Haneen
2013-12-08, 02:10 PM
اقلام عربي 559
28/11/2013
في هذا الملــــف:
مفاوضات حزب الله السرية مع الشيطان الأكبر!
رأي القدس العربي
نهاية حلم الدستور التوافقي في تركيا
القدس العربي / د. بشير موسى نافع
«سمّ» الصفقة بعد جنيف
الحياة اللندنية / زهير قصيباتي
عدم الثقة بـ«أوباما» وعدم الاطمئنان لألاعيب إيران!
الشرق الاوسط / صالح القلاب
القلق السعودي من الاتفاق الأميركي - الإيراني
الحياة اللندنية / خالد الدخيل
الكاشفة والفاضحة
ج القبس / علي العبدالهادي
التوتر الاخير في العلاقات المصرية التركية
القدس العربي / د. يوسف نور عوض
أميركا لم تعد طرفاً في الخليج
الحياة اللندنية / حسان حيدر
وماذا عن الرجولة؟
الشرق الاوسط / علي سالم
هذا ما نريده للجارة إيران
ج القبس / سعود السمكة
حلول أزمة سوريا
ج القبس / لبيد عبدال
تكثيف التعاون بين السلطات لإنجاز الإصلاح
رأي الدستور
استخبارات غبية
دار الخليج / غاريف افنرز
مصر وتفكك جبهة الثورة الثانية
الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
اليمن المُثقل بالماضي
دار الخليج / عبد الملك عبد الرحمن الإرياني
مفتاح لبنان بين السعودية وإيران
السفير / واصف عواضة
30 ديبلوماسياً في «ضيافة» التجسس الإسرائيلي
السفير / ايلي الفرزلي
نسيج الدولة العربية هو المشكلة
القس العربي / د. علي محمد فخرو
سوريا بعد «الاتفاق النووي»: ضمن «الرزمة» أم مفصولة عنها؟
السفير / مارلين خليفة
عيون وآذان (كونغرس في خدمة إسرائيل)
الحياة اللندنية / جهاد الخازن
مفاوضات حزب الله السرية مع الشيطان الأكبر!
رأي القدس العربي
تأكدت، من مصادر عديدة، حكاية المفاوضات السرية التي جرت بين ايران وامريكا (او الشيطان الأكبر حسب تسمية آية الله الخميني الشهيرة للولايات المتحدة) منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني والتي أوصلت الطرفين (مع الجوقة الاوروبية والمقاولة الروسية) الى الاتفاق التاريخي بالغاء مشروع القنبلة النووية الايرانية مقابل التخفيض التدريجي للعقوبات الاقتصادية والسياسية ضد طهران.
وتبعها، ما نشر مؤخرا في صحيفة (الوورلد تريبيون)، عن حوار سري بين الأمريكيين وحزب الله نشر في مقالة بالصحيفة تحت عنوان ‘أصدقاء شيعة أكثر: الولايات المتحدة في حوار سري مع حزب الله’. مضمون الحوار حسب المصادر البرلمانية اللبنانية التي نقلت الخبر هو ‘استقرار لبنان’ و’تشكيل الحكومة اللبنانية’.
يبدو الخبر الأخير مجرد خيط في مجموعة خيوط متشابكة ستظلل شبكتها المنطقة بعد الاتفاق الايراني الامريكي، وسنشهد فصولها في سورية أولاً، حيث يحتدم القتال بالوكالة بين ايران وأعدائها الاقليميين، وفي لبنان ثانياً، الذي يشكّل حزب الله ورقة طهران الأعلى صوتاً ووزناً سياسة وعسكراً واعلاماً، وستنداح موجاتها في العراق مروراً بالخليج العربي ووصولاً الى اليمن.
يستدعي الخبر تداعيات علاقة العداء الطويلة بين الايرانيين وحزب الله من جهة والأمريكيين وحلفائهم من جهة أخرى، بدءاً من احتلال السفارة الامريكية في طهران عام 1979، ثم تفجير حزب الله للسفارة الامريكية في بيروت في نيسان (ابريل) 1983، الذي أدى لمقتل 58 امريكياً، ثم تنفيذ عملية التفجير الانتحاري لثكنات المارينز في بيروت في تشرين الأول (اكتوبر) من العام نفسه والذي ادى لمقتل 241 امريكيا و58 فرنسياً.
يمكن اعتبار الاتفاق الامريكي الايراني أساساً لمراجعة تاريخية لمبادئ راسخة في نظريات الحرب والسياسة العالميتين، فمغامرة جورج بوش الصغير الأشبه باندفاعة الاسكندر المقدوني، قادته الى حتفه السياسي جارّة معه الولايات المتحدة الأمريكية (معطوفة على أزمة اقتصادية شاملة) الى مراجعة اضطرارية لتاريخها الذي استوحى رموز روما القديمة (الكابيتول والكونغرس) واستلهم مرات لا تحصى قرار روما المشؤوم (قرطاجة يجب ان تدمر) الذي أنهى حرباً طويلة بين ضفتي المتوسط بدمار كامل لحضارة وسكانها.
تبدو سياسة اوباما الامريكية وكأنها مراجعة اعتذارية كبرى لهذا الخطّ السياسي الذي طالما اتبعته امريكا، أولاً مع سكّان القارة الأصليين، ثم طبقته في اليابان والمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم كررته مجدداً في العراق وافغانستان.
لكن السؤال الكبير هو هل قررت الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد 34 عاماً على تأسيسها أن تتحوّل من ثورة الى دولة، وأن تنتظم حقاً في المنظومة الدولية، فتتفاوض أيضا مع جيرانها الأقربين وتطبّع علاقاتها معهم وليس فقط مع القوى الكبرى أم أن اغلاقها الملفّ النووي كان خطوة اضطرارية دفعتها اليها العقوبات الاقتصادية والسياسية الشديدة ضدها؟
لا يمكن أن تكون مفاوضات امريكا السرّية مع ايران وحزب الله قد تجاهلت ملفّات المنطقة وتبويبها، في حالة حزب الله، ضمن التعاون على ‘استقرار لبنان’ لا يمكن أن يتجاهل علاقة تصدّع هذا ‘الاستقرار’ بتدخل حزب الله العسكري المباشر لصالح النظام في دمشق وقتاله ضد المعارضة السورية.
تتقاطع امريكا موضوعياً مع حزب الله في نقطتين رئيستين: أمن اسرائيل ومواجهة ‘القاعدة’ وأخواتها.
هدوء الجبهة الاسرائيلية اللبنانية منذ عام 2006 وانخراط الحزب في مواجهة ‘القاعدة’ في سورية يجعلانه أقرب بكثير للسكّة الامريكية مما تزعمه دعايته الاعلامية، وهو أمر لم يفت وسائل الاعلام الموالية للحزب الاشارة اليه ومحاولة استثماره للحصول على تغطية غربية لحربه مع ‘التكفيريين’، كما يسمّيهم.
قضية ‘الاستقرار’ في لبنان تعني بالتأكيد قضية ‘الحرب’ في سورية، وعندها على كثيرين أن يقلقوا حقاً من ‘سرّية’ المفاوضات.
نهاية حلم الدستور التوافقي في تركيا
القدس العربي / د. بشير موسى نافع
كان هو أيضاً يوماً تشرينياً دافئاً قبل عامين عندما أعلن عن تشكيل اللجنة التوافقية التركية لكتابة دستور البلاد الجديد، بعدد متساو من الأعضاء لكل حزب ممثل في البرلمان، بغض النظر عن حجم الحزب وكتلته البرلمانية. مساء الثلاثاء الماضي، 19 تشرين ثاني/نوفمبر، أعلن القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم، مصطفى شنتوب، انسحاب حزبه من اللجنة، ليضع بذلك نهاية مخيبة للآمال لحلم كتابة أول دستور تركي على الإطلاق في مناخ طبيعي، بدون أن تكون البلاد مهددة بالحرب أو تعيش ظرفاً من الانقلاب العسكري.
باعتبارها الدولة الوريثة للسلطنة العثمانية، تقرأ تركيا الجمهورية تاريخها الدستوري بدءاً من الدستور الحميدي، 1876، أول دستور للسلطنة وأول وثيقة دستورية حديثة وناضجة في المشرق كله. وقد وضع الدستور الأول بعد ما يشبه انقلاب قصر، تعهده العثمانيون الجدد على السلطان مراد، وفي ظل انتكاسات عثمانية في جناح السلطنة الأوروبي وتهديد روسي بالحرب. عطل الدستور بعد عام واحد فقط من اجتماع أول مجلس للمبعوث العثماني (برلمان السلطنة الأول)، بتأثير من الحرب المشتعلة مع روسيا، ولم يعد العمل به إلا بعد انقلاب الاتحاد والترقي الأول في 1908.
بانهيار الدولة العثمانية، وضع المجلس الوطني الكبير القانون الأساسي في 1921، والبلاد تعيش انقساماً فادحاً بين إسطنبول وأنقره وتخوض حرب استقلال مريرة؛ وقد عدل القانون الأساسي في نهاية حرب الاستقلال في 1923 ليتضمن تحول تركيا إلى جمهورية. في 1960، تعرضت الجمهورية لأول انقلاب عسكري، عطل الدستور وفتح المجال لسيطرة الجيش الطويلة على قرار الدولة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبعد عام واحد، 1961، وضع ضباط الانقلاب دستوراً جديداً، ظنوا حينها أنه سيوفر ضمانة مطلقة للأسس التي استندت إليها الجمهورية الكمالية.
ولكن تحديات السبعينات، سواء من جانب التيار الإسلامي أو الصدامات المتكررة بين القوميين واليساريين، أوصلت الجمهورية إلى الانقلاب العسكري الصريح الثاني في 1980، وإلى تعطيل العمل بالدستور من جديد. وبعد عامين، وضع الانقلابيون، المسكونون بفكرة سيطرة الدولة وإحكام قبضتها، دستوراً هو الأكثر تفصيلاً في تاريخ الجمهورية. هذا الدستور، دستور 1982، هو الذي يجري العمل به الآن. وبالرغم من أنه تعرض لعشرات التعديلات، سيما منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تشرين ثاني/نوفمبر 2002، وأنه أصبح أكثر ديمقراطية، إلا أن روح النظام الانقلابي لم تزل تسري فيه.
كانت محاولة وضع دستور توافقي واحدة من أكثر خطوات الإصلاح التي اتخذتها حكومة العدالة والتنمية طموحاً. خلال السنوات العشر الماضية، تعهدت حكومة إردوغان واحدة من أكبر مشاريع الإصلاح والتغيير الديمقراطي التي عرفتها تركيا الجمهورية منذ تأسيسها. طالت القوانين التي تبناها العدالة والتنمية، وعشرات التعديلات الدستورية التي استفتي عليها الشعب، كافة مناحي الحياة وعملية الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع، بما في ذلك قانون الأحزاب، قانون الانتخابات، العملية التعليمية، حقوق المرأة، حرية العمل النقابي، قانون القوات المسلحة، حقوق الأقليات، والحريات العامة. وإلى جانب حالة النهوض الاقتصادي التي لم تعرف تركيا لها مثيلاً منذ عهود الازدهار العثمانية، فإن ثلاث مسائل كبرى أرقت الجمهورية وشعبها عند صعود العدالة والتنمية للحكم: الميراث الانقلابي العسكري، وحالة الفصام والصراع الإيديولوجي بين صفوف الشعب وبين الشعب ودولته، والمسألة الكردية.
واجهت البلاد الميراث الانقلابي ليس بتغيير القوانين التي تنظم عمل ومسؤوليات القوات المسلحة وحسب، بل وبإحكام سيطرة القيادات المدنية على المؤسسة العسكرية، وتغيير بنية مجلس الدفاع الأعلى، ثم بسلسلة من المحاكمات، التي بدأت منذ 2008، ولم تنته حتى الآن، وطالت كل التنظيمات السرية، وعشرات الضباط الذين شاركوا في انقلابات سابقة أو خططوا لانقلابات لاحقة.
من جهة أخرى، ساعد عدد من التعديلات الدستورية والتشريعات البرلمانية على وضع نهاية لسياسات التمييز والحرب التي تبنتها الدولة منذ عشرينات القرن الماضي ضد الملتزمين إسلامياً أو الإسلام وقيمه. بذلك، عملت حكومة العدالة والتنمية طوال السنوات العشر الماضية على التقدم بمشروع المصالحة الذي أطلقه مندريس منذ ستين عاماً بين الدولة العلمانية وشعبها، وتعرض لعثرات متتالية بعد ذلك، خطوات واسعة إلى الأمام. أما المسألة الكردية، التي تطورت إلى حرب مؤلمة وباهظة التكاليف منذ ثمانينات القرن الماضي، فقد عولجت باتفاق طويل المدى لوقف إطلاق النار بين حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن والجيش، استبطن خروج عناصر الحزب المسلحة من البلاد وتطبيق الحكومة سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية والدستورية، التي تستجيب لمطالب المساواة والحقوق الثقافية للأكراد، تؤسس لمصالحة وطنية، وتتعهد برنامج تنمية واسع النطاق لمناطق الأغلبية الكردية المهمشة.
بيد أن هذا البرنامج الإصلاحي الكبير يظل عرضة للانتكاس ما لم يوضع دستور جديد كلية، يأخذ في الاعتبار متطلبات الحقبة التي تعيشها تركيا، جملة الإحباطات التي تعرضت لها الجمهورية في التسعين عاماً التي مرت على تأسيسها، وضرورة إعادة النظر في الأسس الراديكالية للعلمانية والقومية ونموذج الدولة التحكمية، التي قامت عليها الجمهورية. ولأن دستوراً جديداً يخلو من التطرق لجملة هذه المسائل ما كان ضرورياً، وأن العدالة والتنمية اختار من البداية النهج التوافقي لعملية كتابة مسودة الدستور الجديد، فقد أحاطت الشكوك باللجنة الدستورية منذ تشكيلها.
الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان التركي، تمثلت بصورة متساوية في اللجنة الوفاقية، بما في ذلك، حزب العدالة والتنمية الحاكم (akp)، حزب الشعب الجمهوري (chp)، الحزب القومي (mhp)، وحزب السلم والديمقراطية (bdp)، الكردي، الذي يعتبر الذراع السياسية الشرعية لحزب العمال الكردستاني المحظور. ولم تمثل الأحزاب الأربعة بصورة متساوية في اللجنة وحسب، بل واتفق على أن تؤخذ القرارات في المواد المختلف عليها بصورة إجماعية، وأن مادة لن تدرج في مسودة الدستور الجديد إلا بعد التوافق بين أعضاء اللجنة الستة عشر. بمعنى أن حزب الأغلبية الحاكم، الممثل في البرلمان بأكثر من 320 نائباً، منح قوة التأثير ذاتها في اللجنة، التي منحت لحزب السلم والديمقراطية الممثل بثلاثين مقعداً برلمانياً.
كان بإمكان العدالة والتنمية، بالطبع، أن يشكل لجنة تعكس الأوزان الانتخابية والبرلمانية للأحزاب، أو حتى أن يسمي لجنة من المختصين الدستوريين لوضع مسودة، يجري التصويت عليها بعد ذلك في البرلمان، ولكنه اختار نهج اللجنة التوافقية لسببين: الأول، وضع الدستور الجديد على قاعدة من الإجماع الوطني، وما يعنيه ذلك من دلالات على مستوى الشرعية.
أما السبب الثاني، فيتعلق بالحسابات السياسية الإجرائية البراغماتية، بحيث يتم إقرار الدستور بالأغلبية التي يشترطها القانون برلمانياً وتتجنب البلاد الذهاب إلى استفتاء شعبي على دستور يحيط به الجدل والانقسام السياسي. ولكن التشكيل الطموح والمثالي للجنة، الذي استهدف تحقيق هدف بالغ المثالية، أصبح أحد أبرز الأسباب خلف البطء الفادح في عملية كتابة الدستور، ومن ثم وصول اللجنة إلى نهايتها المؤسفة. خلال عامين كاملين من العمل، لم تستطع اللجنة التوافق سوى على 60 مادة من مواد الدستور الـ 172، المفترض أن تتضمنها مسودة الدستور.
إضافة إلى ذلك، تباينت أهداف وخلفيات الأحزاب الأربعة بصور واسعة، وجعلت من عملية التوافق على المسودة عملية شاقة ومحفوفة بالخلافات. حزب السلم والديمقراطية الكردي أراد دستوراً ينتقل فيه التوكيد من الهوية التركية، وأعبائها القومية، إلى التعددية الإثنية والحقوق الثقافية للمجموعات السكانية المختلفة ضمن الشعب التركي، وأن يعزز استقلالية الإدارات المحلية ويقلص دور الدولة المركزية. في المقابل، أراد الحزب القومي، المسكون بهاجس المؤامرة على وحدة تركيا والمتخوف من خطوات المصالحة الحثيثة في المسألة الكردية، الحفاظ على مواد الهوية التركية كما هي، والابتعاد عن كل ما قد يضعف سلطة الدولة المركزية. أما حزب الشعب الجمهوري، الذي يرى نفسه وريث الكمالية والذي حكم تركيا منفرداً منذ تأسيس الجمهورية وحتى 1950، فيلتقي مع القوميين في المخاوف من تراجع مقومات الهوية التركية، ولكنه أكثر اهتماماً بالمواد المتعلقة بعلمانية الدولة ودورها في فرض القيم العلمانية على المجتمع، وإن بقوة القانون والسلطة. وفي الوقت الذي لعب ممثلو العدالة والتنمية دوراً توفيقياً بين توجهات الأحزاب الثلاثة الأخرى في اللجنة، وعملوا على أن تخرج مسودة الدستور الجديد متسقة مع مشروع الإصلاح الشامل الذي تقوده حكومة الحزب منذ عشر سنوات، فقد سعوا إلى أن يتضمن الدستور إعادة نظر في بنية الدولة التركية، ونقلها من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي أو برلماني رئاسي مختلط. يجادل العدالة والتنمية بأن الصعود الاقتصادي المطرد لتركيا واتساع دورها ونفوذها، إقليمياً ودولياً، يتطلب مؤسسة رئاسة أكثر فعالية وتأثيراً في تقرير توجهات البلاد وسياساتها؛ بينما يرى الحزبان المعارضان الرئيسيان، الشعب الجمهوري والقومي، أن التصور الذي يتبناه العدالة والتنمية لبنية الدولة لا يستهدف سوى التمهيد لتولي إردوغان رئاسة تنفيذية للجمهورية في العام المقبل، بصلاحيات واسعة، والاستمرار في حكم البلاد لثمانية أعوام أخرى، من القصر الرئاسي هذه المرة.
لا طريقة العمل ولا حجم الخلافات بين الأحزاب الأربعة ساعد في النهاية على إنجاز مسودة الدستور. باستطاعة العدالة والتنمية تقديم مسودته الخاصة للدستور إلى البرلمان، بعد تأمين موافقة حزب السلم والديمقراطية، على أساس أن أصوات كليهما وإن لم تكن كافية لإقرار المسودة في البرلمان فهي كافية لإقراره للاستفتاء الشعبي. ولكن هناك من يشكك في مثل هذا الاحتمال، لأن إردوغان قد لا يريد أن يذهب إلى الشعب بمسودة دستور توافق عليها حزبه مع حزب كردي صغير، وليس مع أي من أحزاب المعارضة الأخرى. المهم، في النهاية، أن تجربة العامين الماضيين لوضع أول دستور تركي، مدني، في مناخ من السلم والحرية، تكشف إلى أي حد باتت مسألة الدستور شائكة وبالغة التعقيد في دول المشرق.
‘ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
«سمّ» الصفقة بعد جنيف
الحياة اللندنية / زهير قصيباتي
لا تنفع تطمينات الرئيس حسن روحاني للإيرانيين بأنه لم يتنازل عن التخصيب و «الخط الأحمر»، لتهدئة حملة على اتفاق جنيف دشّنها المتشددون المتوجسون من جرعة سمّ أولى «ابتلعتها» طهران... لن تنفع كذلك سخرية رفسنجاني من «السمكة الصغيرة» إسرائيل التي تدّعي الغضب مما تمخّضت عنه المفاوضات السرية الإيرانية- الأميركية.
وإن بدا مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي على خطى الخميني الذي تجرّع «كأس السم» لدى قبوله وقف النار مع عراق صدام حسين، فذاك لسان حال المحافظين المتشددين في الداخل الذين سيفقدون «عدوّاً» لا بد منه لضمان هيمنتهم على مفاصل النظام. وبافتراض قطفت حكومة الرئيس روحاني ثمار اتفاق شامل على البرنامج النووي، تريده في أسرع وقت لإنقاذ الدولة من أنياب العقوبات، أو نجح المتشددون في عرقلته وتعطيله في المرحلة الانتقالية الأولى، فإسرائيل كذلك ستفقد «عدوّاً» لطالما تاجرت بأسنانه النووية لابتزاز المساعدات العسكرية الأميركية.
وعلى رغم فوارق كبيرة بين مساريْ المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية السرية التي قادت إلى اتفاق أوسلو، والمفاوضات الإيرانية- الأميركية السرية في سلطنة عُمان والتي عبّدت الطريق أمام اتفاق جنيف «النووي»، واضح أن المتشددين في طهران الذين بدأوا الهجوم على «بروباغندا» النظام، يخشون مصير منظمة التحرير، ولا يصدّقون الذعر الإسرائيلي المفتعل بعد جنيف.
الأكيد في كل الأحوال أن لا سمكة رفسنجاني الضخمة (إيران) ولا الخط الأحمر لروحاني ولا حديث الوزير محمد ظريف عن مسار «نووي» بحت، تحسم سقفاً لنيات طهران وطموحها، وأهداف الغرب ومشاريعه للمنطقة. وحده التقاء مصالح «الشيطان الأكبر» و «محور الشر»، يجعل حكومة روحاني مندفعة في الأيام المئة الأولى من عهده إلى ما تسميه تفكيك نظام العقوبات، ويحمل المشككين القلقين، على التخوف من تفويض الغرب طهران دوراً إقليمياً يتجاوز دورها في عهد الشاه.
وبين مشككين و «مذعورين» ومهلّلين لـ «انتصار» استعجلوا استثماره في ساحات إقليمية- حتى بافتراض جهلهم بالمسار السرّي- سيبقى الحبل السرّي بين واشنطن وطهران، حلفاً صاعداً صامتاً، يغيظ إسرائيل التي احتكرت لعقود شراكة خاصة مع كل الإدارات الأميركية.
هكذا، يمكن واشنطن تفويض إيران ضبط إيقاع صراعات المنطقة، وخلق وقائع جديدة تحت ستار محاصرة نار «الربيع العربي»... وتفويضها تأهيل حلفائها لتولي حراسة التفاهمات، فيما مسار الثورات العربية يتعثر والصراعات المذهبية تهدد بإطاحة كيانات.
ومثل خامنئي الذي إن اجتاز اختبار تجميد البرنامج النووي بنجاح، سيدّعي انتصاراً على العقوبات، سيجيّر الرئيس باراك أوباما الحزب الديموقراطي الأميركي «إنجازاً» لاستثماره في الانتخابات المقبلة، والأهم لضمان خوض الآخرين حروب الولايات المتحدة بالوكالة. وهو إنجاز بالفعل إذا قيس بمعيار رسم خرائط نفوذ جديدة على امتداد المنطقة، قطباها إسرائيل وإيران، وبينهما تخبط ما يسمى الإسلام السياسي، ومطاردات لـ «التكفيريين» و «الإرهابيين» قد تستغرق سنوات طويلة... وإرباكٌ لما بقي من أنظمة معتدلة، وترهيب لما بقي من كيانات متماسكة.
ولكن، هل يكون كل ذلك بفعل تحالف المصالح الأميركية- الإيرانية فقط؟! هل بيد طهران ان تشطب كيانات وتنصّب قوى سياسية أو أحزاباً لتدير بلداناً متهالكة بالجوع والإرهاب والترهيب والتكفير؟
أليسَ باكراً التشاؤم، والتلطّي بروح «المؤامرة» استسهالاً للتنصل من مسؤولية دور المنطقة في صنع مصيرها؟ ولكن، هل ما زالت قادرة على صنعه بعدما خطفتها حروب التكفير ولهيب المذهبية، والعزف على أوتار تأجيجها تحت ستار النفير ليل نهار، لمواجهة «الفتنة»؟... وبعدما التَهَمَ أشباه الثورة أبناءها وضاعت ذكرى أبطالها، وتحوّل نعيم الحرية سجناً يحرسه معارضو الاستبداد البائد!
بين استبداد يتناسل و «تكفير» عميم، تنقضّ إيران لاقتناص «السلام» مع أميركا، وإدارة أوباما التي تدّعي صنع سلام في سورية بتفاديها حرباً وهي تتجاهل المجازر، لن يضنيها تأهيل «محور الشر» على حساب العرب. فالعرّاب سئم تخصيب اليورانيوم وتشديد حزام العقوبات، ولا بد من وكلاء حراسة لتخصيب الخرائط... وأن يكونوا «أبطالاً» في محاربة «الإرهاب».
عدم الثقة بـ«أوباما» وعدم الاطمئنان لألاعيب إيران!
الشرق الاوسط / صالح القلاب
لو لم تطلق اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية يد الرئيس السوري بشار الأسد وتفتح له المجال واسعا للاستمرار في ذبح الذين من المفترض أنهم أبناء شعبه والاستمرار بإبادتهم، لما كانت كل هذه التوجسات وكل هذه التخوفات، ومعظمها عربية، تجاه اتفاقية الأشهر الستة، المتعلقة بالبرامج النووية الإيرانية، التي جرى توقيعها في ساعة متأخرة من مساء يوم السبت الماضي بين دول الـ«5+1» وبين إيران والتي أثارت زوبعة سياسية هائلة حتى في الكونغرس الأميركي.
