Haneen
2013-12-08, 02:06 PM
اقلام عربي 553
21/11/2013
في هذا الملــــف:
ليست الاستقالة بل الانسحاب من المفاوضات
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
المفاوضات .. ومراجعة الخيارات
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
اغتيال «أبو عمار»
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
استبدادية العشق القاتل.. عرفات أنموذجا
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
افتتاحية الخليج: هولاند بين رام الله والقدس
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
تغريدة نتنياهو.. أدنى مستويات التخاطب الدولي
بقلم: كلوفيس مقصود عن السفير البيروتية
هواجس عربية على هامش القمة
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
ضغوط على السياسة الخارجية المصرية
بقلم: جميل مطر (http://shorouknews.com/columns/gamil-matar)عن الشروق المصرية
نتنياهو... كنز إيران المدفون
بقلم: عطاءالله مهاجراني عن الوسط البحرينية
ليست الاستقالة بل الانسحاب من المفاوضات
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
استقالة الوفد التفاوضي الفلسطيني هي تعبير عن الأزمة التي وصلت إليها مفاوضات السلطة مع العدو الصهيوني. فما يقارب العشرين جلسة منذ 30 تموز/يوليو الماضي، غاصت في الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، فالعدو الصهيوني يعرف كيف يدير المفاوضات لصالحه، ويتقن ممارسة الابتزاز على الفلسطينيين كيف لا؟ وقد جاءوا إلى المفاوضات من دون وقف استيطانه، وقد ارتفعت وتائره بعد بدء المفاوضات، التي وفقاً للأجندة الأمريكية ستظل تسعة أشهر وتنتهي في ايار/مايو المقبل. لقد أقرت الحكومة الإسرائيلية التوسع في المستوطنات ببناء 20 ألف وحدة استيطانية جديدة فيها. قرار نتنياهو على ضوء ردود الفعل الفلسطينية والدولية بتجميد القرار مؤقتاً، لا يعني العدول عنه، وإنما انتظار لكي تهدأ العاصفة، وتعود المفاوضات إلى مجاريها وكأن شيئاً لك يكن.
القضية لا تكمن في استقالة الوفد التفاوضي، لأن أعضاءه، إذا ما أصروا على مواقفهم، فيمكن للرئيس عباس استبدالهم بوفد جديد، هذا إذا قبل استقالاتهم، ونشك في ذلك؟ فرئيس الوفد صائب عريقات هو صاحب مقولة ‘الحياة مفاوضات’، بل تكمن في خيار المفاوضات من الأساس، فهو جاء عاماً ومطاطياً، ولم يقم على أساس قبول إسرائيل بالحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. مبدأ المفاوضات لم يستند إلى قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، ولم يقم على وقف الاستيطان، والاستناد إلى حدود عام 1967، والتفاوض على القضايا الأساسية المتعلقة بجوهر الحقوق الفلسطينية. للأسف تنازل المفاوض الفلسطيني، تدريجياً إلى أن وصل الأمر بتحكم إسرائيلي مطلق في أجندة المفاوضات وتسييرها، باتجاه الرياح التي لا يريدها المفاوض الفلسطيني، الذي قبل بممارسة الضغوطات الأمريكية عليه. الأهم من كل ما سبق هو أن السلطة الفلسطينية حددت خيارها الرئيسي والأساسي بالمفاوضات فقط، وهذا خطأ استراتيجي يُفقد الجانب الفلسطيني كثيراً من أوراق القوة، التي يستطيع التأثير بها.
السلطة الفلسطينية لا تتعلم من تجاربها للأسف، ولم تُأخذ بتجارب حركات التحرر الوطني على صعيد آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، والأدق أنها لا تريد أن تأخذ هذه الدورس بعين الاعتبار. عباس يعتبر المقاومة ‘إرهاباً’ أو ‘عنفاً غير مشروع′، حتى الانتفاضة لا يريدها باعتبار ما تستعمله من حجارة ‘عنفاً غير مبرر’. هو يريد مقاومة شعبية سلبية على غرار المهاتما غاندي ومقاومته العصيانية في الهند ضد الاحتلال البريطاني، ناسياً أو متناسياً الفروقات الكبيرة بين طبيعة كل عدو منهما، فإذا كان البريطانيون احتلوا الهند ليرحلوا في ما بعد، فإن الصهاينة جاءوا ليستقروا في فلسطين وليقتلعوا شعبها من أرضه، ثم طبيعة اختلاف فهم العنف لكل من الاحتلال البريطاني والطبيعة الصهيونية، والأخيرة لا حدود لفاشيتها، فقـد تفـوقت في جرائمها وفي عنصريتها ومذابحها على النازية.
لم يدرك عباس وهذه مصيبة (وإن كات يدرك فالمصيبة أعظم) طبيعة العدو الصهيوني، والحدود التي يمكنه الوصول إليها في أية تسوية مع الفلسطينيين أو مع العرب. اعتقد المرحوم ياسر عرفات أنه بتوقيعه لاتفاق أوسلو المشؤوم، سيطرق باب دخول الدولة الفلسطينية التي سيقيمها في القريب العاجل. لم يدرك الأهداف الاسرائيلية من قبول تجميع المقاتلين الفلسطينيين في بقعة جغرافية محدودة، للحد من حركتهم كثوار ومقاتلين ضد العدو. للأسف أيضاً لم يدرك محمود عباس ولا حتى القائمين على السلطة في غزة، أن الانقسام الفلسطيني يفجّر الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهذه تعتبر العمود الأبرز في مقاومة العدو، ومجابهة مخططاته، فالسلطة في رام الله تلاحق المقاومين، وكذلك السلطة في غزة بعد توقيع هدنتها غير المباشرة مع إسرائيل. الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أحد شروط الانتصار في معركة الشعب ضد مغتصبي إرادته، وهي تشكل مركز الجذب للشعب الفلسطيني في مسيرته الثورية، من أجل نيل وإنجاز حقوقه الوطنية.
على الرغم من الصورة السوداوية لوضع السلطة الفلسطينية، فقد قبلت بالتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، الذي يريد السلطة في هذا الموقع، يريدها حامية لأمنه، في الاحتلال غير المباشرة للضفة وإلى حد ما في قطاع غزة.
إسرائيل بقيام السلطة أزاحت عن كاهلها عبء الاحتلال المباشر للأراضي الفلسطينية بالمعنيين الاقتصادي والديموغرافي، ولم يعد الاحتلال الإسرائيلي مشروعاً خاسراً في الضفة وفي غزة. بعد توقيع الاتفاقية المشؤومة أصبحت السلطة لجماهيرنا في الشتات عاملاً كابحاً لاندفاعاته الثورية في مقاومة محتليه، وبدلاً من أن تكون عوناً لجماهيرنا في إكمال الطريق نحو نيل الحقوق الوطنية، أصبحت عبئاً على هذه الجماهير! السلطة وبدلاً من العمل على تحرير الاقتصاد الفلسطيني ضمن الامكانيات المتاحة، ربطت هذا الاقتصاد بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك وفقاً لاتفاقية باريس الاقتصادية سيئة الصيت والسمعة، التي غضب عرفات بشأنها أشد الغضب حين عاد الوفد الفلسطيني من توقيعها. السلطة الفلسطينية نسيت أو تناست واجباتها أمام الفلسطينيين في الشتات، وذلك بإهمالها وعدم تفعيلها لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. هي اعتقدت أن السلطة بديل للمنظمة، وهذا خطأ فادح اقترفته وما تزال. بالتالي قزّمت من أوراق الضغط، التي بإمكانها التأثير على العدو الصهيوني، وإجباره عنوةً بالاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
السلطة الفلسطينية لم تقم بمراجعة شاملة لمسيرتها منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اللحظة! استجابت للضغوط الإسرائيلية من خلال الوسيط الأمريكي، فمثلاً عادت إلى المفاوضات في ظل الاستيطان، وقبلت بعدم الذهاب للمنظمات الدولية والتسجيل فيها، وقبلت بعدم رفع قضايا جنائية على إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، كل ذلك مقابل إطلاق سراح المعتقلين ما قبل اتفاقيات أوسلو.
الإسرائيليون ما زالوا يماطلون في إطلاق سراح المتبقين منهم، فمقتل أحد الإسرائيليين في العفولة مؤخرا، حدا بالعديد من الوزراء الإسرائيليين في الائتلاف القائم إلى المناداة بعدم إطلاق سراح المعتقلين . مع إدراكنا لأهمية المعتقلين إلا أن هناك أساليب أخرى لتحريرهم، والدليل على صحة ما نقول صفقة شاليط! إسرائيل أطلقت سراح حوالي خمسين معتقلاً فلسطينياً إلا أنها اعتقلت ما يزيد عن 400 فلسطيني في ذات الفترة.
السلطة الفلسطينية تناست أهمية التلاحم العضوي بين الخاص الوطني والعام القومي، فبتوقيع اتفاقيات أوسلو سلخت القضية الفلسطينية عن بعدها القومي الجماهيري العربي. الأمة العربية تقف في العادة مع القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. بمواقف السلطة الفلسطينية المترددة في التسوية والمفاوضات أبعدت الجماهير العربية عن قضيتها المركزية. لذا فإن السلطة الفلسطينية اقترفت وما تزال أخطاء استراتيجية، وبالضرورة فإن ذلك سينعكس أخطاء أكبر في التكتيكيات السياسية، نراها في حياتنا اليومية من خلال قرارات السلطة البعيدة عن الواقع، التي تأتي خالية من الروح الثورية اللازمة تماماً لمعركة الجماهير المغتصبة إراداتها والمحتلة أراضيها.
كل الخشية من قبول فلسطيني بضغوط أمريكية تحمل في طياتها مشروعاً وسيطاً أمريكياً بين المواقف الإسرائيلية واالفلسطينية، حلا يعتمد على مقترحات الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون التي طرحها في طابا في العام 2001. السلطة لم تدرك حتى اللحظة طبيعة الدور الأمريكي في المنطقة وفي الصراع الفلسطيني العربي ـ الصهيوني تحديداً.
هي تعتقد أن الولايات المتحدة وسيط نزيه في هذا الصراع. وهذا يعتبر جهلاً بالواقع، فالولايات المتحدة لا يمكنها إلا أن تكون إلى جانب الطروحات الإسرائيلية. صحيح أن هناك بعض التعارضات حول هذه القضية أو تلك في بعض الأحيان، لكن ذلك لن يؤثر على الحقيقة الأكيدة، وهي أن واشنطن هي الحليف الاستراتيجي للدولة الصهيونية، وهي الناقل (الأمين) للطروحات الإسرائيلية في التسوية، وهي الضاغط الأكبر على الفلسطينيين للقبول بهذا الحل.
يبقى القول ان خيار المفاوضات مع إسرائيل هو خيار خاطئ بامتياز، يتوجب على السلطة الانسحاب نهائياً من المفاوضات فاستقالة الوفد المفاوض لا تعتبر كافية.
المفاوضات .. ومراجعة الخيارات
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
قال رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله محمود عباس إن المفاوضين الفلسطينيين في المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي استقالوا احتجاجا على عدم تحقيق تقدم في المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة وخيم عليها استمرار البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
هذا القرار يكشف عن فشل ذريع، واعتراف غير مباشر من المعنيين مباشرة بهذا الملف بـ «عبثية» المفاوضات، ويؤشر إلى ان ما يجري داخل جلسات التفاوض «محبط» وأوصل الفريق التفاوضي التابع للسلطة إلى الاقدام على هذه الخطوة «المأزق» الجديد لمستقبل المفاوضات البعيدة عن «الأضواء» والتي يمكن وصفها بـ «السرية» لفرض ستار حديدي حول «حركتها» وهل هي إلى «الامام» أم إلى «الخلف» أم أنها «تدور حول نفسها» أو أن الهدف من استئنافها تحت الضغط الأميركي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في يوليو الماضي هو شراء أميركي للوقت لتمكين الإسرائيليين من استكمال المخططات الاستيطانية التي شهدت تكثيفا لافتا من دون أدنى «مقاومة» جادة لأمن السلطة ولأمن «الراعي» الأميركي للمفاوضات الا من تصريحات تتكرر منذ عام 1967 وهي ان الاستيطان «غير شرعي» من دون اي اجراء عقابي او غير عقابي ضد الإسرائيليين الذين يغلقون كل الابواب امام اي تقدم نحو تسوية بوجود هذا الهوس الاستيطاني، ويسدون الطريق امام اي امكانية لتحقيق «تقدم» ولو ضئيل لحفظ ماء الوجه للمفاوض الفلسطيني او الراعي الأميركي.
والاغرب في هذا التطور الجديد ما أشار اليه رئيس السلطة في رام الله محمود عباس خلال مقابلة مع شبكة سي.بي.سي التليفزيونية المصرية إلى أن المفاوضات سوف تستمر حتى لو تمسك وفد المفاوضين بالاستقالة، لكن كيف؟ وقد استقال الفريق التفاوضي التابع للسلطة، ولماذا؟ الاستمرار في مفاوضات أقر كل المشاركين فيها انها لم تحقق اي تقدم، تماما كما هو الحال في جلسات امتدت على مدار السنوات العشرين الماضية حيث وجد الاستيطان ممرات للاقامة والترعرع والانتشار في كافة انحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة التي تقترب من السقوط الجغرافي الشامل للمدينة المقدسة في بحر من الاستيطان.
وأمام هذا الطريق حيث انعدام الافق، يستدعي مراجعة فلسطينية، لا الإعلان عن مواصلة مفاوضات يقر فريقها الفلسطيني انها «عبثية» أو لنقل «فاشلة» لتعنت الإسرائيليين وتعاملهم بعقلية «المنتصر والمهزوم»، مراجعة مستحقة على محورين الاول للدور الأميركي «الراعي» للرغبات والأطماع الإسرائيلية والثاني للمفاوضات التي استمرت عشرين عاما وما زالت في مربعها الاول والبحث في الخيارات الاخرى.
