Haneen
2013-12-08, 01:57 PM
اقلام عربي 542
9/11/2013
في هذا الملــــف:
شهيداً... شهيداً ... شهيدا
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ياسر عرفات يسابق مستر كيري
سوسن الأبطح- الشرق الأوسط
حماس تهرب من واقعها.. إلى أين؟
حازم مبيضين-الرأي الأردنية
استغاثة أهل القدس
د. موسـى الكـيـلاني-الرأي الأردنية
مصر وأزواجها الخمسة
زينب عبداللاه- اليوم السابع
مرسي إلى السودان.. أو لاجئا في إسطنبول!
فؤاد مطر- الشرق الوسط
الحكمة تدرك أميركا
مصطفى زين- الحياة اللندنية
تركيا و"الجدار العازل" في النفوس
محمد نور الدين- الخليج الإماراتية
ياسر عرفات يسابق مستر كيري
سوسن الأبطح- الشرق الأوسط
قضية مقتل ياسر عرفات لا تزال في أولها. الرجل الذي قضى حياته مناضلا مشاغبا، يقلق أصدقاءه قبل أعدائه، ها هو قادر، من قبره، على إثارة كثير من الغبار، في لحظات حساسة وحرجة، قد تغير مجرى الأحداث. فلبعض الموتى من السطوة والحضور، أحيانا، ما ليس لأصحاب السلطة والنفوذ من الأحياء. ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يقوم بجولاته المكوكية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة لضخ الحياة في عملية السلام المشلولة منذ ثلاث سنوات، تصدر خبر تقرير الخبراء السويسريين، واكتشافهم لمادة البولونيوم المشعة، بمعدلات كبيرة في رفات ياسر عرفات، كل ما عداه.
صحيح أن السلطة الفلسطينية لم تربط بين هذا الخبر، الذي يشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل، ولم تهدد بأي موقف تجاه المفاوضات، إلا أن هذا التقرير السويسري ليس إلا أول الغيث. فهناك التقرير الروسي الذي يبدو أنه سُلّم إلى السلطة الفلسطينية. وحول الفحوصات الجارية على الرفات تجري استشارة أحد الخبراء الجنائيين الكبار في بريطانيا أيضا، كما أن القضية التي رُفعت أمام المحاكم الفرنسية ستجد في التقرير السويسري المعتمد على تحاليل أجريت في عدة مختبرات عالمية مستندا قويا، للانطلاق نحو تحقيق قد لا تظهر نتائجه سريعا، لكنه سيدخل الجميع في مسلسل من المفاجآت التي لن تنتهي في وقت قريب.
وإذا صدقنا كلام سعد جبار، منسق هيئة الدفاع في قضية وفاة عرفات، فإن أمر مقتل عرفات قد جرى التستر عليه عام 2004 بتواطؤ مشترك بين السلطات الفرنسية، التي مات عرفات في أحد مستشفياتها العسكرية «بيرسي» والسلطة الفلسطينية، التي كانت لحظة الوفاة تأمل بالوصول إلى نتائج إيجابية فيما يخص عملية السلام، ولم يكن أحد من اللاعبين الدوليين يرغب في تضييع فرصة تاريخية حينها. كلام خطير للغاية في حال ثبتت صحته.
سهى عرفات لا تهاجم السلطة، لكنها لا تنتظرها أيضا، وتبدو وكأنها هي المعنية الأولى، وربما الوحيدة، بالبحث الجدي عن سبب الوفاة، وكأنما الرجل لم يكن رمزا كبيرا وقائدا تاريخيا، طوال نصف قرن، لشعب لا تزال قضيته تهز وجدان العالم.
السلطة عينت لجنة، وتقول إنها تدرس في مختبراتها التقريرين السويسري والروسي، وتنتظر باقي النتائج، دون أن تستعجل التعليق والتصعيد. وفيما عدا بعض المطالبات الشفهية، التي لا نعرف مدى جديتها، من مسؤولين فلسطينيين بفتح تحقيق دولي بحادثة الوفاة، لم نسمع تعليقا رسميا يُذكر.
الخوف على مفاوضات هشة يصطدم في كل مرة بآلاف الوحدات الاستيطانية، وبشرط الدولة اليهودية التعجيزي، وبرفض عودة اللاجئين والتشبث الإسرائيلي بالقدس الشرقية. هي مفاوضات لا أفق لها، ولا معنى، وتقديمها على قضية عرفات، في كل مرة، أمر يُعاب على المسؤولين الفلسطينيين، ويثير الحزن والشجن. ففيما تداري السلطة وتخفض الصوت، حرصا على ما تبقى من أمل، لا يخجل نتنياهو من إضافة شرط جديد آخر منذ أيام، تحت عنوان «الحدود الأمنية لإسرائيل»، قائلا بعدم استعداد إسرائيل للانسحاب من غور الأردن، لا. بل إنه يهدد ببناء المزيد من الجدران.
تعود قضية اغتيال عرفات إلى الواجهة، في اللحظة التي أراد فيها العرب ليس تجاهل الوجود الإسرائيلي فقط، بل نسيانه بالكامل، والالتفات إلى مشكلاتهم ومجازرهم الأخوية اليومية. كم هو مزعج أبو عمار! وكم يبدو ثقيل الظل، حين يطل فجأة، بعد أن تمنى كثيرون لو يُطمر اسمه تحت سابع أرض!
لا غرابة في أن تكون إسرائيل هي التي قتلت عرفات، بل العجيب ألا تكون هي من اغتالته، وهو الذي بقي آخر سنوات حياته تحت حصار إسرائيلي كامل، يفتش جنود الاحتلال طعامه وخبزه، ويتحكمون برشفة الماء التي يشربها.
إسرائيل قتلت الرائع غسان كنفاني، ونفّذت عشرات الاغتيالات في حق كبار القادة الفلسطينيين. وما حدث لعرفات يذكّر بمحاولة اغتيال خالد مشعل من قبل إسرائيل بسم غريب في عمان، عجز الأطباء عن شفائه، ولم يحصل ملك الأردن الحسين بن طلال يومها على المصل المضاد له من الإسرائيليين أنفسهم، إلا بالتهديد بإلغاء اتفاقية السلام. وهو ليس بعيدا عما أصاب وليد حداد القيادي في الجبهة الشعبية عام 1978، حيث قضى بطريقة غامضة، تبين فيما بعد أن سما دُسّ له في الطعام. ولا داعي للتذكير باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح بسم دس له أيضا في فندقه في دبي.
التنازلات العربية لم تُفضِ طوال 50 سنة إلى أي شيء، والصوت الفلسطيني الخفيض، كما السكوت سابقا، على قضية قتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لم يعطِ للشعب الفلسطيني شبراً واحداً.
إسرائيل لن تتخلى عن تعنتها وصلفها من غير الضغط والتهديد والقوة. وإذا كان العرب لا يجيدون استخدام السلاح إلا ضد بعضهم بعضا، فليستخدموا، ضد عدوهم التاريخي الذي بقوا أرحم به من أنفسهم، ما ينصحهم به يوري أفنيري. فقد صار الرجل في التسعين، وقضى عمره إسرائيليا من داخل المؤسسة الرسمية له صوت يساري مختلف. فقد قال أفنيري، منذ أيام، إن الحكومة الإسرائيلية لن تقدم تنازلات في مفاوضات السلام إلا بالحرب، أو خوفا من الخلل الديموغرافي لمصلحة الفلسطينيين، أو تحت ضغط عزلة دولية كبيرة. وهنا لا بد من التذكير بأن ثمة تحالفات جديدة وخرائط تركب في المنطقة، وربما ليس هذا هو الوقت المناسب لتتجاهل السلطة ورقة مقتل عرفات، بل لتستخدمها وتقوي موقعها التفاوضي مع إسرائيل، حتى ولو أغضب ذلك مستر كيري.
شهيداً... شهيداً ... شهيدا
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
لم يكن يقرأ الكف أو يضرب في الرمل، كان يعرف تمام المعرفة أن العدو نجح باختراق العرين، وأن يد الغدر والخيانة قد امتدت إلى “مطبخه” وغرفة نومه ... وعندما أطلق صيحة التحدي والبطولة الأخيرة: “يريدونني أسيرا أو طريداً ... وأنا أقول لهم شهيداً...شهيداً ...شهيداً”، كان قرر أن يواجه أخس عمليات الاغتيال بما يليق بياسر عرفات، الجنرال الذي لم يهزم، قائد الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة ومؤسسها ... كان قرر أن يمضي كما أشجار التين والزيتون: واقفاً.
لم يساورنا الشك، مذ رأيناه في أواخر أيامه، بأنه سيقضي مسموماً ... كنا نعرف حين لوّح بيديه المرتجفتين وهو يهمُّ بدخول المروحية الأردنية في طريقه إلى فرنسا لتلقي العلاج، أنها رحلة ذهاب بلا عودة، لكننا ونحن جيل تفتحت عيونه ومداركه على “أبو عمار”، لم نكن لنجرؤ على التفكير باليوم التالي بعد “ الختيار” ... وأحسب أن الراحل الكبير، ما كان متصالحاً يوماً مع فكرة الرحيل والغياب، وهو الزعيم المؤمن بحق، لا زلفى ولا ملقى، والقائد دائم الترحال، والهدف الأثير للموساد والشاباك وأمان ومختلف أسلحة الجيش الإسرائيلي.
نعرف الآن بالوثائق والأدلة الدامغة ما كنا عرفناه وتوصلنا إليه، بوعينا و”لا وعينا”، بأن إسرائيل هي من قتلت “أبو الوطنية الفلسطينية المعاصرة” ... ولسنا بحاجة لانتظار وقت أطول حتى تخرج باريس عن صمتها المتواطئ، وهي الأكثر علماً بتفاصيل الجريمة النكراء، فقد جاءنا أهل العلم والاختصاص من موسكو وجنيف بنبأ العظيم.
لكن السؤال الذي لا جواب عليه حتى الآن هو: ماذا نحن فاعلون؟ ... هل ستذهب دماء ياسر عرفات هدراً؟... من سيحمل لواء القصاص العادل وراية عدم الإفلات من العقاب؟ ... هل نأخذ على محمل الجد، كل هذه البيانات والتصريحات الفوّارة بالمشاعر والتعهدات، أم أنه سيتعين علينا إدراجها في خانة الطقوس المعتادة ومحاولات امتصاص الغضب وسوق المزايدات والمناقصات، ومن باب لزوم ما لا يلزم؟
هل ستذهب السلطة حتى نهاية الشوط بملاحقة القتلة وسوقهم للعدالة الدولية؟ ... أم أنها وهي غير القادرة على وقف التنسيق الأمني أو مغادرة غرفة المفاوضات العبثية، ستكون مضطرة لتجرّع كأس السم الذي أودى بحياة رئيسها ومؤسسها؟ ... هل هي قضية فتح وحدها أم أنها قضية الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله ومؤسساته وحقوقييه وناشطيه؟ ... هل هي قضية الفلسطينيين وحدهم أم أنها قضية العرب دولا وشعوباً، فالراحل لم يكن “قيمة” فلسطينية فحسب، بل “قامة” عربية سامقة، إلهمت كفاح الملايين من أبناء الأمة من أجل الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال.
