المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 545



Haneen
2013-12-08, 02:00 PM
اقلام عربي 545
12/11/2013

في هذا الملــــف:
ملاحظات برسم القيادة الفلسطينية وسياساتها
بقلم: ماجد كيالي عن الحياة اللندنية
تعليقا على ‘ تسميم عرفات يثير علامات استفهام جديدة’
بقلم: برنس علي عن القدس العربي
من قتل عرفات
بقلم: جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
أبو عمار مات أم قُتل؟
بقلم: نصري الصايغ عن السفير البيروتية
ذكرى رحيل عرفات
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
غضب الضفة متى ينفجر؟
بقلم: ياسر الزعاترة عن الدستور الأردنية
ما وراء الأخبار.. عجلة الاستيطان أسرع
بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
بقلم: عن استقالة صائب عريقات
علي بدوان عن الوطن القطرية
تجليات عودة الدولة الأمنية
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
ملاحظات برسم القيادة الفلسطينية وسياساتها
بقلم: ماجد كيالي عن الحياة اللندنية
لا جديد في ملف المفاوضات، لا قبل زيارة كيري ولا بعدها، فهذه العملية ستتواصل، على رغم اعتزام إسرائيل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية، وإصدارها في المقابل عشرات أوامر الهدم لبيوت فلسطينيين في الضفة، أي في أرضهم التي يفترض أن تقوم دولتهم عليها، بحجّة عدم وجود رخص بناء، وعلى رغم إعلانها بناء جدار فاصل على حدود الضفة مع الأردن، وكلها رسائل ذات مغزى، وتكشف عن وضع ينطوي على تناقض لافت. هكذا، فإن حديث مصادر فلسطينية عن اعتزام الرئيس الفلسطيني محمود عباس إبلاغ الوزير كيري عن خطوات عملية سيتمّ اتخاذها في مواجهة الاستيطان «قد تجعل شعر رأسه يقف» («الحياة»، ٥/11)، هو مجرد كلام، إذ التقى كيري بالرئيس مرتين من دون أن يلحظ عليه أحد شيئاً.
ليس هذا موقفاً مفاجئاً من القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة و «فتح»، فهي صرّحت مراراً أنها تعتبر المفاوضات بمثابة «اللعبة» الوحيدة المتاحة، مسلّمة بارتهانها لها بوجودها ومكانتها ومواردها. يقول المثل: «لو بدها تشتّي غيّمت»، وهذا ينطبق على المعنيين بالتسوية، أي الفلسطينيين والإسرائيليين والأميركيين، لكنها بالنسبة الى الفلسطينيين «تشتّي» وعوداً أميركية، فقط، ومزيداً من المستوطنات والطرق الالتفافية والجدران، وآخرها الجدار الذي تنوي إقامته في «الغور».
معلوم أن أوباما خيّب آمال من راهنوا عليه في كثير من الملفات، ومن ضمنها الملف الفلسطيني، مع تراجعه بطريقة مهينة عن طلب تجميد الاستيطان أمام عناد نتانياهو وصلفه. وبالنسبة الى إسرائيل التي تلاعبت بعملية التسوية لعقدين، فهي تواصل نهجها في فرض الوقائع لتجويف أي «مكسب» للفلسطينيين، ومنع قيام دولة ذات معنى ومبنى لهم، وبتصرّفها في الضفة وكأنها باقية إلى الأبد، وكأنها معنية فقط بإزاحة الفلسطينيين إلى كانتونات، للتحرّر من عبء السيطرة عليهم، وتركهم لتدبّر أحوالهم تحت مراقبتها وسيطرتها.
أما القيادة الفلسطينية فهي تبدو جاهزة دوماً لقبول ضغوط الإدارة الأميركية لاستئناف المفاوضات، بدلاً من صدّها، فهي كانت رضخت لإدارة كلينتون التي ضغطت عليها مرّةً لطيّ سعيها إعلان الدولة من طرف واحد، مع انتهاء المرحلة الانتقالية (1999)، ومرة ثانية لدفعها للتفاوض في كامب ديفيد 2 (2000) على قضايا «الحل النهائي»، قبل تنفيذ إسرائيل استحقاقات المرحلة الانتقالية. بعدها جاءت إدارة بوش التي ضغطت لتمرير «خريطة الطريق» (2002)، على رغم تحفّظ إسرائيل عليها، ثم لتنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، التي تضمّنت وقف المقاومة. ومع أن إسرائيل لم تنفّذ المرحلة الثانية من هذه الخطة، فإن إدارة بوش ضغطت لعقد تفاهمات «انابوليس» (2007)، التي انتهت بسقوط حزب «كاديما» في الانتخابات وصعود نتانياهو. وعلى رغم تمنّع هذا الأخير عن الاستجابة لطلب إدارة اوباما بتجميد الاستيطان، فإن ضغط هذه انصبّ على الفلسطينيين مجدداً للانخراط في مفاوضات غير مباشرة (2010)، من خلال مبعوثها جورج ميتشيل، والتي أخفقت بدورها بسبب التعنّت والمراوغة الإسرائيليين.
الآن، ها هي القيادة الفلسطينية في دوامة تفاوضية جديدة بطلب أميركي، من موضع الضعف، على الصعيدين الرسمي والشعبي، ناهيك عن الانقسام وتردّي الوضع العربي، وبحكم تنازلها المسبق والمتسرّع والمجاني، عن مبدأ انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وفق القرارات الدولية، بموافقتها على مبدأ «التبادلية»، وما يفاقم ذلك أن هذا التنازل يحظى بتغطية عربية، وهذا كله خطأ في المقاييس التفاوضية. فبدلاً من استدعاء القوة الكامنة في الموقف العربي لمصلحة المفاوض الفلسطيني، يجرى التفريط بها، بخاصة أن التجربة بيّنت أن رفع سقف التنازلات الفلسطينية والعربية لا يفيد، لأن إسرائيل ترفع في المقابل من سقف مطالبها، متشجّعة على ذلك بنجاح هذه الاستراتيجية طوال عقدين.
الحقيقة أن مشكلة هذه القيادة لا تكمن في المفاوضات فقط، فهي تشمل طريقة صنع القرار، وهشاشة البنية المؤسساتية، والافتقار الى استراتيجية سياسية ونضالية واضحة ومناسبة لحركة تحرر وطني، وهو ما يتجلى اليوم بصورة أكبر في قصور التعاطي مع وضع قطاع غزة ومع الحالة المأسوية لفلسطينيي سورية.
في غزة، تبدو القيادة الفلسطينية مرتاحة لأزمة «حماس»، باعتبار أنها تضعف سلطتها في القطاع، وتؤدي إلى إخراجها من نطاق المنافسة على مكانة القيادة، ما ينمّ عن عقلية ثأرية وضيقة ولا تتناسب مع مصالح الشعب الفلسطيني، ولا مع متطلبات قيادة حركة تحرر وطني تواجه عدواً واحداً يحتلّ أراضيها ويهدّد شعبها. وكان في إمكان هذه القيادة استثمار هذه اللحظة لجذب «حماس» واستيعابها، وإيجاد التوافقات التي تسمح باستعادة وحدة الكيان الفلسطيني، بدلاً من ترك هذه الحركة تتخبّط في مراجعتها لأحوالها.
اما بالنسبة الى فلسطينيي سورية فقد كانت تصريحات الرئيس ابو مازن عن دور فلسطيني ما في الإفراج عن المختطفين اللبنانيين، وفي الدفع نحو إيجاد حلّ سياسي للوضع المتفجّر في سورية مبالغة جداً واستعراضية. ومع التقدير لأية جهود بذلت، فقد كان الأولى بالرئيس الفلسطيني أن يلاحظ أن الولايات المتحدة وروسيا لم تتوافقا بعد على فرض «جنيف» على الأطراف السورية، وأن ناصر القدوة (عضو اللجنة المركزية لـ «فتح»)، الذي يمثّل الجامعة العربية، ويعمل نائباً للمبعوث الدولي والعربي إلى سورية، من كوفي أنان إلى الاخضر الإبراهيمي، رفض مجرد قدومه إلى دمشق في عداد الوفد الأممي. وفي ما يتعلق بالإفراج عن المختطفين اللبنانيين، فهذه باتت قصتها معروفة، وتتعلق بوضعية الجهة الخاطفة (لواء «عاصفة الشمال» وقائده ابو ابراهيم/عمار الداديخي)، والجهات الإقليمية التي يتبع لها، بغض النظر عن كيفية «إخراج» هذه العملية للتغطية على الأطراف المعنية مباشرة بها.