لقد ثبت أن اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية السورية جاءت بمثابة مؤامرة على الشعب السوري وعلى المعارضة المسلحة وغير المسلحة التي اعترف العالم بأكثرية دوله بأنها الممثل «الشرعي» لهذا الشعب، فهي ركزت على التخلص من هذه الأسلحة وتركت المجال مفتوحا لنظام بشار الأسد ولحراس الثورة الإيرانيين وللزمر الطائفية وأولها «فيلق أبو الفضل العباس» العراقي وميليشيات حزب الله اللبناني لمواصلة حرب الإبادة الجماعية التي بقي هذا النظام يواصلها ضد شعب من المفترض أنه شعبه لنحو عامين ونصف وأكثر.
هناك مثل عربي متداول يقول: «إن لديغ الأفعى يخشى جرة الحبل» والحقيقة أن اتفاقية التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ترتب على توقيعها وعلى المباشرة بتنفيذها تمادي النظام في ارتكاب المذابح المفزعة ضد الشعب السوري وأيضا تماديه في تدمير المدن والقرى السورية بالصواريخ والمدافع وبالطائرات التي كان الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، قد اعتبر أن استخدامها يشكل خطا أحمر يؤدي تجاوزه إلى التدخل العسكري المباشر لإنقاذ شعب بات ضحية لنظام ديكتاتوري ظالم وقاتل وللحؤول دون استكمال تدمير بلد تجاوزت تقديرات تكاليف إعادة بناء ما دُمر منه مائة وستين مليارا من الدولارات.
ولهذا فإنه مع العرب ومع المعارضة السورية ومع الشعب السوري كل الحق في أن ينظروا إلى اتفاقية جنيف الأخيرة بعيون الشك والريبة وبأنها قد تطلق يد إيران في منطقة الخليج العربي وفي الشرق الأوسط كله لتواصل تدخلاتها العسكرية والسياسية والأمنية في الشؤون الداخلية لسوريا والعراق ولبنان واليمن ولتستكمل مشروعها التوسعي الإمبراطوري الذي لم يعد خافيا إلا على من يتجنب رؤية الحقائق وإلا على أعمى البصر والبصيرة.
والمشكلة هنا أن الثقة بالرئيس الأميركي باراك أوباما وبوعوده و«تطميناته» غدت مفقودة نهائيا بعدما سمع العرب في خطابه الشهير في مدرج جامعة القاهرة وعودا وردية بالنسبة لحل القضية الفلسطينية ما لبثت أن تبخرت كلها ولم يبق منها أي شيء وثبت أن كلام الليل بالنسبة لهذا الرجل الأبانوسي، الذي صفقنا لمجيئه رئيسا لأهم وأكبر دولة في الكرة الأرضية حتى التهبت واحمرت أكفنا، يمحوه النهار، وهذا قد حصل بالنسبة للأزمة السورية، حيث رأى الشعب السوري من هذه الإدارة الأميركية «جعجعة» عالية الوتيرة وشديدة الضجيج والصخب لكنه في النهاية لم ير طحنا على الإطلاق ولم يرَ إلا انكفاء وتسليم مقاليد هذه القضية الدولية التي ستترتب على نتائجها معادلات كونية كثيرة وخطيرة وجديدة، إلى فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.
لقد كانت للعرب مع باراك أوباما وإدارته تجارب مرة بالفعل ولهذا فإنه من «السذاجة» الركون إلى التصريحات التي أطلقها بعد هذا الاتفاق الذي يعاني من ألف ثغرة وثغرة والتي تحدث فيها عن أنه لن يسمح لإيران بإنتاج الأسلحة النووية حتى لو اضطر لاستخدام القوة العسكرية، فمثل هذا الكلام كان قد قاله رئيس الولايات المتحدة أكثر من مرة ثم وعندما يتخذ الكونغرس الأميركي هذا الموقف الذي اتخذه فإنه من قبيل تحصيل الحاصل أن يضع أهل هذه المنطقة العربية أيديهم على قلوبهم وأن يخشوا من أن يكون اتفاق جنيف إحدى ألاعيب الدول خاصة أن المعروف «أننا» قد ذقنا الأمرين من ألاعيب الأمم ودفعنا أثمانا باهظة نتيجة المؤامرات الدولية علينا وعلى بلداننا وعلى «الوحدة» التي بقينا نحلم بها منذ أجيال سابقة ومنذ حقبات زمنية قديمة بعيدة.
ولعل ما يعزز مخاوف الذين يخشون من انعكاسات خطيرة لهذا الاتفاق أنه لم يتطرق على الإطلاق لاستباحة إيران للكثير من الدول العربية إلا في بنده الذي جاء فيه، حسب موقع جريدة «النهار» اللبنانية الإلكتروني: «.. تستمر أيضا جميع العقوبات الأميركية المتخذة في شأن إيران التي هي على علاقة بدعم الإرهاب ولعب دور سلبي في النزاع السوري وسجلها في حقوق الإنسان».. وحقيقة ومع أن المقصود هنا بالإرهاب هو حزب الله فإن هذا الكلام بعد كل هذه التجربة الطويلة مع باراك أوباما لا يؤكد لا الثقة به ولا التعويل عليه.
لقد تضمن هذا الاتفاق أي «اتفاق جنيف» الكثير من البنود والتأكيدات التي تجعله خطوة أولية في غاية الأهمية لكنها بحاجة إلى التطبيق وحسن النوايا من بينها:
* خلال فترة الاتفاق سيتم الاستمرار في تعزيز العقوبات ضد إيران بما فيها اتخاذ إجراءات!! ضد من يلتف أو يتهرب من تنفيذ هذا الاتفاق.
* تستمر العقوبات على البنك المركزي الإيراني وعلى ما لا يقل عن عشرين بنكا ومؤسسة مالية إيرانية.
* تستمر العقوبات على عدة قطاعات من الاقتصاد الإيراني ومن ضمنها الشحن وكذلك برنامجها العسكري، وهذا بالإضافة إلى جميع عقوبات مجلس الأمن.
وبالطبع وكل هذا بالإضافة إلى التزام إيران، حسب هذا الاتفاق، بتعليق عمليات التخصيب التي تتجاوز الـ5 في المائة وهذا يعني تعليق كل عمليات التخصيب وتفكيك كل الأجهزة الفنية التي تتطلبها عمليات التخصيب لما هو فوق حاجز الخمسة في المائة والتزامها أيضا بالسماح ويوميا لمفتشي الوكالة الدولية بالدخول لمنشأتي ناتانز وفوردو وأيضا بعزل ترسانتها من المواد التي تقترب نسبة تخصيبها من العشرين في المائة وبتخفيف شدة تركيز المخصبة ما تحت الـ20 في المائة إلى أقل من خمسة في المائة أو تحويلها إلى شكل غير ملائم لمزيد من التخصيب وكل ذلك قبل نهاية المرحلة الأولى من هذا الاتفاق.
إن هناك بنودا كثيرة تضمنها اتفاق الستة أشهر في غاية الأهمية تجعل ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني، حول أن هذا الاتفاق نص على أن إيران ستواصل عملية التخصيب كما في السابق، هو مجرد كلام للاستهلاك الداخلي هدفه إيهام الشعب الإيراني وإقناعه بتحقيق انتصارات هي غير صحيحة وهي فارغة والحقيقة استنادا ليس إلى النوايا المبيتة وإنما إلى هذه النصوص المدونة أن تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن «تخصيب» الدولة الإيرانية بعد ستة أشهر «سيكون صفرا» هو صحيح وأن ما قاله المسؤولون الإيرانيون وما زالوا يقولونه هو من قبيل «رش السكر على الموت»، وهو أيضا من قبيل الخداع الذي اشتهرت به هذه الدولة منذ انتصار ثورتها الخمينية وقبل ذلك وحتى الآن وبالنتيجة فإنه يمكن القول إن المشكلة ليست في هذه النصوص وإنما في أن الثقة بالرئيس باراك أوباما باتت شبه معدومة حتى بالنسبة للكونغرس الأميركي نفسه وهي أنه لا يمكن الاطمئنان إلى هذه الدولة الإيرانية التي اعتادت أن تقول شيئا وتفعل شيئا آخر والتي هي صاحبة «تقيَّة» وتعتبر الأكاذيب والمناورات والألاعيب شطارة دبلوماسية.
وهنا فإنه يبقى أن نؤكد مجددا أنه إذا كانت نوايا «الجارة العزيزة» حسنة وصادقة فإن عليها أن تسحب مقاتليها من مغاوير فيلق القدس ومن ميليشيات حزب الله ومن طائفيي «فيلق أبو الفضل العباس» من سوريا وعلى الفور، وأن تترك العراق لأهله من سنة وشيعة، وأن تكف عن حشر أنفها في شؤون دول الخليج العربي وشؤون اليمن الذي بالإمكان أن يكون سعيدا إن هي تخلت عن «الحوثيين» وعن محاولات استيعاب المذهب الزيدي وإلحاقه بالمذهب الجعفري الاثني عشري تحت الضغط المتواصل وبقوة السلاح وشراء الضمائر!!.
القلق السعودي من الاتفاق الأميركي - الإيراني
الحياة اللندنية / خالد الدخيل
هل ينبغي للاتفاق النووي الموقت بين إيران والدول الكبرى أن يكون مثار قلق للسعودية؟ كان هذا ولا يزال إحدى المسائل المركزية التي كانت في صلب أغلب ما كتب ويكتب عن الموضوع، خصوصاً في الصحافة الأميركية. يجب أن يكون الاتفاق مثار قلق، لكن بالتأكيد ليس فزعاً، وليس للسعودية وحدها، بل لمصر ولكل دول المشرق العربي، ومن حيث إن الاتفاق مبدئي وموقت، وينتظر اتفاقاً نهائياً، فإنه قد يمثل بداية لاختراق في العلاقات بين أميركا والغرب، وإيران من ناحية أخرى، وهذا احتمال يجب أن يؤخذ في الاعتبار، خصوصاً لجهة تأثيره في مستقبل الأوضاع السياسية العربية في ظل الظروف السائدة حالياً وفي علاقات التحالف التي تربط السعودية بالولايات المتحدة الأميركية.
الاتفاق النووي في حد ذاته ليس مصدراً للقلق، وإنما ما قد يتمخض عنه من نتائج سياسية وأمنية على مستوى المنطقة. الأسئلة التي يطرحها الاتفاق في هذه المرحلة وغياب أجوبة واضحة عنها هما اللذان يبعثان على القلق، السؤال المركزي: هل يقتصر الهدف الأميركي من وراء الاتفاق على منع إيران من امتلاك السلاح النووي؟ أم أنه مقدمة لما هو أوسع من ذلك؟ يوحي الاتفاق بأن واشنطن باتت مقتنعة بأن اعتمادها في سياستها تجاه المنطقة على تحالفاتها العربية لم يعد كافياً، وأن الوقت حان للانفتاح على إيران. هل يشمل التفاهم المتوقع محاربة الإرهاب؟ إيران وفق وزارة الخارجية الأميركية أهم رعاة الإرهاب في المنطقة، وعلى صلة بذلك، هي أهم رعاة الميليشيات في المنطقة. ثم هل تفكر واشنطن حقاً في إعادة تأهيل إيران للعب دور مشابه لما كانت تلعبه أيام الشاه؟ وفي هذه الحال كيف سيؤثر ذلك في خريطة تحالفاتها في المنطقة، خصوصاً في الخليج العربي؟ سيكون على إيران تقديم تنازلات كبيرة. يؤكد الاتفاق أن إيران ستتنازل في الموضوع النووي، ماذا عن سورية؟ هنا سيكون محك الاتفاق النهائي، وما قد يتأسس عليه من تفاهمات.
قد يتساءل البعض عن مصير ما يُسمى «المقاومة والممانعة»، وليست هناك حاجة لمثل هذا التساؤل لأن «المقاومة والممانعة» لم تكن في يوم ما سياسة، وإنما هي شعار للتغطية على الدور والسياسة، لكن يبقى نجاح إيران في تغيير القناعة الأميركية، وهو نجاح جاء نتيجة لنجاح إيران في تجميع أوراق سياسية في العراق وسورية ولبنان، بالتالي يعكس فشلاً عربياً واضحاً، والدول العربية، وأولها العراق وسورية، هي المسؤول الأول عن ذلك.
هناك مصدر آخر للقلق يتمثل في أن إدارة أوباما تتجه ليس إلى التخلي عن تحالفاتها الإقليمية، وإنما إلى تغيير صيغة هذه التحالفات، والمعني بذلك الدول العربية، وليس إسرائيل أو تركيا مثلاً، ولهذا السبب ربما تفصل إدارة أوباما البرنامج النووي الإيراني وأخطاره عن الدور الإيراني في المنطقة. هي لا يعنيها كما يبدو أن هذا الدور يرتكز إلى مبدأ تحالف الأقليات، بالتالي تفعيل الطائفية كآلية سياسية في الصراع. ترى الإدارة أخطار السلاح النووي وأكلافه، ولا ترى أخطار الدور، لأن أكلافه تقع على دول المنطقة، بما في ذلك حلفاؤها. وهذا فصل غريب يجب أن يبعث على القلق. والاتفاق مصدر قلق آخر لأنه جاء نتيجة لمفاوضات سرية بين الأميركيين والإيرانيين تمت غالبيتها، وفق وكالة الـ «أسوشييتد برس» في سلطنة عمان. لجوء إدارة أوباما إلى مفاوضات سرية بالتوازي مع المفاوضات العلنية يعكس قناعتها بضرورة التوصل إلى اتفاق مع إيران. ووفق الـ «أسوشييتد برس» لم يطلع الأميركيون حلفاءهم في المنطقة على هذه المفاوضات، ما يعني عدم التشاور والتنسيق مع السعودية ودول مجلس التعاون، الطرف الآخر في المعادلة الإقليمية. هل أطلع العمانيون السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي على الموضوع؟ الأرجح أن مقتضيات السرية لم تسمح لهم بذلك، ما يطرح سؤالاً عن معنى المجلس، وحدود التزامات أعضائه تجاه بعضها الآخر.
هنا تتجه الأسئلة للأطراف العربية، خصوصاً السعودية ومصر. لماذا هاتان الدولتان؟ لأنهما الأكبر والأهم عربياً. لكن السعودية بحجمها ومركزيتها واستقرارها تتحمل العبء الأكبر في هذه المرحلة. العراق سقط بعد الاجتياح الأميركي والنفوذ الإيراني. وسورية تحولت مرة أخرى على يد النظام الحالي إلى ساحة لصراعات الآخرين، وتحول النظام نفسه إلى ورقة في يد الإيرانيين. لم يبق من المربع الذهبي العربي إلا السعودية ومصر. الأخيرة متعثرة بفعل حال ثورية مضطربة، وصراع «الإخوان» والعسكر. السعودية هي الطرف العربي الأكثر قدرة على حرية الحركة، لكنها لا تستطيع مواجهة الموقف من دون تفعيل، وإعادة تصويب سياستها الخارجية، والبدء في تعزيز قدراتها العسكرية، والانطلاق في ذلك من ضرورة إصلاح بيتها من الداخل. لا يعني ذلك أن ينتظر تفعيل السياسة الخارجية وتعزيز قدرات الإصلاح ومتطلباته. هذا لا بد أن يأخذ وقته، لكن لا بد من البدء في ذلك والانطلاق منه، والسعودية من أقدر الدول العربية على تحقيق هذا الهدف، فإمكاناتها كبيرة، ودورها مركزي، واستقرارها مكين، وقيادتها تملك الخبرة، وتتمتع بشرعية راسخة.
هنا يأتي المصدر الداخلي للقلق، وهو مصدر عربي يتمثل في عدم قدرة، أو عدم استعداد الدول العربية للاستجابة لتحدي الأحداث والتطورات، بما تتطلبه من تغيير في السياسات والمؤسسات، وإصلاحات في الأداء والإمكانات.
في أقل من ثلاثة عقود، مر العرب بثلاثة منعطفات مفصلية: الغزو العراقي للكويت، والغزو الأميركي للعراق، والربيع العربي. قبل تلك المنعطفات كانت الطائفية في حال كمون، والحواجز السياسية والأمنية تحيط بأطراف الجزيرة العربية، وكانت أميركا في ذروة تحالفها مع السعودية ودول الخليج ومصر. كانت سورية لاعباً رئيساً، وكانت حليفاً للسعودية وإيران ومصر. بعد تلك المنعطفات تغيرت الصورة الإقليمية في شكل كامل تقريباً. تحولت الطائفية على يد إيران إلى ميليشيات وإلى قوة سياسية فاعلة نشاهد أداءها في لبنان والعراق وسورية واليمن.
سقطت أنظمة، وأخرى في طريقها للسقوط. أصبحت إيران لاعباً في المعادلة العراقية، وأصبح النظام السوري «الممانع»، كما أشرت، ورقة إيرانية، ومع ذلك بقي الأداء السياسي العربي في الداخل والخارج كما هو تقريباً.
ما الذي تفتقده الدول العربية في هذه المرحلة؟ تفتقد الإرادة السياسية المبادرة في اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. وتفتقد العمل المؤسسي. كما تفتقد القدرة على مواجهة حقيقة أن الدولة في حاجة إلى تغيير وإلى إصلاح بعد عقود طويلة من الجمود. المذهل أن إيران حققت نجاحاتها وهي دولة دينية ترتكز على فكرة دينية اسمها «ولاية الفقيه»، لكنها تمتلك بنية مؤسسية فاعلة ورثتها من عهد الشاه، هي دولة الطبقة الدينية، وما يتحالف معها من طبقات، مثل طبقة البازار. تعتاش هذه الدولة على تأجيج الصراعات الإقليمية لشد عصب الداخل. والأرجح أنها ستواجه انفجار تناقضاتها في حال تدهور ظروفها الاقتصادية، أو انقضت تلك الصراعات، أو كليهما معاً. ولمواجهة الظرف الاقتصادي اضطرت إيران للإسراع إلى التفاهم مع الأميركيين لرفع العقوبات الاقتصادية التي قد تفجر الداخل. انقضاء الصراعات الإقليمية أمامه كما تتصور القيادة الإيرانية زمن طويل.
في المقابل الدول العربية هي دول أفراد أو عائلات تفتقد التحالف الطبقي الحقيقي، وليس النفعي الموقت، والأكثر من ذلك افتقادها البناء المؤسسي منذ زمن بعيد. بإمكان الدول العربية، خصوصاً السعودية سحب ورقة الطائفية من يد إيران، وذلك بفتح خطوط تواصل مع كل مكونات دول مثل العراق والبحرين ولبنان وسورية، بما في ذلك الشيعة. وهذا ممكن ولا يتطلب زمناً طويلاً. غالبية الشيعة مناهضة للسياسة الإيرانية، بالتالي ليس مفهوماً لماذا ترك هذه الورقة في يد إيران توظفها للتوتير في الداخل، ثم استخدامها للاختراق، والضغط في الداخل والخارج، ماذا يعني كل ما سبق؟ يعني أنه من الممكن الاستفادة من مصادر القلق وتحويلها إلى حوافز للعمل، وتحقيق النجاحات، فالإمكانات متوافرة والوقت متوافر وكذلك الظروف. بقي أن تتوافر الإرادة والرؤية والتصميم على العمل.
الكاشفة والفاضحة
ج القبس / علي العبدالهادي
• الثورة السورية فضحت حقيقة الليبرالية بانها لا تؤمن بالحرية، وكشفت همها الأول بعدم سيطرة التوجه الإسلامي.
ثورة اهل سوريا كشفت حقيقة من يدعون السلام ويدعون حقوق الانسان، وفضحت كثيراً من العقول الفاسدة والأقلام المسمومة. تجدهم يتباكون اذا مات حيوان ولا تسمع لهم صوتا بمجازر المسلمين، تجدهم يقيمون الندوات وينشط إعلامهم اذا حصل اعتداء من شخص على احد أماكن اليهود أو النصارى، ولا تسمع لهم صوتا لمساجد المسلمين التي تهدم وتقصف ليل نهار من قبل أعداء الاسلام. كشفت حقد الكثير على اي شيء فيه طرح لقال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم. يدعون الديموقراطية والحرية لكنهم يكفرون بها اذا حصلت الغلبة لاهل الاسلام. فضحت هذه الثورة الكثير ممن يدعون العداء لليهود، وأظهرت أنهم من اكثر المدافعين عن اسرائيل وحدودها ويسعون للاستقرار لها، فضحت حقيقة الليبرالية، وأنها لا تؤمن بالحرية للاختيار، وكشفت ان همها الأول ألا يكون لأي توجه اسلامي سيطرة. ومن الغريب في حالهم انهم يستدلون بنصوص الشرع في السمع والطاعة ليبقى النظام السوري وغيره، ولا تسمعها اذا اختار الشعب من يمثله، تجدهم يشكلون عناصر للمعارضة وللفوضى يستدلون بالشرع في ما يريدون، وإذا جاء منه ما هو حجة عليهم، قالوا عبارتهم المشهورة «لا نريد دولة دينية» نحن في دولة مدنية. حتى وصل الحد ببعضهم الى ان يتمنى بقاء نظام بشار الأسد ولا يسيطر الإسلاميون على سوريا، لأنهم لا يريدون الدولة المدنية التي في عقولهم. وصل بهم الحد الى التشكيك في استخدام الأسلحة الكيماوية وهم يرون القتلى من الأطفال والكبار بسببها، وبكل برود وانعدام للإنسانية يقولون: لماذا فقط القتلى من الأطفال؟ ولماذا لا تكون المعارضة هي من قامت بذلك فقط، لأنهم لا يريدون الأفراد في المعارضة السورية الذين رفعوا راية لا اله الا الله محمد رسول الله؟ بدأت أصواتهم تعلو عندما قربت الضربة على سوريا وإنهاء نظامها، وانهم لا يريدون التدخل الأجنبي من قبل الغرب أو من المسلمين المناصرين لإخوانهم المسلمين في سوريا. بالنسبة للغرب معلوم لدى الجميع انه لا يدفعه للتحرك الا مصالحه الشخصية، وبالنسبة للمسلمين من غير اهل سوريا، فليعلم الجميع ان دماء المسلمين واحدة والنصرة للمظلوم حق واجب، ولكي تعرف اضطرابهم في الأمر ابحث عنهم في تدخل ايران وحزب الله وجيش المهدي لا تسمع لهم صوتا ولا تسمع لهم منكرا، أصواتهم علت لما سمعوا راية التوحيد لا اله الا الله محمد رسول الله. وبدا اعلام بني ليبرال الفاسد بالتشكيك بالكتائب الإسلامية وتخويف الناس منهم وخطرهم اذا تمكنوا، تمهيدا للفوضى التي سيقيمونها هم اذا لم تكن لهم الغلبة ولم يكن لهم وجود، ولن يقولوا كما قالوا في حق النظام السوري من استدلال بنصوص الشرع بوجوب السمع والطاعة لولي الأمر. حرية قاصرة، وديموقراطية فاشلة، وليبرالية لا تعرف مفهومها الا ضد الاسلام وأهله. .
والله المستعان.
التوتر الاخير في العلاقات المصرية التركية
القدس العربي / د. يوسف نور عوض
توترت العلاقات بين مصر وتركيا إلى درجة كبيرة ووصلت إلى مستوى طرد السفراء، ويرجع هذا التدهور من وجهة النظر المصرية إلى اتهام مصر تركيا بأنها ساندت الرئيس المعزول محمد مرسي واعتبرت تنحيته نوعا من الانقلاب على الشرعية وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير الدكتور ‘بدر عبد العاطي’ إن حكومة بلاده أعطت فرصا كثيرة لتركيا دون أن تستغلها، ولكنه لم يفصل نوع تلك الفرص، غير أنه أضاف أن سحب السفير المصري من تركيا وتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال كان الخيار الوحيد المتاح لمصر، ووصفت الحكومة المصرية الموقف التركي من الحكومة المصرية بأنه تعد على إرادة الشعب المصري بحسب زعمها، ووصف ‘عبد العاطي’ رئيس وزراء تركيا ‘رجب طيب أردوغان’ بأنه يغلب مصالحه الشخصية على مصالح بلاده، وأنه الأكثر تطرفا في تركيا .
وعلى الرغم من ذلك فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع تركيا لا يعني قطع العلاقات معها. مؤكدا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستستمر لأن علاقات مصر وتركيا ليست فقط علاقات دبلوماسية بل هي في الحقيقة علاقة دم .وأعرب الدكتور عبد العاطي عن أمله في ألا تتردى العلاقات بين بلاده وتركيا إلى ما دون ذلك، وأكد أن الجالية التركية في مصر لن تتأثر بالقطيعة بين البلدين، ويرجو أن تكون هناك لغة حوار موضوعي بين مصر وتركيا
وعلى الفور قال رئيس الوزراء التركي ‘رجب طيب أردوغان’
عقب طرد السفير التركي من مصر إنه لن يحترم مطلقا أولئك الذين يستولون على السلطة بواسطة الانقلابات العسكرية.ودعا ‘أردوغان’ إلى عودة الديموقراطية إلى مصر.