لا بد من نقل قضية عرفات إلى المحافل والأوساط الدولية، لا بد من تحقيق دولي في جريمة اغتياله ... ولا ينبغي إخضاع هذه الفعلة النكراء لمآلات التفاوض ومساراته ... ولا يتعين الخضوع للشروط المذلة التي لا وظيفة لها سوى تجريد الفلسطينيين من حقوقهم وأسلحتهم المشروعة بما في ذلك اللجوء للمجتمع الدولي وشرعيته وعدالته ... فالجريمة وإن كانت سياسية بامتياز، تتوافر على أبعاد جنائية وحقوقية لا يجوز بحال التفريط بها أو التسامح بشأنها.
لقد أقام العالم الدنيا ولم يقعدها إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ودفعت دول ومنظمات أفدح الأثمان لمجرد “الظن” بتورطها، وقبل أن يبدأ التحقيق أو تصدر الأحكام النهائية ... وتبارت دولٌ وحكومات في الدعوة لإنشاء المحكمة الخاصة وتمويلها، وها هي تواصل عملها برعاية دولية كثيفة ... ياسر عرفات ليس أقل وزناً وقيمةً من الحريري، كان زعيما فلسطينيا وعربيا وإسلاميا قبل ان يقرر الحريري الالتحاق بالعمل السياسي وقبل أن تشهد الحريرية إرهاصات تشكلها الأولى.
نعرف كيف يمكن لنفاق الغرب ومعاييره المزدوجة ان تعطّل مسعى الفلسطينيين للبحث عن الحقيقة والاقتصاص من المجرمين والقتلة ... نعرف نفوذ إسرائيل و”جماعاتها” في عواصم القرار الدولي ... ونعرف أن من بيننا من سيجادل بأهمية التطلع للأمام وعدم الارتهان لما حدث في ذلك اليوم الكئيب، وغالباً عن تخاذل وهوان ... لكننا نعرف أيضاً أن “ما ضاع حقٌ وراءه مُطالب” والشعب الفلسطيني الذي لم يفرط بحق استلب منه منذ قرن تقريباً، لن يفرط بحق ياسر عرفات عليه.
حماس تهرب من واقعها.. إلى أين؟
حازم مبيضين-الرأي الأردنية
كنتيجة حتمية لواقعها المأزوم على كل المستويات، تجد حركة حماس نفسها مجبرة على مراجعة مواقفها وموقعها، وترتيب أولويات يبدو أنها ستقودها للعب دور مضاد لما تعتقد أنه تحالف الجديد ينشأ في المنطقة بفعل التحديات، ويضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، وهرباً من حرج وصف موقفها بالمتراجع، فإنها تصف ما تقوم به حالياً بأنه قراءة سياسية، تفرض تحديد وجهة، وصياغة تحالفات جديدة، إضافة لخسارتها للقاهرة بعد سقوط حكم الإخوان، وهي هنا ستعمل حتماً على خلق موقع جديد، تنطلق منه لبناء تحالفات جديدة، قد تساعدها على النهوض، وأداء دور في المرحلة المقبلة.
تقف حماس في مواجهة معضلات يراها البعض مصيرية، إذ عليها الاختيار بين كونها بعضاً من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو حركة مقاومة تخوض حرباً تحريرية، وبين كونها مسؤولة عن إدارة شؤون قطاع غزة، المحاصر بفعل سياساتها، أو بتنظيمها الذي يسعى للتمدد في أوساط فلسطينيي المنافي، لكن أبرز ما عليها مواجهته، هو سقوط حكم إخوان مصر، وما يتبع ذلك من زعزعة لمواقف إخوان السودان وليبيا وسوريا والعراق، وتسعى قيادة حماس لتجاوز كل ذلك، على قاعدة قراءة للواقع، مفادها أن تداعيات الربيع العربي أثرت سلباً على كل أنظمة الشرق الأوسط،، فقد خسر معسكر الاعتدال نظام مبارك، فيما يخسر محور المقاومة استقرار سوريا، دون كسب النظام الجديد في مصر.
تتوهم حماس اليوم، ربما بفعل أزمتها، أن السعودية تقود تكتلاً ضدها، بسبب دعم الرياض للشعب المصري في موقفه من حكم الإخوان، والدعم الذي تقدمه للشعب السوري ضد نظام الأسد، وموقفها المناهض للسلاح النووي الإيراني، ودعمها للاستقلاليين في لبنان، الرافضين لتبعية وطنهم لطهران بفعل قوة حزب الله، كما تتوهم أن الرياض تحشد لذلك في الإمارات والأردن، متجاهلة أن نظامي البلدين يدركان انهما يواجهان حركة أصولية عابرة للجغرافيا، تسعى للحكم في ظل المرشد، بمعنى أنها حركة غير وطنية، تضع مصلحة التنظيم كأولوية، حتى لو كان في الباكستان أو ماليزيا.
بالرغم من رفض طهران المؤدب لزيارة خالد مشعل لطهران، بحجة الانشغال بالملف السوري وتداعياته، فإن حماس تسعى للعب دور المساعد للقيادة الإيرانية في لملمة حلف المقاومة، من خلال ترطيب الأجواء بين إيران من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، على أن يكون ثمن ذلك دعم إيراني لترطيب الأجواء بين حماس ودمشق وضاحية بيروت الجنوبية، والقيادة الإيرانية وتحديداً في الحرس الثوري ترحب بهذا الدور، ويقال إنها استأنفت دعم حكومة اسماعيل هنية المُقالة في غزة، رغم رفضها استقبال مشعل، وبما يؤشر إلى نواياها في تغليب فريق على الآخر، في الحركة الفاقدة لبوصلتها في هذه المرحلة.
تدخل حماس منطقة شديدة الخطورة، تتمثل في الصراع الطائفي بين طهران والرياض، حيث يستعمل الطرفان كل الأسلحة المتاحة، بما فيها الدعم الشيعي لتنظيم سُنّي لمواجهة تنظيمات سُنّية ترعاها السعودية، وكان من بينها حماس في فترات سابقة، وترى حماس أن الدعم السعودي لمناهضي الأسد ينبع من رغبتها في إسقاط نظام «علوي» يدعم تيارات معادية لسياسات الرياض، وتؤمن أن مصلحتها ومعها الإخوان المسلمين، تكمن في تعزيز علاقتها مع المحور الذي تقوده إيران، وهي لذلك تعمل على تعضيد نظام الأسد، باحتواءها مقاتلين محسوبين عليها، ولعب دور في تحييد المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان عن الأزمات القائمة، إرضاءً للأخ الأكبر في طهران، الراضي عن هذا الدور، ولو مع ترتيبات جديدة للعلاقة معها، لكن الأبرز هنا، هو استعداد حزب الله للتعاون واستعادة الحرارة وكل الثقة، ورغبة دمشق المواربة في استئناف العلاقة، التي تضررت بفعل انحياز حماس لمطالب السوريين، حين ظنت أنهم اقتربوا من إطاحة الأسد، وبذلك ترهن حماس مستقبلها للصراعات الإقليمية، بعيداً عن أي تفكير بتحرير فلسطين.
استغاثة أهل القدس
د. موسـى الكـيـلاني-الرأي الأردنية
في أحدث كتاب عن الحروب الصليبية نشرته دار امازون قبل عامين يقول المؤلف ثوماس آسبريدج الذي وثّق معلوماته من عدة مصادر ان القائد المسلم يوسف نجم رائف ايوب قد ارسل مبعوثيه الى أمراء المسلمين في سوريا واليمن وتهامة والعراق يطلب مساعدتهم بالجنود او الاموال لتمويل حملته لتحرير القدس قبل عامين من وصوله اليها ولكن بعضهم اعتذر منه لانهم يخشون الجيوش الاوروبية المعادية. فقرر قبيل حصاره للقدس القضاء على تلك الإمارات المتخاذلة وتجنيد شعوبها ليشكلوا جيش الشام ورفض الملك بولدوين ما عرضه عليه صلاح الدين وهو مبلغ مائة الف قطعة من الذهب لقاء عدم مقاومة الجيوش الاسلامية.
وبعد تحريره لجبال العلويين قال صلاح الدين علينا تطهير الأدني ثم الأقصى والتي غدت مبدأً استراتيجياً يدرسه الطلبة في الكليات العسكرية.
وعندما خاض المسلمون معركتهم في سهول حطين ما بين الناصرة وطبريا يوم 4 تموز 1187 كان عدد جندهم 24 الفاً ومنهم 16 الفاً من ابناء السودان، والاخرون من ابناء اليمن، والعراق وتهامة ومصر وهي الشعوب التي لم تطأ الجيوشُ الاجنبية ارضَها.
تذكرت تلك الاحداث عندما اصدر ملتقى القدس قبل أيام استغاثته لامراء العرب ورؤساء جمهورياتهم ان يقدموا الدعم الدبلوماسي والسياسي لمقاومة مخطط تهويد المسجد الاقصى المبارك من خلال تقسيمه كخطوة اولى ثم الاستيلاء عليه كاملاً وأقامة هيكل سليمان الثالث على انقاض المسْجديْن: قبة الصخرة المشرفة والمسجد الاقصى المبارك. ويقول بيان منتدى القدس ان الكنيست الاسرائيلي بصدد إقرار قانون جديد خلال اسبوعين يدعى قانون جبل الهيكل ينص حرفياً على بناء كنيس في الباحات الواقعة بين المسْجديْن وتقسيم المكان زمانياً وميدانيا وجغرافياً بين المسلمين واليهود: للصلاة والتعبد والاحتفالات وتنظيم وفود الزوار.
يقول مكتب الاحصاء الفلسطيني ان 144 مستوطنة تحيط بالقدس إحاطة السوار بالمعصم يسكنها عتاة المتدينين العنصريين يتزعمهم الحاخام فيجلين ويبلغ عدد أولئك المستوطنين ما يقارب ثلاثمائة الف اسرائيلي من مجموع سكان القدس البالغ عددهم مليوناً ونيف منهم 80% يهوداً.
وبالإضافة للطوق الاضيق من المستوطنين المحيطين بالقدس فهناك الطوق الاوسع من المستعمرات الممتدة على كامل اراضي الضفة الغربية من شمالها الى جنوبها ويقطن بتلك القلاع الاستيطانية ما يقارب من 321 الفاً من غلاة المتطرفين اليهود وهم الذين انتقلوا من ضواحي الخليل في كريات ارباع الى مناطق أخرى لتكثيف التوسع الاستيطاني.
لقد استطاع المؤرخون في جامعة تل ابيب ان يُـزَيِّفُوا سجلاً جديدأً تحت اعمدة المسجد الاقصى حيث يزور السائح القناة التي نقلت المياه من سلواد الى خزانات تحت الارض لتمكين المدافعين عن المدينة من مقاومة الحصار الخارجي لمدة زمنية اطول وأضاؤوا بالكهرباء اقواس البناء وصالات الاجتماعات تحت اعمدة مسجد عمر بن الخطاب.
فماذا تستطيع الشعوب والدول الاسلامية ان تعمل لتلبي استغاثة اهل القدس قبل ان ينجح تهويد الاقصى؟
لقد برعت اسرائيل في تطبيق استراتيجية هتلر السياسية بفرض الامر الواقع الذي تريده على الارض عسكريا وبالقوة ثم لترك السياسيين يتفاوضون. وللاهل في القدس نقول: ولكن لا حَياة لمن تُنادي.