مع ذلك، فإذا كان في إمكان القيادة الفلسطينية التوسّط للإفراج عن معتقلين، فحريّ بها إذاً بذل الجهود للإفراج عن مئات المعتقلين الفلسطينيين عند النظام، الذين لا علاقة لهم بالصراع المسلح، أو أقله الكشف عن مصيرهم، وضمنهم الكاتب علي الشهابي، وكوادر في «فتح» التي يقودها أبو مازن، مثل: محمد فياض (عضو لجنة منطقة)، وسلمى عبدالرازق (طالبة في كلية الهندسة) وعدنان خليفة (موظف في سفارة فلسطين في دمشق) والطبيب علاء الدين يوسف. علماً أن كثيرين من نشطاء «فتح»، ممن عملوا في الإغاثة، قضوا في عمليات القنص والقصف مثل: احمد كوسا ومنير الخطيب وأيمن جودة وأحمد السهلي وبسام حميدي وفادي ابو عجاج وخليل زيدان. ومنهم من قضى تحت التعذيب في المعتقلات، مثل موعد موعد (عضو لجنة إقليم) وخالد بكراوي ووسام رشدان وياسر جودة، الذين سلمت جثثهم الى أهلهم بعد أشهر من الاعتقال. ويفيد تقرير «مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية» بأن ثمة 105 فلسطينيين قضوا تحت التعذيب. https://www.facebook.com/ActGroup.PalSyria/photos_stream)
أيضاً، ربما ينبغي أن يكون معلوماً لهذه القيادة أن عدد الضحايا من الفلسطينيين السوريين الموثّقة اسماؤهم، بلغ حوالى 1600 شهيد، منهم 822 استشهدوا نتيجة القصف، و195 برصاص القناصة، في المخيمات. (يوسف فخر الدين ويوسف زيدان: «اللاجئون الفلسطينيون في المحنة السورية»، https://db.tt/TZVrOgdE).
فوق كل ذلك، ثمة الحالة المأسوية في مخيم اليرموك، الذي ما زال يقطن فيه حوالى 20 في المئة من سكانه، وهو بات يخضع منذ أربعة اشهر إلى اغلاق كامل، بعد حصار 11 شهراً، مما جعلهم يفتقدون لقمة الخبز والمواد الاساسية للعيش.
لا أحد يطالب القيادة الفلسطينية بعمل شيء ليس في مقدروها، لكن من حق الفلسطينيين على القيادة التي تدّعي تمثيلهم أن تمثّلهم حقاً، وأن تدافع عنهم، وأن تطالب بالإفراج عن المعتقلين، أو بتوضيح مصيرهم. وإذا كانت هذه القيادة لا تستطيع المطالبة برفع الحصار عن مخيم اليرموك مثلاً، فهي على الأقل مطالبة ببذل الجهود لإنهاء حالة الإغلاق المفروضة عليه، والسماح بإدخال الخبز والمواد الغذائية والصيدلانية الأساسية إليه، ناهيك عن المساهمة في التخفيف من محنة الفلسطينيين السوريين النازحين من المخيمات داخل سورية وفي البلدان الأخرى.
كان الأجدر لهذه القيادة وهي تتعاطى مع محنة فلسطينيي سورية، ومخيم اليرموك، أن تتذكّر محنة المخيمات الأخرى من تل الزعتر (1976) الى مخيمات صبرا وشاتيلا في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، فهي القصّة ذاتها، أي أن المسألة لا يمكن اختصارها بوجود مسلحين، وإنما هي أكبر وأخطر من ذلك، وهذا يتطلب من القيادة مواقف مسؤولة أكثر أخلاقياً وسياسياً.
المشكلة أن القيادة الفلسطينية تحولت من قيادة حركة تحرّر إلى سلطة باتت مهجوسة، على الأغلب، بتعزيز مكانتها تلك أكثر مما هي معنية بتعزيز أحوال شعبها أو أي شيء آخر.

تعليقا على ‘ تسميم عرفات يثير علامات استفهام جديدة’
بقلم: برنس علي عن القدس العربي
اين دور السلطة الفلسطينية؟
ثلاث دول في العالم تملك مادة البولونيوم النووية التي استخدمت في اغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وهي الولايات المتحدة الامريكية وروسيا واسرائيل، وليس هناك مصلحة مباشرة للدولتين العظمتين في الاقدام على جريمة الحرب هذه، ولذلك فان اصابع الاتهام تشير الى اسرائيل التي تخصصت في اعمال الاغتيال هذه ضد العرب والفلسطينيين والمبعوثين الدوليين على مدى ستين عاما من احتلالها لارض فلسطين.
ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق الذي يقبع حاليا في احد المستشفيات في حالة غيبوبة هدد اكثر من مرة باغتيال عرفات علانية، لانه رفض الاستسلام في منتجع كامب ديفيد عام 2000 والتخلي عن القدس المحتلة والسيادة الكاملة والمطلقة عليها، وقرر اشعال فتيل الانتفاضة المسلحة ضد الاحتلال متنبئا بالشهادة ومنتظرا لها في اي لحظة.
الرئيس عرفات اتخذ جميع الاحتياطات اللازمة في حدود امكانياته البسيطة لافشال محاولات اغتياله في مقره المحاصر فيه حيث لا ماء ولا كهرباء ولا زوار عربا رسميين غير من يتوسطون من اجل رحيله الى المنفى مثل عمر سليمان وفقط بعض وفود التضامن الشعبية العربية والاجنبية.
عرفات وضع قضبان حديد فوق سطح مقره لمنع هبوط طائرات عمودية للقيام باختطافه، واغلق ثلاجته التي تتغذى على تيار كهربائي من محرك صغير بقفل على طريقة العجائز لا يحمل مفتاحه غيره وكانت هذه الثلاجة مليئة بالمعلبات التي لم يأكل غيرها خوفا من دس السم في الطعام واحتفظ بقناع مضاد للغاز وبندقيته الآلية الصغيرة بجانب سريره في غرفة نومه خوفا من القاء قنابل لخنقه وللدفاع عن نفسه حتى الشهادة واقفا.
الشيء الوحيد الذي لم يحسب حسابه الرجل هو ان يستشهد مسموما بالبولونيوم النووي واشعاعاته القاتلة، وهو نوع من السموم التي لم يكتشف امرها الا في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2006 عندما استخدم ضد العميل الروسي المنشق اليكسندر ليفننكو في فندق في قلب العاصمة البريطانية ويصعب اكتشافه ويؤدي الى وفاة من يصاب به بعد ايام معدودة دون ان يترك اي آثار.
لم نكن بحاجة الى معمل سويسري لكي يؤكد لنا ان عرفات مات مسموما، فالتقرير الذي اعده مستشفى بيرسي دو كلامار العسكري قرب باريس الذي كان محطته الاخيرة في الحياة اكد ان الرجل مات بالسم ولكن لم يتم تحديد نوعيته.
الرئيس عرفات نفسه ادرك في ايامه الاخيرة في رام الله ان الاسرائيليين وصلوا اليه وسمموه، وكان وداعه لمحبيه بعد وصوله على ظهر طائرة عمودية الى مطار عمان الدولي حيث لم يكن في استقباله اي مسؤول اردني كبير للأسف وكان وداعه وداع الرجل الذي يعرف جيدا انه لن يعود حيا.
آخر مرة اتصلت به هاتفيا كانت قبل استشهاده بأسابيع معدودة، وكان جبلا راسخا في الصمود، لا يهاب الموت، مؤكدا فخره واعتزازه بالانتماء الى شعب الجبارين.. كنا نلجأ اليه، وهو المحاصر عربيا واسرائيليا، لنستمد منه الطاقة والقوة ورفع المعنويات، قال لي بحسرة والم انه يتصل بالزعماء العرب ولا احد يكلف نفسه رفع سماعة الهاتف والرد على مكالمته.
السؤال الآن هو اين دور السلطة الفلسطينية وما هي خطواتها المقبلة، ولماذا صمتت كل هذه الاعوام ولم تتحرك مطلقا لفتح التحقيق في كيفية اغتياله؟
يقولون ان هذه السلطة التي يتزعمها احد رفقاء سلاح عرفات لا تملك المال لتمويل عملية التحقيقات الجنائية والمخبرية، وهذا قول مضلل، فكل هذه التحليلات التي اجراها المعهد السويسري لم تكلف اكثر من مليون دولار فقط، فهل هذه السلطة التي حمّلت الشعب الفلسطيني ديونا تزيد عن اربعة مليارات دولار، لا تستطيع ان ترصد مليونا لكشف كيفية استشهاد القائد التاريخي للجهاد الفلسطيني!
