المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 539



Haneen
2013-12-08, 01:53 PM
اقلام عربي 539
5/11/2013

في هذا الملــــف:


وزراء الخارجية العرب.. إلى «جنيف 2» دُرْ!

الدستور


النظام العراقي يستغيث بالادارة الامريكية

القدس العربي


المنطقة العربية والحاجة إلى عقد جديد

الخليج الاماراتية


تتعدد المفاهيم والهدف السيطرة على مقدرات المنطقة

اليوم السابع


محاكمة «القرن».. ومحاكمة «قرن شو»

اليوم السابع


نداء للسيد الرئيس والفريق السيسي

الاهرام المصرية



وزراء الخارجية العرب.. إلى «جنيف 2» دُرْ!
عريب الرنتاوي- الدستور:
أمدّ وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير في القاهرة، معارضة الخارج بـ”شبكة أمان”، تساعدها على حسم التردد وتجاوز الانقسام الحاصل في أوساطها حول المشاركة في مؤتمر “جنيف 2” ... ومن الواضح أن الاجتماع المذكور يعكس حاجة المعارضة لمن يساعدها على اتخاذ القرار الصعب، أكثر من كونه محاولة لرأب التصدعات والانقسامات في الموقف العربي ... وقد كشف أمين عام الجامعة وبعض الوزراء العرب، أن الاجتماع المذكور كان تقرر في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأعاد كيري التشديد عليه في اجتماعات لندن مع المعارضة السورية.
ويمكن القول، وفقاً لأفضل المعلومات والتقديرات المحيطة بالاجتماع الوزاري العربي، بأن طريق المعارضة (الائتلاف) للمشاركة في “جنيف 2” باتت سالكة ... فالجبهة الداعمة للمعارضة، عربياً وإقليمياً، ليست في أحسن أحوالها، وهي تتعرض لضغوط أمريكية وغربية لتعديل اتجاه بوصلتها، فضلاً عن التنافس المقلق بين أطرافها ومكوناته، ما يبقي للمعارضة هامشاً ضيقاً للمناورة.
هذا لا يعني بحال من الأحوال، أن كافة العقبات والعراقيل قد أزيحت عن الطريق إلى “جنيف 2”، ويتعين على المراقب أن ينتظر نتائج زيارة جون كيري إلى السعودية، الدولة الأكثر نفوذاً وتأثيراً في أوساط المعارضة، والتي ما زالت تبدي تحفظاً يصل حد الرفض المبطّن (وأحياناً المعلن) للحل السياسي، من خلال ربطه بجملة من الشروط المسبقة .
قرار الوزراء العرب بدعوة الائتلاف والمعارضة للمشاركة في المؤتمر، سوف تساعد على حسم تردد المترددين، وتحجيم أصوات المعارضين، وتسهيل “الهبوط الآمن” على مدارج جنيف بالنسبة للمؤيدين والمرحبين بفكرة المؤتمر وضرورة الحل السياسي ... والأرجح أن اجتماعات نهاية الأسبوع للمعارضة في إسطنبول، سوف تحسم الموقف باتجاه المشاركة، سيما بعد التأكيدات المتعددة التي تلقاها أركان المعارضة بضرورة الإسراع في حسم الموقف والالتحاق بقطار “جنيف 2” قبل أن تفوتهم آخر عرباته.
وبعد أن يحسم الائتلاف الوطني قرار المشاركة، سيدخل “رعاة” المؤتمر في بحث شاق ومضنٍ، حول الكيفية التي ستذهب بها المعارضة إلى جنيف: من سيذهب، وبأية أحجام، وبقيادة من، بوفد موحد أو بوفود متعددة؟ ... وماذا بشأن القوى والمعارضات الرافضة لجنيف والحلول السياسية؟ ... ماذا بشأن الفصائل الجهادية المسلحة التي تلعب دوراً ميدانياً حاسماً، و”تكفّر” أو “تخوّن” من يقبل بجنيف أو يشارك فيه؟ ... أسئلة وتساؤلات، ما زالت بحاجة لجولات جديدة من التفاوض.
حتى الآن، ثمة تفاهمات أولية حول ضرورة أن يتمثل في المؤتمر كل من “الائتلاف” و”هيئة التنسيق” و”المجلس الكردي”، بيد أن الائتلاف من موقع الممثل الشرعي الوحيد، ما زال على تنكره للمعارضات الأخرى، وفي أحسن الأحوال، يمكن أن يقبل بتمثيل رمزي لها تحت قيادته، فيما معارضة الداخل ممثلة بـ”هيئة التنسيق” لا تقبل إلا بتمثيل متساوٍ مع “الائتلاف”، أما الأكراد فتتوزعهم مختلف الأطر الائتلافية للمعارضة، ولديهم “تمثيل ما” لدى النظام في دمشق كذلك.
لكن ومن قال أن “هيئة التنسيق” تمثل معارضة الداخل جميعها؟ ... فهناك تيار بناء الدولة وهناك “الجبهة الشعبية” والحزب السوري الممثلين في الحكومة، بوزيرين، واحد أقيل أو استقال، والثاني ما زال على رأس عمله، وكيف يمكن النظر إلى نشاط قدري جميل في موسكو وجنيف، ولقاءاته مع مسؤولين روس وأمريكيين ... ماذا عن لقاءات الأخضر الإبراهيمي في دمشق، مع أحزاب “الحقبة الأخيرة” في الأزمة السورية، والتي تقدم نفسها على أنها أحزاب معارضة.
إذن، قبل أن نتحدث عن “حسم الموقف” في أوساط معارضة الخارج، يجب التفكير أيضاً بالحاجة لحسم الموقف في أوساط معارضة الداخل كذلك، دعم عنك الأكراد وشتاتهم وتوزعهم على الفرق والقبائل المحتربة في سوريا ... وقد نكون بحاجة لـ”جنيف تمهيدي” للتوفيق فيما بين المعارضات السورية، قبل أن ننتقل إلى “جنيف 2” لحسم الصراع بين النظام وكل هذه المعارضات.
أياً يكن من أمر، فإن كافة التقديرات تشير إلى أن الطريق إلى “جنيف 2” بات سالكاً وأمناً، بيد أنه مزروع بـ”المطبات” والحواجز التي لم تسوَّ بعد ... أما جنيف نفسه، فلن يكون نزهة قصيرة، بل عملية تفاوضية شاقة، مديدة ومريرة” تصاحبها وترافقها جولات دامية من القتال يفصل الواحدة منها عن الأخرى، استراحات متعاقبة للمحاربين ... وسوف تسير وقائع هذه المؤتمر المفتوح على إيقاع التطورات الميدانية أولاً، وتداعيات أزمات الإقليم المتراكبة ثانياً، من أزمة النووي الإيراني إلى تأزم العلاقات الأمريكية – السعودية واتجاهات سيرها، فضلاً عن التطورات والتبدلات في مواقع ومواقف اللاعبين الكبار في الإقليم، والتي تشهد تسارعاً غير مسبوق، في إقليم اعتاد الركود والاستنقاع لأكثر من أربعين عاماً.