ولم تلق تصريحات ‘أردوغان’ قبولا عند القيادة المصرية التي وصفت تركيا بأنها أمعنت في مواقف غير مقبولة تسعى في جوهرها إلى تأليب الشعب المصري ضد نظام الحكم القائم، وقالت مصر إن تركيا تدعم اجتماعات لتنظيمات لا هدف لها سوى خلق حالة من عدم الاستقرار في مصر، وهي بذلك تهين إرادة الشعب المصري، كما تقول الحكومة المصرية، ولم تقتصر الاحتجاجات المصرية على الجانب الرسمي، إذ ظلت وسائل الإعلام وبعض السياسيين المؤيدين لحكومة الجيش تهاجم الحكومة التركية وتتهمها بأنها تقدم دعما واضحا لجماعة الإخوان المسلمين خاصة أن ‘طيب أردوغان’ هو أول من استخدم إشارة رابعة العدوية التي يستخدمها الآن المعارضون للحكومة. ومن الجانب التركي قال الرئيس ‘عبدالله غول’ في مقابلة تلفزيونية إنه يأمل في أن تعود العلاقات بين بلاده ومصر في وقت قريب إلى حالتها الطبيعية، وعلى الرغم من ذلك فقد شددت وزارة الخارجية التركية اتهامها للحكومة المصرية التي وصفتها بالحكومة الانقلابية وبأنها هي السبب في تدهور العلاقة بين البلدين، وكان ذلك أيضا موقف السفير التركي في مصر الذي قال إن بقاء مصر على المسار الديموقراطي أمر ضروري.
ومن جانب آخر قال وزير الخارجية التركي ‘أحمد داؤود أوغلو’ إن طرد السفير المصري من تركيا هو لمجرد المعاملة بالمثل، وأكد أن تركيا ستستمر في صداقتها لمصر، ولكنها لن تحترم من لا يحترمون إرادة الشعب المصري.
والمعروف أن تركيا يحكمها نظام يشبه النظام الذي يدعو إليه الإخوان المسلمون، ولديها مشكلة مع الجيش، وذلك ما جعل الحكومة التركية تتعاطف بشكل كامل مع الرئيس المصري المعزول ‘محمد مرسي’ .وظهر ذلك من خلال رفضها محاكمة الرئيس ‘مرسي’ لأنها تعتقد أنه مازال على قمة السلطة في بلده ويتمتع بكل الحصانات اللازمة التي يفرضها منصبه، وذلك ما ترفضه الحكومة القائمة في مصر والتي تتهم الحكومة التركية بأنها تحاول تأليب المجتمع الدولي ضد نظامها الحاكم.
ويستدعي ذلك أن نسلط الضوء على تاريخ العلاقة التركية المصرية قبل التوقف عند آثار هذا النزاع بين مصر وتركيا على العلاقة بينهما وتأثير هذا النزاع على المنطقة كلها.
وكما هو معروف فأن هناك علاقات دينية وتاريخية قوية ربطت بين مصر وتركيا، وظلت العلاقات بين البلدين على درجة عالية من الصداقة، لكنها تأثرت في بعض الأحيان بظروف كان لها تأثير على العلاقات الطبيعية بين البلدين، والمعروف أن مصر ظلت على مدى خمسة قرون جزءا من الإمبراطورية العثمانية، وكانت اسطنبول هي مركز الحكم في الإمبراطورية العثمانية، لكن مصر كانت في الوقت ذاته هي عاصمة الثقافة لهذه الإمبراطورية .
أما العلاقات الدبلوماسية الحديثة مع مصر فقد بدأت في عام ألف وتسعمئة وخمسة وعشرين بمستوى القائم بالأعمال ثم تحولت إلى مستوى السفراء في عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين.
وقد وقع البلدان في عام ألفين وخمسة اتفاقية التجارة الحرة بينهما كما تشاركا في كونهما عضوين كاملي العضوية في الاتحاد من أجل المتوسط، وقد طبق البلدان اتفاق الغاز بينهما بتكلفة أربعة مليارات دولار، وفي عام ألفين وثمانية وقعا اتفاقية تفاهم من أجل تحسين العلاقات العسكرية بينهما، ولا يعني ذلك أن العلاقات بين البلدين ظلت دائما حسنة، إذ توترت العلاقات بين تركيا ومصر مرارا خلال الحقبة الناصرية في مرحلتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وهي تشهد الآن هذا الموقف الصعب الذي أدى إلى طرد سفيري البلدين من عاصمتيهما. ويأتي هذا التوتر في مجمله بعد فترة من الانفراجات بين البلدين على المستويات كافة، حتى أن مجلة الديموقراطية بالأهرام ومعهد التفكير الاستراتيجي بأنقرة نظما ندوة من أجل تسليط الضوء على العلاقة بين البلدين، وقد افتتح هذه الندوة بشير عبد الفتاح رئيس تحرير مجلة الديموقراطية الذي طرح مجموعة من التساؤلات تتعلق بالمؤثرات السياسية والاجتماعية في البلدين .
ومن جانب آخر أكد الدكتور ‘يس أكتاي’ رئيس مركز الدراسات التركية أن العلاقات التركية المصرية بدأت تأخذ مسارا قويا في مطلع القرن الحادي والعشرين بسبب ابتعاد الجيش عن السياسة، ولكنه لم يفسر كيف حدث ذلك في وقت نعرف فيه أن الجيش في البلدين كان له تأثير قوي على الأحداث في المشهد السياسي.
ونلاحظ أن هذه الندوة ظلت تتكلم عن التحولات الديموقراطية في البلدين دون أن يكون هناك تعريف واضح لنوع الديموقراطية المقصودة، ذلك أن الممارسات في كلا البلدين لم تكن على المستوى المتعارف عليه في الممارسات الديموقراطية، ومهما يكن من أمر. فإن الكثيرين يجمعون على أن تركيا ترى في هذه المرحلة أنها فقدت كثيرا بإزاحة الإخوان عن السلطة في مصر، وكانت تركيا تأمل في ترسيخ مواقعها في العالم العربي نظرا للتوافق بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والتوجهات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي في المنطقة العربية، وأهمها صعود جماعة الإخوان في المشهد السياسي العربي. وبالطبع لا يمكننا أن نتوقف فقط عند الفوائد الاقتصادية التي تجنيها تركيا من علاقتها مع العالم العربي والتي نشطت كثيرا في الآونة الأخيرة وخاصة مع مصر، لأن المهم دائما في علاقات العالم العربي مع تركيا هو موقف تركيا من الكيان الإسرائيلي بسبب انعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية، ولا نتوقع تحسنا شاملا بين تركيا والعالم العربي في هذه المرحلة إلا بعد تغيير متكامل للسياسة التركية بشأن إسرائيل، وبالتالي فإن المواقف الهامشية مثل تلك التي حدثت بين مصر وتركيا أخيرا لن تكون أكثر من فقاعات لن تؤثر على الموقف الشامل من الدولة التركية، لكن المواقف المصرية من تركيا ستكون دائما في مركز الاهتمامات العربية وذلك بسبب الثقل المصري ولأن مواقف مصر تشجع كثيرا من الدول العربية على اتخاذ المواقف الصحيحة في مثل هذه الأمور.
أميركا لم تعد طرفاً في الخليج
الحياة اللندنية / حسان حيدر
منذ سنوات طويلة لم يعد للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أهمية كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ولم يعد ينذر بنشوب حرب جديدة في المنطقة. اختارت القيادة الفلسطينية التفاوض وسيلة لمحاولة استعادة الحقوق، بينما واشنطن تلعب دور الوسيط الذي لا يضغط على أي من الطرفين، بل يحاول فقط تقريب وجهات النظر وإقناع كل منهما بأهمية التسوية في تعزيز الاستقرار الضروري لهما. لم يعد الأميركيون منذ مدة طويلة أعداء للفلسطينيين ولا للعرب المدافعين عن قضيتهم أو الذين يدعون ذلك. بقي هناك فقط «حماس» التي تعتقد واشنطن أن الوقت كفيل بترويضها طالما هي محاصرة ومنزوعة الأظافر، وطالما أن القوة الإسرائيلية كافية لردعها عن أي مغامرة جديدة. انتهت عملياً «قضية» الشرق الأوسط.
كانت هناك جبهة ثانية متوترة في المنطقة تحمل بذور مواجهة محتملة هي «جبهة الخليج» التي كان يمكن أن يتورط الأميركيون في حرب فيها بسبب السلوك الإيراني الاستفزازي على مدى أكثر من ثلاثة عقود. اليوم تنسحب واشنطن من هذه المنطقة أيضاً وتعلن أنها لم تعد طرفاً. فأمن صادرات النفط لم يعد مهدداً بالنسبة إليها بعد التفاهم المستجد مع طهران، وإسرائيل أصبحت أكثر أمناً بعد اتفاق لجم البرنامج النووي الإيراني.
المشكلات «الجانبية» الباقية لم تعد من اختصاص الأميركيين. تماماً مثل المسألة السورية التي قررت الولايات المتحدة إشراك الروس والأطراف الإقليميين في إيجاد حل لها برعاية معنوية منها. الجبهة السورية أيضاً لم يعد فيها ما يهدد أمن إسرائيل بعدما أزيل الخطر الكيماوي ليس مخافة من نظام دمشق، بل من أن تقع أسلحة القتل الشامل هذه في أيدي متطرفين. وعلى أي حال لم يكن النظام السوري يمثل في أي وقت تهديداً جدياً للدولة العبرية.
أما بالنسبة إلى «حزب الله» فلا خشية فعلية منه على إسرائيل في السابق، ولا خشية فعلية بعد اليوم، مع تعهد طهران بتولي الدور الذي خسرته دمشق في ضبطه. المبالغة في تضخيم خطره على إسرائيل كانت تخدم هدفاً إسرائيلياً لزيادة الضغوط الأميركية على طهران. اليوم انتهت هذه اللعبة، وصار الحزب عملياً مثل الفصائل الفلسطينية التي انتشرت يوماً في جنوب لبنان وناوشت إسرائيل حتى اجتياح عام 1982.
وهكذا بات الأطراف الإقليميون المشاركون مباشرة أو مداورة في الحرب السورية أو الجبهات الداخلية الساخنة الأخرى من اليمن إلى البحرين إلى العراق فلبنان، في مواجهة بعضهم، فيما إسرائيل تتفرج. صارت هذه الجبهات «محلية». الأميركيون مستعدون للتوسط إذا طلب منهم ذلك، لكن ليس للتدخل. انتهى «العهد الأميركي» في الشرق الأوسط، ولن يعود بسهولة حتى لو تغيرت الإدارة الحالية.
إذا اختارت إيران الفصل بين الحل الدولي لملفها النووي وبين السياسات التي تتبعها في المنطقة منذ بدايات نظامها «الثوري» وقررت أن تقديمها تنازلات للغرب لا ينسحب على التهدئة في الشرق الأوسط، فليس أمام الدول العربية المتضررة من تدخلاتها سوى مواصلة مواجهتها مباشرة، مثلما فعلت دول الخليج عندما أرسلت قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين. أما إذا اقتنعت طهران بأنها لن تستطيع فرض نفسها في المنطقة بالقوة أو عبر الازدواجية في السياسة الخارجية، فلا أحد يعتقد بأن العرب سيرفضون يدها الممدودة.
ولا شك في أن قيام حوار بين إيران وجيرانها الخليجيين سيوفر لطهران تطمينات أكثر مما يقدم لها الأميركيون المنسحبون، وسيوفر لدول الخليج ضمانات لا تقدمها واشنطن، أو ربما تفعل ثم تتراجع عنها.
وماذا عن الرجولة؟
الشرق الاوسط / علي سالم
ما زال المشهد يطاردني كالكوابيس؛ مجموعة من الشباب الغاضب تحيط بسيارة تقودها امرأة شابة، هي تصرخ وهم يحاولون تدمير السيارة وإخراجها منها، الضربات والصفعات تنهال عليها، يخلعون زجاج السيارة الأمامي لكي يتمكنوا من مواصلة صفعاتهم لها، لم تكن هي في البداية من يقود السيارة، كان أخوها الذي أخرجوه وانهالوا عليه ضربا إلى أن سالت الدماء من كل جسمه ثم ألقوا به في المقعد الخلفي عاجزا عن الحركة، وأخيرا بمعجزة ما تمكنت من التحرك بالسيارة والابتعاد في طريقها إلى أقرب مستشفى.
يا إلهي.. ليست هذه مصر التي أعرفها وليس هذا هو الشباب الذي كنت أنتمي إليه يوما ما، الآن فقط بدأت أتبين خطورة ما يحدث، هذا الشباب فقد أهم الصفات التي تحتمها الحضارة، الرجولة والمروءة والشهامة. وهي صفات تعجز قوانين العالم ودساتير الدنيا عن دفع الإنسان للالتزام بها. في غياب التحضر لا أمل في شيء ولا نجاة لأحد، ولقد علمتني الأيام أن أهم ما يميز الإنسان ليس درجة معرفته أو خبرته أو مكانته، بل مدى تحضره. وكل الأفكار التي خاصمت وتخاصم التاريخ اندثرت ليس لأنها خاطئة، بل لأنها غير متحضرة، وكل ما نكسبه بالقانون يخصم ويقتطع من مساحة الأخلاق. والأمم بالفعل تذهب إلى غير رجعة وغير مكان عندما ترحل أخلاقها بعيدا عنها.
لقد بدأ الإنسان في بناء قصر الحضارة وحديقته الغناء في عصور ما قبل التاريخ، عندما اكتشف إنسان القبيلة الأولى ثلاثة أبواب مفتوحة أمامه على التوالي لدخول هذا القصر؛ الأول اسمه النظام. لقد تأمل حركة النجوم في السماء فتسلل إليه ذلك الإحساس الجميل بالنظام وحتمية الالتزام به. والباب الثاني هو النظافة، وذلك عندما بدأ يتمكن من شم رائحته ويكتشف ضرورة التخلص من نفاياته ذات الرائحة الكريهة. أما الباب الثالث فكان ما نسميه الإحساس الخاص بالجمال الذي يدفع الإنسان إلى بُغض القبح ويحتم ابتعاده عنه.
احترام الأنثى هو بذاته احترام الحياة، والعدوان عليها بهذه الهمجية يعني الرغبة الواضحة في العدوان على الحياة والقضاء عليها. ومشكلة مصر الآن ليست في عجز الميزانية أو أن الناس لا تعمل، بل مشكلتها في أن أعدادا غفيرة من البشر تخرج مطرودة كل يوم من قصر الحضارة إلى العدم. والبحث عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بعيدا عن الالتزام بالأبواب الثابتة لشروط التحضر والحضارة، وهي مرة أخرى النظام والنظافة والإحساس الخاص بالجمال، قد يصل بنا إلى المزيد من خراب الروح.
لو أن سكان الأرض جميعا حجزوا في أول رحلة سياحية إلى مصر لإنعاش أحوالها الاقتصادية، لو أن أميركا وبلاد الغرب الغنية صنعت ماسورة عملاقة تضخ منها الأموال إلى مصر، لو أن الأرض في مصر أخرجت بترولا بحجم مياه البحر الأبيض، لما أفلح ذلك كله في إصلاح أحوالنا في غياب الإحساس بحتمية الالتزام بالنظام والنظافة والإحساس الخاص بالجمال. وربما لو حدث ذلك كله لقال المحللون السياسيون: المؤامرة واضحة.. الغرب وأميركا يضخون لنا كل هذه الأموال ليس لسواد أعيننا.. بل لكي لا نعمل ونتحول إلى بلطجية عواطلية.. احترسوا من هذه الأموال.. احذروا هؤلاء السياح.. احترسوا من هذا البترول الذي ظهر فجأة.. المؤامرة واضحة.. هم يريدون تلويث البيئة في مصر.
هذا ما نريده للجارة إيران
ج القبس / سعود السمكة
تابعت كغيري جميع التعليقات وردات الفعل الناتجة عن الاتفاق الذي تم بين جمهورية إيران وبين مجموعة 1+5 لطي ملف ازمة التسلح النووي الذي تنوي إيران تصنيعه، وكانت معظم التعليقات تصب في ناحية أن الاتفاق إذا ما صمد فإنه بالتأكيد لمصلحة الأمن والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ولاقليم الخليج بشكل خاص.. إلا التعليقات التي صدرت من أوساط الكيان الصهيوني وأوساط ودوائر العاصمة طهران!.. فتل ابيب وعلى لسان رئيس وزرائها ترى أن الاتفاق خطأ تاريخي وفيه تهديد للسلام العالمي، «لاحظ اسرائيل تتحدث عن السلم العالمي، وهي التي تمتلك اكبر ترسانة اسلحة نووية، بل هي الوحيدة التي تمتلك مثل هذا النوع من السلاح الفتاك في منطقة الشرق الأوسط!».. أما العاصمة طهران من خلال دوائرها الإعلامية وساستها فانها ترى أن هذا الاتفاق هو انتصار لإيران وهزيمة للولايات المتحدة وحلفائها ومجموعة الــ5+1! بيد ان الحقيقة هي انصياع طهران لشروط المفاوض الأممي المتمثل بالخمسة أعضاء الدائمين في مجلس الأمن زائد ألمانيا!
فإذا كانت الدوائر الإعلامية وبعض الساسة في طهران يتحدثون عن انتصار بالمعنى المادي، أي انهم خرجوا من الاتفاق وقد أملوا شروطهم من خلال الثبات على التمسك بحقهم في إنتاج السلاح النووي.. فانهم هنا إما أن يكونوا لم يطلعوا على شروط ونتائج الاتفاق وإما انهم يحاولون ان يغيبوا الحقيقة عن شعوبهم، حيث ان الشروط والالتزامات نشرت مباشرة بعد الدقائق الاولى من نهاية الاجتماع بين الوفد الإيراني وبين مجموعة الــ1+1 وهي كالتالي:
1 - ان تلتزم الحكومة الإيرانية بوقف التخصيب بما يتجاوز الــ%5.
2 - أن يتم تحييد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة %20.
3 - أن يتم وقف أي تقدم في قدرات التخصيب من خلال عدم تركيب أي أجهزة طرد مركزي.
4 - عدم تشغيل مفاعل آراك والسماح للمفتشين بمراقبة المنشآت النووية بشكل دائم.
إذاً أين الانتصار المادي الذي تتحدث عنه دوائر طهران؟!
أما إذا كانوا يتحدثون عن الانتصار المنطقي وهو كبح جماح هوى النفس والبعد عن حلم الهيمنة وتهديد الجيران والتدخل في شؤون الغير، والغاء التفكير نهائيا في امتلاك السلاح النووي، والالتفات إلى الداخل وتوظيف الأموال الفلكية التي تصرها الدولة الإيرانية بدافع انتفاخ الذات وحلم تمدد الامبراطورية الإيرانية لتصرف على الداخل الايراني، الذي يعاني من البطالة والأمية وشظف العيش، فهنا نعم نرفع للنظام الإيراني القبعة ونقول له: نعم لقد حققتم الانتصار الحقيقي، فإيران بلد لديه ثروات متعددة المصادر: نفط، زراعة، ثروة حيوانية، وقبل هذا وذاك الإنسان الإيراني متعدد المهارات والمشهود له بجدية العمل.. فإذا ما سخرت هذه الامكانات واصبحت العجلة الاقتصادية الإيرانية تضخ انتاجها للداخل الإيراني يومها فقط تستطيع الشعوب الإيرانية ان تفتخر ببلدها كونه أصبح دولة عظمى اقتصادياً.. وهذا هو الانتصار الحقيقي الدائم.. وهذا ما نريده للجارة إيران.
آخر العمود: حسافة على قاعة عبدالله السالم وقد اصبحت فيها «خيشة محم».
حلول أزمة سوريا
ج القبس / لبيد عبدال
لاننا نعيش في ذروة القطبية والتنافس والأزمة المالية، لا بد من إنجاح مؤتمر المعارضة السورية بمظلة دولية عادلة.
لا يمكن القبول بالتنظيرات العديدة التي تقول بانتهاء التأثير الأميركي، لوضع عناصر الحل في سوريا، أو انعدام الدور الروسي، أو الدور الفرنسي، أو الصيني،، وباقي الدول الكبرى، لاعتقادها بأننا مازلنا نعيش مرحلة القطبية الواحدة، خصوصا مع استمرار تصادم اقتصادات الدولار، واليورو، وما تبعها.
الواقع يقول اننا نعيش ذروة تعدد القطبية والتنافس، بين تلك الدول القديمة، التي تحلم باسترجاع إمبراطورياتها التي أفَلت، مقابل الدول الفاعلة المؤثرة في الساحة.
تلك الدول، إلى الآن تعمل بصمت لتثبيت مواقعها، وبناء مواقع جديدة للسيطرة أكثر في قارات العالم، لتستأثر هي كذلك مع غيرها، بما فيها من موارد طبيعية، كالنفط أو الغاز وخلافه، أو حتى تبيع ما لديها من أسلحة، أو مضادات لأسلحة دول أخرى تتنافس هي معها، بهدف مشاركتها الشريحة السوقية في العالم.
تلك الدول تعيد الدخول في الساحتين الدولية والإقليمية، لعدم قبولها استمرار استئثار دولة واحدة بها، خصوصا مع تأثير أزمة مالية عالمية طاحنة، تضرب بأطنابها في كل أنحاء العالم.
علاوة على ذلك، في داخل مسارح المعارك الحالية، لا يمكن لأي مراقب أن يتغاضى عن مشاهدة كوكتيل من المعارضات من داخل سوريا وخارجها.
وذلك، يدعونا - بحق - للعمل بالمثل القائل: «إن لم تستطع أكل الفيل كاملا، قم بتقطيعه».
لذا، ومن أجل الأبرياء من البشر هناك، الذين يبيتون في ملاجئ عارية، لا بد من البدء بإعادة بناء النسيج الداخلي بصورة متآلفة، يمكن معها منع التدخل الخارجي المباشر، وغير المباشر، والقادم من الغرب أو الشرق البعيد، وكذلك القريب من هنا.
مشاهدة العوامل الخارجية، للاستعداد المحلي غير المسبوق، للتقاتل، قطع الرؤس، وبقر الأجساد لنزع الأحشاء، مدعاة للجميع للتوقف فوراً عن دعم هذا العبث في مصائر الناس الأبرياء، خصوصا ان الدنيا دوارة.
ترك الحبل على الغارب، وبهذا الشكل اللامسؤول، هو أمر جيد لمن يريد ان يرى مزيدا من التمزق للدول، ناسها، تاريخها، دينها، وحتى حضارتها.
لا بد حتمياً كذلك، من تدخل جاد لإنجاح مؤتمر المعارضة في جنيف، مع استمرار مظلة دولية عادلة، فهو يجمع الجميع من الدول الكبرى، وهو فرصة لحسم خلافاتها، مباشرة وبحضور جميع المعارضين.
تكثيف التعاون بين السلطات لإنجاز الإصلاح
رأي الدستور
حرص جلالة الملك عبدالله الثاني خلال تكريمه أعضاء مجلس الأعيان التأكيد على مفصلين مهمين في مسيرة الإصلاح والنهوض بالوطن.
أولهما مسؤولية مجلس الأمة بغرفتيه “الأعيان والنواب” عن ترسيخ وتجذير الديمقراطية في أرض الوطن الطيبة، انطلاقا من كون المجلس حاضنة الديمقراطية والحوار الوطني، ومن خلال أدائه وفعالياته وأنشطته تترسخ التعددية والعمل المؤسسي المبني على التعاون بين السلطات الثلاث “التشريعية والتنفيذية والقضائية”.
وفي هذا السياق سبق لجلالته أن أكد على تلك الحقيقة في خطاب العرش السامي، وهو بذلك يحث المجلس باعتباره ممثل الشعب والراعي الحقيقي للديمقراطية على أن يعلي من قيمها المتمثلة في العدالة والمساواة، واحترام الرأي والرأي الآخر، كسبيل وحيد لاستمرار مسيرة الاصلاح والحفاظ عليها حتى تؤتي أكلها لخير البلاد والعباد.
ومن هنا فإيمان مجلس الأمة بالديمقراطية، يجب ألا يقتصر على الكلام الإنشائي والجمل البليغة، بل يجب أن ينحى منحى الفعل، وأن يبتعد النواب عن كل ما يسيء للديمقراطية ويشوه وجهها الجميل قولا وفعلاً، وأن يكونوا مثالاً باحترام حرية الرأي والتعبير والابتعاد عن الشّخصنة والكلام المبتذل والتشهير واغتيال الشخصية، فالنائب علاوة على انه ممثل للشعب يجب أن يكون مثالاً للشخصية الوطنية الديمقراطية الحريصة على التواضع وخدمة الجميع والانحياز لمصالح الوطن والأمة، لا يخشى في الحق لومة لائم.
ومن ناحية أخرى فإن مجلس الأمة مدعو للاتعاظ وأخذ العبرة من الأخطاء، وربما الخطايا التي اقترفها البعض في المجالس السابقة وأدت الى حل بعضها والإسراع بانتخابات جديدة وفق قانون جديد يؤسس لمرحلة جديدة من الحياة السياسية، ويردم هوة عدم الثقة بين المواطنين والنواب التي سادت في المراحل السابقة.
ثانيهما: دعا جلالة الملك لضرورة تكثيف التعاون بين السلطات الثلاث لإنجاز خريطة الاصلاح، بما يعود بالنفع على المواطنين كافة.. وهذا يستدعي أن تعمل السلطات الثلاث على انجاز القوانين ذات الصلة بالسرعة الممكنة، ما يضمن انجاز الاصلاح الشمولي والبعد عن التسويف والمماطلة واللذين من شأنهما الإضرار بمصلحة الوطن والمواطنين.
