تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 557



Haneen
2013-12-08, 02:09 PM
اقلام عربي 557
26/11/2013


في هذا الملــــف:
مع الشعب الفلسطيني وإلى جانبه
رأي الرأي الأردنية
في إشكاليات النقد السياسي الفلسطيني لمسيرة أوسلو
ماجد كيالي – الحياة اللندنية
من حياة الأسرى
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
الجنرال هولاند يضمن الأمن “الإسرائيلي”
فايز رشيد- الخليج الإمارتية
«وقودها الناس والحجارة»
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
ثورة سوريا أقوى من اتفاق أميركا ـ إيران
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
محاور جديدة بالمنطقة.. على اساس طائفي
رأي القدس العربي
حرق العلم وقانون التظاهر‏..‏دلالات ومعطيات
لواء-‏ محمد الغباشي-جريدة الأهرام
مع الشعب الفلسطيني وإلى جانبه
رأي الرأي الأردنية
في قراءة عميقة ودقيقة وتشخيص عملي لمشهد الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وانتصاراً للشرعية الدولية وثقافة السلام العادل والدائم والشامل، وضع جلالة الملك عبدالله الثاني المجتمع الدولي أمام مسؤولياته القانونية والأخلاقية والانسانية في الرسالة المستفيضة التي بعث بها جلالته الى رئيس لجنة الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وايضاً في اعادة التأكيد على ثوابت الموقف الأردني من هذه القضية الحيوية التي آن الأوان لحلها على اسس العدالة الذي بات حل الدولتين يحظى باجماع عربي ودولي هو المدخل الوحيد لتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط، حيث لم تعد هناك أية شكوك في أن الطريق لإخراج المنطقة من دائرة الحروب وسفك الدماء وتقويض أمن واستقرار المنطقة إلا بقيام المجتمع الدولي بحث جميع الأطراف على التمسك بهذا الحل وعدم السماح باضاعة الفرصة المتاحة الآن.
من هنا جاء تأكيد جلالة الملك على مواصلة الأردن بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية، بذل مختلف الجهود وبكل الوسائل والسبل المتاحة لرعاية المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف والحفاظ على عروبتها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية ليضع الامور في نصابها الصحيح وليؤكد لكل من يهمه الأمر ان الأردن ثابت على مواقفه الرافضة بحزم وقوة لجميع الاجراءات والانتهاكات الاسرائيلية التعسفية والخطيرة في المدينة المقدسة خصوصاً تلك التي تستهدف المسجد الاقصى المبارك ومحيطه، ناهيك عن استمرار بلدنا شعباً وقيادة على مواصلة دعم وتثبيت سكانها من مسلمين ومسيحيين وتعزيز وجودهم في مدينتهم الأمر الذي يتطلب وبالضرورة نهوض المجتمع الدولي بواجبه في هذا الشأن والعمل بدأب ومثابرة وجدية لوقف جميع هذه الاجراءات والانتهاكات التعسفية الاسرائيلية.
ولأن لفت جلالته الى التحرك الايجابي الذي ادى استئناف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي برعاية ودعم اميركي وصولاً الى اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة على خطوط الرابع من حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية، فإنما لإعادة تذكير عواصم القرار الدولي وباقي الاسرة الدولية بأن استمرار الاجراءات الاسرائيلية احادية الجانب ليس فقط بانها مخالفة للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية بل وايضاً في أن مواصلة الاستيطان والاجراءات الهادفة الى تغيير هوية القدس وتهديد الاماكن المقدسة ستفضي حتماً الى تقويض الجهود المبذولة لتحقيق السلام وهو امر خطير نحن على قناعة بأن الوقت قد حان لكي يتحرك المجتمع الدولي لحمل اسرائيل على وقف هذه الاجراءات الباطلة والمرفوضة جملة وتفصيلا.
قصارى القول ان رسالة جلالة الملك الواضحة والصريحة قد اضاءت في جملة ما اضاءت عليه على الاهمية التي يوليها الأردن في هذه المرحلة الدقيقة والخطيرة التي تمر بها عملية السلام لعمل جاد ينتهي من خلال المفاوضات الجارية الآن الى حل للصراع بالاستناد الى المرجعيات المعتمدة خصوصاً مبادرة السلام العربية وفق جدول زمني محدد وبما يضمن الوصول الى تسوية تحمي حقوق الشعب الفلسطيني وتعترف بحقه في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني في الوقت ذاته الذي علينا جميعاً كأردنيين أن نتأمل في المعاني العميقة والدلالات اللافتة التي انطوى عليها توقيع جلالته على رسالته المهمة والحيوية هذه عندما جاء في اخرها «عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية صاحب الوصاية وخادم الاماكن المقدسة في القدس» وفي ذلك رسالة اخرى لكل من يهمه الأمر بأن الأردن لن يتخلى عن دوره وواجباته.
في إشكاليات النقد السياسي الفلسطيني لمسيرة أوسلو
ماجد كيالي – الحياة اللندنية
طوال العقدين الماضيين، دأبت القيادة الفلسطينية على تكريس وشرعنة روايتها عن اتفاق أوسلو، وما نجم عنه، فهي ظلّت تروّج لاعتباره خياراً اضطرارياً ما كان يمكن تجاوزه، وأن بنوده سليمة ولا شائبة فيها، وأنها لم تقدم على تنازلات في حقل التجربة.
لكن هذا الإنكار في الحقيقة فاقم المشكلات الناجمة عن هذا الاتفاق، لأنه من الأساس بني على غلط، ولم تجر مراجعة له، فضلاً عن أن ذلك أفضى إلى تكلّس العقل السياسي الفلسطيني السائد، الذي كفّ عن البحث عن خيارات بديلة، ناهيك عن إشاعته البلبلة في إدراكات الفلسطينيين الجمعية، بما فيها إدراكاتهم لمصيرهم المشترك ولعلاقتهم بقيادتهم.
ربما يمكن تفهّم القول بأن عملية التسوية (التي انطلقت من مؤتمر مدريد) كانت عملية اضطرارية، بضغط الظروف الدولية والإقليمية في مطلع التسعينات، إلا أن اتفاق اوسلو بالذات، كان خياراً تقصّدته تلك القيادة عن وعي كامل وتسرّع ومن دون تبصّر.