النظام العراقي يستغيث بالادارة الامريكية
هيفاء زنكه- القدس العربي:
في المقالة الموقعة باسم نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، والمنشورة في صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، يوم 30 تشرين الاول/اكتوبر، يلتمس المالكي من الادارة الامريكية ان ‘تصبر’ عليه وعلى نظامه. نشرت المقالة قبيل لقاء الرئيس الامريكي باراك اوباما بالمالكي الذي خطط، وفقا للرواية الرسمية العراقية، لمناقشة طلب المالكي تجهيز القوات العراقية بالأسلحة المتطورة وتدريب القوات الامنية والعسكرية لمحاربة الإرهاب، بينما تشير مصادر مطلعة الى ان الزيارة تمت بناء على استدعاء الادارة الامريكية للمالكي لتحديد مستقبل دور العراق على ضوء تطور المباحثات الامريكية الايرانية وتفعيل معاهدة الاطار الاستراتيجي، بعيدة المدى، التي تضمن لامريكا التدخل في كل كبيرة وصغيرة بالشأن العراقي، من الامن والاقتصاد الى الثقافة والتعليم.
المعروف ان نظام المالكي يلقي باللائمة عن كل عمل ارهابي (من بينها انفجارات السيارات المتكررة، غالبا، في الأسواق والمقاهي والمساجد) على تنظيم القاعدة لوحده، متعاميا عن دور ميليشيات النظام نفسه، المشاركة معظم احزابها في العملية السياسية، مثل فصائل جيش المهدي، وفيلق بدر وعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي، وجيش المختار الذي تفاخر قائده المدعو واثق البطاط، في لقاء اجرته معه قناة البغدادية، بمسؤوليته عن العديد من الهجمات الأخيرة .
يتجاهل المالكي وساسة النظام، ايضا، القوات العراقية الخاصة الموروثة عن الاحتلال، والتي دربها العقيد جيمس ستيل باشراف جون نيغروبونتي، السفير الأمريكي السابق بالعراق، والمسؤول عن اشرس حملة اغتيالات استهدفت الثوار،في امريكا اللاتينية، في فترة الثمانينات. وكان جيمس ستيل قد اغرق العراق في بحر من الدم خلال الفترة التي يصفها المحتل ومستخدموه بانها فترة الاقتتال الطائفي. هذه القوات ترتبط، الآن، مباشرة بمكتب المالكي .
ولعل الاهم من ذلك، التعامي عن اعداد عملاء السي آي أي ومستخدمي الشركات الأمنية الخاصة، والشبكات المنظمة من القتلة المحترفين، التي يعتقد الكثيرون بانها محمية من قبل النظام، في ظل أكبر سفارة أمريكية في العالم (صاحبة السيادة الحقيقية)، في المنطقة الخضراء، ببغداد. الاعتقاد الشائع الآخر هو أن الجهات القادرة على تنفيذ عمليات الارهاب الواسعة، والمستمرة، هي ذاتها، المتحكمة بما يقارب المليون شخص من الجيش وقوات الأمن، وخاصة القوات الخاصة. كما يجب التذكير بتدخل فيلق القدس الايراني، بأمرة الجنرال قاسم سليماني، الذي يستخدم العراق كساحة معركة لمناوراته ضد الولايات المتحدة، أو لجعل الوجود الايراني ملموسا في المساومة الجارية حول الدور الإقليمي لإيران في المنطقة.
لماذا يعتقد الكثير من العراقيين أن معظم الفظائع التي يلقي اللوم فيها على تنظيم القاعدة، وهي ليست بريئة حتما، هي في الواقع اما من تنفيذ اجهزة النظام المختلفة ، وحصيلة المعارك بين مكوناته، بالاضافة الى جهات اقليمية فاعلة ذات صلة بالأجهزة الأمنية؟
السبب الواضح، خلال السنوات الاخيرة، هو ان النظام ودستوره وعمليته السياسية تجسيد للتقسيم الطائفي المقيت الذي اسسه الاحتلال فولد حكومة لصوص مكونة من أمراء الحرب، والسراق، وتجار الدين. هذه الطبقة الحاكمة الفاسدة تستهلك، الآن، 100 مليار دولار سنويا من الثروة النفطية في البلاد تاركة كل ما تبقى في البلاد ليتفسخ. سلاح هذه الطبقة هو الطائفية او الوحش الذي خلقه ورعاه الاحتلال الانكلو امريكي لتطبيق سياسة فرق تسد التي لا غنى للمحتل عنها. ولكن، مثل كل الوحوش والحكام القمعيين سرعان