تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 552



Haneen
2013-12-08, 02:05 PM
اقلام عربي 552
20/11/2013

في هذا الملــــف:
ترجمة إدانة الاستيطان إلى إجراءات فاعلة
رأي الدستور
آخر من يدرون!!
ج الدستور خيري منصور
مطالب نتنياهو!
ج الراي / طارق مصاروة
نواب أردنيون: انفصام في الشخصية والسلوك
ج يلاف / د أحمد أبو مطر
شروط الحوار الاستراتيجي بين مصر وأمريكا
ج الخليج / عاطف الغمري
مواقف هولاند في إسرائيل ورام الله
ج الحياة اللندنية / رندة تقي الدين
الإنسان الأبهى من الكنائس والمساجد
ج النهار / الاب جورج مسوح
استهداف "أصدقاء أميركا" الجدد
ج النهار / عبد الوهاب بدرخان
هل تتحول بيروت إلى بغداد أخرى؟
ج الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
عقبات أمام تمدد الروس
ج الخليج / عبد الحسين شعبان
عودة الدب الروسي!
ج الشرق الاوسط / عبد المنعم سعيد
فخ الغرب: شكل الاستبداد وليس مضمون الديمقراطية
ج ايلاف / د عصام عبدالله















ترجمة إدانة الاستيطان إلى إجراءات فاعلة
رأي الدستور
سارعت العديد من الدول في الآونة الاخيرة ، وخاصة فرنسا واميركا الى إدانة الاستيطان، باعتباره عملا غير شرعي، بعدما استقال كبير المفاوضين الفلسطينيين د. صائب عريقات احتجاجا على استمرار هذا العدوان ورفض العدوان الصهيوني الامتثال لقرارات الشرعية الدولية.
وفي تقديرنا فان هذه الادانة رغم اهميتها .. وهي ليست بجديدة على كل حال، الا انها لا تكفي ، وتبقى مجرد كلام انشائي يستدعي اتخاذ اجراءات عملية فاعلة تسهم في ردع العدو ووقف اطماعه التوسعية غير الشرعية تحت طائلة العقوبات الدولية.
وبشيء من التفصيل.. فلقد صدر عن الامم المتحدة ومجلس الامن العديد من القرارات التي تندد بالاستيطان، بصفته انتهاكا للقانون الدولي، وتطالب اسرائيل بالتوقف عن هذا النهج العدواني ، ولقد تكررت البيانات التي تندد بهذا الفعل الاجرامي وعلى مدى اكثر من ستة عقود وكانت النتيجة هي ما جرى ويجري على الارض الفلسطينية... اذا استمر الاستيطان وفق نهج مرسوم ولم يتوقف حتى الان، حيث ابتلع اكثر من 65% من اراضي الضفة الغربية و86% من اراضي القدس المحتلة، وحوّل ما تبقى الى جزر معزولة يصعب معها اقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا.
ومن ناحية اخرى فان هذه التنديدات والتي غابت طويلا عن الساحة السياسية الدولية جاءت بعد استقالة لجنة المفاوضات الفلسطينية احتجاجا على استمرار هذا العبث ما يؤكد ان هذه الدول تقصد من بياناتها الاستنكارية هذه ارضاء السلطة الفلسطينية، واقناعها لا بل الضغط عليها بالعودة ثانية الى المفاوضات، وهذا ما تم بالفعل.. اذ اعلن الرئيس الفلسطيني ان السلطة ماضية في المفاوضات حتى تستنفذ المدة المحددة لها وهي تسعة اشهر بغض النظر عما يحدث في الارض الفلسطينية..!!
ومن هنا فليس سرا ان التواطؤ الغربي والدعم الاميركي اللامحدود هما السبب وراء رفض العدو الصهيوني وقف الاستيطان والامتثال لشروط واشتراطات العملية السلمية، واصراره على المضي في تنفيذ خططه ومخططاته التوسعية التهويدية على مسمع ومرأى من العالم كله، منتهكا القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة، بعد ان اطمأن ان “الفيتو” الاميركي يحميه من العقوبات الدولية.
التنديد الاميركي- الفرنسي على لسان كبار المسؤولين في البلدين كلام انشائي غامض يفتقد الى وسائل التنفيذ ويجبن عن تسمية الاشياء باسمائها.
فلو كانت هذه الدول جادة حقا في إدانة الاستيطان، لقامت على الفور بدعوة مجلس الامن الى الانعقاد واتخاذ قرارات جريئة تدعو اسرائيل الى تفكيك كافة المستوطنات المقامة في الضفة الغربية المحتلة باعتبارها غير شرعية والتوقف عن كافة الاجراءات الاحادية وبخاصة جرائم استباحة المسجد الاقصى والتطهير العرقي المتمثلة بهدم منازل العرب والمبان الوقفية المقامة حول الحرم، وتجريف المقابر، ولما تجرأت على تغيير اسماء وشوارع القدس العربية ومعالمها الجغرافية واطلاق اسماء عبرية عليها.
مجمل القول: التنديد بالاستيطان يستدعي اتخاذ اجراءات عملية فاعلة تجبر العدو الصهيوني على وقف هذه العدوان، وتفكيك المستوطنات القائمة باعتبارها غير شرعية والتوقف عن تهويد القدس واستباحة الاقصى واجباره على الانسحاب من الارض الفلسطينية المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية وفقا للقرارات الدولية وسوى ذلك يبقى مجرد كلام لامتصاص غضب السلطة الفلسطينية.
آخر من يدرون!!
ج الدستور خيري منصور
ستظل محاولة بائسة بقدر ما هي يائسة تلك التي تستهدف اقناع انسان عاش ومات في قرية نائية ولم يرَ من الماء غير غدير او بئر ان هناك محيطا اسمه بحر الظلمات او الاطلسي، وان باخرة بحجم مدينة غرقت فيه وان عالمه الداخلي يعج بكائنات بعضها لا يتسع له غدير القرية او بئرها.
هذه مجرد مقاربة اخرى للتعبير عن بشر هم آخر من يعلمون، فهم يجهلون انفسهم اكثر من جهلهم بالاخرين لهذا يظنون بانهم محور الكون وان الشمس تشرق لاجلهم فقط.
ان اكبر محنة في تاريخ البشر منذ الكهف هي سوء التفاهم بين من يدري ومن لا يدري، رغم ان المصيبة في النهاية موزعة بين الاثنين، ما دامت الحصيلة هي الموت الذي قد تتعدد اسبابه لكن المصير واحد!
نقرأ في هذا العصر عمن احرقتهم محاكم التفتيش ومن صلبوا او اقتلعوا من جذورهم ونظن ان تلك الدراما الانسانية تنتمي الى الماضي البعيد، ونتناسى ان لكل زمان دولته ورجاله ونساؤه ايضا اضافة الى محاكم تفتيشه، فما جرى قبل خمسة قرون تكرر قبل خمسة اعوام في اكثر من عاصمة عربية، لان هناك من المفكرين من حكم عليه بالنفي او الاغتيال او المطالبة بطلاق زوجته لانه مارق ولم يعد فردا مرغوبا به في القطيع.
وحين قال يوسف ادريس ان الحرية المتاحة في العالم العربي لا تكفي كاتبا حرا و احدا، كان متفائلا، فالحرية التي تحدث عنها لا تكفي مقالة واحدة ولو شئت الحقيقة لما ترددت في القول انها لا تكفي جملة مفيدة واحدة.
وما يقال عن العقد الاجتماعي او اية صيغة للتعايش منذ الماغناكرتا البريطانية مرورا بجان جاك روسو الفرنسي وانتهاء بهذه الفوضى، له بدائل في العالم الذي سمي افتراء بالعالم الثالث وهو في الحقيقة اصبح يحمل رقم الثالث عشر، بعد ان تضاعفت الامية وتحالف الجهل مع الفقر والرضى بحيث اصبح هذا الحلف هو الاقوى في الكوكب كله.
ان المثقف العربي الذي يحارب التخلف يجد نفسه اشبه بالإله اندرا في الاسطورة اليونانية، فهذا الاله حارب الشيطان وكانت مشكلته المستعصية هي انه لا يرى عدوه بالعين المجردة لانه يتخفى تحت الف قناع وقناع ولم يجد اندرا اخيرا الا ساق زهرة اللوتس كي يختبىء فيها من الشيطان.
