصيرة، وأن تناولهما بهذه الطريقة ليس تلبية لحاجة طارئة، أو محاولة إرضاء مكون مجتمعي دون غيره وتغييب الهدف الرئيسي من طرحنا للموضوع، بل يكمن المغزى وراء هذا المسعى في رغبتنا التأكيد على الثوابت؛ ثوابت الهوية العربية المشتركة للأردنيين، مهما اختلفت المنابت والأصول. فأنا لا أفهم المنابت والأصول إلا في بعدها الكلي.
وفقاً للمنطق السائد حاليًا، تتجاذب الهوية القومية انتماءات فرعية وعصبيات ضيقة لا تمت للواقع الموضوعي بِصلة. وعليه، يتحتم علينا تكوين قناعات راسخة لدى الجميع بأن وحدة المصير والهمّ الوطني والقومي المشترك من الأولويات المرتبطة بنا فكريًا ووجدانيًا. وتمثّل مسميات مثل الهلال الخصيب وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين تجسيرًا بين المشتركات الفكرية والوجدانية، بعيدًا عن مسميات الصوملة والبلقنة التي درجت في الماضي القريب.
إن الانتماء الصادق للعروبة وقضاياها يجعلنا نشعر بأننا أصحاب القضية المشتركة للأردنيين والفلسطينيين، ولكل العرب والمسلمين؛ أعني فلسطين. لذلك، فإننا نسعى لمدّ يد العون لأي حل عادل يضمن الحق الفلسطيني والعربي. فإذا كانت علاقتنا ببعضنا في الإطار الأردني هي علاقة الذات بالذات، فإن العلاقة بين هويتنا والقضية الفلسطينية هي علاقة بين الذات والموضوع، كما يجب أن يتحدد بوعينا بهويتنا موقعنا من الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي لا يمكن إلا أن يحسمه إدراكنا لضرورة التناصر بين مكوناتنا الاجتماعية وثوابت انتمائنا الوطني والقومي.
علينا أن نسعى معًا بمسؤولية إلى استشراف المستقبل بما يحقق الصالح العام. وهي الغاية التي لطالما سعيت إلى تحقيقها عبر قنوات الحوار والتشاور وبمساعدة الإخوة الشرفاء من أبناء هذا الوطن.
وقد أدرك أخي – المغفور له بإذنه تعالى – الحسين ضرورة كتابة تاريخ الأردن المعاصر، فكان توجيهه لي بتشكيل اللجنة العليا لكتابة تاريخ الأردن عام 1987، وما تم تحقيقه حتى الآن في هذا المسعى يمثل منجزًا وطنيًا شارك فيه كوكبة من أبناء الوطن بأطيافه كافة. وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمّة، لا نملك إلا أن نعمل على استشراف المستقبل والتطلع نحوه بعين العلم وبصيرة القيادة المستنيرة. فلا يعد الاستشراف هروبًا إلى الأمام بل تقييم للأولويات والمضي قدمًا بما يخدم الصالح العام ويصون هويتنا وكينونتنا.
وفي ضوء الأزمات التي تحيق بالمنطقة، فإن ما يشهده الأردن من استقرار هو الضامن للمستقبل. كما أن الاستقرار الاجتماعي في الأردن لا يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستقرار السياسي في جوارنا المباشر والمنطقة بأسرها. ومن المؤلم أن نسمع بعض الأصوات التي تربط بين الاستقرار الذي ننعم فيه بالأردن وبين تدفق اللاجئين هروبا من ويلات الحرب وطلبًا للأمن والاستقرار. وكلنا نعرف أن الضيافة العربية الأصيلة، تراث عريق ارتبط بالإنسان’العربي’في حله وترحاله، وغناه وفقره، وأفراحه وأتراحه، نمارسها هنا بشكل فردي وبشكل رسمي.
وفي الواقع، ومع تأثيرات الصراعات في الجوار، وما جرّته حراكات الربيع العربي من تحولات، وما راكمته الأزمات الإقليمية والدولية من تكاليف، استطعنا في الأردن التعامل مع هذه الظروف بقدر معقول؛ انطلاقًا من ثبات وحدتنا الوطنية والقوة النابعة من أصول هويتنا، والاستقرار الاجتماعي الذي ننعم به. ولكن تبقى تحديات المياه والطاقة والبيئة الإنسانية من الأولويات، فهي من القواسم المشتركة التي يجب التعاطي معها من منظور شامل فوق قطريّ يتجاوز الحدود الضّيقة، ويستند إلى رؤية تأخذ بالحسبان البعدين العلمي والإنساني.
إن التفكير الجاد يدعونا دائما إلى البحث عن الخيارات والبدائل للوقوف أمام أي مشكلة قد تطرأ، والإمساك بوسائل معالجتها قبل أن تستفحل وتكبر. والآن، قبل فوات الأوان، نحن بحاجة لنظرة فاحصة متبصرة في أسس هويتنا الاجتماعية،’وأن ندرك بوضوح نشأتها وطبيعتها لنطور معًا عوامل ديمومتها، وأن يستشعر المخلصون من أبناء هذا الوطن المخاطر المحدقة بهم، وأن يستوعبوا المبادرات الرسمية والأهلية الخيرة، التي تهدف إلى وحدة الصف وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية، وتأكيد قيم المواطنة الجامعة؛ المواطنة العربية الحرة والمسؤولة، والكرامة الإنسانية، درءًا لأي مخاطر قد تأتي من حيث لا نحتسب. إن الاستقرار الذي ينعم به الأردن يجب ألاّ يفهم على أنه استقرار نسبي مرهون بما يدور حوله في المنطقة. فهو بحقّ السند والعضد لأبنائِه. والأردن، هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير، كان وسيبقى أردن كل العرب. وأذكر في هذا السياق كلمات أخي الحسين رحمه الله الذي أكد أهمية الترتيب الموضوعي للبيت الداخلي لنتمكن من الصمود في وجه أي تحدٍ خارجي مهما بلغت درجته. وتمثل مسيرة الإصلاح الشامل التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الضامن للإستقرار والتنمية في الوطن.
وتستند منظومة الإصلاح المنشودة الى تفعيل الأضلع الثلاثة: السياسي، والاقتصادي-الاجتماعي، والمجتمع المدني. وستسهم هذه المكونات المتكاملة في تفعيل الإرادة والعقل العربي، فتتحقق، بذلك، الصحوة الحقيقية ذات المحتوى التي ننتظرها جميعًا.
الهزيمة الأولى للنظام المصري الجديد
عبد الرحمن الراشد- الشرق الاوسط
باسم يوسف، صاحب البرنامج الساخر، معركة واحدة أمام قيادة البلاد العسكرية والمدنية. وقد ألحق وقف البرنامج الكثير من الضرر أكثر مما فعلته مظاهرات «الإخوان» طوال الأشهر التي لم تنقطع منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، بعد إقصائهم من الحكم. ومع أن الجيش والحكومة تبرآ من دم يوسف معلنين أنها مشكلة بين محطة التلفزيون والمقدم نفسه، إلا أن أحدا لم يصدق الرواية.
السؤال الطبيعي: لماذا لا يحتمل النظام الجديد برنامجا ينتقده، وهناك عشر محطات تلفزيون تثني عليه، وآلاف البرامج والساعات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عنه ليل نهار؟
ليس سهلا على أي حاكم تقبل النقد، ومن الأكيد أن النقد ليس بالضرورة يقوم العيوب دائما، بل يجرح المشاعر ويفسد النفوس ويحرض الجماهير، لكن هذه ضريبة المدنية، ونتائج التقنية الحديثة، وليس هناك خيار أمام الحكومات سوى أن تقبل بها وترد بنفس الوسيلة: الإعلام. ومصر ليست سوريا أو إيران تستطيع قطع شبكات النت ومنع الناس من الصراخ والسخرية. مصر المكان الوحيد في العالم الذي تعاطى وسجل تفاصيل حياته الكثيرة منذ آلاف السنين، وجدران أبو زعبل باقية إلى اليوم. وإسكات ثمانين مليون نسمة في مصر لن يكون مهمة سهلة مثل إسكات ثلاثمائة ألف مواطن في قطر. إنها في مصر مهمة مستحيلة تماما، فلا حكومة مصر تملك المال لتطييب خواطر الناس، ولا تكفي سجونها لحشر ملايين المتبرمين. محاولات حكومة «الإخوان» خلال العام الذي حكمت فيه مصر تقييد الإعلام، باستهداف الماسبيرو مقر الإعلام الرسمي، ومحاصرة مدينة الإنتاج في القاهرة، حيث توجد استوديوهات معظم المحطات التلفزيونية، ورفع عشرات الدعاوى ضد الكتاب ومقدمي البرامج، والاستيلاء على كرسي النائب العام حتى يمكنها التقاضي، وكذلك السعي بلا كلل للسيطرة على القضاء، كل هذا أنتج شيئا واحدا؛ كراهية حقيقية ممزوجة بالخوف من «الإخوان» ونظامهم الفاشي.