ما بدأ الوحش بالتحرك خارج سيطرة خالقه، ليسقط نتيجة اقتتال الأحزاب السياسية الطائفية التي انتشرت بعد الغزو آلاف الضحايا الابرياء. ففي شهري تموز/يوليو وايلول/ سبتمبر من هذا العام قتل 3000 شخص مع ثلاثة أضعاف العدد من الجرحى. العديد من المصابين غالبا ما يموتون بسبب عدم توفر الخدمات الطبية. ان أعمال العنف، التي تقدم يوميا على شاشة التلفزيون العراقي مثل نشرة الاخبار الجوية، تدمر نسيج المجتمع نفسه من خلال الفتنة والرغبة بالانتقام وتقسيم الناس الذين يعيشون معا منذ آلاف السنين الى الحديث والتصرف عن ‘هم’ و’نحن’ .
أما بالنسبة الى الفساد، فقد وصفت منظمة الشفافية الدولية، في تقريرها عن العراق لعام 2012، الصلة بين الفساد الحكومي المستفحل والعنف على النحو التالي : ‘ اختلاسات كبيرة، تحايل في العقود والمشتريات، غسيل الأموال، تهريب النفط والرشوة البيروقراطية على نطاق واسع ‘انها’ كلها تغذي العنف السياسي وتعرقل بناء دولة فاعلة توفر الخدمات لمواطنيها.’
ويتم تحويل 80 مليون دولار إلى خارج العراق كل اسبوع، بشكل غير قانوني، بينما يعاني المواطنون من الفقر والبطالة والحرمان من الخدمات الاساسية.
لقد قام النظام بتصنيع جو من الخوف للسماح للميليشيات والعصابات للسيطرة على الحياة اليومية بينما يشن حملات اعتقال وتعذيب واعدام بشكل لامثيل له مما يجبر كل من يفكر بمعارضة النظام على ترك البلاد للحفاظ على سلامته وسلامة اهله . اما المتظاهرون، فقد جوبهوا، في بغداد والفلوجة والناصرية وغيرها من المدن، بالتهديد والسجن بينما قتل 51 متظاهرا وسقط العديد من الجرحى في مدينة الحويجة شمال بغداد، عندما هاجمت قوات الأمن والجيش مخيما للمعتصمين يوم 23 نيسان/ ابريل. وقتل ثلاثة صحافيين في تشرين الاول/اكتوبر فقط ليصبح العراق حاملا للقب ‘البلد الذي لايعاقب فيه قتلة الصحافيين’، حسب اللجنة الدولية للدفاع عن الصحافيين.
توفر تقارير منظمة ‘ هيومن رايتس ووتش’، صورة قاتمة عن الكيفية التي ينفذ بها الخوف والرعب المؤسسي، حيث جاء في تقريرها الدولي الصادر هذا العام: ‘ان القوات التابعة لوزارة الدفاع، والداخلية، ووزارة العدل، فضلا عن قوات النخبة، تقدم تقاريرها مباشرة إلى مكتب رئيس الوزراء. وقد استمرت الاعتقالات التعسفية لاعداد كبيرة من الناس ووضعهم في معتقلات، بما في ذلك في سجون سرية خارج نطاق وزارتي الداخلية والعدل’. كما تم، بداية تشرين الثاني/نوفمبر، تنفيذ عقوبة الاعدام بـ42 سجينا، بينهم امرأة، وهو فعل نددت به رئيسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، واصفة اياه بانه ‘بذيء ولا إنساني’. المعروف ان هناك الآن، بموجب القانون العراقي الحالي، 48 جريمة يعاقب عليها بالإعدام .
فلا عجب الا يرى العراقيون مخرجا في ظل النظام الحالي . ويلاحظ ان حتى اكثر المنظمات وطنية مثل هيئة علماء المسلمين تدعو إلى اتخاذ إجراءات دولية لمساعدة العراق للحفاظ على سلامته وأمنه ولتجنيبه نزف المزيد من الدماء. الا انني اعتقد بان العراقيين لم يتوقفوا عن النضال يوما لتحقيق ذلك ولمحاربة الإرهاب، بانواعه، في نفس الوقت، مما يدفعنا الى مطالبة الشعب الامريكي والبريطاني باتخاذ بعض الإجراءات الضرورية. من بينها، القيام بخطوة صغيرة لاجبار حكوماتيهما المنتخبة على حظر تزويد الانظمة القمعية، ومن بينها نظام المالكي، بالمساعدات الأمنية، وخاصة الأسلحة. ان تزويد نظام المالكي بما يلتمسه من اسلحة وتقنية متقدمة سيضيف جريمة اخرى إلى الجرائم التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد العراقيين منذ الغزو عام 2003. خاصة وان كافة الاسلحة المتوفرة للنظام، استخدمت، حتى الآن، ضد الشعب العراقي وحده.