لقد دعا جلالة الملك في خطاب العرش السامي مجلس النواب لضرورة إعادة النظر بقانوني الانتخابات النيابية والأحزاب بما يتواءم ويتماهى مع الارتقاء بالإصلاح السياسي، وتشكيل حكومات برلمانية وفقاً للتقاليد المرعية في الدول المتقدمة ديمقراطياً، إذ يشكل الحزب الفائز الحكومة.. في حين يقف الحزب او الاحزاب الخاسرة في خندق المعارضة، وهذا يستدعي تفعيل الحياة الحزبية ورعايتها كونها مفصلاً رئيساً من مفاصل الديمقراطية والتعددية والإصلاح الفاعل.
مجمل القول: دعوة جلالة الملك مجلس الأمة الى أن يرتقي بالمهام المنوطة به بصفته حاضنة للديمقراطية والحوار الوطني، وحث السلطات الثلاث على تكثيف التعاون والتنسيق بينها لإنجاز الإصلاح المطلوب، يؤكدان أن جلالته حريص على إنجاز مسيرة الإصلاح بالسرعة الممكنة، وعلى مشاركة الجميع بهذه المسيرة المباركة، وحريص على أن تؤتي ثمارها الطيبة لصالح المواطنين وصالح الوطن.
إنه الرائد الذي لا يخذل شعبه ولا أمته...
استخبارات غبية
دار الخليج / غاريف افنرز
إنه لأمر محرج للغاية في عالم السياسة أن تضبط متلبساً بالتجسس على دولة صديقة . ولتسأل المسؤولين في الولايات المتحدة في أعقاب الكشف عن تنصت وكالة الأمن القومي على مكالمات هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المحمول . والولايات المتحدة ليست وحدها في هذا: فالآن ضبطت أستراليا متلبسة بالتنصت على اتصالات الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو وزوجته ودائرته الداخلية .
وهذه الفضائح، من المواد المسربة من قِبَل عميل وكالة الأمن القومي السابق إدوارد سنودين، سوف يتردد صداها لبعض الوقت . وسوف تكون التداعيات ضارة بصورة خاصة بالعلاقات بين أستراليا وإندونيسيا، كما أستطيع أن أشهد الآن أثناء زيارتي لجاكرتا .
كانت علاقات الصداقة الإندونيسية بالحكومة الأسترالية الجديدة متوترة بالفعل بسبب قضية إعادة قوارب محملة بطالبي اللجوء . والآن كان رفض رئيس الوزراء توني آبوت الاعتذار (على النقيض من الرئيس باراك أوباما) لنظيره بعد الكشف عن المراقبة الإلكترونية سبباً في توليد غضب شعبي عارم . وتغذي هذه القضية المشاعر القومية في إندونيسيا والتي تأججت بالفعل خلال فترة التحضير للانتخابات العامة المقرر إجراؤها في العام المقبل .
ولعل رد الفعل الحكيم على الإمساك بالمرء متلبساً بالتجسس على حكومة أجنبية هو الانتظار بهدوء حتى تمر العاصفة، والاستمرار في مزاولة العمليات الفنية كالمعتاد . وقد يصبح هذا ملائماً عندما يكون الهدف عدواً تقليدياً أو مشاكساً دولياً، ويشمل الأمر مصلحة وطنية كبرى،
وعندما تكون عملية التجسس مرجحة بقدر ما هي غير متبادلة .
ففي مثل هذه الحالات تكون الخطيئة الوحيدة هي أن يضبط المرء متلبساً . وقد يلجأ المسؤولون إلى مناورة الدار البيضاء ("أنا مصدوم إزاء اكتشافي أن المقامرة تجري هنا"!)، ثم بعد التوقف لبعض الوقت تستمر الحياة . وقد مررت شخصياً بتجربة كهذه، كما حدث للعديد من
زملائي السابقين في الوزارة الذين أشرفوا على مثل هذه الأشكال من العمليات على جانب واحد أو الآخر خلال الحرب الباردة .
ولكن يبدو لي أنه لم يعد من الممكن الدفاع عن محاولة التبجح في التعامل مع مثل هذه الأمور، كما تحاول أستراليا أن تفعل في التعامل مع القضية الحالية . والواقع أن إندونيسيا، مثلها كمثل ألمانيا، مجتمع ديمقراطي مفتوح لا يحمل تهديداً لأحد . والمعلومات تتدفق هناك بحرية، وهي متاحة بالنسبة لكل القضايا باستثناء أكثرها حساسية إذا أرادت جارة صديقة مثل أستراليا أن تطلع عليها .
وهنا، كما هي الحال في أماكن أخرى، تنشأ المشاكل من وقت لآخر في العلاقات الثنائية . ولكن حل هذه المشاكل يعتمد بشكل أكبر كثيراً على إقامة علاقات شخصية استناداً إلى الثقة على أعلى المستويات النوع الذي أصبح الآن في خطر شديد وليس على محاولة الوصول إلى بعض المعلومات الاستخباراتية "القاتلة" .
والمفارقة في مثل هذه القضايا أن قدراً ضئيلاً للغاية من المعلومات التي يتم الحصول عليها بأساليب سرية، سواء كانت إلكترونية أو بشرية، قد تنتمي إلى هذه الفئة الحساسة . ومن واقع محادثاتي مع زملاء من وزراء الخارجية السابقين من مختلف أنحاء العالم، فأنا لا أعتقد أن خبرتي في هذا الصدد فريدة من نوعها . فبرغم كل الإثارة التي ينطوي عليها تلقي مظاريف مختومة مزينة بملصق "سري للغاية" التشويق الذي يبدو قادتنا معرضين له بشكل خاص فإن مثل هذه المواد في أغلب الأحيان لا تضيف أكثر من القيل والقال لما هو متاح بالفعل من مواد عبر المصادر المفتوحة .
وقد حان الوقت لكي تعيد وكالات الاستخبارات وسادتها السياسيون النظر في التكاليف والفوائد المترتبة على كافة أشكال التجسس وعمليات المراقبة . إذ ينبغي لهم أن يركزوا تفكيرهم على الخطر الحاضر دوماً والمتمثل في أن العمليات الأكثر سرية لن تظل سرية، كما تبرهن بوضوح الآن حالات مثل قضية سنودين وقضية ويكيليكس .
ومن الأهمية بمكان التفريق بين الأنواع المختلفة من العمليات الاستخباراتية . إن أغلب الناس يتحلون بقدر كبير من التسامح إزاء أي مستوى من انتهاك الخصوصية قد تشتمل عليه عمليات التنصت الإلكترونية المصممة لاكتشاف وتحديد المؤامرات الإرهابية المحتملة . وتشير الخبرة العالمية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 إلى أنه في حين قد تعود مثل هذه العمليات بالقليل من الفائدة في اكتشاف صناع القنابل الهواة، فإنها فعّالة للغاية في الكشف عن المخططات الأكثر تعقيداً وخطورة والتي يتورط فيها عدد كبير من الجناة .
وعلى نحو مماثل، ليس من غير المعقول أن تُكَرَّس الموارد الاستخباراتية للكشف عن القدرات العسكرية ونوايا الدول التي لا تتبنى الشفافية الكاملة، للحصول على معلومات أفضل حول المصادر المحتملة للأزمات والصراعات، أو للسيطرة بشكل أفضل على مخاطر محتملة محددة تهدد المصالح الوطنية . وهذا هو ما ظلت وكالات الاستخبارات تقوم به دوماً، وهذه الأدوار مفهومة على المستوى العالمي .
ولكن ما يجب أن يكون واضحاً تماماً من حالتي الولايات المتحدة وأستراليا هو أنه لا يجوز لأي حكومة أن تشن عملية استخباراتية، وخاصة ضد حليف أو صديق، لمجرد أنها قادرة على ذلك ببساطة . فمن المرجح في هذه الحالة أن تكون القيمة المضافة صفراً، والتكاليف المترتبة على الأخطاء هائلة .
إن غضب إندونيسيا، كغضب ألمانيا من قبلها، إزاء الانتهاكات الجسيمة لخصوصية الزعماء ليس مختلقاً، ولن يكون أمده قصيراً . والاعتذار هو أقل ما ينبغي لأستراليا أن تقدمه الآن، على أن يقترن ذلك بالالتزام بمراجعة أساليب وأولويات جمع المعلومات الاستخباراتية . ولكن حتى مع هذا فإن سلوك الطريق الوعر الطويل لتحسين العلاقات الثنائية أمر لا مفر منه . إن العملة الأكثر قيمة في الدبلوماسية الدولية هي الثقة الشخصية، وانتهاك هذه الثقة لن يعود علينا إلا بالضرر .
مصر وتفكك جبهة الثورة الثانية
الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
نحو خمسة أشهر مرت على عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وإسقاط حكومته، وإيداع كبار قيادات «الإخوان» السجن، وما كان لهذا الزلزال أن يحدث لو لم يوجد هناك تأييد شعبي كاف له، وما كان له أن يستمر كل هذه الفترة، وتحت إدارة حكومة مؤقتة، ومن دون برلمان، لولا وجود ائتلاف داعم من أحزاب وقوى سياسية تمثل غالبية أطياف سياسية مصرية، من يسارية إلى وطنية. وكثير من القوى الشبابية سبقت التغيير، الانقلاب، وحشدت الرأي العام بجمع توقيعات المطالبة بإقصاء مرسي، وهي أيضا ساندت الوضع القائم. ليست الدبابات ولا البدلات العسكرية هي من حمى التغيير، بل التأييد الشعبي والسياسي الواسع، إنما المحافظة على جبهة الثورة الثانية، وضمان تأييدهم مهمة صعبة، وها نحن نرى تشققا في الجدار.
«تمرد» ضد تقنين التظاهر، والسلفيون ضد النص على مدنية الدولة، ولكل فريق رأي أو اعتراض على سطر أو موقف.
ومن الواضح أن هذه الاختلافات الصغيرة تكبر، وقد تصبح قادرة على قلب القطار، والسؤال هل هي حقا قضايا تستحق التمسك بها؟
مثلا، قانون التظاهر الذي يغضب بعض القوى السياسية في حقيقته لا يستحق الاختلاف رغم أنه قانون مماثل لكثير من دول العالم الديمقراطية. فالاحتجاج عبر المظاهرات حق يحميه القانون، لكن مع تنظيمها وفق قواعد تحقق السلامة، فيكون موعدها متفقا عليه، ومساراتها مرسومة، وتجري حمايتها من الغير، وحماية الآخرين منها.
ورغم أنها ضوابط طبيعية فإن المناخ السياسي في مصر مشحون ويغلب عليه الشك، ومن الطبيعي أن ترفض القوى السياسية فكرة تقنين التظاهر؛ لأنها لا تريد أن تعطي الحكم، حتى لو كان حليفها اليوم، الذريعة لتعطيل حقها في الاحتجاج. هناك شك في نيات النظام الحالي، وإن لم يعبر عنه الحلفاء صراحة، هم يريدون إخراج «الإخوان» لأنه تنظيم يريد الهيمنة والاستيلاء على الدولة وإقصاء الآخرين، لكنهم في الوقت الذي رفضوا فيه أن «يتغدى» بهم «الإخوان» يخافون أيضا أن يسلموا الحكم لفريق آخر «يتعشى» بهم. ومن المتوقع من حكومة الببلاوي، والقيادة العسكرية الراعية للتغيير، طمأنة الفرقاء السياسيين حتى بالتضحية بضوابط أمنية أو مدنية، المهم، خلال الأشهر القليلة المتبقية، المحافظة على وحدة الصف السياسي، والانتقال من المرحلة المؤقتة إلى الدائمة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، والاستفتاء على الدستور.
اليمن المُثقل بالماضي
دار الخليج / عبد الملك عبد الرحمن الإرياني
لاريب أن اليمن من الدول التي شهدت في تاريخها الحديث العديد من الصراعات، ابتداء من الحرب الجمهورية - الملكية في شمالي اليمن بداية ستينات القرن الماضي ولمدة تقرب من ثماني سنوات، وصدامات جبهة التحرير والجبهة القومية في جنوبي اليمن قبل الاستقلال وبعده وما صاحب ذلك من تأميمات وإجراءات أدت الى تشرد مئات الآلاف، ومروراً بحربين بين الشمال والجنوب في 1972م و1979م ثم حرب 1994م بدعوى الانفصال وإعادة دولة جنوب اليمن إلى وضعها السابق لوحدة 1990م، وصولاً الى ثورة الشباب في 2011م في خضم ثورات الربيع العربي، وما سبقها من حروب الحركة الحوثية وغيرها من التمردات والإرهاصات . يضاف إلى ذلك كله عدد من الانقلابات في كلا الشطرين الشمالي والجنوبي على مدى عقود عدة، أشهرها على الإطلاق وأكثرها دموية أحداث يناير/كانون الثاني 1986م في الجنوب .
خارطة معقدة للصراع تداخلت فيها العوامل القبلية بالإيديولوجية والمذهبية والسياسية والنفعية، وتضرر منها ملايين اليمنيين عبر عقود من الزمن سواء بالقتل أو السجن أو التشرد أو فقدان الحقوق والأموال والممتلكات . ولعل الصورة تبدو اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالتغيرات الناتجة عن ثورة المعلومات وثورة الشباب أزالت حواجز الصمت التي منعت العديد من الفئات اليمنية عن التعبير عن آلامها وآمالها، بل والمطالبة بحقوقها حتى وإن بصورة يعتريها الكثير من العوار، ولكنها أظهرت للجميع كم أن اليمن مثقل بماضيه، وإنه بحاجة ماسة للتخفّف من أثقاله إن أراد أهله الاستقرار والنماء .
واذا كانت المبادرة الخليجية قد جاءت حينها كما بدا باتفاق الأطراف المتصارعة لنقل السلطة سلمياً تلبية لرغبة الشعب اليمني في التغيير ولتقديم رؤية جديدة لمستقبل اليمن عبر مؤتمر الحوار الوطني . وبرغم ما حققه المؤتمر من نجاحات في الوصول الى توافقات على الورق في كثير من موضوعات الحوار، إلاّ أن الصورة على الأرض، واليمن يقترب من نهاية المؤتمر، تبدو مختلفة تماما . فبعض القوى اليمنية المشاركة في المبادرة الخليجية أو ممثليها الفاعلين قد امتنعوا عن المشاركة في المؤتمر منذ البداية، والبعض الآخر انسحب أثناء أعمال المؤتمر، وكثيرٌ هم من يواصلون مشاركتهم في المؤتمر سياسة ومناورة في انتظار ظروف أكثر ملاءمة لهم . والأسوأ من هذا كله أن بعض رعاة المبادرة أصبحوا يرعون إفشال تحقيق أهداف المبادرة في نقل السلطة وتحقيق وفاق وطني أكثر من رعايتهم لأنجاحها .
والحقيقة التي يجب التمعّن فيها لتحقيق نجاح مقاصد المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني هي ضرورة إزالة أثقال الماضي عن كاهل اليمن واليمنيين . ومن أجل ذلك لا بد من التمحيص في أشخاص وأدوار الأطراف الداخلية المهيمنة على الساحة السياسية، وكذا تأثيرات الأطراف الخارجية على الفعل السياسي في اليمن . ومن سخريات القدر هنا أن قادة العمل السياسي الراهن بذواتهم أو بتأثيراتهم، والذين يفترض بهم تقديم الحلول لأهم مشاكل اليمن، أو قبولها، بداية من القضية الجنوبية، إلى قضية صعدة، إلى قضايا الحكم الرشيد والعدالة الانتقالية وبناء الدولة وضمان الحريات هم في معظمهم ممن ساهموا بممارساتهم العملية وتوجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية أو القبلية أو الفئوية وعلى مدى عقود عدة في خلق هذه المشكلات وتعميقها واستفحالها حتى وصل اليمن الى ما وصل إليه اليوم من فوضى واضطراب وتناحر . فهاهم حاضرون اليوم مثقلون بكل هذا التاريخ الذي أثقل اليمن، ويضيفون الى ذلك مراراتهم وحزازاتهم الشخصية تكبلهم الى ماض لا يستطيعون منه فكاكاً .
ولا نقلل هنا من تأثير الأطراف الإقليمية في إعاقة تحقيق أهداف المبادرة الخليجية وتحقيق طموحات اليمنيين في دولة رشيدة موحدة تؤدي دورها الوطني والقومي مع شقيقاتها في مجلس التعاون والجامعة العربية . وسواء أكانت الإعاقة بتدبير ممن يهدف الى إقامة إمبراطورية مذهبية تمتد بنفوذها على الشرق الإوسط وتحاصر بصورة أساسية مناطق النفط، أو بسوء تدبير واضطراب بصيرة ممن يعتقد أن استقرار دول الربيع العربي فشل له، أو ممن أوهمته فلسفته أن عوامل استقراره وأمنه تتركز في ضعف واضطراب الأوضاع في دول جواره حتى إنه يبذل في سبيل ذلك أكثر مما يبذل في تعزيز وتنمية قدراته الذاتية .
والأمر هكذا، فاليمن بحاجة للتخفّف من أثقاله بمعالجة المعوقات الداخلية والانتقال الفعلي إلى المصالحة الوطنية ونقل السلطة بعون حقيقي وفعّال من رعاة المبادرة . نعم . . إن توقف اليمنيين أمام أحداث خمسة عقود ماضية بتجرد ومسؤولية لتفهم المظالم وتجاوزها لتحقيق مستقبل أفضل لجميع اليمنيين، وليس لانتصار طرف أو هزيمة آخر، ذلك كفيل ليس فقط بتهيئة الظروف الموضوعية داخلياً لخروج اليمن من أزمته، بل كذلك لتوفير عوامل مجابهة المؤثرات الخارجية . أما اذا استمر المسار على ما هو عليه الآن، فأخشى ألا تجد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من يأبه بها أو يعمل على تنفيذها وأن يبقى اليمن لسنوات طويلة أسيراً لأوضاع قد يكون الوضع الراهن المتردي أفضلها .
مفتاح لبنان بين السعودية وإيران
السفير / واصف عواضة
يشغل اللبنانيين هذه الايام سؤال واحد: ما هي انعكاسات ومفاعيل الاتفاق النووي الإيراني على لبنان في المستقبل القريب والبعيد؟ وهل سيقطف هذا البلد الصغير ثمار الاتفاق سلباً أم إيجاباً؟.
تصعب الإجابة على هذا السؤال بصورة جازمة حالياً، وإن كانت التحليلات السياسية تسير وفق أهواء القوى اللبنانية المتصارعة، والتي ذهب بعضها بعيداً في استقراء المستقبل، استناداً الى طموحاته وآماله ورهاناته، وليس الى منطق الأمور.
قد يكون الجواب الشافي في جعبة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي تيسر له، كأول مسؤول سياسي من خارج إيران، أن يلتقي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي، ويعقد معه خلوة استمرت عشرين دقيقة، وهي مدة كافية ليطرح على المسؤول الإيراني الأول سؤالاً من شأنه ان يحل اللغز اللبناني الحائر: ما هي آفاق العلاقات الإيرانية - السعودية؟.
يعرف الرئيس بري جيداً أن المرحلة اللبنانية الراهنة معقدة، وأن مفتاح التسويات للقضايا العالقة هو في يد الدولتين المؤثرتين مباشرة على لبنان، وهما السعودية وإيران.
ويعرف أيضاً أن إيران تطمح الى أفضل العلاقات مع دول الجوار، لا سيما السعودية وسائر دول الخليج، وقد سمع من وزير الخارجية الإيرانية محمد جود ظريف عزمه على إطلاع دول الجوار على تفاصيل الاتفاق بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، والأرجح أن تكون السعودية من بين هذه الدول، سواء بالاتصال او بالزيارة المباشرة المؤجلة منذ وصول الرئيس روحاني وحكومته الى السلطة قبل أشهر عدة.
ويعرف الرئيس بري أيضاً أن الوضع اللبناني لم يعد يحتمل حالة الجمود المرتبطة بتطورات الوضع في سوريا، إذ ليس في الأفق ما يبشر بوضع حد للحرب السورية في المدى المنظور، حتى أن مؤتمر جنيف 2 الذي تحدد موعده بعد نحو شهرين، والذي يجري الرهان عليه لإنجاز حل سياسي في سوريا، هو أمر غير مضمون، وقد يتبعه جنيف 3 و4 و5 و10 قبل ان ينبلج الفجر السوري على عودة الاستقرار الى هذا البلد الممزق.
وعليه من الطبيعي أن يعوّل الرئيس بري على التفاهم السعودي الإيراني، سواء بالنسبة للبنان أم بالنسبة لسوريا والوضع الأقليمي العام وما يعتريه من شوائب، خصوصاً على مستوى الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة. فلبنان مقبل على استحقاق أساسي في الربيع المقبل من خلال انتخاب رئيس جديد للبلاد، وقبل ذلك لا يمكن أن يواجه هذا الاستحقاق بحكومة تصريف أعمال وبمجلس نيابي معطل وبقطيعة قاسية بين الأطراف اللبنانيين.
وحدها الرياض قادرة على تنفيس الاحتقان اللبناني، بما لها من دالة على طرف رئيسي ما زال يرفض الشراكة والحوار وتسهيل شؤون البلاد. لكن السعودية التي تشعر بالغضب منذ إلغاء الهجوم الاميركي على سوريا وبعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، والتي تملك أوراقاً ضاغطة في لبنان وسوريا وغيرهما، بحاجة الى تنفيس هذا الغضب من خلال لفتة إيرانية ـ أميركية تؤكد لها دورها وموقعها ونفوذها ومصالحها في المنطقة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال الجلوس الى الطاولة بما يؤدي الى تفاهم على مستقبل مطمئن للجميع. وبانتظار ذلك سيظل لبنان على لائحة الانتظار.. الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
30 ديبلوماسياً في «ضيافة» التجسس الإسرائيلي
السفير / ايلي الفرزلي
إذا كان التشريع لم ينجح في فتح أبواب القاعة العامة لمجلس النواب لأشهر طويلة، فملف التجسس سيتكفل بذلك. ولكن هذه المرة، ليس النواب وحدهم من سيعجّ بهم المبنى الرئيسي لمجلس النواب، بل سيضاف إليهم ممثلو الدول الكبرى والهيئات الدولية، الذين يحلون ضيوفاً على الاجتماع المشترك الذي تعقده لجنتا الاتصالات والخارجية بدعوة من الرئيس نبيه بري.
موضوع وحيد سيكون على جدول أعمال الاجتماع، هو موضوع التجسس الإسرائيلي الذي وصل في الفترة الماضية إلى حدود غير مسبوقة في العالم، إذ لم يسجّل أن تجسست دولة على دولة مجاورة علناً وبما يتخطى كل الأعراف والمواثيق، كما فعلت إسرائيل.
وتأتي الجلسة في سياق الجهد الرسمي لمواجهة هذه الاعتداءات التي تطال كل الاتصالات التي تجري على الأراضي اللبنانية، بما فيها تلك التي تخص قوات «اليونيفيل» والبعثات الديبلوماسية. ولكي يعرف المجتمع الدولي ما يواجه ممثليه في لبنان، يُتوقع أن يشارك في جلسة اليوم نحو 30 ديبلوماسياً يمثلون الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الدول المشاركة في «اليونيفيل»، الاتحاد الأوروبي، ولا سيما سفيرة الاتحاد أنجيلينا إيخورست، إضافة إلى قيادة القوات الدولية والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي.
ولكي تصل الجلسة إلى هدفها المنشود، أشرف رئيس لجنة الاتصالات النائب حسن فضل الله شخصياً على التحضيرات التي أجريت أمس، لتجهيز القاعة العامة بشاشة عرض وتقنيات تسمح للجنة الفنية المعنية بالتدقيق بالخروقات الإسرائيلية وإعداد ملف بشأنها، بعرض أبرز ما توصلت إليه منذ إنشائها في تموز الماضي.
ومع استبعاد طرح المعلومات المصنفة سرية، فإن اللجنة ستركز على المعطيات التي تملكها حول إمكانية التجسس الإسرائيلي على «اليونيفيل» والسفارات الأجنبية تحديداً.
وإذ يؤمل أن تساهم المشاركة الديبلوماسية في زيادة الضغط على إسرائيل، فإن لبنان لا يزال في طور تحضير شكوى لمجلس الأمن، علماً أنه تقرر أيضاً رفع مذكرة إلى الجهات الدولية والاتحاد الدولي للاتصالات والعمل على طرد إسرائيل من الاتحاد، الذي سبق ودانها على خرقها للسيادة اللبنانية. وفي سياق مواز، تسعى الجهات المعنية للرد على التجسس الإسرائيلي تقنياً، خاصة أنه سبق أن سمع أعضاء لجنة الاتصالات، في اجتماعها الأخير، أن ذلك ممكن، وإن تحفظوا على معرفة الآلية معتبرين أنها «أسرار دولة».
وبالرغم من التحضيرات اللبنانية المستمرة لمواجهة الاعتداء الإسرائيلي في مختلف الوسائل، إلا أن الخطوات العملية تنتظر انتهاء اللجنة التقنية من إعداد تقريرها النهائي في آذار المقبل.
كذلك سيتضمن الاجتماع، الذي يشارك فيه وزراء الخارجية عدنان منصور، الاتصالات نقولا صحناوي والإعلام وليد الداعوق، استعادة للاعتداءات الإسرائيلية التي تكثفت بين العامين 2006 و2010، بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققت لمواجهة هذه الاعتداءات، إن كان على صعيد كشف معدات تجسس على الأراضي اللبنانية أو شبكات العملاء التي توزعت في مختلف القطاعات، ولا سيما قطاع الاتصالات.