نستغرب صمت السلطة مثلما نستغرب استمراها في المفاوضات ليس بعد الكشف عن هذه الجريمة ودور اسرائيل فيها فقط، وانما للاستمرار الاستيطاني بكثافة غير معهودة واصرار نتنياهو على الاحتفاظ بغور الاردن واسقاط حق العودة، والاعتراف باسرائيل دولة يهودية.
المطالبة بتحقيق دولي من قبل السلطة لا يكفي، ومجرد ذر الرماد في العيون، المطلوب الانسحاب من المفاوضات والانضمام الى عضوية محكمة جرائم الحرب الدولية ومطاردة الاسرائيليين قضائيا والحفاظ على ارث الرئيس الراحل في مقاومة الاحتلال باشكالها كافة.
والتحقيق الاهم هو التحقيق الداخلي لفضح الادوات السياسية التي استخدمتها اسرائيل للتمهيد لعملية الاغتيال وتوفير الغطاء وتحضير البديل لاحقا، ومن ثم الادوات الجنائية التي قامت بالتنفيذ.
فهل تقدم السلطة ورئيسها على هذين التحقيقين بجدية وتسير فيها حتى النهاية دون اي خوف على المفاوضات وغيرها؟ نأمل ذلك رغم شكوكنا.

من قتل عرفات
بقلم: جمال الشواهين عن السبيل الأردنية
وأخيرا استطاعت سلطة رام الله بعد جهد جهيد من تفسير الماء بالماء، ترى ما الجديد بإعلانها أن الراحل أبا عمار قضى مسموما!، وهل كانت تشك بذلك حقا لتنتظر كل هذا الوقت من أجل أن توجه الاتهام الى القيادات اليهودية؟، وماذا عن الذي دس السم للمرحوم، أو ليس من المفترض أن يكون من الدائرة الضيقة التي أحاطته طوال حصاره بالمقاطعة، وهل ما زال الجنرال الطيراوي المكلف بملف القضية يبحث عنه حتى الآن حقا لتقديمه الى العدالة، ولم لا يوجد مشتبه بهم حتى الآن؟
أم ترى أن المشكلة كانت بمعرفة نوع السم وفيما اذا هو بولونيوم 110 او 220، وما الفرق والجديد بعد أن تم تحديده. وماذا عن عباس، وما هو دوره بالقصة الجريمة، ولم يريد الطيراوي من الشعب الفلسطيني ان ينتظر لمعرفة الحقيقة ويتحدث بذات الوقت عن اغتيالات سياسية لم يكشف عن اسرارها ويستشهد برفيق الحريري، وكثرٌ دفن السر معهم؟
السؤال الاساسي بجرائم القتل محدد بمن هو القاتل، ثم بالدوافع والبحث عن المستفيد. أما الدوافع فلا تبتعد عن كونها ازاحة عرفات من المشهد الفلسطيني لتخلو الساحة منه لغيره لتأمين ظروف مرحلة جديدة ليس فيها الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني، وهذه تكشفت عن جدار واستيطان اكبر وتهويد القدس الى اقصى مدى.
أما المستفيد فالحدث بلا حرج، إذ لا يبدأ من عند شارون وموفاز ولا من عند شلة الانس اللصيقة لليفني ومعهم كبار وصغار المفاوضين والمتنفعين الجدد والقدامى لاستمرار رواتبهم، ولا ينتهي عند من أرادواه عربيا وأمريكيا.
يبقى القاتل المنفذ، الأداة، ترى هل هو قيادي، حارس أمن، طباخ، مراسل فراش، عامل التنظيف، مورد الطعام والماء، الطبيب، صديق مقرب، طرف عائلي؟ ترى من غير هؤلاء كان بإمكانه التعامل مع الضحية مباشرة؟
بقي القول إن قصة الزوجة التي قتلت زوجها بالسم بالتعاون مع عشيقها معروفة ومكررة وقد كانت تنتهي دائما بتخلي العشيق عن الخائنة، ترى في حالة عرفات من هذه أو هذا وذاك؟




أبو عمار مات أم قُتل؟
بقلم: نصري الصايغ عن السفير البيروتية
الموت سُنَّة في الحياة والقتل سُنَّة في السياسة. ولا مرَّة مات أبو عمار. كان مرشحاً دائماً للقتل، والقتلة أثبتوا مراراً أنهم فاشلون، إلى أن طُرِحَ السؤال، بعد رحيله: «مات أبو عمار أم قتل؟». لعله قد قُتل بالفعل، إذ يستحيل أن يكون قد مات.
بندقيته الأولى المصوَّبة في فلسطين إلى العدو الإسرائيلي، رشحته لأن يكون شهيداً في ميادين المواجهات السرية. حمته بندقيته وذكاء الصدفة الحاد. أبو عمار صديق حميم للصدف السعيدة. نجا بأعجوبة ذات عملية فدائية.
في معركة «الكرامة»، كان مع قلة من الفدائيين (كم كان هذا اللقب جميلاً!) في مواجهة جيش الانتصار الإسرائيلي الساحق والماحق، لثلاثة جيوش عربية ـ مصر وسوريا والأردن ـ خسرت فيها مصر سيناء وجيشها، وكادت تخسر نظامها، وخسر فيها الأردن ما تبقى من فلسطين التي لم تكن له، وخسرت فيها سوريا مرتفعات الجولان، محتفظة «بانتصار» الكذبة الكبرى: «الهدف من الحرب إسقاط نظام البعث». راحت الجولان «وانتصر البعث».
في معركة الكرامة، خاض حرب مواجهة. لا حرب عصابات. أكلت جنازير الدبابات الإسرائيلية لحم فدائييه. لم ينسحب. قاتل بكل ما أوتي من صلابة وتحدٍّ و«ذكاء الصدفة»، ونجا من القتل مراراً... حَقَّ لأبي عمار في تلك المعركة أن يرفع شارته المحببة (V). لقد هزم بحفنة من مقاتليه، الجيش الذي هزم بساعات ثلاثة جيوش عربية... يومها، تكرَّست قناعة عربية شعبية عابرة للحدود: المقاومة هي الطريق إلى فلسطين. قناعة فاتت عرفات فلم يفز بها. لكن «حزب الله» كان حظه من الفوز عظيماً، في 25 أيار 2000. التحرير كان جائزة المقاومة لا المساومة.
كان على وشك أن يُقتَلَ مراراً في معارك الأردن. اختبأ وتحصَّن ونجا من «مجازر أيلول»، متخفياً بزي غريب، على ما قيل يومها، ودخل قاعة مؤتمر القمة، مجللاً بتوقيع وخسارة... لم يُقتل في الأردن، ولا في الأغوار، ولا... ولكن مقتلة أيلول، قتلت المقاومة. ومن تبقى منها، انتصب في لبنان، منهياً بذلك عهد المخيمات، فكل مخيمٍ قلعة للثورة.
ونجا من القتل مراراً في لبنان. صدفة الذكاء، تحوَّلت عنده إلى «حدس النجاة»... بيروت محاصرة، براً وبحراً وجواً. الطائرات تتصيد الفدائيين و«القوات المشتركة» اللبنانية، والبعض من الطائرات مختص بالبحث عن عرفات وقصفه. عدد الأبنية التي دمرت بالقنابل الفراغية، بعد انتقال عرفات منها بلحظات، لا يحصى. قُتِلت الأبنية ونجا أبو عمار. ولما صارت الأبنية ألغاماً من الجو، صار يبيت في سيارة مركونة في أحد الشوارع.
خرج من بيروت، وشارة النصر مرفوعة، فيما البنادق منكَّسة، ووجهة النضال إلى البحر وصحراء العرب. لا أرض لأبي عمار، لا في فلسطين ولا في دولة على تماس مع فلسطين. وحده البحر مسموح، على أن تطأ سفن التراجيديا شواطئ «قرطاجة أليسار» المطرودة من صور، إلى تونس.
وذات يوم، وبعيداً جداً عن فلسطين، قصفت إسرائيل مقارّ منظمة التحرير، ونجا أبو عمار، كان الدمار رهيباً. إنه «ذكاء الصدفة» التي تحرم العدو، صاحب النزهات الجوية في الأجواء العربية بلا حساب للخطر، من تحقيق الهدف: قتل أبي عمار.
من كانوا معه، من قادة كبار، سقطوا الواحد تلو الآخر في بيروت، قتلت إسرائيل، بقيادة ايهودا باراك، كمال عدوان ويوسف النجار وكمال ناصر، واغتالت أبو حسن سلامه، وماجد أبو شرار وآخرين كثراً، من رفاق السلاح وقادة الطلقات الأولى، التي أنبأت بعصر المقاومة. بعد ذلك، سقط أبو جهاد، مهندس الانتفاضة الأولى، وأبو أياد التوأم التاريخي لقائد الثورة، ومطلق «أيلول الأسود»، وذراعها الفاعل «أبو داود».