والان ما من ازهار لوتس او حتى صبّار بعد كل هذا التصحر الشامل الذي لم يسلم منه تراب او ماء او وعي!
ان من حق الذي لا يدري ان يتصور الغدير او البانيو مُحيطا.. ومن حقه ان يضع تايتانك من ورق ويغرقها في حوضه الصغير ولكن ليس من حقه على الاطلاق ان يبشر بثقافته واوهامه متصورا ان من شاهدوا المحيط الاطلسي مجرد مجانين..
ان لمحاكم التفتيش الف شكل وشكل ولغاليليو اسماء عديدة منها اسماء بالابجدية!

مطالب نتنياهو!
ج الراي / طارق مصاروة
يستطيع نتنياهو أن يسمي إسرائيل ما يحب من التسميات، فأكثر دول إفريقيا أعادت أسماءها التاريخية التي غيرها الاستعمار بعد استقلالها!
وهو ليس بحاجة إلى محمود عباس ليذهب إلى الكنيست ويسمي إسرائيل بدولة اليهود، فالجمعية العمومية للأمم المتحدة هي التي قسمت فلسطين إلى دولتين واحدة عربية وأخرى يهودية. لكن الذي أعطاها اسم إسرائيل هو بن غوريون والكنيست المنتخب آنذاك!
حتى إذا قبلنا بالسطوة العسكرية الإسرائيلية، وبمشروعية احضار الأسير محمود عباس إلى الكنيست، وارغامه على أن يقول: إن إسرائيل هي دولة اليهود.. فإن تقاليد الحرب الشريفة تعطي لقوة الاحتلال فرصة إعطاء الأسير اسمه ورقمه فقط!
- لماذا يصرُّ نتنياهو، وائتلاف القوى الدينية المسيطرة على تسمية إسرائيل بدولة اليهود؟ والجواب لا علاقة له بأوضاع الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب وانما هي التحولات داخل الجسم الصهيوني، فبن غوريون الاشتراكي عاد الى اسم اسرائيل مثلما اعطاه له ثيودور هيرتسل، ونتنياهو القادم من كهوف الطوطمية يريد العودة الى القبائل الاثنتي عشرة ويسميها ارض اليهود، وهي تسمية عنصرية اذا وافقنا على ان اليهودية شعب لا ديانة.. وهي لا تفترض بالكنعانيين او بالفلسطينيين التاريخيين الاعتراف باسرائيل ارض اليهود!
.. هي لعبة، يتابعها العالم دون اهتمام وقد كان الرئيس الفرنسي حاضراً في الكنيست فلماذا لا يطلب منه، وهو الصديق، الاعتراف باسرائيل دولة لليهود.. واختار الاسير محمود عباس ليعطي الاسم شرعيته الصهيونية؟
هي لعبة تثير الضحك والاستهزاء، فلم يبق امام الدولة المطوّقة باحتقار العالم مهرب من استحقاق السلام سوى قصة اعتراف ابو مازن.. وفي الكنيست، بالدولة التي تبحث عن اعتراف بيهوديتها، وكأنما الاسير الفلسطيني هو الذي يعطيها الشرعية.
قد لا يذكر الناس مقدم الرئيس الأميركي كلينتون إلى غزة بعد توقيع اتفاقات أوسلو، وقبول ياسر عرفات بإلغاء مقاطع من الميثاق الوطني الفلسطيني، وجعل البرلمان - المجلس الوطني - يعترف بإسرائيل الدولة لقاء الاعتراف بمنظمة التحرير.
.. وهكذا يعود نتنياهو إلى القصة الموجعة فيطالب محمود عباس بالقدوم إلى الكنيست.. وهو تقليد أوجدته روما حين احضر الامبراطور الأسيرة الزباء من تدمر لتمشي في شوارع الاحتفالات المعروفة مقيدة بسلاسل من ذهب. وخسىء نتنياهو فهو قادر على فرض الأسر على محمود عباس وشعبه، ولكنه ليس قادراً على اركاعه أمام قطعان المتطرفين!.

نواب أردنيون: انفصام في الشخصية والسلوك
ج يلاف / د أحمد أبو مطر
هل يصلحون لتمثيل الشعب الأردني؟ النائب عندما يختاره ناخبو دائرته الانتخابيىة فهو يضعون ويعلقون الأمل في أن يكون ممثلا لرغباتهم واحتياجاتهم التي انتخبوه من أجل الركض وراء تنفيذها خدمة لهم خاصة إذا كانوا من الطبقات المسحوقة، حيث نسبة عالية من الشعب الأردني تعيش تحت خط الفقر بسبب قلة الامكانيات والثروات الطبيعية. فكيف يتصرف غالبية نواب البرلمان الأردني حسب معرفتي الشخصية ببعضهم وما أسمعه من روايات عن بعضهم من جمهور دوائرهم الانتخابية وهي قصص ومعلومات يشيب لها رؤؤس الفتيان. الركض وراء مصلحة وامتيازات النائب أولا هذه أصبحت السمة والعلامة المميزة لغالبية النواب في كافة الدورات الانتخابية، فهم يركضون وراء رفع رواتب النواب، والاعفاء من جمارك السيارات العائدة لهم. ففي سبتمبر الماضي أثار هؤلاء النواب ثورة عارمة في صفوف الشعب الأردني عندما قرّر وأباح مجلس نوابهم، وليس مجلس نواب الشعب، أباح لهم حق الجمع بين رواتبهم التقاعدية والشهرية، وبالتالي أصبحت رواتبهم التقاعدية على الأقل ثلاثة ألاف دينار أردني!!!. من الصعب الوصول للنائب بعد دخوله البرلمان قبل اجراء الانتخابات يتواجد النائب ليلا ونهارا في خيمته الدعائية مبديا تواضعا جمّا لا يتمتع به إلا المؤمنون الصادقون الخائفون من ربهم، وما إن ينجح في الانتخابات ويصبح راتبه فوق الثلاثة ألاف دينار مع امتيازات في السيارات واعفاء من الجمارك حتى يتوارى عن أنظار ناخبيه، ويصبح من سابع المستحيلات مقابلته أو لقائه إلا من حاشية السحيجة والمطبلين، لذلك فغالبيتهم لا ينجح في الدورة الانتخابية التالية بعد أن فقد ثقة غالبية ناخبيه. مطالبة بالإصلاح في الأردن ودعم للقمع والقتل في سوريا وهذا أغرب مظاهر انفصام الشخصية والسلوك لديهم، فهم غيورون متشددون في المطالبة بالإصلاح ومكافحة الفساد وكف يد الأجهزة الأمنية عن التدخل العنيف في مواجهة الحراك الشعبي، وهذه مواقف يشكرون عليها ونشجعهم على الثبات والتمسك بها، ولكن ألايليق بالشعب السوري مثل هذه المطالبات؟ ولماذا يسكت بعض هؤلاء النواب (دون ذكر أسمائهم فهم معروفون للشعب الأردني ) بل يدعمون بصفاقة وحش سوريا الذي أوقع حتى الآن ما يزيد على مائتي ألف قتيل من الشعب السوري، وهجّر قرابة خمسة ملايين مواطنا سوريا، منهم حوالي مليون ونصف في الأردن، يرى هؤلاء النواب السحيجة للطاغية بعيونهم معاناة هؤلاء اللاجئين في المخيمات المقامة لهم وفي شوارع غالبية المدن الأردنية.و ليس مديحا لملك الأردن، ولكن من باب الاعتراف بالحقيقة، فقد أفرج الملك عبد الله الثاني في التاسع والعشرين من فبراير عام 2012 عن الشاب الأردني "عدي أبو عيسى" الذي أحرق صورة الملك فوق مبنى بلدية مأدبا في الحادي عشر من يناير 2012 بعد أن حكمته المحمة بالسجن سنتين، اي أنّه لم يمكث في السجن سوى قرابة شهر ونصف. وقد تمّ منذ أسابيع قليلة الإفراج عن كافة الشباب الذين تم احتجازهم أثناء مظاهرات وتجمعات الحراك الشعبي. فهل يفعل ذلك وحش سوريا الذي تأمر عصاباته بقوة السلاح المواطنين السوريين على الهتاف ( لا إله إلا بشار الأسد )؟. وأيضا كما نقلت صحيفة "القدس العربي" في الثامن عشر من نوفمبر 2013 ، فإنّ الملك عبد الله الثاني لام وأحرج رئيس الديوان الملكي السيد فايز الطراونة، لأنّه في إحدى الجلسات حرّض ضد حراك جماعة الإخوان المسلمين لأنّهم حسب قوله (يهتفون ضد سيدنا). وهنا فوجىء الحضور بالملك عبد الله الثاني يسأل رئيس ديوانه: (هل يهتفون ضد الملك أم ضدي شخصيا)؟ وكما علقت صحيفة القدس العربي: " سؤال الملك كان ينطوي على قدر من الاستنكار على أساس التفريق بين أي هتافات محبطة يمكن أن تتصاعد ضد الملك كوظيفة سياسية وبين شخص الملك نفسه". فهل يحدث هذا من وحش سوريا أيها النواب عديمو الضمير، تركضون لتلبيس وحش سوريا العباءة الأردنية التي لا تتشرف بذلك؟ أو الصحفيون الذين يركضون إلى بيروت للف عنق ميشال عون بالكوفية الأردنية، وهذا العماد وحليفه نصر الشيطان من أهم وأوحش داعمي وحش سوريا؟ وأيضا استعمال مختلف أنواع الأسلحة، في عراكهم كنواب مع بعض تحت قبة البرلمان، بدأت بالضري بطفايات السجاير واللكمات البوكسية، ثم تطورت لإستعمال المسدسات، وأخيرا الكلاشينكوف، وربنا يستر فربما يكون السلاح القادم هو صواريخ اسكود أو الكيماوي المهرب من حليف بعضهم وحش سوريا. وأخيرا يرقصون في شوارع باريس، بعد أن شارك بعضهم في مؤتمر لدعم مجاهدي خلق، وللحقيقة فقد شاركت أنا شخصيا مع بعض هؤلاء النواب الراقصين في شوارع باريس في مؤتمر باريسي أيضا لدعم مجاهدي خلق في مايو 2008 ، ومنذ ذلك المؤتمر حصلت القطيعة بيني وبين هؤلاء المجاهدين وتوقفت عن دعمهم لسبب يعرفه ويتذكره أولئك النواب الأردنيون، ففي اجتماع لقيادة هؤلاء المجاهدين مع حضور المؤتمر سألتهم السؤال التالي: ما هو موقفكم كمجاهدي خلق إذا تسلمتم السلطة في إيران، من احتلال الأحواز العربية منذ عام 1925 واحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة منذ عام 1971 ؟ فلم يجيبوا وبعد إلحاحي على سؤالي، أجاب واحد من قيادتهم: هذا ليس وقت هذا السؤال!. والغريب أنّ نائبة أردنية مشاركة في المؤتمر قالت لي: فعلا هذا ليس وقت هذا السؤال!!.ومن وجهة نظري الاحتلال احتلال يجب الجواب عن استمراره أم زواله في أي وقت، إذ لا يوجد احتلال جميل نصفق له، واحتلال قبيح نقاومه، فاحتلال إيران للأحواز العربية والجزر الإماراتية لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والاحتلال الأسباني لمدينتي سبتة ومليلة المغربيتين وهكذا كل الاحتلالات. منذ ذلك المؤتمر في مايو 2008 اكتشفت أنّ مجاهدي خلق رغم معارضتهم لنظام الملالي في إيران، فهم فارسيو النزعة والعنصرية ضد العرب والقومية العربية. ولمزيد من الترفيه عن القراء هذه هي أغنية سميرة توفيق التي غنّاها النواب الأردنيون في شوارع باريس ، بعد استراحتهم من مؤتمر مجاهدي خلق، وهم يزفون زميلا لهم فقط لأنّه يلبس كوفية بيضاء، وقد أفرحوا المشاة في شوارع باريس مما سيزيد اقبال السواح الفرنسيون على الأردن بحثا عن هؤلاء النواب الراقصون المطربون. إسمع سميرة توفيق (يابو قضاضة بيضا. قلبي عليك مثل النار. قلبك عليّ إيش لونو وإيش أقول يا يمة) ، وندعو لهؤلاء النواب بالمشاركة في (أراب إيدول ) القادم، فهم يستحقون!!. ويبقى الأمل معقودا على النواب العقلاء تحت قبة البرلمان وهم كثيرون في ترشيد سلوك هؤلاء النواب الذين يسيئون للبرلمان والشعب الأردني.
شروط الحوار الاستراتيجي بين مصر وأمريكا
ج الخليج / عاطف الغمري
لا تزال الدوائر السياسية في أمريكا، والتي تعتبر شريكاً في صياغة السياسة الخارجية، من مراكز بحوث ومؤسسات أكاديمية، مشغولة بما طرحه جون كيري أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة، عن إجراء حوار استراتيجي بين مصر والولايات المتحدة .
وكان كيري قد أعلن في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية المصري نبيل فهمي، أن العلاقات بين البلدين، لا ينبغي اختزالها في مسألة المساعدات . وقال إن الرئيس المصري عدلي منصور، وجه منذ فترة دعوة للرئيس أوباما، للبدء في حوار استراتيجي بين البلدين، ويسرني أن أعلن قبولنا هذا الحوار .
مثل هذا الحوار هدفه الخروج من حالة التوتر الراهن في العلاقة المصرية - الأمريكية . لكن الأهم هو بناء أساس مبدئي للحوار، وفق مبادرة تتقدم بها مصر، تضم تفصيلاً لجميع جوانب العلاقة عبر السنوات الماضية . وما شملته من إيجابيات، وما شابها من سلبيات، وكذلك طرح تصور لمستقبل العلاقة .
وجدير بالذكر أن مسألة الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر، ليست جديدة . فقد بدأت في عام 1998 في واشنطن . وكان يمثل مصر وزير خارجيتها وقتئذ عمرو موسى، ويمثل الولايات المتحدة وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت . واتفق الجانبان على أن يتحول الحوار إلى عمل مؤسسي مستمر، تتابع فيه جلسات للحوار بين مسؤولين من البلدين . وكان التصور الذي طرح من الجلسة الأولى في واشنطن، أن تكون العلاقة أوسع مدى من حدود العلاقة الثنائية، بحيث تتناول تعاوناً أشمل، يمتد إلى بقية المنطقة العربية، وإفريقيا، والعالم الإسلامي، في القضايا التي تمثل مصالح مشتركة للطرفين على السواء، وأن يتم تحديد نقاط الخلاف السياسية، حتى لا تؤثر في نقاط الاتفاق، باعتبار أن لكل منهما ظروفها، وانتماءاتها، وعلاقاتها، ومصالحها .
لكن هذه الخطوة المبدئية، سرعان ما انتكست مع مجيء جورج بوش إلى الحكم عام ،2001 وصياغة إدارته لسياسة خارجية تربط توجهاتها السياسية، بما يجري داخل دول أخرى - خاصة دول عربية - وهو ما تضمنته استراتيجية الأمن القومي الجديدة التي أعلنها البيت الأبيض في 20 سبتمبر ،2002 والإعلان عن سياسة خارجية، اعتبرت أن الشأن الداخلي في أي دولة، لا يكون شأناً داخلياً يخصها وحدها، طالما إنه يؤثر - من وجهة النظر الأمريكية - في مصالح أمنها القومي .
وبالرغم من أن مجيء أوباما رئيساً قد جلب معه آمالاً في تغيير هذا المسار للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، إلا أن ما حدث في مصر في 25 يناير، ثم في الموجة الثانية للثورة في 30 يونيو، قد شهد اندفاعاً هجومياً من إدارة أوباما، في مواجهة إرادة المصريين، التي أزاحت نظام حكم الإخوان، وصل إلى حد انتهاك سلوك دبلوماسي مضاد للحكومة المصرية الجديدة، وفرض عقوبات بالنسبة للمعونة العسكرية، منها تعليق شحن أربع طائرات "16 f"، وطائرات أباتشي المروحية القتالية، ودبابات "m-1"، رغم أن الأباتشي تستخدم في مكافحة الإرهاب في سيناء، الذي تشارك فيه عناصر من تنظيم القاعدة، مرتبطة بالإخوان .
بعدها عقدت لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، جلسة استماع، في أول نوفمبر ،2013 صب خلالها بعض النواب، غضبهم على إدارة أوباما، لعدم استشارتها الكونغرس، عند إتخاذ قرارها .