اغتيال «أبو عمار»
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
لأن التقارير السويسرية التي صدرت قبل فترة قريبة وأكدت أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) قد مات إغتيالاً بمادة «البولونيوم» قد أثارت تساؤلات كثيرة فإنني أستميح الصديق العزيز الدكتور ناصر القدوة ،رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات، العذر في نشر الرسالة التي كان قد وجهها قبل خمسة أيام إلى أعضاء مجلس أمناء هذه المؤسسة وأنا أحدهم للإجابة على هذه التساؤلات المتداولة الآن في الأوساط الفلسطينية والعربية.
* * * *
تقول الرسالة:
أكتب إليكم حول موضوع هام أولته مؤسسة ياسر عرفات إهتمامها الدائم ،وهو موضوع وفاة الرئيس ياسر عرفات، رحمه الله. وكما تعلمون فقد قامت قناة الجزيرة في شهر يوليو (تموز) 2012 ببث تقرير العثور في مقتنيات عرفات الشخصية ،من قبل معهد سويسري متخصص، على مادة البولونيوم 210 ،وهي مادة مشعة عُرِفَ مؤخراً إستخدامها في عمليات إغتيال سابقة، وبعد ذلك طُرِحت فكرة فتح قبر عرفات وأخْذِ عينات من رفاته وذلك «للتأكد» من الأمر.. تذكرون أنني كنت ضد هذه الخطوة على أساس أن الشعب الفلسطيني والكثيرين من الإخوة العرب والأصدقاء في العالم توفرت لديهم قناعة بالفعل بأن وفاة عرفات لم تكن وفاة طبيعية وأنها في الحقيقة إغتيال له قامت به إسرائيل ،على الأرجح بالسم (تبين أنه بولونيوم210 بعد الفحوصات السويسرية)، وإننا لسنا بحاجة لمزيد من الدلائل ،بل لموقف جدي يطالب المجتمع الدولي بإدانة الجريمة وتحميل إسرائيل المسؤولية، وأيضاً على أساس أن تقاليدنا الدينية والإجتماعية لا تحبِّذ مثل هذه الخطوة خصوصاً بالنسبة لرجل مثل ياسر عرفات.
في كل الأحوال فقد تقرر إتخاذ الخطوة وتم فتح القبر بالفعل وأخذ العينات من قبل ثلاث جهات متخصصة فرنسية وسويسرية وروسية وبعد مرور فترة عام تقريباً لم تتعامل الجهة الفرنسية مع الجانب الفلسطيني حول الموضوع ،وقامت الجهة الروسية بتقديم تقرير عن النتائج على درجة من الإلتباس وعدم الوضوح.. وحدها الجهة السويسرية قدمت ،لحسن الحظ، تقريراً علمياً متطوراً يعكس عملاً جاداً حيث وصل التقرير إلى نتيجة واضحة مفادها أن النتائج تعكس بشكل معقول فرضية أن وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات كانت بسبب التسمم بمادة البولونيوم210.
أضاف التقرير السويسري إذاً دليلاً ،مرة أخرى، على الأقل بالنسبة للعالم الخارجي حول حقيقة تسمم ياسر عرفات.. لم يتعامل التقرير بطبيعة الحال مع موضوع الجهة التي قامت بإرتكاب الجريمة ،ولكن من الواضح بما لا يقبل الجدل، أن إسرائيل هي التي قامت بالإغتيال بإعتبارها الجهة المعنية الوحيدة التي بإمكانها إمتلاك وإستخدام البولونيوم210 وفي هذا المجال لابد من الإشادة بمهنية وشجاعة الجانب السويسري ،وأيضاً بمثابرة وعمل د.عبد الله بشير ومتابعته للأمر، علماً بأنكم في مجلس أمناء المؤسسة كنتم قد كلفتموه برئاسة اللجنة الطبية لمتابعة هذا الموضوع.. يبقى أن نقول أن لجنة التحقيق الفلسطينية تتابع عملها من أجل التأكد من وجود أية جهة محلية قد تكون متورطة في الجرمية.
إنه وبالرغم من أن الكثيرين من الشعب الفلسطيني لم يفاجأوا بالتطور الأخير ،ولم يشعروا بجديد، إلاَّ أن هذا التطور قد حرَّك مرة أخرى المطالبة الواسعة بضرورة وجود رد فعل فلسطيني جاد ،وكذلك من الجانب العربي، وضرورة القيام بتحرك سريع مع المجتمع الدولي في هذا المجال.
وأنا من جانبي فقد إقترحت اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على الإدانة القوية لهذه الجريمة وتحميل إسرائيل المسؤولية عن الإغتيال وربما تشكيل لجنة لمتابعة الأمر ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة وكذلك فقد تم أيضاً تقديم إقتراحات أخرى باللجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة خاصة وهو الأمر الذي أشك في إمكانية تنفيذه ولهذا فقد يكون من الأنسب المحاولة مع كلْتاالجهتين بشكل يضمن الوصول إلى نتائج فعلية ومؤكدة.. لقد رغبت في إعلامكم بكل ما سبق وهو ما سيكون محل نظر في إجتماع قريب لمجلس إدارة المؤسسة راجياً دعمكم ومساعدتكم لإنجاز المساءلة والعدالة عن إغتيال ياسر عرفات الرئيس المنتخب وقائد الشعب الفلسطيني.
استبدادية العشق القاتل.. عرفات أنموذجا
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
كأنما المؤكد بحاجة، من حين لآخر، إلى تأكيد، أو ربما إعادة تذكير. انطباع انتهيت إليه مساء الاثنين الماضي بعد مشاهدة فيلم وثائقي عرضته قناة التلفزيون البريطاني 5 بعنوان «سبعة أيام صنعت الفوهرر»... (7Days That Made The Fuhrer).
المفارقة، أن الانطباع ذاته شعرت به صباح ذلك النهار أيضا، لمجرد أن طالعت عنوان مقالة روبرت فيسك في «الإندبندنت»: «السم الحقيقي موجود في إرث عرفات»..The real poison is to be found in Arafat›s legacy))، إذ اتفقت مع العنوان ثم اختلفت مع الكاتب في الأبعاد التي ذهب إليها لجهة تشخيصه سلبيات إرث عرفات السياسي. لكن، أين الرابط بين مشاهدة المساء ومطالعة الصباح؟ الجواب: الاستبدادية (TYRANNY).
قبل أن يقفز أحد معترضا بغضب، أوضح أنني لا أقصد وضع كل من أدولف هتلر وياسر عرفات في سلة واحدة. بالتأكيد، كلا. لكنْ، كلاهما يلتقيان مع عشرات، ربما مئات، من السياسيين والزعامات الذين نشأ الشعور الوطني عندهم بشكل طبيعي ثم تطور (evolved) إلى حالة استبدادية استبدت بالواحد منهم، فصارت صورة ذاته حاضرا عبر الممارسات اليومية، ومستقبلا في كتب التاريخ، تسبق ضرورات مصلحة من يقودهم، حاضرا ومستقبلا. إذ ذاك، يكون الشعور الوطني لدى الزعيم قد دخل في العمق (deep down) حالة عشق للذات، لكنه يصر على إنكارها، ويصير سلوكه اليومي على المستوى الشخصي، سواء في محيطه الخاص أو أمام الملأ، هو الجسر الذي تعبر عليه صورة زعيم شديد البساطة، فهو يعيش حياة خشنة، متقشفة، زاهدة، وإذا تطلب الأمر ربما تكون ورعة، ثم هو أغضب الناس جميعهم إذا أحس بأنهم غاضبون لشيء ما، وهو أكثرهم حزنا إذا لمس أنهم محزونون لسبب ما، وأرقهم حنانا أمام موقف يتطلب التعاطف، خصوصا مع الأمهات والأطفال أو المسنين، كل ذلك ممكن طالما - من جهة - يثبت للكل من حوله أن لا أحد يمكنه المزايدة عليه في حب البلد والشعب، ولكنه في الآن نفسه يثبت حالة عشق للذات استوطنت الزعيم فاستبدت به، ومن ثم - بالنتيجة - سوف تتحكم في مآل من يحكم أو يقود.
أبو عمار رجل لبس تلك الحالة في شخصية الزعيم المسكون بهاجس صورة تقوم على النقاء الكامل في أذهان الناس المعاصرين لزعامته، ومن أجل لمعان دائم لصورته تلك، لم يكن مستعدا للإقدام على أي خطوة تحمل أي مخاطرة من شأنها أن تخدش الصورة ولو بعد قرون. على المستوى الشخصي، رأيته يعيش حياة شديدة البساطة، يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل، يرتق ثوبه بنفسه، يتناول من الطعام قليله، ولا شك في أن صحافيين كثيرين غيري رأوا ذلك أيضا من قرب، لكنني رأيته أيضا شديد الغضب إزاء أي اعتراض سياسي، وعد التعارض مع موقف فلسطيني ما بمثابة الموقف المضاد له كزعيم. حتى في المقابلات الصحافية، كان يرفض التسليم بوجود إمكانية لتصرف أفضل في إدارة بعض الأزمات، أو حتى الجوانب الإدارية الخاصة بالتعامل مع طلبات تخص موظفي مكاتب ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. سألته في مقابلة أجريتها معه في تونس عن ضرورة موافقته الشخصية على كل إجراء يخص - مثلا - عائلة أسير أو شهيد، فقال: «نعم»، ثم أشار إلى مجموعة أقلام ذات ألوان مختلفة في جيب سترته، مضيفا: «يجب أن أوقع بقلم من هذه على كل معاملة». وفي مقابلة أجريتها معه في صنعاء، سألته عن التذمر داخل تنظيم فتح إزاء فساد بعض الكوادر القيادية، فانتفض غاضبا ينفي وجود أي تذمر أو فساد. وسمعته مرة في طرابلس (ليبيا) يقر بوجود فساد مالي بين عاملين في بعض مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، ثم يرد بالقول: ماذا نعمل؟ نرسلهم ممثلين للمنظمة فيتحولون إلى ممثلين للدول داخل المنظمة.
عبارات عدة رددها أبو عمار اقترنت به، لعل أشهرها عبارة «يا جبل ما يهزك ريح»، وهو بلا شك كان يعني الثورة الفلسطينية، لكن الأرجح أن الجبل في قرارة نفسه كان هو ذاته، وهناك رده الشهير، إذا كان رائق المزاج، على أي انتقاد لأي من مواقفه السياسية: «ملاقوش في الورد عيب.. قالوا له يا أحمر الخدين». كما هو معلوم، الورد جسر الوصل بين كل العشاق، ولست أرى في عشق ياسر عرفات لفلسطين أي عيب، أما إذا تذكرنا أن «من العشق ما قتل»، فلا مبالغة في اعتبار أن شخصنة ذلك العشق قتلت حلم ياسر عرفات نفسه في حكم دولة فلسطينية مستقلة، إذ لم يستطع التعامل مع ظروف ومعطيات واقعية على حساب صورته الساكنة في أعماق نفسه، فانتهى العاشق ومعه الحلم، إن بالبولونيوم أو من دونه.
مرة أخرى، ليس القصد التشكيك في صدق الأحاسيس، إنما صدقيتها لا تنفي توظيفها في صالح تكريس زعامة الزعيم، والحيلولة دون مطامح أي أحد يرنو إلى الجلوس على كرسي الرجل رقم واحد. وهو ما يعيدني إلى جوهر ما كتبت الأسبوع الماضي: تلخيص الوطن في شخص الزعيم. حصل هذا مع ياسر عرفات ومع غيره، ولا يزال يحصل، وطالما استمر رفض أي قائد سياسي وجود من يحب الوطن مثله تماما، وإنما من منطلق مختلف، أو برؤى مغايرة، سيظل استبداد حب الذات في أعماق ذلك القائد، يحكم مواقفه ليس فقط تجاه الدول والساسة، وإنما أيضا إزاء مصالح أهل البلد الذي يحبه، وأهله الذين يحكمهم.
في تقديري، تلك بعض سلبيات إرث عرفات السياسي التي أضرت به وبفلسطين، وليس ما عده روبرت فيسك «تنازلات» أوسلو وثقته بإسرائيل وأميركا. أما استبدادية أدولف هتلر التي سكنته طفلا ذا نرجسية ولدتها خصوصية تعامل أمه معه وقسوة أبيه عليه، وتجذرت فيه شابا، ثم زعيما للحزب النازي، فهي قصة مختلفة تماما، لكن جوهرها بسيط: تحت سقف أي بيت قد يولد نجم مبدع، أو يبدأ مشوار مستبد بشع.
افتتاحية الخليج: هولاند بين رام الله والقدس
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخراً إلى الكيان الصهيوني والضفة الغربية المحتلة التي التقى خلالها المسؤولين الصهاينة، ثم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هي في الأساس موجهة في أسبابها وأهدافها ومضمونها إلى الكيان وليس إلى فلسطين، وزيارة رام الله المختصرة جداً، والاجتماع إلى عباس كان من قبيل رفع العتب واللياقات الدبلوماسية، أي أنها كانت زيارة عابرة بهدف القول إن فرنسا تعارض الاستيطان كلامياً، لكن أساس الموقف الفرنسي الذي أكده هولاند كان في "إسرائيل" وهو من أجل ذلك قام بزيارته كي يؤكد ثوابت سياساته المؤيدة للكيان والتي من خلالها يحصل على رضى اللوبي اليهودي الفرنسي المؤثر في صناعة القرار السياسي الفرنسي تجاه مختلف قضايا المنطقة .
إن مرور هولاند بشكل عابر على مسألة الاستيطان ولا شرعيتها، لا يقدم ولا يؤخر شيئاً طالما أن الأمر لا يتجاوز الكلام الدبلوماسي ولن يقترب إلى الفعل وترجمة هذا الموقف . . لب الموقف الفرنسي يتمثل في مطالبة هولاند للرئيس عباس بإلقاء خطاب في الكنيست، وكأن حل القضية الفلسطينية يتم من خلال هذا الخطاب، ومن بعده تمتثل "إسرائيل" لقرارات الشرعية الدولية .