رفعت أغلبية المصريين الجيش على أكتافها تطالبه بالتدخل، وهذا ما حدث، كرها في ممارسات «الإخوان». هذه الرغبة والشعبية لها استحقاق واحد، ألا يمارس المنقذ ما مارسه «الإخوان». صارت للجيش شعبية، وهذه الشعبية لها وقت سينفد مع ما يستجد من إشكالات وإخفاقات. وما يفعله «الإخوان» اليوم من إرهاب بقوة السلاح في سيناء، أو بمظاهراتهم في الأزهر، لم تضعف من قيمة الجيش ولا الحكومة المؤقتة، ولم يفلح الأميركيون ببياناتهم التحذيرية ولا زياراتهم في هز ثقة الشارع المصري في النظام الجديد. إنما هذه الشعبية ستتضعضع مع ممارسات مثل تقييد الإعلام وعند ضعف خدمات الحكومة ونحوها، وهنا سينفض حلفاء الجيش عنه، ليجري تلميع صورة «الإخوان».
سخرية يوسف من الجيش والحكومة لم تؤذ كثيرا بقدر ما فعلت الضجة التي رافقت وقف «البرنامج»، والقلق الذي اعترى الإعلاميين من هذا الأسلوب القمعي. على قيادة مصر التعايش والتعامل بذكاء وإيجابية مع الإعلام؛ لأنه لا توجد وسيلة قمع قادرة على إخراسه. الرئيس الأميركي الراحل فورد بعد أن استخدمه رسامو الكاريكاتير مجالا لسخريتهم أخيرا شاركهم السخرية، وعلق على جدار غرفة في البيت الأبيض كاريكاتيرا يقول «إن فورد لا يستطيع أن يفعل شيئين في وقت واحد، لهذا وقع من سلم الطائرة عندما كان يمضغ العلكة». كثيرون في مصر يأملون من قيادة الجيش أن تقود البلاد من النفق الخطير الذي تمر به، لتفعل كما فعل فرانسيسكو فرانكو في إسبانيا الذي سلم الحكم لنظام ديمقراطي، وكما فعل العسكر في تركيا، باستثناء أن جيش مصر جاء بشعبية هائلة ولم يتسلم السلطة تحت جنح الظلام.
أخطاء مصرية تفادتها "النهضة" في تونس
عبد الاله بلقزيز –الخليج الامارتية:
ربما كان “حزب حركة النهضة” في تونس أكثر تشبعاً بالواقعية السياسية، وأبعد فهماً واستيعاباً للسياسة أو لضروراتها وموجباتها، من “جماعة الإخوان المسلمين” وحزبها (حزب الحرية والعدالة) في مصر . ذلك، على الأقل، ما يَحْمل على الظن به إعلان رئيس الحزب، راشد الغنوشي، عن قبول مشروع الرباعية بحل حكومة عليّ العريّض التي تسيطر عليها “النهضة”، وتشكيل حكومة كفاءات، والذهاب في حوار وطني شامل لوضع “خريطة طريق” للمستقبل . وهذا ما لم تَهْتَد إلى اختياره جماعة “الإخوان”، في عهد محمد مرسي، حين دعتْها الظروف السياسية إلى ذلك في شتاء وربيع العام ،2013 أي حين اشتدت الضغوط السياسية والشعبية عليها، وضاقت عليها فُرص المناورة والتسويف وتضاءلت أمامها إمكانات استيعاب تلك الضغوط من دون تقديم تنازلات اضطرارية .
لجأت “النهضة” إلى ما لم يكن ثمَّة مهربٌ من اللجوء إليه حتى تتفادى المصير عينه الذي آلت إليه سلطة “الإخوان المسلمين” في مصر، بعد الثورة الشعبية العارمة في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 . ليس مهمّاً إن كانت “حركة النهضة” مضطرة، في ما فعلت، لا مختارة، فالسياسة ليست شيئاً آخر غير قراءة الواقع وموازين القوى على نحو صائب، وإكراه النفس والمصالح الذاتية على التأقلم مع ذلك الواقع ومقتضيات تلك الموازين، قصد حفظ ما يمكن حفظه من قوى مادية وموارد معنوية، لجولات من التنافس مقبلة، ففقدان سلطة ليست نهاية العالم بالنسبة إلى حزب سياسي يثق بنفسه وجمهوره، ويحترم إرادة شعبه حين يثور عليه أو يعترض . وهو لا يكون كذلك، أي نهايةً للعالم، إلا حين يكون الحزب هذا كَلِفاً بالسلطة تلك، شغوفاً بها، إلى حدّ استصغاره اعتراضات الشعب، واستسهاله الرد عليها بالتجاهل، والإنكار، والعجرفة، والتحدي: مثلما فَعَل نظام محمد مرسي في مصر، غير آبهٍ بعواقب ذلك عليه وعلى الجماعة والحزب .
ومن نوافل القول إن الفوارق بين المسلكين ليست تُفَسَّر، دائماً، بوضعيات الضغط هنا وهناك، وبحجم الاعتراض السياسي والشعبي الذي تلقاه هذه السلطة أو تلك من معارضتها وشارعها، وإلا فإن حجمه في مصر كان أعلى- وأشد وطأة - بما لا يقاس مما هو في تونس، وإنما يفسّرها (أي الفوارق) - في المقام الأول - مستوى الوعي والتقدير والحنكة السياسية لدى القيادة في الحزب الحاكم، في هذا البلد أو ذاك، ومدى حُسن قراءتها الواقع أو إساءتها قراءته . وفي هذا تتفوق “النهضة” على “إخوان” مصر، وعلى سائر جماعات الإسلام الحزبي في البلاد العربية، بوجود قيادة ذات اقتدار سياسي على رأسها (راشد الغنوشي، عبدالفتاح مورو، حمادي الجبالي . .) . ومع أن “النهضة” خرجت من رحم “الإخوان المسلمين”، وما زالت تدين للجماعة بالولاء (رغم تأثر زعيمها - الغنوشي - بأفكار حسن الترابي: المتمرد على الجماعة)، إلا أنها نأت بنفسها عن سلوك التعنت السياسي، واحتقار المعارضة، وتجاهل مطالب الشعب، واختارت سياسة واقعية وبراغماتية فرضتها عليها الأوضاع والتطورات، ولم تضع عقيدتها السياسية فوق الواقع، بل كيَّفتها مع ضروراته الموضوعية القهرية .
لا معنى بعد هذا الموقف، إذاً، للتساؤل عما إذا كان وراء تباطؤ “النهضة” في التجاوب مع مطالب المعارضة والشارع، ومع مبادرات “الاتحاد العام التونسي للشغل” وباقي شركائه، رغبة منها في كسب المزيد من الوقت، أو استدراج خصومها إلى تقديم تنازلات سياسية قبل الحوار، أو الحصول على ضمانات (من الوسيطين الفرنسي والجزائري خاصة) بعدم تعرض مسؤوليها الحكوميين لمساءلات قانونية بعد حل الحكومة، أو ما شابه ذلك مما تناولته الأقلام والألسن، في الفترة الأخيرة، تفسيراً للتردد في حسم موقفها الذي تأخر حسمه منذ شهر يوليو/تموز الماضي . المهم أن قيادتها أدركت، في النهاية، أن موقف رئيس الحكومة السابق، والأمين العام ل”النهضة”، حمادي الجبالي بوجوب تأليف حكومة كفاءات، والذهاب إلى حوار وطني، كان الموقف السليم الذي ينبغي أن تذهب إليه البلاد بعد الأزمة السياسية التي فجَّرها اغتيال الشهيد شكري بلعيد، فهي وإن كانت أخطأت في إضاعة كل هذا الوقت الثمين، أصابت مرتين: مرة حين التقط أمينها العام الجواب المناسب عن المأزق، وهو على رأس الحكومة معتزماً الاستقالة، وأخرى حين حسمت أمرها بالموافقة على حل الحكومة، والذهاب إلى حوار وطني عميق حول مستقبل البلاد والنظام السياسي بعد المرحلة الانتقالية .