لم تكن إسرائيل وحدها في معركة العداء لأبي عمار. سوريا على تربُّص مزمن به. لم تطمئن لمسيرته ولم تستطع احتضانه وتدجينه وإلحاقه بها كفرع من فروعها لأسره في ملفاتها الإقليمية. ظل عاصياً عليها، معتصماً بقلم الحبر. ظن، وفي بعض الظن حلال، أن سوريا لا تريد توقيعه، بل التوقيع عنه. دخلا في حرب سرية مفتوحة. بالغ أبو عمار في عدائه وبالغت دمشق في مطاردته... كانت سوريا تتصرف على قاعدة انها «الأم الشرعية لفلسطين»، فيما كان عرفات يتصرف وكأنه «الابن الشرعي» لفلسطين، وحق البنوَّة أقوى من حق الأمومة. الأمومة تصادر، البنوة تقاتل بحرية وتفاوض بشروط لأنها بلغت سن الرشد الوطني. ولا ينافسه في إرثها أحد.
نجا أبو عمار في طرابلس وبيروت. صوَّبت سوريا عليه، ولم تصبه. ولكنها أقصته إلى البعيد. فالنظام في سوريا لا يطيق صدّام، لا يريد أبا عمار، يداعب الملك حسين بخشونة، فيما لبنان قد تم القبض عليه بدعوة من قوى الانعزال صاحبة اليد الطولى في قتال الفلسطينيين ومساندة الإسرائيليين وصولاً إلى تنصيب إسرائيل لبشير الجميل رئيساً، وذبح الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، وقبلها تل الزعتر.
كانت إسرائيل راغبة في شرق أوسط بلا أبي عمار، وكانت الأنظمة العربية تعمل على إخلاء الشرق الأوسط من أبي عمار، بالوسائل السياسية المتاحة، ومنها الاغتيال والقتل... ولكنه نجا.
حظ الصدفة وذكاؤها، لا وزن له في الجو. الطائرة التي هوت به من أعلى السماء إلى الأرض، يحكمها قانون الموت المحتم... لقد نجا. سقطت الطائرة به ولم يمت. حماه الرفاق بأجسادهم وعبقرية تطويع المستحيل. حمته النيران المشتعلة في الصحراء الليبية، بعد سقوط الطائرة، من الوحوش الكاسرة.
إنه بسبعين روحاً، وليس بسبع أرواح.
بعد الانتفاضة الأولى، إلى فلسطين عاد، يجرجر أذيال أوسلو إلى أن بلغ الانتفاضة الثانية. أسقطه كلينتون من الشراكة. تركه فريسة لشارون. عدوه «الصديق» رابين كان قد قتل. هو لم يقتل. نجا من الموت ولم ينج من الحذف. حاصره شارون في المقاطعة. فوهة مدفع الدبابة أرخت ظلها على غرفة نومه. تخلى عنه العرب، رأوه فريسة سهلة، فتحضروا للاحتفال بنهايته. قطعوا خطوط الهاتف عنه، لم يتصل به رئيس أو أمير أو ملك. كلهم أصغر منه ولكنهم باتوا أقوى منه... تحصَّن بالقلم ولم يوقع، وتخلى عن البندقية، فما عادوا بحاجة إلى توقيعه بل إلى وقوعه النهائي.
وعندما اجتمع الحكام العرب في مؤتمر القمة في بيروت، وافقوا على مبادرة سلام عربية، مكتوبة بنص أميركي، ووقعوا على منع عرفات من الكلام، ولو من داخل المقاطعة المأسورة. يومها، تم تنفيذ التصفية بأيد عربية وبحضور جامعة عربية مكتملة النصاب.
تلك كانت النهاية التي تحتاج إلى خاتمة سرية.
هل مات أم قتل؟
لا أحد يريد الجواب عن هذا السؤال. لا أحد يهتم إن كان قد مات أم قتل. فعرفات ممنوع من الحضور ولو ميتاً... والأصح، ولو مغتالاً. اغتياله يحرج الجميع. فلتكن ضالة القادة العرب: «لقد مات». ولا ضرورة لمحكمة دولية.

ذكرى رحيل عرفات
بقلم: أمجد عرار عن الخليج الاماراتية
ذات يوم شديد القسوة من أيام العدوان “الإسرائيلي” على لبنان صيف ،1982 طال القصف كل بيروت تقريباً بما في ذلك محطة الكهرباء، لتغطس العاصمة اللبنانية في الظلام . وفي أحد المباني المهدّمة، اصطدم جسدان مصادفة، ليكتشف المصطدمان أنهما ياسر عرفات وجورج حبش . قال حبش لعرفات: أترى يا أبا عمار أن خطر الموت يجرّنا إلى المكان ذاته والظلام يجمعنا تحت جحيم القصف، فرد عرفات: إنه المصير الذي يوحّدنا .
بعد قرابة عشرين عاماً على تلك الواقعة سئل أبو عمار في ظرف مختلف، وكان محاصراً في المقاطعة، إن كان بإمكانه المقارنة بين حصار بيروت وحصار رام الله على تلك الحادثة قال عرفات: إن حصار رام الله أقسى وأشد، لأن الثورة في حرب لبنان كانت ترد على العدوان وتوجع العدو، تدمّر له دبابات، وتسقط طائرات، ولخص الفرق بالقول: “كنا نُضرَب ونضرِب” .
هذا الاثنين مرت الذكرى التاسعة لاستشهاد عرفات . قبل أسبوع من الذكرى، صدر تقرير الخبراء السويسريين وأكد أن قائد فلسطين ورمزها قد اغتيل مسموماً بالبولونيوم المشع والمادة شديدة السمّية . لم يقل التقرير مَن القاتل؟ لكن الجريمة ليست فردية بالتأكيد، إذ ليس بوسع أي شخص أن يضع يده على مادة البولونيوم . إنها جريمة من ماركة “إرهاب الدولة” .
من نافل القول إن عرفات لو لم يتم اغتياله في العام ،2004 لربما مات ميتة طبيعية قبل العام الحالي أو خلاله أو بعده بقليل . لكنّ اغتياله يخفي دلالات عميقة ومتشعّبة تتجاوز شخص الشهيد إلى صفته التمثيلية والهوية النضالية للشعب الفلسطيني المرتبطة بحقيقة وجود احتلال على أرضه، احتلال ينطوي على كل ما يمت بصلة بالإجرام والإرهاب والتهديد الجذري والجدي للوجود الفلسطيني على الأرض الفلسطينية . هذا ما أراد القتلة المجرمون الوصول إليه وتحقيقه من وراء جريمة اغتيال عرفات .
رحل عرفات ورحل بعده حبش، وقبلهما أبو علي مصطفى وأبو جهاد وأبو إياد وسعد صايل وغسان كنفاني وقادة آخرون، واستشهد آلاف الفلسطينيين منذ النكبة وخلال مسيرة النضال الممتدة . ولكن رحلت معهم قيم وثوابت كثيرة وتقاليد صمدت منذ انطلاقة الثورة المعاصرة، وحصل ما خشي كثير من الفلسطينيين حصوله برحيل القادة الكبار، وهو المساس بوحدة الشعب الفلسطيني .
عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية تقاتل من الخارج، كانت فصائلها تختلف وأحياناً يكون الخلاف عميقاً وواسعاً، لكنه كان يظل تحت عباءة الحد الأدنى من الوحدة الوطنية . أما ما حصل في قطاع غزة من اقتتال وانقسام بين حركتي “فتح” و”حماس” عام ،2007 فإنه نسف مسلّمات كانت تجمع المناضلين الفلسطينيين أيا كانت فصائلهم وخلفياتهم الفكرية . حدثت مناوشات وأحياناً اشتباكات دامية، لكنّها بقيت محدودة أو حوصرت وظلّت عربة النضال الوطني الفلسطيني على سكّتها . لكن اقتتال غزة قسّم الشعب الفلسطيني وأنشأ حكومتين وواقعين .
كل عام منذ ،2007 نأمل أن تأتي ذكرى استشهاد عرفات متدفّقة بالحس العالي للمسؤولية، مفعمة بالوجدان الوحدوي ذاته الذي كان يجمع القادة الكبار وكل الفصائل . والآن تأتي الذكرى فيما تشتبك حركتا “فتح” و”حماس” كلامياً، ويوسّعان جرح الانقسام ويدفعان عربة التراجع بتسارع أكبر إلى الخلف . ومن المؤسف أن تعمد “حماس” إلى منع إحياء المناسبة في غزة، لذرائع واهية تسيئ إليها ولذكرى قائد قال فيه الحكيم: نختلف معه ولا نختلف عليه .