إن مثل هذه الدعوة تمثل استخفافاً بالعقل العربي، وكأن الرئيس الفرنسي لا يدرك أن "إسرائيل" لا تريد أن تعطي الفلسطينيين شيئاً، وهي تستند إلى سياسة ثابتة في رفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، والمضي قدماً في الاستيطان والتهويد . فكيف لخطاب في الكنسيت أن يغير هذا النهج العدواني العنصري .
موقف فرنسا الحقيقي أكده هولاند بعد اجتماعه إلى رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الصهاينة بقوله "لم نتوقف منذ عقود عن القول إن "إسرائيل" وفرنسا مرتبطتان ببعضهما"، ودعم "حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها"، بما يعنيه ذلك من عدوان وتوسع وارتكاب مجازر .
كلام هولاند في رام الله بلا رائحة ولا طعم وبلا معنى . . زبدة مواقفه كانت في "إسرائيل" التي يتبادل معها المصالح والمنافع والدعم.
تغريدة نتنياهو.. أدنى مستويات التخاطب الدولي
بقلم: كلوفيس مقصود عن السفير البيروتية
عُرف السيناتور الأميركيّ الراحل وليام فولبرايت الذي كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجيّة، بميوله الليبراليّة وبصراحته في وصف ما هو خاطئ، وهو ما كان يعتبره «تعجرف القوّة».
وينطبق هذا التعبير اليوم على سلوك رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، الذي يحاول حشد الجهود لمواصلة العقوبات على إيران. فقد كتب نتنياهو على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أنّ «إيران راكعة اقتصادياً، ومن الممكن إبرام صفقة أفضل. قبل تخفيض العقوبات، أبرموا صفقة جيّدة، لا صفقة سيّئة».
بهذا نطق صاحب القرار!
هل ينكر نتنياهو أنّ رئيساً أكثر انفتاحاً وليبراليّة وصل إلى سدّة الحكم في إيران، وأنّ القوى العالميّة الستّ على وشك إبرام صفقة قد تؤدّي إلى رفع محدود جداً للعقوبات؟ هل رفع العقوبات الجزئيّ للتخفيف من حدّة العقوبات الاقتصاديّة الصارمة، فرصة لنتنياهو لتقرير نتيجة المفاوضات؟ هل يستخفّ نتنياهو باستجابة إيران للكثير من اقتراحات القوى الستّ، بما في ذلك تقرير الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة؟
في 15 تشرين الثاني الجاري، ذكرت وكالة «رويترز» أنّ التقرير الفصليّ للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة أشار إلى أنّ «إيران أوقفت تقريباً الزيادة المتسارعة في قدرتها على تخصيب اليورانيوم منذ تولّي حسن روحاني الرئاسة (...)». من البديهيّ أنّ فرض مزيد من العقوبات قد يؤدّي إلى انهيار المفاوضات وإلى ترجيح قيام نزاع. هل هذا ما يريده نتنياهو؟ هل يطعن بصحّة الاستنتاجات التمهيديّة التي تمّ التوصّل إليها لاستئناف المفاوضات في جنيف الأسبوع المقبل؟
إيران «راكعة». إنّ هذا التعبير المحِطّ لا يستعمله حتى أعداء إيران لوصفها أو وصف أيّ بلد آخر في العالم. في الواقع، إنّ إذلال نتنياهو الشفهيّ المتعمّد لإيران وضغطه على الكونغرس الأميركيّ للاستمرار في العقوبات، لا يخدمان مصالحه الشخصيّة فحسب بل هما أيضاً محاولة جدّية لإعاقة التوصّل إلى اتفاق من شأنه أن يحقق أهداف الدول الخمس دائمة العضويّة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا. فهذا الاتفاق إذا نجح، قد يخفف من حدّة التوترّات الإقليميّة ويعزّز الليبراليّة النامية في عهد الرئيس روحاني. إنّ إذلال أيّ بلد بطريقة علنيّة هو بلا شكّ مرادف لـ«تعجرف القوّة» الذي وصفه السيناتور فولبرايت.
على الرغم من أن عدداً كبيراً منا يعارض إيران وينتقد أحياناً سياساتها، إلا أنّ ذلك لا يجيز عند التخاطب الدولي وصف بلد بأنه «راكع». فهذه طريقة فظّة للسعي إلى وقف عمليّة تفاوض. آمل أنّ هذه المحاولة الاستفزازيّة لن تؤدّي إلى تعطيل المفاوضات المنتظرة في جنيف الأسبوع المقبل.
في هذا السياق، إنّ محاولة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحقيق أهداف المجتمع الدوليّ في ما يتعلّق بتجاوب إيران، ستضمن بحسب ما يُؤمل نجاح مفاوضات جنيف.
أنا واثق من أنّ الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا لن تخرج عن مسارها في سعيها إلى المفاوضات. وإذا كانت حصيلة المفاوضات موثوقة ومرضية، فمن شأنها أن تؤدّي بشكل أو بآخر إلى نتيجة سلميّة وملائمة للجميع.
هواجس عربية على هامش القمة
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
هل أفريقيا بحاجة إلى إعادة اكتشاف ذاتها وإمكاناتها, قبل البحث عن شراكة ستراتيجية تفتح أبواب الاستثمار فيها, أمام رجال الاعمال العرب عموما, وتحديدا الخليجيين الباحثين عن وجهة جديدة لتوظيف أموالهم تقيهم جحيم الخسائر التي يتكبدونها في الدول الغربية جراء أزمات مالية واقتصادية تعصف بها?
هذا السؤال وغيره من الهواجس يشغل بال المراقب الذي يرى في قارة شاسعة غنى زراعيا ونفطيا, بالاضافة الى ثروة طبيعية من المعادن, لكنها تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة, تحتاج الى إصلاح بعض مكامن الخلل التي حولت غناها الى فقر جراء سوء التخطيط.
إنها حقيقة على الحكومات الأفريقية إدراكها جيدا, اذا كانت تسعى جديا الى بناء شراكة اقتصادية متينة مع الدول العربية, خصوصا الدول النفطية, التي تتمتع بثروات كبيرة وتبحث عن وجهات استثمار جديدة تغنيها عن الخوض في استثمارات غربية تبقى مخاطرها عالية, فيما مردودها يزداد انخفاضا عاما بعد عام, رغم كل إجراءات التحوط التي تتخذ في هذا الشأن.
ما ينقص أفريقيا كي تكون جنة استثمارية, ووجهة لرؤوس الاموال العربية, هو الادارة الاقتصادية القادرة على تسويق القارة السمراء, وجذب الاستثمارات إليها, كما ينقصها إبعاد رؤوس الاموال المشبوهة المرتبطة ببعض الحركات الارهابية العربية, وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني الذي يتخذ منها ملاذا آمنا لادارة أموال التهريب وتبييضها وإعادة ضخها في الاسواق العالمية.
تحتاج, أيضا, الى إنهاء عصر اعتمادها على المستشارين الاقتصاديين والسياسيين المرتبطين بهذا الحزب وغيره من الجماعات الارهابية الاخرى, وإعادة هيكلة بنيتها القانونية بما يتناسب مع المسعى الجديد الذي أعلنته معظم الدول الافريقية المشاركة في الدورة الثالثة للقمة العربية - الافريقية.
مطلوب منها حماية فعلية للمستثمرين, العرب وغير العرب, الذين لا يمكن ان يخاطروا بأموالهم فيها, وهي عرضة في أي وقت للعقوبات الدولية, ذلك ان "رأس المال جبان" وفي الوضع الافريقي الحالي, لا يمكن لأي مستثمر ان يوظف أمواله في تلك الدول, أكان بسبب عدم الاستقرار الأمني في العديد منها, أو لوجود الكثير من الشبهات القانونية حول الشبكات الاستثمارية المشبوهة التي ذكرناها. ولكي يستقيم الأمر يحتاج المستثمر الفرد إلى ضمانات أكثر من تلك التي تحصل عليها الصناديق السيادية المحمية أصلا من حكوماتها وبالاتفاقيات الدولية.
لا يمكن أن تبقى أفريقيا التي تضم مليار نسمة في 63 دولة وإقليما مجهولة للكثير من المستثمرين العرب, أو تبقى في أذهانهم مجرد صورة لمنجم ينتج فقرا, ولهذا لا بد من تبديد هواجس المستثمرين.
في المقابل, من واجب الدول العربية الساعية الى شراكة اقتصادية ستراتيجية مع هذه القارة أن تصارح قادتها بمخاوفها النابعة من واقع, وتعمل معها على تذليل العقبات وإرشادها في هذا المجال.
الطريق السليم لجذب الاستثمارات الى ثاني أكبر قارة في العالم يمر عبر الأمن والاستقرار والوضع القانوني الصحيح وإبعاد عناصر التهديد. فهل تحقق أفريقيا ذلك, وتؤسس ربما لقرن من التعاون بينها وبين الدول العربية?
ضغوط على السياسة الخارجية المصرية
بقلم: جميل مطر (http://shorouknews.com/columns/gamil-matar)عن الشروق المصرية
من إنجازات ثورة يناير أنها «سيست» الجماهير المصرية إلى درجة لم تعرفها من قبل مصر الحديثة. ولكن مثلما حدث فى إنجازات أخرى، تجاوز التسييس الحد المعتدل حين اختفت أو كادت تختفى المسافة بين «التسيس» والغوغائية وخرجت الجماهير بحماستها وانفعالها تتدخل فى كل صغيرة وكبيرة وفيما تفهم وفيما لا تفهم. هكذا تحولت إنجازات بعينها إلى إخفاقات وهكذا تداخلت وتشابكت المواقف فاختلط فى أحيان كثيرة الجد بالهزل والثورة بالفوضى والرأى بالشائعة.
نعرف من تجارب أمم وثورات أخرى أن التسييس إن زاد على حده دفع بالمجتمع إلى الارتباك وخلق حساسية فى العلاقة بين المواطن والحكومة فى الظروف العادية وبين المواطن والناشط السياسى فى ظروف الثورة. فى حالتنا كان واضحا أن هذا التسييس المفرط كان عقبة فى وجه مسيرة الثورة وبخاصة فى وجه عملية إنضاج النخبة الثورية. أظن أنه مسئول أيضا بدرجة أو بأخرى عن ضعف أداء الحكومات المتعاقبة وضعف أداء قادة التيارات السياسية على اختلاف توجهاتها.
مفيد، بل مفيد جدا، أن يعمل الوزير أو المسئول الكبير وهو يعلم أن عيون الناس وعقولهم تراقبه وتتابع عمله. وضار، بل ضار جدا، أن ينشغل المواطن نهارا وليلا بتقييم أداء المسئول أولا بأول ولا يكتفى بإعلان انتقادات بل يسعى لاستصدار أحكام واتخاذ قرارات لا يتحمل مسئوليتها. وفى أحيان كثيرة لا يكتفى المواطن شديد التسييس بحشد الناس وإثارتهم عن طريق إصراره على استخدام حقه فى إسماع صوته من خلال برامج الكلام التليفزيونية ومن على المنصات الخطابية، بل وجدناه يعود إلى بيته ليمارس هواية الجدل السياسى مع أفراد عائلته فإذا بالبيوت تشتعل بنار الخلافات السياسية إضافة لنيران خلافات أخرى اجتماعية واقتصادية عديدة سبقت الثورة أو لحقت بها.
أن تكون الجماهير حكيمة ورشيدة فهذا أمر نتمناه ونعمل لتحقيقه، ولكن أن يتصرف كل مواطن فى أى قضية عامة كما لو كان متخصصا تخصص الوزراء والقضاة والضباط ومطلعا على دفاترهم بقدر إطلاعهم، فهذا هو الأمر غير المفيد وغير المجدى للثورة والدولة والمواطن معا.
<<<
شعرت بارتياح حين تولى مسئولية وزارة الخارجية المصرية وزير شاء أن يطلع الرأى العام على ما ينوى عمله والمشكلات التى تواجهه. تعمد، كما لاحظت، أن يعرض قضايا مصر الخارجية بأسلوب يمكن أن يفهمه المراقب لسياسة الدولة من غير المتخصصين. ارتحت أكثر حين سمعت أن الناس استجابت لهذا الأسلوب فى التعامل مع الرأى العام بردود فعل إيجابية واهتمام معقول. كنت على امتداد سنوات عديدة أدعو المسئولين عن صنع وتنفيذ السياسة الخارجية إلى كسر طوق التكتم الذى فرضه أقطاب الحزب الحاكم مبررين تكتمهم بحجج تقليدية عفا عليها الزمن، مثل حساسية بعض القضايا وخطورة المعلومات المتعلقة بالسياسة الخارجية، والخوف من أن تتسرب أسرار الأمن القومى وخطط الدفاع الاستراتيجى، ووجود عملاء وطوابير خامسة وجواسيس على استعداد لتلقف أى معلومة تخدم الأعداء. إلا أن الحجة التى كثيرا ما كان يلجأ إليها المسئولون لتبرير التعتيم على المعلومات المتعقلة بسياستنا الخارجية فى المنطقة العربية فكانت الزعم بالحرص على حماية العمالة المصرية فى الدول العربية وبخاصة فى دول الخليج. تحديت كثيرين فى مواقع المسئولية بالحزب وخارجه عندما طلبت نشر قائمة بعناوين موضوعات يبررها استخدام هذه الحجج، وكنت من جانبى مستعدا لتقديم قائمة مقابلة بالمواقع الأجنبية التى تنشر تفصيلات بالغة الدقة عن هذه الموضوعات التى تحجب عن الرأى العام المصرى. كان جل ما نعتقد أنه من الأسرار نجده فى اليوم التالى وربما فى اليوم نفسه منشورا فى موقع إعلامى أو فى دراسة لباحث فى أحد مراكز العصف الفكرى فى الخارج.