ففي حينه لم تكن المنظمة مدعوة لهذه التسوية، وهي ذهبت إلى أوسلو للالتفاف على وفد فلسطينيي الداخل، الذي كان يترأسه آنذاك حيدر عبدالشافي، تحسّباً منها لاحتمال تبلور مركز قيادي بديل، وبدعوى الحفاظ على مكانة القيادة للمنظمة. وقد كان بالإمكان ترك العملية التفاوضية للوفد المذكور، والذي كان بدوره يؤكد أن مرجعيته هي منظمة التحرير، ما يجنّب هذه المنظمة تبعات اتفاق كهذا، ويمنحها هامش قوة ومرونة، ربما، لتدبّر خيارات أخرى، في ظل التفاعلات الدولية والإقليمية الحاصلة، كما كان من شأن ذلك أن يقوّي المركز التفاوضي لحيدر عبدالشافي ورفاقه، إزاء الإسرائيليين، والحاصل فإن القيادة قايضت تعزيز مكانتها باتفاق جزئي وناقص ومجحف.
أما بالنسبة الى بنود اتفاق أوسلو (1993) فقد كانت في غاية الخطورة، إذ لم تعرّف إسرائيل كدولة احتلال، ولا الضفة وغزة كأراض فلسطينية محتلة، وتم النص على انسحاب القوات الإسرائيلية باعتباره «إعادة انتشار» بدلاً من النص على إنهاء الاحتلال، ولم يتمّ توضيح ماهية الحلّ النهائي، ولا أي ذكر لقيام دولة فلسطينية. كما تم تأجيل البتّ بالقضايا الأساسية (اللاجئين والاستيطان والقدس والحدود والترتيبات الأمنية)، من دون تحديد المرجعية القانونية التي سيجرى التفاوض على أساسها، على الأقل، ومن دون النصّ على وقف الاستيطان ولا شرعيته.
بعدها، أي في معمعان التجربة، تبيّن أن الأمور لم تقف عند حد التنازلات في الاتفاق الموقّع، إذ تمت الموافقة على املاءات إسرائيل بشأن تقسيم الضفة إلى ثلاث مناطق (a وb وc)، حيث ما زالت، وبعد عقدين، تحتفظ بالسيطرة الكاملة على المنطقة (c)، ومساحتها 60 بالمئة من الضفة، إضافة إلى سيطرتها الاقتصادية والأمنية على الفلسطينيين.
وإلى مخاطر هذه التنازلات إزاء إسرائيل، فقد انتهجت القيادة الفلسطينية، أيضاً، سياسات أثّرت سلباً في مبنى ومعنى الحركة الوطنية، يكمن أهمها في التحوّل من حركة تحرّر الى سلطة، وتهميش منظمة التحرير لمصلحة كيان هجين في الضفة والقطاع، واختزال قضية فلسطين وشعبها في مجرد استقلال على جزء من الأرض لجزء من الشعب، وإضعاف مكانة اللاجئين في الحركة الفلسطينية، وإخراجهم من معادلات الصراع ضد إسرائيل، وتهميش المؤسسات الجمعية والتشريعية. وبالنتيجة، فإن هذه التنازلات والسياسات أدت إلى تآكل معنى قضية فلسطين، وتراجع الاهتمام بها عربياً ودولياً، فهي لم تعد ذاتها بعد أن باتت مجرد مسائل خلافية بين «دولتين»، على تسهيل نمط العيش وتحسين الأوضاع الاقتصادية وعلى بقعة أرض هنا أو هناك.
وما يفاقم من مخاطر هذا الوضع أن القيادة عند الفلسطينيين تتمركز حول فرد أو أفراد كثيرين، إذ لا توجد طريقة شرعية ومنظمة وديموقراطية لصنع القرارات، أو لتحديد الخيارات، بطريقة مدروسة، لا سيما مع ضعف المؤسّسات القيادية، وغياب الأطر التشريعية والتمثيلية (في المنظمة والسلطة). واللافت أن الرئيس أبو مازن الذي كان يشكو كثيراً من القيادة الفردية والمزاجية، إبان قيادة الزعيم الفلسطيني الراحل أبو عمار، بات يحرص على استمرار هذا الوضع بدل العمل على تغييره.
ثمة عوامل عدة تشجّع القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة و «فتح»، على الاستمرار على هذا النحو، من ضمنها تشتّت وتمزّق مجتمعات الفلسطينيين، وتوزّعها على دول متعددة، وغياب الإقليم والحقل السياسي المستقلّين لهم، وخضوع نشاطهم السياسي لمحددات وقيود مختلفة. وبديهي أن تنجم عن كل ذلك تأثيرات متضاربة ومتعاكسة، ففيما يبدو ضغط القوى الإقليمية والدول المانحة أكبر على توجهات هذه القيادة وخياراتها، تبدو هذه القيادة متحرّرة إزاء اية ضغوط أو مراقبة من شعبها. ولا شكّ في أن هذا يحصل، أيضاً، بسبب وجود فصائل لم يعد لها أي مكانة أو معنى، لا في المجتمع، ولا في إطار الصراع ضد الإسرائيليين، ناهيك عن افتقادها هوية سياسية تبرّر استمرار وجودها، فهي مجرّد فصائل باتت تتعيّش على نظام المحاصصة الفصائلي، وعلى انسداد التطور في الحقل السياسي الفلسطيني، وعلى تنازع الفصيلين الرئيسين، أي «فتح» و «حماس».
المشكلة أن هذه القيادة، التي تعتبر نفسها بمثابة المرجعية العليا لقضية فلسطين، والوصية الحصرية عليها، لم تعتد على المشاركة والمراجعة وتتبرّم من النقد، لذا فهي لم تبالِ بالنقد الفلسطيني لاتفاقات اوسلو، وللعملية التي تمخّضت عنها، والمقصود هنا النقد غير الفصائلي تحديداً، أي المنزّه عن المنافسات والحسابات الفصائلية، أكان نقداً يقطع مع فكرة الدولة المستقلة ومع عملية أوسلو، من أساسها، أم نقداً يشتغل على ترشيد الخيارات والسياسات الفلسطينية وتقليل المخاطر الناجمة عنها.