مصر وأزواجها الخمسة
زينب عبداللاه- اليوم السابع
ابتليت مصر على مدى تاريخها بحكام تعاملوا معها وكأنها زوجة منكسرة والحاكم هو زوجها المستبد الذى يهينها ويسىء معاملتها كيفما يشاء لا يعرف قيمتها ومكانتها ولايقبل أى خروج عليه أو اعتراض على أفعاله يرى دائما أنه على صواب مهما كانت أخطاؤه وخطاياه.
ويقابل أى محاولة للخروج عليه أو الاعتراض على فساده أو فشله بمزيد من العنف والحماقة.
هذه الأفة التى تصيب حكام مصر المستبدين فى مفهوم علاقتهم بمصر تجعلهم يتصورون أن خروج الشعب عليهم حالة نشوز ويتصورون حتى النفس الأخير أنهم يستطيعون إعادة الشعب إلى بيت الطاعة حتى إذا خلعهم الشعب أو عزلهم.
يتصور كل منهم أنه هو فقط من يملك حق إنهاء هذه العلاقة التى يعمل بكل ما أوتى من قوة على ألا تنتهى ولا يعترفون بالواقع إذا أسقطهم الشعب وأطاح بهم فيتخيلون بعد سقوطهم أنهم مازالوا حكاما طالما لم يتنازل أى منهم عن الحكم بمحض إرادته.
حدث هذا مع الرئيس المخلوع مبارك والذى أكد محاميه فريد الديب أنه لم يتنحى ولا يزال رئيساً للجمهورية بحكم القانون رغم قيام ثورة يناير التى خرج فيها الشعب ثائرا ليخلعه وتكرر المشهد فى محاكمة الدكتور محمد مرسى الذى ظل خلال المحاكمة يؤكد أنه الرئيس الشرعى للبلاد متجاهلا إرادة الملايين الذين خرجوا فى 30 يونيو مطالبين بإسقاطه وذلك لمجرد أنه لم يتنازل عن الحكم أو يعلن تنحيه عن الرئاسة بمحض إرادته وكأن إزاحة الحاكم الفاشل أو المستبد لابد أن تكون بإرادته وبرغبته وإلا فإنه يعتبرها باطلة لأنه لا يعترف بإرادة الشعب وكأنه يعتبر مصر زوجته التى لابد وأن يرمى عليها يمين الطلاق كى تنتهى علاقته بها بل إنه يتوهم إمكانية إعادتها إلى عصمته فى شهور العدة كما توهم مبارك ومحاميه الذى أكد أنه لم يكتب خطاب التنحى وأن التنحى لم يقع وبالتالى فهو يعتبره لايزال رئيسا لمصر !!
وهو نفس ما حدث مع الرئيس المعزول مرسى الذى ظن أن عدم إعلانه أو كتابته لخطاب تنحى وعدم موافقته على ما ارتضته الملايين التى خرجت ضده يبقيه رئيسا لمصر، لأنه لم يلق يمين الطلاق عليها.
ما توهمه المخلوع والمعزول يجعل مصر على ذمة أكثر من رئيس وحاكم بل يمكن طبقا لهذا المنطق أن يصبح ما طالب به البعض منذ سنوات بأحقية أحمد فؤاد ابن الملك فاروق فى حكم مصر أمرا منطقيا لأنه وببساطة وطبقا لتبريرهم الذى أثار التعجب والدهشة وقتها فالملك فاروق تنازل له عن الحكم بعد قيام ثورة يوليو كما يصبح من حق الرئيس محمد نجيب لو كان على قيد الحياة أن يطالب بحقه فى حكم مصر لأنه لم يتنازل ولم يتنح.
إذن فمن حق أربعة حكام سابقين طبقا لهذا المنطق العبثى المطالبة بحكم مصر والادعاء بأنهم الحكام الشرعيون لها ويصبح الرئيس القادم لمصر بمثابة الزوج الخامس المطعون فى شرعيته لأحقية أربعة حكام قبله فى حكم مصر وكأن مصر كانت تعيش فى الحرام طوال تاريخها الماضى منذ قيام ثورة يوليو وعزل الملك فاروق وتنازله عن الحكم لابنه وكأننا نتحدث عن زوجة وليس عن وطن يضم شعبا له إرادة حرة، يمكنها أن تكسر قهر وفشل واستبداد الحكام وتطيح بهم إذا ما تعاملوا مع هذا البلد العريق، هذه المعاملة المهينة وكأنهم يتعاملون مع زوجة مسلوبة الإرادة.
تلك هى أفة حكام مصر السابقين فى التعامل معها كزوجة وليس كوطن وشعب حر وهى الأفة التى لابد وأن ينجو منها رئيس مصر القادم، حتى لا يلحق بسابقيه.
مرسي إلى السودان.. أو لاجئا في إسطنبول!
فؤاد مطر- الشرق الوسط
في علم الغيب أي شاطئ سترسو عليه سفينة الدكتور محمد مرسي. ولكن عدم وضوح طبيعة المصير لا يعني ألا يلجأ متابع مثل حالي كصحافي للمصائر الرئاسية ماضيا وحتى الأمس القريب، ويستنتج من استحضار الذي جرى في مشارق الأمة ومغاربها من الوقائع ما يمكن أن تنطبق إحداها على نهاية المأساة - الملهاة التي ارتبطت بالرئيس محمد مرسي بعد الرئيس حسني مبارك.
الاحتمال الأكثر يسرا هو أن يصيب الرئيس محمد مرسي ما أصاب الرئيس أحمد بن بيللا على يدي رفيق نضاله ضد الاستعمار الفرنسي العقيد هواري بومدين الذي انتفض على بن بيللا، رافضا وساطات الجنرال ديغول وزعماء عرب وأفارقة مرموقين للإفراج عنه، كما رفض إبعاده إلى مصر برغبة من الرئيس عبد الناصر الذي أوفد لهذا الغرض أقرب اثنين إليه هما عبد الحكيم عامر ومحمد حسنين هيكل إلى بومدين ينقلان تمنيات الرئيس، مبقيا عليه في الإقامة الجبرية داخل «فيللا» محروسة أمضى فيها ثماني عشرة سنة تزوج فيها من دون أن يسمح له بمغادرتها حتى للمشاركة في تشييع جنازة والدته. وخلال تلك الفترة لم تحدث في الجزائر مظاهرات تنادي باستعادة بن بيللا شرعيته كرئيس للبلاد، ربما لأن التوجه العروبي الناصري في الجزائر كان متواضعا وبالتالي ليس هنالك مع بن بيللا في نهجه هذا سوى قلائل في الداخل مقابل شعبية ملحوظة في المجتمع العربي الناصري. لكن مع ذلك بقيت شوكة بومدين وشدته تجاه رفيق النضال هي التي تفعل فعلها، وبالتالي لم يتسن لعبد الناصر فك كربة صديقه بن بيللا بالحسنى مع بومدين، كما أنه لم يحبذ اعتماد فك الأسر على نحو ما حصل مع الناصري الأقوى شأنا في سوريا عبد الحميد السراج والذي نجحت المخابرات المصرية في تهريبه من السجن إلى مطار بيروت ومنه إلى القاهرة، وساعدها في ذلك أن الحكم في لبنان كان، وبالذات في شخص رئيسه فؤاد شهاب وجهاز المخابرات، ناصري الهوى والمصلحة. وحيث إن قمة الحكم في لبنان كانت ناصرية الهوى فإن اختطاف السراج من أسره الدمشقي كان سهلا وانتهى به الأمر لاجئا سياسيا من فئة «خمس نجوم» في مصر ويشغل منصبا مرموقا وله سكن محترم. ولقد رحل عبد الناصر، ثم السادات، وأمضى مبارك دهرا في الحكم ثم انقلبت مصر، والسراج لا ينبس بكلمة ولا يظهر في مناسبات ولا يساوم على ولائه لعبد الناصر، مع ملاحظة أن الأخير أراد من اختطاف السراج قطع الطريق على اعترافات يدلي بها تحت التعذيب وبأساليب كتلك التي مارسها أفراد في جهازه مع كثيرين. والاعترافات من جانب السراج الذي هو مثل «الصندوق الأسود» لزمن الوحدة المصرية - السورية تعني الكشف عن وثائق أراد عبد الناصر أن تبقى طي الكتمان، ومن أجل ذلك كان اختطاف السراج، بينما محاولة خطف بن بيللا وبعض قادة الثورة الجزائرية من سجنهم في فرنسا عن طريق متعاملين أجانب، كانت ضمن خطط توسيع الزعامة الشعبية العربية لعبد الناصر كرمز لحركة التحرر من الاستعمار الأجنبي.
من الاحتمالات في شأن مصير مرسي أن يتم ترحيله إلى بلد يرحب به ويقيم فيه على نحو ما حصل لرؤساء وزعامات عربية وجدوا الملاذ الآمن في رحاب مصر ولبنان والأردن وسوريا وعمان ودولة الإمارات والعراق، ومن بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، لأنهم بالمئات، الرئيس السوري شكري القوتلي، وخالد العظم، وصدام حسين كقائد في حزب «البعث»، وميشال عفلق كواحد من مؤسسي حزب «البعث»، وعلي صالح السعدي، وأكرم الحوراني، وأحمد نعمان، والقاضي عبد الرحمن الإرياني، والرئيس أمين الحافظ، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والرئيس جعفر نميري. ولكل من هؤلاء ولعشرات آخرين مسببات لجوئهم وظروف اختيارهم للمكان الملجأ ولماذا كانت استضافة هذه الدولة أو تلك لهذا الرئيس أو ذاك المناضل، مع الإشارة ونحن نقول ذلك إلى أن أحد أدق شروط الاستضافة هو مراعاة الظروف العامة وعدم الإدلاء بالتصريحات أو ممارسة نشاطات سياسية تعكر صفو العلاقة بين الدولة المضيفة والتي جاء منها هذا الرئيس أو المناضل أو الزعيم الديني.
لكن ترحيل الدكتور مرسي إلى أي بلد عربي من الأمور الشائكة. فهنالك من يرى أن عدم استضافته أفضل لأن الأعماق «الإخوانية» في أكثر من بلد عربي ستتصرف بما يسبب إقلاقا داخليا وتأزما في العلاقات مع مصر. وحتى إذا تم ترحيله إلى تونس أو ليبيا أو غزة حيث الجماعات «الإخوانية» متمكنة، فإن القلاقل ستؤثر على الأوضاع هناك، وذلك لأن المجتمعات السياسية كما الشعبية في هذه الدول بما في ذلك «دولة حماس في غزة» منقسمة في موضوع «جماعة الإخوان». أكثرية نسبية مع الجماعة وأكثرية نسبية ضد ممارساتها في مصر وغيرها.
وعندما يكون الترحيل مسببا للصداع والتصدع في معظم الدول العربية وبالذات حيث يمني «الإخوان» النفس بالترؤس والتسيد، فإن الاحتمال الوارد هو ترحيل الدكتور مرسي إلى تركيا الأردوغانية التي ما زالت تناصر «شرعية ترؤسه» يحل فيها ضيفا «خمس نجوم» كما استضافت مصر على مدى ثلاثة عهود رئاسية لعبد الحميد السراج، واستضافت مصر السادات بالذات للشاه محمد رضا بهلوي وما تسببت فيه هذه الاستضافة من أزمة في العلاقات مع إيران الخمينية مستمرة حتى إشعار آخر.