كتب كثيرون فى داخل مصر كما فى دول أخرى داعين إلى أهمية التزام الحرص الشديد فى التمييز بين حق الجماهير فى إبداء رأيها فى قضية من قضايا الأمن القومى والسياسة الخارجية وبين الزعم بحقها فى صنع القرار. يقضى الواجب بأن تحاط الجماهير علما بموضوعات العلاقات الخارجية باعتبار أنها تؤثر فى مستقبل الشعب والدولة، ولكن هذا الواجب نفسه يقضى بأن تكون عملية صنع السياسة الخارجية هى من مسئولية اجهزة صنع قرار السياسة الخارجية باعتبار أنها عملية متخصصة وتحتاج إلى خبرات خاصة فى التفاوض وتجميع المصالح والضغوط وفى الصياغة وصنع البدائل والسيناريوهات. يجوز طرح قضايا معينة وفى مراحل معينة من عملية صنع القرار للنقاش العام بهدف إثارة اهتمام المواطنين واستخدام هذا الاهتمام خلال التفاوض مع دول أخرى أو بهدف إعداد المواطنين لاستقبال أخبار سيئة كما فى القرارات المتعلقة بتدهور علاقات خارجية مثل فرض الحصار أو الإعداد للحرب.
كان صاعقا لنا ما تسرب عمدا أو خطأ عن لقاء الدكتور مرسى مع ممثلين لتيارات سياسية وشعبية لمناقشة سيناريوهات العمل فى أزمة سد النهضة. كان يمكن لو استمر النقاش على النحو الذى جرى عرضه على الجماهير أن تتردى العلاقات مع إثيوبيا إلى اشتباكات مسلحة وعمليات إرهاب متبادلة. وكان مؤذيا للعقل والضمير وسمعة السياسة الخارجية المصرية ومكانة مصر الإقليمية والدولية انعقاد المؤتمر الشعبى الذى ترأسه الدكتور مرسى لمناقشة الأزمة السورية، كان يمكن لو تكرر انعقاده أو خرجت قراراته إلى حيز التنفيذ أن يشعل فى مصر حريقا هائلا وأن يضع الشرق الأوسط جميعه فى بوتقة صهر إرهابية لعشرات السنين، وأظن أن شيئا من كل هذا يحدث الآن.
كان أيضا دافعا للقلق رد الفعل للانفتاح المتبادل بين روسيا ومصر. أتصور أن رد الفعل، سواء جاء بتشجيع من مصادر وقوى رسمية أو بحماسة تلقائية من جانب معلقين ومذيعين وإعلاميين، لم يخدم صانع القرار فى كلا البلدين. كان الطرفان يستعدان لمفاوضات تتعلق أساسا بشراء سلاح، فى ختام جولة جاب خلالها الروس دولا فى أمريكا اللاتينية وإفريقيا يسوقون لمنتجاتهم العسكرية بعد أن بلغت المنافسة أشدها فى تجارة السلاح. نعرف الآن أن رد الفعل الشعبى المتبادل فى مصر وروسيا دفع بالمفاوضات، إعلاميا ثم سياسيا، نحو أبعاد لم يكن الطرفان قد استعدا لها بالقدر اللازم.
مثل هذه القضايا يستحق إطلاع الرأى العام عليها ولكن مع ضمان «تحصين» أجهزة صنع السياسة الخارجية وقراراتها ضد تدخلات من جانب من لا يقدرون دقة وحساسيات الوضع الإقليمى وضد من يسعون إلى استغلال حالة التسييس المتفاقمة فى الشارع المصرى لتحقيق أهداف سياسية وعقائدية خاصة أو بحجة الحاجة الماسة إلى انتصارات مبهرة.
أرى عند الأفق سحبا كثيفة قادمة فى اتجاهنا معبأة بتحولات جوهرية فى أنماط التفاعلات الدولية والإقليمية. أغلب التطورات تمس مباشرة دور مصر فى ميزان القوى الإقليمية. يبدو، على سبيل المثال، أن أطرافا فى القمة الدولية قررت توظيف النفوذ الإيرانى فى جهود تسوية أزمات عجزت التوازنات السابقة عن تسويتها مثل أزمات سوريا ولبنان واليمن والعراق. يبدو أيضا أن تركيا لم تنتظر سايكس بيكو جديدة فها هى تقوم بنفسها بترتيب قضية مستقبل الأكراد، والتصرف بعنف إن استدعى الأمر، فى حال أصر أكراد سوريا على الانفصال. يبدو كذلك أن روسيا تكاد تقتنع بأن مستقبل سيناء قد يكون أهم لأمنها واستقرار بلاد القوقاز وللحرب ضد الإرهاب من سوريا، أو بعد سوريا. ولا يخفى على مسئول فى المنطقة أن الفرصة سانحة لتتخذ إسرائيل خطوتها الأخيرة نحو إعلان نهاية صراعها مع الفلسطينيين بعد أن أنهت أو كادت تنهى صراعها مع بقية العرب.
هذه التطورات المحتملة، وغيرها كثير وخطير، سوف تفرض نفسها خلال الشهور القادمة على حكومات عربية أغلبها مأزوم وعلى شعوب عربية أغلبها «مسيس» للغاية.
نتنياهو... كنز إيران المدفون
بقلم: عطاءالله مهاجراني عن الوسط البحرينية
بدأ يتسرب إلى نفسي اعتقاد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صار كنزاً لإيران! تماماً كما اعتاد الإسرائيليون وصف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أيضاً بكنز إسرائيل الثمين. كان اعتقادي صائباً مئة في المئة، فغالباً ما يصل الفكر المتشدد الأعمى في تطوره إلى نقطة يبدو فيها مختلفاً تماماً عن الفكرة أو الشعار الذي بني عليه في الأساس. وهناك قاعدة منطقية مهمة تقول: كل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده!
في أغسطس/ آب من العام 2008، قال أحمدي نجاد تصريحه الشهير بأنه يبغي محو إسرائيل تماماً من خريطة العالم. ساعتها قال إفرايم هاليفي، الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، إن «أحمدي نجاد منحة عظيمة لنا، فوجوده سوف يخدمنا إلى حد بعيد، ولن يقوم الموساد بعملية أفضل من أن يسعى إلى أن يصل رجل مثل أحمدي نجاد إلى قمة السلطة في إيران، فهذا الرجل سوف يوحد العالم بالكامل ضد إيران».
وفي معرض حديثه عن تكهنات أحمدي نجاد المتكرّرة عن فناء إسرائيل وتشكيكه الدائم في صحة المحرقة النازية لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، قال هاليفي إن الزعيم الإيراني «أثبت للجميع أنه بات من المستحيل العيش مع إيران بسياساتها الحالية».
كان هذا الطرح صحيحاً، فالتوجه المتشدد الزائد على الحد الذي كان ينتهجه أحمدي نجاد، كان يبدو في ظاهره ضد إسرائيل، بيد أنه في الحقيقة كان يخدم المصالح الإسرائيلية إلى أبعد الحدود. فلطالما سلط الإسرائيليون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة، وكذلك وزير استخباراته يوفال شتاينتس، الضوء على أهم المقتطفات من مقابلة أحمدي نجاد الشهيرة مع برنامج «Hard Talk» على تلفزيون «بي بي سي» (BBC)، ما يعني أنهم مازالوا يشعرون بالسعادة عند استدعاء تصريحات أحمدي نجاد.
بيد أن إيران تشهد اليوم تغييراً استراتيجياً، ليس تغييراً فقط في نبرة التصريحات أو النهج السياسي المتبع، إنه تغيير استراتيجي بالكلية. فقد انهارت الآن فكرة عدم التفاوض مع «الشيطان الأعظم»، أي الولايات المتحدة، التي ظلت مقدسة لفترة طويلة من الزمن، وباتت إيران اليوم تتفاوض كثيراً وبشكل مباشر مع أميركا. كما أنه من الواضح أن أميركا هي الأخرى باتت مقتنعةً بأن إيران تريد التوصل إلى حلول للعوائق التي تقف في طريقها، وأنها لا تريد إضاعة المزيد من الوقت في ذلك.
بمعنى آخر، بات للنهج المتشدد الذي يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حليفان فقط في كل من أميركا وإيران. في أميركا، الحليف هو السيناتور الجمهوري جون ماكين النائب عن ولاية أريزونا، والذي يعد نسخة طبق الأصل من نتنياهو. لا يمكننا أن ننسى أبداً أن السيناتور ماكين، الذي ضبط متلبساً بممارسة لعبة البوكر على جهاز الـ «آيفون» الخاص به خلال جلسة مهمة لمجلس الشيوخ، قد استوحى أغنية شهيرة لفرقة «بيتش بويز» الأميركية، الذي ذاع صيتها في ستينات القرن الماضي، وقال أثناء غنائه: اقصف، اقصف، اقصف إيران! والآن ينتقد جون كيري بشدة ويصفه بأنه «كرة هدم»، وهو وصف استوحاه ماكين من أحدث أغاني المطربة الأميركية الشهيرة ميلي سيروس ريكنغ بول.
يقول ماكين خلال مقابلة له مع جيفري جولدبرغ يوم الخميس الماضي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني في منتدى «أفكار واشنطن» الذي عقد في العاصمة واشنطن، عن سياسة كيري: «لقد تحول هذا الرجل، جون كيري، إلى كرة هدم بشرية. إنني أشعر بإحباط شديد».
هذا التصوير الفظ لسياسة وزير الخارجية كيري كان مجرد «ضربة ريشة» في اللوحة الكئيبة التي رسمها ماكين للنفوذ المتراجع للسياسة الأميركية في العالم بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
ويضيف ماكين: «إنني لم أشهد طوال حياتي مثل تلك الحالة من الفوضى التي تبدو عليها سياستنا في الشرق الأوسط، والتي ينعكس صداها السلبي على سياساتنا في شتى أنحاء العالم».
ولا يقف ماكين في توجهه هذا وحيداً، ففي طهران، يمكننا أن نسمع نفس الصوت من المتشددين، وهم أناس الموت والحرب تجارتهم. وفي روايته الخالدة «الموت سلعتي» يروي الأديب الشهير روبرت ميرل حياة وأفكار القاتل النازي رودلف لانغ، ولو أن ديكارت يقول: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، فلانغ يقول: «أنا أقتل، إذن أنا موجود».
في حقيقة الأمر، وعن خبرة تاريخية، أعتقد أن بندقية نتنياهو خالية من الرصاص، وهذا هو عنوان مقال لشيمعون شيفر نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 11 نوفمبر الماضي.
وخلال توليه منصب رئيس الوزراء، استثمر نتنياهو أكثر من عشرة مليارات شيقل (نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي) في تشييد البنية التحتية اللازمة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، ما يعني أنه قد جهّز سلاحه بالفعل! لكنني أعتقد أن شن حرب ضد إيران سوف يؤدي إلى كثير من العواقب التي لم تكن في الحسبان، ولهذا أعتقد أن نتنياهو بات كنزاً ثميناً بالنسبة لإيران للكثير من الأسباب، أهمها:
1 - إذا ما أقدمت إسرائيل على ضرب إيران، فسوف تكتشف للتو أن إيران ليست هي عراق 1981 أو سورية 2006. ففي «عملية البوستان»، استخدمت إسرائيل سلاح الجو لتدمير الموقع النووي السوري، فماذا كان رد سورية؟ قال السوريون: «سنحتفظ بحقنا في الرد في الوقت المناسب»، بيد أن إيران قالت مراراً إن ردها سوف يأتي بعد دقائق قليلة من أي هجوم إسرائيلي، وهو ما سيؤشر على بداية حرب جديدة في المنطقة ربما تقود في النهاية إلى حرب عالمية ثالثة. وهناك الكثير من الكلمات المشتركة بين اللغتين الفارسية والعبرية، من بينها كلمة «بوستان» التي تعني «بستان الفاكهة»، وهي الكلمة التي أطلقتها إسرائيل على عملية تدمير الموقع النووي السوري. الحرب ضد إيران لن تكون «بوستان»! بل ستكون جحيماً حقيقياً لكلا الطرفين وللمنطقة كلها.
2 - قامت إيران بإنشاء مواقعها النووية في أماكن مختلفة، ومساحة إيران أكبر من إسرائيل بمئة مرة، وعدد سكانها أيضاً أكبر خمس عشرة مرة من عدد سكان إسرائيل، فكيف ستنجح إسرائيل إذا قامت بضرب إيران؟
3 - سوف تستغل الحكومة الإيرانية الهجوم الإسرائيلي كفرصة عظيمة لخلق توافق وطني، ولو حدث هذا، فسوف يكون من المستحيل أن تجد شخصاً واحداً أو مجموعةً واحدةً تقف ضد أو حتى تنتقد حكومة إيران.
4 - سعت إسرائيل دائماً لاستغلال فوبيا إيران لتنحي جانباً مسألة فلسطين والفلسطينيين، وبالتالي فسوف يشكل أي هجوم ضد إيران فرصةً مواتيةً للمسلمين لإلقاء الضوء على الملف الفلسطيني.
5 - سوف يكتب أي هجوم إسرائيلي على طهران نهاية للحركة الإصلاحية في إيران، لأنه عندما ينفخ في نفير الحرب، فسوف تخشع أصوات أخرى.