ثم جاءت زيارة جون كيري وزير الخارجية للقاهرة، تحركاً عاجلاً لاحتواء النتائج السلبية من القرار، والتي ظهرت في رد فعل شعبي في مصر غاضب وبعض يدعو لرفض المعونة، وصلابة موقف دول الخليج الداعم لمصر، وكذلك التحرك المصري تجاه تنشيط العلاقات مع روسيا . وأعلن كيري في القاهرة عن استعداد بلاده لبدء الحوار الاستراتيجي مع مصر .
هنا، كان لا بد من الإعداد لمبادرة مصرية، تسبق الحوار، وتتناول مجمل العلاقة، وتتضمن رؤية استراتيجية، لمختلف جوانب العلاقة مع أمريكا، ومع غيرها، وتحديداً واضحاً للمصالح الاستراتيجية لمصر، وأهمية احترام إرادة شعبها، وعدم تجاوز حدود العلاقة بالتدخل في الشأن الداخلي، والإقرار بأن إدارة السياسة الخارجية، والشأن الداخلي، هما مسألتان ينبغي على كل طرف احترام إرادة الطرف الآخر بشأنهما . وكذلك التفكير في طريقة إصلاح الخطأ الاستراتيجي لإدارة أوباما أثناء حكم الإخوان، لأنها ضيقت إطار العلاقة من كونها علاقة بين دولتين، وحولتها إلى علاقة بين دولة كبرى، وبين تنظيم لجماعة سياسية . وهو ما كان السبب الأساس في التوتر الذي وصلت إليه العلاقة في الفترة الأخيرة .
إن لكل دولة بالضرورة، استراتيجيته للسياسة الخارجية، تحتوي وضوحاً تاماً لعناصرها، ومكوناتها، وأهدافها، وهو ما يجعل أي دولة أخرى تتعامل معها، مدركة تماماً طبيعة الدولة صاحبة الاستراتيجية، ومصالحها، وطريقة التعامل معها . معنى هذا أنه لا بد أن تتشكل لدى مصر وفوراً استراتيجية متكاملة للسياسة الخارجية، تكون الأساس الذي يعيد التوازن للعلاقة بين مصر وأمريكا، في إطار احترام المصالح المتبادلة، وذلك في إطار أوسع من التنسيق مع الدول العربية، وبخاصة تلك التي اتخذت موقف مساندة مصر، في مواجهة ضغوط خارجية، هدفت إلى التأثير في الإرادة الوطنية للمصريين.
مواقف هولاند في إسرائيل ورام الله
ج الحياة اللندنية / رندة تقي الدين
طمان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند القيادة الاسرائيلية خلال زيارته لها أن فرنسا لن تترك إيران تطور السلاح النووي وأنه سيبقي العقوبات الفرنسية والأوروبية طالما لم يحصل على ضمانات من إيران أنها ستتخلى عن تطوير القنبلة الذرية. لا شك في أن هذا الخطاب كان ليسعد بنيامين نتانياهو الذي استقبله بحفاوة كبرى. ولكن نتانياهو وصف أي اتفاق مرحلي مقبل مع ايران حول الموضوع بأنه سيئ، لأن إيران ستغتنم الفرصة للحصول على رفع العقوبات للاستمرار بتطويرها القنبلة الذرية. الدول الست (بما فيها فرنسا والولايات المتحدة) المفاوضة مع إيران حول الملف النووي على قناعة ان الوزير الإيراني جواد ظريف سيعود إلى جنيف اليوم ليوافق على النص المشترك للدول الست، وأن اتفاقية مرحلية لستة أشهر لاختبار نيات إيران سيتم التوصل إليها. وعندئذ سترفع بسرعة عقوبات أوروبية، منها فك تجميد ارصدة إيرانية والسماح بتصدير البتروكيماويات، وبعض العقوبات باستثناء العقوبات النفطية الأساسية للاقتصاد الإيراني التي ستبقى حتى التأكد من أن إيران أوقفت فعلاً برنامجها النووي العسكري. فرغب هولاند في تطمين اسرائيل. وقال إنه سيبقي العقوبات طالما لم يتأكد من وقف البرنامج النووي. إلا أن هذا الوعد أبقاه مبهماً من دون التحديد عن أي عقوبات يتحدث وفي أي مرحلة. فالحقيقة أنه لن يعرقل اتفاقاً مرحلياً مع إيران.
وقبل زيارته إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية تحدث مع الرئيس أوباما هاتفياً واتفقا على أن النص المشترك الذي تم التوافق عليه في جنيف خلال الجولة الوزارية الأخيرة هو الذي ينبغي أن تقبله إيران. فحقيقة الأمر أن الدول الست تحت مظلة أوباما عازمة على التوصل إلى اتفاق مع إيران يفتح مرحلة جديدة مع النظام الإيراني. فأوباما يريد إنهاء ولايته الثانية بعودة التطبيع مع النظام الإيراني وهذا بدعم من الشركات الاقتصادية الكبرى وأيضاً جزء من اليهود في الولايات المتحدة وحتى إسرائيل الذين كثيراً ما يذكرون أن العلاقة الإسرائيلية الإيرانية قديمة وتاريخية ولا مانع من أن تعود وتصحح. ولكن الكنيست الإسرائيلي ورئيس الحكومة نتانياهو يرون عكس ذلك، وهم يعارضون كلياً التوجه الأميركي ويعتمدون على هولاند لإيقاف مسار الاتفاق المرحلي مع إيران في حين أنه لن يوقفه، وهو ماض قدماً فيه كما الدول الست. والكرة في ملعب إيران حالياً وان ساهمت زيارة هولاند إلى إسرائيل في طمأنة نتانياهو وفريقه بحزم فرنسا، إن قبلت إيران النص المعروض عليها فيتم توقيع الاتفاق المرحلي لستة أشهر، الذي وصفه نتانياهو بالسيئ.
أما على صعيد القضية الفلسطينية – الإسرائيلية فقال هولاند أمام كنيست بأغلبية يمينية متشددة، إن على إسرائيل ان توقف المستوطنات، وإن السلام يقوم على دولتين تعيشان جنباً إلى جنب مع القدس عاصمة لهما. وطالب الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بالقيام بمبادرات، فالسؤال الفعلي الذي ينبغي طرحه هو: أي مبادرة إضافية يمكن أن يعطيها الجانب الفلسطيني. لقد سبق للسلطة الفلسطينية أن أعطت كل التنازلات التي طلبت منها والاستيطان لم يتوقف رغم تجميد موقت لبعض الوحدات الاستيطانية. إن وضع الفلسطينيين مزر أينما كان، وخصوصاً في القدس، فهم يعانون سوء معاملة إسرائيل، التي تمضي قدماً بتهويد المدينة من دون أي رادع لا دولي ولا عربي. وهولاء أيضاً يعانون من قلة اهتمام السلطة الفلسطينية بمصيرهم وبإمكاناتهم المحدودة. فهم يعانون من جميع الجهات من أوضاع صعبة رغم كل ما يقال من كلمات إنه ينبغي أن تكون القدس عاصمة الدولتين، فان ما يجري في القدس هو بعيد كل البعد عن هذا الهدف.
إن من قال إن القدس عاصمة للديانات الثلاث المسيحية والمسلمة واليهودية سرعان ما يدرك أنه كلام أكثر منه واقع، لأن مسار تهويد المدينة ساحق في غياب أي ردة فعل عربية حقيقية. هولاند وقبله ساركوزي أكدا على أسس السلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلا أن ما يجري على الأرض لا علاقة له بهذه الأسس. يصعب تصور إنشاء دولة فلسطينية على حدود دولة يهودية إسرائيلية مهيمنة على جميع الأصعدة بدعم أعمى من الولايات المتحدة، فالقدس محوطة بالمستوطنات، والمجتمع المدني الفلسطيني الذي التقى هولاند في كنيسة القديسة آن عبَّر بعنف عن استيائه من سوء التعامل الإسرائيلي، فزيارة هولاند كانت فيها معالم ثوابت السياسة الفرنسية بالنسبة للقضية الفلسطينية الإسرائيلية ولكن الواقع على الأرض يتنافى مع هذه الثوابت.

الإنسان الأبهى من الكنائس والمساجد
ج النهار / الاب جورج مسوح
أوصى الرسول بولس أهل روميّة، عظمى مدن ذلك الزمن الغابر، أن يعكفوا على "ضيافة الغرباء". وقصده من ذلك ضيافة الفقراء الذين يجدون أنفسهم مرميّين في شوارع مدينة تتعالى عليهم وتنبذهم بكبريائها الباردة كرخامها ومرمرها.