غضب الضفة متى ينفجر؟
بقلم: ياسر الزعاترة عن الدستور الأردنية
ثمة في الضفة الغربية أجواء تشبه إلى حد كبير، تلك التي سادت خلال الأسابيع التي سبقت انتفاضة الأقصى نهاية أيلول من العام 2000، ففي تلك الأثناء كان مشروع أوسلو قد بلغ الجدار المسدود في قمة كامب ديفيد قبل ذلك بثلاثة شهور، فيما كانت السلطة تمارس التنسيق الأمني مع العدو، وتعتقل خيرة شباب فلسطين الذين أثخنوا في العدو خلال السنوات السابقة، بمن فيهم عدد كبير ممن سيلتحقون خلال انتفاضة الأقصى بقافلة الشهداء، فيما يحصل كثير منهم على أعداد كبيرة من المؤبدات كأسرى في سجون العدو.
كان الأقصى هو عنوان الانتفاضة، وكانت قمة كامب ديفيد تفضح مطالب العدو على صعيده، ومعه المدينة المقدسة، فيما كانت الممارسات على الأرض تمعن فيهما تهويدا، وليأت شارون إلى المسجد معلنا أن هذه البقعة هي المكان الذي سيقام فيه الهيكل.
اليوم، يتكرر ذات المشهد تقريبا، فمشروع أوسلو 2 إن جاز التعبير يمضي نحو طريق مسدود، وإن أصرّ عرابه (محمود عباس) على أن ذلك لم يحدث، وأن مشروع التفاوض ماضٍ في سبيله، في ذات الوقت الذي يصرُّ على أن التنسيق الأمني مع العدو، ويفتخر بأنه (مئة في المئة) بحسب ما قال لعدد من أعضاء الكنيست الذين زاروه في مقر المقاطعة في رام الله، وهو تنسيق يمعن في شرفاء الشعب الفلسطيني اعتقالا وتعذيبا وإهانة.
فيما يتعلق بالمسجد الأقصى والقدس يبدو المشهد أكثر وضوحا لجهة الاستهداف، فهنا والآن، يمعن الصهاينة في تسريع عملية التهويد، ويشرعون في عملية التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وسط عمليات اقتحام متوالية من قبل المستوطنين والمتطرفين، بحضور لافت من قبل أعضاء كبار في الكنيست، وفي ظل حماية الجيش والأمن.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يتجاوزه إلى تأكيد تلو تأكيد من طرف نتنياهو على أن القدس ستبقى العاصمة الموحدة للشعب اليهودي ما دام هو في الحكم، وفي ظل إجماع على أن مسألة القدس والهيكل غير قابلة للمساومة بالنسبة لجميع الفرقاء السياسيين في الساحة الإسرائيلية.
هنا والآن، لا يحتاج الشعب الفلسطيني إلى كثير ذكاء لكي يدرك أن مآل مشروع التفاوض الجديد الذي يقوده محمود عباس لا يمكن أن يعود عليه بأكثر مما عاد بعد رحلة أوسلو الأولى (ليبرمان يعود إليهم وزيرا للخارجية!!)، بل إن كافة المؤشرات تؤكد أن عرابيه لن يحصلوا على العرض القديم، بقدر ما سيضطرون إلى القبول بالحل المؤقت ممثلا في الدولة المؤقتة في حدود الجدار، والتي ستغدو في حالة نزاع (مجرد نزاع حدودي) مع جارتها، لاسيما حين تحصل على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
في هذه الأثناء، تظهر ملامح الغضب الفلسطيني تباعا، ليس من خلال بعض المسيرات المحدودة التي رفضت العودة إلى المفاوضات دون تلبية شرط وقف الاستيطان، وقمعتها شرطة أوسلو، ولكن من خلال فعاليات كثيرة، بخاصة في الجامعات التي تشكل حاضنة الثورة في المجتمع الفلسطيني. فعاليات تنتصر للقدس والأقصى وتطالب بوقف المفاوضات العبثية. ورأينا ائتلافا يتشكل تحت مسمى شباب الانتفاضة (فلسطين)، أقام فعاليات في 27/9، وفي ذكرى وعد بلفور، ووعد بفعاليات أخرى.
ولا يتوقف الأمر عند ذلك، بل يتجاوزه إلى عشرات العمليات التي أجضهت، فيما نجحت بعض العمليات في قتل جنود ومستوطنين، مع محاولات أخرى لم تنجح، وكذلك عدد كبير من محاولات اختطاف الجنود لمبادلتهم بالأسرى في سجون الاحتلال أحبطها التنسيق الأمني والقدرات الأمنية للكيان الصهيوني الأمر الذي تزامن مع عدد من الاغتيالات لناشطين يطاردهم الاحتلال. كما كانت هناك محاولة ناشطين من القسام لإطلاق طائرة مفخخة من الخليل نحو هدف صهيوني جرى إحباطها من قبل أمن السلطة.
وفي حين كانت محاولات تطبيع العقل الفلسطيني على تمرير هذه المسيرة البائسة من خلال السلطة والتنسيق الأمني، وعمليات التشويه لقوى المقاومة، وإشغال الناس بالعيش والاستثمار، فإن الشعب الفلسطيني لن يركن طويلا لهذه المعادلة البائسة، وليس بعيدا عليه، وهو الذي علّم الأمة ثقافة المقاومة والاستشهاد أن ينتفض في أية لحظة مقبلة معلنا التمرد على هذا الاستحقاق الخطير الذي ينتظر القضية ويهددها بالتصفية وسط احتفالات تحاول تمريره على أنه التحرير وبناء الدولة.
ولا شك أن التعويل الأكبر على بعض الصحوة في أوساط حركة فتح التي جرى اختطافها من قبل هذه المجموعة التي انقلبت على ياسر عرفات ومهَّدت لاغتياله (وتغيّب الآن قضيته)، وأدانت انتفاضة الأقصى باعتبارها عبثا وتضييعا للإنجازات، وهي صحوة ربما تأتي نتاج انتفاضة شعبية يفجرها الشعب، وتلتحق بها كافة الفصائل، لاسيما تلك التي تعمل على تهيئة الأجواء لاندلاعها رغم ما تعانيه من قمع على يد الاحتلال والسلطة التابعة.
انتفاضة فلسطين المقبلة لن تكون إنقاذا لقضية فلسطين من خطر التصفية وحسب، لكنها ستعيد توجيه بوصلة الأمة نحو فلسطين، وتعيد الأمل من جديد لمسيرة الربيع العربي التي تعثرت بسبب تآمر قوى الثورة المضادة التي ستؤيد أية تسوية مشوّهة في فلسطين، والتي لا شك أن سلطة رام الله تنتمي إليها.
لقد عودنا شعب فلسطين على اجتراج المعجزات، وليس غريبا عليه أن ينتفض من أجل قدسه وأقصاه، وضد لعبة التفريط التي تجري أمام عينيه، والتي تريد مقايضة وطنه وكرامته بالرواتب والمساعدات والاستثمارات. ولو أعلنت حماس وقوى المقاومة قلب الطاولة وإعلان تحالف ضد المفاوضات والتفريط وتأكيدا على خيار المقاومة، بدل الحديث عن مصالحة على قاعدة انتخابات سلطة أوسلو، لسرّعت في تفجير الانتفاضة الموعودة.

ما وراء الأخبار.. عجلة الاستيطان أسرع
بقلم: شارل كاملة عن تشرين السورية
مهما تعددت مشارب المراقب شرقاً وغرباً لا بد من لحظة عودة إلى أصل الصراع في المنطقة لأنها ـ كما يبدو ـ مرتكز لعبة مصالح كبرى وصراع دبلوماسية عالية المستوى لا تخلو من بعض تفاهمات!
الصراع العربي ـ الإسرائيلي.. وتحصيل حاصل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي... وصراع المفاوضات بعد صراع الحروب..! والعكس مطروح ويتم تبادله وتداوله.. والاحتلال قائم..!
