المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 554



Haneen
2013-12-08, 02:07 PM
اقلام عربي 554
23/11/2013

في هذا الملــــف:



كيري والإخوان اللصوص

الشرق الأوسط


مراجعات الجماعة وضـرورة الاسناد والدعم

الدستور


كسر احتكار السلاح وإشكالية الضعف والتردد وغياب القرار

القدس العربي


لعبة العظماء بالكرة النووية

الخليج الإماراتية


كوتة» لشعب طفح «الكوتة»

اليوم السابع


كهنة النفاق للرئيس القادم‏!‏

الأهرام


كيري والإخوان اللصوص
عبد الرحمن الراشد- الشرق الأوسط:
هذا من تعابير وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي فاجأنا بتصريحه الانقلابي، أن الإخوان المسلمين في مصر هم من سرق الثورة. انقلب الوزير على موقفه، وموقف الإدارة الأميركية، التي لطالما رفضت الاعتراف بعزل محمد مرسي من الرئاسة، وأصرت على معاقبة النظام الجديد، وأنه غير شرعي أخذ الحكم من رئيس شرعي منتخب، يعني أنهم سرقوا الحكم من الإخوان.
لا بأس بهذا التوصيف التصحيحي الجديد، حيث يمكن وفق الخارجية الأميركية اختصار التاريخ بالقول إن الجيش المصري سرق الحكم من الإخوان الذين سرقوا الثورة، وبالتالي لا يصبح هناك تناقض في الموقف الأميركي.
أيضا، في نفس التوجه الجديد، أعلنت بريطانيا أنها تخلت عن الحظر الذي عوقبت بموجبه مصر ومنع تصدير السلاح إليها. الحكومة البريطانية قالت إنها ستستأنف تسليم وبيع السلاح لمصر. وهذا على خطى الولايات المتحدة، التي أعلنت أنها سلمت بارجة عسكرية واحدة من ثلاث، وستبحر إلى المياه المصرية فورا.
ما الذي قلب الموقف الغربي لصالح النظام المصري الجديد؟
أعتقد أنها نتيجة طبيعية لفشل معارضة الإخوان، وفشل حلفاء الإخوان في إقناع الغرب بالاستمرار في تأييدهم. مرت أربعة أشهر على إخراج الإخوان من الحكم، وإدخال الرئيس المعزول السجن، ولم تتبدل الأوضاع سلبا، لا شعبيا ولا سياسيا. فالقوى السياسية الأخرى استمرت تصطف وراء النظام الجديد، وتنخرط في مشروع تعديل الدستور، وتتهيأ للانتخابات البرلمانية المقبلة. والإخوان أفلحوا في الإبقاء على جذوة الاحتجاج في ميدان واحد، وتظاهر أتباعهم من الطلاب في جامعات، من بينها الأزهر، وهذه لا ترقى إلى أن توصف بالاحتجاج الشعبي العارم. أين هي الأغلبية المزعومة للإخوان في الشارع؟ أين هو العنف الذي هدد الإخوان أن يلحقوه بالغرب إن أيدوا «الانقلاب»؟ توعدوا بأنهم سيحرقون القاهرة ويسيلون الدماء في أوروبا؟ لكن كل ما نجحوا فيه القتال في صحراء شبه جزيرة سيناء، معارك محدودة لا تؤثر في استقرار البلاد، وتقريبا لا عمليات انتقامية خارجية.