كذلك سيشاهد ممثلو الدول الأجنبية صوراً ووثائق تبين «تطور» النشاط التجسّسي الإسرائيلي، الذي جرى تحت أعين القوات الدولية، التي لم تعترض على خرق القرار 1701، حتى كانت النتيجة زيادة أبراج التنصّت الإسرائيلية (يمكن مشاهدتها بالعين المجردة) بين العام 2010 واليوم من 21 إلى 39 برجاً. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الزيارات الميدانية التي قامت بها اللجنة، إضافة إلى تحليلها للمعلومات التي جمعتها، أظهرت أن التقنيات التي تعتمد للولوج إلى شبكة الاتصالات اللبنانية، صارت أكثر تطوراً، حيث عمدت إسرائيل إلى تجديد راداراتها وصحونها اللاقطة في أكثر من مكان، وتبين أن معظمها موجه إلى هوائيات الإرسال الخاصة بشركتي الخلوي اللبنانيتين.
كما كشف فضل الله، في الجلسة السابقة، عن تسريب العدو الإسرائيلي بعض التجهيزات إلى منطقة الحدود والى بعض المناطق اللبنانية، قبل أن يعود ويسحب بعضها بعد الكشف عن العدوان الجديد.
نسيج الدولة العربية هو المشكلة
القس العربي / د. علي محمد فخرو
أثبتت الثلاث سنوات الماضية من عمر ثورات وحراكات الربيع العربي، ومن قبلها حقب قرون تاريخ العرب، أن مشكلة المشاكل كلٍّها هي الدولة العربية : أسس قيامها، شرعية ونظام حكمها، نوع وعلاقات مؤسسات ادارتها، مقدار التوازن بين مجتمعاتها وبين سلطات حكمها.
بسبب وجود نواقص في كل تلك الجوانب من تركيبة الدولة العربية أصبحت دولة تستعصي على الإصلاح التدريجي المعقول وتتخبَّط في التعامل مع إنفجار الثورات أو الحراكات الكبرى في بداياتها، وبالتالي تصَّر على إيقاف وتجميد الزمن لتصل في النهاية إلى الفوضى والإنقسامات المفجعة وإمكانيات التَّلاشي كدولة.
أساس الإشكال يكمن أولاً في أن في بلاد العرب لدينا سلطات وليس دول بالمعنى المتعارف عليه. وهي سلطات تتمثَّل في أشكال كثيرة. فقد تكون سلطة عسكرية أو تكون أقلية مذهبية طائفية أو تكون قبلية متنفذة أو تكون حزباً قائداً طليعياَ مهيمناً على كل ماعداه.
لقد تميًّز تاريخ تلك السلطات، في أي شكل تمظهرت، بابتلاعها للدولة، بخيراتها المادية والمعنوية، وباستغلالها أبشع الإستغلال وبنهبها بصورة منهجية لا رحمة فيها. ثم قامت هذه الدولة، المسروقة الفاسدة، من خلال ممارسة الإستبداد، بابتلاع مجتمعها، بحيث لم يعد للمجتمع وجود فاعل قادر على مراقبة ومساءلة ممارسات وخطايا سلطات الدولة، التي هي في الغالب لديها مشاكل مع شرعيتها غير الديموقراطية.
مثل هكذا سلطات ما كان يمكن إلاً أن تبني دولة تسلطية تمارس الإستبداد التاريخي القديم ولكن بوسائل بيروقراطية عصرية من خلال تدخُّل وهيمنة سلطات الدولة على السياسة والإقتصاد والإعلام والثقافة، وبالتالي تجعل مجتمعاتها مجتمعات تابعة ضعيفة وذليلة لا حول لها ولا قوة.
الدولة العربية الحديثة إذن لا يمكن وصفها بالدولة المدنية، ذلك أن الدولة المدنية هي دولة الشعب الذي يسكنها، دولة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، المتساوين أمام قانون غير تمييزي عادل. وهي بالتالي دولة غير ديموقراطية، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا إجتماعياَ.
على ضوء تلك الخلفية للدولة العربية الحديثة، حيث تختصر الدولة في سلطة ويضمر المجتمع حتى التلاشي في الوجود الفاعل الحقيقي، يستطيع الإنسان أن يفهم ظاهرة تأرجح الحياة السياسية في الدولة العربية في الشكل والصورة، ولكن دائماً داخل إطار التسلط والإستبداد الذي لايختفي قط.
من هنا نستطيع أن نشخٍّص تاريخ هذه الدولة العربية الحديثة أو تلك، ولا تهمُ الأسماء. إنه عبارة عن تاريخ تأرجح من دولة تسلطية، بوسائل برلمانية ليبرالية مظهرية مزيَّفة، إلى تسلطية عسكرية، بشعارات قومية أو اشتراكية، إلى تسلطية، بخليط من القبضة الأمنية الحديدية وليبرالية برلمانية شكلية يسيطر عليها الحزب الواحد، إلى تسلطية دينية، بشعارات إسلامية لتغطية إنتهازية سياسية. وهذا التأرجح العبثي السطحي بين هذه الصور التسلطية يظلُّ يدور حول نفسه في حلقة مفرغة لا تخرج، كما ذكرنا، عن إطار النظام السياسي المستبد الفاسد.
والملاحظ أن هذا التأرجح يعتمد في الأساس على مبدأ الترضيات الفئوية، أحياناً ترضية العمال والفلاحين وأحياناً ترضية رجال الثروات والمال وأحياناً ترضية أتباع مذهب أو قبيلة وأحياناً بالطبع ترضية لقوى الخارج.
في جميع الأحوال تثبت الأيام أن الصورة الجديدة للحكم ليست أكثر من علاج مؤقت لا يلبث أن يفشل بسبب زيف الدواء أو بلادة الطبيب أو استمرار تفاقم المرض.
تلك الصور المتبدلة في مظهر الحكم في الدول العربية، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، جسَد بأفضل الصور، ويا لسخرية القدر، قولاَ شهيراً لطاغية من طغاة القرن العشرين، جوزيف ستالين، الذي ينسب ّإليه قوله ‘بأن الدولة هي أداة في أيادي طبقة الحكم، تستعملها لكسر مقاومة كل أعداء طبقتها’. والعدو في الحالة العربية هو جموع الشعب، وهي تحاول أن يكون لها وجود وصوت وفعل في دولتها.
علاج داء الدولة العربية ذلك، المعقَد المتجَّذر في التاريخ والحاضر، لن يكون تواجد البطل الكاريزمي الذي يأتي ولا يأتي في مسرح حياة العرب، ولا الجيش الوطني المتحكًم في الحياة المدنية الذي اصبح ما في هذا البلد الا هذا الولد، ولا المباركة الخارجية المتقلًّبة في الأهواء التي تحجًّ إليها الركبان، ولا الإكتفاء بالحديث عن الشعارات القيمية الأخلاقية الإسلامية على أهميتها، ولا بالسقوط المعيب تحت أجنحة العولمة وإملاءاتها التي بعضها كارثي.
علاج الدًّاء ذاك أعقد من كل ذلك بكثير، وسنحاول مستقبلاً أن نتلمَّس بعضاً من جوانبه.
سوريا بعد «الاتفاق النووي»: ضمن «الرزمة» أم مفصولة عنها؟
السفير / مارلين خليفة
الاتفاق المرحلي على الملفّ النووي بين إيران ودول مجموعة (5+1) يضع سوريا أمام احتمالين: إما فكّ ارتباط غربي كامل عن أزمتها، أو إيجاد رزمة واحدة من الحلول تمتدّ من النووي الإيراني الى فلسطين والعراق وسوريا ولبنان.
ما إن أعلن الاتفاق، المرشح للاستكمال بعد 6 أشهر، حتى طرح سؤال عن مدى انعكاسه على الملفّ السوري، وخصوصا بعد أن حدّد أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون تاريخ 22 كانون الثاني المقبل موعداً لعقد مؤتمر جنيف 2.
ردة الفعل الأولى لدى بعض الديبلوماسيين العرب كانت بأنّ «سوريا باتت على الطاولة، وقد أخذت إيران دورها كلاعب إقليمي»، على حد تعبير ديبلوماسي عربي مطلع، مشيراً الى أنّ كيفية تعامل السعودية مع التقارب الأميركي ـ الإيراني سيحدد مسار ملفات اقليمية عدة بينها الملف السوري.
وأبعد من إيران والسعودية، تبقى واشنطن هي «المايسترو» الذي سيوجّه الأزمة السورية. يشرح الديبلوماسي العربي وجود احتمالين متناقضين لانعكاس الاتفاق النووي على سوريا، لكنّ حظوظ كلّ منهما متساوية.
يبدو الاحتمال الأول المتمثّل بفكّ الارتباط الأميركي عن الأزمة في سوريا ذو وجهة دراماتيكية واضحة: «لطالما ابتعد الأميركيون عن التورّط في حلّ عسكري في سوريا، وهم سيحافظون على موقفهم، لكنّ بعض دول المنطقة ما تزال تمني النفس بهزيمة بشار الأسد، ويبدو بأن الولايات المتحدة لا ترغب في التورط بهذا الموضوع، وقد ضمنت أمن إسرائيل من خلال التخلص من السلاح الكيميائي السوري. أما الاحتمال الثاني المتعلق برزمة حلول فهي ستشمل إيران وفلسطين والعراق وسوريا ولبنان».
وما بين الخيارين أيهما الأرجح؟ يرى الديبلومسي العربي أن «هذا ما سيظهر في النتائج التي سيتوصل اليها مؤتمر جنيف 2، أو في حال حصول خرق مهم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فمراقبة هذين الملفين هي التي ستحسم الأمور».
ويبدو أنّ الموضوع السوري كان أساس البحث بين الدول الخليجية على أبواب قمّة مجلس التعاون الخليجي التي ستنعقد في الكويت الشهر المقبل. وقد كانت القمة الثلاثية التي جمعت الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، تمهيداً خليجياً لرأب الصّدع الموجود بين السعودية وقطر في مقاربتهما المختلفة لأكثر من ملف إقليمي، بناء على رغبة أمير الكويت الذي يريد النجاح للقمّة التي تستضيفها بلاده.
الجوّ السائد عربياً وخليجياً هو أنّ «إيران بات موقفها أقوى بعد الاتفاق مع الدول الست، وهذا ما سينعكس على سلوكها في سوريا، حيث صار بإمكانها الانغماس أكثر في الأزمة السورية من دون أن تخشى محاسبة الولايات المتحدة المهتمّة أكثر بالملفّ النووي وإنجاح الحلّ النهائي له، وهذا ما سيعطي طهران الضوء الأخضر لكي تغيّر المعادلة القائمة في الميدان السوري، وإن حصل هذا سينعكس حتماً على نتائج مؤتمر جنيف 2».
ويقول الديبلوماسي نفسه إنّ «مفتاح فهم العوائق أمام مؤتمر جنيف 2 يكمن في فهم خلفيات مقاربة النظام السوري وحلفائه لمكونات الحلّ النهائي، والاعتبارات التي ينطلق منها الغرب، وفي مقدّمته الولايات المتحدة وبريطانيا».
وإذ تنغمس القوى السورية المختلفة في حرب لا هوادة فيها «فهذا يعني أن ظروف الحلّ لم تنضج بعد، وانّ كلّ طرف يحاول تأطير جلوسه على طاولة التفاوض ضمن الشروط التي يرسمها».
المشكلة المطروحة حالياً تكمن في رفض النظام السوري ما يطرحه عليه الغرب، أي تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تنظر بإمكان إعادة توزيع السلطات، أو ما يسمّى بطائف سوري جديد. ويبدو بأن مدينة الطائف، التي احتضنت في العام 1989 الاتفاق الذي أوقف الحرب بين اللبنانيين، تثير حساسية خاصة لدى المسؤولين السوريين، حتى أنهم طلبوا من حلفائهم الروس في المفاوضات الجارية الامتناع عن استخدام كلمة «الطائف».
ويقول الديبلوماسي العربي «إما أن تنجح الولايات المتحدة وحلفاؤها في ضبط التناقضات السورية على وقع الاتفاق النووي، أو تتركها تتصادم لأعوام طويلة تدفع خلالها المنطقة وخاصة سوريا، أثماناً باهظة، في حين تنصرف الى ملفات دولية أخرى».
عيون وآذان (كونغرس في خدمة إسرائيل)
الحياة اللندنية / جهاد الخازن
صوت العقل في «نيويورك تايمز» وأكثر كتّابها موضوعية هو بول كروغمان، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد. وأترجم هنا باختصار من مقدمة مقال له عنوانه «الخراب حصل». هو قال إن عودة الحكومة إلى العمل بعد إغلاقها كانت إجراء موقتاً، وإذا اعتقد القارئ أن الجمهوريين مجانين لو أثاروا مواجهة أخرى فعليه أن يتذكر أنهم كانوا مجانين عندما أثاروا المواجهة الأولى، والخراب حصل ليس عندما مارس الحزب الجمهوري التعطيل والابتزاز لإغلاق الحكومة، ولكن عندما فاز الجمهوريون بغالبية في مجلس النواب سنة 2010، والخراب واسع النطاق فنسبة البطالة كانت ستصبح أقل لو لم تسعَ الغالبية في مجلس النواب لتعطيل تعافي الاقتصاد.
وأترجم بعد ذلك من بداية مقال كتبه جيمس راسل في موقع ليبرالي. هو قال: سواء أحب الأميركيون ذلك أو لم يحبوا هناك صراع عميق للسيطرة على السياسة الخارجية لبلدنا في الشرق الأوسط. هو مشهد بشع أن يوجد مسؤولون من الحكومة الإسرائيلية واللوبي (ايباك) في مبنى الكابيتول (حيث مقر مجلسي الكونغرس) في محاولة لتخريب محاولة إدارة أوباما الوصول إلى صفقة مع إيران لوضع برنامجها النووي تحت إشراف دولي. بعد عقود من تلقي عشرات بلايين الدولارات وأفضل أسلحة دفاعية مجاناً ودعم سياسي غير محدود تبدي إسرائيل عرفان الجميل بعضّ اليد التي تطعمها.
بدأتُ مترجماً لأن المقالين يعبِّران عن رأي أميركيَيْن في بلدهما، وهما غير متهمَيْن مثلي بأنني من الجانب العربي وضد إسرائيل وعصابتها في الكونغرس.
الاتفاق مع إيران عُقِدَ إلا أنه مجرد بداية وثمة صعوبات كثيرة قد تفسده، وإدارة أوباما اعترفت عبر مجلس الأمن القومي بأنها لا تستطيع فرض قيادتها على الشرق الأوسط فكان أن أحقر عضوين في مجلس الشيوخ، وهما جون ماكين وليندسي غراهام اللذان أيّدا كل حرب على العرب والمسلمين، كتبا مقالاً في «واشنطن بوست» أترجم أول فقرة فيه. هما قالا: كل أميركي يجب أن ينتبه إلى أخبار في وسائل الميديا الرئيسية أخيراً تصف سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط بأنها تتخلى عن الدور القيادي الأميركي في الشرق الأوسط ما يؤدي إلى مضاعفات خطرة على الأمن القومي الأميركي.
هذا ليس موقفاً سياسياً، بل فجوراً، فالولايات المتحدة لا حق لها في قيادة أي بلد في الشرق الأوسط، وسياستها التي تحاول تمثيل إسرائيل لا أي مصلحة أميركية هي التي تزيد الأخطار على الأمن القومي الأميركي، فغالبية هائلة من مواطني الشرق الأوسط تعارض سياستها، وأكثر الإرهاب موجه ضد الولايات المتحدة وأي طرف يشتبه بأنه حليف لها بسبب إسرائيل. وإذا كان الخلاف السياسي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة انفجر في العلن، فان أسبابه كانت دائماً هناك، وقد هدد الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأميركيين غير مرة.
مجلس الشيوخ يضم غالبية ديموقراطية، لذلك استطاع رئيسه السناتور هاري ريد بغالبية 52 صوتاً مقابل 48 صوتاً خفض الغالبية المطلوبة لتعيين القضاة الذين يرشحهم الرئيس من 60 صوتاً إلى 51 صوتاً، أي غالبية بسيطة في مجلس للديموقراطيين فيه 56 عضواً وحليفاً. والجمهوريون في المجلس تلقوا صفعة يستحقونها فهناك أسلوب في الكونغرس هو أن يلقي عضو خطاباً طويلاً جداً لتعطيل التصويت على قرار لا يريده، وقرأت أن هذا الأسلوب بدأ سنة 1837، وأن أوباما وحده كان هدف 82 خطاب تعطيل لعمله مقابل 86 خطاباً لجميع الرؤساء الذين سبقوه.
مجلس النواب أسوأ لأن للجمهوريين غالبية فيه، وإذا كان القارئ في شك إزاء الجهة التي توجه النواب، فما عليه إلا أن يقرأ بيانات الجمهوريين بعد الاتفاق النووي مع إيران، فهم أعلنوا أنهم سيحاولون فرض عقوبات جديدة عليها، وهذا ما كانوا يعملون له والإدارة تفاوض الجانب الإيراني، ثم علقوا محاولتهم والآن عادوا إليها تجاوباً مع إسرائيل.
وفي حين لا أعرف النتيجة النهائية للمفاوضات مع إيران، فإنني أعرف أن التبعية الأميركية لإسرائيل أعطت روسيا فرصة للعودة إلى الشرق الأوسط بدءاً بمصر.
28/11/2013
في هذا الملــــف:
مفاوضات حزب الله السرية مع الشيطان الأكبر!
رأي القدس العربي
نهاية حلم الدستور التوافقي في تركيا
القدس العربي / د. بشير موسى نافع
«سمّ» الصفقة بعد جنيف
الحياة اللندنية / زهير قصيباتي
عدم الثقة بـ«أوباما» وعدم الاطمئنان لألاعيب إيران!
الشرق الاوسط / صالح القلاب
القلق السعودي من الاتفاق الأميركي - الإيراني
الحياة اللندنية / خالد الدخيل
الكاشفة والفاضحة
ج القبس / علي العبدالهادي
التوتر الاخير في العلاقات المصرية التركية
القدس العربي / د. يوسف نور عوض
أميركا لم تعد طرفاً في الخليج
الحياة اللندنية / حسان حيدر
وماذا عن الرجولة؟
الشرق الاوسط / علي سالم
هذا ما نريده للجارة إيران
ج القبس / سعود السمكة
حلول أزمة سوريا
ج القبس / لبيد عبدال
تكثيف التعاون بين السلطات لإنجاز الإصلاح
رأي الدستور
استخبارات غبية
دار الخليج / غاريف افنرز
مصر وتفكك جبهة الثورة الثانية
الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
اليمن المُثقل بالماضي
دار الخليج / عبد الملك عبد الرحمن الإرياني
مفتاح لبنان بين السعودية وإيران
السفير / واصف عواضة
30 ديبلوماسياً في «ضيافة» التجسس الإسرائيلي
السفير / ايلي الفرزلي
نسيج الدولة العربية هو المشكلة
القس العربي / د. علي محمد فخرو
سوريا بعد «الاتفاق النووي»: ضمن «الرزمة» أم مفصولة عنها؟
السفير / مارلين خليفة
عيون وآذان (كونغرس في خدمة إسرائيل)
الحياة اللندنية / جهاد الخازن
مفاوضات حزب الله السرية مع الشيطان الأكبر!
رأي القدس العربي
تأكدت، من مصادر عديدة، حكاية المفاوضات السرية التي جرت بين ايران وامريكا (او الشيطان الأكبر حسب تسمية آية الله الخميني الشهيرة للولايات المتحدة) منذ انتخاب الرئيس حسن روحاني والتي أوصلت الطرفين (مع الجوقة الاوروبية والمقاولة الروسية) الى الاتفاق التاريخي بالغاء مشروع القنبلة النووية الايرانية مقابل التخفيض التدريجي للعقوبات الاقتصادية والسياسية ضد طهران.
وتبعها، ما نشر مؤخرا في صحيفة (الوورلد تريبيون)، عن حوار سري بين الأمريكيين وحزب الله نشر في مقالة بالصحيفة تحت عنوان ‘أصدقاء شيعة أكثر: الولايات المتحدة في حوار سري مع حزب الله’. مضمون الحوار حسب المصادر البرلمانية اللبنانية التي نقلت الخبر هو ‘استقرار لبنان’ و’تشكيل الحكومة اللبنانية’.
يبدو الخبر الأخير مجرد خيط في مجموعة خيوط متشابكة ستظلل شبكتها المنطقة بعد الاتفاق الايراني الامريكي، وسنشهد فصولها في سورية أولاً، حيث يحتدم القتال بالوكالة بين ايران وأعدائها الاقليميين، وفي لبنان ثانياً، الذي يشكّل حزب الله ورقة طهران الأعلى صوتاً ووزناً سياسة وعسكراً واعلاماً، وستنداح موجاتها في العراق مروراً بالخليج العربي ووصولاً الى اليمن.
يستدعي الخبر تداعيات علاقة العداء الطويلة بين الايرانيين وحزب الله من جهة والأمريكيين وحلفائهم من جهة أخرى، بدءاً من احتلال السفارة الامريكية في طهران عام 1979، ثم تفجير حزب الله للسفارة الامريكية في بيروت في نيسان (ابريل) 1983، الذي أدى لمقتل 58 امريكياً، ثم تنفيذ عملية التفجير الانتحاري لثكنات المارينز في بيروت في تشرين الأول (اكتوبر) من العام نفسه والذي ادى لمقتل 241 امريكيا و58 فرنسياً.
يمكن اعتبار الاتفاق الامريكي الايراني أساساً لمراجعة تاريخية لمبادئ راسخة في نظريات الحرب والسياسة العالميتين، فمغامرة جورج بوش الصغير الأشبه باندفاعة الاسكندر المقدوني، قادته الى حتفه السياسي جارّة معه الولايات المتحدة الأمريكية (معطوفة على أزمة اقتصادية شاملة) الى مراجعة اضطرارية لتاريخها الذي استوحى رموز روما القديمة (الكابيتول والكونغرس) واستلهم مرات لا تحصى قرار روما المشؤوم (قرطاجة يجب ان تدمر) الذي أنهى حرباً طويلة بين ضفتي المتوسط بدمار كامل لحضارة وسكانها.
تبدو سياسة اوباما الامريكية وكأنها مراجعة اعتذارية كبرى لهذا الخطّ السياسي الذي طالما اتبعته امريكا، أولاً مع سكّان القارة الأصليين، ثم طبقته في اليابان والمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ثم كررته مجدداً في العراق وافغانستان.
لكن السؤال الكبير هو هل قررت الجمهورية الاسلامية الايرانية بعد 34 عاماً على تأسيسها أن تتحوّل من ثورة الى دولة، وأن تنتظم حقاً في المنظومة الدولية، فتتفاوض أيضا مع جيرانها الأقربين وتطبّع علاقاتها معهم وليس فقط مع القوى الكبرى أم أن اغلاقها الملفّ النووي كان خطوة اضطرارية دفعتها اليها العقوبات الاقتصادية والسياسية الشديدة ضدها؟
لا يمكن أن تكون مفاوضات امريكا السرّية مع ايران وحزب الله قد تجاهلت ملفّات المنطقة وتبويبها، في حالة حزب الله، ضمن التعاون على ‘استقرار لبنان’ لا يمكن أن يتجاهل علاقة تصدّع هذا ‘الاستقرار’ بتدخل حزب الله العسكري المباشر لصالح النظام في دمشق وقتاله ضد المعارضة السورية.
تتقاطع امريكا موضوعياً مع حزب الله في نقطتين رئيستين: أمن اسرائيل ومواجهة ‘القاعدة’ وأخواتها.
هدوء الجبهة الاسرائيلية اللبنانية منذ عام 2006 وانخراط الحزب في مواجهة ‘القاعدة’ في سورية يجعلانه أقرب بكثير للسكّة الامريكية مما تزعمه دعايته الاعلامية، وهو أمر لم يفت وسائل الاعلام الموالية للحزب الاشارة اليه ومحاولة استثماره للحصول على تغطية غربية لحربه مع ‘التكفيريين’، كما يسمّيهم.
قضية ‘الاستقرار’ في لبنان تعني بالتأكيد قضية ‘الحرب’ في سورية، وعندها على كثيرين أن يقلقوا حقاً من ‘سرّية’ المفاوضات.
نهاية حلم الدستور التوافقي في تركيا
القدس العربي / د. بشير موسى نافع
كان هو أيضاً يوماً تشرينياً دافئاً قبل عامين عندما أعلن عن تشكيل اللجنة التوافقية التركية لكتابة دستور البلاد الجديد، بعدد متساو من الأعضاء لكل حزب ممثل في البرلمان، بغض النظر عن حجم الحزب وكتلته البرلمانية. مساء الثلاثاء الماضي، 19 تشرين ثاني/نوفمبر، أعلن القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم، مصطفى شنتوب، انسحاب حزبه من اللجنة، ليضع بذلك نهاية مخيبة للآمال لحلم كتابة أول دستور تركي على الإطلاق في مناخ طبيعي، بدون أن تكون البلاد مهددة بالحرب أو تعيش ظرفاً من الانقلاب العسكري.