ويؤكّد بولس في خطابه إلى أهل رومية العظمى أن خلاصة الشريعة كلها كامنة في تحقيق الوصية بـ"محبّة القريب"، فهو يذكّرهم بـ"أن الوصايا كلها متضمَّنة في هذه الكلمة أن أحببْ قريبك كنفسك. إن المحبة لا تصنع شراً بالقريب، فالمحبة إذاً هي الناموس بتمامه" (13، 8-10).
لكن مَن هو القريب الواجبة محبّته؟ يؤكّد السيد المسيح، في مثل السامري الصالح، أن القرابة ليست هي القائمة على الانتماءات العائلية أو القومية أو الطائفية، أو على أي عصبية أخرى، بل هي القرابة التي تنشأ في ظرف معيّن عندما يلتقي المرء بمَن يحتاج إلى مدّ يد العون إليه. القرابة، إذاًً، في هذا المقام، ليست "قرابة اللحم والدم". القرابة صيرورة تحكمها "الرحمة". كلّ عابر سبيل، أو نازح، أو مهجّر، أو مستضعف في الأرض يصبح هو القريب.
ليس لنا أن "نرضي أنفسنا"، يقول بولس نفسه لأهل رومية العظمى، بل "فليرضِ كل واحد منّا قريبه للخير، لأجل البنيان". يبقى إرضاؤنا لله بلا معنى وبلا جدوى إن لم نرضِ القريب، وبخاصة ذلك الغريب "الذي وقع بين أيدي اللصوص"، بل بين أيدي الطغاة والقتلة والسفّاحين. الصلاة والصوم وكلّ عبادة، إذاً، تصبح باطلة إنْ لم يكن هدفها خدمة الإنسان واحتضانه في أزمنة الشدّة والضيق.
ويسعنا أن نقول أيضاً إنّ الإنسان هو المكان الذي يفضّل الله أن يُعبد فيه. فالإنسان الساكن الله فيه هو أبهى من الهياكل والكنائس والمساجد. أن تخدم الله هو أن تخدم الإنسان الذي نفخ الله فيه من روحه، فـ"إنّ روح الله ساكن فيكم". لذلك يصبح الإنسان هو القِبلة والمحراب. يصبح الحجّ إليه بمثابة الحجّ إلى الأماكن المقدسة، إلى قبر المسيح. فالله لا يسكن في حجارة مرصوفة ولا يؤويه سقف، هو يفضّل السكن في القلوب الدافئة. "أعطني قلبك وكفى".
يعتبر التراث المسيحي أن "السامريّ الصالح ليس سوى المسيح نفسه". فالمسيح هو القريب الكامل الذي يخلّص العالم من قبضة الشرير. لذلك يدعونا أوريجنّس الإسكندريّ (+235)، انطلاقاً مما قاله بولس الرسول: "اقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح" (1 كورنثس 4، 16)، إلى الاقتداء بالسامريّ الصالح "الذي هو صورة عن المسيح"، فيقول: "يمكننا أن نقتدي بالمسيح وأن نشفق على الذين وقعوا في أيدي اللصوص، ونذهب إليهم، ونضمّد جراحهم، ونسكب عليهم زيتاً وخمراً، ونحملهم على دوابنا، ونرفع عنهم أعباءهم". الاقتداء بالمسيح يفيد الالتزام بالإنسان الآخر، من دون النظر في هويّته.
نحن مدعوون، إذاً، إلى أن نأخذ على عاتقنا هموم الإنسان المعاصر مع متاعبه وجراحاته ومشاكله الكثيرة، وأن نرى عوزه وقهره، ولا سيّما هموم الناس في أزمنة الحروب والتهجير. فنلتزم الاهتمام بهم ومساعدتهم إلى حين انقضاء الأزمنة الشرّيرة. فأن نحبّ الله يفترض حكمًا أن نسعى دائماً إلى تنفيذ الوصيّة الوحيدة التي أمرنا أن نهتدي بهديها: "أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم" (يوحنّا 15، 12). أن نحبّ الله يقتضي أن نحبّ الإنسان أولاً، كل إنسان.
استهداف "أصدقاء أميركا" الجدد
ج النهار / عبد الوهاب بدرخان
ليس تفجير أو تفجيران ما سيغيّر المواقف ومسار الأحداث، لا بالنسبة الى تورّط ايران و"حزب الله" في سوريا ولا بالنسبة الى المفاوضات النووية. الارهاب لغة عقيمة وغير مجدية سواء كانت اسرائيل أو مجموعة "تكفيرية" وراءه. والمؤسف، على رغم سقوط ضحايا، أن حال الحرب تعفي اللاعبين من تقويم خياراتهم، فكلّها عندهم صواب. هذا ما أكده السفير الايراني أمس، وما دأب الأمين العام لـ"حزب الله" على تأكيده وصولاً الى أنه لا يحتاج الى "تغطية" لبنانية لتدخّل حزبه في سوريا، علماً بأن المطلوب كان ولا يزال انسحاب "حزب الله" من سوريا، وليس العكس. وإحدى أسوأ "اخلاقيات" هذه الحرب أنها تهزأ بالأضرار "الجانبية"... الانسانية.
وعد السيد حسن نصرالله بـ "انتصارٍ" للنظام السوري. وعلى رغم أن الأمر يستحق الخجل أكثر من التفاخر، إلا أن نصرالله يعرف علام يتكلم. فمقاتلو المعارضة - غير "التكفيريين"، بالمناسبة - يفيدون حالياً بأنهم لم يعودوا يرون في مواجهتهم سوى عناصر "حزب الله" أو ايرانيين وعراقيين، في حلب كما في جنوب دمشق. شيءٌ من هذا "الانتصار" في صدد التحقق، لكن ما العمل به في نهاية المطاف، فليس وارداً أن يواصل النظام الحكم والسيطرة والعربدة الاقليمية على أنقاض الدمار الذي ارتكبه. ايران و"حزب الله" يعرفان ذلك لكنهما يستعرضان حالياً ما يستطيعانه في قضية مخزية، على أمل استثماره في وضع نفسيهما على الفلك الاميركي - الاسرائيلي. هل يكون التفجير، بالأمس، استهدافاً لـ"أصدقاء اميركا" الجدد?
لا مبالغة في ذلك، اذ إن نصرالله نفسه يبشّر به. ألم يقل إن نتائج القتال في سوريا ومفاوضات الدول الكبرى مع ايران ستأتي كلها لمصلحة "فريقه" في لبنان؟ أي أنه في طريقه لأن يصبح صديقاً وحليفاً لاميركا، ليس الـ"اميركا" التي نعرفها بل تلك التي ستكون ايران قد غيّرتها وطوّعتها!... "المنطق" هنا أن بقاء النظام السوري شكّل منذ البداية تقاطعاً ايجابياً ومباركاً بين ايران (حزب الله) واسرائيل. أي أن "جبهة الممانعة" تكون غيّرت اميركا واسرائيل وطوّعتهما معاً. صدّقوا أو لا تصدّقوا.
فوق ذلك سيبقى "حزب الله" على حاله حزباً لـ"المقاومة"، ولِمَ لا؟ فهو محتكر السلاح غير الشرعي، وهو شارك في تدمير سوريا وله الدور الأساسي في ركود اقتصاد لبنان وتأخره، وليس لديه أي مال "نظيف" أو حتى مغسول لمساعدة نازحين بينهم من استضاف في سوريا الهاربين من حرب "النصر الإلهي" في 2006. ولعله على حق في ذلك فهو ساهم في تهجير النازحين، أما إغاثتهم فليست من شأنه، حتى أنه لم يضعها يوماً على جدول أعمال الحكومة... حكومته.

هل تتحول بيروت إلى بغداد أخرى؟
ج الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
لم يعد أحد يحصي أعداد ضحايا الجرائم السياسية تقريبا كل يوم في العراق، متزامنة ومتعددة وفي كل مكان، من أسواق إلى مساجد وأحياء سكنية، في موجة التفجيرات الجديدة التي تشهدها البلاد منذ عام. الخشية أن هذا الوباء يمكن أن ينتقل إلى بيروت، التي هزها تفجيران انتحاريان دفعة واحدة استهدفا السفارة الإيرانية. ومن الواضح أنهما جزء من تداعيات الحرب السورية، والمخاوف حقيقية من أن ينفجر هذا البلد الصغير المزدحم، نتيجة العبث واستعراض القوة من الأطراف المتصارعة. فالتحارب في لبنان لن يحسم شيئا في سوريا، تأثيره عليه يكاد يكون صفرا.