ليس مفاجئاً القول: الفشل الذي منيت به المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية كان أمراً محتماً والأسباب كثيرة ويتقدمها على الإطلاق تناسي أصل الصراع من كيان صنيع, لعبة مصالح كبرى, محتل, إلى لعبة صراع على خطوط وحدود وما بينهما.. وما بينها يستميت الكيان الصهيوني لجعل عجلة الاستيطان أسرع بأضعاف مضاعفة من عجلة التفاوض, ويطرح على كياناته الاستيطانية مشروعه الأساس من أنه لا جدوى من المطارحات السياسية والتفاوضية في سياق ينتمي جملة وتفصيلاً إلى الميثولوجيا.. والقاعدة الأساس ما كتبه الحاخام تسيني يهودا كوك: «للرب سياسته وتدار على هذه الأرض كما يريد واحتلال فلسطين واستيطانها جزء من اقتراب ساعة الخلاص, وهذا هو قرار الرب الذي لا تستطيع أي قوة أرضية مواجهته.. ولا أي سلطة إسرائيلية تجاوزه»!.. وبالمطلق هذا هو الواقع... ويكرس يومياً... فهل يستمع الفلسطيني ويعتبر؟!
ليس ما تفعله «إسرائيل» على الأرض وحده يؤكد عداءها لفكرة السلام قبل عمليتها.. وليس ما تفرضه من وقائع على الأرض وعلى المفاوضات وحده ما يشكل تأكيداً لبرنامجها الزاحف.. بل هناك ما يصدر عن حكامها من تصريحات مطابقة جملة وتفصيلاً لما كتبه يهودا كوك من منطلق أن «واجب اليهود المقدس هو تنفيذ الأوامر الإلهية في استيطان أرض فلسطين».
هذه هي الرؤية الصهيونية لفلسطين.. واضحة وجلية.. واللبس الوحيد أن المفاوض الفلسطيني لا يزال ينطلق من أوهام من أنه يستطيع بانحيازه لخيار السلام اختراق معادلة الميثولوجيا تلك رغم تجربته مدة ما يفوق على العشرين عاماً.. وفيها كان العدو يراوغ ويخادع مدعياً رغبته بالتسوية بينما يعمل عكس ذلك, ما يجعل المفاوض الفلسطيني في حالة إرباك خصوصاً أنه الطرف الأضعف أو بالأحرى الذي أضعف نفسه تحت ضغط أمريكي وقبول عربي ومن دون مظلة أو دعم وانقسام فلسطيني حاد. فكان المضي في مفاوضات كهذه يعني قبولاً بتهويد الأرض وتزوير التاريخ واستسلاماً للمشروع الاستيطاني.. فلا غرابة في ألا تترك «إسرائيل» وسيلة لتدمير المفاوضات ولاسيما من خلال تصعيد عمليات الاستيطان التي تتضاعف مع كل مرحلة مفاوضات.. الغرابة وكل الغرابة أن يبقى المفاوض الفلسطيني يتفاوض وهو يعرف أن كل جلسة على طاولة التفاوض تعني استباحة أرض جديدة وتسليماً بالشروط الإسرائيلية.. أي الإذعان الكامل والاستسلام؟! لقد قال أحدهم: العدو يقدم لنا خدمة كبيرة لتحديد مواقفنا وخياراتنا.. فلماذا الإصرار على التيه؟.


بقلم: عن استقالة صائب عريقات
علي بدوان عن الوطن القطرية
أخيراً، جاءت استقالة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات من موقعه كرئيس للجانب الفلسطيني المعني بالعملية التفاوضية مع الطرف «الإسرائيلي» بعد الانهيار المتتالي والمريع للعملية السياسية حتى بعد انطلاقتها الجديدة نهاية يوليو الماضي 2013 .
الاستقالة وفي أسبابها المباشرة جاءت بعد المراوحة بالمكان لثماني جلسات تفاوضية عقدت مع الجانب «الإسرائيلي» منذ نهاية يوليو الماضي 2013 كما جاءت في أسبابها غير المباشرة كشكلٍ من أشكال النقد الذاتي الذي أراد أن يتوقف عنده صائب عريقات بعد التسريبات الواسعة لمجموعة كبيرة من الوثائق والتي تمت من مكتبه لقناة الجزيرة الفضائية القطرية وهو ما أعلنه وبشكل صريح في تصريحات له نُشرت فور اعلانه تقديم استقالته للرئيس محمود عباس.
الاستقالة، وكما هو متوقع، رُفِضَت على الفور من قبل الرئيس محمود عباس، فيما أكدت مصادر فلسطينية أن الرئيس عباس شرع باتخاذ اجراءات لاعادة هيكلة دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية وتنظيم مسؤوليتها في ضوء المستجدات الحاصلة على الساحة الفلسطينية وتَعَثُر محادثات «التسوية مع إسرائيل» منذ شهور.
وبصرف النظر عن قبول الاستقالة واستمرار مفعولها من عدمه، فإنها صرخة كبيرة في وجه من أصاب الصمم حاسة السمع لديهم، وصفعة لتيار «المفاوضات وحدها» الذين مازالوا يراهنون على مسار عملية سياسية تسووية غير متوزانة على الاطلاق، ومازالوا يأملون بدور أميركي محايد في مسار عملية الصراع السياسي التفاوضي بين الطرفين الفلسطيني الرسمي و «الإسرائيلي» فيما الطرف الفلسطيني فاقداً لأوراق الحضور والتأثير مع استدامة حال الانقسام الداخلي وضعف الحالة العربية عامة في ظل مايجري في المنطقة وعلى صعيد أكثر من بلد عربي.
وعليه فإن استقالة صائب عريقات الملقب بـ «كبير المفاوضين» من الطرف الفلسطيني، تَحمِلُ بين طياتها الكثير من المعاني والدلالات، وتؤشر على المنحى الخطير الذي باتت تسير عليه سكة المفاوضات بعد استفحال المواقف «الإسرائيلية» لجهة الاستمرار في الاعلان عن عطاءات جديدة للاستيطان والتهويد في مناطق القدس وبعض مناطق الضفة الغربية، محاولة مقايضة ما تم بعد اطلاق دفعة ثانية محدودة العدد من الأسرى بإطلاق المزيد من المشاريع التهويدية.
الحصاد الصفري
ان ماتحقق من انجاز خلال ثلاثة شهور من العودة لطاولة المفاوضات كان حصاداً صفرياً، لايتعدى سوى المشاغلة السياسية وتعبئة الفراغ بالحديث عن وجود عملية سياسية تفاوضية متواصلة بالمنطقة، وهو مايخفف من حدة امكانية حصار السياسات الصهيونية أمام العالم والمجتمع الدولي. أما الانجاز الآخر فقد تمثل بمقايضة جديدة اصطنعتها حكومة نتانياهو، التي اطلقت دفعة أولى من أسرى مافبل أوسلو الـ (104) بدفعة أولى كان عددها (84) أسيراً، وبدفعة ثانية بلغت (32) أسيراً قضى كل منهم أكثر من (20) عاماً في سجون الاحتلال، وكل ذلك مقابل الصمت الأميركي عن عروض استيطانية جديدة في منطق القدس تقفز حتى عن التفاهمات الأميركية «الإسرائيلية» بهذا الصدد. فنتانياهو أعلن مؤخراً عن بناء (1700) وحدة استيطانية جديدة، مع (1500) وحدة في مستوطنة (حي شلومو) المقام على أراضي القدس الشرقية، و (200) وحدة اضافية في مستعمرات مقامة في مناطق من الضفة الغربية. فالدولة الصهيونية تواصل سياساتها الممنهجة فبينما تدعي أنها تقدم تسهيلات للتقدم في المفاوضات، ومن بينها الافراج عن أسرى ما قبل اتفاق أوسلو، تعلن عن بناء وحدات استيطانية جديدة بالتزامن مع كل مرحلة من مراحل اطلاق سراح هؤلاء، ومن خلال عملية حسابية بسيطة، يظهر أن «إسرائيل» تريد مقابل كل أسير تفرج عنه بناء (65) وحدة استيطانية جديدة في منطقة القدس، على محيطها، وداخل أحيائها العربية الاسلامية والمسيحية على حد سواء.
وزادت حكومة نتانياهو على ذلك وفي اطار محاولات ارضاء اليمين المتشدد، بدفع اللجنة الوزارية لشؤون التشريع التابعة للكنيست (البرلمان) الى تقييد حرية عمل الحكومة في كل ما يتعلق بالقدس، حيث قررت اللجنة تأييد قانون تحصين القدس، والذي يشترط على الحكومة ألا تتفاوض مع أحد بشأن تقسيم القدس أو تسليم أجزاء منها قبل أن تنال غالبية خاصة من الكنيست تحوي (80) عضو كنيست. وبديهي أن هذا القانون اذا أُقر سيمنع الحكومة فعلياً من اجراء أي مفاوضات بشأن مدينة القدس مع الفلسطينيين. ويقضي هذا القانون، بشكل حازم، على أي فرصة للتسوية أو للتفاوض بشأنها خصوصاً لأن القدس واحدة من ثلاث قضايا جوهرية في الحل النهائي وهي القدس والحدود واللاجئون وحقهم بالعودة.