أما جماعة «الإخوان»، فإنها بذلك ستكتب الصفحة الأخيرة من كتاب أكثر التجارب السياسية غير المتعقلة في العالم العربي.
الحكمة تدرك أميركا
مصطفى زين- الحياة اللندنية
قيادة العالم معقدة وليست سهلة. هذا ما تعرفه وما توصلت إليه الإدارة الأميركية، بعد 12 سنة من الحروب المتواصلة. حروب استنفدتها مالياً وعسكرياً، على ما قال وزير الدفاع تشاك هاغل، الذي حدد شروطاً لبقائها في موقعها القيادي. أهمها ألا تقع الولايات المتحدة «فريسة الاعتقاد الخطأ بأنها تتلاشى. وأن تتجاوز الانكفاء» الذي تمليه عليها مرحلة ما بعد الحرب.
ربما لم يستطع الرئيس باراك أوباما، على رغم بلاغته، إيصال رسالته وتوضيح واقع بلاده بعدما أهدرت قوتها في احتلال العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب، وربما بسبب هذه البلاغة التي يقدرها الجميع، ويعتبرها البعض مجرد لعبة لغوية ولا يستوعبونها، فأتى وزير الدفاع ليوضحها ويوصلها إلى الأصدقاء قبل الخصوم. الأصدقاء الذين يلومون واشنطن على تراخيها في مواجهة حدث جيواستراتيجي مثل الحدث السوري، والخصوم في الداخل الذين نعتوا الرئيس بالضعف وبعدم القدرة على مواجهة التحديات وبالتفريط بموقع قيادة العالم. أما الأعداء، وهم كثر، ففسروا تراجعه عن شن الحروب مباشرة واستبدالها بالحروب الناعمة هزيمة، وراحوا يستعدون لتوجيه ضربة قاصمة إلى الإمبراطورية الأميركية المترهلة.
وزير الدفاع كان واضحاً. حدد الموقع والموقف من الأحداث. شدد على أهمية استخدام كل أسباب القوة، وليس القدرة العسكرية وحدها، فليس من دولة أخرى غير الولايات المتحدة «تملك القدرة والإرادة والإمكانات والتحالفات لقيادة المجتمع الدولي. وعلينا تعزيز هذه الإمكانات، ومعرفة حدود قوتنا واستخدام نفوذنا بحكمة».
«الحكمة» هي العنوان. وقد تجلت في الانسحاب من العراق والتحضير للانسحاب من أفغانستان. وفي التعاطي مع الأحداث في سورية ومع الملف النووي الإيراني، إذ مزجت إدارة أوباما، على ما قال هاغل، بين الديبلوماسية والاقتصاد والقوة العسكرية، وحشد الحلفاء «للمحافظة» على مصالحها. منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض، وهو يحاول الابتعاد عن سياسة جورج بوش. وقد أثبت ذلك عملياً بالتحول إلى «الحرب الناعمة»، أي الحصار الاقتصادي واستخدام الطائرات من دون طيار لمحاربة الإرهاب، والديبلوماسية. لكن الحلفاء في أنحاء العالم لم يستسيغوا هذا التحول، فقد بنوا كل سياساتهم، خلال عشرات السنين، على أن واشنطن مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية للدفاع عن المصالح المشتركة وأصيبوا بخيبة أمل عندما انكفأت عن مواجهة إيران والنظام السوري، مفضلة الديبلوماسية على الحرب.
وساورتهم شكوك، قد تكون في محلها، مفادها أن صفقة ما قد يعقدها البيت الأبيض مع إيران لتقاسم النفوذ معها في المنطقة، خصوصاً في سورية ولبنان وفي العراق. وكانوا يأملون في أن يسقطوا النظام السوري بالتعاون العسكري معها، كي يكون سقوطه ضربة قوية لطهران فإن لم تتراجع عن طموحاتها تصبح في مرمى النار. ودليل الأصدقاء على هذه الصفقة أن واشنطن وطهران تتقاسمان النفوذ في العراق وأفغانستان، منذ أكثر من عشر سنوات. أما أعداء الولايات المتحدة فوجدوا في سياسة أوباما فرصة للقول إنهم انتصروا، وإن القوة العظمى لم تعد وحيدة في العالم، فقد نشأ حلف جديد ممتد من موسكو إلى سورية، مروراً بإيران. حلف تدعمه دول «البريكس». ويمتلك من القوة الاقتصادية والعسكرية ما يؤهله لخوض الحرب الباردة الجديدة، والحروب الموضعية بقيادة روسية لوضع حد للهيمنة الأميركية المستمرة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
رسالة هاغل إلى الأصدقاء والأعداء مفادها أن «الحكمة» أدركت الولايات المتحدة وستقود العالم من موقعها الجديد، بالتعاون مع الخصوم، إذا لزم الأمر. والمفاوضات مع إيران حول ملفها النووي خطوة مهمة في بداية هذا الطريق، ستتبعها خطوات (اقرأ صفقات) يجب أن لا تفاجئ أحداً.
تركيا و"الجدار العازل" في النفوس
محمد نور الدين- الخليج الإماراتية
وصف أكراد تركيا وسوريا الجدار الذي تقيمه تركيا في منطقة نصيبين على الحدود مع سوريا ب”جدار العار” . سيمتد الجدار عدة كيلومترات وبارتفاع مبدئي يقارب المترين . وقد بدأت أعمال الحفر الفعلي لإنشائه الحجة التركية للجدار أنه لمنع تسلل المواطنين من سوريا في منطقة مزروعة بالألغام وبالتالي لتفادي موتهم .
بطبيعة الحال، فإن أكراد تركيا خصوصاً غير مقتنعين بذلك، ويرون أنه أنشئ بعدما باتت المنطقة الكردية في سوريا، ولا سيما عند نصيبين، تحت سيطرة مقاتلي “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي السوري المؤيد لحزب العمال الكردستاني . وفي تلك المنطقة غالباً ما يتلاقى الأكراد من على جانبي الحدود وأغلبيتهم من ذوي القربى .
الحرب والفوضى في سوريا منذ ثلاث سنوات انتجت ظواهر وحالات جديدة . من هذه الحالات بروز فرصة للتلاقي المباشر الجغرافي والسكاني بين أكراد تركيا وسوريا . وإذا كانت بعض هذه الظواهر غريبة وخطرة، فإنه بالنسبة إلى تركيا ليس هناك أخطر من المياه التي تجري تحت الملف الكردي في سوريا وفي المنطقة عموماً .
ذلك أن تركيا تتحكم فيها “فوبيا كردية” لا أحد يتصور عمقها من احتمال توحد الأكراد في دولة تمتد على أجزاء من مساحة تركيا والعراق وسوريا وإيران .
وهي استمرار للذهنية الموروثة منذ نهاية العهد العثماني وتجذّرت مع انشاء مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية في العام 1923 التي لم تتغير على امتداد عقود ما بعد أتاتورك . وكانت سمتها الأساسية إنكار الهوية الكردية واعتبار الأكراد من أصول تركية، ومحاولة تغيير البنية الديموغرافية العرقية للمناطق الكردية في جنوب شرق تركيا عبر قانون يهجر الأكراد من أماكنهم وإحلال جماعات تركية بدلاً منهم .
لم يكن الحراك الكردي في العصر الحديث حكراً على أكراد تركيا، إذ إن المسألة الكردية في العراق تحديداً كانت تتحرك بقوة وبلغت ذروتها في العام 1970 مع منح العراق تحت حكم البعث للأكراد حكماً ذاتياً لم يعرف تطبيقاً جاداً له . ومع الاحتلال الأمريكي للعراق تغير كل شيء ونال الأكراد فيدراليتهم التي هي أقرب إلى دولة مستقلة محققين كل ما يتطلعون إليه من ترجمة للهوية ثقافياً وسياسياً وجغرافياً .
ومع أن حزب العدالة والتنمية في تركيا جاء منذ العام 2002 بعناوين إصلاح كبيرة غير مسبوقة غير أنه بعد مرور 11 عاماً لم يتقدم قيد أنملة في المسألة الكردية وفي المطالب الجوهرية للأكراد . وكل ما قدمّه حتى الآن لا يعدو ما يشبه بعض السكاكر التي تقدم للأطفال فيما هم يحتاجون إلى الحليب والفيتامينات. وهكذا تبدو تركيا، الأكثر توغلاً على طريق الحداثة بسبب علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، أكثر تخلفاً عن العراق الغارق في حروب ونزاعات أهلية في ما يتعلق بالمسألة الكردية .
وهناك مفارقة لافتة هي أن تركيا التي رفعت شعار إزالة النظام في سوريا لم تهدد يوماً بالدخول العسكري إلى سوريا حتى بعد إسقاط الدفاعات السورية لطائرة حربية تركية في يونيو/حزيران ،2012 في ما رفعت تهديد التدخل العسكري للمرة الأولى بعدما نجح مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا السيطرة في مطلع صيف 2012 على معظم المنطقة الكردية في سوريا التي يطلق الأكراد عليها اسم “روجافا” .
كل القضايا تبقى عرضة للحل بطريقة او بأخرى إلا ثقافة العزل والفصل العنصرية التي كانت “إسرائيل” ولا تزال نموذجها عندما أقامت جدار العزل في الضفة الغربية لتفصل الفلسطيني عن أخيه ولتنعزل “إسرائيل” العنصرية خلف جدران أسمنتية لن تحميها من نفسها وسياساتها العنصرية . وكم هو مؤسف ومحزن أن نرى دولة مسلمة مثل تركيا تطبق السياسة العنصرية في مجال الفصل ليس بين التركي والسوري، بل بين الكردي والكردي في خطوة لم يشهد المسلمون مثيلاً لها من قبل .
وتزداد معاني المأساة عندما نتذكر أن وزير الخارجية التركي نفسه أحمد داود أوغلو كان يتحدث قبل اندلاع الأزمة في سوريا عن “الحدود المصطنعة” بين دول الشرق الأوسط التي كانت تشكل سابقاً الدولة العثمانية، وضرورة إزالتها لإقامة حوض مشترك من التعاون السياسي والاقتصادي ليتبين اليوم زيف هذه الدعوة التي لم يكن من هدف لها سوى تعزيز النفوذ التركي على حساب مصالح شعوب المنطقة .
والجميع لا يزال يتذكر صورة داود اوغلو ونظيره السوري وليد المعلم وهما مع وزراء آخرين من البلدين يرفعون بصورة رمزية الحاجز الجمركي عند معبر باب الهوا على الحدود . وفي نظرة إلى اليوم نجد أن المطالبين بإزالة الحدود هم أنفسهم يبنون جداراً يفرق ويقسّم ويزرع في النفوس عُقداً تتوارثها الأجيال فتتحول إلى جدران غير مرئية أعلى بكثير وأطول بكثير من جدار أسمنتي يقام هنا أو هناك .