باعتبارها الدولة الوريثة للسلطنة العثمانية، تقرأ تركيا الجمهورية تاريخها الدستوري بدءاً من الدستور الحميدي، 1876، أول دستور للسلطنة وأول وثيقة دستورية حديثة وناضجة في المشرق كله. وقد وضع الدستور الأول بعد ما يشبه انقلاب قصر، تعهده العثمانيون الجدد على السلطان مراد، وفي ظل انتكاسات عثمانية في جناح السلطنة الأوروبي وتهديد روسي بالحرب. عطل الدستور بعد عام واحد فقط من اجتماع أول مجلس للمبعوث العثماني (برلمان السلطنة الأول)، بتأثير من الحرب المشتعلة مع روسيا، ولم يعد العمل به إلا بعد انقلاب الاتحاد والترقي الأول في 1908.
بانهيار الدولة العثمانية، وضع المجلس الوطني الكبير القانون الأساسي في 1921، والبلاد تعيش انقساماً فادحاً بين إسطنبول وأنقره وتخوض حرب استقلال مريرة؛ وقد عدل القانون الأساسي في نهاية حرب الاستقلال في 1923 ليتضمن تحول تركيا إلى جمهورية. في 1960، تعرضت الجمهورية لأول انقلاب عسكري، عطل الدستور وفتح المجال لسيطرة الجيش الطويلة على قرار الدولة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وبعد عام واحد، 1961، وضع ضباط الانقلاب دستوراً جديداً، ظنوا حينها أنه سيوفر ضمانة مطلقة للأسس التي استندت إليها الجمهورية الكمالية.
ولكن تحديات السبعينات، سواء من جانب التيار الإسلامي أو الصدامات المتكررة بين القوميين واليساريين، أوصلت الجمهورية إلى الانقلاب العسكري الصريح الثاني في 1980، وإلى تعطيل العمل بالدستور من جديد. وبعد عامين، وضع الانقلابيون، المسكونون بفكرة سيطرة الدولة وإحكام قبضتها، دستوراً هو الأكثر تفصيلاً في تاريخ الجمهورية. هذا الدستور، دستور 1982، هو الذي يجري العمل به الآن. وبالرغم من أنه تعرض لعشرات التعديلات، سيما منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تشرين ثاني/نوفمبر 2002، وأنه أصبح أكثر ديمقراطية، إلا أن روح النظام الانقلابي لم تزل تسري فيه.
كانت محاولة وضع دستور توافقي واحدة من أكثر خطوات الإصلاح التي اتخذتها حكومة العدالة والتنمية طموحاً. خلال السنوات العشر الماضية، تعهدت حكومة إردوغان واحدة من أكبر مشاريع الإصلاح والتغيير الديمقراطي التي عرفتها تركيا الجمهورية منذ تأسيسها. طالت القوانين التي تبناها العدالة والتنمية، وعشرات التعديلات الدستورية التي استفتي عليها الشعب، كافة مناحي الحياة وعملية الحكم وعلاقة الدولة بالمجتمع، بما في ذلك قانون الأحزاب، قانون الانتخابات، العملية التعليمية، حقوق المرأة، حرية العمل النقابي، قانون القوات المسلحة، حقوق الأقليات، والحريات العامة. وإلى جانب حالة النهوض الاقتصادي التي لم تعرف تركيا لها مثيلاً منذ عهود الازدهار العثمانية، فإن ثلاث مسائل كبرى أرقت الجمهورية وشعبها عند صعود العدالة والتنمية للحكم: الميراث الانقلابي العسكري، وحالة الفصام والصراع الإيديولوجي بين صفوف الشعب وبين الشعب ودولته، والمسألة الكردية.
واجهت البلاد الميراث الانقلابي ليس بتغيير القوانين التي تنظم عمل ومسؤوليات القوات المسلحة وحسب، بل وبإحكام سيطرة القيادات المدنية على المؤسسة العسكرية، وتغيير بنية مجلس الدفاع الأعلى، ثم بسلسلة من المحاكمات، التي بدأت منذ 2008، ولم تنته حتى الآن، وطالت كل التنظيمات السرية، وعشرات الضباط الذين شاركوا في انقلابات سابقة أو خططوا لانقلابات لاحقة.
من جهة أخرى، ساعد عدد من التعديلات الدستورية والتشريعات البرلمانية على وضع نهاية لسياسات التمييز والحرب التي تبنتها الدولة منذ عشرينات القرن الماضي ضد الملتزمين إسلامياً أو الإسلام وقيمه. بذلك، عملت حكومة العدالة والتنمية طوال السنوات العشر الماضية على التقدم بمشروع المصالحة الذي أطلقه مندريس منذ ستين عاماً بين الدولة العلمانية وشعبها، وتعرض لعثرات متتالية بعد ذلك، خطوات واسعة إلى الأمام. أما المسألة الكردية، التي تطورت إلى حرب مؤلمة وباهظة التكاليف منذ ثمانينات القرن الماضي، فقد عولجت باتفاق طويل المدى لوقف إطلاق النار بين حزب العمال الكردستاني وقوات الأمن والجيش، استبطن خروج عناصر الحزب المسلحة من البلاد وتطبيق الحكومة سلسلة من الإجراءات السياسية والقانونية والدستورية، التي تستجيب لمطالب المساواة والحقوق الثقافية للأكراد، تؤسس لمصالحة وطنية، وتتعهد برنامج تنمية واسع النطاق لمناطق الأغلبية الكردية المهمشة.
بيد أن هذا البرنامج الإصلاحي الكبير يظل عرضة للانتكاس ما لم يوضع دستور جديد كلية، يأخذ في الاعتبار متطلبات الحقبة التي تعيشها تركيا، جملة الإحباطات التي تعرضت لها الجمهورية في التسعين عاماً التي مرت على تأسيسها، وضرورة إعادة النظر في الأسس الراديكالية للعلمانية والقومية ونموذج الدولة التحكمية، التي قامت عليها الجمهورية. ولأن دستوراً جديداً يخلو من التطرق لجملة هذه المسائل ما كان ضرورياً، وأن العدالة والتنمية اختار من البداية النهج التوافقي لعملية كتابة مسودة الدستور الجديد، فقد أحاطت الشكوك باللجنة الدستورية منذ تشكيلها.
الأحزاب الأربعة الممثلة في البرلمان التركي، تمثلت بصورة متساوية في اللجنة الوفاقية، بما في ذلك، حزب العدالة والتنمية الحاكم (akp)، حزب الشعب الجمهوري (chp)، الحزب القومي (mhp)، وحزب السلم والديمقراطية (bdp)، الكردي، الذي يعتبر الذراع السياسية الشرعية لحزب العمال الكردستاني المحظور. ولم تمثل الأحزاب الأربعة بصورة متساوية في اللجنة وحسب، بل واتفق على أن تؤخذ القرارات في المواد المختلف عليها بصورة إجماعية، وأن مادة لن تدرج في مسودة الدستور الجديد إلا بعد التوافق بين أعضاء اللجنة الستة عشر. بمعنى أن حزب الأغلبية الحاكم، الممثل في البرلمان بأكثر من 320 نائباً، منح قوة التأثير ذاتها في اللجنة، التي منحت لحزب السلم والديمقراطية الممثل بثلاثين مقعداً برلمانياً.
كان بإمكان العدالة والتنمية، بالطبع، أن يشكل لجنة تعكس الأوزان الانتخابية والبرلمانية للأحزاب، أو حتى أن يسمي لجنة من المختصين الدستوريين لوضع مسودة، يجري التصويت عليها بعد ذلك في البرلمان، ولكنه اختار نهج اللجنة التوافقية لسببين: الأول، وضع الدستور الجديد على قاعدة من الإجماع الوطني، وما يعنيه ذلك من دلالات على مستوى الشرعية.
أما السبب الثاني، فيتعلق بالحسابات السياسية الإجرائية البراغماتية، بحيث يتم إقرار الدستور بالأغلبية التي يشترطها القانون برلمانياً وتتجنب البلاد الذهاب إلى استفتاء شعبي على دستور يحيط به الجدل والانقسام السياسي. ولكن التشكيل الطموح والمثالي للجنة، الذي استهدف تحقيق هدف بالغ المثالية، أصبح أحد أبرز الأسباب خلف البطء الفادح في عملية كتابة الدستور، ومن ثم وصول اللجنة إلى نهايتها المؤسفة. خلال عامين كاملين من العمل، لم تستطع اللجنة التوافق سوى على 60 مادة من مواد الدستور الـ 172، المفترض أن تتضمنها مسودة الدستور.
إضافة إلى ذلك، تباينت أهداف وخلفيات الأحزاب الأربعة بصور واسعة، وجعلت من عملية التوافق على المسودة عملية شاقة ومحفوفة بالخلافات. حزب السلم والديمقراطية الكردي أراد دستوراً ينتقل فيه التوكيد من الهوية التركية، وأعبائها القومية، إلى التعددية الإثنية والحقوق الثقافية للمجموعات السكانية المختلفة ضمن الشعب التركي، وأن يعزز استقلالية الإدارات المحلية ويقلص دور الدولة المركزية. في المقابل، أراد الحزب القومي، المسكون بهاجس المؤامرة على وحدة تركيا والمتخوف من خطوات المصالحة الحثيثة في المسألة الكردية، الحفاظ على مواد الهوية التركية كما هي، والابتعاد عن كل ما قد يضعف سلطة الدولة المركزية. أما حزب الشعب الجمهوري، الذي يرى نفسه وريث الكمالية والذي حكم تركيا منفرداً منذ تأسيس الجمهورية وحتى 1950، فيلتقي مع القوميين في المخاوف من تراجع مقومات الهوية التركية، ولكنه أكثر اهتماماً بالمواد المتعلقة بعلمانية الدولة ودورها في فرض القيم العلمانية على المجتمع، وإن بقوة القانون والسلطة. وفي الوقت الذي لعب ممثلو العدالة والتنمية دوراً توفيقياً بين توجهات الأحزاب الثلاثة الأخرى في اللجنة، وعملوا على أن تخرج مسودة الدستور الجديد متسقة مع مشروع الإصلاح الشامل الذي تقوده حكومة الحزب منذ عشر سنوات، فقد سعوا إلى أن يتضمن الدستور إعادة نظر في بنية الدولة التركية، ونقلها من النظام البرلماني إلى نظام رئاسي أو برلماني رئاسي مختلط. يجادل العدالة والتنمية بأن الصعود الاقتصادي المطرد لتركيا واتساع دورها ونفوذها، إقليمياً ودولياً، يتطلب مؤسسة رئاسة أكثر فعالية وتأثيراً في تقرير توجهات البلاد وسياساتها؛ بينما يرى الحزبان المعارضان الرئيسيان، الشعب الجمهوري والقومي، أن التصور الذي يتبناه العدالة والتنمية لبنية الدولة لا يستهدف سوى التمهيد لتولي إردوغان رئاسة تنفيذية للجمهورية في العام المقبل، بصلاحيات واسعة، والاستمرار في حكم البلاد لثمانية أعوام أخرى، من القصر الرئاسي هذه المرة.
لا طريقة العمل ولا حجم الخلافات بين الأحزاب الأربعة ساعد في النهاية على إنجاز مسودة الدستور. باستطاعة العدالة والتنمية تقديم مسودته الخاصة للدستور إلى البرلمان، بعد تأمين موافقة حزب السلم والديمقراطية، على أساس أن أصوات كليهما وإن لم تكن كافية لإقرار المسودة في البرلمان فهي كافية لإقراره للاستفتاء الشعبي. ولكن هناك من يشكك في مثل هذا الاحتمال، لأن إردوغان قد لا يريد أن يذهب إلى الشعب بمسودة دستور توافق عليها حزبه مع حزب كردي صغير، وليس مع أي من أحزاب المعارضة الأخرى. المهم، في النهاية، أن تجربة العامين الماضيين لوضع أول دستور تركي، مدني، في مناخ من السلم والحرية، تكشف إلى أي حد باتت مسألة الدستور شائكة وبالغة التعقيد في دول المشرق.
‘ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
«سمّ» الصفقة بعد جنيف
الحياة اللندنية / زهير قصيباتي
لا تنفع تطمينات الرئيس حسن روحاني للإيرانيين بأنه لم يتنازل عن التخصيب و «الخط الأحمر»، لتهدئة حملة على اتفاق جنيف دشّنها المتشددون المتوجسون من جرعة سمّ أولى «ابتلعتها» طهران... لن تنفع كذلك سخرية رفسنجاني من «السمكة الصغيرة» إسرائيل التي تدّعي الغضب مما تمخّضت عنه المفاوضات السرية الإيرانية- الأميركية.
وإن بدا مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي على خطى الخميني الذي تجرّع «كأس السم» لدى قبوله وقف النار مع عراق صدام حسين، فذاك لسان حال المحافظين المتشددين في الداخل الذين سيفقدون «عدوّاً» لا بد منه لضمان هيمنتهم على مفاصل النظام. وبافتراض قطفت حكومة الرئيس روحاني ثمار اتفاق شامل على البرنامج النووي، تريده في أسرع وقت لإنقاذ الدولة من أنياب العقوبات، أو نجح المتشددون في عرقلته وتعطيله في المرحلة الانتقالية الأولى، فإسرائيل كذلك ستفقد «عدوّاً» لطالما تاجرت بأسنانه النووية لابتزاز المساعدات العسكرية الأميركية.
وعلى رغم فوارق كبيرة بين مساريْ المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية السرية التي قادت إلى اتفاق أوسلو، والمفاوضات الإيرانية- الأميركية السرية في سلطنة عُمان والتي عبّدت الطريق أمام اتفاق جنيف «النووي»، واضح أن المتشددين في طهران الذين بدأوا الهجوم على «بروباغندا» النظام، يخشون مصير منظمة التحرير، ولا يصدّقون الذعر الإسرائيلي المفتعل بعد جنيف.
الأكيد في كل الأحوال أن لا سمكة رفسنجاني الضخمة (إيران) ولا الخط الأحمر لروحاني ولا حديث الوزير محمد ظريف عن مسار «نووي» بحت، تحسم سقفاً لنيات طهران وطموحها، وأهداف الغرب ومشاريعه للمنطقة. وحده التقاء مصالح «الشيطان الأكبر» و «محور الشر»، يجعل حكومة روحاني مندفعة في الأيام المئة الأولى من عهده إلى ما تسميه تفكيك نظام العقوبات، ويحمل المشككين القلقين، على التخوف من تفويض الغرب طهران دوراً إقليمياً يتجاوز دورها في عهد الشاه.
وبين مشككين و «مذعورين» ومهلّلين لـ «انتصار» استعجلوا استثماره في ساحات إقليمية- حتى بافتراض جهلهم بالمسار السرّي- سيبقى الحبل السرّي بين واشنطن وطهران، حلفاً صاعداً صامتاً، يغيظ إسرائيل التي احتكرت لعقود شراكة خاصة مع كل الإدارات الأميركية.
هكذا، يمكن واشنطن تفويض إيران ضبط إيقاع صراعات المنطقة، وخلق وقائع جديدة تحت ستار محاصرة نار «الربيع العربي»... وتفويضها تأهيل حلفائها لتولي حراسة التفاهمات، فيما مسار الثورات العربية يتعثر والصراعات المذهبية تهدد بإطاحة كيانات.
ومثل خامنئي الذي إن اجتاز اختبار تجميد البرنامج النووي بنجاح، سيدّعي انتصاراً على العقوبات، سيجيّر الرئيس باراك أوباما الحزب الديموقراطي الأميركي «إنجازاً» لاستثماره في الانتخابات المقبلة، والأهم لضمان خوض الآخرين حروب الولايات المتحدة بالوكالة. وهو إنجاز بالفعل إذا قيس بمعيار رسم خرائط نفوذ جديدة على امتداد المنطقة، قطباها إسرائيل وإيران، وبينهما تخبط ما يسمى الإسلام السياسي، ومطاردات لـ «التكفيريين» و «الإرهابيين» قد تستغرق سنوات طويلة... وإرباكٌ لما بقي من أنظمة معتدلة، وترهيب لما بقي من كيانات متماسكة.
ولكن، هل يكون كل ذلك بفعل تحالف المصالح الأميركية- الإيرانية فقط؟! هل بيد طهران ان تشطب كيانات وتنصّب قوى سياسية أو أحزاباً لتدير بلداناً متهالكة بالجوع والإرهاب والترهيب والتكفير؟
أليسَ باكراً التشاؤم، والتلطّي بروح «المؤامرة» استسهالاً للتنصل من مسؤولية دور المنطقة في صنع مصيرها؟ ولكن، هل ما زالت قادرة على صنعه بعدما خطفتها حروب التكفير ولهيب المذهبية، والعزف على أوتار تأجيجها تحت ستار النفير ليل نهار، لمواجهة «الفتنة»؟... وبعدما التَهَمَ أشباه الثورة أبناءها وضاعت ذكرى أبطالها، وتحوّل نعيم الحرية سجناً يحرسه معارضو الاستبداد البائد!
بين استبداد يتناسل و «تكفير» عميم، تنقضّ إيران لاقتناص «السلام» مع أميركا، وإدارة أوباما التي تدّعي صنع سلام في سورية بتفاديها حرباً وهي تتجاهل المجازر، لن يضنيها تأهيل «محور الشر» على حساب العرب. فالعرّاب سئم تخصيب اليورانيوم وتشديد حزام العقوبات، ولا بد من وكلاء حراسة لتخصيب الخرائط... وأن يكونوا «أبطالاً» في محاربة «الإرهاب».
عدم الثقة بـ«أوباما» وعدم الاطمئنان لألاعيب إيران!
الشرق الاوسط / صالح القلاب
لو لم تطلق اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية يد الرئيس السوري بشار الأسد وتفتح له المجال واسعا للاستمرار في ذبح الذين من المفترض أنهم أبناء شعبه والاستمرار بإبادتهم، لما كانت كل هذه التوجسات وكل هذه التخوفات، ومعظمها عربية، تجاه اتفاقية الأشهر الستة، المتعلقة بالبرامج النووية الإيرانية، التي جرى توقيعها في ساعة متأخرة من مساء يوم السبت الماضي بين دول الـ«5+1» وبين إيران والتي أثارت زوبعة سياسية هائلة حتى في الكونغرس الأميركي.
لقد ثبت أن اتفاقية تدمير الأسلحة الكيماوية السورية جاءت بمثابة مؤامرة على الشعب السوري وعلى المعارضة المسلحة وغير المسلحة التي اعترف العالم بأكثرية دوله بأنها الممثل «الشرعي» لهذا الشعب، فهي ركزت على التخلص من هذه الأسلحة وتركت المجال مفتوحا لنظام بشار الأسد ولحراس الثورة الإيرانيين وللزمر الطائفية وأولها «فيلق أبو الفضل العباس» العراقي وميليشيات حزب الله اللبناني لمواصلة حرب الإبادة الجماعية التي بقي هذا النظام يواصلها ضد شعب من المفترض أنه شعبه لنحو عامين ونصف وأكثر.
هناك مثل عربي متداول يقول: «إن لديغ الأفعى يخشى جرة الحبل» والحقيقة أن اتفاقية التخلص من الأسلحة الكيماوية التي ترتب على توقيعها وعلى المباشرة بتنفيذها تمادي النظام في ارتكاب المذابح المفزعة ضد الشعب السوري وأيضا تماديه في تدمير المدن والقرى السورية بالصواريخ والمدافع وبالطائرات التي كان الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، قد اعتبر أن استخدامها يشكل خطا أحمر يؤدي تجاوزه إلى التدخل العسكري المباشر لإنقاذ شعب بات ضحية لنظام ديكتاتوري ظالم وقاتل وللحؤول دون استكمال تدمير بلد تجاوزت تقديرات تكاليف إعادة بناء ما دُمر منه مائة وستين مليارا من الدولارات.
ولهذا فإنه مع العرب ومع المعارضة السورية ومع الشعب السوري كل الحق في أن ينظروا إلى اتفاقية جنيف الأخيرة بعيون الشك والريبة وبأنها قد تطلق يد إيران في منطقة الخليج العربي وفي الشرق الأوسط كله لتواصل تدخلاتها العسكرية والسياسية والأمنية في الشؤون الداخلية لسوريا والعراق ولبنان واليمن ولتستكمل مشروعها التوسعي الإمبراطوري الذي لم يعد خافيا إلا على من يتجنب رؤية الحقائق وإلا على أعمى البصر والبصيرة.
والمشكلة هنا أن الثقة بالرئيس الأميركي باراك أوباما وبوعوده و«تطميناته» غدت مفقودة نهائيا بعدما سمع العرب في خطابه الشهير في مدرج جامعة القاهرة وعودا وردية بالنسبة لحل القضية الفلسطينية ما لبثت أن تبخرت كلها ولم يبق منها أي شيء وثبت أن كلام الليل بالنسبة لهذا الرجل الأبانوسي، الذي صفقنا لمجيئه رئيسا لأهم وأكبر دولة في الكرة الأرضية حتى التهبت واحمرت أكفنا، يمحوه النهار، وهذا قد حصل بالنسبة للأزمة السورية، حيث رأى الشعب السوري من هذه الإدارة الأميركية «جعجعة» عالية الوتيرة وشديدة الضجيج والصخب لكنه في النهاية لم ير طحنا على الإطلاق ولم يرَ إلا انكفاء وتسليم مقاليد هذه القضية الدولية التي ستترتب على نتائجها معادلات كونية كثيرة وخطيرة وجديدة، إلى فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف.
لقد كانت للعرب مع باراك أوباما وإدارته تجارب مرة بالفعل ولهذا فإنه من «السذاجة» الركون إلى التصريحات التي أطلقها بعد هذا الاتفاق الذي يعاني من ألف ثغرة وثغرة والتي تحدث فيها عن أنه لن يسمح لإيران بإنتاج الأسلحة النووية حتى لو اضطر لاستخدام القوة العسكرية، فمثل هذا الكلام كان قد قاله رئيس الولايات المتحدة أكثر من مرة ثم وعندما يتخذ الكونغرس الأميركي هذا الموقف الذي اتخذه فإنه من قبيل تحصيل الحاصل أن يضع أهل هذه المنطقة العربية أيديهم على قلوبهم وأن يخشوا من أن يكون اتفاق جنيف إحدى ألاعيب الدول خاصة أن المعروف «أننا» قد ذقنا الأمرين من ألاعيب الأمم ودفعنا أثمانا باهظة نتيجة المؤامرات الدولية علينا وعلى بلداننا وعلى «الوحدة» التي بقينا نحلم بها منذ أجيال سابقة ومنذ حقبات زمنية قديمة بعيدة.
ولعل ما يعزز مخاوف الذين يخشون من انعكاسات خطيرة لهذا الاتفاق أنه لم يتطرق على الإطلاق لاستباحة إيران للكثير من الدول العربية إلا في بنده الذي جاء فيه، حسب موقع جريدة «النهار» اللبنانية الإلكتروني: «.. تستمر أيضا جميع العقوبات الأميركية المتخذة في شأن إيران التي هي على علاقة بدعم الإرهاب ولعب دور سلبي في النزاع السوري وسجلها في حقوق الإنسان».. وحقيقة ومع أن المقصود هنا بالإرهاب هو حزب الله فإن هذا الكلام بعد كل هذه التجربة الطويلة مع باراك أوباما لا يؤكد لا الثقة به ولا التعويل عليه.
لقد تضمن هذا الاتفاق أي «اتفاق جنيف» الكثير من البنود والتأكيدات التي تجعله خطوة أولية في غاية الأهمية لكنها بحاجة إلى التطبيق وحسن النوايا من بينها:
* خلال فترة الاتفاق سيتم الاستمرار في تعزيز العقوبات ضد إيران بما فيها اتخاذ إجراءات!! ضد من يلتف أو يتهرب من تنفيذ هذا الاتفاق.
* تستمر العقوبات على البنك المركزي الإيراني وعلى ما لا يقل عن عشرين بنكا ومؤسسة مالية إيرانية.
* تستمر العقوبات على عدة قطاعات من الاقتصاد الإيراني ومن ضمنها الشحن وكذلك برنامجها العسكري، وهذا بالإضافة إلى جميع عقوبات مجلس الأمن.
وبالطبع وكل هذا بالإضافة إلى التزام إيران، حسب هذا الاتفاق، بتعليق عمليات التخصيب التي تتجاوز الـ5 في المائة وهذا يعني تعليق كل عمليات التخصيب وتفكيك كل الأجهزة الفنية التي تتطلبها عمليات التخصيب لما هو فوق حاجز الخمسة في المائة والتزامها أيضا بالسماح ويوميا لمفتشي الوكالة الدولية بالدخول لمنشأتي ناتانز وفوردو وأيضا بعزل ترسانتها من المواد التي تقترب نسبة تخصيبها من العشرين في المائة وبتخفيف شدة تركيز المخصبة ما تحت الـ20 في المائة إلى أقل من خمسة في المائة أو تحويلها إلى شكل غير ملائم لمزيد من التخصيب وكل ذلك قبل نهاية المرحلة الأولى من هذا الاتفاق.
إن هناك بنودا كثيرة تضمنها اتفاق الستة أشهر في غاية الأهمية تجعل ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني، حول أن هذا الاتفاق نص على أن إيران ستواصل عملية التخصيب كما في السابق، هو مجرد كلام للاستهلاك الداخلي هدفه إيهام الشعب الإيراني وإقناعه بتحقيق انتصارات هي غير صحيحة وهي فارغة والحقيقة استنادا ليس إلى النوايا المبيتة وإنما إلى هذه النصوص المدونة أن تأكيد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن «تخصيب» الدولة الإيرانية بعد ستة أشهر «سيكون صفرا» هو صحيح وأن ما قاله المسؤولون الإيرانيون وما زالوا يقولونه هو من قبيل «رش السكر على الموت»، وهو أيضا من قبيل الخداع الذي اشتهرت به هذه الدولة منذ انتصار ثورتها الخمينية وقبل ذلك وحتى الآن وبالنتيجة فإنه يمكن القول إن المشكلة ليست في هذه النصوص وإنما في أن الثقة بالرئيس باراك أوباما باتت شبه معدومة حتى بالنسبة للكونغرس الأميركي نفسه وهي أنه لا يمكن الاطمئنان إلى هذه الدولة الإيرانية التي اعتادت أن تقول شيئا وتفعل شيئا آخر والتي هي صاحبة «تقيَّة» وتعتبر الأكاذيب والمناورات والألاعيب شطارة دبلوماسية.