21/11/2013
في هذا الملــــف:
ليست الاستقالة بل الانسحاب من المفاوضات
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
المفاوضات .. ومراجعة الخيارات
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
اغتيال «أبو عمار»
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
استبدادية العشق القاتل.. عرفات أنموذجا
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
افتتاحية الخليج: هولاند بين رام الله والقدس
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
تغريدة نتنياهو.. أدنى مستويات التخاطب الدولي
بقلم: كلوفيس مقصود عن السفير البيروتية
هواجس عربية على هامش القمة
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
ضغوط على السياسة الخارجية المصرية
بقلم: جميل مطر (http://shorouknews.com/columns/gamil-matar)عن الشروق المصرية
نتنياهو... كنز إيران المدفون
بقلم: عطاءالله مهاجراني عن الوسط البحرينية
ليست الاستقالة بل الانسحاب من المفاوضات
بقلم: فايز رشيد عن القدس العربي
استقالة الوفد التفاوضي الفلسطيني هي تعبير عن الأزمة التي وصلت إليها مفاوضات السلطة مع العدو الصهيوني. فما يقارب العشرين جلسة منذ 30 تموز/يوليو الماضي، غاصت في الاحتياجات الأمنية الإسرائيلية، فالعدو الصهيوني يعرف كيف يدير المفاوضات لصالحه، ويتقن ممارسة الابتزاز على الفلسطينيين كيف لا؟ وقد جاءوا إلى المفاوضات من دون وقف استيطانه، وقد ارتفعت وتائره بعد بدء المفاوضات، التي وفقاً للأجندة الأمريكية ستظل تسعة أشهر وتنتهي في ايار/مايو المقبل. لقد أقرت الحكومة الإسرائيلية التوسع في المستوطنات ببناء 20 ألف وحدة استيطانية جديدة فيها. قرار نتنياهو على ضوء ردود الفعل الفلسطينية والدولية بتجميد القرار مؤقتاً، لا يعني العدول عنه، وإنما انتظار لكي تهدأ العاصفة، وتعود المفاوضات إلى مجاريها وكأن شيئاً لك يكن.
القضية لا تكمن في استقالة الوفد التفاوضي، لأن أعضاءه، إذا ما أصروا على مواقفهم، فيمكن للرئيس عباس استبدالهم بوفد جديد، هذا إذا قبل استقالاتهم، ونشك في ذلك؟ فرئيس الوفد صائب عريقات هو صاحب مقولة ‘الحياة مفاوضات’، بل تكمن في خيار المفاوضات من الأساس، فهو جاء عاماً ومطاطياً، ولم يقم على أساس قبول إسرائيل بالحقوق الوطنية الفلسطينية في العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس. مبدأ المفاوضات لم يستند إلى قرارات الأمم المتحدة بهذا الشأن، ولم يقم على وقف الاستيطان، والاستناد إلى حدود عام 1967، والتفاوض على القضايا الأساسية المتعلقة بجوهر الحقوق الفلسطينية. للأسف تنازل المفاوض الفلسطيني، تدريجياً إلى أن وصل الأمر بتحكم إسرائيلي مطلق في أجندة المفاوضات وتسييرها، باتجاه الرياح التي لا يريدها المفاوض الفلسطيني، الذي قبل بممارسة الضغوطات الأمريكية عليه. الأهم من كل ما سبق هو أن السلطة الفلسطينية حددت خيارها الرئيسي والأساسي بالمفاوضات فقط، وهذا خطأ استراتيجي يُفقد الجانب الفلسطيني كثيراً من أوراق القوة، التي يستطيع التأثير بها.
السلطة الفلسطينية لا تتعلم من تجاربها للأسف، ولم تُأخذ بتجارب حركات التحرر الوطني على صعيد آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية، والأدق أنها لا تريد أن تأخذ هذه الدورس بعين الاعتبار. عباس يعتبر المقاومة ‘إرهاباً’ أو ‘عنفاً غير مشروع′، حتى الانتفاضة لا يريدها باعتبار ما تستعمله من حجارة ‘عنفاً غير مبرر’. هو يريد مقاومة شعبية سلبية على غرار المهاتما غاندي ومقاومته العصيانية في الهند ضد الاحتلال البريطاني، ناسياً أو متناسياً الفروقات الكبيرة بين طبيعة كل عدو منهما، فإذا كان البريطانيون احتلوا الهند ليرحلوا في ما بعد، فإن الصهاينة جاءوا ليستقروا في فلسطين وليقتلعوا شعبها من أرضه، ثم طبيعة اختلاف فهم العنف لكل من الاحتلال البريطاني والطبيعة الصهيونية، والأخيرة لا حدود لفاشيتها، فقـد تفـوقت في جرائمها وفي عنصريتها ومذابحها على النازية.
لم يدرك عباس وهذه مصيبة (وإن كات يدرك فالمصيبة أعظم) طبيعة العدو الصهيوني، والحدود التي يمكنه الوصول إليها في أية تسوية مع الفلسطينيين أو مع العرب. اعتقد المرحوم ياسر عرفات أنه بتوقيعه لاتفاق أوسلو المشؤوم، سيطرق باب دخول الدولة الفلسطينية التي سيقيمها في القريب العاجل. لم يدرك الأهداف الاسرائيلية من قبول تجميع المقاتلين الفلسطينيين في بقعة جغرافية محدودة، للحد من حركتهم كثوار ومقاتلين ضد العدو. للأسف أيضاً لم يدرك محمود عباس ولا حتى القائمين على السلطة في غزة، أن الانقسام الفلسطيني يفجّر الوحدة الوطنية الفلسطينية، وهذه تعتبر العمود الأبرز في مقاومة العدو، ومجابهة مخططاته، فالسلطة في رام الله تلاحق المقاومين، وكذلك السلطة في غزة بعد توقيع هدنتها غير المباشرة مع إسرائيل. الوحدة الوطنية الفلسطينية هي أحد شروط الانتصار في معركة الشعب ضد مغتصبي إرادته، وهي تشكل مركز الجذب للشعب الفلسطيني في مسيرته الثورية، من أجل نيل وإنجاز حقوقه الوطنية.
على الرغم من الصورة السوداوية لوضع السلطة الفلسطينية، فقد قبلت بالتنسيق الأمني مع العدو الصهيوني، الذي يريد السلطة في هذا الموقع، يريدها حامية لأمنه، في الاحتلال غير المباشرة للضفة وإلى حد ما في قطاع غزة.
إسرائيل بقيام السلطة أزاحت عن كاهلها عبء الاحتلال المباشر للأراضي الفلسطينية بالمعنيين الاقتصادي والديموغرافي، ولم يعد الاحتلال الإسرائيلي مشروعاً خاسراً في الضفة وفي غزة. بعد توقيع الاتفاقية المشؤومة أصبحت السلطة لجماهيرنا في الشتات عاملاً كابحاً لاندفاعاته الثورية في مقاومة محتليه، وبدلاً من أن تكون عوناً لجماهيرنا في إكمال الطريق نحو نيل الحقوق الوطنية، أصبحت عبئاً على هذه الجماهير! السلطة وبدلاً من العمل على تحرير الاقتصاد الفلسطيني ضمن الامكانيات المتاحة، ربطت هذا الاقتصاد بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك وفقاً لاتفاقية باريس الاقتصادية سيئة الصيت والسمعة، التي غضب عرفات بشأنها أشد الغضب حين عاد الوفد الفلسطيني من توقيعها. السلطة الفلسطينية نسيت أو تناست واجباتها أمام الفلسطينيين في الشتات، وذلك بإهمالها وعدم تفعيلها لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. هي اعتقدت أن السلطة بديل للمنظمة، وهذا خطأ فادح اقترفته وما تزال. بالتالي قزّمت من أوراق الضغط، التي بإمكانها التأثير على العدو الصهيوني، وإجباره عنوةً بالاعتراف بالحقوق الوطنية الفلسطينية، في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
السلطة الفلسطينية لم تقم بمراجعة شاملة لمسيرتها منذ اتفاقيات أوسلو وحتى اللحظة! استجابت للضغوط الإسرائيلية من خلال الوسيط الأمريكي، فمثلاً عادت إلى المفاوضات في ظل الاستيطان، وقبلت بعدم الذهاب للمنظمات الدولية والتسجيل فيها، وقبلت بعدم رفع قضايا جنائية على إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، كل ذلك مقابل إطلاق سراح المعتقلين ما قبل اتفاقيات أوسلو.
الإسرائيليون ما زالوا يماطلون في إطلاق سراح المتبقين منهم، فمقتل أحد الإسرائيليين في العفولة مؤخرا، حدا بالعديد من الوزراء الإسرائيليين في الائتلاف القائم إلى المناداة بعدم إطلاق سراح المعتقلين . مع إدراكنا لأهمية المعتقلين إلا أن هناك أساليب أخرى لتحريرهم، والدليل على صحة ما نقول صفقة شاليط! إسرائيل أطلقت سراح حوالي خمسين معتقلاً فلسطينياً إلا أنها اعتقلت ما يزيد عن 400 فلسطيني في ذات الفترة.
السلطة الفلسطينية تناست أهمية التلاحم العضوي بين الخاص الوطني والعام القومي، فبتوقيع اتفاقيات أوسلو سلخت القضية الفلسطينية عن بعدها القومي الجماهيري العربي. الأمة العربية تقف في العادة مع القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. بمواقف السلطة الفلسطينية المترددة في التسوية والمفاوضات أبعدت الجماهير العربية عن قضيتها المركزية. لذا فإن السلطة الفلسطينية اقترفت وما تزال أخطاء استراتيجية، وبالضرورة فإن ذلك سينعكس أخطاء أكبر في التكتيكيات السياسية، نراها في حياتنا اليومية من خلال قرارات السلطة البعيدة عن الواقع، التي تأتي خالية من الروح الثورية اللازمة تماماً لمعركة الجماهير المغتصبة إراداتها والمحتلة أراضيها.
كل الخشية من قبول فلسطيني بضغوط أمريكية تحمل في طياتها مشروعاً وسيطاً أمريكياً بين المواقف الإسرائيلية واالفلسطينية، حلا يعتمد على مقترحات الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون التي طرحها في طابا في العام 2001. السلطة لم تدرك حتى اللحظة طبيعة الدور الأمريكي في المنطقة وفي الصراع الفلسطيني العربي ـ الصهيوني تحديداً.
هي تعتقد أن الولايات المتحدة وسيط نزيه في هذا الصراع. وهذا يعتبر جهلاً بالواقع، فالولايات المتحدة لا يمكنها إلا أن تكون إلى جانب الطروحات الإسرائيلية. صحيح أن هناك بعض التعارضات حول هذه القضية أو تلك في بعض الأحيان، لكن ذلك لن يؤثر على الحقيقة الأكيدة، وهي أن واشنطن هي الحليف الاستراتيجي للدولة الصهيونية، وهي الناقل (الأمين) للطروحات الإسرائيلية في التسوية، وهي الضاغط الأكبر على الفلسطينيين للقبول بهذا الحل.
يبقى القول ان خيار المفاوضات مع إسرائيل هو خيار خاطئ بامتياز، يتوجب على السلطة الانسحاب نهائياً من المفاوضات فاستقالة الوفد المفاوض لا تعتبر كافية.
المفاوضات .. ومراجعة الخيارات
بقلم: علي الطعيمات عن الوطن القطرية
قال رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله محمود عباس إن المفاوضين الفلسطينيين في المفاوضات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي استقالوا احتجاجا على عدم تحقيق تقدم في المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة وخيم عليها استمرار البناء الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة.
هذا القرار يكشف عن فشل ذريع، واعتراف غير مباشر من المعنيين مباشرة بهذا الملف بـ «عبثية» المفاوضات، ويؤشر إلى ان ما يجري داخل جلسات التفاوض «محبط» وأوصل الفريق التفاوضي التابع للسلطة إلى الاقدام على هذه الخطوة «المأزق» الجديد لمستقبل المفاوضات البعيدة عن «الأضواء» والتي يمكن وصفها بـ «السرية» لفرض ستار حديدي حول «حركتها» وهل هي إلى «الامام» أم إلى «الخلف» أم أنها «تدور حول نفسها» أو أن الهدف من استئنافها تحت الضغط الأميركي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في يوليو الماضي هو شراء أميركي للوقت لتمكين الإسرائيليين من استكمال المخططات الاستيطانية التي شهدت تكثيفا لافتا من دون أدنى «مقاومة» جادة لأمن السلطة ولأمن «الراعي» الأميركي للمفاوضات الا من تصريحات تتكرر منذ عام 1967 وهي ان الاستيطان «غير شرعي» من دون اي اجراء عقابي او غير عقابي ضد الإسرائيليين الذين يغلقون كل الابواب امام اي تقدم نحو تسوية بوجود هذا الهوس الاستيطاني، ويسدون الطريق امام اي امكانية لتحقيق «تقدم» ولو ضئيل لحفظ ماء الوجه للمفاوض الفلسطيني او الراعي الأميركي.
والاغرب في هذا التطور الجديد ما أشار اليه رئيس السلطة في رام الله محمود عباس خلال مقابلة مع شبكة سي.بي.سي التليفزيونية المصرية إلى أن المفاوضات سوف تستمر حتى لو تمسك وفد المفاوضين بالاستقالة، لكن كيف؟ وقد استقال الفريق التفاوضي التابع للسلطة، ولماذا؟ الاستمرار في مفاوضات أقر كل المشاركين فيها انها لم تحقق اي تقدم، تماما كما هو الحال في جلسات امتدت على مدار السنوات العشرين الماضية حيث وجد الاستيطان ممرات للاقامة والترعرع والانتشار في كافة انحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة التي تقترب من السقوط الجغرافي الشامل للمدينة المقدسة في بحر من الاستيطان.
وأمام هذا الطريق حيث انعدام الافق، يستدعي مراجعة فلسطينية، لا الإعلان عن مواصلة مفاوضات يقر فريقها الفلسطيني انها «عبثية» أو لنقل «فاشلة» لتعنت الإسرائيليين وتعاملهم بعقلية «المنتصر والمهزوم»، مراجعة مستحقة على محورين الاول للدور الأميركي «الراعي» للرغبات والأطماع الإسرائيلية والثاني للمفاوضات التي استمرت عشرين عاما وما زالت في مربعها الاول والبحث في الخيارات الاخرى.