ولا شك أن هرولة القيادة الروسية إلى احتضان النظام المصري الجديد أثارت القلق غربا، حيث تعززت علاقة موسكو بالقاهرة باتصالات معلنة، وأخرى غير معلنة، وصارت تعطي الشعور بأنها تنسحب تدريجيا من العلاقة مع الغرب.
وفي الوقت الذي نجحت فيه العلاقات مع موسكو، فشلت التهديدات والعقوبات الأميركية في إقناع القيادة المصرية بالعودة إلى وضع ما قبل شهر يوليو (تموز). لم يجد مسؤولون غربيون، مثل الوزير كيري، بدًّا من تغيير موقفهم، والذهاب إلى حد محاولة استرضاء الفريق أول عبد الفتاح السيسي بتصريحات مثل وصفهم الإخوان باللصوصية. الإخوان هم من سرق الثورة وليس الجيش من سرق الحكم، اعتذار دبلوماسي واضح لكنه لا يكفي، يحتاج إلى تراجع كامل، برفع العقوبات وإعادة كل المعونة.
مراجعات الجماعة وضـرورة الاسناد والدعم
عمر كلاب- الدستور الأردنية:
في الوقت الذي تقرع فيه فضائيات النميمة طبول الحرب دون توفير فرصة للتهدئة، تسعى فعاليات سياسية الى الخروج من حالة الاحتقان والتمترس وانتاج مخارج سياسية لحالات الاحتقان، فقد قال نائب المراقب العام للجماعة الاخوانية في الاردن كلاما نقديا مهما عن تجربة حكم الاخوان في مصر، وتحدث بعقلانية شديدة عن الوضع الداخلي الاردني، كذلك قدمت جماعة الاخوان المصرية مبادرة سياسية لانهاء التأزيم في مصر وتسعى القوى السياسية التونسية الى توفير النجاح للحكومة الانتقالية القادمة .
محصلة المشهد تتحدث عن مراجعة سياسية وربما فكرية تجريها جماعة الاخوان المسلين عن مرحلة الربيع العربي، وهذا هو المطلوب من الجماعة والمأمول ان تُعيد الجماعة قراءة موقفها على ايقاع الشراكة الوطنية مع الاحزاب والقوى السياسية الفاعلة على الساحات المحلية بعد ان نأت عنها كما قال نائب المراقب الاردني زكي بني ارشيد وان تُعيد قراءة علاقتها مع الاعلام وان تُعيد ترتيب ادواتها الاعلامية على ارضية التفاعل الاعلامي وليس نظرية اعلام غوبلز التي تتحدث عن الدم الاخواني الازرق الذي لا يأتيه الباطل او الخطأ .
الاجواء المتفاعلة داخل الجماعة الاخوانية اجواء ايجابية، تستدعي اسناد المراجعة بالنصيحة الصادقة والدعم اللازم، فليس المطلوب خروج الجماعة من الملعب السياسي او اغلاق مكاتبها او سحب تراخيصها، بل دمج الجماعة في الحياة السياسية على قواعد سياسية تحقق التوافق الوطني، فسياسة الاجتثاث والاغلاق والحجب سقطت الى غير رجعة كما انها تُفضي الى توليد اطياف متطرفة وتكفيرية تهدم الدولة او تقوض امنها ونظامها .
على الجهة المقابلة ثمة اطياف سياسية اقصائية تسعى الى استثمار اللحظة الراهنة تتغذى من حبل اعلامي سِري يدعم تطرفها وينتقد مراجعات الجماعة عبر دعم التطرف ومباركة العمليات الارهابية التي تستهدف الجنود المصريين او الملامح المدنية في تونس، فقد قال خبر في فضائية تعاني من ترنح شعبيتها في وصف الحادث الاجرامي الذي استهدف الجنود المصريين في العريش مؤخرا “ قتل 11 جنديا مصريا في عملية ارهابية حسب وصف وزير الدفاع المصري “ فإذا كان هذا الوصف لوزير الدفاع فما هو وصف الفضائية اذن ؟
كذلك تحاول اطياف سياسية عاجزة عن الوصول الى المواقع في ظل وجود جماعة الاخوان واحزابها تأليب المجتمعات العربية ضد الجماعة واحزابها من اجل الوصول الى اجتثاثها من الحياة السياسية كي تجد لها موطئ قدم، بعد عجزها عن انتاج برامج قابلة للوصول الى الناس والحصول على دعمهم، وهي اصوات تعلو الآن والخشية ان تستأنس القيادات السياسية والعسكرية في الاقطار العربية الى مثل هذه الاصوات العاجزة .
ليس المطلوب انتاج حالة اقصاء او ادخال فصيل سياسي الى مفاعيل الاحكام العرفية وقوانين الطوارئ دون غيره لارتكابه اخطاء وخطايا، سبق لكثير من الانظمة الراحلة والباقية ارتكاب اضعافها، بل المطلوب انتاج حالة اندماج سياسي شامل في الحياة العامة، تكون الفرص متساوية فيها للجميع دون استثمار للدين او للاخطاء والتأليب .
ما تسرب من اخبار عن حوار سياسي جرى في الاردن مؤخرا يكشف تفهم القيادة السياسية الاردنية لضرورة اشراك الجميع واشتراك الجميع في العملية السياسية دون اقصاء او استماع لاصوات التأليب، وهذا امر يريح العقل ويفضي الى السير في طريق الاصلاح السياسي بموثوقية وثقة تحتاجها الدولة والاحزاب السياسية على اختلاف الوانها الفكرية، ونتمنى ان تتفهم قيادات الاقطار العربية الاخرى الامر كما تفهمته القيادة الاردنية وان لا تستمع الى اصوات الاقصاء والاجتثاث، فالحركات السياسية التي تحمل منهج الاسلام السياسي جزءا من الوجود السياسي العربي ولا يمكن الغاء وجودها بل يمكن بسهولة ادماجها، بدليل المراجعة الاخوانية التي تُعطي الحالة السياسية مؤشرات ايجابية يمكن البناء عليها لمستقبل آمن .