المنطقة العربية والحاجة إلى عقد جديد
عبد الملك عبد الرحمن الإرياني – الخليج الاماراتية:
أصبح من الواضح أن ما تمر به المنطقة العربية في الوقت الراهن هو عملية تغيير عميق للمسلمات العتيقة الخاصة بالمكونات المذهبية والإثنية للمجتمعات العربية وعلاقاتها ببعضها وبأنظمتها السياسية والاجتماعية، وبمثيلاتها في دول الجوار . وفي خضم ذلك كله، لا يجب أن نتجاهل الأدوار الإقليمية والدولية النشطة وتنافسها في تحفيز وإدارة وتوجيه هذه التغييرات بما يحقق مصالحها . ولا شك أن نتائج هذه العملية ستحدد شكل وملامح المنطقة لفترة طويلة مقبلة بما في ذلك من تغيرات سياسية وجغرافية وديموغرافية، ولن تكون نتيجة هذا التغيير في صالح الدول أو الشعوب العربية اذا استمر الفعل الداخلي هزيلاً مرتبكاً أو مرتبطاً بأطراف إقليمية نشطة ذات دعاوى تاريخية أو مذهبية .
والذي يهمنا هنا هو كيفية التعامل مع مخاض التغيير الذي تمر به المنطقة، وهل يمكن أن يؤدي الأسلوب الراهن في مواجهة التغيير بالاستقطاب الإقليمي، أو محاولة إيقاف عملية التغيير، بل والعمل على إعادة انتاج الأنظمة والأوضاع السابقة على الربيع العربي، إلى النجاح في صنع الاستقرار في المنطقة وحماية أنظمتها، وتأهيلها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، أم أن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان والتناحر والارتهان لقوى إقليمية ودولية، وإحباط أي جهد للتنمية والاستقرار في المنطقة . وللأسف فإن هذا هو مآل المنطقة اذا استمرت مجابهة - أو معالجة كما يراها البعض - نتائج ثورات الربيع العربي وأزمات المنطقة من دون الالتفات إلى الأسباب والتعامل معها .
وتحتاج الأنظمة العربية إلى الرؤية والروية والتضحية لكي تصل بدولها وشعوبها إلى بر الأمان . فأما الرؤية فهي خطة مفصلة تضع الدول العربية موقع الفاعل في صياغة المستقبل، أو على الأقل في مضاهاة دول مثل إيران وتركيا اللتين أصبح لهما باع كبيرة في صياغة مستقبل المنطقة العربية من دول المنطقة ذاتها . وهذا لا يعني تجاهل المصالح الإقليمية والدولية في المنطقة، ولكن يعني أن يكون دور دول المنطقة العربية فاعلاً في رسم هذه المصالح وإدارتها لا خاضعاً لأفعال الآخرين مقتصراً على ردود الأفعال .
ولعل أهم ما تتضمنه هذه الخطة هو تحصين الأنظمة والدول العربية داخلياً وخارجياً من الانزلاق في متاهات الحروب المذهبية أو الإثنية، أو الحدودية، أو الانقلابية أو الاضطرابات المدنية . وأجزم بأن عملية التحصين هذه على قدر أهميتها لسلامة واستقرار الأنظمة والحكومات العربية ولتطور شعوبها هي أقسى ما في الأمر لما فيها من تضحيات يعتبرها البعض شخصية، ولما فيها من نبذ لكثير من الموروث الذي يعتبره البعض استحقاقاً .
ويبدأ تحصين أي نظام داخلياً من خلال إعادة صياغة العلاقات بين النظام وشعبه من خلال دساتير أو عهود أو مواثيق مكتوبة تتيح المزيد من المشاركة الشعبية في إدارة الدولة ومقدراتها وإعمال مبادئ العدالة والمساواة والنزاهة والشفافية . يستوي في هذا الأنظمة الملكية والجمهورية، وإنما هي مبادئ توافق عليها العالم المتحضر وتمثل قبل ذلك وبعده مبادئ دينية وأخلاقية لا يختلف عليها عاقلان . وذلك هو السبيل إلى التحصين الداخلي الذي يقي النظام والدولة والشعب من الاحتقانات الداخلية بين مكوناته أو بينها وبين النظام .