في نفس الوقت، الإرهاب عملة رخيصة في المنطقة، بوجود جيش من شباب انتحاريين، ومتفجرات، وسيارات مسروقة. الإرهاب لا يكلف الفاعلين الكثير، ومعظم ضحاياه من لا علاقة لهم بالصراع. السيارات الانتحارية مجرد رسائل تهديد وانتقام عادة يرد عليها الطرف الآخر برسائل مماثلة ويدفع ثمنها غالبا مارة عابرون.
بيروت نفسها ليست غريبة على الإرهاب، خاصة منذ عام 2005 فقد قتل على شوارعها وفي مبانيها عشرات الشخصيات، وراح معهم عشرات الأبرياء. الخشية أن الأزمة السورية ستنقل الصراع بقوة إلى التراب اللبناني، وما تفجيرات السفارة الإيرانية ومدينة طرابلس وقبلها الضاحية إلا حلقة من مسلسل طويل اسمه النزاع السوري.
وهذه ليست حالة اغتيال الحريري، وبقية قيادات 14 آذار، عندما كانت إرهابا من طرف واحد، دفع المستهدفين إلى الاحتماء في فندق فينيسيا أو الرحيل إلى الخارج، بل صراع تتعمق جذوره، وتتسع دوائره. صراع سياسي في لباس سني شيعي، وصراع سوري سوري، وصراع حزب الله مع معارضي نظام الأسد، وإيراني إقليمي. وبيروت مدينة مفتوحة متعددة الثقافات والأديان ستتحول غدا إلى حواجز وثكنات عسكرية، وستنقل مناخ الرعب إلى بقية المدن اللبنانية.
هل على لبنان أن يصبح مكانا لتصفية الخلافات؟
لن يستطيع حزب الله ولا الجماعات المتطرفة السنية في الشمال، وبقية الفرقاء الحلفاء، حسم معارك الإرهاب، الانتقام والانتقام المضاد. وسيجد الجميع أن الحل الوحيد هو تحييد لبنان من الصراع السوري الذي قد يطول ويصبح أكثر عنفا وقبحا. وبكل أسف لأن المجتمع الدولي ليس متحمسا لحسم الصراع في سوريا، فإن هذا البلد المضطرب الذي تتقاتل على ترابه كل القوى المحلية والدينية سيكون مصدرا مخيفا للفوضى في لبنان، الأرض الرخوة.
عقبات أمام تمدد الروس
ج الخليج / عبد الحسين شعبان
احتلّت دمشق بعد القاهرة الموقع الأول للعلاقات العربية - السوفييتية في مطلع السبعينات، وإن كانت بغداد قد سبقتها إلى ذلك، بتوقيع معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتي في 9 إبريل/ نيسان العام ،1972 لكن سياساتها غير المستقرة وفي ما بعد ظروف الحرب العراقية - الإيرانية وما تلاها، جعل دمشق مركز الثقل في علاقات موسكو بالعرب، خصوصاً بعد توقيع معاهدة الصداقة والتعاون السورية - السوفييتية في ديسمبر/ كانون الأول ،1980 وكلتا المعاهدتين لا تزالان قائمتين، وإن زال الاتحاد السوفييتي وإنْ أطيح بالنظام العراقي، لكن المعاهدات التي كانت الدولة السوفييتية، قد التزمت بها انتقلت في أغلبيتها الساحقة إلى الاتحاد الروسي .
كانت مصر مغرية للنفوذ السوفييتي في مواجهة حلف بغداد، ولم تكن موسكو تتخيّل أن تتطور علاقاتها مع القاهرة إلى الحد الذي وصلت إليه، لكنّ مواقف وزير خارجية واشنطن جون فوستر دالاس السلبية إزاء مصر دفعت القاهرة لتصبح حليفاً لموسكو ومركزاً للاهتمام السوفييتي بقضايا العالم الثالث، وذلك منذ صفقة السلاح التشيكي في العام ،1955 وفيما بعد خلال العدوان الثلاثي البريطاني - الفرنسي - "الإسرائيلي" عليها في العام 1956 .
وارتفع رصيد مصر لدى السوفييت بشكل خاص بعد قرار جمال عبد الناصر رفض مساعدة البنك الدولي المشروطة لبناء السد العالي والتوجه إلى موسكو العام ،1960 وتعزّز الأمر بعد العدوان "الإسرائيلي" في 5 يونيو/ حزيران العام ،1967 حيث احتل جمال عبد الناصر موقعاً متقدماً لدى القيادة السوفييتية، واعتبر حينها قطب الرحى في حركة التحرر الوطني العربية والعالمية في مناهضة المشاريع الإمبريالية، وقد أمدّت موسكو القاهرة بالسلاح والدعم السياسي والاقتصادي، الذي ساعدها في حرب الصمود والاستنزاف التي استمرت لنحو ثلاث سنوات، وكانت العلاقات تتطور بصورة مضطردة لولا قرار الرئيس محمد أنور السادات بالاستغناء عن خدمات الخبراء السوفييت والتوجه إلى واشنطن بزعم أن 99% من أوراق الحل بيدها، ولاسيّما في ما يتعلق باستعادة سيناء وقضايا الصراع العربي- "الإسرائيلي"، وذلك عشية حرب أكتوبر/ تشرين الأول العام ،1973 التي أريد لها حرب تحريك وليس حرب تحرير، ولاسيّما بإضعاف العلاقة المصرية- السوفييتية .
وقد حاولت موسكو بعد الضربة التي تعرّضت لها استراتيجياً تعويض خروجها من مصر بالتحوّل نحو سوريا، وكان ميناء طرطوس تعويضاً لها وبديلاً عن الموانئ المصرية، وإن كان هناك فوارق معروفة من الناحية السياسية والعسكرية، على الرغم من موقع طرطوس على الساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، ومع ذلك فقد كانت خسارة موسكو كبيرة جيوسياسياً، فقناة السويس تشكل أهمية حيوية بين آسيا وافريقيا، إضافة إلى كونها ممرّاً مهماً باتجاه الدردنيل والبوسفور المنفذ الروسي الذي ظلّت الإمبراطورية الروسية منذ عهد كاترين الثانية تحلم به بشأن المياه الدافئة .
لقد كان التنافس الأمريكي - الروسي على أشدّه في السبعينات، وكانت واشنطن مثلما هي موسكو تريد كسب قلب القاهرة التي هي مركز العرب الأول بشرياً وحضارياً وعلمياً وثقافياً، والطريق نحو عدد من العواصم العربية، واليوم يعود التنافس الروسي - الأمريكي إلى الواجهة، ولاسيّما بعد خسارة روسيا في ليبيا، وقبل ذلك في العراق، فبعد نحو أربعة عقود من انخفاض منسوب التوتر، جاءت ثورة 25 يناير 2011 لتعيد إلى الأذهان محاولات مصر إقامة علاقات متوازنة مع القطبين، وهو ما نظرت إليه واشنطن بارتياب كبير، لأنه يشكّل من وجهة نظرها تهديداً لمصالحها الاقتصادية والسياسية الحيوية، خصوصاً وأنها تقدّم دعماً مالياً لمصر، لولاه لكانت أزمتها أشد وطأة، لكن الإدارة المصرية الجديدة ما بعد الثورة أظهرت نوعاً من الاستقلالية أو الحرص على عدم قبول شروط التبعية السابقة، وذلك من أجل خلق شكل من أشكال التوازن الدولي .
وكان نجاح الفريق عبد الفتاح السيسي قائد الجيش المصري بالتدخل لحسم الصراع بين الإخوان والرئيس مرسي من جهة، وبين الملايين المحتشدة والمطالبة بالتنحي من جهة أخرى قد وضع العلاقات الأمريكية - المصرية والمصرية الغربية بشكل عام أمام تحدّيات جديدة، الأمر الذي دفع موسكو سريعاً إلى الساحة لمغازلة القاهرة عن طريق عروض سياسية وعسكرية واقتصادية، ليس بعيداً عنها دورها الحالي في سوريا وموقفها في مجلس الأمن، وهو ما جعلها رقماً غير قابل للتجاوز في إطار حل الأزمة السورية في أية ترتيبات دولية لاحقة . وقد عرضت موسكو على القاهرة خلال زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف صفقة سلاح طائرت حربية متطورة من نوع "ميغ" ومعها برامج تدريبية عسكرية وتقديم قمر صناعي بخصوص ملاحقة الارهابيين في سيناء، ولاسيّما بعد عدد من العمليات الإرهابية والمواجهات المسلّحة، منذ الإطاحة بالرئيس مرسي .