كسر احتكار السلاح وإشكالية الضعف والتردد وغياب القرار
محمد عبد الحكم ذياب- القدس العربي:
أستطيع أن أزعم أن القارئ المتابع للمقالات الأخيرة لديه صورة مبدئية عما في مصر من بنى أساسية لإنتاج عسكري مناسب ومتقدم، وهذه البنى أقامتها أجيال متواصلة رغم ما واجهت من تحديات، وظروف غير مواتية. وحين استأنفت مصر دورها في خمسينات وستينات القرن العشرين بدت ظروفها مواتية، لكن سرعان ما كبلتها معاهدة ‘كامب ديفيد’ 1978. وقد كان من بين الأهداف الستة لثورة 1952 ‘بناء جيش وطني قوي’، وعملت على فك حصار السلاح، وكسرت احتكاره، ونوعت مصادره وصنعته، إلى أن تأسست منظومة ‘المصانع الحربية’ في ستينات القرن الماضي، وكانت ضمن خطة طموحة للبناء والتنمية الشاملة في كل المجالات، وأقامت مصر صناعة عسكرية لبت كثيرا من احتياجات الدفاع والأمن الوطني والقومي، حتى دخلت مجال صناعة الطائرات الحربية والصواريخ.
وعندما انتقل حكم مصر من الثورة إلى الثورة المضادة أصبحت الصناعات عموما والصناعات العسكرية خصوصا مستهدفة لهدم المشروع الوطني، وإنجازاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والعسكرية. ومرت لحظة بدت الآن عابرة، وفيما بعد اتضح أنها خارج السياق، فحين تحقق الانتصار العسكري في 1973؛ زاد من الطموح الرسمي العربي فبدا متجاوزا واقعه، فيتحول من تطلع قطري محدود إلى أفق عربي واسع وعام، بعد أداء عسكري متميز ساهمت وشاركت فيه كل البلدان العربية تقريبا، وبدأت القمم العربية تفرد حيزا من الوقت لمناقشة تأسيس ‘منظومة صناعية عسكرية عربية’؛ تستفيد بما لدى مصر من كوادر علمية وأكاديمية وفنية وإدارية ومهارات وقوة عمل، وتوظف ما هو متاح في بلدان عربية أخرى؛ لديها مصادر الطاقة والمال، والقدرة على الحصول على التقانة الاجنبية المتقدمة، ونقلها إلى البيئة العربية. وظهرت فكرة إنشاء ‘هيئة عربية للتصنيع الحربي’.
وتأسست ‘الهيئة العربية للتصنيع الحربي’ عام 1975؛ من مصر وقطر والسعودية والإمارات؛ بميزانية تعدت المليار دولار، على أن تبدأ في بناء منظومة صناعية وتكنولوجية عسكرية عربية متقدمة؛ تكون مصر قاعدة لها، وسرعان ما أجهض السادات ذلك الطموح بزيارة القدس المحتلة، وترتب على الزيارة قطع العلاقات العربية بمصر، لكنها احتفظت بالهيئة، وسجلتها كهيئة مستقلة؛ عام 1979؛ معفاة من الضرائب ومتحررة من القيود التجارية!!.
وعدلت الهيئة اسمها إلى ‘الهيئة العربية للتصنيع′، ثم تنازلت السعودية والإمارات عن أسهمهما لمصر في 1993 وبلغت 1.8 مليار دولار، وقوة عمل تقدر بحوالي 19000 موظف؛ منهم 1250 مهندسًا، وتمتلك 10 مصانع وتساهم في اثنين من المشاريع المشتركة، إلى جانب ‘المعهد العربي للتكنولوجيا المتقدمة’، وتسع شركات؛ خمس منها لمصر، وأربعة ملكية مشتركة مع دول وشركات أخرى. وأخذت المصانع المصرية على كاهلها مهمة تصنيع القذائف والصواريخ، وأجزاء محركات الطائرات والمصفحات الناقلة للأفراد والألكترونيات، وأجهزة الرصد الجوي (الرادارات) ومعدات وأجهزة الاتصالات والعتاد وتجميع الطائرات. وانضوت الهيئة تحت مظلة منظومة الصناعة العسكرية المصرية. وأشار الخبير الاقتصادي عصام رفعت إلى دراسة ضمن رسالة دكتوراه قالت ‘إن الاقتصاد المصري كان يساوي وبالأرقام 20 ضعف اقتصاد كوريا الجنوبية حتى عام 75.. ثم تدهور بعدها!’
والمصانع العسكرية التابعة للهيئة العربية للتصنيع هي: مصانع الطائرات والمحركات والألكترونيات، ومصنعا صقر وقادر للصناعات العسكرية المتطورة، بجانب الشركة العربية البريطانية للمروحيات والعربية البريطانية للمحركات والعربية البريطانية للصناعات الدينامية، والعربية الأمريكية للسيارات، وتم شراء مجمع ‘سيماف’ لصناعة السكك الحديدية وضمه للهيئة.
ومع ذلك عاشت هذه الصناعات تحت سيف التصفية، ووفق برنامج ‘الدمار الاقتصادي الشامل’ كانت ستلحق بشركات النصر للسيارات ومصانع الحديد والأسمنت والنسيج والصناعات المعمرة وألألكترونيات، وما حدث لـ’شركة المراجل البخارية’ دليل صارخ وفاضح على التدمير المتعمد، وكأنها كائن حي حكم عليه بالإعدام ثم تنفيذه على الفور، وقد كانت نواة المشروع النووى، وتنتج غلايات تتحول وقت الحاجة إلى مراجل نووية.