وإذا كان يجوز تفهّم فكرة أن إقامة كيان سياسي للشعب الفلسطيني في جزء من أرضه يشكّل كسراً، بمعنى ما، في بعض مرتكزات الفكرة الصهيونية، من جهة اعتبارها هذه الأرض بمثابة «أرض الميعاد» خاصّة باليهود، ومن جهة اعترافها بالشعب الفلسطيني، الذي دأبت على تغييبه، مادياً ومعنوياً، فإن ما ينبغي إدراكه، أيضاً، أن ذلك الكسر لم يتحقّق بفضل المفاوضات، وإنما بفعل عناد شعب فلسطين وتضحياته ونضالاته الطويلة والمضنية، التي تم تبديدها في المفاوضات والاتفاقات، وفي طريقة إدارة القيادة للعمل الفلسطيني، واستمرائها الارتهان لتبعاته.
وفي الواقع، فمنذ توقيع اتفاق أوسلو، وفي غضون العقدين الماضيين، انشغلت بنقد مخاطر هذا الاتفاق، والتداعيات الناجمة عنه، وتأثيره السلبي في الحركة الوطنية، وفي وحدة الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة، ومستقبله المشترك، ومخاطر ارتهان القيادة له كخيار وحيد، وأداء السلطة المتعثّر، وقد كتبت، في ذلك، عشرات المقالات والدراسات، في هذه الصحيفة وفي غيرها. هذا ما تكرّست له، أيضاً، جهود عشرات الكتاب والمثقفين والأكاديميين «المستقلين» عن الفصائل، من مثل نديم روحانا وكميل منصور وسعيد زيداني ويزيد صايغ ورشيد الخالدي وعزمي بشارة وجورج جقمان وجميل هلال وكرمى النابلسي وغادة الكرمي وخالد الحروب وأحمد عزم وإبراهيم أبراش وهاني المصري وخليل شاهين ومهند عبدالحميد ومرزوق الحلبي، من دون أن ننسى الكتابات النقدية الجدية والعميقة للراحلين إدوارد سعيد وهشام شرابي وشفيق الحوت وأنيس صايغ.
وحتى داخل «فتح» ذاتها، التي تقود المنظمة والسلطة، كان ثمة نقد كبير لاتفاق اوسلو، ولكل التجربة التي نجمت عنه، ضمنها كتابات خالد الحسن، الذي كان يعتبر من أهم اعضاء اللجنة المركزية لهذه الحركة، وهي تعد من أقسى وأعمق الكتابات التي انتقدت الاتفاق المذكور وحذرت من مخاطره، في شكل مبكّر.
لذا ليس صحيحاً الادعاءات التي تروّجها هذه القيادة من أنه لم تكن هناك خيارات أخرى، وأن ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأن أحداً ما لم يطرح خيارات أو بدائل سياسية أخرى، وأن ما فعلته وما تفعله هو الوحيد الممكن والمتاح.
القصد أن الكتاب والمثقفين والأكاديميين والناشطين «المستقلين»، من المنتمين والمنتصرين لحقوق شعبهم المشروعة في الحرية والحقيقة والعدالة، لم يقصّروا في نقد مسيرة أوسلو، طوال المرحلة الماضية. لكن مشكلة هؤلاء تكمن في هيمنة طبقة سياسية معينة على القرار والخطاب الفلسطينيين، من موقعها في القيادة والسلطة، وفي سيادة البنى الفصائلية على نظامهم السياسي، وفق نصاب «المحاصصة»، بدلاً من التمثيل والمشاركة، كما تكمن في غياب الحقل الاجتماعي والسياسي الموحّد، وفي ضعف الطبقة الوسطى الفلسطينية واستقالتها من دورها، وكلها عوامل تعوق تشكّل «نخبة» سياسية بديلة، وتحدّ من قدرتها على التأثير في مجتمعها، لتوليد البدائل في حقل البنى والخطابات والسياسات والأفكار.
من حياة الأسرى
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
فترتان قصيرتان ل"التنزّه" تسمح بهما إدارات سجون الاحتلال، بعد الفطور وبعد الغداء، بفضل نضالات وتضحيات الأسرى في صراعهم مع تلك الإدارات، في سبيل خلق ظروف اعتقالية إنسانية . فإدارات السجون امتداد للاحتلال وفلسفته وعقليته بكل ما تعنيه من سادية، ولا يمكن أن تقدّم أو تفعل أي شيء للأسرى من دون نضالات وتضحيات .
سجن بيت ليد الواقع في بلدة محتلة عام 1948 يسمّيه الصهاينة "كفار يونا" رغم أنف التاريخ واللغة العربية والعرب المنشغلين بأنفسهم وبكل شيء تافه وهامشي وما قبل مجتمع المواطنة . كان سجناً مخصصاً للسجناء الجنائيين . وبعد أن حوّله، كما كان خلال فترة سابقة، إلى سجن للأسرى في بدايات ،1986 جلب إليه معتقلين من السجون الأخرى ليجدوا أنفسهم يناضلون لتحويل أنفسهم من فرادى إلى جسم اعتقالي بهيكلية تنتهي بهيئة تمثّل الجميع أمام الإدارة .
سجن بيت ليد مجموعة من الزنازين الصغيرة يسمّيها المعتقلون "إكسات"، منها ما يتّسع لأسيرين ومنها ما يتسع لأربعة، ينامون على طابقين من الأسرّة الحديدية . النوافذ أبعادها لا تتجاوز نصف متر طولاً وعرضاً، مزودة بأربع طبقات من الشبك تنتهي بموازاة جدار الزنزانة الخارجي بصفيح سميك فيه بضعة ثقوب . كان الأسرى يستيقظون صباحاً ليجدوا الفراش غارقاً من عرقهم والرطوبة، فينشرونه خلال فترة "النزهة" الأولى "الفورة" في الساحة المكشوفة، ويبقونه حتى نهاية "الفورة" الثانية تحت الشمس حتى يجف .
القادمون من سجني عسقلان ونفحة افتقدوا رفاقاً أسرى من بعض البلدان العربية الشقيقة، أردنيين ومصريين ولبنانيين وسوريين وسودانيين وليبيين . بدأ قادة الأسرى التحضير مبكّراً لخطوات احتجاجية من أجل تحسين ظروف الاعتقال، وأهمها التهوية ونوعية الطعام وكميته والسماح لهم بتناوله في الساحة، بسبب ضيق مساحة الزنازين . كانت الإدارة ترفض بشدة تلبية المطالب، وكانت التحضيرات مستمرة على قدم وساق لبدء الخطوات الاحتجاجية، وفي العادة تشمل التحضيرات رسائل مسرّبة للأمم المتحدة والصليب الأحمر والنقابات والاتحادات وغيرها من المؤسسات الفلسطينية والدولية ووسائل الإعلام .