من جانبه يحاول بنيامين نتانياهو رئيس الوزراء «الإسرائيلي» تبرير تمسكه بمسألة مواصلة عمليات التهويد والاستيطان في مناطق الضفة الغربية، ومناطق القدس في سياق سعيه للمحافظة على ائتلافه الحكومي، وحمايته من التصدع والانشقاق وبالتالي انفراط عقد حكومته وهو تبرير غير منطقي وغير مقبول تأخذ به الادارة الأميركية وتروج له، في محاولة للهروب هذه المرة من مطالب العالم بأسره وصرخاته المنادية بوقف عمليات الاستيطان، انطلاقاً من الاتكاء على معادلة التوازن الداخلي في ائتلافه الحكومي.
ان فجاجة تلك المواقف «الإسرائيلية» المتبوعة بالتنظير لسياسة القوة والغطرسة تُعتبر من الأسباب الرئيسية لانهيار عملية التسوية (اللامتوازنة) . فنتانياهو يمسك بيده زمام السلطة في الدولة العبرية بتأييد من مركز الحلبة السياسية، ويقف معه العديد من أحزاب مايسمى «اليسار الصهيوني» من خارج الائتلاف الحكومي، وهي أحزاب متناثرة تقبع في موقع الجاهزية لمساعدة نتانياهو في مواقفه الأخيرة بصدد مواضيع الاستيطان. فضلاً عن تبني الشعار الذي كان يستخدمه رئيس الوزراء الأسبق والقيادي التاريخي في حزب العمل الجنرال اسحاق رابين، والذي يدعو الى ادارة المفاوضات ومواصلة الاستيطان معاً من جانب. ومواصلة المفاوضات كأنه لا يوجد «ارهاب» على حد قوله، ومحاربة «الارهاب» كأنه لا توجد مفاوضات على حد قوله أيضاً.
وفي هذا السياق، لايستبعد أن تعود النغمة «الإسرائيلية» من جديد عبر اطلاق مقولة «فقدان الشريك الفلسطيني»، والتي انتهت في حينها بمظاهرات في تل أبيب دعت فيها للتخلص من الرئيس الراحل ياسر عرفات وهو ماكان على أرض الواقع.
أخيراً، ان استقالة صائب عريقات، وبعيداً عن شخصنة الأمور، خطوة باتجاه اعادة النظر بمسار العملية السياسية. فهذا الوضع يَفرض على الفلسطينيين وقواهم السياسية مجتمعة وقف المشاركة في العملية التفاوضية المختلة والانسحاب منها، والسير باتجاه إحداث تغيير جوهري يتطلب تغييراً في موازين القوى، كما يتطلب استعدادات أكثر جدية على كل المستويات، وان كان طريق هذا التغيير معقداً ومحاطاً بتأثيرات وضع اقليمي ودولي متحرك، ويصطدم بتعقيدات واقع الانقسام الفلسطيني الداخلي المدمر، مع واقع ضغوط اقتصادية ومعيشية غير مسبوقة يعيشها الشعب الفلسطيني في عموم الأرض المحتلة عام 1967 .

تجليات عودة الدولة الأمنية
بقلم: فهمي هويدي عن الشروق المصرية
يخيفنا أمران فى الوقت الراهن. أن تندفع مصر باتجاه استعادة الدولة الأمنية والبوليسية. وأن تحتفى بذلك هيستيريا جماهيرية غير مكترثة بمآلات ذلك المنزلق الخطير.
(1)
فى صحيفة الصباح أن 575 ضابطا من عناصر جهاز أمن الدولة الذين حملوا نظام مبارك وتم إقصاؤهم بعد الثورة أعيدوا إلى الخدمة مرة ثانية. فى اليوم التالى قرأت أن شابا من سوهاج اسمه علاء الهوارى اشترك فى مظاهرة احتجاجية على نقص أنابيب البوتاجاز فألقى القبض عليه وأودع أحد معسكرات الأمن المركزى. أنكرت على نفسى أن أعتبره خبرا عاديا. بعدما قرأت فى تقرير حقوقى أن 12 ألف مواطن ـ أغلبهم من الشباب الفقراء ـ صدرت ضدهم أحكام بالسجن فى محاكمات عسكرية. ولم أصدق عيناى حين قرأت أن أربع فتيات فى الاسماعيلية ألقى القبض عليهن لأنهم رفعن فى أحد الشوارع «بالونات» حملت إشارة رابعة. واستغربت أن يلقى القبض على 21 فتاة أغلبهن من طالبات الثانوى نظمن مسيرة سلمية احتجاجية على كورنيش الاسكندرية، فألقى القبض عليهن. وبكل فظاظة أصدر وكيل النيابة أمرا بحبسهن مدة 15 يوما، وتم ترحيلهن إلى سجن دمنهور. ولما حدثت غيرى بما استهجنته ذكَّرنى بأن 76 سيدة وفتاة أخريات تحت الحبس الآن، وأن هناك 120 من القصر تم اعتقالهم أيضا. ضمن الـ13 ألفا من المنسوبين إلى الإخوان الذين تم توزيعهم على مختلف المعتقلات المصرية.
وتزامنا مع إيقاف برنامج باسم يوسف الساخر الذى لم تحتمله أجواء الدولة الأمنية والهيستيريا الجماهيرية، ومع معاقبة بطل الكونغ فو العالمى وحرمانه من تمثيل مصر لأنه رفع إشارة رابعة، والتحقيق مع لاعب النادى الأهلى الذى ارتكب «الجرم المعهود»، لاحظت أن بعض الخطابات التى أتلقاها فى الآونة الأخيرة تصلنى بغير توقيع. وفى واحد منها اعتذر صاحب الخطاب ـ الذى قدم نفسه باعتباره مهندسا استشاريا ـ قائلا إنه تعمد ذلك خشية أن يقع فى أيدى الأجهزة الأمنية. واستوقفنى حين استقبلت فى منزلى أستاذة جامعية محترمة، إنها لم تتحدث فى اللقاء إلا بعد أن أغلقت هاتفها النقال واستخرجت الشريحة منه، واعتبرت ذلك احتياطا مرغوبا فى ظل الأجواء الراهنة.
لا أعرف حجم الحقيقة أو المبالغة والوهم فى بعض ما ذكرت، لكنى أجد فيه أصداء للشعور بالخوف والتوجس. وذلك أمر غير معهود بعد ثورة 25 يناير، التى اعتبرنا أنها أطلقت سراح شعب ظل يعانى من القهر المقترن بالفساد لعدة عقود، حتى أننا بعد الثورة مارسنا فى التعبير والتظاهر حرية بلا سقف (انطلاق برنامج باسم يوسف رمز لتلك المرحلة).
(2)
لا أخفى أن الخوف تسرب إلىّ حين أطلعت أخيرا على مشروع قانون الإرهاب الجديد الذى أعدته وزارة الداخلية. ولم أكن وحدى فى ذلك، لأننى وجدت أن 22 منظمة حقوقية أجمعت على رفض المشروع واستهجانه، ولم يكن بينها المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى عينته الحكومة. واتفقت مع البيان الذى أصدرته تلك المنظمات على أن من أبرز عيوب المشروع ما يلى:
إن مصطلحاته فضفاضة وغير منضبطة، بحيث يمكن أن تنطبق على ما لا حصر له من الأفعال المشروعة. فهو يتحدث فى تعريف الإرهاب عن «الإخلال الجسيم بالنظام العام» و«تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر» و«إعاقة السلطات عن ممارسة بعض أوجه نشاطها» و«تعريض حياة المواطنين أو حقوقهم وحرياتهم للخطر» و«منع مؤسسات التعليم من ممارسة عملها». واعتبر المشروع أن العمل الإرهابى هو «كل سلوك من شأنه الإضرار بالاتصالات أو بالنظم المعلوماتية أو النظم المالية أو الاقتصاد الوطنى». وهو ما فهم منه أن المقصود به فى حقيقة الأمر تقييد حركة الجماعات السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدنى، وليس مكافحة الإرهاب.