9/11/2013
في هذا الملــــف:
شهيداً... شهيداً ... شهيدا
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ياسر عرفات يسابق مستر كيري
سوسن الأبطح- الشرق الأوسط
حماس تهرب من واقعها.. إلى أين؟
حازم مبيضين-الرأي الأردنية
استغاثة أهل القدس
د. موسـى الكـيـلاني-الرأي الأردنية
مصر وأزواجها الخمسة
زينب عبداللاه- اليوم السابع
مرسي إلى السودان.. أو لاجئا في إسطنبول!
فؤاد مطر- الشرق الوسط
الحكمة تدرك أميركا
مصطفى زين- الحياة اللندنية
تركيا و"الجدار العازل" في النفوس
محمد نور الدين- الخليج الإماراتية
ياسر عرفات يسابق مستر كيري
سوسن الأبطح- الشرق الأوسط
قضية مقتل ياسر عرفات لا تزال في أولها. الرجل الذي قضى حياته مناضلا مشاغبا، يقلق أصدقاءه قبل أعدائه، ها هو قادر، من قبره، على إثارة كثير من الغبار، في لحظات حساسة وحرجة، قد تغير مجرى الأحداث. فلبعض الموتى من السطوة والحضور، أحيانا، ما ليس لأصحاب السلطة والنفوذ من الأحياء. ففي الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، يقوم بجولاته المكوكية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في محاولة لضخ الحياة في عملية السلام المشلولة منذ ثلاث سنوات، تصدر خبر تقرير الخبراء السويسريين، واكتشافهم لمادة البولونيوم المشعة، بمعدلات كبيرة في رفات ياسر عرفات، كل ما عداه.
صحيح أن السلطة الفلسطينية لم تربط بين هذا الخبر، الذي يشير بأصابع الاتهام إلى إسرائيل، ولم تهدد بأي موقف تجاه المفاوضات، إلا أن هذا التقرير السويسري ليس إلا أول الغيث. فهناك التقرير الروسي الذي يبدو أنه سُلّم إلى السلطة الفلسطينية. وحول الفحوصات الجارية على الرفات تجري استشارة أحد الخبراء الجنائيين الكبار في بريطانيا أيضا، كما أن القضية التي رُفعت أمام المحاكم الفرنسية ستجد في التقرير السويسري المعتمد على تحاليل أجريت في عدة مختبرات عالمية مستندا قويا، للانطلاق نحو تحقيق قد لا تظهر نتائجه سريعا، لكنه سيدخل الجميع في مسلسل من المفاجآت التي لن تنتهي في وقت قريب.
وإذا صدقنا كلام سعد جبار، منسق هيئة الدفاع في قضية وفاة عرفات، فإن أمر مقتل عرفات قد جرى التستر عليه عام 2004 بتواطؤ مشترك بين السلطات الفرنسية، التي مات عرفات في أحد مستشفياتها العسكرية «بيرسي» والسلطة الفلسطينية، التي كانت لحظة الوفاة تأمل بالوصول إلى نتائج إيجابية فيما يخص عملية السلام، ولم يكن أحد من اللاعبين الدوليين يرغب في تضييع فرصة تاريخية حينها. كلام خطير للغاية في حال ثبتت صحته.
سهى عرفات لا تهاجم السلطة، لكنها لا تنتظرها أيضا، وتبدو وكأنها هي المعنية الأولى، وربما الوحيدة، بالبحث الجدي عن سبب الوفاة، وكأنما الرجل لم يكن رمزا كبيرا وقائدا تاريخيا، طوال نصف قرن، لشعب لا تزال قضيته تهز وجدان العالم.
السلطة عينت لجنة، وتقول إنها تدرس في مختبراتها التقريرين السويسري والروسي، وتنتظر باقي النتائج، دون أن تستعجل التعليق والتصعيد. وفيما عدا بعض المطالبات الشفهية، التي لا نعرف مدى جديتها، من مسؤولين فلسطينيين بفتح تحقيق دولي بحادثة الوفاة، لم نسمع تعليقا رسميا يُذكر.
الخوف على مفاوضات هشة يصطدم في كل مرة بآلاف الوحدات الاستيطانية، وبشرط الدولة اليهودية التعجيزي، وبرفض عودة اللاجئين والتشبث الإسرائيلي بالقدس الشرقية. هي مفاوضات لا أفق لها، ولا معنى، وتقديمها على قضية عرفات، في كل مرة، أمر يُعاب على المسؤولين الفلسطينيين، ويثير الحزن والشجن. ففيما تداري السلطة وتخفض الصوت، حرصا على ما تبقى من أمل، لا يخجل نتنياهو من إضافة شرط جديد آخر منذ أيام، تحت عنوان «الحدود الأمنية لإسرائيل»، قائلا بعدم استعداد إسرائيل للانسحاب من غور الأردن، لا. بل إنه يهدد ببناء المزيد من الجدران.
تعود قضية اغتيال عرفات إلى الواجهة، في اللحظة التي أراد فيها العرب ليس تجاهل الوجود الإسرائيلي فقط، بل نسيانه بالكامل، والالتفات إلى مشكلاتهم ومجازرهم الأخوية اليومية. كم هو مزعج أبو عمار! وكم يبدو ثقيل الظل، حين يطل فجأة، بعد أن تمنى كثيرون لو يُطمر اسمه تحت سابع أرض!
لا غرابة في أن تكون إسرائيل هي التي قتلت عرفات، بل العجيب ألا تكون هي من اغتالته، وهو الذي بقي آخر سنوات حياته تحت حصار إسرائيلي كامل، يفتش جنود الاحتلال طعامه وخبزه، ويتحكمون برشفة الماء التي يشربها.
إسرائيل قتلت الرائع غسان كنفاني، ونفّذت عشرات الاغتيالات في حق كبار القادة الفلسطينيين. وما حدث لعرفات يذكّر بمحاولة اغتيال خالد مشعل من قبل إسرائيل بسم غريب في عمان، عجز الأطباء عن شفائه، ولم يحصل ملك الأردن الحسين بن طلال يومها على المصل المضاد له من الإسرائيليين أنفسهم، إلا بالتهديد بإلغاء اتفاقية السلام. وهو ليس بعيدا عما أصاب وليد حداد القيادي في الجبهة الشعبية عام 1978، حيث قضى بطريقة غامضة، تبين فيما بعد أن سما دُسّ له في الطعام. ولا داعي للتذكير باغتيال القيادي في حماس محمود المبحوح بسم دس له أيضا في فندقه في دبي.
التنازلات العربية لم تُفضِ طوال 50 سنة إلى أي شيء، والصوت الفلسطيني الخفيض، كما السكوت سابقا، على قضية قتل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، لم يعطِ للشعب الفلسطيني شبراً واحداً.
إسرائيل لن تتخلى عن تعنتها وصلفها من غير الضغط والتهديد والقوة. وإذا كان العرب لا يجيدون استخدام السلاح إلا ضد بعضهم بعضا، فليستخدموا، ضد عدوهم التاريخي الذي بقوا أرحم به من أنفسهم، ما ينصحهم به يوري أفنيري. فقد صار الرجل في التسعين، وقضى عمره إسرائيليا من داخل المؤسسة الرسمية له صوت يساري مختلف. فقد قال أفنيري، منذ أيام، إن الحكومة الإسرائيلية لن تقدم تنازلات في مفاوضات السلام إلا بالحرب، أو خوفا من الخلل الديموغرافي لمصلحة الفلسطينيين، أو تحت ضغط عزلة دولية كبيرة. وهنا لا بد من التذكير بأن ثمة تحالفات جديدة وخرائط تركب في المنطقة، وربما ليس هذا هو الوقت المناسب لتتجاهل السلطة ورقة مقتل عرفات، بل لتستخدمها وتقوي موقعها التفاوضي مع إسرائيل، حتى ولو أغضب ذلك مستر كيري.
شهيداً... شهيداً ... شهيدا
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
لم يكن يقرأ الكف أو يضرب في الرمل، كان يعرف تمام المعرفة أن العدو نجح باختراق العرين، وأن يد الغدر والخيانة قد امتدت إلى “مطبخه” وغرفة نومه ... وعندما أطلق صيحة التحدي والبطولة الأخيرة: “يريدونني أسيرا أو طريداً ... وأنا أقول لهم شهيداً...شهيداً ...شهيداً”، كان قرر أن يواجه أخس عمليات الاغتيال بما يليق بياسر عرفات، الجنرال الذي لم يهزم، قائد الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة ومؤسسها ... كان قرر أن يمضي كما أشجار التين والزيتون: واقفاً.
لم يساورنا الشك، مذ رأيناه في أواخر أيامه، بأنه سيقضي مسموماً ... كنا نعرف حين لوّح بيديه المرتجفتين وهو يهمُّ بدخول المروحية الأردنية في طريقه إلى فرنسا لتلقي العلاج، أنها رحلة ذهاب بلا عودة، لكننا ونحن جيل تفتحت عيونه ومداركه على “أبو عمار”، لم نكن لنجرؤ على التفكير باليوم التالي بعد “ الختيار” ... وأحسب أن الراحل الكبير، ما كان متصالحاً يوماً مع فكرة الرحيل والغياب، وهو الزعيم المؤمن بحق، لا زلفى ولا ملقى، والقائد دائم الترحال، والهدف الأثير للموساد والشاباك وأمان ومختلف أسلحة الجيش الإسرائيلي.
نعرف الآن بالوثائق والأدلة الدامغة ما كنا عرفناه وتوصلنا إليه، بوعينا و”لا وعينا”، بأن إسرائيل هي من قتلت “أبو الوطنية الفلسطينية المعاصرة” ... ولسنا بحاجة لانتظار وقت أطول حتى تخرج باريس عن صمتها المتواطئ، وهي الأكثر علماً بتفاصيل الجريمة النكراء، فقد جاءنا أهل العلم والاختصاص من موسكو وجنيف بنبأ العظيم.
لكن السؤال الذي لا جواب عليه حتى الآن هو: ماذا نحن فاعلون؟ ... هل ستذهب دماء ياسر عرفات هدراً؟... من سيحمل لواء القصاص العادل وراية عدم الإفلات من العقاب؟ ... هل نأخذ على محمل الجد، كل هذه البيانات والتصريحات الفوّارة بالمشاعر والتعهدات، أم أنه سيتعين علينا إدراجها في خانة الطقوس المعتادة ومحاولات امتصاص الغضب وسوق المزايدات والمناقصات، ومن باب لزوم ما لا يلزم؟
هل ستذهب السلطة حتى نهاية الشوط بملاحقة القتلة وسوقهم للعدالة الدولية؟ ... أم أنها وهي غير القادرة على وقف التنسيق الأمني أو مغادرة غرفة المفاوضات العبثية، ستكون مضطرة لتجرّع كأس السم الذي أودى بحياة رئيسها ومؤسسها؟ ... هل هي قضية فتح وحدها أم أنها قضية الشعب الفلسطيني بمختلف فصائله ومؤسساته وحقوقييه وناشطيه؟ ... هل هي قضية الفلسطينيين وحدهم أم أنها قضية العرب دولا وشعوباً، فالراحل لم يكن “قيمة” فلسطينية فحسب، بل “قامة” عربية سامقة، إلهمت كفاح الملايين من أبناء الأمة من أجل الحرية والكرامة والسيادة والاستقلال.