وحين تأسست في ستينات القرن الماضي أنتجت أوعية ضغط وصلت سعتها لـ1300 طن بخار في الساعة ومراجل توليد الكهرباء وأوعية الغازات السائلة، ووحدات تنقية مياه الشرب وتحلية مياه البحر، واعتبرت الشركة الأولى في الشرق الاوسط لإنتاج الصاج السميك، ولأجهزة تطهير مخلفات الحرب الكيماوية وأوعية الضغط للقوات البحرية، وشاركت في تنفيذ محطة كهرباء غرب القاهرة مع شركة ‘بابكوك هيتاشى’ اليابانية، وأسندت لها شركات عالمية كبرى أعمال من الباطن لإنتاج غلايات البخار لمحطات الطاقة، وتصدير مراجل سعات مختلفة للدول العربية، واحتلت المركز الأول والوحيد في الوطن العربي والشرق الأوسط، ونجحت في إنتاج حوائط تبريد أفران صهر الصلب لشركة الحديد والصلب، وأفران شركة الدلتا للصلب وفرن صهر لحلوان للصناعات غير الحديدية، وإنتاج أبراج تقطير لشركة الإسكندرية للبترول، ولشركة السويس للبترول، وعلب تبريد لـ’القومية للأسمنت’ وفرن تسخين للطوب الطفلى.
وكان ذلك المشروع العملاق مهيئا لإنتاج الماء الثقيل؛ الحيوي للمفاعلات النووية، ويستمد قيمته من قدرته على تبريد المفاعلات النووية وتنظيم سير التفاعلات الذرية فيها. وتذكر المراجع والدوريات المتخصصة في المياه أن الماء الثقيل أكتُشف سنة 1932، بسبب ما لوحظ من اختلاف كثافته عن الماء العادي، وبعيدا عن التفاصيل المعقدة أستخدم الماء الثقيل في أربعينات القرن العشرين؛ فيما يعرف بـ’مشروع مانهاتن’ لإنتاج القنبلة الذرية أثناء الحرب العالمية الثانية.
وبعد ثلاثين عاما من الجدارة والتميز طالها مخطط ‘الدمار الاقتصادي الشامل’، في مطلع تسعينات القرن الماضي، ولعب عبدالوهاب الحباك رئيس الشركة القابضة للصناعات الهندسية دورا إجراميا في تنفيذ خطة القضاء عليها؛ وكان الحباك – كما جاء في ‘المصري اليوم’ في 2005 – رئيسا سابقا لمجلس إدارة شركة النصر للمسبوكات، وأحيل إلى محكمة الجنايات، فقضت بسجنه 10 سنوات، وتوفي أثناء تنفيذ العقوبة، ومُنع هو وزوجتاه وأولادهم من التصرف في أموالهم وممتلكاتهم.
وكشفت هيئة الرقابة الإدارية بعد وفاة الحباك أنه قام أثناء رئاسته لشركة النصر للاجهزة الكهربائية ‘فيليبس′ بالحصول على عمولات مالية من الموردين الأجانب ووكلائهم بمصر، وكان مجموع ما حصل عليه 91 مليون جنيه، بجانب عمولات مقابل إسناد عملية توريد 225 جهاز غولد ستار لشركتي النصر وتليمصر لمدة 7 سنوات متتالية، وأثناء فترة سجنه وقع على مستندات بتحويل 15 مليون دولار لأبنائه وزوجته إلى مصارف أوربية، وبعدما سددت إحدى زوجتيه (ليلى) ما حصلت عليه، قرر الجهاز إلغاء وتعديل قرار المنع من التصرف في أموالها ليسري عليها فقط دون باقي أفراد الأسرة.
وكل النماذج المختارة لتنفيذ مخطط ‘الدمار الاقتصادي الشامل’ كانت على هذه الشاكلة، حتى أنه لم يتورع عن منع المواد الخام عن ‘شركة المراجل’ فتحقق أول خسارة فى تاريخها، وبعدها توالت الخسائر، وانفجرت ثلاث غلايات اتخذها عاطف عبيد؛ أخطر وزير تولى تدمير القطاع العام، وباع في شهر فبراير 1994 وهو يشغل وزير قطاع الأعمال العام؛ باع كامل الأصول الثابتة والمخزون الخاص بشركة ‘المراجل البخارية’ إلى شركة بابكوك أند ويلكوكس الأمريكية، وبها شريك مصري هو محمد عبد المحسن شتا.
ونفذ عاطف عبيد أكبر مذبحة للقطاع العام، وكوفئ برئاسة مصرف دولي كبير، وما زال حرا طليقا، ونقل مهمته إلى جمال مبارك ونديمه أحمد عز، الذي رأس لجنة الموازنة بمجلس الشعب الأسبق لتقنين وشرعنة إجراءات وآليات نهب مصر!!. وبيعت ‘المراجل بـ17 مليون دولار؛ وتولى المشتري بدوره بيع نصيبه من أصول الشركة، ونقل تبعيتها من الشركة القابضة للصناعات الهندسية إلى شركة بابكوكس اند ويلكوكس، وأديرت تحت مسمى شركة بابكوك وولكوكس مصر من 1994 إلى 2000، وتوقف إسناد أي مشروعات للهيئة، فأنهت نشاطها، وغيرت اسمها إلى ‘الشركة الدولية لتصنيع المراجل والأعمال المعدنية’، وتنازل المالك المصري عن 11 فدانا من أراضيها (حوالي 450 ألف متر مربع)، وأزال مبانيها وباعها لإحدى الشركات، التي قسمتها إلى شركتين.. الأولى دُمجت بالشركة الوطنية للصناعات الحديدية، والثانية استحوذت عليها شركة أوراسكوم للفنادق ومشروعات التنمية السياحية.
ومخطط ‘الدمار الاقتصادي الشامل’ حول مصر من دولة صامدة وواعدة إلى دولة يعيش أغلب مواطنيها تحت خط الفقر، وسوق لكافة المنتجات الأجنبية ومصدر للعمالة الرخيصة.