وهنا فإنه يبقى أن نؤكد مجددا أنه إذا كانت نوايا «الجارة العزيزة» حسنة وصادقة فإن عليها أن تسحب مقاتليها من مغاوير فيلق القدس ومن ميليشيات حزب الله ومن طائفيي «فيلق أبو الفضل العباس» من سوريا وعلى الفور، وأن تترك العراق لأهله من سنة وشيعة، وأن تكف عن حشر أنفها في شؤون دول الخليج العربي وشؤون اليمن الذي بالإمكان أن يكون سعيدا إن هي تخلت عن «الحوثيين» وعن محاولات استيعاب المذهب الزيدي وإلحاقه بالمذهب الجعفري الاثني عشري تحت الضغط المتواصل وبقوة السلاح وشراء الضمائر!!.
القلق السعودي من الاتفاق الأميركي - الإيراني
الحياة اللندنية / خالد الدخيل
هل ينبغي للاتفاق النووي الموقت بين إيران والدول الكبرى أن يكون مثار قلق للسعودية؟ كان هذا ولا يزال إحدى المسائل المركزية التي كانت في صلب أغلب ما كتب ويكتب عن الموضوع، خصوصاً في الصحافة الأميركية. يجب أن يكون الاتفاق مثار قلق، لكن بالتأكيد ليس فزعاً، وليس للسعودية وحدها، بل لمصر ولكل دول المشرق العربي، ومن حيث إن الاتفاق مبدئي وموقت، وينتظر اتفاقاً نهائياً، فإنه قد يمثل بداية لاختراق في العلاقات بين أميركا والغرب، وإيران من ناحية أخرى، وهذا احتمال يجب أن يؤخذ في الاعتبار، خصوصاً لجهة تأثيره في مستقبل الأوضاع السياسية العربية في ظل الظروف السائدة حالياً وفي علاقات التحالف التي تربط السعودية بالولايات المتحدة الأميركية.
الاتفاق النووي في حد ذاته ليس مصدراً للقلق، وإنما ما قد يتمخض عنه من نتائج سياسية وأمنية على مستوى المنطقة. الأسئلة التي يطرحها الاتفاق في هذه المرحلة وغياب أجوبة واضحة عنها هما اللذان يبعثان على القلق، السؤال المركزي: هل يقتصر الهدف الأميركي من وراء الاتفاق على منع إيران من امتلاك السلاح النووي؟ أم أنه مقدمة لما هو أوسع من ذلك؟ يوحي الاتفاق بأن واشنطن باتت مقتنعة بأن اعتمادها في سياستها تجاه المنطقة على تحالفاتها العربية لم يعد كافياً، وأن الوقت حان للانفتاح على إيران. هل يشمل التفاهم المتوقع محاربة الإرهاب؟ إيران وفق وزارة الخارجية الأميركية أهم رعاة الإرهاب في المنطقة، وعلى صلة بذلك، هي أهم رعاة الميليشيات في المنطقة. ثم هل تفكر واشنطن حقاً في إعادة تأهيل إيران للعب دور مشابه لما كانت تلعبه أيام الشاه؟ وفي هذه الحال كيف سيؤثر ذلك في خريطة تحالفاتها في المنطقة، خصوصاً في الخليج العربي؟ سيكون على إيران تقديم تنازلات كبيرة. يؤكد الاتفاق أن إيران ستتنازل في الموضوع النووي، ماذا عن سورية؟ هنا سيكون محك الاتفاق النهائي، وما قد يتأسس عليه من تفاهمات.
قد يتساءل البعض عن مصير ما يُسمى «المقاومة والممانعة»، وليست هناك حاجة لمثل هذا التساؤل لأن «المقاومة والممانعة» لم تكن في يوم ما سياسة، وإنما هي شعار للتغطية على الدور والسياسة، لكن يبقى نجاح إيران في تغيير القناعة الأميركية، وهو نجاح جاء نتيجة لنجاح إيران في تجميع أوراق سياسية في العراق وسورية ولبنان، بالتالي يعكس فشلاً عربياً واضحاً، والدول العربية، وأولها العراق وسورية، هي المسؤول الأول عن ذلك.
هناك مصدر آخر للقلق يتمثل في أن إدارة أوباما تتجه ليس إلى التخلي عن تحالفاتها الإقليمية، وإنما إلى تغيير صيغة هذه التحالفات، والمعني بذلك الدول العربية، وليس إسرائيل أو تركيا مثلاً، ولهذا السبب ربما تفصل إدارة أوباما البرنامج النووي الإيراني وأخطاره عن الدور الإيراني في المنطقة. هي لا يعنيها كما يبدو أن هذا الدور يرتكز إلى مبدأ تحالف الأقليات، بالتالي تفعيل الطائفية كآلية سياسية في الصراع. ترى الإدارة أخطار السلاح النووي وأكلافه، ولا ترى أخطار الدور، لأن أكلافه تقع على دول المنطقة، بما في ذلك حلفاؤها. وهذا فصل غريب يجب أن يبعث على القلق. والاتفاق مصدر قلق آخر لأنه جاء نتيجة لمفاوضات سرية بين الأميركيين والإيرانيين تمت غالبيتها، وفق وكالة الـ «أسوشييتد برس» في سلطنة عمان. لجوء إدارة أوباما إلى مفاوضات سرية بالتوازي مع المفاوضات العلنية يعكس قناعتها بضرورة التوصل إلى اتفاق مع إيران. ووفق الـ «أسوشييتد برس» لم يطلع الأميركيون حلفاءهم في المنطقة على هذه المفاوضات، ما يعني عدم التشاور والتنسيق مع السعودية ودول مجلس التعاون، الطرف الآخر في المعادلة الإقليمية. هل أطلع العمانيون السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي على الموضوع؟ الأرجح أن مقتضيات السرية لم تسمح لهم بذلك، ما يطرح سؤالاً عن معنى المجلس، وحدود التزامات أعضائه تجاه بعضها الآخر.
هنا تتجه الأسئلة للأطراف العربية، خصوصاً السعودية ومصر. لماذا هاتان الدولتان؟ لأنهما الأكبر والأهم عربياً. لكن السعودية بحجمها ومركزيتها واستقرارها تتحمل العبء الأكبر في هذه المرحلة. العراق سقط بعد الاجتياح الأميركي والنفوذ الإيراني. وسورية تحولت مرة أخرى على يد النظام الحالي إلى ساحة لصراعات الآخرين، وتحول النظام نفسه إلى ورقة في يد الإيرانيين. لم يبق من المربع الذهبي العربي إلا السعودية ومصر. الأخيرة متعثرة بفعل حال ثورية مضطربة، وصراع «الإخوان» والعسكر. السعودية هي الطرف العربي الأكثر قدرة على حرية الحركة، لكنها لا تستطيع مواجهة الموقف من دون تفعيل، وإعادة تصويب سياستها الخارجية، والبدء في تعزيز قدراتها العسكرية، والانطلاق في ذلك من ضرورة إصلاح بيتها من الداخل. لا يعني ذلك أن ينتظر تفعيل السياسة الخارجية وتعزيز قدرات الإصلاح ومتطلباته. هذا لا بد أن يأخذ وقته، لكن لا بد من البدء في ذلك والانطلاق منه، والسعودية من أقدر الدول العربية على تحقيق هذا الهدف، فإمكاناتها كبيرة، ودورها مركزي، واستقرارها مكين، وقيادتها تملك الخبرة، وتتمتع بشرعية راسخة.
هنا يأتي المصدر الداخلي للقلق، وهو مصدر عربي يتمثل في عدم قدرة، أو عدم استعداد الدول العربية للاستجابة لتحدي الأحداث والتطورات، بما تتطلبه من تغيير في السياسات والمؤسسات، وإصلاحات في الأداء والإمكانات.
في أقل من ثلاثة عقود، مر العرب بثلاثة منعطفات مفصلية: الغزو العراقي للكويت، والغزو الأميركي للعراق، والربيع العربي. قبل تلك المنعطفات كانت الطائفية في حال كمون، والحواجز السياسية والأمنية تحيط بأطراف الجزيرة العربية، وكانت أميركا في ذروة تحالفها مع السعودية ودول الخليج ومصر. كانت سورية لاعباً رئيساً، وكانت حليفاً للسعودية وإيران ومصر. بعد تلك المنعطفات تغيرت الصورة الإقليمية في شكل كامل تقريباً. تحولت الطائفية على يد إيران إلى ميليشيات وإلى قوة سياسية فاعلة نشاهد أداءها في لبنان والعراق وسورية واليمن.
سقطت أنظمة، وأخرى في طريقها للسقوط. أصبحت إيران لاعباً في المعادلة العراقية، وأصبح النظام السوري «الممانع»، كما أشرت، ورقة إيرانية، ومع ذلك بقي الأداء السياسي العربي في الداخل والخارج كما هو تقريباً.
ما الذي تفتقده الدول العربية في هذه المرحلة؟ تفتقد الإرادة السياسية المبادرة في اتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. وتفتقد العمل المؤسسي. كما تفتقد القدرة على مواجهة حقيقة أن الدولة في حاجة إلى تغيير وإلى إصلاح بعد عقود طويلة من الجمود. المذهل أن إيران حققت نجاحاتها وهي دولة دينية ترتكز على فكرة دينية اسمها «ولاية الفقيه»، لكنها تمتلك بنية مؤسسية فاعلة ورثتها من عهد الشاه، هي دولة الطبقة الدينية، وما يتحالف معها من طبقات، مثل طبقة البازار. تعتاش هذه الدولة على تأجيج الصراعات الإقليمية لشد عصب الداخل. والأرجح أنها ستواجه انفجار تناقضاتها في حال تدهور ظروفها الاقتصادية، أو انقضت تلك الصراعات، أو كليهما معاً. ولمواجهة الظرف الاقتصادي اضطرت إيران للإسراع إلى التفاهم مع الأميركيين لرفع العقوبات الاقتصادية التي قد تفجر الداخل. انقضاء الصراعات الإقليمية أمامه كما تتصور القيادة الإيرانية زمن طويل.
في المقابل الدول العربية هي دول أفراد أو عائلات تفتقد التحالف الطبقي الحقيقي، وليس النفعي الموقت، والأكثر من ذلك افتقادها البناء المؤسسي منذ زمن بعيد. بإمكان الدول العربية، خصوصاً السعودية سحب ورقة الطائفية من يد إيران، وذلك بفتح خطوط تواصل مع كل مكونات دول مثل العراق والبحرين ولبنان وسورية، بما في ذلك الشيعة. وهذا ممكن ولا يتطلب زمناً طويلاً. غالبية الشيعة مناهضة للسياسة الإيرانية، بالتالي ليس مفهوماً لماذا ترك هذه الورقة في يد إيران توظفها للتوتير في الداخل، ثم استخدامها للاختراق، والضغط في الداخل والخارج، ماذا يعني كل ما سبق؟ يعني أنه من الممكن الاستفادة من مصادر القلق وتحويلها إلى حوافز للعمل، وتحقيق النجاحات، فالإمكانات متوافرة والوقت متوافر وكذلك الظروف. بقي أن تتوافر الإرادة والرؤية والتصميم على العمل.
الكاشفة والفاضحة
ج القبس / علي العبدالهادي
• الثورة السورية فضحت حقيقة الليبرالية بانها لا تؤمن بالحرية، وكشفت همها الأول بعدم سيطرة التوجه الإسلامي.
ثورة اهل سوريا كشفت حقيقة من يدعون السلام ويدعون حقوق الانسان، وفضحت كثيراً من العقول الفاسدة والأقلام المسمومة. تجدهم يتباكون اذا مات حيوان ولا تسمع لهم صوتا بمجازر المسلمين، تجدهم يقيمون الندوات وينشط إعلامهم اذا حصل اعتداء من شخص على احد أماكن اليهود أو النصارى، ولا تسمع لهم صوتا لمساجد المسلمين التي تهدم وتقصف ليل نهار من قبل أعداء الاسلام. كشفت حقد الكثير على اي شيء فيه طرح لقال الله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم. يدعون الديموقراطية والحرية لكنهم يكفرون بها اذا حصلت الغلبة لاهل الاسلام. فضحت هذه الثورة الكثير ممن يدعون العداء لليهود، وأظهرت أنهم من اكثر المدافعين عن اسرائيل وحدودها ويسعون للاستقرار لها، فضحت حقيقة الليبرالية، وأنها لا تؤمن بالحرية للاختيار، وكشفت ان همها الأول ألا يكون لأي توجه اسلامي سيطرة. ومن الغريب في حالهم انهم يستدلون بنصوص الشرع في السمع والطاعة ليبقى النظام السوري وغيره، ولا تسمعها اذا اختار الشعب من يمثله، تجدهم يشكلون عناصر للمعارضة وللفوضى يستدلون بالشرع في ما يريدون، وإذا جاء منه ما هو حجة عليهم، قالوا عبارتهم المشهورة «لا نريد دولة دينية» نحن في دولة مدنية. حتى وصل الحد ببعضهم الى ان يتمنى بقاء نظام بشار الأسد ولا يسيطر الإسلاميون على سوريا، لأنهم لا يريدون الدولة المدنية التي في عقولهم. وصل بهم الحد الى التشكيك في استخدام الأسلحة الكيماوية وهم يرون القتلى من الأطفال والكبار بسببها، وبكل برود وانعدام للإنسانية يقولون: لماذا فقط القتلى من الأطفال؟ ولماذا لا تكون المعارضة هي من قامت بذلك فقط، لأنهم لا يريدون الأفراد في المعارضة السورية الذين رفعوا راية لا اله الا الله محمد رسول الله؟ بدأت أصواتهم تعلو عندما قربت الضربة على سوريا وإنهاء نظامها، وانهم لا يريدون التدخل الأجنبي من قبل الغرب أو من المسلمين المناصرين لإخوانهم المسلمين في سوريا. بالنسبة للغرب معلوم لدى الجميع انه لا يدفعه للتحرك الا مصالحه الشخصية، وبالنسبة للمسلمين من غير اهل سوريا، فليعلم الجميع ان دماء المسلمين واحدة والنصرة للمظلوم حق واجب، ولكي تعرف اضطرابهم في الأمر ابحث عنهم في تدخل ايران وحزب الله وجيش المهدي لا تسمع لهم صوتا ولا تسمع لهم منكرا، أصواتهم علت لما سمعوا راية التوحيد لا اله الا الله محمد رسول الله. وبدا اعلام بني ليبرال الفاسد بالتشكيك بالكتائب الإسلامية وتخويف الناس منهم وخطرهم اذا تمكنوا، تمهيدا للفوضى التي سيقيمونها هم اذا لم تكن لهم الغلبة ولم يكن لهم وجود، ولن يقولوا كما قالوا في حق النظام السوري من استدلال بنصوص الشرع بوجوب السمع والطاعة لولي الأمر. حرية قاصرة، وديموقراطية فاشلة، وليبرالية لا تعرف مفهومها الا ضد الاسلام وأهله. .
والله المستعان.
التوتر الاخير في العلاقات المصرية التركية
القدس العربي / د. يوسف نور عوض
توترت العلاقات بين مصر وتركيا إلى درجة كبيرة ووصلت إلى مستوى طرد السفراء، ويرجع هذا التدهور من وجهة النظر المصرية إلى اتهام مصر تركيا بأنها ساندت الرئيس المعزول محمد مرسي واعتبرت تنحيته نوعا من الانقلاب على الشرعية وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية السفير الدكتور ‘بدر عبد العاطي’ إن حكومة بلاده أعطت فرصا كثيرة لتركيا دون أن تستغلها، ولكنه لم يفصل نوع تلك الفرص، غير أنه أضاف أن سحب السفير المصري من تركيا وتخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال كان الخيار الوحيد المتاح لمصر، ووصفت الحكومة المصرية الموقف التركي من الحكومة المصرية بأنه تعد على إرادة الشعب المصري بحسب زعمها، ووصف ‘عبد العاطي’ رئيس وزراء تركيا ‘رجب طيب أردوغان’ بأنه يغلب مصالحه الشخصية على مصالح بلاده، وأنه الأكثر تطرفا في تركيا .
وعلى الرغم من ذلك فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية إن تخفيض العلاقات الدبلوماسية مع تركيا لا يعني قطع العلاقات معها. مؤكدا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ستستمر لأن علاقات مصر وتركيا ليست فقط علاقات دبلوماسية بل هي في الحقيقة علاقة دم .وأعرب الدكتور عبد العاطي عن أمله في ألا تتردى العلاقات بين بلاده وتركيا إلى ما دون ذلك، وأكد أن الجالية التركية في مصر لن تتأثر بالقطيعة بين البلدين، ويرجو أن تكون هناك لغة حوار موضوعي بين مصر وتركيا
وعلى الفور قال رئيس الوزراء التركي ‘رجب طيب أردوغان’
عقب طرد السفير التركي من مصر إنه لن يحترم مطلقا أولئك الذين يستولون على السلطة بواسطة الانقلابات العسكرية.ودعا ‘أردوغان’ إلى عودة الديموقراطية إلى مصر.
ولم تلق تصريحات ‘أردوغان’ قبولا عند القيادة المصرية التي وصفت تركيا بأنها أمعنت في مواقف غير مقبولة تسعى في جوهرها إلى تأليب الشعب المصري ضد نظام الحكم القائم، وقالت مصر إن تركيا تدعم اجتماعات لتنظيمات لا هدف لها سوى خلق حالة من عدم الاستقرار في مصر، وهي بذلك تهين إرادة الشعب المصري، كما تقول الحكومة المصرية، ولم تقتصر الاحتجاجات المصرية على الجانب الرسمي، إذ ظلت وسائل الإعلام وبعض السياسيين المؤيدين لحكومة الجيش تهاجم الحكومة التركية وتتهمها بأنها تقدم دعما واضحا لجماعة الإخوان المسلمين خاصة أن ‘طيب أردوغان’ هو أول من استخدم إشارة رابعة العدوية التي يستخدمها الآن المعارضون للحكومة. ومن الجانب التركي قال الرئيس ‘عبدالله غول’ في مقابلة تلفزيونية إنه يأمل في أن تعود العلاقات بين بلاده ومصر في وقت قريب إلى حالتها الطبيعية، وعلى الرغم من ذلك فقد شددت وزارة الخارجية التركية اتهامها للحكومة المصرية التي وصفتها بالحكومة الانقلابية وبأنها هي السبب في تدهور العلاقة بين البلدين، وكان ذلك أيضا موقف السفير التركي في مصر الذي قال إن بقاء مصر على المسار الديموقراطي أمر ضروري.
ومن جانب آخر قال وزير الخارجية التركي ‘أحمد داؤود أوغلو’ إن طرد السفير المصري من تركيا هو لمجرد المعاملة بالمثل، وأكد أن تركيا ستستمر في صداقتها لمصر، ولكنها لن تحترم من لا يحترمون إرادة الشعب المصري.
والمعروف أن تركيا يحكمها نظام يشبه النظام الذي يدعو إليه الإخوان المسلمون، ولديها مشكلة مع الجيش، وذلك ما جعل الحكومة التركية تتعاطف بشكل كامل مع الرئيس المصري المعزول ‘محمد مرسي’ .وظهر ذلك من خلال رفضها محاكمة الرئيس ‘مرسي’ لأنها تعتقد أنه مازال على قمة السلطة في بلده ويتمتع بكل الحصانات اللازمة التي يفرضها منصبه، وذلك ما ترفضه الحكومة القائمة في مصر والتي تتهم الحكومة التركية بأنها تحاول تأليب المجتمع الدولي ضد نظامها الحاكم.
ويستدعي ذلك أن نسلط الضوء على تاريخ العلاقة التركية المصرية قبل التوقف عند آثار هذا النزاع بين مصر وتركيا على العلاقة بينهما وتأثير هذا النزاع على المنطقة كلها.
وكما هو معروف فأن هناك علاقات دينية وتاريخية قوية ربطت بين مصر وتركيا، وظلت العلاقات بين البلدين على درجة عالية من الصداقة، لكنها تأثرت في بعض الأحيان بظروف كان لها تأثير على العلاقات الطبيعية بين البلدين، والمعروف أن مصر ظلت على مدى خمسة قرون جزءا من الإمبراطورية العثمانية، وكانت اسطنبول هي مركز الحكم في الإمبراطورية العثمانية، لكن مصر كانت في الوقت ذاته هي عاصمة الثقافة لهذه الإمبراطورية .
أما العلاقات الدبلوماسية الحديثة مع مصر فقد بدأت في عام ألف وتسعمئة وخمسة وعشرين بمستوى القائم بالأعمال ثم تحولت إلى مستوى السفراء في عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين.
وقد وقع البلدان في عام ألفين وخمسة اتفاقية التجارة الحرة بينهما كما تشاركا في كونهما عضوين كاملي العضوية في الاتحاد من أجل المتوسط، وقد طبق البلدان اتفاق الغاز بينهما بتكلفة أربعة مليارات دولار، وفي عام ألفين وثمانية وقعا اتفاقية تفاهم من أجل تحسين العلاقات العسكرية بينهما، ولا يعني ذلك أن العلاقات بين البلدين ظلت دائما حسنة، إذ توترت العلاقات بين تركيا ومصر مرارا خلال الحقبة الناصرية في مرحلتي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وهي تشهد الآن هذا الموقف الصعب الذي أدى إلى طرد سفيري البلدين من عاصمتيهما. ويأتي هذا التوتر في مجمله بعد فترة من الانفراجات بين البلدين على المستويات كافة، حتى أن مجلة الديموقراطية بالأهرام ومعهد التفكير الاستراتيجي بأنقرة نظما ندوة من أجل تسليط الضوء على العلاقة بين البلدين، وقد افتتح هذه الندوة بشير عبد الفتاح رئيس تحرير مجلة الديموقراطية الذي طرح مجموعة من التساؤلات تتعلق بالمؤثرات السياسية والاجتماعية في البلدين .
ومن جانب آخر أكد الدكتور ‘يس أكتاي’ رئيس مركز الدراسات التركية أن العلاقات التركية المصرية بدأت تأخذ مسارا قويا في مطلع القرن الحادي والعشرين بسبب ابتعاد الجيش عن السياسة، ولكنه لم يفسر كيف حدث ذلك في وقت نعرف فيه أن الجيش في البلدين كان له تأثير قوي على الأحداث في المشهد السياسي.
ونلاحظ أن هذه الندوة ظلت تتكلم عن التحولات الديموقراطية في البلدين دون أن يكون هناك تعريف واضح لنوع الديموقراطية المقصودة، ذلك أن الممارسات في كلا البلدين لم تكن على المستوى المتعارف عليه في الممارسات الديموقراطية، ومهما يكن من أمر. فإن الكثيرين يجمعون على أن تركيا ترى في هذه المرحلة أنها فقدت كثيرا بإزاحة الإخوان عن السلطة في مصر، وكانت تركيا تأمل في ترسيخ مواقعها في العالم العربي نظرا للتوافق بين حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والتوجهات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي في المنطقة العربية، وأهمها صعود جماعة الإخوان في المشهد السياسي العربي. وبالطبع لا يمكننا أن نتوقف فقط عند الفوائد الاقتصادية التي تجنيها تركيا من علاقتها مع العالم العربي والتي نشطت كثيرا في الآونة الأخيرة وخاصة مع مصر، لأن المهم دائما في علاقات العالم العربي مع تركيا هو موقف تركيا من الكيان الإسرائيلي بسبب انعكاسات ذلك على القضية الفلسطينية، ولا نتوقع تحسنا شاملا بين تركيا والعالم العربي في هذه المرحلة إلا بعد تغيير متكامل للسياسة التركية بشأن إسرائيل، وبالتالي فإن المواقف الهامشية مثل تلك التي حدثت بين مصر وتركيا أخيرا لن تكون أكثر من فقاعات لن تؤثر على الموقف الشامل من الدولة التركية، لكن المواقف المصرية من تركيا ستكون دائما في مركز الاهتمامات العربية وذلك بسبب الثقل المصري ولأن مواقف مصر تشجع كثيرا من الدول العربية على اتخاذ المواقف الصحيحة في مثل هذه الأمور.
أميركا لم تعد طرفاً في الخليج
الحياة اللندنية / حسان حيدر
منذ سنوات طويلة لم يعد للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي أهمية كبيرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة، ولم يعد ينذر بنشوب حرب جديدة في المنطقة. اختارت القيادة الفلسطينية التفاوض وسيلة لمحاولة استعادة الحقوق، بينما واشنطن تلعب دور الوسيط الذي لا يضغط على أي من الطرفين، بل يحاول فقط تقريب وجهات النظر وإقناع كل منهما بأهمية التسوية في تعزيز الاستقرار الضروري لهما. لم يعد الأميركيون منذ مدة طويلة أعداء للفلسطينيين ولا للعرب المدافعين عن قضيتهم أو الذين يدعون ذلك. بقي هناك فقط «حماس» التي تعتقد واشنطن أن الوقت كفيل بترويضها طالما هي محاصرة ومنزوعة الأظافر، وطالما أن القوة الإسرائيلية كافية لردعها عن أي مغامرة جديدة. انتهت عملياً «قضية» الشرق الأوسط.