أما خارجياً، فمن الغريب أن تكون علاقات الدول العربية في تباعد وانزواء عن بعضها، فتبادلاتها الاقتصادية ضئيلة، وعلاقاتها السياسية مسمومة، واشتراكها في أي مصلحة محدودة، في الوقت الذي تمد كل دولة عربية يدها، وتفتح أسواقها لدول بعيدة لا يربطها بها إلا منظومة من الأوهام تبتدئ بوهم طمع القريب في ثروة أو أرض ولا تنتهي بوهم تأمين البعيد للنظام . وأدت هذه الأوهام المتوارية خلف مجاملات الأخوّة الظاهرية إلى اختلالات اقتصادية وديموغرافية خطيرة تهدد وجود وطبيعة واستقرار المنطقة العربية عامة ومنطقة الخليج خاصة أكثر من أي أمر آخر . ولو نظرنا إلى العالم حولنا سواء في أوروبا أو آسيا لوجدنا الأمثلة واضحة بأن تحصين نظام أي دولة والحفاظ على حدودها واستقرارها ومصلحة شعبها لا يكون إلا بالتكامل أولاً مع محيطها، ثم جوارها الإقليمي، وأن احترام اختيارات الشعوب لأنظمتها، واحترام الحدود بين الدول هو المدخل الرئيس للتكامل الإقليمي، وأن تسهيل وتنظيم أسواق السلع والاستثمار والعمل، ومنح المزايا النسبية لدول الإقليم يجب أن يتزامن مع تنسيق السياسات والخطط في مختلف المجالات . وذلك كله لا يتم بالنوايا الطيبة المعلنة، ولا البيانات المنمقة، ولكن بالاتفاقات الموقعة والمحددة، وبالإجراءات والقوانين والأنظمة المطبقة .
إن ما سيحدد مستقبل المنطقة العربية هو مدى استيعاب الأنظمة العربية لما يحدث من تفاعلات في المنطقة، وقدرتها على لعب دور فاعل وإيجابي في احتضان ورعاية عملية التغيير . فاستعدادها للتواؤم مع متغيرات العصر، وملامستها لمطالب شعوبها، ونزولها عند مقتضيات النزعات الانسانية للعدالة، وبعدها عن الاستئثار بالسلطة أو الثروة، والعمل نحو التكامل الإقليمي القائم على أساس المصالح المشتركة بعيداً عن علاقة المانح والمتلقي، أو الغني والفقير، أو القوي والضعيف، كفيل بتهيئة الميدان الداخلي والخارجي لتغيير مثمر وآمن . وقبل ذلك كله إدراك أن التغيير أمر لابد منه كسنّة من سنن الله في الأرض، وأن بأيدي الأنظمة الكثير في أن تجعل منه كارثة على رؤوسها ورؤوس شعوبها، أو أن تجعل منه فرصة تاريخية لولادة جديدة بعقد جديد .
تتعدد المفاهيم والهدف السيطرة على مقدرات المنطقة
د. نعمان جلال- اليوم السابع:
فى 17 ديسمبر 2001م ذكر تانج جيا شوان Tang jiaxuan، وزير خارجية الصين الأسبق، فى مقابلة مع جريدة الشعب اليومية Peoples Daily، أن الصورة العامة للموقف الدولى هى ولفترة مقبلة ستكون سلاما عاما وحروبا محلية، استرخاء عاما وتوترا محليا، استقرارا عاما، واضطرابات محلية، وإن قضايا الأمن الدولى ستتجه نحو التنوع Diversification.
هذا التقييم الذى تحدث عنه وزير خارجية الصين عام 2001 بعد حادث 11 سبتمبر 2001 كان وما زال قائما بوجه عام، وإلقاء نظرة على الأوضاع الدولية والإقليمية عام 2013، أى بعد مضى 12 عاما على ما ذكره الوزير الصينى الأسبق نجد أن الصورة تكاد تكون مطابقة، فالولايات المتحدة أو أوروبا أو الصين أو روسيا أو اليابان أو الهند لا تتحدث أيا منها عن مواجهة فيما بينها، بل تحرص على الحديث عن السلام العالمى، والأمم المتحدة لا ترى أى تهديد للأمن والسلم الدوليين فى إطار شامل، ولكن تراه نابعا من الصراعات المحلية (الإقليمية).
الحدث الرئيس الذى أدى إلى هذا التقييم هو حادث 11 سبتمبر 2001، كذلك ما سبقه أحداث خلال العقد الأخير من القرن العشرين، بخاصة انهيار الاتحاد السوفيتى وكتلته الاشتراكية، التغيير فى الصين نحو مفهوم التنمية كأساس للأمن الوطنى، والتغيير فى المفهوم الأمريكى نحو صراع الحضارات، وأداته الرئيسة هى نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومراكز الصراع، أو بالأحرى ميدان الصراع هو الشرق الأوسط العربى والإسلامى، وهدف المعركة هو "الإسلام والمسلمين"، ولو تعمقنا فى تحليل هذه الصورة سنجدها تأكيداً لمفهوم صامويل هانتجنتون عن "صراع الحضارات" رغم معارضة كثيرين لهذا الطرح عندما نشر فى أواخر القرن العشرين وبالتحديد فى مقاله الفورين افيرز Foreign Affairs فى عام 1989م، ثم نشره بعد ذلك فى كتبه المشهور بعد تطوير مفاهيمه وقد ترجم إلى معظم لغات العالم بما فى ذلك اللغة العربية، ورغم الضجة التى أثارتها الدول العربية والإسلامية ضد هذا المفهوم، ولكنها ضجة كما تقول مسرحية شكسبير "ضجة بلا طائل" Much ado about Nothing، أو كما تقول الأدبيات العربية "إن العرب، ويمتد ذلك للمسلمين، هم ظاهرة صوتية"، أو كما قال الشاعر العربى "أسد علّى وفى الحروب نعامة"، انظر إلى الوضع فى سوريا تجد الجيش السورى، الذى لم يطلق طلقة واحدة ضد إسرائيل على مدى أربعين عاما، وجه طائراته ومدافعه ودباباته ضد الشعب السورى الأعزل المفترض أن يقوم بحمايته والدفاع عن أراضيه.