وإذا ما عدنا إلى موضوعنا المعلق حول كسر احتكار السلاح وتنويع مصادره وتصنيعه، نجد أن البنية الأساسية قائمة ومتوفرة وجيدة، إلا أن الإشكالية في حكام ما بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو؛ انهم يبدون أدنى من المسئولية وأقل قدرة على بلورة مشروع وطني جامع يتلاءم مع أهداف وشعارات الثورتين، ولا نتصور أن من يماطل في تنفيذ حكم قضائي بفساد الخصخصة وعودة عدد من الشركات يختلف كثيرا عن هشام قنديل، الذي لم يكتف برفض تنفيذ الحكم بل طعن فيه، وصحيح أن حازم الببلاوي لم يطعن في الحكم لكنه ماطل في تنفيذه، ويعلم أن منطوق الحكم هو عودة ‘المراجل البخارية’ وباقي الشركات إلى ما كانت عليه. وعندما يكون المسؤول بهذا الضعف فهل يقدر على اتخاذ قرار كسر احتكار السلاح، فتنقلب الأوضاع المحلية والإقليمية والدولية رأسا على عقب؟!!.
وحكومات ضعيفة فضلا أنها لا تعبر عن الثورة لا تقدر على اتخاذ قرار جريء كهذا؛ سواء له علاقة بالسلاح أو بغيره، وعلينا أن نرى تعاملها مع ملف الاقتصاد، وكأنها لا تعلم أن أغلب النشاط الاقتصادي يمر عبر قنوات غير شرعية، ونصفه عشوائي ونصفه الآخر يعرف بالاقتصاد الأسود، والنصف العشوائي يتعامل مع الأنشطة الطفيلية والوكالات الاحتكارية والسمسرة والنصب، أما النصف الأسود فيدير ماكينة غسيل الأموال مجهولة المصدر، كالمال السياسي والطائفي والمذهبي وعوائد تجارة السلاح والمخدرات والدعارة ومقاولات التظاهر والبلطجة والسرقات؛ من هم الذين يصرفون على السلاح، وعلى تكاليف التظاهر وجلب المتظاهرين، والأموال الأخرى التي تتحول بين يوم وليلة إلى أبراج وعمارات بلا تصاريح وعلى الأراضي الزراعية وأملاك الدولة، حتى دور العبادة تُبنى على أراض مغتصبة!!.
وهذا ‘الحال المايل’ يُفسح الطريق لموجات أخرى من الفوضى والثورة، وعلى العجزة وذوي الأيادي المرتعشة أن يتنحوا جانبا، وإن لم يفعلوا فليس هناك إلا الطوفان أو القاع!!
لعبة العظماء بالكرة النووية
نسيم الخوري – الخليج الإماراتية:
كانت أوروبا، في الماضي، تبحث بين روسيا وأمريكا عن مستقبلها مع العرب، ونراها اليوم تتحوّل عن العرب للبحث عن مصالحها وصورتها ومستقبلها مع "إسرائيل" . هي لم تخرج منها يوماً، لكنها راحت تبحث عن دربٍ وسطي محفوف بالغموض بين ما يحقّق لها هامشاً من الاستقلال الضروري لمصالحها وبين صورتها المنضوية تحت راية السياسة الأمريكية . تلك هي معضلتها، ربّما، منذ أن أعلن ديغول سياسته المستقلّة عن واشنطن وتقرّب من العرب . وبين الصورة السياسية والمصالح يشيع الغموض، فتنشط باريس وما تيسّر من دول أوروبا عندما تتوتّر علاقات أمريكا ب"إسرائيل" ولو شكلاً، فكيف بها عندما تضعف صورة أمريكا عربياً وتتراجع إسلامياً في زمن الانحدارات العربية؟
وفي قلب المثلّث الغامض من بوادر العلاقات بين أمريكا وإيران وروسيّا، المحاط بالاشتعال السوري والانقسامات العربيّة ويقظة المصالح والخيرات الكبرى، تتنافس باريس وواشنطن نحو يقظة "إسرائيل" الخطرة بهدف البحث تحديداً في الملف النووي الإيراني طالما لم يتّضح بعد أن طهران قد تخلت عن السلاح النووي . وقد يقوى هذا التنافس المدروس بين الطلبات والعقوبات لتوضيح الرسالة "الإسرائيلية" إلى أمريكا بوجود حلفاء ل"الإسرائيليين" في موقفهم من النووي الإيراني . صحيح أن أمريكا تركت طهران الشاه تتعاقد على بناء ثماني محطّات نووية على أساس ضمانها المطلق لإستقرار الشاه في صفوف حلفائها، وصحيح أن العالم استغرق عشر سنوات من المفاوضات النووية بين إيران الثورة الإسلامية ومجموعة "5+1" (الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وروسيا والصين)، لكنّ الصحيح أنّ بسمة طهران النابعة من ضيقها للتخفيف من العقوبات يجعلها ترى بالطبع، في العين "الإسرائيلية"، عدوّاً مضاعفاً حيال ملامح الاتفاق المقترح مع إيران الذي تراه سيئاً جدا، ويظهّر صورة فرنسا صديقة حميمة أبدية ل"إسرائيل" .
أين هي روسيا من هذا؟ في الواقع، لم أفهم تماماً "كلام" روسيا التي بنت أول محطة إيرانية للطاقة النووية، إذ "تؤيّد رغبة إيران في الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم"، ولم أفهم معنى "التفاؤل الروسي بأنّ القوى العالمية وإيران تتوصل إلى اتفاق مبدئي للحد من البرنامج النووي الإيراني، وعليها ألا تضيع لحظة عظيمة جداً للتوصل إلى وضع الاتفاق بالشكل الصحيح وباللغة الدبلوماسية" . قد يصعب فكّ الألغاز بين موسكو وواشنطن في الموضوع النووي إذا تذكّرنا أن أمريكا تحاول منع فرنسا من صنع السلاح الذرّي المستقل بما أخصب بذرة الخلاف على العظمة بين أمريكا وفرنسا ديغول، وحاولت روسيا بدورها منع الصين من النووي، بالرغم من اعتبارها دولة كبرى . هناك غموض لم يظهر تراكم الأسرار في علاقتيهما بعد، مع حسبان المتغيّرات الكبرى التي حصلت في المنظومة الاشتراكية، وتوسع أوروبا في أعبائها الكثيرة، وحتّى في تفاهمهما الأخير بدءاً من النقطة السورية المتطلّعة الى "جنيف 2" . وهنا أسئلة تدعم هذا الغموض النووي الذي يبقي على العرب خارج دوائر إمتلاك الأسلحة الذرّية، بل خارج أيّ تفكير جدّي في المعرفة النووية:
من يتذكّر حادثة سرقة أسرار الطائرة الفرنسية "ميراج" التي صنّعتها "إسرائيل" وأسمتها "كفير"؟ انكشفت السرقة في سويسرا وحوكم فيها مسؤولون هناك، وفرنسا لم تقل كلمة رسمية حول الحادثة .
من يتذكّر سرقة ثلاث مدمّرات كانت فرنسا صنّعتها لمصلحة "إسرائيل"، ولمّا حظر ديغول إرسال الأسلحة إلى "إسرائيل" لمباشرتها حرب ،1967 خرجت المدمّرات خلسة من ميناء شيربورنغ الفرنسي فعبرت الأطلسي والمتوسط نحو شاطىء حيفا؟
من يتذكّر حادث نسف المفاعلين النوويين في ال1979 اللذين تمّ بناؤهما لحساب بغداد من قبل فرنسا التي وضعت كافة الشروط الكفيلة بعدم استخدامهما في صنع قنبلة ذرّية أو في مهمات عسكريّة؟ لقد نسفتهما "إسرائيل" بالرغم من احتياطات الأمن العالية، واعترفت فرنسا الرسمية، دفعاً للإحراج والأزمات السياسية بالتلويح بأنّ "إسرائيل" ومخابراتها تبدو ملمّة تماماً بهذه الصناعة الشديدة السريّة والتقدم، لكنّها أرضت بغداد بالقول إنّها قد أنتجت نوعاً من اليورانيوم لا يمكن استخدامه عسكرياً . وكانت فرنسا أيضاً قد وقّعت عقدين لمفاعلين آخرين: واحد مع كوريا الجنوبية وآخر مع باكستان ألغتهما أمريكا بالضغط على سيؤول وباريس . وللموضوعية، فقد ضغطت أمريكا على ألمانيا الغربية لوقف عقد مشابه مع البرازيل .
من يتذكّر أنّ فرنسا هي التي منحت "إسرائيل" مفاعل ديمونا في صحراء النقب، وبقيت "إسرائيل" طويلاً تزعم أنّه معمل للنسيج، وتتظاهر الدول الكبرى بالاقتناع بهذا التفسير، مع أنّها بمساعدة دولة جنوب إفريقيا، إحدى أغنى الدول باليورانيوم، استطاعت أن تملك القنبلة النووية وتلفّها بغموض هائل؟ وأكثر من ذلك، فقد عدّلت "إسرائيل" في هياكل طائراتها الأمريكية لكي تصبح صالحة لنقل القنابل الذرية واستخدامها . فشلت محاولات التفتيش كلّها مع كينيدي وجونسون وتوقّف الكلام الأمريكي نهائياً في نووية "إسرائيل" منذ نيكسون وكيسنجر، وبدأ زمن من الإرهاب "الإسرائيلي" للعرب والمسلمين والابتزاز للأصدقاء . ونشأ مناخ من الضغط على أي دولة أخرى تتعاقد على بيع مفاعلات نووية ولو سلمية لأي دولة من الدول المحيطة ب"إسرائيل" .
من يتذكّر السفينة المحمّلة بالوقود المستخدم في صناعة القنابل الذرّية المحمول لحساب الأطلسي، كيف ضاع في البحار العالمية من باخرةٍ لأخرى، ليصل إلى "إسرائيل" في العام ،1978 في باخرة أوروبية، بينما وصلت الباخرة الأوروبية التي خرجت من ميناء أمريكي فارغةً الى أوروبا، وقد تكتّم الحلف الأطلسي خمس سنوات على المسألة قبل أن تتسرّب أخطر سرقة في القرت العشرين الى وسائل الإعلام، لا لإظهار الفضيحة بل القوة الدولية ل"إسرائيل"؟
من يتذكّر رسالة تهديد جون كينيدي الى عبد الناصر قبل عدوان ال 1967 حول امتلاك مصر صواريخ بعيدة المدى، وضرورة وقفها فوراً، ثمّ تفتيش مواقعها والمفاعل النووي في أنشاص، ولمّا رفض عبد الناصر طالباً بمعاملة "إسرائيل" بالمثل مشيراً الى حظوتها بما هو أخطر أي "ديمونا"، أسرعت واشنطن بتزويد "إسرائيل" بصواريخ هوك ومئة طائرة من طراز "سكاي هوك"، مع أنّها لم تكن تسلّح حتّى ذلك الوقت "إسرائيل" مباشرةً؟ هل نتذكّر كيف سبق عبد الناصر دول المشرق للاعتراف بالصين عندما كانت واشنطن وموسكو على وشك التوقيع على معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية التي تقوم على فلسفة حظر المعرفة النووية عن الدول الأخرى؟ كانت الصين آنذاك معزولة وخارج الأمم المتحدة ومستعجلة لامتلاك السرّ النووي، وكان عبد الناصر يقرع بابها للوصول الى تلك المعرفة خارج دائرتي أمريكا وروسيا .
لماذا هذه الأمثلة كلّها وهي لا تنتهي؟
للتفكير مجدداً في وحدة العرب والمسلمين، وكي لا تنصاع العيون العربيّة مهما تلوّنت وتنابذت وتقاتلت واحمرّت أو غفلت عن "إسرائيل" التي تطلب الانصياع للاعتراف ب"أرض "إسرائيل"" من سيناء الى العريش حيث كان هناك نهر اسمه النيل، وهو غير نهر النيل الحالي، ويشمل شرق الأردن كلّه وجزءاً من العراق ولبنان ووو . . . تحت مقولة الحدود الآمنة .