لا بد من نقل قضية عرفات إلى المحافل والأوساط الدولية، لا بد من تحقيق دولي في جريمة اغتياله ... ولا ينبغي إخضاع هذه الفعلة النكراء لمآلات التفاوض ومساراته ... ولا يتعين الخضوع للشروط المذلة التي لا وظيفة لها سوى تجريد الفلسطينيين من حقوقهم وأسلحتهم المشروعة بما في ذلك اللجوء للمجتمع الدولي وشرعيته وعدالته ... فالجريمة وإن كانت سياسية بامتياز، تتوافر على أبعاد جنائية وحقوقية لا يجوز بحال التفريط بها أو التسامح بشأنها.
لقد أقام العالم الدنيا ولم يقعدها إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، ودفعت دول ومنظمات أفدح الأثمان لمجرد “الظن” بتورطها، وقبل أن يبدأ التحقيق أو تصدر الأحكام النهائية ... وتبارت دولٌ وحكومات في الدعوة لإنشاء المحكمة الخاصة وتمويلها، وها هي تواصل عملها برعاية دولية كثيفة ... ياسر عرفات ليس أقل وزناً وقيمةً من الحريري، كان زعيما فلسطينيا وعربيا وإسلاميا قبل ان يقرر الحريري الالتحاق بالعمل السياسي وقبل أن تشهد الحريرية إرهاصات تشكلها الأولى.
نعرف كيف يمكن لنفاق الغرب ومعاييره المزدوجة ان تعطّل مسعى الفلسطينيين للبحث عن الحقيقة والاقتصاص من المجرمين والقتلة ... نعرف نفوذ إسرائيل و”جماعاتها” في عواصم القرار الدولي ... ونعرف أن من بيننا من سيجادل بأهمية التطلع للأمام وعدم الارتهان لما حدث في ذلك اليوم الكئيب، وغالباً عن تخاذل وهوان ... لكننا نعرف أيضاً أن “ما ضاع حقٌ وراءه مُطالب” والشعب الفلسطيني الذي لم يفرط بحق استلب منه منذ قرن تقريباً، لن يفرط بحق ياسر عرفات عليه.
حماس تهرب من واقعها.. إلى أين؟
حازم مبيضين-الرأي الأردنية
كنتيجة حتمية لواقعها المأزوم على كل المستويات، تجد حركة حماس نفسها مجبرة على مراجعة مواقفها وموقعها، وترتيب أولويات يبدو أنها ستقودها للعب دور مضاد لما تعتقد أنه تحالف الجديد ينشأ في المنطقة بفعل التحديات، ويضم السعودية ومصر والأردن والإمارات، وهرباً من حرج وصف موقفها بالمتراجع، فإنها تصف ما تقوم به حالياً بأنه قراءة سياسية، تفرض تحديد وجهة، وصياغة تحالفات جديدة، إضافة لخسارتها للقاهرة بعد سقوط حكم الإخوان، وهي هنا ستعمل حتماً على خلق موقع جديد، تنطلق منه لبناء تحالفات جديدة، قد تساعدها على النهوض، وأداء دور في المرحلة المقبلة.
تقف حماس في مواجهة معضلات يراها البعض مصيرية، إذ عليها الاختيار بين كونها بعضاً من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو حركة مقاومة تخوض حرباً تحريرية، وبين كونها مسؤولة عن إدارة شؤون قطاع غزة، المحاصر بفعل سياساتها، أو بتنظيمها الذي يسعى للتمدد في أوساط فلسطينيي المنافي، لكن أبرز ما عليها مواجهته، هو سقوط حكم إخوان مصر، وما يتبع ذلك من زعزعة لمواقف إخوان السودان وليبيا وسوريا والعراق، وتسعى قيادة حماس لتجاوز كل ذلك، على قاعدة قراءة للواقع، مفادها أن تداعيات الربيع العربي أثرت سلباً على كل أنظمة الشرق الأوسط،، فقد خسر معسكر الاعتدال نظام مبارك، فيما يخسر محور المقاومة استقرار سوريا، دون كسب النظام الجديد في مصر.
تتوهم حماس اليوم، ربما بفعل أزمتها، أن السعودية تقود تكتلاً ضدها، بسبب دعم الرياض للشعب المصري في موقفه من حكم الإخوان، والدعم الذي تقدمه للشعب السوري ضد نظام الأسد، وموقفها المناهض للسلاح النووي الإيراني، ودعمها للاستقلاليين في لبنان، الرافضين لتبعية وطنهم لطهران بفعل قوة حزب الله، كما تتوهم أن الرياض تحشد لذلك في الإمارات والأردن، متجاهلة أن نظامي البلدين يدركان انهما يواجهان حركة أصولية عابرة للجغرافيا، تسعى للحكم في ظل المرشد، بمعنى أنها حركة غير وطنية، تضع مصلحة التنظيم كأولوية، حتى لو كان في الباكستان أو ماليزيا.
بالرغم من رفض طهران المؤدب لزيارة خالد مشعل لطهران، بحجة الانشغال بالملف السوري وتداعياته، فإن حماس تسعى للعب دور المساعد للقيادة الإيرانية في لملمة حلف المقاومة، من خلال ترطيب الأجواء بين إيران من جهة، وتركيا وقطر من جهة ثانية، على أن يكون ثمن ذلك دعم إيراني لترطيب الأجواء بين حماس ودمشق وضاحية بيروت الجنوبية، والقيادة الإيرانية وتحديداً في الحرس الثوري ترحب بهذا الدور، ويقال إنها استأنفت دعم حكومة اسماعيل هنية المُقالة في غزة، رغم رفضها استقبال مشعل، وبما يؤشر إلى نواياها في تغليب فريق على الآخر، في الحركة الفاقدة لبوصلتها في هذه المرحلة.
تدخل حماس منطقة شديدة الخطورة، تتمثل في الصراع الطائفي بين طهران والرياض، حيث يستعمل الطرفان كل الأسلحة المتاحة، بما فيها الدعم الشيعي لتنظيم سُنّي لمواجهة تنظيمات سُنّية ترعاها السعودية، وكان من بينها حماس في فترات سابقة، وترى حماس أن الدعم السعودي لمناهضي الأسد ينبع من رغبتها في إسقاط نظام «علوي» يدعم تيارات معادية لسياسات الرياض، وتؤمن أن مصلحتها ومعها الإخوان المسلمين، تكمن في تعزيز علاقتها مع المحور الذي تقوده إيران، وهي لذلك تعمل على تعضيد نظام الأسد، باحتواءها مقاتلين محسوبين عليها، ولعب دور في تحييد المخيمات الفلسطينية في سوريا ولبنان عن الأزمات القائمة، إرضاءً للأخ الأكبر في طهران، الراضي عن هذا الدور، ولو مع ترتيبات جديدة للعلاقة معها، لكن الأبرز هنا، هو استعداد حزب الله للتعاون واستعادة الحرارة وكل الثقة، ورغبة دمشق المواربة في استئناف العلاقة، التي تضررت بفعل انحياز حماس لمطالب السوريين، حين ظنت أنهم اقتربوا من إطاحة الأسد، وبذلك ترهن حماس مستقبلها للصراعات الإقليمية، بعيداً عن أي تفكير بتحرير فلسطين.
استغاثة أهل القدس
د. موسـى الكـيـلاني-الرأي الأردنية
في أحدث كتاب عن الحروب الصليبية نشرته دار امازون قبل عامين يقول المؤلف ثوماس آسبريدج الذي وثّق معلوماته من عدة مصادر ان القائد المسلم يوسف نجم رائف ايوب قد ارسل مبعوثيه الى أمراء المسلمين في سوريا واليمن وتهامة والعراق يطلب مساعدتهم بالجنود او الاموال لتمويل حملته لتحرير القدس قبل عامين من وصوله اليها ولكن بعضهم اعتذر منه لانهم يخشون الجيوش الاوروبية المعادية. فقرر قبيل حصاره للقدس القضاء على تلك الإمارات المتخاذلة وتجنيد شعوبها ليشكلوا جيش الشام ورفض الملك بولدوين ما عرضه عليه صلاح الدين وهو مبلغ مائة الف قطعة من الذهب لقاء عدم مقاومة الجيوش الاسلامية.
وبعد تحريره لجبال العلويين قال صلاح الدين علينا تطهير الأدني ثم الأقصى والتي غدت مبدأً استراتيجياً يدرسه الطلبة في الكليات العسكرية.
وعندما خاض المسلمون معركتهم في سهول حطين ما بين الناصرة وطبريا يوم 4 تموز 1187 كان عدد جندهم 24 الفاً ومنهم 16 الفاً من ابناء السودان، والاخرون من ابناء اليمن، والعراق وتهامة ومصر وهي الشعوب التي لم تطأ الجيوشُ الاجنبية ارضَها.
تذكرت تلك الاحداث عندما اصدر ملتقى القدس قبل أيام استغاثته لامراء العرب ورؤساء جمهورياتهم ان يقدموا الدعم الدبلوماسي والسياسي لمقاومة مخطط تهويد المسجد الاقصى المبارك من خلال تقسيمه كخطوة اولى ثم الاستيلاء عليه كاملاً وأقامة هيكل سليمان الثالث على انقاض المسْجديْن: قبة الصخرة المشرفة والمسجد الاقصى المبارك. ويقول بيان منتدى القدس ان الكنيست الاسرائيلي بصدد إقرار قانون جديد خلال اسبوعين يدعى قانون جبل الهيكل ينص حرفياً على بناء كنيس في الباحات الواقعة بين المسْجديْن وتقسيم المكان زمانياً وميدانيا وجغرافياً بين المسلمين واليهود: للصلاة والتعبد والاحتفالات وتنظيم وفود الزوار.
يقول مكتب الاحصاء الفلسطيني ان 144 مستوطنة تحيط بالقدس إحاطة السوار بالمعصم يسكنها عتاة المتدينين العنصريين يتزعمهم الحاخام فيجلين ويبلغ عدد أولئك المستوطنين ما يقارب ثلاثمائة الف اسرائيلي من مجموع سكان القدس البالغ عددهم مليوناً ونيف منهم 80% يهوداً.
وبالإضافة للطوق الاضيق من المستوطنين المحيطين بالقدس فهناك الطوق الاوسع من المستعمرات الممتدة على كامل اراضي الضفة الغربية من شمالها الى جنوبها ويقطن بتلك القلاع الاستيطانية ما يقارب من 321 الفاً من غلاة المتطرفين اليهود وهم الذين انتقلوا من ضواحي الخليل في كريات ارباع الى مناطق أخرى لتكثيف التوسع الاستيطاني.
لقد استطاع المؤرخون في جامعة تل ابيب ان يُـزَيِّفُوا سجلاً جديدأً تحت اعمدة المسجد الاقصى حيث يزور السائح القناة التي نقلت المياه من سلواد الى خزانات تحت الارض لتمكين المدافعين عن المدينة من مقاومة الحصار الخارجي لمدة زمنية اطول وأضاؤوا بالكهرباء اقواس البناء وصالات الاجتماعات تحت اعمدة مسجد عمر بن الخطاب.
فماذا تستطيع الشعوب والدول الاسلامية ان تعمل لتلبي استغاثة اهل القدس قبل ان ينجح تهويد الاقصى؟
لقد برعت اسرائيل في تطبيق استراتيجية هتلر السياسية بفرض الامر الواقع الذي تريده على الارض عسكريا وبالقوة ثم لترك السياسيين يتفاوضون. وللاهل في القدس نقول: ولكن لا حَياة لمن تُنادي.