اغتيال «أبو عمار»
بقلم: صالح القلاب عن الرأي الأردنية
لأن التقارير السويسرية التي صدرت قبل فترة قريبة وأكدت أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) قد مات إغتيالاً بمادة «البولونيوم» قد أثارت تساؤلات كثيرة فإنني أستميح الصديق العزيز الدكتور ناصر القدوة ،رئيس مجلس إدارة مؤسسة ياسر عرفات، العذر في نشر الرسالة التي كان قد وجهها قبل خمسة أيام إلى أعضاء مجلس أمناء هذه المؤسسة وأنا أحدهم للإجابة على هذه التساؤلات المتداولة الآن في الأوساط الفلسطينية والعربية.
* * * *
تقول الرسالة:
أكتب إليكم حول موضوع هام أولته مؤسسة ياسر عرفات إهتمامها الدائم ،وهو موضوع وفاة الرئيس ياسر عرفات، رحمه الله. وكما تعلمون فقد قامت قناة الجزيرة في شهر يوليو (تموز) 2012 ببث تقرير العثور في مقتنيات عرفات الشخصية ،من قبل معهد سويسري متخصص، على مادة البولونيوم 210 ،وهي مادة مشعة عُرِفَ مؤخراً إستخدامها في عمليات إغتيال سابقة، وبعد ذلك طُرِحت فكرة فتح قبر عرفات وأخْذِ عينات من رفاته وذلك «للتأكد» من الأمر.. تذكرون أنني كنت ضد هذه الخطوة على أساس أن الشعب الفلسطيني والكثيرين من الإخوة العرب والأصدقاء في العالم توفرت لديهم قناعة بالفعل بأن وفاة عرفات لم تكن وفاة طبيعية وأنها في الحقيقة إغتيال له قامت به إسرائيل ،على الأرجح بالسم (تبين أنه بولونيوم210 بعد الفحوصات السويسرية)، وإننا لسنا بحاجة لمزيد من الدلائل ،بل لموقف جدي يطالب المجتمع الدولي بإدانة الجريمة وتحميل إسرائيل المسؤولية، وأيضاً على أساس أن تقاليدنا الدينية والإجتماعية لا تحبِّذ مثل هذه الخطوة خصوصاً بالنسبة لرجل مثل ياسر عرفات.
في كل الأحوال فقد تقرر إتخاذ الخطوة وتم فتح القبر بالفعل وأخذ العينات من قبل ثلاث جهات متخصصة فرنسية وسويسرية وروسية وبعد مرور فترة عام تقريباً لم تتعامل الجهة الفرنسية مع الجانب الفلسطيني حول الموضوع ،وقامت الجهة الروسية بتقديم تقرير عن النتائج على درجة من الإلتباس وعدم الوضوح.. وحدها الجهة السويسرية قدمت ،لحسن الحظ، تقريراً علمياً متطوراً يعكس عملاً جاداً حيث وصل التقرير إلى نتيجة واضحة مفادها أن النتائج تعكس بشكل معقول فرضية أن وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات كانت بسبب التسمم بمادة البولونيوم210.
أضاف التقرير السويسري إذاً دليلاً ،مرة أخرى، على الأقل بالنسبة للعالم الخارجي حول حقيقة تسمم ياسر عرفات.. لم يتعامل التقرير بطبيعة الحال مع موضوع الجهة التي قامت بإرتكاب الجريمة ،ولكن من الواضح بما لا يقبل الجدل، أن إسرائيل هي التي قامت بالإغتيال بإعتبارها الجهة المعنية الوحيدة التي بإمكانها إمتلاك وإستخدام البولونيوم210 وفي هذا المجال لابد من الإشادة بمهنية وشجاعة الجانب السويسري ،وأيضاً بمثابرة وعمل د.عبد الله بشير ومتابعته للأمر، علماً بأنكم في مجلس أمناء المؤسسة كنتم قد كلفتموه برئاسة اللجنة الطبية لمتابعة هذا الموضوع.. يبقى أن نقول أن لجنة التحقيق الفلسطينية تتابع عملها من أجل التأكد من وجود أية جهة محلية قد تكون متورطة في الجرمية.
إنه وبالرغم من أن الكثيرين من الشعب الفلسطيني لم يفاجأوا بالتطور الأخير ،ولم يشعروا بجديد، إلاَّ أن هذا التطور قد حرَّك مرة أخرى المطالبة الواسعة بضرورة وجود رد فعل فلسطيني جاد ،وكذلك من الجانب العربي، وضرورة القيام بتحرك سريع مع المجتمع الدولي في هذا المجال.
وأنا من جانبي فقد إقترحت اللجوء إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على الإدانة القوية لهذه الجريمة وتحميل إسرائيل المسؤولية عن الإغتيال وربما تشكيل لجنة لمتابعة الأمر ومحاسبة مرتكبي هذه الجريمة وكذلك فقد تم أيضاً تقديم إقتراحات أخرى باللجوء إلى مجلس الأمن لتشكيل محكمة خاصة وهو الأمر الذي أشك في إمكانية تنفيذه ولهذا فقد يكون من الأنسب المحاولة مع كلْتاالجهتين بشكل يضمن الوصول إلى نتائج فعلية ومؤكدة.. لقد رغبت في إعلامكم بكل ما سبق وهو ما سيكون محل نظر في إجتماع قريب لمجلس إدارة المؤسسة راجياً دعمكم ومساعدتكم لإنجاز المساءلة والعدالة عن إغتيال ياسر عرفات الرئيس المنتخب وقائد الشعب الفلسطيني.
استبدادية العشق القاتل.. عرفات أنموذجا
بقلم: بكر عويضة عن الشرق الأوسط
كأنما المؤكد بحاجة، من حين لآخر، إلى تأكيد، أو ربما إعادة تذكير. انطباع انتهيت إليه مساء الاثنين الماضي بعد مشاهدة فيلم وثائقي عرضته قناة التلفزيون البريطاني 5 بعنوان «سبعة أيام صنعت الفوهرر»... (7Days That Made The Fuhrer).
المفارقة، أن الانطباع ذاته شعرت به صباح ذلك النهار أيضا، لمجرد أن طالعت عنوان مقالة روبرت فيسك في «الإندبندنت»: «السم الحقيقي موجود في إرث عرفات»..The real poison is to be found in Arafat›s legacy))، إذ اتفقت مع العنوان ثم اختلفت مع الكاتب في الأبعاد التي ذهب إليها لجهة تشخيصه سلبيات إرث عرفات السياسي. لكن، أين الرابط بين مشاهدة المساء ومطالعة الصباح؟ الجواب: الاستبدادية (TYRANNY).
قبل أن يقفز أحد معترضا بغضب، أوضح أنني لا أقصد وضع كل من أدولف هتلر وياسر عرفات في سلة واحدة. بالتأكيد، كلا. لكنْ، كلاهما يلتقيان مع عشرات، ربما مئات، من السياسيين والزعامات الذين نشأ الشعور الوطني عندهم بشكل طبيعي ثم تطور (evolved) إلى حالة استبدادية استبدت بالواحد منهم، فصارت صورة ذاته حاضرا عبر الممارسات اليومية، ومستقبلا في كتب التاريخ، تسبق ضرورات مصلحة من يقودهم، حاضرا ومستقبلا. إذ ذاك، يكون الشعور الوطني لدى الزعيم قد دخل في العمق (deep down) حالة عشق للذات، لكنه يصر على إنكارها، ويصير سلوكه اليومي على المستوى الشخصي، سواء في محيطه الخاص أو أمام الملأ، هو الجسر الذي تعبر عليه صورة زعيم شديد البساطة، فهو يعيش حياة خشنة، متقشفة، زاهدة، وإذا تطلب الأمر ربما تكون ورعة، ثم هو أغضب الناس جميعهم إذا أحس بأنهم غاضبون لشيء ما، وهو أكثرهم حزنا إذا لمس أنهم محزونون لسبب ما، وأرقهم حنانا أمام موقف يتطلب التعاطف، خصوصا مع الأمهات والأطفال أو المسنين، كل ذلك ممكن طالما - من جهة - يثبت للكل من حوله أن لا أحد يمكنه المزايدة عليه في حب البلد والشعب، ولكنه في الآن نفسه يثبت حالة عشق للذات استوطنت الزعيم فاستبدت به، ومن ثم - بالنتيجة - سوف تتحكم في مآل من يحكم أو يقود.
أبو عمار رجل لبس تلك الحالة في شخصية الزعيم المسكون بهاجس صورة تقوم على النقاء الكامل في أذهان الناس المعاصرين لزعامته، ومن أجل لمعان دائم لصورته تلك، لم يكن مستعدا للإقدام على أي خطوة تحمل أي مخاطرة من شأنها أن تخدش الصورة ولو بعد قرون. على المستوى الشخصي، رأيته يعيش حياة شديدة البساطة، يعمل حتى ساعة متأخرة من الليل، يرتق ثوبه بنفسه، يتناول من الطعام قليله، ولا شك في أن صحافيين كثيرين غيري رأوا ذلك أيضا من قرب، لكنني رأيته أيضا شديد الغضب إزاء أي اعتراض سياسي، وعد التعارض مع موقف فلسطيني ما بمثابة الموقف المضاد له كزعيم. حتى في المقابلات الصحافية، كان يرفض التسليم بوجود إمكانية لتصرف أفضل في إدارة بعض الأزمات، أو حتى الجوانب الإدارية الخاصة بالتعامل مع طلبات تخص موظفي مكاتب ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. سألته في مقابلة أجريتها معه في تونس عن ضرورة موافقته الشخصية على كل إجراء يخص - مثلا - عائلة أسير أو شهيد، فقال: «نعم»، ثم أشار إلى مجموعة أقلام ذات ألوان مختلفة في جيب سترته، مضيفا: «يجب أن أوقع بقلم من هذه على كل معاملة». وفي مقابلة أجريتها معه في صنعاء، سألته عن التذمر داخل تنظيم فتح إزاء فساد بعض الكوادر القيادية، فانتفض غاضبا ينفي وجود أي تذمر أو فساد. وسمعته مرة في طرابلس (ليبيا) يقر بوجود فساد مالي بين عاملين في بعض مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية، ثم يرد بالقول: ماذا نعمل؟ نرسلهم ممثلين للمنظمة فيتحولون إلى ممثلين للدول داخل المنظمة.
عبارات عدة رددها أبو عمار اقترنت به، لعل أشهرها عبارة «يا جبل ما يهزك ريح»، وهو بلا شك كان يعني الثورة الفلسطينية، لكن الأرجح أن الجبل في قرارة نفسه كان هو ذاته، وهناك رده الشهير، إذا كان رائق المزاج، على أي انتقاد لأي من مواقفه السياسية: «ملاقوش في الورد عيب.. قالوا له يا أحمر الخدين». كما هو معلوم، الورد جسر الوصل بين كل العشاق، ولست أرى في عشق ياسر عرفات لفلسطين أي عيب، أما إذا تذكرنا أن «من العشق ما قتل»، فلا مبالغة في اعتبار أن شخصنة ذلك العشق قتلت حلم ياسر عرفات نفسه في حكم دولة فلسطينية مستقلة، إذ لم يستطع التعامل مع ظروف ومعطيات واقعية على حساب صورته الساكنة في أعماق نفسه، فانتهى العاشق ومعه الحلم، إن بالبولونيوم أو من دونه.
مرة أخرى، ليس القصد التشكيك في صدق الأحاسيس، إنما صدقيتها لا تنفي توظيفها في صالح تكريس زعامة الزعيم، والحيلولة دون مطامح أي أحد يرنو إلى الجلوس على كرسي الرجل رقم واحد. وهو ما يعيدني إلى جوهر ما كتبت الأسبوع الماضي: تلخيص الوطن في شخص الزعيم. حصل هذا مع ياسر عرفات ومع غيره، ولا يزال يحصل، وطالما استمر رفض أي قائد سياسي وجود من يحب الوطن مثله تماما، وإنما من منطلق مختلف، أو برؤى مغايرة، سيظل استبداد حب الذات في أعماق ذلك القائد، يحكم مواقفه ليس فقط تجاه الدول والساسة، وإنما أيضا إزاء مصالح أهل البلد الذي يحبه، وأهله الذين يحكمهم.
في تقديري، تلك بعض سلبيات إرث عرفات السياسي التي أضرت به وبفلسطين، وليس ما عده روبرت فيسك «تنازلات» أوسلو وثقته بإسرائيل وأميركا. أما استبدادية أدولف هتلر التي سكنته طفلا ذا نرجسية ولدتها خصوصية تعامل أمه معه وقسوة أبيه عليه، وتجذرت فيه شابا، ثم زعيما للحزب النازي، فهي قصة مختلفة تماما، لكن جوهرها بسيط: تحت سقف أي بيت قد يولد نجم مبدع، أو يبدأ مشوار مستبد بشع.
افتتاحية الخليج: هولاند بين رام الله والقدس
بقلم: أسرة التحرير عن الخليج الاماراتية
زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مؤخراً إلى الكيان الصهيوني والضفة الغربية المحتلة التي التقى خلالها المسؤولين الصهاينة، ثم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، هي في الأساس موجهة في أسبابها وأهدافها ومضمونها إلى الكيان وليس إلى فلسطين، وزيارة رام الله المختصرة جداً، والاجتماع إلى عباس كان من قبيل رفع العتب واللياقات الدبلوماسية، أي أنها كانت زيارة عابرة بهدف القول إن فرنسا تعارض الاستيطان كلامياً، لكن أساس الموقف الفرنسي الذي أكده هولاند كان في "إسرائيل" وهو من أجل ذلك قام بزيارته كي يؤكد ثوابت سياساته المؤيدة للكيان والتي من خلالها يحصل على رضى اللوبي اليهودي الفرنسي المؤثر في صناعة القرار السياسي الفرنسي تجاه مختلف قضايا المنطقة .