سيقول قائل إن “حركة النهضة” أضاعت على نفسها - بهذا التسويف والتأخير - فرصة تحصين شرعيتها وحفظ هيبتها لدى جمهورها الشعبي، في المجتمع التونسي، وأضاعت على هذا المجتمع فرصاً للخروج المبكّر من الأزمة السياسية التي عصفت به منذ منتصف العام 2012 . .، وهذا صحيح من غير أدنى شك، غير أن استدراك الخطأ بصواب متأخر خير، ألف مرة، من الإمعان في الخطأ، وركوب الرأس بسياسة الاستعلاء والمكابرة، إذ مصير ذلك إلى الاصطدام بحائط الواقع، وتلك، في السياسة، هي المصيبة التي لا برء من الإصابة بها .
استنفار أميركي وروسي لعقد جنيف - 2
خليل فليحان- النهار اللبنانية:
تعمّدت الولايات المتحدة الاميركية وروسيا اللتان تخططان لرعاية الحوار السوري بين النظام والمعارضة في مؤتمر جنيف 2 الطلب من الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي دعوة وزراء الخارجية العرب الى الاجتماع الاستثنائي الذي عقد امس في القاهرة من اجل إعطاء قوة دفع للقاء الذي سيلتئم غداً الثلثاء في جنيف ويشارك فيه ممثلون لواشنطن وموسكو لمناقشة حصيلة الجولة الاستقصائية للممثل الأممي والعربي للازمة السورية الاخضر الابرهيمي، علماً انها شملت تسع دول عربية باستثناء السعودية، إلى دول إقليمية، وفي ضوء طبيعة ما ستنتجه تلك اللقاءات سيُتخذ قرار بتحديد موعد انعقاد جنيف 2 أو تأجيله الى موعد آخر.
وأفادت دوائر ديبلوماسية "النهار" ان ردود الفعل السورية سواء من النظام او من بعض المعارضة ومن تهديدات 19 تنظيما متطرفا من المعارضة غير السورية التي تقاتل ضد النظام لا توحي أن الابرهيمي حصل ثمارا ناضجة لتعيين موعد "جنيف 2" وان قراراً بذلك سيتخذ غداً علما ان المبعوث الأممي والعربي مقتنع بأهمية الإسراع في جمع الطرفين المتخاصمين خطوة اولى للتأسيس لحوار سوري - سوري. ويبرر الابرهيمي تشجيعه على عقد مؤتمر قريب في جنيف لان القضايا المطروحة للمعالجة كثيرة وعويصة على حد تعبيره وستستغرق وقتا والكثير من اللقاءات والاجتماعات في أوقات طويلة.
ونقلت تفاصيل السلبيات لنتائج محادثات التي قد لا تسمح بتحديد موعد لعقد جنيف 2 في وقت قريب وقالت ان على كل من واشنطن وموسكو بذل المزيد من الجهود لازالة الموانع أمام عقد اول مؤتمر للحوار السوري بين النظام والمعارضة وهذه اهمها اولا: على المستوى السوري، انتقادات وزير الاعلام السوري عمران الزعبي الذي اتهم الابرهيمي بأنه لم يتحدث بلغة واحدة لا في دمشق ولا في بيروت واعرب عن خشيته في استعمال هذا الاسلوب مع الدول الغربية. واتى هذا الانتقاد قبل ان يصل الابرهيمي الى القصر الجمهوري في بعبدا آتياً من دمشق. كما لم يسلم من تهجم بعض الصحف الناطقة باسم النظام. واشارت الدوائر ان دمشق أبلغت موسكو وطهران بتلك الانتقادات.
وتضاف الى ذلك صعوبة تشكيل وفد المعارضة نظرا الى تناقض مكوناتها في الداخل ومنها المؤيدة للنظام بشكل عام ومنها المقاتلة له، وأعلنت 19 منها معارضتها لجنيف 2 واعتبرت ان من يشارك فيه "خائن وسيخضع لمحاكمنا". ويقترح الابرهيمي ازاء هذه التباينات تأليف وفد مقبول من دون معرفة المقصود بهذا التعبير، وما اذا كان اعضاؤه سيقبلون بمن يختارهم الابرهيمي.
كما ان الانقطاع بين الامين العام للجامعة والنظام السوري حتم عدم التشاور مع النظام قبل انعقاد المؤتمر امس على اساس ان عضوية سوريا معلقة في الجامعة. فهل ستقبل بالتشجيع الصادر عنها؟
وأعطت الدوائر اهمية خاصة لزيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري قبل الاجتماع الوزاري العربي في محاولة جديدة لتبديد انزعاج الرياض من الموقف الاميركي الجديد حيال سوريا بعد التخلي عن مخزونات السلاح الكيميائي، والتشديد على اهمية التأييد السعودي لانعقاد مؤتمر جنيف 2 والسعي الى إنجاحه.
سوريا وفلسطين في خطاب العرش
عريب الرنتاوي- الدستور الاردنية:
قد يبدو التذكير بالركائز الأساسية للموقف الأردني حيال الأزمتين السورية والفلسطينية من باب تحصيل الحاصل، لكن أن يحدث ذلك في “لحظة التحوّلات الكبرى” في المنطقة، وعلى لسان الملك، وفي واحدة من أهم المناسبات الدستورية: افتتاح الانعقاد العادي لمجلس الأمة، فإن الأمر ينفتح على أكثر من معنى سياسي، ويختزل “دبلوماسية حقل الألغام” التي أملتها الضرورة وحسابات الجغرافيا والتاريخ.
الأردن يدعم حلاً للأزمة السورية، يحفظ لسوريا وحدة الأرض والشعب والدولة والمؤسسات، ويحول دون انزلاقها إلى مصاف الدولة الفاشلة، أو تحوّلها إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، ومصدر لعدم الاستقرار في الإقليم برمته، دع عنك المعاناة الإنسانية التي فاضت عن حدود الجغرافيا والديمغرافيا السورية، إلى دول الجوار، بخاصة الأردن مع وجود ستمائة ألف لاجئ سوري.
لكنه حل، يضمن في المقابل خدمة أعمق المصالح والتطلعات المشروعة للشعب السوري، التوّاق كبقية الشعوب العربية، للحرية والكرامة والنماء والاستقلال والسيادة ... حل، يحيل إلى السوريين أنفسهم أمر تقرير أنفسهم بأنفسهم، واختيار قادتهم وممثليهم، ويوقف العبث بدماء السوريين وعذاباتهم، ويمنع سوريا من أن تصير “صندوق بريد” لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية، وعلى حساب شعبها الشقيق ودورها التأسيسي المُقدّر في هذه الرقعة من العالم.
يصدر هذا الموقف عن جلالة الملك، ومن تحت قبة البرلمان، في الوقت الذي تقف فيه، قوى إقليمية عديدة، حائرة برسم خياراتها وتحديد وجهتها، بعد سنوات من التخبط والتورط، وبعد سلسلة من النكسات والصدمات، التي بدأت تنعكس بأوخم العواقب على هذه الأطراف وأمنها الداخلي ودورها الإقليمي ... وبرغم لحظات الصعود والهبوط التي مرت بها المقاربة الأردنية للأزمة السورية، إلا أن الدبلوماسية الأردنية عموماً لم تفقد بوصلتها ... بدأت بهذه الركائز وانتهت إليها، وهذا بحد ذاته، إنجاز يحسب لها لا عليها.
أما في الموضوع الفلسطيني، فالأمر حاسم بلا شك، وينسجم أعمق الانسجام مع “المصالح الأردنية العليا أولا” ... ومع الموقف العربي – الأممي ثانياً ... ومع التوجهات الرئيسة للسلطة والمنظمة الفلسطينيتين ثالثاً ... فالأردن يدعم المفاوضات على أساس المرجعيات المعروفة، ومن ضمن جدول زمني محدد، غير فضاض وغير مفتوح على “اللا نهاية” ... دولة فلسطينية مستقلة في إطار “حل الدولتين” ... حفظ أمانة المقدسات ورعايتها ورفض التطاول عليها أو تهديدها بـ”الأسرلة” والتهويد والتبديد والاستيطان ... مراعاة مصالح الأردن المتداخلة مع معظم إن لم نقل جميع ملفات الحل النهائي ... وفوق ذلك كله، دعم غير مشروط للقيادة الفلسطينية وهي تخوض غمار المحاولة، الأخيرة ربما، لاغتنام فرصة حل الدولتين.