والشعار للحرب هو "الديمقراطية والإسلام مقابل السيادة الوطنية"، أما فى مصر، فالقوى الإخوانية التى تحمل اسم الإسلام تنشر الإرهاب فى سيناء هل هذا تعبير عن الإسلام المتسامح الداعى للسلام والاعتدال وعدم حب السلطة والتنافس من أجلها.
إنها ترفع شعارات الجهاد ضد إسرائيل فى نفس الوقت يتوسط الرئيس الدكتور مرسى وقت أن كان فى السلطة لعمل هدنة بين حماس الإخوانية وبين إسرائيل، ولم توجه طلقة واحدة ضد إسرائيل منذ ذلك الحين، ولم يعتصم ويتظاهر فلسطينيو حماس ضد إسرائيل ولم يحفروا أنفاقا فى الأرض الإسرائيلية بل فى أرض مصر، وأكثر من ذلك إن أحد القيادات الإخوانية المصرية أعلن على الملأ أن جيش مصر هو أخطر عليهم من جيش إسرائيل وطالب أعوانه بقتال الجيش المصرى ويرفعون شعارات غير ذلك، كما أعلن آخر على الملأ أنه إذا أعيد الرئيس مرسى للسلطة فسوف يتوقف العنف فى سيناء على الفور فى لحظة واحدة.
وهكذا فى كثير من الدول العربية وإلى حد ما الإسلامية، وسوف تلحق بهم دول مثل تركيا التى تقمع شعبها فى ميدان تقسيم وغيره، وتتحدث عن مؤامرة ضدها وهى تنتقد الموقف المصرى ونفس الشىء فى إيران وباكستان أى باقى دول الشرق الأوسط الكبير، حيث يتنافس القادة ويتدافعون من أجل إرضاء العدو الأمريكى كما يقولون، وهم يتقاربون بقوة وينجذبون نحوه اليوم وفى نفس الوقت كانوا يطلقون عليه العدو أو الشيطان الأكبر سبحان الله.. كيف يمكن تفسير ذلك؟!
هل هذه نظرية المؤامرة؟ نقول لا، ولكنها السياسة الدولية بمنظور علمى يقوم على السعى لتحقيق المصالح للقوى الكبرى دون حرب فيما بينها، بل إشعال الحروب المحلية، وفقا لشعارات تتناسب مع أوضاع تلك الدول الإقليمية، ومصالح القوى الكبرى، ولذلك تبدو الصورة أحيانا إنها عودة ولو جزئية لمفهوم الأمن الدولى، الذى ساد فى فترة الحرب الباردة، والحقيقة غير ذلك، فالدول الكبرى جميعا تتحدث وتغذى الصراعات المحلية ولا تتنافس أو تتحارب فيما بينها، بل تركز على التعاون الدولى والتفاعل الدولى والحرب الراهنة وقودها الدول النامية، وعلى وجه الخصوص الدول العربية والإسلامية فى الشرق الأوسط الكبير، وفقا لنظرية الفوضى الخلاقة (الهدامة) التى استهدفت تمييع الهوية القومية لدول المنطقة من أجل مفهوم هلامى نظرى يستثير المشاعر الشعبية دون مضمون حقيقى، أو إثبات تاريخى على صحته، وهو مفهوم الديمقراطية العالمية، أو حقوق الإنسان العالمية، أو الأمة الإسلامية الشاملة، لا يهم أى من تلك المصطلحات ما دام الهدف واحد وهو تدمير العرب والاستيلاء على ثرواتها والهيمنة على أراضيهم وبلادهم بوسائل متعددة ومبتكرة.
والهدف الرئيسى لتحقيق ذلك هو الهجوم ضد الدولة الوطنية Nation-State وسيادتها أما الأدوات فهى اللاعبون من غير الدول Non state actors كتبت عنها مراكز الأبحاث الدولية، خاصة الأمريكية، ونشرتها مراكز نشر الديمقراطية، وأجهزة الاستخبارات الدولية ما هى الدلالة الواضحة؟ لهذه الظاهرة هى إنها دليل على التخلف الفكرى والعلمى للدول العربية الإسلامية مقابل تقدم البحوث العلمية والسياسية والإستراتيجية لدى الدول الكبرى.
إن الأرضية للمعركة خصبة بل بالغة الخصوبة فى تحقيق الهدف الرئيسى من الصراع المحلى والإقليمى بين الدول وداخل كل دولة بين أبنائها الذين يقتل بعضهم بعضا باسم الدين أو الطائفة أو الديمقراطية أو الحرية أو حقوق الإنسان ونحو ذلك من الشعارات يتقاتل اليمينيون بين السلفية والحوثيين وهم إخوة وفى تونس وفى مصر وفى العراق وغيرها، هذا فى الوقت الذين يعلن الروس والأمريكان والصينيون والشرق والغرب انتهاء الحروب بينهم.