مصر وأزواجها الخمسة
زينب عبداللاه- اليوم السابع
ابتليت مصر على مدى تاريخها بحكام تعاملوا معها وكأنها زوجة منكسرة والحاكم هو زوجها المستبد الذى يهينها ويسىء معاملتها كيفما يشاء لا يعرف قيمتها ومكانتها ولايقبل أى خروج عليه أو اعتراض على أفعاله يرى دائما أنه على صواب مهما كانت أخطاؤه وخطاياه.
ويقابل أى محاولة للخروج عليه أو الاعتراض على فساده أو فشله بمزيد من العنف والحماقة.
هذه الأفة التى تصيب حكام مصر المستبدين فى مفهوم علاقتهم بمصر تجعلهم يتصورون أن خروج الشعب عليهم حالة نشوز ويتصورون حتى النفس الأخير أنهم يستطيعون إعادة الشعب إلى بيت الطاعة حتى إذا خلعهم الشعب أو عزلهم.
يتصور كل منهم أنه هو فقط من يملك حق إنهاء هذه العلاقة التى يعمل بكل ما أوتى من قوة على ألا تنتهى ولا يعترفون بالواقع إذا أسقطهم الشعب وأطاح بهم فيتخيلون بعد سقوطهم أنهم مازالوا حكاما طالما لم يتنازل أى منهم عن الحكم بمحض إرادته.
حدث هذا مع الرئيس المخلوع مبارك والذى أكد محاميه فريد الديب أنه لم يتنحى ولا يزال رئيساً للجمهورية بحكم القانون رغم قيام ثورة يناير التى خرج فيها الشعب ثائرا ليخلعه وتكرر المشهد فى محاكمة الدكتور محمد مرسى الذى ظل خلال المحاكمة يؤكد أنه الرئيس الشرعى للبلاد متجاهلا إرادة الملايين الذين خرجوا فى 30 يونيو مطالبين بإسقاطه وذلك لمجرد أنه لم يتنازل عن الحكم أو يعلن تنحيه عن الرئاسة بمحض إرادته وكأن إزاحة الحاكم الفاشل أو المستبد لابد أن تكون بإرادته وبرغبته وإلا فإنه يعتبرها باطلة لأنه لا يعترف بإرادة الشعب وكأنه يعتبر مصر زوجته التى لابد وأن يرمى عليها يمين الطلاق كى تنتهى علاقته بها بل إنه يتوهم إمكانية إعادتها إلى عصمته فى شهور العدة كما توهم مبارك ومحاميه الذى أكد أنه لم يكتب خطاب التنحى وأن التنحى لم يقع وبالتالى فهو يعتبره لايزال رئيسا لمصر !!
وهو نفس ما حدث مع الرئيس المعزول مرسى الذى ظن أن عدم إعلانه أو كتابته لخطاب تنحى وعدم موافقته على ما ارتضته الملايين التى خرجت ضده يبقيه رئيسا لمصر، لأنه لم يلق يمين الطلاق عليها.
ما توهمه المخلوع والمعزول يجعل مصر على ذمة أكثر من رئيس وحاكم بل يمكن طبقا لهذا المنطق أن يصبح ما طالب به البعض منذ سنوات بأحقية أحمد فؤاد ابن الملك فاروق فى حكم مصر أمرا منطقيا لأنه وببساطة وطبقا لتبريرهم الذى أثار التعجب والدهشة وقتها فالملك فاروق تنازل له عن الحكم بعد قيام ثورة يوليو كما يصبح من حق الرئيس محمد نجيب لو كان على قيد الحياة أن يطالب بحقه فى حكم مصر لأنه لم يتنازل ولم يتنح.
إذن فمن حق أربعة حكام سابقين طبقا لهذا المنطق العبثى المطالبة بحكم مصر والادعاء بأنهم الحكام الشرعيون لها ويصبح الرئيس القادم لمصر بمثابة الزوج الخامس المطعون فى شرعيته لأحقية أربعة حكام قبله فى حكم مصر وكأن مصر كانت تعيش فى الحرام طوال تاريخها الماضى منذ قيام ثورة يوليو وعزل الملك فاروق وتنازله عن الحكم لابنه وكأننا نتحدث عن زوجة وليس عن وطن يضم شعبا له إرادة حرة، يمكنها أن تكسر قهر وفشل واستبداد الحكام وتطيح بهم إذا ما تعاملوا مع هذا البلد العريق، هذه المعاملة المهينة وكأنهم يتعاملون مع زوجة مسلوبة الإرادة.
تلك هى أفة حكام مصر السابقين فى التعامل معها كزوجة وليس كوطن وشعب حر وهى الأفة التى لابد وأن ينجو منها رئيس مصر القادم، حتى لا يلحق بسابقيه.
مرسي إلى السودان.. أو لاجئا في إسطنبول!
فؤاد مطر- الشرق الوسط
في علم الغيب أي شاطئ سترسو عليه سفينة الدكتور محمد مرسي. ولكن عدم وضوح طبيعة المصير لا يعني ألا يلجأ متابع مثل حالي كصحافي للمصائر الرئاسية ماضيا وحتى الأمس القريب، ويستنتج من استحضار الذي جرى في مشارق الأمة ومغاربها من الوقائع ما يمكن أن تنطبق إحداها على نهاية المأساة - الملهاة التي ارتبطت بالرئيس محمد مرسي بعد الرئيس حسني مبارك.
الاحتمال الأكثر يسرا هو أن يصيب الرئيس محمد مرسي ما أصاب الرئيس أحمد بن بيللا على يدي رفيق نضاله ضد الاستعمار الفرنسي العقيد هواري بومدين الذي انتفض على بن بيللا، رافضا وساطات الجنرال ديغول وزعماء عرب وأفارقة مرموقين للإفراج عنه، كما رفض إبعاده إلى مصر برغبة من الرئيس عبد الناصر الذي أوفد لهذا الغرض أقرب اثنين إليه هما عبد الحكيم عامر ومحمد حسنين هيكل إلى بومدين ينقلان تمنيات الرئيس، مبقيا عليه في الإقامة الجبرية داخل «فيللا» محروسة أمضى فيها ثماني عشرة سنة تزوج فيها من دون أن يسمح له بمغادرتها حتى للمشاركة في تشييع جنازة والدته. وخلال تلك الفترة لم تحدث في الجزائر مظاهرات تنادي باستعادة بن بيللا شرعيته كرئيس للبلاد، ربما لأن التوجه العروبي الناصري في الجزائر كان متواضعا وبالتالي ليس هنالك مع بن بيللا في نهجه هذا سوى قلائل في الداخل مقابل شعبية ملحوظة في المجتمع العربي الناصري. لكن مع ذلك بقيت شوكة بومدين وشدته تجاه رفيق النضال هي التي تفعل فعلها، وبالتالي لم يتسن لعبد الناصر فك كربة صديقه بن بيللا بالحسنى مع بومدين، كما أنه لم يحبذ اعتماد فك الأسر على نحو ما حصل مع الناصري الأقوى شأنا في سوريا عبد الحميد السراج والذي نجحت المخابرات المصرية في تهريبه من السجن إلى مطار بيروت ومنه إلى القاهرة، وساعدها في ذلك أن الحكم في لبنان كان، وبالذات في شخص رئيسه فؤاد شهاب وجهاز المخابرات، ناصري الهوى والمصلحة. وحيث إن قمة الحكم في لبنان كانت ناصرية الهوى فإن اختطاف السراج من أسره الدمشقي كان سهلا وانتهى به الأمر لاجئا سياسيا من فئة «خمس نجوم» في مصر ويشغل منصبا مرموقا وله سكن محترم. ولقد رحل عبد الناصر، ثم السادات، وأمضى مبارك دهرا في الحكم ثم انقلبت مصر، والسراج لا ينبس بكلمة ولا يظهر في مناسبات ولا يساوم على ولائه لعبد الناصر، مع ملاحظة أن الأخير أراد من اختطاف السراج قطع الطريق على اعترافات يدلي بها تحت التعذيب وبأساليب كتلك التي مارسها أفراد في جهازه مع كثيرين. والاعترافات من جانب السراج الذي هو مثل «الصندوق الأسود» لزمن الوحدة المصرية - السورية تعني الكشف عن وثائق أراد عبد الناصر أن تبقى طي الكتمان، ومن أجل ذلك كان اختطاف السراج، بينما محاولة خطف بن بيللا وبعض قادة الثورة الجزائرية من سجنهم في فرنسا عن طريق متعاملين أجانب، كانت ضمن خطط توسيع الزعامة الشعبية العربية لعبد الناصر كرمز لحركة التحرر من الاستعمار الأجنبي.
من الاحتمالات في شأن مصير مرسي أن يتم ترحيله إلى بلد يرحب به ويقيم فيه على نحو ما حصل لرؤساء وزعامات عربية وجدوا الملاذ الآمن في رحاب مصر ولبنان والأردن وسوريا وعمان ودولة الإمارات والعراق، ومن بين هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، لأنهم بالمئات، الرئيس السوري شكري القوتلي، وخالد العظم، وصدام حسين كقائد في حزب «البعث»، وميشال عفلق كواحد من مؤسسي حزب «البعث»، وعلي صالح السعدي، وأكرم الحوراني، وأحمد نعمان، والقاضي عبد الرحمن الإرياني، والرئيس أمين الحافظ، والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والرئيس جعفر نميري. ولكل من هؤلاء ولعشرات آخرين مسببات لجوئهم وظروف اختيارهم للمكان الملجأ ولماذا كانت استضافة هذه الدولة أو تلك لهذا الرئيس أو ذاك المناضل، مع الإشارة ونحن نقول ذلك إلى أن أحد أدق شروط الاستضافة هو مراعاة الظروف العامة وعدم الإدلاء بالتصريحات أو ممارسة نشاطات سياسية تعكر صفو العلاقة بين الدولة المضيفة والتي جاء منها هذا الرئيس أو المناضل أو الزعيم الديني.
لكن ترحيل الدكتور مرسي إلى أي بلد عربي من الأمور الشائكة. فهنالك من يرى أن عدم استضافته أفضل لأن الأعماق «الإخوانية» في أكثر من بلد عربي ستتصرف بما يسبب إقلاقا داخليا وتأزما في العلاقات مع مصر. وحتى إذا تم ترحيله إلى تونس أو ليبيا أو غزة حيث الجماعات «الإخوانية» متمكنة، فإن القلاقل ستؤثر على الأوضاع هناك، وذلك لأن المجتمعات السياسية كما الشعبية في هذه الدول بما في ذلك «دولة حماس في غزة» منقسمة في موضوع «جماعة الإخوان». أكثرية نسبية مع الجماعة وأكثرية نسبية ضد ممارساتها في مصر وغيرها.
وعندما يكون الترحيل مسببا للصداع والتصدع في معظم الدول العربية وبالذات حيث يمني «الإخوان» النفس بالترؤس والتسيد، فإن الاحتمال الوارد هو ترحيل الدكتور مرسي إلى تركيا الأردوغانية التي ما زالت تناصر «شرعية ترؤسه» يحل فيها ضيفا «خمس نجوم» كما استضافت مصر على مدى ثلاثة عهود رئاسية لعبد الحميد السراج، واستضافت مصر السادات بالذات للشاه محمد رضا بهلوي وما تسببت فيه هذه الاستضافة من أزمة في العلاقات مع إيران الخمينية مستمرة حتى إشعار آخر.