تعمد المشروع التوسع فى الجرائم والأفعال المدرجة باعتبارها أعمالا إرهابية، بما أعطى انطباعا بأنه استهدف التنكيل بالمعارضة السياسية السلمية وأغلب المنظمات الحقوقية فالمادة 13 من المشروع تعاقب السجن المشدد «كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار جمعية أو هيئة أو منظمة أو تولى موقعا قياديا فيها، يكون الغرض منها الدعوة بأى وسيلة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو الإضرار بالوحدة الوطنية». وهو ما يخضع دعاة الإصلاح الدستورى أو القانونى لاحتمال الاتهام بالإرهاب. كما أنه يسمح بتوجيه الاتهام ذاته إلى الرافضين للتمييز الدينى والمدافعين السلميين عن حقوق الأقليات.
من الغرائب أن المشروع فى مادته الخامسة ساوى بين الشروع فى الجريمة الإرهابية وبين تنفيذها بالفعل حتى إذا لم يتم التنفيذ وأخضع الاثنين إلى عقوبة واحدة. الأمر الذى يثير سؤالا عبثيا يتمثل فى حالة الشخص الذى يتفق مع آخر على ارتكاب جريمة إرهابية ويعد العدة لذلك ثم يعدل عن الاتفاق. وبمقتضى القانون الجديد فإن مجرد الاتفاق يعنى أن الجريمة تمت، الأمر الذى يثير سؤالا حول ما إذا يتعين فى هذه الحالة أن توقع عقوبة الفعل على الشخص رغم عدوله عن الجريمة!
من قبيل الإخلال الفادح بمعايير المساواة أمام القانون فإن المشروع استحدث فى المادة 40 نيابة مخصصة لمكافحة الإرهاب، مع تخصيص دوائر بعينها للنظر فى قضايا الإرهاب. وهو ما من شأنه تدخل السلطة التنفيذية ممثلة فى وزارة العدل فى تسيير شئون العدالة ويزيد من الشك فى حياد القضاة والمحققين. ذلك أنه إزاء العبارات الفضفاضة التى حددت الأفعال والجرائم الإرهابية، فإن التضارب يصبح واردا فى تقديرات سلطات التحقيق والقضاة، الأمر الذى يخل بضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة.
(3)
لو أننا بصدد قانون معيب لابتلعناه على مضض ولناضلنا من أجل سحبه وتعديله. وربما صبرنا عليه لبعض الوقت وقلنا إنها حكومة وغلطت، إلا أن الأمر أكبر من ذلك بكثير. ذلك أننا بإزاء حزمة قوانين استقوت بها السلطة علينا، وداهمتنا بها خلال الأشهر الأربعة الماضية، الأمر الذى يدعونا إلى استبعاد الخطأ فى التقدير من جانب الحكومة، ويدفعنا إلى إساءة الظن بها. بحيث يقنعنا بأننا بإزاء سياسة وحقبة جديدتين. وذلك مصدر الخوف الأول الذى يتعين علينا أن نستشعره. وإذا أردنا أن نكون أكثر صراحة ودقة فلعلنا نقول انه يبعث على الخوف على ثورة يناير ذاتها التى دفع الشعب المصرى ثمنا باهظا لها. وكتب شهادة ميلادها ووثيقة إشهارها بدماء أبنائه.
هذا الكلام ليس من عندى، ولكنه خلاصة لما انتهت إليه الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وهى التى أصدرت فى 27 أكتوبر الماضى تقريرا تفصيليا تحت عنوان: العدالة فى 100 يوم من حكم الرئيس القاضى ـ قوانين جائرة وكيل بمكيالين. ومما ذكره التقرير أن تلك الفترة شهدت العديد من مشاريع القوانين التى تهدر الحريات، والعديد من القرارات التى تعصف بأسس المحاكمات العادلة، كما شهدت ممارسات بوليسية شبه يومية تذكر بماضٍ بغيض.
فى شأن التشريعات الجائرة والقرارات المعادية للحريات خص التقرير بالذكر ما يلى:
تمديد فترة الحبس الاحتياطى، بحيث عدل نص قانون الإجراءات الجنائية الذى كان يقضى بألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطى فى مرحلة النقض للمحكوم عليهم بالإعدام أو بالسجن المؤيد مدة سنتين (وهو النص الذى استفاد منه الرئيس الأسبق حسنى مبارك)، وقد أجاز التعديل للقضاء أن يأمر بحبس أى متهم احتياطيا لمدة 45 يوما قابلة للتجديد.. ومقتضى ذلك أن يتحول الحبس الاحتياطى إلى سلاح يعرض أى متهم للسجن لفترات طويلة دون أن تثبت إدانته أو تورطه فى الجرم الذى يحاسب بسببه.
قانون مكافحة الإرهاب الذى سبقت الإشارة إليه، وقد اعتبره التقرير «ردة غير مسبوقة على مكتسبات الثورة المصرية»، توضح نية الدولة الجديدة تكميم الأفواه، واستخدام «الإرهاب» كغطاء ومبرر لإعادة الدولة البوليسية.
قانون منع التظاهر الذى نص على كفالة حق التظاهر السلمى، «إلا أنه وضع العديد من القيود والضوابط التي تفرض ذلك الحق، خلافا للمعايير الدولية المستقرة التى تحميه». ذلك أن منح قوات الأمن حق فض التظاهرات السلمية والقبض على المتظاهرين. وأتاح لها استخدام الشدة فى عملية الفض. وأعطى للداخلية حق رفض التظاهرات السلمية. وفى حالة القبول فلها تحديد مواعيد زمنية لبدء وانتهاء المظاهرة، الأمر الذى ينذر بمنع جميع المظاهرات.. الخ.
قانون الطوارئ الذى جرى تمديده لمدة شهرين بعد محاولة اغتيال وزير الداخلية الحالى. وهذا المد تنتهى مدته هذا الأسبوع (فى 14/11)، وكان ولايزال ضمن أدوات الحل الأمنى للأزمات السياسية، التى لم تفلح فى القضاء على الإرهاب مدة أكثر من ثلاثين عاما.
قرار الضبطية القضائية لعدد من العاملين بالمؤسسات الحكومية، وهو سلاح خطير يهدف إلى تكميم أفواه العاملين والتضييق على حقهم فى المشاركة السياسية، فضلا عن أنه يفتح الباب للالتفاف على قرار القضاء بمنع تواجد الشرطة داخل الجامعات.
قرار عقد المحاكمات وإجراء التحقيقات داخل السجون، الذى يعد اعتداء صارخا على استقلال القضاء وعلى حقوق المتهمين، لأن من شأن ذلك اتخاذ تلك الإجراءات داخل أحد مقرات وزارة الداخلية التى هى الطرف الأساسى فى القضايا السياسية المنظورة.
قانون حماية الرموز الوطنية، الذى فهم أن المقصود به اتخاذ موقف إزاء الرافضين لتحية العلم، إلا أن البعض أراد به تحصين كبار المسئولين فى مواجهة النقد.
مشروع قانون تجريم الكتابة على الجدران لوقف الحملات الاحتجاجية عن طريق الرسم أو العبارات المكتوبة، بحيث يعاقب الفعال بالحبس 4 سنوات أو الغرامة التى تصل إلى 100 ألف جنيه. ولكن الضجة التى أثيرت حوله دعت وزير التنمية الإدارية إلى التراجع عن فكرة استصدار قانون خاص لهذا الغرض واتجاهه إلى تضمين العقوبة وتغليظها فى قانون البيئة.
(4)
الملاحظة الأساسية على كل تلك القوانين والقرارات أنها تصب فى وعاء استقواء السلطة، من خلال تقييد الحريات العامة وتمكينها من تشديد قبضتها على المجتمع ومن حصار الناشطين وقمعهم. الأمر الذى ينبهنا إلى أننا نجد فيها أصداء لنظام مبارك ووزير داخليته وحبيب العادلى بأكثر مما فيها من استحقاقات ثورة 25 يناير. حتى أكاد ألمح فيها إرهاصات زحف الثورة المضادة التى أصبح بعض رموزها يطلون علينا من منابر عدة هذه الأيام. وهو ظن أتمنى أن تثبت الأيام خطأه. وما لم يحدث ذلك، فإن خوفنا على الحاضر والمستقبل سيظل مشروعا واستنفارنا لأجل الدفاع عن حلمنا المهدد سيظل مطلوبا، حتى أزعم أنه واجب الوقت بامتياز.
هذا عن كابوس الدولة الأمنية الذى بات يلوح فى فضائنا. ولعلك تذكر اننى قلت فى الأسطر الأولى أنه أحد همَّين يدعواننا إلى الخوف والقلق. بقى الهم الثانى المتمثل فى الهيستيريا الجماهيرية التى تهلل للحاصل وتحتفى به. وهو ما يستحق منا وقفة خاصة فى الأسبوع القادم بإذن الله.