ذات يوم بعد الظهر، فوجئ الأسرى بالإدارة تعرض عليهم تناول وجبة الغداء في الساحة، وحين خرجوا فوجئوا أكثر بأن الطعام غير مسبوق من حيث جودته وكمّيته . قبل أن تتفاعل الدهشة، دخل على حين غرّة وفد من الصليب الأحمر إلى الساحة، تجوّل وتحدث مع بعضهم وممثلي الإدارة، ثم طلب الوفد أحداً من الأسرى يتحدّث الإنجليزية . حين سأل ذلك الأسير وفد الصليب الأحمر عن سر الزيارة المفاجئة، قال إن إذاعة عربية أذاعت خبراً يقول إن أسرى "بيت ليد" مضربون عن الطعام لليوم العاشر على التوالي .
مقابل تعمّد إدارة السجن تسجيل موقف أمام المنظمة الإنسانية الدولية، شرح ممثل الأسرى للوفد ظروف السجن التي لا تصلح لإقامة البشر، وتجول معهم على الزنازين وشاهدوا ما تسمى نوافذ . وأخبرهم بأن أهله يزورونه كل أسبوعين، في حين أنه لم ير شقيقه المعتقل في قسم مجاور منذ شهور .
غادر الوفد وتوجّه الأسرى إلى غرفهم، اعترض أحد السجانين أسيراً من الجولان محاولاً مصافحته . سأله الأسير عن المناسبة، فقال: أنا درزي وأنت كذلك، فأزاح ابن الجولان يده قائلاً: العلاقة الوحيدة بيننا أنني أسير وأنت سجّان، فاغرب عن وجهي .
الجنرال هولاند يضمن الأمن “الإسرائيلي”
فايز رشيد- الخليج الإمارتية
اعتمر فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي، خوذة الجنرال وبزة نابليونية في زيارته للكيان الصهيوني . هو أشبه بجنرال منه إلى رئيس دولة . منذ تسلمه منصبه قبل عامٍ ونصف العام، وهو يبحث عن معارك عسكرية يخوضها ضد الآخرين . حربه الأولى شنّها على مالي وكان ما كان . هو من أكثر المتشجعين لشن الحرب ضد سوريا، ولولا الخذلان الأمريكي له، لكان أول من يقوم بقصف دمشق . امتعض هولاند من الانسحاب الأمريكي لتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا . حاول التعويض في الملف النووي الإيراني، وقد جاء في زيارة للكيان الصهيوني من أجل هذا الملف . في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو حدّد شروطاً لقبول اتفاق يعقده الغرب مع إيران .
كان الرئيس الفرنسي يحاول الاقتراب من الموقف الصهيوني فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني . لسان حاله يشي بأنه لا ضرورة لتوقيع اتفاق مع طهران، وأنه يؤيد ضربة عسكرية غربية - "إسرائيلية" للمنشآت النووية الإيرانية . هولاند وهرباً من إشكالات فرنسا الداخلية يهرب إلى الخارج وقضاياه الشائكة . جميع استطلاعات الرأي تؤكد أنه الرئيس الأدنى شعبية من بين الرؤوساء الفرنسيين منذ تأسيس الجمهورية الخامسة في العام ،1958 الرئيس الفرنسي يحاول الحلول بدلاً من بريطانيا في التحالف مع الولايات المتحدة، لذا فإنه من أشد المدافعين عن التصريحات النارية لصقور الإدارة الأمريكية، بدءاً من الرئيس أوباما وانتهاء بأصغر مسؤول .
زيارة هولاند إلى الكيان الصهيوني تذّكر بالتحالف البريطاني - الفرنسي -الصهيوني في عام 1956 والعدوان الثلاثي على مصر . كما أنه معروف تماماً، أن فرنسا هي التي أدخلت إلى المنطقة المفاعلات النووية بتصديرها إلى حليفتها "الإسرائيلية"، أنوية المفاعلات التي تُعتبر السبب الأساسي في امتلاك الأخيرة، لما يزيد على 200 رأس نووي حالياً، هذا وفقاً للمراقبين والخبراء العسكريين بمن فيهم الأمريكيين . بالتالي فإننا لسنا أمام تحالف فرنسي- "إسرائيلي" جديد بل من خلال هولاند، تعود الحياة إلى هذا التحالف . لذلك ليس مستبعداً أن يُظهر الرئيس الفرنسي كل هذا التعاطف مع دولة الكيان عند زيارته للنصب التذكاري "إياد فاشيم" وهو الذي أنشأته الدولة الصهيونية لمن يسمون "ضحايا المحرقة النازية من اليهود" .
فرنسا في زمن هولاند، لم تعد فرنسا الحرية والعدالة والإخاء والمساواة . أنها البلد الذي يجعل من العصا واجهة دبلوماسيته وسياساته الخارجية، لذلك فإن العديد من المحللين السياسيين يقولون عنه: بأنه يعيد أيام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن ورعونته وبلطجيته، والنظر إلى كل الأحداث السياسية على المستوى الدولي من خلال القوة والقوة فقط .
هولاند زار الأراضي الفلسطينية لفترة قصيرة وأما تصريحاته حول الاستيطان، بحثّه دولة الكيان على وقفه، وقوله: بأن الدولة الفلسطينية هي الضمانة الأفضل لأمن "الإسرائيليين"، فهي تصريحات دبلوماسية بروتوكولية ليس إلا، فإقامة الدولة الفلسطينية لم يربطها هولاند بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم، مثل جميع شعوب العالم الأخرى، وإنما قرنها بمدى تحقيقها للأمن في الكيان الصهيوني، ولذلك تعهد في بدء جولته بضمان أمن هذا الكيان . جاء ذلك في خلال خطاب ألقاه لدى وصوله إلى دولة الكيان وقال فيه أيضاً "جئت إلى "إسرائيل" لأنقل رسالة تأييد فرنسية ل"إسرائيل"، فعلاقتنا تستند إلى التاريخ المشترك بيننا" . لذلك جاء كل هذا الترحيب "الإسرائيلي" بزيارة هولاند . وعنها قال نتنياهو "إنني أرحب بموقف باريس الصارم من الملف النووي الإيراني" مؤكداً "أنه لا يجب السماح أبداً لإيران بالحصول على أسلحة نووية، لأن هذا الأمر لن يعّرض "إسرائيل" والأنظمة الأخرى ودول الشرق الأوسط للخطر فقط، بل أيضاً فرنسا وأوروبا والعالم كله" .