«كوتة» لشعب طفح «الكوتة»
أكرم القصاص –اليوم السابع
مرة أخرى وليست أخيرة ينفجر صراع الكوتة بمناسبة الدستور، هناك حديث عن تحديد نسبة للأقباط فى الدستور، وغضب بسبب إلغاء نسبة العمال الفلاحين، وقبلها غضب بسبب إلغاء نسبة المرأة، وفى جدل المؤسسات امتد الصراع إلى الهيئات القضائية مثل مجلس الدولة وهيئة قضايا الدولة، وهو ما يشبه الكوتة، لأن كل جهة تبدو وكأنها تطالب بسلطات وصلاحيات أكثر فى الدستور، وكأننا بصدد غنيمة توزع على الفئات المختلفة وليس أمام وطن يفترض أن تقوم سلطاته على التوازن والشراكة.
كان حديث الكوتة موجودا أيام مبارك والحزب الوطنى، وتم التمسك بنسبة العمال والفلاحين شكلا وفى المضمون تم انتزاع قيمتها وتحويل النسبة لخدمة الحزب وقياداته، وأصبح الوزراء يترشحون على مقاعد العمال، واللواءات على مقاعد الفلاحين، وتحولت كوتة المرأة إلى نسبة لنساء الحزب الحاكم، وبالتالى لم تعد الكوتة مفيدة، بل كانت استمرارا لعقود من سرقة الإرادة والتلاعب فى مصالح الشعب. وعندما طرح هذا النقاش فى عام 2009، طرحنا سؤالا منطقيا، إذا كان هناك من يتحدث عن تخصيص كوتة للمرأة أو الأقباط، فهل المصريون ممثلون فى المجالس النيابية، وهل هذا التمثيل يعبر عن الشعب المصرى بطوائفه، وعناصره وأغنيائه وفقرائه وطبقته الوسطى. والحقيقة أن الشعب نفسه لم يكن ممثلا، وكان هو الذى يستحق الكوتة، فلم يكن هؤلاء الذين يصلون لمجالس الشعب والشورى والمحليات، يمثلون الشعب بل يمثلون عليه، بينما هم فى الواقع ممثلين لمصالح تتعارض فى الغالب مع مصالح الشعب، ولو كان المصريون ممثَلين، ما احتاج أحد لكوتة أو نسبة فى المقاعد.
وكانت أشهر كوتة هى نسبة الخمسين فى المائة عمال وفلاحين، التى تحولت إلى كوبرى ليستكمل الحزب الوطنى مقاعده وسيطرته، ولم يكن سكان العشوائيات ممثلين فى مجلس الشعب، ولا المرضى بالكبد الوبائى والسرطان ولا العاطلين وبالتالى يحق لكل من هؤلاء أن يطالب بكوتة تعبر عنه وتدافع عن مصالحه.
والحل أن يكون البرلمان معبرا عن المصريين بفئاتهم ومصالحهم، عندها لن تكون هناك حاجة لكوتة أو خوف من التهميش، لقد كانت الانتخابات عبارة عن سرقة مقننة للإرادة بالمال أو التزييف أو التلاعب، والهدف هو ضمان السيطرة والأغلبية وليس تمثيل الشعب.
إن هذه القواعد قائمة ومستمرة، بعد ثورة يناير، وما تزال، حيث يمكن لمن يملك المال أن يشترى المقاعد، ويسيطر على السلطة، بأغلبية عددية تنفذ ما تريده الحكومة ويطلبه الحزب الحاكم، وليس ما يطلبه الناخبون، والبرلمانات تفتقد إلى الاستقلال، وأعضاؤها يعبرون عن وجهة نظر الحزب والحكومة والنظام، وتسقط الحواجز بين السلطات، لا فرق بين السلطة التنفيذية من التشريعية.
هذه هى القضية الرئيسية التى يجب التفكير فيها، حتى لا يتحول الدستور إلى ورقة تعبر عن مصالح ضيقة لفئات أو تيارات، أو تبقى إرادة الناس مسروقة، لم يكن المواطنون ممثلين فى المجالس النيابية، لا العمال ولا الفلاحين ولا المسلمين ولا المسيحيين، ولا النوبة وسيناء. ناهيك عن الفقراء والمرضى، ولهذا يطالب كل فصيل بكوتة، بينما الشعب نفسه أكثر من يحتاج إلى كوتة، لأنه «طفح الكوتة».
كهنة النفاق للرئيس القادم‏!‏
السفير معصوم مرزوق – الاهرام
لا يزال الحوار العام محتدما حول مسألة اختيار الرئيس القادم لمصر‏,‏ ويبدو أن المزاج العام قد بدأ يميل بشدة إلي شخصية الفريق أول عبدالفتاح السيسي‏,‏
وهو الاختيار الذي سبق لي مناقشته في مقالات سابقة, وفندت فيه خطورة هذا الاتجاه ليس فقط من زاوية تأجيل بناء دولة مصر الحديثة من خلال مؤسسات, بل واستمرار حالة الاستلاب تجاه شخصية الزعيم الملهم الذي يحمل عنا كل الهموم ويتركنا نتمتع بسلبيتنا وكسلنا,
ثم ان ذلك كما ذكرت سابقا قد يؤثر سلبا علي السيسي نفسه إذا استجاب لإغراءات قد تدفعه إلي غير ما يرغب فيه فعلا وعقلا.
ويتعسر فهم بعض الشخصيات البارزة التي تروج لهذا الاتجاه بحماس, حيث نجد بعض قادة الفكر والرأي الذين يطلون من بعض الفضائيات ويقولون للشعب ان السيسي لا يملك رفض المنصب, وإذا استمر علي رفضه فيجب أن نرغمه علي القبول! وبالطبع هناك بعض المحترفين الذين عرفناهم علي مدي سنين طوال, الذين لا يجيدون في حياتهم شيئا سوي النفاق والرقص علي الحبال. وقد أطلقت علي أحدهم يوما بأنه المثقف اللبلابي الذي يتسلق علي جدار السلطة أي سلطة مثل نبات اللبلاب. ومن المحزن أنه مهما تحلي الإنسان بقوة الشخصية, فإنه يضعف كثيرا أمام الإطراء حتي ولو كان واضح الكذب, وكلنا نعرف المثل القائل بأن الزن علي الودان أقوي من السحر, فيكفي أن تواصل جوقة كهنة المنافقين ترديد ترانيمهم حتي يحل مفعول العمل السحري, ويخضع الإنسان لخداع الآخرين الذي يتحول تدريجيا إلي خداع للنفس.