أما جماعة «الإخوان»، فإنها بذلك ستكتب الصفحة الأخيرة من كتاب أكثر التجارب السياسية غير المتعقلة في العالم العربي.
الحكمة تدرك أميركا
مصطفى زين- الحياة اللندنية
قيادة العالم معقدة وليست سهلة. هذا ما تعرفه وما توصلت إليه الإدارة الأميركية، بعد 12 سنة من الحروب المتواصلة. حروب استنفدتها مالياً وعسكرياً، على ما قال وزير الدفاع تشاك هاغل، الذي حدد شروطاً لبقائها في موقعها القيادي. أهمها ألا تقع الولايات المتحدة «فريسة الاعتقاد الخطأ بأنها تتلاشى. وأن تتجاوز الانكفاء» الذي تمليه عليها مرحلة ما بعد الحرب.
ربما لم يستطع الرئيس باراك أوباما، على رغم بلاغته، إيصال رسالته وتوضيح واقع بلاده بعدما أهدرت قوتها في احتلال العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب، وربما بسبب هذه البلاغة التي يقدرها الجميع، ويعتبرها البعض مجرد لعبة لغوية ولا يستوعبونها، فأتى وزير الدفاع ليوضحها ويوصلها إلى الأصدقاء قبل الخصوم. الأصدقاء الذين يلومون واشنطن على تراخيها في مواجهة حدث جيواستراتيجي مثل الحدث السوري، والخصوم في الداخل الذين نعتوا الرئيس بالضعف وبعدم القدرة على مواجهة التحديات وبالتفريط بموقع قيادة العالم. أما الأعداء، وهم كثر، ففسروا تراجعه عن شن الحروب مباشرة واستبدالها بالحروب الناعمة هزيمة، وراحوا يستعدون لتوجيه ضربة قاصمة إلى الإمبراطورية الأميركية المترهلة.
وزير الدفاع كان واضحاً. حدد الموقع والموقف من الأحداث. شدد على أهمية استخدام كل أسباب القوة، وليس القدرة العسكرية وحدها، فليس من دولة أخرى غير الولايات المتحدة «تملك القدرة والإرادة والإمكانات والتحالفات لقيادة المجتمع الدولي. وعلينا تعزيز هذه الإمكانات، ومعرفة حدود قوتنا واستخدام نفوذنا بحكمة».
«الحكمة» هي العنوان. وقد تجلت في الانسحاب من العراق والتحضير للانسحاب من أفغانستان. وفي التعاطي مع الأحداث في سورية ومع الملف النووي الإيراني، إذ مزجت إدارة أوباما، على ما قال هاغل، بين الديبلوماسية والاقتصاد والقوة العسكرية، وحشد الحلفاء «للمحافظة» على مصالحها. منذ وصول أوباما إلى البيت الأبيض، وهو يحاول الابتعاد عن سياسة جورج بوش. وقد أثبت ذلك عملياً بالتحول إلى «الحرب الناعمة»، أي الحصار الاقتصادي واستخدام الطائرات من دون طيار لمحاربة الإرهاب، والديبلوماسية. لكن الحلفاء في أنحاء العالم لم يستسيغوا هذا التحول، فقد بنوا كل سياساتهم، خلال عشرات السنين، على أن واشنطن مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية للدفاع عن المصالح المشتركة وأصيبوا بخيبة أمل عندما انكفأت عن مواجهة إيران والنظام السوري، مفضلة الديبلوماسية على الحرب.
وساورتهم شكوك، قد تكون في محلها، مفادها أن صفقة ما قد يعقدها البيت الأبيض مع إيران لتقاسم النفوذ معها في المنطقة، خصوصاً في سورية ولبنان وفي العراق. وكانوا يأملون في أن يسقطوا النظام السوري بالتعاون العسكري معها، كي يكون سقوطه ضربة قوية لطهران فإن لم تتراجع عن طموحاتها تصبح في مرمى النار. ودليل الأصدقاء على هذه الصفقة أن واشنطن وطهران تتقاسمان النفوذ في العراق وأفغانستان، منذ أكثر من عشر سنوات. أما أعداء الولايات المتحدة فوجدوا في سياسة أوباما فرصة للقول إنهم انتصروا، وإن القوة العظمى لم تعد وحيدة في العالم، فقد نشأ حلف جديد ممتد من موسكو إلى سورية، مروراً بإيران. حلف تدعمه دول «البريكس». ويمتلك من القوة الاقتصادية والعسكرية ما يؤهله لخوض الحرب الباردة الجديدة، والحروب الموضعية بقيادة روسية لوضع حد للهيمنة الأميركية المستمرة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.
رسالة هاغل إلى الأصدقاء والأعداء مفادها أن «الحكمة» أدركت الولايات المتحدة وستقود العالم من موقعها الجديد، بالتعاون مع الخصوم، إذا لزم الأمر. والمفاوضات مع إيران حول ملفها النووي خطوة مهمة في بداية هذا الطريق، ستتبعها خطوات (اقرأ صفقات) يجب أن لا تفاجئ أحداً.
تركيا و"الجدار العازل" في النفوس
محمد نور الدين- الخليج الإماراتية
وصف أكراد تركيا وسوريا الجدار الذي تقيمه تركيا في منطقة نصيبين على الحدود مع سوريا ب”جدار العار” . سيمتد الجدار عدة كيلومترات وبارتفاع مبدئي يقارب المترين . وقد بدأت أعمال الحفر الفعلي لإنشائه الحجة التركية للجدار أنه لمنع تسلل المواطنين من سوريا في منطقة مزروعة بالألغام وبالتالي لتفادي موتهم .
بطبيعة الحال، فإن أكراد تركيا خصوصاً غير مقتنعين بذلك، ويرون أنه أنشئ بعدما باتت المنطقة الكردية في سوريا، ولا سيما عند نصيبين، تحت سيطرة مقاتلي “حزب الاتحاد الديمقراطي” الكردي السوري المؤيد لحزب العمال الكردستاني . وفي تلك المنطقة غالباً ما يتلاقى الأكراد من على جانبي الحدود وأغلبيتهم من ذوي القربى .
الحرب والفوضى في سوريا منذ ثلاث سنوات انتجت ظواهر وحالات جديدة . من هذه الحالات بروز فرصة للتلاقي المباشر الجغرافي والسكاني بين أكراد تركيا وسوريا . وإذا كانت بعض هذه الظواهر غريبة وخطرة، فإنه بالنسبة إلى تركيا ليس هناك أخطر من المياه التي تجري تحت الملف الكردي في سوريا وفي المنطقة عموماً .
ذلك أن تركيا تتحكم فيها “فوبيا كردية” لا أحد يتصور عمقها من احتمال توحد الأكراد في دولة تمتد على أجزاء من مساحة تركيا والعراق وسوريا وإيران .
وهي استمرار للذهنية الموروثة منذ نهاية العهد العثماني وتجذّرت مع انشاء مصطفى كمال أتاتورك للجمهورية في العام 1923 التي لم تتغير على امتداد عقود ما بعد أتاتورك . وكانت سمتها الأساسية إنكار الهوية الكردية واعتبار الأكراد من أصول تركية، ومحاولة تغيير البنية الديموغرافية العرقية للمناطق الكردية في جنوب شرق تركيا عبر قانون يهجر الأكراد من أماكنهم وإحلال جماعات تركية بدلاً منهم .
لم يكن الحراك الكردي في العصر الحديث حكراً على أكراد تركيا، إذ إن المسألة الكردية في العراق تحديداً كانت تتحرك بقوة وبلغت ذروتها في العام 1970 مع منح العراق تحت حكم البعث للأكراد حكماً ذاتياً لم يعرف تطبيقاً جاداً له . ومع الاحتلال الأمريكي للعراق تغير كل شيء ونال الأكراد فيدراليتهم التي هي أقرب إلى دولة مستقلة محققين كل ما يتطلعون إليه من ترجمة للهوية ثقافياً وسياسياً وجغرافياً .
ومع أن حزب العدالة والتنمية في تركيا جاء منذ العام 2002 بعناوين إصلاح كبيرة غير مسبوقة غير أنه بعد مرور 11 عاماً لم يتقدم قيد أنملة في المسألة الكردية وفي المطالب الجوهرية للأكراد . وكل ما قدمّه حتى الآن لا يعدو ما يشبه بعض السكاكر التي تقدم للأطفال فيما هم يحتاجون إلى الحليب والفيتامينات. وهكذا تبدو تركيا، الأكثر توغلاً على طريق الحداثة بسبب علاقاتها بالاتحاد الأوروبي، أكثر تخلفاً عن العراق الغارق في حروب ونزاعات أهلية في ما يتعلق بالمسألة الكردية .
وهناك مفارقة لافتة هي أن تركيا التي رفعت شعار إزالة النظام في سوريا لم تهدد يوماً بالدخول العسكري إلى سوريا حتى بعد إسقاط الدفاعات السورية لطائرة حربية تركية في يونيو/حزيران ،2012 في ما رفعت تهديد التدخل العسكري للمرة الأولى بعدما نجح مقاتلو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا السيطرة في مطلع صيف 2012 على معظم المنطقة الكردية في سوريا التي يطلق الأكراد عليها اسم “روجافا” .
كل القضايا تبقى عرضة للحل بطريقة او بأخرى إلا ثقافة العزل والفصل العنصرية التي كانت “إسرائيل” ولا تزال نموذجها عندما أقامت جدار العزل في الضفة الغربية لتفصل الفلسطيني عن أخيه ولتنعزل “إسرائيل” العنصرية خلف جدران أسمنتية لن تحميها من نفسها وسياساتها العنصرية . وكم هو مؤسف ومحزن أن نرى دولة مسلمة مثل تركيا تطبق السياسة العنصرية في مجال الفصل ليس بين التركي والسوري، بل بين الكردي والكردي في خطوة لم يشهد المسلمون مثيلاً لها من قبل .
وتزداد معاني المأساة عندما نتذكر أن وزير الخارجية التركي نفسه أحمد داود أوغلو كان يتحدث قبل اندلاع الأزمة في سوريا عن “الحدود المصطنعة” بين دول الشرق الأوسط التي كانت تشكل سابقاً الدولة العثمانية، وضرورة إزالتها لإقامة حوض مشترك من التعاون السياسي والاقتصادي ليتبين اليوم زيف هذه الدعوة التي لم يكن من هدف لها سوى تعزيز النفوذ التركي على حساب مصالح شعوب المنطقة .
والجميع لا يزال يتذكر صورة داود اوغلو ونظيره السوري وليد المعلم وهما مع وزراء آخرين من البلدين يرفعون بصورة رمزية الحاجز الجمركي عند معبر باب الهوا على الحدود . وفي نظرة إلى اليوم نجد أن المطالبين بإزالة الحدود هم أنفسهم يبنون جداراً يفرق ويقسّم ويزرع في النفوس عُقداً تتوارثها الأجيال فتتحول إلى جدران غير مرئية أعلى بكثير وأطول بكثير من جدار أسمنتي يقام هنا أو هناك .