محاكمة «القرن».. ومحاكمة «قرن شو»
اكرم القصاص – اليوم السابع:
كان الناس يتصورون أنهم سوف ينتظرون لفترة طويلة قبل أن يتكرر مشهد محاكمة القرن التى كان فيها الرئيس الأسبق حسنى مبارك يجلس أو ينام فى القفص أمام المحكمة ليكون أول رئيس مصرى يخضع لمحاكمة.
كان مثول مبارك أمام المحكمة فى حد ذاته حدثا مفصليا فى تاريخ مصر، لكنه لم يكن الأول، فقد تبعه بعد شهور محاكمة أخرى لأول رئيس منتخب بعد مبارك، هو الدكتور مرسى الذى تم تقديمه بتهم مشابهة للتهم الموجهة لمبارك، كلاهما لم يحم المتظاهرين السلميين.
مبارك كان معه وزير داخليته ومساعدوه، وهم كانوا مسؤولين فى الدولة، وأبناؤه، لكن مرسى معه قيادات وأعضاء جماعة الإخوان، متهمين بالتحريض والتعذيب والاعتداء.
محاكمة القرن الواحد والعشرين أطلقت على محاكمة مبارك الذى حكم مصر 30 عاما، لكن القرن شهد محاكمة أخرى للدكتور مرسى، الذى أصر هو ومعاونوه وأعضاء جماعته، على أن يحولوا المحاكمة إلى استعراض سياسى، لكن «الشو» لم يأت مختلفا مع ما كان متوقعا، ورسمته الصحافة والإعلام، قبل أسابيع من المحاكمة، وقف مرسى ليعلن أنه الرئيس الشرعى، وأنه يرفض المحاكمة، وإذا كان هذا متوقعا ولائقا مع مرسى، فهو ليس لائقا مع متهمين آخرين تهمتهم المشاركة والتحريض على القتل أو ممارسة التعذيب، لكنهم وجدوها فرصة ليصنعوا زحاما تتوه فيه الحقيقة، الجماعة اعتادت التعامل مع القضاء بنفس الطريقة، كان مرسى أول رئيس يتهم القضاء بالتزوير، مع أن نفس القضاء هو الذى أشرف على انتخابات أتت به رئيسا، ثم أنه دفع أنصاره لحصار المحكمة الدستورية العليا، فى سابقة هى الأولى من نوعها.
أنصار الجماعة ذهبوا ليحاصروا المحكمة الدستورية والمحاكم وقت محاكمة مرسى، وهو سيناريو متوقع وليس فيه جديد، بما يعنى أنه لا مفاجآت فى ردود فعل مرسى وأنصاره، وأنهم كما كانوا يتصرفون أثناء وجودهم للسلطة، من دون أى إضافات أو مفاجآت أو حلول مبتكرة، قطع طريق هنا أو حصار مؤسسة هناك، لا تغيير ولا مراجعة، بينما المحاكمة نفسها كسرت «حاجز الإيهام»، وأزالت الغموض حول مكان مرسى وحالته، فهو لم يعد مخطوفا، وإنما سجينا مثلما كان مبارك، لكن الفرق أن جماعته تبحث عن آخرين تحملهم التهم، وهناك اختلاف فى الشكل حيث تقبل مبارك المحاكمة، وحرص على منح القضاء احترامه، وسعى لأن يقدم أدلة براءته، كما سعى ليكون متماسكا أمام الشعب، وإن كان أصر على أنه لم يرتكب أيا من الجرائم المنسوبة إليه فى المحاكمة، وكانت لديه هو الآخر حالة إنكار، بينما مرسى وجماعته أرادوا أن يقدموا عرضا من أجل كاميرات، لكنهم لم يبتكروا أدوارا غير أدوارهم التى قدموها فى السلطة.
وأيا كان الخلاف أو الاتفاق فقد كان مشهدا مختلفا، كان الهدف منه هو الشو، فى جلسة انتهت وستأتى بعدها جلسات، سقط الحائط الرابع، وانتهت حالة الغموض، وبقى الكثير من المشاهد التى تمثل علامات فى قرن المحاكمة، التى ستفقد تشويقها مع الوقت.