وهذه الحالة لا تختص بها مصر وحدها, فهي حالة تمتد عبر الجغرافيا والتاريخ, وتوجد في أقوي الدول مثلما توجد في أضعفها, فقد كان مستشار الأمن القومي الأمريكي الشهير هنري كيسنجر مثلا بارعا في تملق الرئيس نيكسون وإطرائه, ومن خلال ذلك تمكن من السيطرة علي ملفات السياسة الخارجية, بحيث أصبح وليم روجرز وزير الخارجية مثل كذاب الزفة الذي لا يدري ما يدور حوله, كان كيسنجر يدرك أن نيكسون يعاني من عقدة الشعور بالنقص. وبالتالي فإن عبارات المديح والإطراء من أستاذ في جامعة هارفاد مثل كيسنجر ترضي غروره وتمده بالثقة بالنفس.
لقد كتب كيسنجر بعد ذلك مذكراته التي تضمنت السخرية من ذلك الرئيس الذي شرب من سم نفاقه. فعلي سبيل المثال كتب عن أن الرئيس نيكسون انتهي من إلقاء خطاب يوم7 إبريل1971, تناول فيه الأوضاع في فيتنام, وأسهب في شرح سياسته وقتها التي أطلق عليها: فتنمة الحرب, أي أن تصبح الأطراف الفيتنامية هي التي تتولي القتال توطئة لسحب القوات الأمريكية.. قال كيسنجر انه اتصل بالرئيس بمجرد انتهائه من الخطاب ليقول له: هذا هو أفضل خطاب لك منذ أن توليت منصبك.. لقد تحدثت بحرارة.. ان كل فريق العمل معي يتفق مع هذا الرأي. وأضاف كيسنجر أنه بعد8 دقائق من هذا الحديث علم أن نيكسون اتصل بالعديد من المسئولين ليسألهم عن رأيهم, ثم عاد للاتصال بكيسنجر عدة مرات خلال اليوم نفسه كي يستمع مرات ومرات إلي عبارات المديح..
إن مصر تحتاج في المرحلة المقبلة إلي رجل دولة حقيقي, يمتلك رؤية ودراية وخبرة سياسة متنوعة وعميقة, ويفهم جيدا أهمية المبادرة بالحركة دون الرضوخ لحالة الخمود التي تتملك من المعاونين المرتعشين أو المنافقين. فهو المسئول في النهاية عن اتخاذ القرار السياسي, وأحيانا يكون عليه أن يتخذ هذا القرار دون إحاطة كاملة بكل ما يمكن أن يترتب علي هذا القرار من احتمالات ممكنة, ويجب ألا يتردد, لأن الإغراق في التفاصيل والاستسلام لمخاوف المستشارين قد تضيع فرصا عديدة في المبادرات الناجحة, لأن هؤلاء الكهنة المنافقين سيختارون دائما أقل القرارات جرأة وفاعلية, وسيفضلون دائما استمرار الوضع القائم دون تغيير. لذلك نجد أن أغلب القادة الناجحين في التاريخ قد ووجهوا بمعارضة شديدة من المستشارين المنافقين الذين كان همهم في النهاية هو عدم الإقدام علي أي تحرك جديد, مع اتخاذ الحيطة المبالغ فيها حتي يتفادوا المسئولية إذا أدي هذا التحرك إلي أخطاء, إلا أنه من ناحية أخري, فإن القائد الذي يتخذ قرارات غير مدروسة خشية انتقادات النخب السياسية المعارضة, لا يعلم أن تلك النخب تتخذ أكثر المواقف تطرفا وحدية لأنها ببساطة لا تتحمل مثله أي مسئولية.
إن مصر تواجه تحديات عديدة شديدة التعقيد خلال المرحلة المقبلة, أبرزها خطر الانهيار الاقتصادي والتدهور الأمني, لكن هناك تحديات أخري فرعية تتبادل التأثير والتأثر مع هذين التحديين الرئيسيين, منها مواجهة لا مفر منها مع الفقر, وإلا أطاحت ثورة الجياع بالأخضر واليابس في هذا البلد الطيب, ومنها إصلاح جذري ضروري وعاجل لنظامنا التعليمي حتي نلحق بالعصر الذي نعيش فيه, ومنها الخلاص من كل علاقات التبعية وتحقيق استقلال حقيقي للقرار الوطني, ومنها اقتلاع جذور الفساد وتنظيف الجهاز الإداري منها.. إلخ, وكل ذلك يتطلب قرارات مدروسة جريئة وحاسمة. ولن يستطيع فرد, مهما بلغت قوته ومهما كان إخلاصه, أن يحمل هذه الأعباء وحده. إنها مسئولية يجب أن يشارك فيها الشعب كله من خلال عمل مؤسسي منضبط في إطار قانوني محكم. ولا شك أن القوات المسلحة المصرية هي إحدي هذه المؤسسات التي نحتاج أن يبقي من هو مثل السيسي علي رأسها كنموذج لمؤسسة ناجحة, لكن هموم مصر ومشاكلها أكثر اتساعا وأشد عمقا من المؤسسة العسكرية.
أرجو أن يتوقف نافخو مزامير النفاق عن العزف. فالمرحلة لا تحتمل هذا الترف, ويجب علي تلك النخب أن تدرك الفارق بين العاطفة والعقل, وأذكرهم بما قاله يوما داهية السياسة الألماني ميترنخ: لقد ولدت كي أصنع التاريخ, وليس لكتابة الروايات.. نريد أن ننقذ التاريخ في هذه الأرض, وربما يجئ زمن نتفرغ فيه لكتاب الروايات العاطفية!