إن مرور هولاند بشكل عابر على مسألة الاستيطان ولا شرعيتها، لا يقدم ولا يؤخر شيئاً طالما أن الأمر لا يتجاوز الكلام الدبلوماسي ولن يقترب إلى الفعل وترجمة هذا الموقف . . لب الموقف الفرنسي يتمثل في مطالبة هولاند للرئيس عباس بإلقاء خطاب في الكنيست، وكأن حل القضية الفلسطينية يتم من خلال هذا الخطاب، ومن بعده تمتثل "إسرائيل" لقرارات الشرعية الدولية .
إن مثل هذه الدعوة تمثل استخفافاً بالعقل العربي، وكأن الرئيس الفرنسي لا يدرك أن "إسرائيل" لا تريد أن تعطي الفلسطينيين شيئاً، وهي تستند إلى سياسة ثابتة في رفض الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، والمضي قدماً في الاستيطان والتهويد . فكيف لخطاب في الكنسيت أن يغير هذا النهج العدواني العنصري .
موقف فرنسا الحقيقي أكده هولاند بعد اجتماعه إلى رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو وغيره من المسؤولين الصهاينة بقوله "لم نتوقف منذ عقود عن القول إن "إسرائيل" وفرنسا مرتبطتان ببعضهما"، ودعم "حق "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها"، بما يعنيه ذلك من عدوان وتوسع وارتكاب مجازر .
كلام هولاند في رام الله بلا رائحة ولا طعم وبلا معنى . . زبدة مواقفه كانت في "إسرائيل" التي يتبادل معها المصالح والمنافع والدعم.
تغريدة نتنياهو.. أدنى مستويات التخاطب الدولي
بقلم: كلوفيس مقصود عن السفير البيروتية
عُرف السيناتور الأميركيّ الراحل وليام فولبرايت الذي كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجيّة، بميوله الليبراليّة وبصراحته في وصف ما هو خاطئ، وهو ما كان يعتبره «تعجرف القوّة».
وينطبق هذا التعبير اليوم على سلوك رئيس الحكومة الإسرائيليّة بنيامين نتنياهو، الذي يحاول حشد الجهود لمواصلة العقوبات على إيران. فقد كتب نتنياهو على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي أنّ «إيران راكعة اقتصادياً، ومن الممكن إبرام صفقة أفضل. قبل تخفيض العقوبات، أبرموا صفقة جيّدة، لا صفقة سيّئة».
بهذا نطق صاحب القرار!
هل ينكر نتنياهو أنّ رئيساً أكثر انفتاحاً وليبراليّة وصل إلى سدّة الحكم في إيران، وأنّ القوى العالميّة الستّ على وشك إبرام صفقة قد تؤدّي إلى رفع محدود جداً للعقوبات؟ هل رفع العقوبات الجزئيّ للتخفيف من حدّة العقوبات الاقتصاديّة الصارمة، فرصة لنتنياهو لتقرير نتيجة المفاوضات؟ هل يستخفّ نتنياهو باستجابة إيران للكثير من اقتراحات القوى الستّ، بما في ذلك تقرير الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة؟
في 15 تشرين الثاني الجاري، ذكرت وكالة «رويترز» أنّ التقرير الفصليّ للوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة أشار إلى أنّ «إيران أوقفت تقريباً الزيادة المتسارعة في قدرتها على تخصيب اليورانيوم منذ تولّي حسن روحاني الرئاسة (...)». من البديهيّ أنّ فرض مزيد من العقوبات قد يؤدّي إلى انهيار المفاوضات وإلى ترجيح قيام نزاع. هل هذا ما يريده نتنياهو؟ هل يطعن بصحّة الاستنتاجات التمهيديّة التي تمّ التوصّل إليها لاستئناف المفاوضات في جنيف الأسبوع المقبل؟
إيران «راكعة». إنّ هذا التعبير المحِطّ لا يستعمله حتى أعداء إيران لوصفها أو وصف أيّ بلد آخر في العالم. في الواقع، إنّ إذلال نتنياهو الشفهيّ المتعمّد لإيران وضغطه على الكونغرس الأميركيّ للاستمرار في العقوبات، لا يخدمان مصالحه الشخصيّة فحسب بل هما أيضاً محاولة جدّية لإعاقة التوصّل إلى اتفاق من شأنه أن يحقق أهداف الدول الخمس دائمة العضويّة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا. فهذا الاتفاق إذا نجح، قد يخفف من حدّة التوترّات الإقليميّة ويعزّز الليبراليّة النامية في عهد الرئيس روحاني. إنّ إذلال أيّ بلد بطريقة علنيّة هو بلا شكّ مرادف لـ«تعجرف القوّة» الذي وصفه السيناتور فولبرايت.
على الرغم من أن عدداً كبيراً منا يعارض إيران وينتقد أحياناً سياساتها، إلا أنّ ذلك لا يجيز عند التخاطب الدولي وصف بلد بأنه «راكع». فهذه طريقة فظّة للسعي إلى وقف عمليّة تفاوض. آمل أنّ هذه المحاولة الاستفزازيّة لن تؤدّي إلى تعطيل المفاوضات المنتظرة في جنيف الأسبوع المقبل.
في هذا السياق، إنّ محاولة إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تحقيق أهداف المجتمع الدوليّ في ما يتعلّق بتجاوب إيران، ستضمن بحسب ما يُؤمل نجاح مفاوضات جنيف.
أنا واثق من أنّ الدول دائمة العضويّة في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا لن تخرج عن مسارها في سعيها إلى المفاوضات. وإذا كانت حصيلة المفاوضات موثوقة ومرضية، فمن شأنها أن تؤدّي بشكل أو بآخر إلى نتيجة سلميّة وملائمة للجميع.
هواجس عربية على هامش القمة
بقلم: أحمد الجارالله عن السياسة الكويتية
هل أفريقيا بحاجة إلى إعادة اكتشاف ذاتها وإمكاناتها, قبل البحث عن شراكة ستراتيجية تفتح أبواب الاستثمار فيها, أمام رجال الاعمال العرب عموما, وتحديدا الخليجيين الباحثين عن وجهة جديدة لتوظيف أموالهم تقيهم جحيم الخسائر التي يتكبدونها في الدول الغربية جراء أزمات مالية واقتصادية تعصف بها?
هذا السؤال وغيره من الهواجس يشغل بال المراقب الذي يرى في قارة شاسعة غنى زراعيا ونفطيا, بالاضافة الى ثروة طبيعية من المعادن, لكنها تعاني من أوضاع اقتصادية سيئة, تحتاج الى إصلاح بعض مكامن الخلل التي حولت غناها الى فقر جراء سوء التخطيط.
إنها حقيقة على الحكومات الأفريقية إدراكها جيدا, اذا كانت تسعى جديا الى بناء شراكة اقتصادية متينة مع الدول العربية, خصوصا الدول النفطية, التي تتمتع بثروات كبيرة وتبحث عن وجهات استثمار جديدة تغنيها عن الخوض في استثمارات غربية تبقى مخاطرها عالية, فيما مردودها يزداد انخفاضا عاما بعد عام, رغم كل إجراءات التحوط التي تتخذ في هذا الشأن.
ما ينقص أفريقيا كي تكون جنة استثمارية, ووجهة لرؤوس الاموال العربية, هو الادارة الاقتصادية القادرة على تسويق القارة السمراء, وجذب الاستثمارات إليها, كما ينقصها إبعاد رؤوس الاموال المشبوهة المرتبطة ببعض الحركات الارهابية العربية, وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني الذي يتخذ منها ملاذا آمنا لادارة أموال التهريب وتبييضها وإعادة ضخها في الاسواق العالمية.
تحتاج, أيضا, الى إنهاء عصر اعتمادها على المستشارين الاقتصاديين والسياسيين المرتبطين بهذا الحزب وغيره من الجماعات الارهابية الاخرى, وإعادة هيكلة بنيتها القانونية بما يتناسب مع المسعى الجديد الذي أعلنته معظم الدول الافريقية المشاركة في الدورة الثالثة للقمة العربية - الافريقية.
مطلوب منها حماية فعلية للمستثمرين, العرب وغير العرب, الذين لا يمكن ان يخاطروا بأموالهم فيها, وهي عرضة في أي وقت للعقوبات الدولية, ذلك ان "رأس المال جبان" وفي الوضع الافريقي الحالي, لا يمكن لأي مستثمر ان يوظف أمواله في تلك الدول, أكان بسبب عدم الاستقرار الأمني في العديد منها, أو لوجود الكثير من الشبهات القانونية حول الشبكات الاستثمارية المشبوهة التي ذكرناها. ولكي يستقيم الأمر يحتاج المستثمر الفرد إلى ضمانات أكثر من تلك التي تحصل عليها الصناديق السيادية المحمية أصلا من حكوماتها وبالاتفاقيات الدولية.
لا يمكن أن تبقى أفريقيا التي تضم مليار نسمة في 63 دولة وإقليما مجهولة للكثير من المستثمرين العرب, أو تبقى في أذهانهم مجرد صورة لمنجم ينتج فقرا, ولهذا لا بد من تبديد هواجس المستثمرين.
في المقابل, من واجب الدول العربية الساعية الى شراكة اقتصادية ستراتيجية مع هذه القارة أن تصارح قادتها بمخاوفها النابعة من واقع, وتعمل معها على تذليل العقبات وإرشادها في هذا المجال.
الطريق السليم لجذب الاستثمارات الى ثاني أكبر قارة في العالم يمر عبر الأمن والاستقرار والوضع القانوني الصحيح وإبعاد عناصر التهديد. فهل تحقق أفريقيا ذلك, وتؤسس ربما لقرن من التعاون بينها وبين الدول العربية?
ضغوط على السياسة الخارجية المصرية
بقلم: جميل مطر (http://shorouknews.com/columns/gamil-matar)عن الشروق المصرية
من إنجازات ثورة يناير أنها «سيست» الجماهير المصرية إلى درجة لم تعرفها من قبل مصر الحديثة. ولكن مثلما حدث فى إنجازات أخرى، تجاوز التسييس الحد المعتدل حين اختفت أو كادت تختفى المسافة بين «التسيس» والغوغائية وخرجت الجماهير بحماستها وانفعالها تتدخل فى كل صغيرة وكبيرة وفيما تفهم وفيما لا تفهم. هكذا تحولت إنجازات بعينها إلى إخفاقات وهكذا تداخلت وتشابكت المواقف فاختلط فى أحيان كثيرة الجد بالهزل والثورة بالفوضى والرأى بالشائعة.
نعرف من تجارب أمم وثورات أخرى أن التسييس إن زاد على حده دفع بالمجتمع إلى الارتباك وخلق حساسية فى العلاقة بين المواطن والحكومة فى الظروف العادية وبين المواطن والناشط السياسى فى ظروف الثورة. فى حالتنا كان واضحا أن هذا التسييس المفرط كان عقبة فى وجه مسيرة الثورة وبخاصة فى وجه عملية إنضاج النخبة الثورية. أظن أنه مسئول أيضا بدرجة أو بأخرى عن ضعف أداء الحكومات المتعاقبة وضعف أداء قادة التيارات السياسية على اختلاف توجهاتها.
مفيد، بل مفيد جدا، أن يعمل الوزير أو المسئول الكبير وهو يعلم أن عيون الناس وعقولهم تراقبه وتتابع عمله. وضار، بل ضار جدا، أن ينشغل المواطن نهارا وليلا بتقييم أداء المسئول أولا بأول ولا يكتفى بإعلان انتقادات بل يسعى لاستصدار أحكام واتخاذ قرارات لا يتحمل مسئوليتها. وفى أحيان كثيرة لا يكتفى المواطن شديد التسييس بحشد الناس وإثارتهم عن طريق إصراره على استخدام حقه فى إسماع صوته من خلال برامج الكلام التليفزيونية ومن على المنصات الخطابية، بل وجدناه يعود إلى بيته ليمارس هواية الجدل السياسى مع أفراد عائلته فإذا بالبيوت تشتعل بنار الخلافات السياسية إضافة لنيران خلافات أخرى اجتماعية واقتصادية عديدة سبقت الثورة أو لحقت بها.
أن تكون الجماهير حكيمة ورشيدة فهذا أمر نتمناه ونعمل لتحقيقه، ولكن أن يتصرف كل مواطن فى أى قضية عامة كما لو كان متخصصا تخصص الوزراء والقضاة والضباط ومطلعا على دفاترهم بقدر إطلاعهم، فهذا هو الأمر غير المفيد وغير المجدى للثورة والدولة والمواطن معا.
<<<
شعرت بارتياح حين تولى مسئولية وزارة الخارجية المصرية وزير شاء أن يطلع الرأى العام على ما ينوى عمله والمشكلات التى تواجهه. تعمد، كما لاحظت، أن يعرض قضايا مصر الخارجية بأسلوب يمكن أن يفهمه المراقب لسياسة الدولة من غير المتخصصين. ارتحت أكثر حين سمعت أن الناس استجابت لهذا الأسلوب فى التعامل مع الرأى العام بردود فعل إيجابية واهتمام معقول. كنت على امتداد سنوات عديدة أدعو المسئولين عن صنع وتنفيذ السياسة الخارجية إلى كسر طوق التكتم الذى فرضه أقطاب الحزب الحاكم مبررين تكتمهم بحجج تقليدية عفا عليها الزمن، مثل حساسية بعض القضايا وخطورة المعلومات المتعلقة بالسياسة الخارجية، والخوف من أن تتسرب أسرار الأمن القومى وخطط الدفاع الاستراتيجى، ووجود عملاء وطوابير خامسة وجواسيس على استعداد لتلقف أى معلومة تخدم الأعداء. إلا أن الحجة التى كثيرا ما كان يلجأ إليها المسئولون لتبرير التعتيم على المعلومات المتعقلة بسياستنا الخارجية فى المنطقة العربية فكانت الزعم بالحرص على حماية العمالة المصرية فى الدول العربية وبخاصة فى دول الخليج. تحديت كثيرين فى مواقع المسئولية بالحزب وخارجه عندما طلبت نشر قائمة بعناوين موضوعات يبررها استخدام هذه الحجج، وكنت من جانبى مستعدا لتقديم قائمة مقابلة بالمواقع الأجنبية التى تنشر تفصيلات بالغة الدقة عن هذه الموضوعات التى تحجب عن الرأى العام المصرى. كان جل ما نعتقد أنه من الأسرار نجده فى اليوم التالى وربما فى اليوم نفسه منشورا فى موقع إعلامى أو فى دراسة لباحث فى أحد مراكز العصف الفكرى فى الخارج.