أيضاً فإن هولاند لم يَدِنْ الاستيطان السرطاني الصهيوني، الذي استولى حتى اللحظة على ما يزيد على ثلاثة أرباع الضفة الغربية . وإنما حثّ "إسرائيل" على وقفه .
والفارق كبير بين "الإدانة" و"الحث" . جدير ذكره، أن المستشفى العسكري الفرنسي "بيرسي" الذي توفي فيه الرئيس الراحل عرفات، حتى اللحظة لم يُسلّم السلطة الفلسطينية تقريراً عن أسباب الوفاة، خاصة بعد أن أثبت الخبراء السويسريون بما لا يقبل مجالاً للشك تسممه بمادة البلوتونيوم المشع ووفاته، فقد وُجدت هذه المادة في رفاته وعظامه وعلى التراب المحيط بالرفات، بمعدل يزيد 18 مرة عمّا يوجد من هذه المادة في جسم الإنسان .
التقرير لم يجر تسليمه لأن فرنسا لا تريد إحراج حليفها "الإسرائيلي" فمن الطبيعي والحالة هذه، أن توّجه التهمة إلى "إسرائيل" فقادتها هم من اتهموه "بالإرهاب" وتنظيم عمليات "إرهابية" ضد الكيان الصهيوني . كما أعرب قادة "إسرائيليون" قبل وفاته بزمن عن أهمية إزاحته من منصبه . لهذا السبب حاصرت الدولة الصهيونية، المقاطعة (مقر عرفات) لما يزيد على الثلاث سنوات وقامت بتسميمه .
يبقى القول: إن زيارة الرئيس الفرنسي هولاند إلى الكيان الصهيوني هي رسالة تأييد قوية من الرئيس (الاشتراكي) الذي هو أكثر يمينية من اليمين الفرنسي ومن فرنسا لجميع السياسات التي تنتهجها الدولة الصهيونية تجاه جميع القضايا بدءاً من الملف النووي الإيراني، وصولاً إلى التسوية مع الفلسطينيين والعرب .

«وقودها الناس والحجارة»
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
على الأرض، تجري أبشع ترجمة دموية لخلافات “المحاور” وصراعاتها، في الحرب الواحدة المحتدمة في دول ثلاث: العراق، سوريا ولبنان، وقودها الناس والحجارة ... وفي رد على “جنيف الكيماوي”، ومن بعده “جنيف النووي”، يبدو أن جبهات القتال الدامي مرشحة للاشتعال والاحتدام... أما الحروب المتنقلة، فستشهد المزيد من الصولات والجولات، إلى أن يقتلع فريقٌ الفريق الآخر، أو يتوصل الفريقان المحتربان إلى القناعة، بأن الحرب ليست خياراً، وأنه لا بد من الجلوس على مائدة المفاوضات.
دول الإقليم المناهضة لجنيف الكيماوي والنووي، ارتأت الرد في ريف دمشق وغوطتها، بعد أسابيع مضنية من عمليات التحشيد وتجميع القوى تحت راية “الجبهة الإسلامية” التي تضم في عضويتها قوى سلفية رئيسة من خارج إطار “داعش” و”النصرة”، مثل لواء التوحيد، حركة أحرار الشام، جيش الإسلام، صقور الشام، لواء الحق، كتائب أنصار الشام، الجبهة الإسلامية الكردية وبعض وحدات الجيش السوري الحر وشخصيات معارضة وفصائل أخرى أقل شأناً، وبحضور نشط لأجهزة استخبارية وفقهاء الظلام والسلاطين، ودائماً بضيافة “أخوية كريمة” من تركيا العدالة والتنمية.
الهدف العملياتي المباشر للتشكيل الجديد الذي لا يُخفي موقفه المناهض للائتلاف الوطني والحل السياسي و”جنيف 2”، هو ملء الفراغ الناجم عن تفكك الجيش السوري الحر وتراجع دوره ونفوذه، والتصدي للتقدم الذي يسجله الجيش النظامي، في مسعى يائس لاستعادة زمام المبادرة، خصوصاً في دمشق وأريافها وغوطتها ... وثمة تقارير متعددة المصادر عن أوسع عمليات تدريب (الباكستان) وتجنيد (معسكرات اللاجئين) وتهريب للمقاتلين عبر أكثر من حدود لسوريا مع جوارها.
أما الهدف السياسي فهو “كسر النفوذ الإيراني في المنطقة في حلقته السورية”، وهو هدف قديم متجدد، لم تيأس القوى الرافعة للوائه من إبقائه على صدارة جداول أعمالها، برغم الضربات الموجعة، ميدانياً وسياسياً، التي تعرضت في سوريا ... وبرغم “الاختراق الاستراتيجي” الذي حققته طهران على مسار علاقاتها بالغرب.
قلنا بالأمس، أن انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني – الغربي على الأزمة السورية، ستكون إيجابياً، وقد تفضي إلى تسريع مسارات الحل السياسي، وهذا صحيح طالما تعلق الأمر بالقوى الدولية الأساسية والأطراف المتعاقدة في جنيف حول النووي الإيراني، لكن خصوم “جنيف” الإيراني والسوري، لن يرفعوا الراية البيضاء قبل أن يتبين لهم أن كلفة الاستمرار في حملها أعلى بكثير من كلفة إلقائها في الوحول، وإلى أن يصل هؤلاء إلى النتيجة المرجوّة، فإن دماء سورية وعراقية ولبنانية كثيرة ستسيل في شوارع المنطقة وحواري مدنها وبلداتها.
في هذا السياق، نقرأ التصعيد الذي يشهده العراق ... وفي إطاره أيضاَ نقرأ عملية “بئر حسن” التي استهدفت السفارة الإيرانية في بيروت ... والعمليات على ساحات المجابهة الثلاث، تخطت ردود الأفعال الانتقامية، ودخلت في سياق “تجهيز الميدان” للحسم عسكرياً أو سياسياً ... لكأن أحلك ساعات الأزمة السورية، تلك التي تسبق انبلاج فجر الحلول والتسويات السياسية، وأزعم أن السوريين يمرون في هذه الساعات الدامية.