وأحسب أن المقاربة الملكية للملف الفلسطيني من جوانبه المختلفة، تصلح أساساً لاشتقاق السياسات والبرامج والمبادرات في حقل السياسة الخارجية، لا من قبل الحكومة فحسب، بل من قبل اللاعبين السياسيين والبرلمانيين والاجتماعيين غير الحكوميين كذلك ... فالأردن، بحكم موقعه وموقفه، يمكن أن يكون “رديفاً” قوياً للوسيط المصري في شأن المصالحة الفلسطينية الداخلية، وأقول “رديفاً” حتى لا نُقلق الأشقاء في القاهرة، ولا نحرج القيادة الفلسطينية في رام الله أو غزة، مع أن الأردن في اللحظة الراهنة، لديها من القدرة على معالجة هذا الملف، ما يفوق – ربما – قدرة الإخوة المصريين ... فعلاقاته ممتازة مع رام الله ومقبولة مع غزة، وهو بخلاف الأخوة المصريين لديه متسع من “الاستقرار” و”الأمان” ما يمكنه من الاضطلاع بدور كهذا، من دون “منافسة” أو صراع عبثي على الأدوار.
وأحسب أنه يتعين على الحكومة والبرلمان وشركائهما من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، أن يشرعوا منذ اليوم، في “إجراء التمارين الذهنية” لبناء سيناريوهات المستقبل، بما فيها سيناريو انهيار المفاوضات وانعدام فرص “حل الدولتين”، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على “المصالح الأردنية العليا”، وفي محاولة لبناء “توافق وطني” حول عناصر “الخطة ب” في حالة كهذه، وعدم الاكتفاء فقط بدراسة أشكال وسيناريوهات العلاقة الأردنية – الفلسطينية عند قيام الدولة وبعدها.
خطاب الملك في بعديه الداخلي والخارجي، يوفر قاعدة صلبة وغنية، تنطلق من على منصتها، العديد من المبادرات والسياسات والتحركات، الرسمية والبرلمانية والشعبية ... وآمل ألا تتوقف ردات أفعال مؤسساتنا ودوائرنا عند حدود الرد التقليدي – البروتوكولي على خطاب العرش.
حاكموا مرسى أيضاً على «الهبل السياسى»
عادل السنهوري- اليوم السابع
قرأت كلام الرئيس المعزول محمد مرسى الذى انفردت به الزميلة «الوطن» فى سبق صحفى مميز بالمعايير المهنية، وبعد الانتهاء من قراءته لم أصدق أن يكون هذا الرجل الذى ينطق أو بالأدق يهذى بهذه الجمل والكلمات كان يجلس على كرسى الرئاسة فى مصر، ويحكم الشعب المصرى لمدة عام كامل. مرسى يجب أن تضاف إلى محاكمته تهمة أخرى بعد هذا الحوار وهى تهمة «العبط والهبل السياسى»، فالرجل ما زال يعيش فى غيبوبة وإنكار، ويطالب المحيطين به فى محبسه بأن ينادوه بـ«سيادة الرئيس»، ويعترف بثورة الشعب ضده ثم يعود وينكر ما قاله فى أحاديثه السابقة أثناء الجولات الانتخابية للرئاسة، فهو لم يقل إنه لو خرج ضدى 10 سوف أستقيل ويعلن فى بجاحة أو توهان «محصلش». يعترف مرسى أن الشعب ثار ضده فى 30 يونيو ولكنه كان يريد فرصة لإقالة الحكومة التى كان «فيه ناس بيقولوا إنها حلوة وبتستحمل».
ما ذكره مرسى عن غزة هو اعتراف من رئيس متورط فى مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وفقًا لما تراه واشنطن وتل أبيب، والتخلص نهائيا من نضال شعب كافح من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مرحليًا على الضفة الغربية وغزة، فالمعزول يعترف صراحة وببلاهة سياسية منقطعة النظير أنه كان يريد إقامة قنصلية لغزة فى القاهرة وأخرى لمصر فى غزة..!! هل هذا كلام يصدر عن رئيس يفترض أن به عقلا وخلقه الله بلسان وبصر وبصيرة. كيف كان هذا الرجل مع جماعته البائسة يحكمون مصر؟ هذا السؤال كنت أتمنى أن أصرخ به فى وجه أى إخوانى ما زال فى رأسه بقايا عقل. هل هذا هو ما تطالبون بعودته مرة أخرى لحكم مصر بعد ثورة الشعب عليه؟
على من قرأ هذا الكلام من جماعة الإخوان أن يخجل من نفسه ويصمت ويمتلك الجرأة والشجاعة ويعترف بخطأه فى الدفاع عن مثل هذا الرجل الذى يحتاج إلى طبيب نفسى لتحليل هذيانه وتخاريفه وتناقضاته التى تذهب به جهنم وليس محاكمته فقط.
محاكمة مرسى اليوم لن يرضى الشعب أن تكون جنائية فقط، وأن يتكرر خطأ محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فمحاكمة مرسى هى محاكمة سياسية لرئيس وجماعة مارست أقصى أنواع النصب والاحتيال السياسى على الشعب المصرى طوال 80 عامًا حتى وصلت للحكم.
4/11/2013
في هذا الملــــف:
الهوية والحق العربي
القدس العربي
الهزيمة الأولى للنظام المصري الجديد
الشرق الاوسط
أخطاء مصرية تفادتها "النهضة" في تونس
الخليج الاماراتية
استنفار أميركي وروسي لعقد جنيف – 2
النهار اللبنانية
سوريا وفلسطين في خطاب العرش
الدستور الاردنية
حاكموا مرسى أيضاً على «الهبل السياسى»
اليوم السابع
الهوية والحق العربي
الامير الحسن بن طلال- القدس العربي:
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ‘يا أيُّها الإنسانُ إنّك كادحٌ إلى ربِّك كدْحًا فمُلاقيه’. (سورة الانشقاق84 :6)
في جمادى الثانية سنة 1359 هـ، خاطب جدّي الملك المؤسس عبدالله بن الحسين، أبو طلال ـ طيّب الله ثراهما – النشء العربيّ في رسالة حملت عنوان ‘من أنا’ قائلاً: ‘يجب على كل عربيّ أن يحكم بأن السلامة في الوحدة وأن الهلاك في التفرقة’. (الآثار الكاملة للملك عبد الله بن الحسين، 498). فكانت رسالة من عربي يتحدث عن العرب يؤكد فيها ثوابت العقيدة ويعرض تاريخ الأمة العربية وإنجازاتها منذ أن كرّمها الله بالهداية الإلهية والرسالة النبوية الشريفة.
رافق هبوب رياح التّغيير والإصلاح على المنطقة، سيطرة مظاهر الاقتتال ونوازع الحرب وغياب الأمن والاستقرار على بقع عزيزة من الوطن العربي الكبير. وفي غياب الأولويات، يتم هدر مقدّرات الأمة وتنحرف بوصلتها عن المسائل الاستراتيجية والقضايا الوجودية الكبرى اللصيقة بالهويّة والكينونة. فهل لا تزال قضية الحق العربي في فلسطين والقدس الشريف على رأس أولوياتنا؟
وفي ضوء عدم التشاور والتناصح والتوافق، والاستكانة إلى الإخفاق والتنازل وتضييع الفرص، يُنتهك الحق العربي، وينتقص الاستيطان كل يوم من الأرض العربية. كما تتداعى القدس السياسية، التي هي جوهر القضية الفلسطينية، ويقيد الاحتلال القدس الدينية بالقانون والإجراءات الإقصائية. وإذا كانت القدس قد بحثت سياسيًا، وبقيت القدس الدينية موضعا للتشاور الديني، فإن السؤال الملح هو: أين نحن من المستقبل؟
وفي إطار ما هو حادث في العالم العربي، وبالنظر إلى ما حصل طيلة العقود الفائتة، تبرز العديد من المفاجآت، التي نخشى أن يكون فيها الاختلاف هو الأصل، وما عداه، أي الاتفاق، هو الاستثناء، الذي نجدُّ السعي لإيجاده في واقع حياتنا. وليس أدلَّ على ذلك ما نسمع به، ولا نعلم تفاصيله، من مفاوضات تجري، تتغير فيها قواعد اللعبة، وتتبدل طبيعة القضايا، من دون أن يعلم عنها العرب والأصدقاء المتعاطفون كثير شيء.