نداء للسيد الرئيس والفريق السيسي
د. محمد السعيد ادريس – الاهرام
لا أعتقد بوجود أي اختلاف بين المصريين أيا ما كانت معتقداتهم وانتماءاتهم السياسية وأيا ما كانت مستويات تعليمهم وثقافتهم‏,‏ علي أن التقدم بكل أنواعه‏,‏ وامتلاك كل أنواع القوة بكل أنواعها‏,‏ بما يعطي لبلدنا القدرة والاقتدار والمكانة العليا بين الأمم‏
هدف وغاية يجب أن نسعي إليها جميعا بشتي السبل والوسائل. لكن يبقي السؤال المهم والمحوري هو كيف يمكن تحقيق هذا التقدم المنشود؟.
الأمر المؤكد أن التقدم لا يمكن أن ينشأ من فراغ أو يتحقق في فراغ. فالتقدم ليس عملية تلقائية, ولكنه في حاجة إلي إرادة, إرادة قوية قادرة علي تحقيقه, قادرة علي أن تتغلب علي كل العقبات والمعوقات يمكن أن نطلق عليها إرادة التقدم. كما أن التقدم لا يتحقق في فراغ, فهو في حاجة إلي البيئة الحاضنة القادرة علي توفير كل شروطه, وأولها النظام السياسي الكفء, والمؤسسات السياسية والاقتصادية والعلمية اللازمة. وثانيها توفير الوعي بالتقدم الذي هو محصلة تفاعل مؤسسات التربية والتعليم والثقافة والإعلام وغيرها من مؤسسات التنشئة الرشيدة.
كما لا أعتقد أن هناك منصفا, سواء داخل مصر أو خارجها, في مقدوره أن ينكر أن الشعب المصري, عبر ثورتيه الهائلتين المبدعتين في25 يناير2011 و30 يونيو2013, قد استطاع أن يعبر عن إرادة ورغبة في التقدم غير مسبوقتين.
هذا يعني أن مصر أضحت مهيأة أكثر من غيرها للولوج في غمار التقدم والانفلات من قيود التخلف, ولا يبقي إلا صنع مؤسسات التقدم: مؤسسات سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية وعلمية وتكنولوجية وثقافية لبناء الدولة العصرية المتقدمة, ولحسن الحظ أن الفرصة الآن مواتية لبناء هذه المؤسسات من خلال الدستور الذي مازال في مرحلة الإعداد, الذي يجب أن تكون فلسفته العليا هي وضع أسس هذه المؤسسات, وصياغة القيم والمبادئ الحاكمة القادرة علي ضبط عملية التقدم في الاتجاه الذي يحقق أهداف الثورتين في دولة الحرية والعزة والكرامة.
من بين هذه المؤسسات المهمة التي يجب أن تجد لها مكانا بارزا في الدستور الجديد تلك المؤسسة التي يمكن أن تكون وعاء للفكر وللتخطيط الإستراتيجي في مصر. ولسوء الحظ هذه المؤسسة ليس لها أي وجود فعلي حتي الآن في وقت تواجه فيه مصر والدول العربية الشقيقة تحديات تفوق الخيال, تحديات ناتجة من مصادر تهديد للمصالح الوطنية المصرية العليا والمصالح القومية العربية الإستراتيجية من داخل مصر والدول العربية ومن البيئة الإقليمية والدولية المجاورة, في وقت تتآكل فيه مكانة النظام العربي, وفي وقت أصبحت فيه مصر ومعظم الدول العربية أكثر قابلية للاختراق الخارجي, وفي وقت أصبح في مقدور قوي إقليمية مجاورة أن تتدخل في شئوننا العربية الداخلية وتؤثر سلبا علي مصالحنا وتهدد أمننا وفي وقت تجري فيه إعادة تقاسم المصالح علي أرضنا العربية بين القوي الدولية الكبري.
كيف يمكن أن نتفاعل مع هذا كله بما يحمي مصالحنا العليا دون أن تكون لنا بوصلة إستراتيجية تحدد لنا إلي أين نتجه ومع من نتعاون ومع من نتنافس ونتصارع ولماذا؟ وعبر أي أدوات ووسائل ووفق أي أولويات؟
هذه البوصلة الإستراتيجية يصعب امتلاكها دون امتلاك الوعي الإستراتيجي اللازم, الذي هو بحق محصلة تراكم معرفي, وإنتاج نخبة من الكفاءات الوطنية المقتدرة في كل مجالات الفكر الإستراتيجي: العسكري والسياسي والاقتصادي والعلمي والثقافي. مثل هذا الوعي لن يكون له وجود ولن يستطيع أن يبدع ويتطور إلا ضمن مؤسسة وطنية وظيفتها التفكير والتخطيط الإستراتيجي. وعبر مناخ ثقافي مؤمن بالحرية والإبداع الفكري والعلمي.
لقد غابت مثل هذه المؤسسة إما عمدا أو سهوا طيلة العقود الماضية عن نظامنا السياسي الذي قام علي أساس احتكار السلطة, ومن ثم احتكار المعرفة دون السماح بأدني درجة من المشاركة الوطنية والشعبية في إدارة الحكم, وكانت النتيجة هي ما عرف بشيوع ظاهرة شخصنة السلطة أو شخصنة الحكم في شخص الرئيس دون غيره حتي من أقرب مساعديه, وأصبح هو, وحده, الذي يضع ويتخذ القرار, والشعب هو الذي يدفع أثمان الأخطاء الفادحة في احتكار الرئيس إدارة الدولة, وفي ظل غياب الوعي والتخطيط الإستراتيجي, وفي ظل غياب المشاركة السياسية الحقيقية والفعالة.
لم يعد كل هذا النهج والممارسات الخاطئة مسموحا به الآن, ليس من منظور الدعوة إلي ديمقراطية القرار السياسي فقط, ولكن أيضا من خطورة استمرار هذا النهج الانفرادي في إدارة الدولة في غيبة من مؤسسة التخطيط الإستراتيجي والفكر الإستراتيجي.
لذلك فأنا أتقدم برجاء إلي السيد الرئيس عدلي منصور رئيس الجمهورية وإلي السيد الفريق أول عبد الفتاح السيسي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة أن يتدخلا بثقلهما لدي لجنة الدستور لوضع صياغة متكاملة لهذه المؤسسة ضمن مؤسسات الحكم الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية هي مؤسسة مجلس الأمن القومي الذي يكون منوطا بها, عبر ثلاثة مجالس فرعية هي: المجلس الأعلي للدفاع والأمن والمجلس الأعلي للسياسة الخارجية والمجلس الأعلي للاقتصاد والتنمية المجتمعية الشاملة, وضع الإستراتيجية العليا للدولة في مجالات الدفاع والأمن والسياسة الخارجية والاقتصاد والتنمية الشاملة والإشراف علي تنفيذها عبر هذه المجالس وكوادرها الوطنية عالية الكفاءة.
وقد تشرفت بتقديم اقتراح بنص كامل لهذه المؤسسة علي نحو يختلف كليا مع ما ورد في اقتراح لجنة العشرة بخصوص مجلس الدفاع الوطني( المادة173), ومجلس الأمن القومي( المادة175) وجري تسليم النص إلي لجنة الخمسين وإلي السيد رئيس لجنة نظام الحكم, لكن للأسف لم يفعل هذا النص ولم يدرج, علي ما اعتقد, في مناقشات لجنة نظام الحكم, أو لجنة الخمسين. وأخشي ما أخشاه أن يخرج الدستور للاستفتاء عليه دون أن يؤسس لمصر عقلا إستراتيجيا يخطط لها حاضرها ومستقبلها في وقت نأمل فيه أن نحقق التقدم الذي نأمله بديلا للتخلف المفروض, وأن نمتلك فيه إرادتنا الحرة المستقلة في مواجهة إرادة الهيمنة الخارجية بكل صورها, كي تعود مصر رائدة وقائدة وتستعيد دورها العربي والإقليمي ومكانتها المنشودة.