“داعش” حملت على التشكيل “السلفي” الجديد، بل واعتبرته بمثابة “صحوات جديدة” كتلك التي نشأت في غرب العراق لتحريره من نفوذ القاعدة وسيطرتها قبل ست سنوات أو يزيد ... وثمة في صحف لندن المحسوبة “خليجياً” ما يشف عن سياسة جديدة، هدفها تدعيم “الجهاد” في سوريا ولكن بعيداً عن “داعش”، حتى أن بعض المعلقين المحسوبين على صناع القرار في دول عربية نافذة ، لم يستبعدوا فكرة “التعاون” مع “النصرة” بوصفها مدرسة سلفية معتدلة، وتمييزاً لها عن “داعش” الأكثر غلواً وتطرفاً ... إنهم يستجيرون من الرمضاء بالنار.
إنه التخبط والإحساس العميق بالخذلان والفشل وفقدان البوصلة، هو ما يدفع البعض لخوض غمار هذه المغامرة، لا لأن مصيرها محكومٌ عليه بالفشل الذريع فحسب، بل ولأنها تهدد باستعداء مروحة واسعة من القوى والدول، في الإقليم وخارجه، ممن ينظر للقاعدة ومشتقاتها، وليس للقاعدة وحدها، بوصفها تهديداً للأمن والسلم الدوليين، ولن يرتضي بحال من الأحوال، الاندراج في مشروع يستبدل الأسد ونظامه، بأبي محمد الجولاني وزهران علوش، أياً كانت مبررات الرعاة ومسوّغاتهم.
الذين ساءهم خروج ثمانين مليون إنسان إيراني من شرنقة الحصار والعقوبات، لا يبالون باستمرار تدفق شلال الدم السوري لأشهر وسنوات قادمات، طالما أنهم قرروا المضي في حروبهم المذهبية حتى آخر سوري وعراقي ولبناني، وطالما أن هذا التحشيد المذهبي المؤسف، قد بات وسيلة لإطالة أعمار بعض الأنظمة وإدامة عروشها، وسيستمر الحال على حاله، إلى أن تقترب النار من مشعليها واللاعبين بها، وما ذلك على هذا الإقليم المتقلب بسرعة، ببعيد.
ثورة سوريا أقوى من اتفاق أميركا ـ إيران
عبدالرحمن الراشد-الشرق الأوسط
ما تحدث به مسؤولون في الثورة السورية من أنه يمكن أن يدفع السوريون ثمن الاتفاق النووي الأميركي مع إيران في جنيف - ليس صحيحا. ففي رأيي، سوريا هي آخر المتضررين من الاتفاق، إن كان هناك حقا متضررون. فهذا اتفاق أولي مؤقت عمره ستة أشهر، بناء عليه تخفف الولايات المتحدة جزءا من عقوباتها الاقتصادية مقابل أن تتوقف طهران عن جزء من أنشطتها النووية. وخلال الأشهر الستة المقبلة، يتفاوض الطرفان على حل، أو حلول، دائمة إن استطاعا، وينهيان النزاع. خلال المرحلة القصيرة، لن تكون هناك أثمان تدفع، لأنه اتفاق مؤقت، وقد لا ينجب في نهاية الشهر السادس، إما لعدم جدية الطرف الإيراني، أو بسبب الضغوط الرافضة له في الكونغرس الأميركي. وحتى لو أنجب المؤقت اتفاقا دائما، فإن سوريا والسوريين وثورتهم هم آخر من سيتأثر سلبا بالاتفاق. السبب في حصانة الحدث السوري، أنه نشاط داخلي وليس عملا مصطنعا أجنبيا، لا يمكن أن نقارنه مثلا بأفغانستان، حيث إن إسقاط حركة طالبان وإقامة نظام بديل في كابل، عمل جاء بالكامل من الخارج، وقد لا يصمد بعد مغادرة القوات الأميركية. في سوريا، الوضع مختلف تماما، فالقتال نتاج لرفض شعبي واسع لنظام بشار الأسد، يستمد جزءا من الدعم من الخارج مثل السعودية وغيرها، وهذا الدعم الخارجي لو توقف غدا، وهو لن يتوقف، لا يعني أبدا نهاية الثورة ونجاة النظام.
وإيماني بحتمية سقوط نظام بشار الأسد ليس عن تمنيات، أو مبني على تخلي الحليف الإيراني عنه، أو ارتفاع الدعم الخليجي للثوار، لا أبدا. السبب الرئيس، أن النظام لم يعد يملك مقومات البقاء التي مكنته من الحكم أربعين عاما. المنظومة العسكرية الأمنية السياسية تهاوت، وهو يقف اليوم على قدمين خشبيتين إيرانيتين، وهذه لا تدوم. والسبب الآخر المهم، أن الأسد الأب، ومن بعده ابنه، كانا يطرحان في الماضي نفسيهما كوطنيين سوريين، اليوم غالبية الشعب السوري ترى في الرئيس بشار الأسد شخصا طائفيا من طائفة صغيرة. وهذه تجعل من المستحيل القبول بنظام مرفوض من قبل الغالبية الساحقة من الطائفة السنية التي تشكل أكثر من 70% من السكان. السبب الثالث وراء نظرية حتمية السقوط، الكم الهائل من الدماء التي سالت. ولا يمكن أن نقارنها بما سال في أحداث مدينة حماه قبل ثلاثين عاما لأنها نسبيا كانت محدودة، وعاش بعدها النظام قويا. هذه أسباب راسخة يستحيل معها أن يدوم نظام الأسد الذي غاب ظله اليوم عن معظم سوريا، يحكم فقط في بعض المناطق. وعندما نقول باستحالة نجاة نظام الأسد لا يعني أن هناك بديلا وطنيا جيدا سيحل محله، أو أن هناك بديلا. فهذا موضوع آخر، لأن الاحتمالات البديلة غير مضمونة.
وسواء اتفق الإيرانيون والأميركيون أم لا، فإن سوريا ستكون آخر المتأثرين. بل إن العكس هو الصحيح، فإسقاط الثورة السورية لنظام الأسد يمثل خسارة فادحة لنظام إيران ويضعفه تفاوضيا، وسيدفعه نحو الاتفاق والتنازل أكثر. فقد كانت إيران تعتمد في الماضي على جملة وكلاء لتنفيذ أجندتها، أبرزهم نظام الأسد، للضغط على الغرب، من خلال التهديد والابتزاز وإحداث الفوضى. والوكيل الثاني، حزب الله الذي سيحاصر ويضعف عسكريا إن سقط نظام الأسد.