ونحن هنا لا نُصدر حكمًا، وإنما نُذكر فقط بأن هناك الكثير على المحك، بالنسبة لنا كأردنيين. كما أن قدرنا المشترك يفرض علينا أن نكون معاً، ومُكوِّن هويتنا الوطنية ينطق بذلك، وتاريخنا يُحدث به، وحاضرنا يشهد عليه. ونحن نريد أن نُعطي دعمًا معنويًا وأخلاقيًا تقابله رغبة صادقة في انتصار الحق وتحقيق العدالة للأشقاء، لا تنتقص مما يجتهدون في تحصيله. فالأردن هو الرباط والثغر الصامد، إن شاء الله، ويبقى دائمًا واحة أمان في سياق إقليمي وعالمي، نظرًا لأهميته الاستراتيجية والجغرافية بالنسبة لقضية العرب؛ فلسطين. كما للأردن تأثير إيجابي في عالم يضطرب فيه توازن المصالح.
وقد يستتبع سؤالنا السابق عن المستقبل أسئلة استحقاق أخرى: أين الأردن من كل ما يجري؟ وهل له أن يكون حاضرًا في المشهد السياسي؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة قد لا تكون ببساطة طرحها، ولكن ما يمكن أن يعين عليها هو قدرتنا، كأردنيين، على تناول الهموم الأساسية في الداخل، وما يرتبط منها بالخارج. ويندرج ضمن هذه الهموم، بل من أخصها، والذي يصعب الفصل فيه بين داخل وخارج، هو بين ما هو أردني وما هو فلسطيني.
وقد يتبادر إلى الأذهان أكثر من سؤال في هذا السياق، ما الذي يربط بين منظومة المواطنة العربية الحرة المسؤولة والهوية العربية والشأن الفلسطيني، وما المغزى العملي من الحديث عن الاستقرار والجوار الآن؟ قطعًا، فإن الرابط بين القضيتين لا يخفى على ذي بصيرة، وأن تناولهما بهذه الطريقة ليس تلبية لحاجة طارئة، أو محاولة إرضاء مكون مجتمعي دون غيره وتغييب الهدف الرئيسي من طرحنا للموضوع، بل يكمن المغزى وراء هذا المسعى في رغبتنا التأكيد على الثوابت؛ ثوابت الهوية العربية المشتركة للأردنيين، مهما اختلفت المنابت والأصول. فأنا لا أفهم المنابت والأصول إلا في بعدها الكلي.
وفقاً للمنطق السائد حاليًا، تتجاذب الهوية القومية انتماءات فرعية وعصبيات ضيقة لا تمت للواقع الموضوعي بِصلة. وعليه، يتحتم علينا تكوين قناعات راسخة لدى الجميع بأن وحدة المصير والهمّ الوطني والقومي المشترك من الأولويات المرتبطة بنا فكريًا ووجدانيًا. وتمثّل مسميات مثل الهلال الخصيب وبلاد الشام وبلاد ما بين النهرين تجسيرًا بين المشتركات الفكرية والوجدانية، بعيدًا عن مسميات الصوملة والبلقنة التي درجت في الماضي القريب.
إن الانتماء الصادق للعروبة وقضاياها يجعلنا نشعر بأننا أصحاب القضية المشتركة للأردنيين والفلسطينيين، ولكل العرب والمسلمين؛ أعني فلسطين. لذلك، فإننا نسعى لمدّ يد العون لأي حل عادل يضمن الحق الفلسطيني والعربي. فإذا كانت علاقتنا ببعضنا في الإطار الأردني هي علاقة الذات بالذات، فإن العلاقة بين هويتنا والقضية الفلسطينية هي علاقة بين الذات والموضوع، كما يجب أن يتحدد بوعينا بهويتنا موقعنا من الصراع العربي-الإسرائيلي، الذي لا يمكن إلا أن يحسمه إدراكنا لضرورة التناصر بين مكوناتنا الاجتماعية وثوابت انتمائنا الوطني والقومي.
علينا أن نسعى معًا بمسؤولية إلى استشراف المستقبل بما يحقق الصالح العام. وهي الغاية التي لطالما سعيت إلى تحقيقها عبر قنوات الحوار والتشاور وبمساعدة الإخوة الشرفاء من أبناء هذا الوطن.
وقد أدرك أخي – المغفور له بإذنه تعالى – الحسين ضرورة كتابة تاريخ الأردن المعاصر، فكان توجيهه لي بتشكيل اللجنة العليا لكتابة تاريخ الأردن عام 1987، وما تم تحقيقه حتى الآن في هذا المسعى يمثل منجزًا وطنيًا شارك فيه كوكبة من أبناء الوطن بأطيافه كافة. وفي هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الأمّة، لا نملك إلا أن نعمل على استشراف المستقبل والتطلع نحوه بعين العلم وبصيرة القيادة المستنيرة. فلا يعد الاستشراف هروبًا إلى الأمام بل تقييم للأولويات والمضي قدمًا بما يخدم الصالح العام ويصون هويتنا وكينونتنا.
وفي ضوء الأزمات التي تحيق بالمنطقة، فإن ما يشهده الأردن من استقرار هو الضامن للمستقبل. كما أن الاستقرار الاجتماعي في الأردن لا يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستقرار السياسي في جوارنا المباشر والمنطقة بأسرها. ومن المؤلم أن نسمع بعض الأصوات التي تربط بين الاستقرار الذي ننعم فيه بالأردن وبين تدفق اللاجئين هروبا من ويلات الحرب وطلبًا للأمن والاستقرار. وكلنا نعرف أن الضيافة العربية الأصيلة، تراث عريق ارتبط بالإنسان’العربي’في حله وترحاله، وغناه وفقره، وأفراحه وأتراحه، نمارسها هنا بشكل فردي وبشكل رسمي.
وفي الواقع، ومع تأثيرات الصراعات في الجوار، وما جرّته حراكات الربيع العربي من تحولات، وما راكمته الأزمات الإقليمية والدولية من تكاليف، استطعنا في الأردن التعامل مع هذه الظروف بقدر معقول؛ انطلاقًا من ثبات وحدتنا الوطنية والقوة النابعة من أصول هويتنا، والاستقرار الاجتماعي الذي ننعم به. ولكن تبقى تحديات المياه والطاقة والبيئة الإنسانية من الأولويات، فهي من القواسم المشتركة التي يجب التعاطي معها من منظور شامل فوق قطريّ يتجاوز الحدود الضّيقة، ويستند إلى رؤية تأخذ بالحسبان البعدين العلمي والإنساني.
إن التفكير الجاد يدعونا دائما إلى البحث عن الخيارات والبدائل للوقوف أمام أي مشكلة قد تطرأ، والإمساك بوسائل معالجتها قبل أن تستفحل وتكبر. والآن، قبل فوات الأوان، نحن بحاجة لنظرة فاحصة متبصرة في أسس هويتنا الاجتماعية،’وأن ندرك بوضوح نشأتها وطبيعتها لنطور معًا عوامل ديمومتها، وأن يستشعر المخلصون من أبناء هذا الوطن المخاطر المحدقة بهم، وأن يستوعبوا المبادرات الرسمية والأهلية الخيرة، التي تهدف إلى وحدة الصف وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية، وتأكيد قيم المواطنة الجامعة؛ المواطنة العربية الحرة والمسؤولة، والكرامة الإنسانية، درءًا لأي مخاطر قد تأتي من حيث لا نحتسب. إن الاستقرار الذي ينعم به الأردن يجب ألاّ يفهم على أنه استقرار نسبي مرهون بما يدور حوله في المنطقة. فهو بحقّ السند والعضد لأبنائِه. والأردن، هذا الجزء الغالي من الوطن العربي الكبير، كان وسيبقى أردن كل العرب. وأذكر في هذا السياق كلمات أخي الحسين رحمه الله الذي أكد أهمية الترتيب الموضوعي للبيت الداخلي لنتمكن من الصمود في وجه أي تحدٍ خارجي مهما بلغت درجته. وتمثل مسيرة الإصلاح الشامل التي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الضامن للإستقرار والتنمية في الوطن.