كتب كثيرون فى داخل مصر كما فى دول أخرى داعين إلى أهمية التزام الحرص الشديد فى التمييز بين حق الجماهير فى إبداء رأيها فى قضية من قضايا الأمن القومى والسياسة الخارجية وبين الزعم بحقها فى صنع القرار. يقضى الواجب بأن تحاط الجماهير علما بموضوعات العلاقات الخارجية باعتبار أنها تؤثر فى مستقبل الشعب والدولة، ولكن هذا الواجب نفسه يقضى بأن تكون عملية صنع السياسة الخارجية هى من مسئولية اجهزة صنع قرار السياسة الخارجية باعتبار أنها عملية متخصصة وتحتاج إلى خبرات خاصة فى التفاوض وتجميع المصالح والضغوط وفى الصياغة وصنع البدائل والسيناريوهات. يجوز طرح قضايا معينة وفى مراحل معينة من عملية صنع القرار للنقاش العام بهدف إثارة اهتمام المواطنين واستخدام هذا الاهتمام خلال التفاوض مع دول أخرى أو بهدف إعداد المواطنين لاستقبال أخبار سيئة كما فى القرارات المتعلقة بتدهور علاقات خارجية مثل فرض الحصار أو الإعداد للحرب.
كان صاعقا لنا ما تسرب عمدا أو خطأ عن لقاء الدكتور مرسى مع ممثلين لتيارات سياسية وشعبية لمناقشة سيناريوهات العمل فى أزمة سد النهضة. كان يمكن لو استمر النقاش على النحو الذى جرى عرضه على الجماهير أن تتردى العلاقات مع إثيوبيا إلى اشتباكات مسلحة وعمليات إرهاب متبادلة. وكان مؤذيا للعقل والضمير وسمعة السياسة الخارجية المصرية ومكانة مصر الإقليمية والدولية انعقاد المؤتمر الشعبى الذى ترأسه الدكتور مرسى لمناقشة الأزمة السورية، كان يمكن لو تكرر انعقاده أو خرجت قراراته إلى حيز التنفيذ أن يشعل فى مصر حريقا هائلا وأن يضع الشرق الأوسط جميعه فى بوتقة صهر إرهابية لعشرات السنين، وأظن أن شيئا من كل هذا يحدث الآن.
كان أيضا دافعا للقلق رد الفعل للانفتاح المتبادل بين روسيا ومصر. أتصور أن رد الفعل، سواء جاء بتشجيع من مصادر وقوى رسمية أو بحماسة تلقائية من جانب معلقين ومذيعين وإعلاميين، لم يخدم صانع القرار فى كلا البلدين. كان الطرفان يستعدان لمفاوضات تتعلق أساسا بشراء سلاح، فى ختام جولة جاب خلالها الروس دولا فى أمريكا اللاتينية وإفريقيا يسوقون لمنتجاتهم العسكرية بعد أن بلغت المنافسة أشدها فى تجارة السلاح. نعرف الآن أن رد الفعل الشعبى المتبادل فى مصر وروسيا دفع بالمفاوضات، إعلاميا ثم سياسيا، نحو أبعاد لم يكن الطرفان قد استعدا لها بالقدر اللازم.
مثل هذه القضايا يستحق إطلاع الرأى العام عليها ولكن مع ضمان «تحصين» أجهزة صنع السياسة الخارجية وقراراتها ضد تدخلات من جانب من لا يقدرون دقة وحساسيات الوضع الإقليمى وضد من يسعون إلى استغلال حالة التسييس المتفاقمة فى الشارع المصرى لتحقيق أهداف سياسية وعقائدية خاصة أو بحجة الحاجة الماسة إلى انتصارات مبهرة.
أرى عند الأفق سحبا كثيفة قادمة فى اتجاهنا معبأة بتحولات جوهرية فى أنماط التفاعلات الدولية والإقليمية. أغلب التطورات تمس مباشرة دور مصر فى ميزان القوى الإقليمية. يبدو، على سبيل المثال، أن أطرافا فى القمة الدولية قررت توظيف النفوذ الإيرانى فى جهود تسوية أزمات عجزت التوازنات السابقة عن تسويتها مثل أزمات سوريا ولبنان واليمن والعراق. يبدو أيضا أن تركيا لم تنتظر سايكس بيكو جديدة فها هى تقوم بنفسها بترتيب قضية مستقبل الأكراد، والتصرف بعنف إن استدعى الأمر، فى حال أصر أكراد سوريا على الانفصال. يبدو كذلك أن روسيا تكاد تقتنع بأن مستقبل سيناء قد يكون أهم لأمنها واستقرار بلاد القوقاز وللحرب ضد الإرهاب من سوريا، أو بعد سوريا. ولا يخفى على مسئول فى المنطقة أن الفرصة سانحة لتتخذ إسرائيل خطوتها الأخيرة نحو إعلان نهاية صراعها مع الفلسطينيين بعد أن أنهت أو كادت تنهى صراعها مع بقية العرب.
هذه التطورات المحتملة، وغيرها كثير وخطير، سوف تفرض نفسها خلال الشهور القادمة على حكومات عربية أغلبها مأزوم وعلى شعوب عربية أغلبها «مسيس» للغاية.
نتنياهو... كنز إيران المدفون
بقلم: عطاءالله مهاجراني عن الوسط البحرينية
بدأ يتسرب إلى نفسي اعتقاد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو صار كنزاً لإيران! تماماً كما اعتاد الإسرائيليون وصف الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد أيضاً بكنز إسرائيل الثمين. كان اعتقادي صائباً مئة في المئة، فغالباً ما يصل الفكر المتشدد الأعمى في تطوره إلى نقطة يبدو فيها مختلفاً تماماً عن الفكرة أو الشعار الذي بني عليه في الأساس. وهناك قاعدة منطقية مهمة تقول: كل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده!
في أغسطس/ آب من العام 2008، قال أحمدي نجاد تصريحه الشهير بأنه يبغي محو إسرائيل تماماً من خريطة العالم. ساعتها قال إفرايم هاليفي، الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، إن «أحمدي نجاد منحة عظيمة لنا، فوجوده سوف يخدمنا إلى حد بعيد، ولن يقوم الموساد بعملية أفضل من أن يسعى إلى أن يصل رجل مثل أحمدي نجاد إلى قمة السلطة في إيران، فهذا الرجل سوف يوحد العالم بالكامل ضد إيران».
وفي معرض حديثه عن تكهنات أحمدي نجاد المتكرّرة عن فناء إسرائيل وتشكيكه الدائم في صحة المحرقة النازية لليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، قال هاليفي إن الزعيم الإيراني «أثبت للجميع أنه بات من المستحيل العيش مع إيران بسياساتها الحالية».
كان هذا الطرح صحيحاً، فالتوجه المتشدد الزائد على الحد الذي كان ينتهجه أحمدي نجاد، كان يبدو في ظاهره ضد إسرائيل، بيد أنه في الحقيقة كان يخدم المصالح الإسرائيلية إلى أبعد الحدود. فلطالما سلط الإسرائيليون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة، وكذلك وزير استخباراته يوفال شتاينتس، الضوء على أهم المقتطفات من مقابلة أحمدي نجاد الشهيرة مع برنامج «Hard Talk» على تلفزيون «بي بي سي» (BBC)، ما يعني أنهم مازالوا يشعرون بالسعادة عند استدعاء تصريحات أحمدي نجاد.
بيد أن إيران تشهد اليوم تغييراً استراتيجياً، ليس تغييراً فقط في نبرة التصريحات أو النهج السياسي المتبع، إنه تغيير استراتيجي بالكلية. فقد انهارت الآن فكرة عدم التفاوض مع «الشيطان الأعظم»، أي الولايات المتحدة، التي ظلت مقدسة لفترة طويلة من الزمن، وباتت إيران اليوم تتفاوض كثيراً وبشكل مباشر مع أميركا. كما أنه من الواضح أن أميركا هي الأخرى باتت مقتنعةً بأن إيران تريد التوصل إلى حلول للعوائق التي تقف في طريقها، وأنها لا تريد إضاعة المزيد من الوقت في ذلك.
بمعنى آخر، بات للنهج المتشدد الذي يتبناه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حليفان فقط في كل من أميركا وإيران. في أميركا، الحليف هو السيناتور الجمهوري جون ماكين النائب عن ولاية أريزونا، والذي يعد نسخة طبق الأصل من نتنياهو. لا يمكننا أن ننسى أبداً أن السيناتور ماكين، الذي ضبط متلبساً بممارسة لعبة البوكر على جهاز الـ «آيفون» الخاص به خلال جلسة مهمة لمجلس الشيوخ، قد استوحى أغنية شهيرة لفرقة «بيتش بويز» الأميركية، الذي ذاع صيتها في ستينات القرن الماضي، وقال أثناء غنائه: اقصف، اقصف، اقصف إيران! والآن ينتقد جون كيري بشدة ويصفه بأنه «كرة هدم»، وهو وصف استوحاه ماكين من أحدث أغاني المطربة الأميركية الشهيرة ميلي سيروس ريكنغ بول.
يقول ماكين خلال مقابلة له مع جيفري جولدبرغ يوم الخميس الماضي 14 نوفمبر/ تشرين الثاني في منتدى «أفكار واشنطن» الذي عقد في العاصمة واشنطن، عن سياسة كيري: «لقد تحول هذا الرجل، جون كيري، إلى كرة هدم بشرية. إنني أشعر بإحباط شديد».
هذا التصوير الفظ لسياسة وزير الخارجية كيري كان مجرد «ضربة ريشة» في اللوحة الكئيبة التي رسمها ماكين للنفوذ المتراجع للسياسة الأميركية في العالم بشكل عام، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص.
ويضيف ماكين: «إنني لم أشهد طوال حياتي مثل تلك الحالة من الفوضى التي تبدو عليها سياستنا في الشرق الأوسط، والتي ينعكس صداها السلبي على سياساتنا في شتى أنحاء العالم».
ولا يقف ماكين في توجهه هذا وحيداً، ففي طهران، يمكننا أن نسمع نفس الصوت من المتشددين، وهم أناس الموت والحرب تجارتهم. وفي روايته الخالدة «الموت سلعتي» يروي الأديب الشهير روبرت ميرل حياة وأفكار القاتل النازي رودلف لانغ، ولو أن ديكارت يقول: «أنا أفكر، إذن أنا موجود»، فلانغ يقول: «أنا أقتل، إذن أنا موجود».
في حقيقة الأمر، وعن خبرة تاريخية، أعتقد أن بندقية نتنياهو خالية من الرصاص، وهذا هو عنوان مقال لشيمعون شيفر نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 11 نوفمبر الماضي.
وخلال توليه منصب رئيس الوزراء، استثمر نتنياهو أكثر من عشرة مليارات شيقل (نحو ثلاثة مليارات دولار أميركي) في تشييد البنية التحتية اللازمة لضرب المنشآت النووية الإيرانية، ما يعني أنه قد جهّز سلاحه بالفعل! لكنني أعتقد أن شن حرب ضد إيران سوف يؤدي إلى كثير من العواقب التي لم تكن في الحسبان، ولهذا أعتقد أن نتنياهو بات كنزاً ثميناً بالنسبة لإيران للكثير من الأسباب، أهمها:
1 - إذا ما أقدمت إسرائيل على ضرب إيران، فسوف تكتشف للتو أن إيران ليست هي عراق 1981 أو سورية 2006. ففي «عملية البوستان»، استخدمت إسرائيل سلاح الجو لتدمير الموقع النووي السوري، فماذا كان رد سورية؟ قال السوريون: «سنحتفظ بحقنا في الرد في الوقت المناسب»، بيد أن إيران قالت مراراً إن ردها سوف يأتي بعد دقائق قليلة من أي هجوم إسرائيلي، وهو ما سيؤشر على بداية حرب جديدة في المنطقة ربما تقود في النهاية إلى حرب عالمية ثالثة. وهناك الكثير من الكلمات المشتركة بين اللغتين الفارسية والعبرية، من بينها كلمة «بوستان» التي تعني «بستان الفاكهة»، وهي الكلمة التي أطلقتها إسرائيل على عملية تدمير الموقع النووي السوري. الحرب ضد إيران لن تكون «بوستان»! بل ستكون جحيماً حقيقياً لكلا الطرفين وللمنطقة كلها.
2 - قامت إيران بإنشاء مواقعها النووية في أماكن مختلفة، ومساحة إيران أكبر من إسرائيل بمئة مرة، وعدد سكانها أيضاً أكبر خمس عشرة مرة من عدد سكان إسرائيل، فكيف ستنجح إسرائيل إذا قامت بضرب إيران؟
3 - سوف تستغل الحكومة الإيرانية الهجوم الإسرائيلي كفرصة عظيمة لخلق توافق وطني، ولو حدث هذا، فسوف يكون من المستحيل أن تجد شخصاً واحداً أو مجموعةً واحدةً تقف ضد أو حتى تنتقد حكومة إيران.
4 - سعت إسرائيل دائماً لاستغلال فوبيا إيران لتنحي جانباً مسألة فلسطين والفلسطينيين، وبالتالي فسوف يشكل أي هجوم ضد إيران فرصةً مواتيةً للمسلمين لإلقاء الضوء على الملف الفلسطيني.
5 - سوف يكتب أي هجوم إسرائيلي على طهران نهاية للحركة الإصلاحية في إيران، لأنه عندما ينفخ في نفير الحرب، فسوف تخشع أصوات أخرى.