إنما، يفترض ألا نخلط بين ثوار سوريا ومفاوضي جنيف الإيرانيين والأميركيين، لأنه لا علاقة حقيقية بين المناسبتين، رغم أهمية سوريا وخطورة أحداثها على المنطقة. بالنسبة لإيران، رضخت وطلبت تفاوضا لأنها أصبحت تختنق بسبب العقوبات، وتريد تخفيفها. قد تكون وعودها مجرد حيلة إيرانية أخرى أو ربما صادقة، الحقيقة نحن لا نعرف، لكن نعتقد أن الإدارة الأميركية تسرعت في تصديق وعود الرئيس روحاني. فإيران أصبحت تعاني نقص قطع غيار طائراتها المدنية، ورادارات مطاراتها، وكومبيوتراتها، وفشلت في بيع نفطها، وتحويل ريالاتها إلى دولارات، وغيره، وبالتالي تريد كسر الحصار الغربي من خلال مفاوضات تمنحها فرصة للاستنشاق ثم ستقوم بجرجرة أقدامها دون أن تتوقف عن مشروعها النووي. مجرد ربما.
محاور جديدة بالمنطقة.. على اساس طائفي
رأي القدس العربي
التطورات السياسية والامنية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط، تنذر بتكريس محاور جديدة، وللاسف قد تكون على اساس طائفي. فإلى جانب المواجهة الاقليمية حول سورية، حيث تدعم دول خليجية، ابرزها السعودية، المعارضة السورية، ويشن الاعلام السعودي حملة عنيفة على ايران بسبب تدخلها بالنزاع السوري، تتبنى طهران خطاب النظام السوري واتهامه لدول بينها السعودية وقطر وتركيا بتمويل ‘الارهاب’ في سورية.
اليوم يترافق ذلك مع تطور جديد، وهو التقارب بين ايران وامريكا بعد 33 عاما من الصراع، وهو ما يبدو انه سيساهم بتغيير التحالفات والعلاقات بالمنطقة، خاصة مع شعور دول الخليج بالتهميش بعد الاتفاق والكشف عن شهور من المفاوضات السرية بين واشنطن وطهران.
ايران، وبعد تخليها اليوم عن البرنامج النووي العسكري، تركز جهودها على تكريس نفوذها بالمنطقة، لتكون قوة اقليمية على حساب السعودية منافستها الرئيسية.
فتخفيف العقوبات، سيكون من شأنه زيادة ثراء وقوة ايران، مما سينعكس على وضع حلفائها بالمنطقة، بالمقابل تشهد دول الخليج تقاربا اكثر فيما بينها ودعما اكبر لحلفائها بمواجهة تصاعد قوة ايران الاقليمية.
يتزامن ذلك مع التفجيرين الانتحاريين اللذين استهدفا الثلاثاء الماضي السفارة الايرانية في بيروت، ما ادى لمقتل وجرح العشرات، بينهم الملحق الثقافي بالسفارة، واللذين اعلنت كتائب عبد الله عزام المرتبطة بالقاعدة مسؤوليتها عنهما، مهددة بانها ستواصل عملياتها الى ان يسحب ‘حزب الله’ عناصره من سورية.
وكان لافتا رد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله من ان هذه العملية ‘تعويض عن الانتكاسات التي مني بها المحور المعادي في اكثر من ملف، وخصوصا سورية’، وذلك في تلميح واضح للسعودية وربط للتفجير بملف سورية.
هذا التفجير، وما تلاه من قصف على الحدود السعودية واعلان مجموعة تسمى جيش المختار المعروفة بارتباطها بايران تبنيها للعملية سينذر بمشهد جديد من الشحن الطائفي.
ورغم ان الثورة في سورية والحرب ضد الاسد لم تبدأ لانه ليس رئيسا سنيا، لكن استحواذه من جهة على دعم قوى شيعية، مقابل مشاركة مسلحين متشددين مرتبطين بتنظيم القاعدة اعطى المشهد صورة طائفية، وهذا ما يتعزز اليوم بشكل متسارع، من استقطاب وتكريس طائفي.
فالمعركة في سورية والاتفاق النووي يحددان النظام الاقليمي بين محور (شيعي) تقوده ايران ويضم سورية وحزب الله والعراق، مقابل محور دول ذات غالبية سنية تقودها السعودية.
وهذا ينذر اولا بصراع طويل في سورية قد لا يتمكن اي طرف من حسمه عسكريا ليتمكن من حسمه سياسيا ايضا. كما ينذر ثانيا بما توقعه الكثيرون خلال العامين الماضيين، وهو احتمال انتقال التوتر والاضطراب الى دول الخليج، في ضوء التوتر الذي تعيشه البحرين، والاختراقات الايرانية و’القاعدية’ التي حالت وتحول دون تطبيع الاوضاع في اليمن وانتهاء الحوار الوطني اليمني بصيغة تحقق توافقا بين الاطراف كافة.
رغم ان الاتفاق النووي واضح في هدفه النهائي، اي منع ايران من الحصول على سلاح نووي، الا ان التقارب الامريكي ـ الايراني هو الذي يثير المخاوف في كثير من العواصم العربية، لا سيما في الخليج، اذ ان الوجهة المحتملة لهذا التقارب وكيفية توظيفه من جانب امريكا وايران، كل من جانبها، تبقى مجهولة. فايران ترشح نفسها للقيام بدور اقليمي يتماشى مع رغبة امريكية في التخفيف من الاعباء المباشرة لاستراتيجيتها في المنطقة العربية للاعتماد على اطراف اقليمية مؤهلة.
يحدث ذلك فيما يمر العالم العربي بمرحلة تحول وعدم يقين، لكن الظروف التي هيأت لايران الشاه في السابق ان تكون ‘شرطي الخليج’ لم تعد قائمة لمنح ايران ‘ولاية الفقيه’ مثل هذا الدور. ومع ذلك لا بد للعرب وبالاخص عرب الخليج ان يتعاملوا مع المتغيرات الراهنة بسياسات اكثر حنكة ومرونة وتماسكا، اقله للحد من الخسائر.