وتستند منظومة الإصلاح المنشودة الى تفعيل الأضلع الثلاثة: السياسي، والاقتصادي-الاجتماعي، والمجتمع المدني. وستسهم هذه المكونات المتكاملة في تفعيل الإرادة والعقل العربي، فتتحقق، بذلك، الصحوة الحقيقية ذات المحتوى التي ننتظرها جميعًا.
الهزيمة الأولى للنظام المصري الجديد
عبد الرحمن الراشد- الشرق الاوسط
باسم يوسف، صاحب البرنامج الساخر، معركة واحدة أمام قيادة البلاد العسكرية والمدنية. وقد ألحق وقف البرنامج الكثير من الضرر أكثر مما فعلته مظاهرات «الإخوان» طوال الأشهر التي لم تنقطع منذ شهر يوليو (تموز) الماضي، بعد إقصائهم من الحكم. ومع أن الجيش والحكومة تبرآ من دم يوسف معلنين أنها مشكلة بين محطة التلفزيون والمقدم نفسه، إلا أن أحدا لم يصدق الرواية.
السؤال الطبيعي: لماذا لا يحتمل النظام الجديد برنامجا ينتقده، وهناك عشر محطات تلفزيون تثني عليه، وآلاف البرامج والساعات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عنه ليل نهار؟
ليس سهلا على أي حاكم تقبل النقد، ومن الأكيد أن النقد ليس بالضرورة يقوم العيوب دائما، بل يجرح المشاعر ويفسد النفوس ويحرض الجماهير، لكن هذه ضريبة المدنية، ونتائج التقنية الحديثة، وليس هناك خيار أمام الحكومات سوى أن تقبل بها وترد بنفس الوسيلة: الإعلام. ومصر ليست سوريا أو إيران تستطيع قطع شبكات النت ومنع الناس من الصراخ والسخرية. مصر المكان الوحيد في العالم الذي تعاطى وسجل تفاصيل حياته الكثيرة منذ آلاف السنين، وجدران أبو زعبل باقية إلى اليوم. وإسكات ثمانين مليون نسمة في مصر لن يكون مهمة سهلة مثل إسكات ثلاثمائة ألف مواطن في قطر. إنها في مصر مهمة مستحيلة تماما، فلا حكومة مصر تملك المال لتطييب خواطر الناس، ولا تكفي سجونها لحشر ملايين المتبرمين. محاولات حكومة «الإخوان» خلال العام الذي حكمت فيه مصر تقييد الإعلام، باستهداف الماسبيرو مقر الإعلام الرسمي، ومحاصرة مدينة الإنتاج في القاهرة، حيث توجد استوديوهات معظم المحطات التلفزيونية، ورفع عشرات الدعاوى ضد الكتاب ومقدمي البرامج، والاستيلاء على كرسي النائب العام حتى يمكنها التقاضي، وكذلك السعي بلا كلل للسيطرة على القضاء، كل هذا أنتج شيئا واحدا؛ كراهية حقيقية ممزوجة بالخوف من «الإخوان» ونظامهم الفاشي.
رفعت أغلبية المصريين الجيش على أكتافها تطالبه بالتدخل، وهذا ما حدث، كرها في ممارسات «الإخوان». هذه الرغبة والشعبية لها استحقاق واحد، ألا يمارس المنقذ ما مارسه «الإخوان». صارت للجيش شعبية، وهذه الشعبية لها وقت سينفد مع ما يستجد من إشكالات وإخفاقات. وما يفعله «الإخوان» اليوم من إرهاب بقوة السلاح في سيناء، أو بمظاهراتهم في الأزهر، لم تضعف من قيمة الجيش ولا الحكومة المؤقتة، ولم يفلح الأميركيون ببياناتهم التحذيرية ولا زياراتهم في هز ثقة الشارع المصري في النظام الجديد. إنما هذه الشعبية ستتضعضع مع ممارسات مثل تقييد الإعلام وعند ضعف خدمات الحكومة ونحوها، وهنا سينفض حلفاء الجيش عنه، ليجري تلميع صورة «الإخوان».
سخرية يوسف من الجيش والحكومة لم تؤذ كثيرا بقدر ما فعلت الضجة التي رافقت وقف «البرنامج»، والقلق الذي اعترى الإعلاميين من هذا الأسلوب القمعي. على قيادة مصر التعايش والتعامل بذكاء وإيجابية مع الإعلام؛ لأنه لا توجد وسيلة قمع قادرة على إخراسه. الرئيس الأميركي الراحل فورد بعد أن استخدمه رسامو الكاريكاتير مجالا لسخريتهم أخيرا شاركهم السخرية، وعلق على جدار غرفة في البيت الأبيض كاريكاتيرا يقول «إن فورد لا يستطيع أن يفعل شيئين في وقت واحد، لهذا وقع من سلم الطائرة عندما كان يمضغ العلكة». كثيرون في مصر يأملون من قيادة الجيش أن تقود البلاد من النفق الخطير الذي تمر به، لتفعل كما فعل فرانسيسكو فرانكو في إسبانيا الذي سلم الحكم لنظام ديمقراطي، وكما فعل العسكر في تركيا، باستثناء أن جيش مصر جاء بشعبية هائلة ولم يتسلم السلطة تحت جنح الظلام.
أخطاء مصرية تفادتها "النهضة" في تونس
عبد الاله بلقزيز –الخليج الامارتية:
ربما كان “حزب حركة النهضة” في تونس أكثر تشبعاً بالواقعية السياسية، وأبعد فهماً واستيعاباً للسياسة أو لضروراتها وموجباتها، من “جماعة الإخوان المسلمين” وحزبها (حزب الحرية والعدالة) في مصر . ذلك، على الأقل، ما يَحْمل على الظن به إعلان رئيس الحزب، راشد الغنوشي، عن قبول مشروع الرباعية بحل حكومة عليّ العريّض التي تسيطر عليها “النهضة”، وتشكيل حكومة كفاءات، والذهاب في حوار وطني شامل لوضع “خريطة طريق” للمستقبل . وهذا ما لم تَهْتَد إلى اختياره جماعة “الإخوان”، في عهد محمد مرسي، حين دعتْها الظروف السياسية إلى ذلك في شتاء وربيع العام ،2013 أي حين اشتدت الضغوط السياسية والشعبية عليها، وضاقت عليها فُرص المناورة والتسويف وتضاءلت أمامها إمكانات استيعاب تلك الضغوط من دون تقديم تنازلات اضطرارية .
لجأت “النهضة” إلى ما لم يكن ثمَّة مهربٌ من اللجوء إليه حتى تتفادى المصير عينه الذي آلت إليه سلطة “الإخوان المسلمين” في مصر، بعد الثورة الشعبية العارمة في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 . ليس مهمّاً إن كانت “حركة النهضة” مضطرة، في ما فعلت، لا مختارة، فالسياسة ليست شيئاً آخر غير قراءة الواقع وموازين القوى على نحو صائب، وإكراه النفس والمصالح الذاتية على التأقلم مع ذلك الواقع ومقتضيات تلك الموازين، قصد حفظ ما يمكن حفظه من قوى مادية وموارد معنوية، لجولات من التنافس مقبلة، ففقدان سلطة ليست نهاية العالم بالنسبة إلى حزب سياسي يثق بنفسه وجمهوره، ويحترم إرادة شعبه حين يثور عليه أو يعترض . وهو لا يكون كذلك، أي نهايةً للعالم، إلا حين يكون الحزب هذا كَلِفاً بالسلطة تلك، شغوفاً بها، إلى حدّ استصغاره اعتراضات الشعب، واستسهاله الرد عليها بالتجاهل، والإنكار، والعجرفة، والتحدي: مثلما فَعَل نظام محمد مرسي في مصر، غير آبهٍ بعواقب ذلك عليه وعلى الجماعة والحزب .