إن القرار الروسي السريع يعني محاولة اختراق جديد للخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط في إطار تمدد استراتيجي إضافي يبدأ من طرطوس ليصل إلى قناة السويس، الأمر الذي سيعني صعود التنافس الروسي - الأمريكي إلى أقصاه، فالولايات المتحدة لن تتخلى عن مصر بسهولة ولن تستسلم لخطة موسكو الاختراقية، لأنها تتعلق بالشرق الأوسط، ولاسيّما ما له من التزامات إزاء حليفتها "إسرائيل" وستعمل على الضغط على موسكو إقليمياً لكبح جماح أي ترتيبات إقليمية في إطار التحالفات في المنطقة تؤثر على القضايا الحيوية الاستراتيجية الأمريكية - "الإسرائيلية"، أو ما تسميه بأمن "إسرائيل" .
بالطبع هناك ثمة عقبات أمام التمدّد الروسي، فروسيا غير الاتحاد السوفييتي عسكرياً واقتصادياً، ومصر السيسي هي غير مصر عبد الناصر، وإذا كان الاتحاد السوفييتي قد سقط في فخ حرب النجوم وسباق التسلح ودفع ثمن الحرب الباردة باهظاً وتخلّى عن امبراطوريته الاشتراكية، فهل ستكون روسيا اليوم جزءًا من حرب باردة جديدة قد تدفع المنطقة إليها بالكامل، خصوصاً والأمر لا يتعلق بطموحات أيديولوجية، بل بمشاريع اقتصادية وحيوية مثل النفط والغاز، وهو ما جعلها ترمي بثقلها في المعترك السوري، لكنها من جهة أخرى لا بدّ لها من تدقيق حساباتها جيداً، علماً بأن واشنطن في العام 2013 هي الأخرى ليست واشنطن المتفرّدة بالقرار الدولي في أواخر الثمانينات وانتهاء عهد الحرب الباردة .
وبقدر ما هناك تنافس حاد، فهناك محاولة للتفاهم أيضاً، وخصوصاً بشأن سوريا، إضافة إلى حلحلة الملف النووي الإيراني، لأن واشنطن وهي تعاني من استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة لا تريد استخدام آلتها العسكرية، ولا سيما قوّاتها البرية للتدخل، لما جلبه من نكسات على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والأخلاقي، كما أن روسيا وإن تمسكت بمصالحها وحليفتها سوريا، فإنها في الوقت نفسه تبحث عن تفاهمات مع واشنطن تجنّبها السير في طريق سباق التسلح المرهق والحرب الباردة التي سبق وأن أطاحت بالاتحاد السوفييتي . الروس قادمون: نعم، ولكن وجودهم سيكون في إطار تفاهم كوني وإقليمي .
عودة الدب الروسي!
ج الشرق الاوسط / عبد المنعم سعيد
الأجواء في القاهرة هذه الأيام بالغة الإثارة، وليس معنى ذلك أنها لم تكن مثيرة من قبل، فلعلها لم تتخل عن الانفعال منذ ذلك اليوم الخامس والعشرين من يناير (كانون الثاني) 2011، ولكن الإثارة هذه المرة مختلفة، حيث يشوبها قدر من التفاؤل والأمل. صدق أو لا تصدق، أن أزمة المرور المستحكمة يبدو أنها من الممكن التعامل معها، ولأيام مضت فإن حالة السيولة في شوارع المحروسة بدت على غير عادتها الخانقة. المسألة بالطبع ليست حالة حركة السيارات فقط، ولكن هناك حزمة من الأنباء الطيبة، فعلى عكس توقعات كل المتشائمين جرى رفع حالة الطوارئ وتوابعها من الحظر على الحركة بين الساعة الواحدة صباحا وحتى الخامسة فجرا، بينما هي يوم الجمعة بين السابعة مساء والخامسة فجرا. انتهى كل ذلك، وأصبح المصريون أحرارا في ممارسة عادات السهر الطويل. وباختصار، العودة إلى الحالة الطبيعية. مثل ذلك وحده يمكن أن يكون سببا للسعادة، ولكن هناك ما هو أكثر، فالاحتياطي القومي أصبح في أمان (مع الشكر بالطبع للدول العربية الشقيقة)، ولكن نتائج ذلك من حيث تخفيض عجز الموازنة، وتحسين حالة الجنيه المصري، واختفاء السوق السوداء، وارتفاع البورصة، وانخفاض حالات الإرهاب والمظاهرات والإضرابات إلى حدود دنيا، كلها أمور لا يمكن تجاهلها حتى ولو أصر محترفو التشاؤم على أن وزارة اليد المرتعشة لم تفعل شيئا. ورغم ما يبدو من ضجيج حول لجنة الخمسين التي تناقش الدستور، فإن المراقبة الواعية تجعلنا أمام عملية مساومة سياسية ضرورية في هذا المجال بين قوى سياسية تعددت مصالحها، ولكن المهم أنها سوف تصل إلى دستور سوف يرضي المصريين. الدستور كان دائما وفي كل العالم حزمة من الحلول الوسط، ومصر ليست استثناء من القاعدة.
هناك أشياء أخرى، ولكن المقام لا يتسع، وأهمها أن هناك حالة من «النوستالجيا» انتابت مصر والمصريين حينما جرى الإعلان عن قيام وزيري الخارجية والدفاع الروسيين بزيارة القاهرة. فجأة، بدا الإعلان كما لو كان الدب الروسي قد عاد مرة أخرى إلى القاهرة، ومعه عادت الأيام السعيدة للخمسينات والستينات وكسر احتكار السلاح ورد اللطمات للولايات المتحدة الأميركية. لم يكن مهما التحقق لا مما جرى، ولا مما يجري، فتلك طبيعة «النوستالجيا» التي تجعل أيام الماضي وردية ورومانسية وحميمة ودافئة بأمور جميلة، تلهب الأعصاب بالحمية، والعقول بالطموح، والقلوب بالسعادة. الحقيقة هنا تختفي خلف ما هو متواتر، ويعاد تفصيلها لتناسب آمال الحاضر، فليس مهما التحقق عما إذا كانت الخمسينات والستينات التي جرى احتلال جزءا من مصر فيها مرتين كانت أياما سعيدة، وبالتأكيد فإن أحدا لم يراجع عما إذا كان التأثير «السوفياتي» في ذلك الوقت على مصر سياسيا وآيديولوجيا واقتصاديا واجتماعيا، من فضائل الأمور أم أكثرها شرا. الواضح أن الأهم من ذلك كله وفق وجهة النظر الشائعة هو «النكاية» والمكايدة في واشنطن التي تجاوزت حدود الصداقة والتحالف على مدى عقود أربعة ماضية. ولذلك كانت إعادة إنتاج الماضي بحذافيره، وبينما تحوم شخصية عبد الناصر في الآفاق، فإن «كسر احتكار السلاح»، والمصانع السوفياتية البديلة، وتكنولوجيات الوصول إلى القمر، سوف تغمر القاهرة في المستقبل القريب. وليس أدل على أهمية الموقف من أن روسيا لم ترسل وزيرا واحدا فقط، بل أرسلت اثنين، وزيري الدفاع والخارجية، في سابقة أصر الجميع على أنها لم تحدث من قبل، دلالة على الالتزام السوفياتي الجديد، وخاصة أنه قد شاع أن في الجعبة صفقة سلاح ضخمة تراوح تقديرها ما بين مليارين وأربعة مليارات من الدولارات.