حرق العلم وقانون التظاهر‏..‏دلالات ومعطيات
لواء-‏ محمد الغباشي-جريدة الأهرام
حدث حرق العلم الوطني للدولة المصرية له دلالة خطيرة في فكر هؤلاء المضللين من الشباب والصبية المدفوعين لتصرفات عدوانية تجاه علم الوطن كرمز وقيمة‏.‏
فأحداث ليلة19 نوفمبر والمسماة بذكري محمد محمود تحتاج لرؤية متأنية حيث تم اعدادهم فكريا ضد الدولة المدنية بكل ما تعنيه من معان ودلالات فهم تربوا بفكر تنظيمي رسخ في وجدانهم ان الاخر هم الجهلاء الكفار وبالتالي فلا رمز لهم ولا قيمة للدولة الوطنية التي نعرفها وندافع جميعا عنها وعليه فهم ليسوا سوي منفذين لما تعلموه ورسخ في عقولهم و وجدانهم وهم ليسوا سوي أدوات يحركها تنظيم الاخوان دون وعي او ادراك وتحت مسمي الدين.
لقد رفعت ثورة25 يناير العلم المصري فوق الرءؤس عاليا وطالبت بالدولة الوطنية المدنية وكان شعارها( ارفع رأسك فوق انت مصري) ليأتي هؤلاء المغيبون ليحرقوا العلم في ميدان الثورة ميدان العزة والكرامة ميدان التحرير بدلالاته في قلوب جميع ابناء الشعب. والمتابع للمشهد في شارع محمد محمود مساء هذا اليوم شعر أن تطوراته غير سارة لاحداث الفوضي والاضطرابات.
إن حرق العلم رمز الدولة يعتبر عملا من أفعال الخيانة ويماثل جنائيا التفريط في أحد أركان الدولة أو رموزها مما يستوجب المحاسبة الفورية بتهمة الخيانة العظمي لمرتكبي الفعل المجرم. فمن المعروف والمؤكد ان المصريين القدماء هم أقدم من استخدم الرايات والاعلام حيث وحد مينا رايتي الجنوب والشمال في علم واحد يرمز للدولة المصرية الموحدة. وفي معركة التحرير واسترداد الكرامة في73 تسابق الرجال ليكتبوا بدمائهم تحيا مصر والله أكبر علي علم مصر وهو يرفع و نال الجندي الشهادة بعدد كبير من الاصابات ليحافظ علي العلم مرتفعا ولا يسقط.
من يقارن بين الصورتين يغرق في الالم والتساؤلات بين واقع مرير كريه لفكر متطرف يدفع الشباب لاثارة الفوضي بالشارع وتعطيل مصالح المواطنين ارتقاء بتظاهرات الجامعات ثم تدمير مباني جامعة الازهر وهم من حصلوا علي تعليم واقامة مجانية بالمدن الجامعية.
والمقارنة بين صورة جندي يستشهد وهو يرفع علم بلاده وبين من يحرق العلم او يكسر جامعته يدفعنا جميعا لتحمل المسئولية امام انفسنا اولا وامام التاريخ لمعالجة هذا الفكر المتطرف بصحيح الدين.
بانتهاء فترة الطواريء كان لابد من قانون ينظم التظاهر السلمي حيث تجتمع العديد من القوي الدولية تهدف لهدم الدولة المصرية وتكسير جيشها وساعدها في داخل الوطن تنظيم ضال تربي في غياهب السجون واعتاد ظلمة السراديب التي ينجح في العمل من خلالها ومكنوه بالدعم المالي الوفير جدا وغطاء معنوي دولي للوصول لسدة الحكم خلال انتخابات برلمانية خدع فيها الشعب بشعاراتهم الدينية ثم انتخابات رئاسية حشدوا لها دعما ماليا غير مسبوق لتحقيق الخطة الصهيوامريكية في الشرق الاوسط و إنهاء القضية الفلسطينية ببيع سيناء. وجاءت غضبة الشعب في30 يونيو وخرج اكبر تجمع بشري بشكل لم يحدث في التاريخ لرفض وتغيير نظام لم يقم بأي عمل لمصلحة ابناء الوطن بينما سمح للعائدين من تورا بورا وكهوف العمل الارهابي في البقاع الملتهبة ليتخلصوا من شرورهم ويكونوا اداة لتنفيذ مخططهم الخبيث بالتجمع في سيناء لتدمير جيش مصر الوحيد الباقي في المنطقة العربية ليحققوا احد اهم مبادئهم وهو التمكين تمهيدا للوصول لحلم عبثي بالخلافة.
ومن هنا واعتبار ما سبق نجد ان الظرف غير عادي والمتربصين داخليا وخارجيا كثيرون جدا حتي وان حاولوا خداعنا بمعسول التصريحات ولكنهم لم ولن يرضوا بغير تفكيك هذا البلد الصامد في وجه مخططهم وتكسير جيشه ويدفعون بالعديد من مدعي حقوق الانسان وطالبي الشهرة بالمعارضة والمدفوعين من اجهزة المخابرات المعادية وكذلك ما سمي بالطابور الخامس وهم متلونون( سياسيون وإعلاميون) يهتفون لمن يدفع اكثر او يوعدهم بمكاسب حزبية او وظيفية فتساقط العديد منهم بعد ان كانوا رموزا يشار اليهم, ولكن مازال بعضهم يوهم بأنه علي الساحة بمعارضة واهية او رفض لقانون يحافظ علي كيان الوطن ويمنع سقوطه. لقد بلغ الغضب الشعبي مداه تجاوبا مع فنان شعبي رفض حرق علم الوطن بأغنية رغم بساطته الثقافية.
إن الظرف شديد الصعوبة للبلاد يحتم علينا الاصطفاف في مواجهة هجمة شرسة لاحداث فوضي عارمة تهدد الامن والسلم الداخلي للوطن ويعيق استكمال خريطة المستقبل واجراء انتخابات برلمانية تليها انتخابات رئاسية تعبر بالبلاد لشط الامان لنفوت الفرصة علي من يريد هدم الوطن لمطامع شخصية او مكاسب حزبية ولنتفق جميعا علي تجاوز هذه المحنة ونعيد التشاور في ظل برلمان حر نزيه يملك كل الصلاحيات لتعديل وإصلاح ما يري من قوانين تتفق مع معطيات المرحلة.
حفظ الله مصرنا