ومن نوافل القول إن الفوارق بين المسلكين ليست تُفَسَّر، دائماً، بوضعيات الضغط هنا وهناك، وبحجم الاعتراض السياسي والشعبي الذي تلقاه هذه السلطة أو تلك من معارضتها وشارعها، وإلا فإن حجمه في مصر كان أعلى- وأشد وطأة - بما لا يقاس مما هو في تونس، وإنما يفسّرها (أي الفوارق) - في المقام الأول - مستوى الوعي والتقدير والحنكة السياسية لدى القيادة في الحزب الحاكم، في هذا البلد أو ذاك، ومدى حُسن قراءتها الواقع أو إساءتها قراءته . وفي هذا تتفوق “النهضة” على “إخوان” مصر، وعلى سائر جماعات الإسلام الحزبي في البلاد العربية، بوجود قيادة ذات اقتدار سياسي على رأسها (راشد الغنوشي، عبدالفتاح مورو، حمادي الجبالي . .) . ومع أن “النهضة” خرجت من رحم “الإخوان المسلمين”، وما زالت تدين للجماعة بالولاء (رغم تأثر زعيمها - الغنوشي - بأفكار حسن الترابي: المتمرد على الجماعة)، إلا أنها نأت بنفسها عن سلوك التعنت السياسي، واحتقار المعارضة، وتجاهل مطالب الشعب، واختارت سياسة واقعية وبراغماتية فرضتها عليها الأوضاع والتطورات، ولم تضع عقيدتها السياسية فوق الواقع، بل كيَّفتها مع ضروراته الموضوعية القهرية .
لا معنى بعد هذا الموقف، إذاً، للتساؤل عما إذا كان وراء تباطؤ “النهضة” في التجاوب مع مطالب المعارضة والشارع، ومع مبادرات “الاتحاد العام التونسي للشغل” وباقي شركائه، رغبة منها في كسب المزيد من الوقت، أو استدراج خصومها إلى تقديم تنازلات سياسية قبل الحوار، أو الحصول على ضمانات (من الوسيطين الفرنسي والجزائري خاصة) بعدم تعرض مسؤوليها الحكوميين لمساءلات قانونية بعد حل الحكومة، أو ما شابه ذلك مما تناولته الأقلام والألسن، في الفترة الأخيرة، تفسيراً للتردد في حسم موقفها الذي تأخر حسمه منذ شهر يوليو/تموز الماضي . المهم أن قيادتها أدركت، في النهاية، أن موقف رئيس الحكومة السابق، والأمين العام ل”النهضة”، حمادي الجبالي بوجوب تأليف حكومة كفاءات، والذهاب إلى حوار وطني، كان الموقف السليم الذي ينبغي أن تذهب إليه البلاد بعد الأزمة السياسية التي فجَّرها اغتيال الشهيد شكري بلعيد، فهي وإن كانت أخطأت في إضاعة كل هذا الوقت الثمين، أصابت مرتين: مرة حين التقط أمينها العام الجواب المناسب عن المأزق، وهو على رأس الحكومة معتزماً الاستقالة، وأخرى حين حسمت أمرها بالموافقة على حل الحكومة، والذهاب إلى حوار وطني عميق حول مستقبل البلاد والنظام السياسي بعد المرحلة الانتقالية .
سيقول قائل إن “حركة النهضة” أضاعت على نفسها - بهذا التسويف والتأخير - فرصة تحصين شرعيتها وحفظ هيبتها لدى جمهورها الشعبي، في المجتمع التونسي، وأضاعت على هذا المجتمع فرصاً للخروج المبكّر من الأزمة السياسية التي عصفت به منذ منتصف العام 2012 . .، وهذا صحيح من غير أدنى شك، غير أن استدراك الخطأ بصواب متأخر خير، ألف مرة، من الإمعان في الخطأ، وركوب الرأس بسياسة الاستعلاء والمكابرة، إذ مصير ذلك إلى الاصطدام بحائط الواقع، وتلك، في السياسة، هي المصيبة التي لا برء من الإصابة بها .
استنفار أميركي وروسي لعقد جنيف - 2
خليل فليحان- النهار اللبنانية:
تعمّدت الولايات المتحدة الاميركية وروسيا اللتان تخططان لرعاية الحوار السوري بين النظام والمعارضة في مؤتمر جنيف 2 الطلب من الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي دعوة وزراء الخارجية العرب الى الاجتماع الاستثنائي الذي عقد امس في القاهرة من اجل إعطاء قوة دفع للقاء الذي سيلتئم غداً الثلثاء في جنيف ويشارك فيه ممثلون لواشنطن وموسكو لمناقشة حصيلة الجولة الاستقصائية للممثل الأممي والعربي للازمة السورية الاخضر الابرهيمي، علماً انها شملت تسع دول عربية باستثناء السعودية، إلى دول إقليمية، وفي ضوء طبيعة ما ستنتجه تلك اللقاءات سيُتخذ قرار بتحديد موعد انعقاد جنيف 2 أو تأجيله الى موعد آخر.
وأفادت دوائر ديبلوماسية "النهار" ان ردود الفعل السورية سواء من النظام او من بعض المعارضة ومن تهديدات 19 تنظيما متطرفا من المعارضة غير السورية التي تقاتل ضد النظام لا توحي أن الابرهيمي حصل ثمارا ناضجة لتعيين موعد "جنيف 2" وان قراراً بذلك سيتخذ غداً علما ان المبعوث الأممي والعربي مقتنع بأهمية الإسراع في جمع الطرفين المتخاصمين خطوة اولى للتأسيس لحوار سوري - سوري. ويبرر الابرهيمي تشجيعه على عقد مؤتمر قريب في جنيف لان القضايا المطروحة للمعالجة كثيرة وعويصة على حد تعبيره وستستغرق وقتا والكثير من اللقاءات والاجتماعات في أوقات طويلة.
ونقلت تفاصيل السلبيات لنتائج محادثات التي قد لا تسمح بتحديد موعد لعقد جنيف 2 في وقت قريب وقالت ان على كل من واشنطن وموسكو بذل المزيد من الجهود لازالة الموانع أمام عقد اول مؤتمر للحوار السوري بين النظام والمعارضة وهذه اهمها اولا: على المستوى السوري، انتقادات وزير الاعلام السوري عمران الزعبي الذي اتهم الابرهيمي بأنه لم يتحدث بلغة واحدة لا في دمشق ولا في بيروت واعرب عن خشيته في استعمال هذا الاسلوب مع الدول الغربية. واتى هذا الانتقاد قبل ان يصل الابرهيمي الى القصر الجمهوري في بعبدا آتياً من دمشق. كما لم يسلم من تهجم بعض الصحف الناطقة باسم النظام. واشارت الدوائر ان دمشق أبلغت موسكو وطهران بتلك الانتقادات.
وتضاف الى ذلك صعوبة تشكيل وفد المعارضة نظرا الى تناقض مكوناتها في الداخل ومنها المؤيدة للنظام بشكل عام ومنها المقاتلة له، وأعلنت 19 منها معارضتها لجنيف 2 واعتبرت ان من يشارك فيه "خائن وسيخضع لمحاكمنا". ويقترح الابرهيمي ازاء هذه التباينات تأليف وفد مقبول من دون معرفة المقصود بهذا التعبير، وما اذا كان اعضاؤه سيقبلون بمن يختارهم الابرهيمي.
كما ان الانقطاع بين الامين العام للجامعة والنظام السوري حتم عدم التشاور مع النظام قبل انعقاد المؤتمر امس على اساس ان عضوية سوريا معلقة في الجامعة. فهل ستقبل بالتشجيع الصادر عنها؟
وأعطت الدوائر اهمية خاصة لزيارة وزير الخارجية الاميركية جون كيري قبل الاجتماع الوزاري العربي في محاولة جديدة لتبديد انزعاج الرياض من الموقف الاميركي الجديد حيال سوريا بعد التخلي عن مخزونات السلاح الكيميائي، والتشديد على اهمية التأييد السعودي لانعقاد مؤتمر جنيف 2 والسعي الى إنجاحه.
سوريا وفلسطين في خطاب العرش
عريب الرنتاوي- الدستور الاردنية:
قد يبدو التذكير بالركائز الأساسية للموقف الأردني حيال الأزمتين السورية والفلسطينية من باب تحصيل الحاصل، لكن أن يحدث ذلك في “لحظة التحوّلات الكبرى” في المنطقة، وعلى لسان الملك، وفي واحدة من أهم المناسبات الدستورية: افتتاح الانعقاد العادي لمجلس الأمة، فإن الأمر ينفتح على أكثر من معنى سياسي، ويختزل “دبلوماسية حقل الألغام” التي أملتها الضرورة وحسابات الجغرافيا والتاريخ.