على الأحوال، فإن هذه النبوءة سوف تختبر قبل نشر هذا المقال، ولكن هناك مجموعة من الحقائق التي ينبغي تذكرها في هذا المقام. أولها أن مصر حتى بعد اكتمال استقرارها وعودتها إلى حالتها الطبيعية سوف تكون من الوهن بعد الحالة الثورية التي عاشتها بحيث إنها تحتاج إلى علاقات حسنة مع كل دول العالم، لا يستثنى منها أحدا ولا يستبعد. لذلك فإن العلاقات مع روسيا والصين وغيرهما من دول العالم الكبرى والصغرى هي من مقتضيات الضرورة، فلا تملك مصر ترف استبعاد أحد. وثانيها، أن مثل ذلك وعلى حد تعبير المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية، يعني الإضافة للموارد الخارجية المصرية وليس الخصم منها، ومن ثم فإن العلاقات تطلب لما فيها من جدارة، وليس للنكاية أو المكايدة، فمصر لا تستبدل طرفا آخر بطرف، وإنما هو توسيع من مجال حركتها الخارجية. وثالثها لمن لا يعرف بعد، أن الاتحاد السوفياتي قد انهار وانتهت معه الحرب الباردة، ومعه مات حلف وارسو، وروسيا الاتحادية قد تكون الوريث القانوني للاتحاد السوفياتي، ولكنها ليست الوريث المختص بدولة عظمى في العالم. وحتى تكون الأمور كلها واضحة فإن الناتج المحلي الإجمالي لروسيا يزيد قليلا على تريليوني دولار، بينما هو 16 تريليونا بالنسبة للولايات المتحدة، أي ثمانية أمثال روسيا الاتحادية، ولكن هذه الأخيرة رغم ما يبدو من وهنها، فإن وراءها تحالفا غربيا وحلفا أطلنطيا مع أوروبا، وآخر باسفيكيا مع اليابان، وكلها تستحوذ على 80 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي وما هو أكثر من التكنولوجيا العالمية الجديدة. هذه هي حقائق توازن القوى في العالم دون حتى إضافة مستويات التصنيع والثقافة وكل عناصر القوة «الناعمة» و«الخشنة» الأخرى. ورابعا أن أول من يعرف هذه الحقائق هم النخبة الروسية الجديدة الساعية إلى التقدم من خلال مستوى من الديمقراطية المناسبة لروسيا الأرثوذوكسية السلافية، وهي في العموم لا تزال بعيدة عن المستويات المتقدمة في الغرب، ومن خلال التعاون مع القوى المتوسطة الجديدة والصاعدة في العالم مثل الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا. ولكن مثل هذا التعاون ليس حلف وارسو آخر، فالتعاون الروسي - الغربي، والأميركي خاصة، من حيث التجارة والاستثمار ونقل التكنولوجيا، أكبر بكثير من أي علاقات لروسيا مع دول أخرى. وقد يصل هذا التعاون إلى ذروته في الشرق الأوسط، حيث اتفقت موسكو مع واشنطن على تفادي الضربة الجوية من خلال تسليم السلاح الكيماوي السوري، فكان تغير موازين استراتيجية مقابل إعطاء نظام بشار الأسد مهلة إضافية. بعد ذلك تلتقي العاصمتان على السياسات الخاصة بإيران وقدراتها النووية، وأفغانستان، وبالطبع التعاون في مجال الحرب على الإرهاب.
الخلاصة أن الدب الروسي يصل إلى مصر وقد جرى تقليم أظافره، وهو في النهاية يريد ما تريده مصر من توسيع نطاق ومجال حركته في العالم، وهو حق مشروع للجميع، والمهم ألا يبالغ أحد في الأحلام، فاليقظة في عالم السياسة الدولية تحمي من كوابيس كثيرة.
فخ الغرب: شكل الاستبداد وليس مضمون الديمقراطية
ج ايلاف / د عصام عبدالله
تعبير " الدولة الفاشلة " – في تقديري - لم يعد ينطبق علي مصر .. لإن هذا المصطلح يفترض " الدولة " أولا حتي تفشل، بينما أصدق تعبير عن الحالة المصرية هو ما حمله (مانشيت) " جريدة الوطن " : " مصر .. قطار بلا سائق "، تعليقا علي قتل قطار " دهشور " 27 وإصابة 36 من عائلة واحدة (قبطية)، في نفس اليوم الذي أغتيل فيه (علي أيدي جماعة إرهابية) المقدم " محمد مبروك " المسؤال عن ملف الإخوان المسلمين بالأمن الوطني والذى حرر محضر التحريات فى القضية المتهم فيها الرئيس المعزول محمد مرسي (بالتخابر)! هذه " الفوضي " وهذا الخراب المستشري في بر مصر يشير إلي أن " الغلبة " – في الأمد المتوسط علي الأقل – سوف تكون للجيش، حيث يتبني الجنرالات استراتيجية " كل شئ أو لا شئ ". أما ما يجري من (تمثيليات) في لجنة الخمسين لصياغة الدستور الجديد أو ما بات يعرف بدستور " عمرو موسي " فهو (ترضية) لبعض التيارات الدينية وغيرها من أجل الموافقة علي منح صلاحيات أكبر (حصانة) للقوات المسلحة، مثل ملاحقة (المدنيين) ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية مع عدم ملاحقة " الجنرالات " قضائيا، فضلا عن تأسيس (امبراطورية اقتصادية ضخمة) دون حسيب أو رقيب من الشعب، مما سيؤدي إلي قيام حكم " ديكتاتوري " أكثر صرامة مما كان علي مدار ستين عاما (1952 – 2012)! " المشكلة الأحدث " في دستور عمرو موسي هي إن هذه " الصلاحيات الخاصة " للقوات المسلحة فتحت شهية القوي الأخري، وبدأ مزاد (المطالب الفئوية) والمصالح الشخصية وصار (تمرير مادة) للمحامين وأخري للصحافيين أو إلغاء مجلس الشوري أو تفصيل قوانين للانتخابات القادمة علي مقاس الأحزاب الكارتونية التي لم يسمع بها غير أصحابها، هو كل ما يتمناه معظم أعضاء لجنة الخمسين الموقرة، وكأن الالتفاف حول " السلطة " وليس " الوطن " هو أبرز ملامح هذا " الأوكازيون السياسي "! لكن يبدو أن الأمر علي (المدي الأبعد) في مصر – وكما هو مخطط له بعناية – لن يكون لصالح " الجنرالات "، فقد وقع الجميع في (فخ الغرب) ومثلما فشلت الأنظمة العسكرية (شبه العلمانية) في القرن العشرين في (تسوية مقبولة) بين ثوابت الدين ومفاهيم الحداثة(المتجددة)، ستعاود الكرة من جديد طالما ظلت (شبه علمانية) .. المتغير (الجديد والخطير) هو إن الغرب حين ساند (الإسلاميين) في أعقاب ثورات ما يعرف (بالربيع العربي) عام 2011 " دق أكبر اسفين " بين (النظم العسكرية) في البلدان العربية و(الإسلاميين)، حيث لم يعد الإسلام السياسي بمختلف تنويعاته (يعادي الغرب) ولا حتي (الصهيونية العالمية) بقدر ما يعادي (النظم العسكرية – السياسية) التي تنكبت عن (الدين القويم) وأقصتهم عن الحكم بما أنزل الله! الحالة المصرية ليست فريدة وإنما هي جزء من دراما إقليمية حيث أصبح الصراع الداخلي في معظم هذه البلدان علي (شكل الاستبداد) وليس علي علي (مضمون الديمقراطية)، فإما الدكتاتورية العسكرية أو الفاشية الدينية ولا يوجد طريق ثالث غير (الفوضي)، التي تغير (الآن) موازين القوي الداخلية لصالح شكل معين (يتخلق أمامنا) من الاستبداد الجديد. بيد أن هذه التغييرات الداخلية التي سوف تشهدها المنطقة (تباعا)، يجب أن تقرأ علي شاشة أكبر، لأنها جزء لا يتجزأ من تشكيل (المحاور الجديدة) في الشرق الأوسط، فضلا عن كونها أبرز تجليات عملية (إعادة هيكلة) الفضاء الجيو- سياسي للعالم في القرن الحادي والعشرين. ولا أستبعد (دول الخليج الغنية) من ذلك .. فلم تعد إيرادات النفط العالمية قادرة علي إخماد " تذمر " المواطنيين من انعدام الحريات المدنية، وربما يمثل تحدي المرأة السعودية للحظر علي قيادة السيارة أحدث هذه المظاهر الاجتماعية. فقد تخلت الولايات المتحدة بالفعل عن أغلب النظم السياسية التي كانت تدعمها في السابق، ولم تعد (تأبه) بالتدخل في سياسات بلدان الشرق الأوسط عن طريق (فرض الديمقراطية) أو الانحياز لطرف علي حساب الطرف الآخر، وإنما أخذت تبتعدعن هذه المنطقة (الخطرة) المهددة بالانفجار في أي لحظة. وحسب " سوزان رايس " مساعد الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي ونقلا علي لسان " أوباما " تفسه : " فإننا نخطو خطوة للوراء ونقيم مجددا تصوراتنا حول الشرق الأوسط ".