الأردن يدعم حلاً للأزمة السورية، يحفظ لسوريا وحدة الأرض والشعب والدولة والمؤسسات، ويحول دون انزلاقها إلى مصاف الدولة الفاشلة، أو تحوّلها إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية، ومصدر لعدم الاستقرار في الإقليم برمته، دع عنك المعاناة الإنسانية التي فاضت عن حدود الجغرافيا والديمغرافيا السورية، إلى دول الجوار، بخاصة الأردن مع وجود ستمائة ألف لاجئ سوري.
لكنه حل، يضمن في المقابل خدمة أعمق المصالح والتطلعات المشروعة للشعب السوري، التوّاق كبقية الشعوب العربية، للحرية والكرامة والنماء والاستقلال والسيادة ... حل، يحيل إلى السوريين أنفسهم أمر تقرير أنفسهم بأنفسهم، واختيار قادتهم وممثليهم، ويوقف العبث بدماء السوريين وعذاباتهم، ويمنع سوريا من أن تصير “صندوق بريد” لتبادل الرسائل الإقليمية والدولية، وعلى حساب شعبها الشقيق ودورها التأسيسي المُقدّر في هذه الرقعة من العالم.
يصدر هذا الموقف عن جلالة الملك، ومن تحت قبة البرلمان، في الوقت الذي تقف فيه، قوى إقليمية عديدة، حائرة برسم خياراتها وتحديد وجهتها، بعد سنوات من التخبط والتورط، وبعد سلسلة من النكسات والصدمات، التي بدأت تنعكس بأوخم العواقب على هذه الأطراف وأمنها الداخلي ودورها الإقليمي ... وبرغم لحظات الصعود والهبوط التي مرت بها المقاربة الأردنية للأزمة السورية، إلا أن الدبلوماسية الأردنية عموماً لم تفقد بوصلتها ... بدأت بهذه الركائز وانتهت إليها، وهذا بحد ذاته، إنجاز يحسب لها لا عليها.
أما في الموضوع الفلسطيني، فالأمر حاسم بلا شك، وينسجم أعمق الانسجام مع “المصالح الأردنية العليا أولا” ... ومع الموقف العربي – الأممي ثانياً ... ومع التوجهات الرئيسة للسلطة والمنظمة الفلسطينيتين ثالثاً ... فالأردن يدعم المفاوضات على أساس المرجعيات المعروفة، ومن ضمن جدول زمني محدد، غير فضاض وغير مفتوح على “اللا نهاية” ... دولة فلسطينية مستقلة في إطار “حل الدولتين” ... حفظ أمانة المقدسات ورعايتها ورفض التطاول عليها أو تهديدها بـ”الأسرلة” والتهويد والتبديد والاستيطان ... مراعاة مصالح الأردن المتداخلة مع معظم إن لم نقل جميع ملفات الحل النهائي ... وفوق ذلك كله، دعم غير مشروط للقيادة الفلسطينية وهي تخوض غمار المحاولة، الأخيرة ربما، لاغتنام فرصة حل الدولتين.
وأحسب أن المقاربة الملكية للملف الفلسطيني من جوانبه المختلفة، تصلح أساساً لاشتقاق السياسات والبرامج والمبادرات في حقل السياسة الخارجية، لا من قبل الحكومة فحسب، بل من قبل اللاعبين السياسيين والبرلمانيين والاجتماعيين غير الحكوميين كذلك ... فالأردن، بحكم موقعه وموقفه، يمكن أن يكون “رديفاً” قوياً للوسيط المصري في شأن المصالحة الفلسطينية الداخلية، وأقول “رديفاً” حتى لا نُقلق الأشقاء في القاهرة، ولا نحرج القيادة الفلسطينية في رام الله أو غزة، مع أن الأردن في اللحظة الراهنة، لديها من القدرة على معالجة هذا الملف، ما يفوق – ربما – قدرة الإخوة المصريين ... فعلاقاته ممتازة مع رام الله ومقبولة مع غزة، وهو بخلاف الأخوة المصريين لديه متسع من “الاستقرار” و”الأمان” ما يمكنه من الاضطلاع بدور كهذا، من دون “منافسة” أو صراع عبثي على الأدوار.
وأحسب أنه يتعين على الحكومة والبرلمان وشركائهما من الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، أن يشرعوا منذ اليوم، في “إجراء التمارين الذهنية” لبناء سيناريوهات المستقبل، بما فيها سيناريو انهيار المفاوضات وانعدام فرص “حل الدولتين”، وكيف يمكن أن ينعكس ذلك على “المصالح الأردنية العليا”، وفي محاولة لبناء “توافق وطني” حول عناصر “الخطة ب” في حالة كهذه، وعدم الاكتفاء فقط بدراسة أشكال وسيناريوهات العلاقة الأردنية – الفلسطينية عند قيام الدولة وبعدها.
خطاب الملك في بعديه الداخلي والخارجي، يوفر قاعدة صلبة وغنية، تنطلق من على منصتها، العديد من المبادرات والسياسات والتحركات، الرسمية والبرلمانية والشعبية ... وآمل ألا تتوقف ردات أفعال مؤسساتنا ودوائرنا عند حدود الرد التقليدي – البروتوكولي على خطاب العرش.
حاكموا مرسى أيضاً على «الهبل السياسى»
عادل السنهوري- اليوم السابع
قرأت كلام الرئيس المعزول محمد مرسى الذى انفردت به الزميلة «الوطن» فى سبق صحفى مميز بالمعايير المهنية، وبعد الانتهاء من قراءته لم أصدق أن يكون هذا الرجل الذى ينطق أو بالأدق يهذى بهذه الجمل والكلمات كان يجلس على كرسى الرئاسة فى مصر، ويحكم الشعب المصرى لمدة عام كامل. مرسى يجب أن تضاف إلى محاكمته تهمة أخرى بعد هذا الحوار وهى تهمة «العبط والهبل السياسى»، فالرجل ما زال يعيش فى غيبوبة وإنكار، ويطالب المحيطين به فى محبسه بأن ينادوه بـ«سيادة الرئيس»، ويعترف بثورة الشعب ضده ثم يعود وينكر ما قاله فى أحاديثه السابقة أثناء الجولات الانتخابية للرئاسة، فهو لم يقل إنه لو خرج ضدى 10 سوف أستقيل ويعلن فى بجاحة أو توهان «محصلش». يعترف مرسى أن الشعب ثار ضده فى 30 يونيو ولكنه كان يريد فرصة لإقالة الحكومة التى كان «فيه ناس بيقولوا إنها حلوة وبتستحمل».
ما ذكره مرسى عن غزة هو اعتراف من رئيس متورط فى مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وفقًا لما تراه واشنطن وتل أبيب، والتخلص نهائيا من نضال شعب كافح من أجل إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، مرحليًا على الضفة الغربية وغزة، فالمعزول يعترف صراحة وببلاهة سياسية منقطعة النظير أنه كان يريد إقامة قنصلية لغزة فى القاهرة وأخرى لمصر فى غزة..!! هل هذا كلام يصدر عن رئيس يفترض أن به عقلا وخلقه الله بلسان وبصر وبصيرة. كيف كان هذا الرجل مع جماعته البائسة يحكمون مصر؟ هذا السؤال كنت أتمنى أن أصرخ به فى وجه أى إخوانى ما زال فى رأسه بقايا عقل. هل هذا هو ما تطالبون بعودته مرة أخرى لحكم مصر بعد ثورة الشعب عليه؟
على من قرأ هذا الكلام من جماعة الإخوان أن يخجل من نفسه ويصمت ويمتلك الجرأة والشجاعة ويعترف بخطأه فى الدفاع عن مثل هذا الرجل الذى يحتاج إلى طبيب نفسى لتحليل هذيانه وتخاريفه وتناقضاته التى تذهب به جهنم وليس محاكمته فقط.
محاكمة مرسى اليوم لن يرضى الشعب أن تكون جنائية فقط، وأن يتكرر خطأ محاكمة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، فمحاكمة مرسى هى محاكمة سياسية لرئيس وجماعة مارست أقصى أنواع النصب والاحتيال السياسى على الشعب المصرى طوال 80 عامًا حتى وصلت للحكم.