كانت هناك جبهة ثانية متوترة في المنطقة تحمل بذور مواجهة محتملة هي «جبهة الخليج» التي كان يمكن أن يتورط الأميركيون في حرب فيها بسبب السلوك الإيراني الاستفزازي على مدى أكثر من ثلاثة عقود. اليوم تنسحب واشنطن من هذه المنطقة أيضاً وتعلن أنها لم تعد طرفاً. فأمن صادرات النفط لم يعد مهدداً بالنسبة إليها بعد التفاهم المستجد مع طهران، وإسرائيل أصبحت أكثر أمناً بعد اتفاق لجم البرنامج النووي الإيراني.
المشكلات «الجانبية» الباقية لم تعد من اختصاص الأميركيين. تماماً مثل المسألة السورية التي قررت الولايات المتحدة إشراك الروس والأطراف الإقليميين في إيجاد حل لها برعاية معنوية منها. الجبهة السورية أيضاً لم يعد فيها ما يهدد أمن إسرائيل بعدما أزيل الخطر الكيماوي ليس مخافة من نظام دمشق، بل من أن تقع أسلحة القتل الشامل هذه في أيدي متطرفين. وعلى أي حال لم يكن النظام السوري يمثل في أي وقت تهديداً جدياً للدولة العبرية.
أما بالنسبة إلى «حزب الله» فلا خشية فعلية منه على إسرائيل في السابق، ولا خشية فعلية بعد اليوم، مع تعهد طهران بتولي الدور الذي خسرته دمشق في ضبطه. المبالغة في تضخيم خطره على إسرائيل كانت تخدم هدفاً إسرائيلياً لزيادة الضغوط الأميركية على طهران. اليوم انتهت هذه اللعبة، وصار الحزب عملياً مثل الفصائل الفلسطينية التي انتشرت يوماً في جنوب لبنان وناوشت إسرائيل حتى اجتياح عام 1982.
وهكذا بات الأطراف الإقليميون المشاركون مباشرة أو مداورة في الحرب السورية أو الجبهات الداخلية الساخنة الأخرى من اليمن إلى البحرين إلى العراق فلبنان، في مواجهة بعضهم، فيما إسرائيل تتفرج. صارت هذه الجبهات «محلية». الأميركيون مستعدون للتوسط إذا طلب منهم ذلك، لكن ليس للتدخل. انتهى «العهد الأميركي» في الشرق الأوسط، ولن يعود بسهولة حتى لو تغيرت الإدارة الحالية.
إذا اختارت إيران الفصل بين الحل الدولي لملفها النووي وبين السياسات التي تتبعها في المنطقة منذ بدايات نظامها «الثوري» وقررت أن تقديمها تنازلات للغرب لا ينسحب على التهدئة في الشرق الأوسط، فليس أمام الدول العربية المتضررة من تدخلاتها سوى مواصلة مواجهتها مباشرة، مثلما فعلت دول الخليج عندما أرسلت قوات «درع الجزيرة» إلى البحرين. أما إذا اقتنعت طهران بأنها لن تستطيع فرض نفسها في المنطقة بالقوة أو عبر الازدواجية في السياسة الخارجية، فلا أحد يعتقد بأن العرب سيرفضون يدها الممدودة.
ولا شك في أن قيام حوار بين إيران وجيرانها الخليجيين سيوفر لطهران تطمينات أكثر مما يقدم لها الأميركيون المنسحبون، وسيوفر لدول الخليج ضمانات لا تقدمها واشنطن، أو ربما تفعل ثم تتراجع عنها.
وماذا عن الرجولة؟
الشرق الاوسط / علي سالم
ما زال المشهد يطاردني كالكوابيس؛ مجموعة من الشباب الغاضب تحيط بسيارة تقودها امرأة شابة، هي تصرخ وهم يحاولون تدمير السيارة وإخراجها منها، الضربات والصفعات تنهال عليها، يخلعون زجاج السيارة الأمامي لكي يتمكنوا من مواصلة صفعاتهم لها، لم تكن هي في البداية من يقود السيارة، كان أخوها الذي أخرجوه وانهالوا عليه ضربا إلى أن سالت الدماء من كل جسمه ثم ألقوا به في المقعد الخلفي عاجزا عن الحركة، وأخيرا بمعجزة ما تمكنت من التحرك بالسيارة والابتعاد في طريقها إلى أقرب مستشفى.
يا إلهي.. ليست هذه مصر التي أعرفها وليس هذا هو الشباب الذي كنت أنتمي إليه يوما ما، الآن فقط بدأت أتبين خطورة ما يحدث، هذا الشباب فقد أهم الصفات التي تحتمها الحضارة، الرجولة والمروءة والشهامة. وهي صفات تعجز قوانين العالم ودساتير الدنيا عن دفع الإنسان للالتزام بها. في غياب التحضر لا أمل في شيء ولا نجاة لأحد، ولقد علمتني الأيام أن أهم ما يميز الإنسان ليس درجة معرفته أو خبرته أو مكانته، بل مدى تحضره. وكل الأفكار التي خاصمت وتخاصم التاريخ اندثرت ليس لأنها خاطئة، بل لأنها غير متحضرة، وكل ما نكسبه بالقانون يخصم ويقتطع من مساحة الأخلاق. والأمم بالفعل تذهب إلى غير رجعة وغير مكان عندما ترحل أخلاقها بعيدا عنها.
لقد بدأ الإنسان في بناء قصر الحضارة وحديقته الغناء في عصور ما قبل التاريخ، عندما اكتشف إنسان القبيلة الأولى ثلاثة أبواب مفتوحة أمامه على التوالي لدخول هذا القصر؛ الأول اسمه النظام. لقد تأمل حركة النجوم في السماء فتسلل إليه ذلك الإحساس الجميل بالنظام وحتمية الالتزام به. والباب الثاني هو النظافة، وذلك عندما بدأ يتمكن من شم رائحته ويكتشف ضرورة التخلص من نفاياته ذات الرائحة الكريهة. أما الباب الثالث فكان ما نسميه الإحساس الخاص بالجمال الذي يدفع الإنسان إلى بُغض القبح ويحتم ابتعاده عنه.
احترام الأنثى هو بذاته احترام الحياة، والعدوان عليها بهذه الهمجية يعني الرغبة الواضحة في العدوان على الحياة والقضاء عليها. ومشكلة مصر الآن ليست في عجز الميزانية أو أن الناس لا تعمل، بل مشكلتها في أن أعدادا غفيرة من البشر تخرج مطرودة كل يوم من قصر الحضارة إلى العدم. والبحث عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية بعيدا عن الالتزام بالأبواب الثابتة لشروط التحضر والحضارة، وهي مرة أخرى النظام والنظافة والإحساس الخاص بالجمال، قد يصل بنا إلى المزيد من خراب الروح.
لو أن سكان الأرض جميعا حجزوا في أول رحلة سياحية إلى مصر لإنعاش أحوالها الاقتصادية، لو أن أميركا وبلاد الغرب الغنية صنعت ماسورة عملاقة تضخ منها الأموال إلى مصر، لو أن الأرض في مصر أخرجت بترولا بحجم مياه البحر الأبيض، لما أفلح ذلك كله في إصلاح أحوالنا في غياب الإحساس بحتمية الالتزام بالنظام والنظافة والإحساس الخاص بالجمال. وربما لو حدث ذلك كله لقال المحللون السياسيون: المؤامرة واضحة.. الغرب وأميركا يضخون لنا كل هذه الأموال ليس لسواد أعيننا.. بل لكي لا نعمل ونتحول إلى بلطجية عواطلية.. احترسوا من هذه الأموال.. احذروا هؤلاء السياح.. احترسوا من هذا البترول الذي ظهر فجأة.. المؤامرة واضحة.. هم يريدون تلويث البيئة في مصر.
هذا ما نريده للجارة إيران
ج القبس / سعود السمكة
تابعت كغيري جميع التعليقات وردات الفعل الناتجة عن الاتفاق الذي تم بين جمهورية إيران وبين مجموعة 1+5 لطي ملف ازمة التسلح النووي الذي تنوي إيران تصنيعه، وكانت معظم التعليقات تصب في ناحية أن الاتفاق إذا ما صمد فإنه بالتأكيد لمصلحة الأمن والاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام ولاقليم الخليج بشكل خاص.. إلا التعليقات التي صدرت من أوساط الكيان الصهيوني وأوساط ودوائر العاصمة طهران!.. فتل ابيب وعلى لسان رئيس وزرائها ترى أن الاتفاق خطأ تاريخي وفيه تهديد للسلام العالمي، «لاحظ اسرائيل تتحدث عن السلم العالمي، وهي التي تمتلك اكبر ترسانة اسلحة نووية، بل هي الوحيدة التي تمتلك مثل هذا النوع من السلاح الفتاك في منطقة الشرق الأوسط!».. أما العاصمة طهران من خلال دوائرها الإعلامية وساستها فانها ترى أن هذا الاتفاق هو انتصار لإيران وهزيمة للولايات المتحدة وحلفائها ومجموعة الــ5+1! بيد ان الحقيقة هي انصياع طهران لشروط المفاوض الأممي المتمثل بالخمسة أعضاء الدائمين في مجلس الأمن زائد ألمانيا!
فإذا كانت الدوائر الإعلامية وبعض الساسة في طهران يتحدثون عن انتصار بالمعنى المادي، أي انهم خرجوا من الاتفاق وقد أملوا شروطهم من خلال الثبات على التمسك بحقهم في إنتاج السلاح النووي.. فانهم هنا إما أن يكونوا لم يطلعوا على شروط ونتائج الاتفاق وإما انهم يحاولون ان يغيبوا الحقيقة عن شعوبهم، حيث ان الشروط والالتزامات نشرت مباشرة بعد الدقائق الاولى من نهاية الاجتماع بين الوفد الإيراني وبين مجموعة الــ1+1 وهي كالتالي:
1 - ان تلتزم الحكومة الإيرانية بوقف التخصيب بما يتجاوز الــ%5.
2 - أن يتم تحييد مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة %20.
3 - أن يتم وقف أي تقدم في قدرات التخصيب من خلال عدم تركيب أي أجهزة طرد مركزي.
4 - عدم تشغيل مفاعل آراك والسماح للمفتشين بمراقبة المنشآت النووية بشكل دائم.
إذاً أين الانتصار المادي الذي تتحدث عنه دوائر طهران؟!
أما إذا كانوا يتحدثون عن الانتصار المنطقي وهو كبح جماح هوى النفس والبعد عن حلم الهيمنة وتهديد الجيران والتدخل في شؤون الغير، والغاء التفكير نهائيا في امتلاك السلاح النووي، والالتفات إلى الداخل وتوظيف الأموال الفلكية التي تصرها الدولة الإيرانية بدافع انتفاخ الذات وحلم تمدد الامبراطورية الإيرانية لتصرف على الداخل الايراني، الذي يعاني من البطالة والأمية وشظف العيش، فهنا نعم نرفع للنظام الإيراني القبعة ونقول له: نعم لقد حققتم الانتصار الحقيقي، فإيران بلد لديه ثروات متعددة المصادر: نفط، زراعة، ثروة حيوانية، وقبل هذا وذاك الإنسان الإيراني متعدد المهارات والمشهود له بجدية العمل.. فإذا ما سخرت هذه الامكانات واصبحت العجلة الاقتصادية الإيرانية تضخ انتاجها للداخل الإيراني يومها فقط تستطيع الشعوب الإيرانية ان تفتخر ببلدها كونه أصبح دولة عظمى اقتصادياً.. وهذا هو الانتصار الحقيقي الدائم.. وهذا ما نريده للجارة إيران.
آخر العمود: حسافة على قاعة عبدالله السالم وقد اصبحت فيها «خيشة محم».
حلول أزمة سوريا
ج القبس / لبيد عبدال
لاننا نعيش في ذروة القطبية والتنافس والأزمة المالية، لا بد من إنجاح مؤتمر المعارضة السورية بمظلة دولية عادلة.
لا يمكن القبول بالتنظيرات العديدة التي تقول بانتهاء التأثير الأميركي، لوضع عناصر الحل في سوريا، أو انعدام الدور الروسي، أو الدور الفرنسي، أو الصيني،، وباقي الدول الكبرى، لاعتقادها بأننا مازلنا نعيش مرحلة القطبية الواحدة، خصوصا مع استمرار تصادم اقتصادات الدولار، واليورو، وما تبعها.
الواقع يقول اننا نعيش ذروة تعدد القطبية والتنافس، بين تلك الدول القديمة، التي تحلم باسترجاع إمبراطورياتها التي أفَلت، مقابل الدول الفاعلة المؤثرة في الساحة.
تلك الدول، إلى الآن تعمل بصمت لتثبيت مواقعها، وبناء مواقع جديدة للسيطرة أكثر في قارات العالم، لتستأثر هي كذلك مع غيرها، بما فيها من موارد طبيعية، كالنفط أو الغاز وخلافه، أو حتى تبيع ما لديها من أسلحة، أو مضادات لأسلحة دول أخرى تتنافس هي معها، بهدف مشاركتها الشريحة السوقية في العالم.
تلك الدول تعيد الدخول في الساحتين الدولية والإقليمية، لعدم قبولها استمرار استئثار دولة واحدة بها، خصوصا مع تأثير أزمة مالية عالمية طاحنة، تضرب بأطنابها في كل أنحاء العالم.
علاوة على ذلك، في داخل مسارح المعارك الحالية، لا يمكن لأي مراقب أن يتغاضى عن مشاهدة كوكتيل من المعارضات من داخل سوريا وخارجها.
وذلك، يدعونا - بحق - للعمل بالمثل القائل: «إن لم تستطع أكل الفيل كاملا، قم بتقطيعه».
لذا، ومن أجل الأبرياء من البشر هناك، الذين يبيتون في ملاجئ عارية، لا بد من البدء بإعادة بناء النسيج الداخلي بصورة متآلفة، يمكن معها منع التدخل الخارجي المباشر، وغير المباشر، والقادم من الغرب أو الشرق البعيد، وكذلك القريب من هنا.
مشاهدة العوامل الخارجية، للاستعداد المحلي غير المسبوق، للتقاتل، قطع الرؤس، وبقر الأجساد لنزع الأحشاء، مدعاة للجميع للتوقف فوراً عن دعم هذا العبث في مصائر الناس الأبرياء، خصوصا ان الدنيا دوارة.
ترك الحبل على الغارب، وبهذا الشكل اللامسؤول، هو أمر جيد لمن يريد ان يرى مزيدا من التمزق للدول، ناسها، تاريخها، دينها، وحتى حضارتها.
لا بد حتمياً كذلك، من تدخل جاد لإنجاح مؤتمر المعارضة في جنيف، مع استمرار مظلة دولية عادلة، فهو يجمع الجميع من الدول الكبرى، وهو فرصة لحسم خلافاتها، مباشرة وبحضور جميع المعارضين.
تكثيف التعاون بين السلطات لإنجاز الإصلاح
رأي الدستور
حرص جلالة الملك عبدالله الثاني خلال تكريمه أعضاء مجلس الأعيان التأكيد على مفصلين مهمين في مسيرة الإصلاح والنهوض بالوطن.
أولهما مسؤولية مجلس الأمة بغرفتيه “الأعيان والنواب” عن ترسيخ وتجذير الديمقراطية في أرض الوطن الطيبة، انطلاقا من كون المجلس حاضنة الديمقراطية والحوار الوطني، ومن خلال أدائه وفعالياته وأنشطته تترسخ التعددية والعمل المؤسسي المبني على التعاون بين السلطات الثلاث “التشريعية والتنفيذية والقضائية”.
وفي هذا السياق سبق لجلالته أن أكد على تلك الحقيقة في خطاب العرش السامي، وهو بذلك يحث المجلس باعتباره ممثل الشعب والراعي الحقيقي للديمقراطية على أن يعلي من قيمها المتمثلة في العدالة والمساواة، واحترام الرأي والرأي الآخر، كسبيل وحيد لاستمرار مسيرة الاصلاح والحفاظ عليها حتى تؤتي أكلها لخير البلاد والعباد.
ومن هنا فإيمان مجلس الأمة بالديمقراطية، يجب ألا يقتصر على الكلام الإنشائي والجمل البليغة، بل يجب أن ينحى منحى الفعل، وأن يبتعد النواب عن كل ما يسيء للديمقراطية ويشوه وجهها الجميل قولا وفعلاً، وأن يكونوا مثالاً باحترام حرية الرأي والتعبير والابتعاد عن الشّخصنة والكلام المبتذل والتشهير واغتيال الشخصية، فالنائب علاوة على انه ممثل للشعب يجب أن يكون مثالاً للشخصية الوطنية الديمقراطية الحريصة على التواضع وخدمة الجميع والانحياز لمصالح الوطن والأمة، لا يخشى في الحق لومة لائم.
ومن ناحية أخرى فإن مجلس الأمة مدعو للاتعاظ وأخذ العبرة من الأخطاء، وربما الخطايا التي اقترفها البعض في المجالس السابقة وأدت الى حل بعضها والإسراع بانتخابات جديدة وفق قانون جديد يؤسس لمرحلة جديدة من الحياة السياسية، ويردم هوة عدم الثقة بين المواطنين والنواب التي سادت في المراحل السابقة.
ثانيهما: دعا جلالة الملك لضرورة تكثيف التعاون بين السلطات الثلاث لإنجاز خريطة الاصلاح، بما يعود بالنفع على المواطنين كافة.. وهذا يستدعي أن تعمل السلطات الثلاث على انجاز القوانين ذات الصلة بالسرعة الممكنة، ما يضمن انجاز الاصلاح الشمولي والبعد عن التسويف والمماطلة واللذين من شأنهما الإضرار بمصلحة الوطن والمواطنين.
لقد دعا جلالة الملك في خطاب العرش السامي مجلس النواب لضرورة إعادة النظر بقانوني الانتخابات النيابية والأحزاب بما يتواءم ويتماهى مع الارتقاء بالإصلاح السياسي، وتشكيل حكومات برلمانية وفقاً للتقاليد المرعية في الدول المتقدمة ديمقراطياً، إذ يشكل الحزب الفائز الحكومة.. في حين يقف الحزب او الاحزاب الخاسرة في خندق المعارضة، وهذا يستدعي تفعيل الحياة الحزبية ورعايتها كونها مفصلاً رئيساً من مفاصل الديمقراطية والتعددية والإصلاح الفاعل.
مجمل القول: دعوة جلالة الملك مجلس الأمة الى أن يرتقي بالمهام المنوطة به بصفته حاضنة للديمقراطية والحوار الوطني، وحث السلطات الثلاث على تكثيف التعاون والتنسيق بينها لإنجاز الإصلاح المطلوب، يؤكدان أن جلالته حريص على إنجاز مسيرة الإصلاح بالسرعة الممكنة، وعلى مشاركة الجميع بهذه المسيرة المباركة، وحريص على أن تؤتي ثمارها الطيبة لصالح المواطنين وصالح الوطن.
إنه الرائد الذي لا يخذل شعبه ولا أمته...
استخبارات غبية
دار الخليج / غاريف افنرز
إنه لأمر محرج للغاية في عالم السياسة أن تضبط متلبساً بالتجسس على دولة صديقة . ولتسأل المسؤولين في الولايات المتحدة في أعقاب الكشف عن تنصت وكالة الأمن القومي على مكالمات هاتف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المحمول . والولايات المتحدة ليست وحدها في هذا: فالآن ضبطت أستراليا متلبسة بالتنصت على اتصالات الرئيس الإندونيسي سوسيلو بامبانج يودويونو وزوجته ودائرته الداخلية .
وهذه الفضائح، من المواد المسربة من قِبَل عميل وكالة الأمن القومي السابق إدوارد سنودين، سوف يتردد صداها لبعض الوقت . وسوف تكون التداعيات ضارة بصورة خاصة بالعلاقات بين أستراليا وإندونيسيا، كما أستطيع أن أشهد الآن أثناء زيارتي لجاكرتا .
كانت علاقات الصداقة الإندونيسية بالحكومة الأسترالية الجديدة متوترة بالفعل بسبب قضية إعادة قوارب محملة بطالبي اللجوء . والآن كان رفض رئيس الوزراء توني آبوت الاعتذار (على النقيض من الرئيس باراك أوباما) لنظيره بعد الكشف عن المراقبة الإلكترونية سبباً في توليد غضب شعبي عارم . وتغذي هذه القضية المشاعر القومية في إندونيسيا والتي تأججت بالفعل خلال فترة التحضير للانتخابات العامة المقرر إجراؤها في العام المقبل .
ولعل رد الفعل الحكيم على الإمساك بالمرء متلبساً بالتجسس على حكومة أجنبية هو الانتظار بهدوء حتى تمر العاصفة، والاستمرار في مزاولة العمليات الفنية كالمعتاد . وقد يصبح هذا ملائماً عندما يكون الهدف عدواً تقليدياً أو مشاكساً دولياً، ويشمل الأمر مصلحة وطنية كبرى،
وعندما تكون عملية التجسس مرجحة بقدر ما هي غير متبادلة .
ففي مثل هذه الحالات تكون الخطيئة الوحيدة هي أن يضبط المرء متلبساً . وقد يلجأ المسؤولون إلى مناورة الدار البيضاء ("أنا مصدوم إزاء اكتشافي أن المقامرة تجري هنا"!)، ثم بعد التوقف لبعض الوقت تستمر الحياة . وقد مررت شخصياً بتجربة كهذه، كما حدث للعديد من
زملائي السابقين في الوزارة الذين أشرفوا على مثل هذه الأشكال من العمليات على جانب واحد أو الآخر خلال الحرب الباردة .
ولكن يبدو لي أنه لم يعد من الممكن الدفاع عن محاولة التبجح في التعامل مع مثل هذه الأمور، كما تحاول أستراليا أن تفعل في التعامل مع القضية الحالية . والواقع أن إندونيسيا، مثلها كمثل ألمانيا، مجتمع ديمقراطي مفتوح لا يحمل تهديداً لأحد . والمعلومات تتدفق هناك بحرية، وهي متاحة بالنسبة لكل القضايا باستثناء أكثرها حساسية إذا أرادت جارة صديقة مثل أستراليا أن تطلع عليها .
وهنا، كما هي الحال في أماكن أخرى، تنشأ المشاكل من وقت لآخر في العلاقات الثنائية . ولكن حل هذه المشاكل يعتمد بشكل أكبر كثيراً على إقامة علاقات شخصية استناداً إلى الثقة على أعلى المستويات النوع الذي أصبح الآن في خطر شديد وليس على محاولة الوصول إلى بعض المعلومات الاستخباراتية "القاتلة" .
والمفارقة في مثل هذه القضايا أن قدراً ضئيلاً للغاية من المعلومات التي يتم الحصول عليها بأساليب سرية، سواء كانت إلكترونية أو بشرية، قد تنتمي إلى هذه الفئة الحساسة . ومن واقع محادثاتي مع زملاء من وزراء الخارجية السابقين من مختلف أنحاء العالم، فأنا لا أعتقد أن خبرتي في هذا الصدد فريدة من نوعها . فبرغم كل الإثارة التي ينطوي عليها تلقي مظاريف مختومة مزينة بملصق "سري للغاية" التشويق الذي يبدو قادتنا معرضين له بشكل خاص فإن مثل هذه المواد في أغلب الأحيان لا تضيف أكثر من القيل والقال لما هو متاح بالفعل من مواد عبر المصادر المفتوحة .
وقد حان الوقت لكي تعيد وكالات الاستخبارات وسادتها السياسيون النظر في التكاليف والفوائد المترتبة على كافة أشكال التجسس وعمليات المراقبة . إذ ينبغي لهم أن يركزوا تفكيرهم على الخطر الحاضر دوماً والمتمثل في أن العمليات الأكثر سرية لن تظل سرية، كما تبرهن بوضوح الآن حالات مثل قضية سنودين وقضية ويكيليكس .
ومن الأهمية بمكان التفريق بين الأنواع المختلفة من العمليات الاستخباراتية . إن أغلب الناس يتحلون بقدر كبير من التسامح إزاء أي مستوى من انتهاك الخصوصية قد تشتمل عليه عمليات التنصت الإلكترونية المصممة لاكتشاف وتحديد المؤامرات الإرهابية المحتملة . وتشير الخبرة العالمية منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 إلى أنه في حين قد تعود مثل هذه العمليات بالقليل من الفائدة في اكتشاف صناع القنابل الهواة، فإنها فعّالة للغاية في الكشف عن المخططات الأكثر تعقيداً وخطورة والتي يتورط فيها عدد كبير من الجناة .
وعلى نحو مماثل، ليس من غير المعقول أن تُكَرَّس الموارد الاستخباراتية للكشف عن القدرات العسكرية ونوايا الدول التي لا تتبنى الشفافية الكاملة، للحصول على معلومات أفضل حول المصادر المحتملة للأزمات والصراعات، أو للسيطرة بشكل أفضل على مخاطر محتملة محددة تهدد المصالح الوطنية . وهذا هو ما ظلت وكالات الاستخبارات تقوم به دوماً، وهذه الأدوار مفهومة على المستوى العالمي .
ولكن ما يجب أن يكون واضحاً تماماً من حالتي الولايات المتحدة وأستراليا هو أنه لا يجوز لأي حكومة أن تشن عملية استخباراتية، وخاصة ضد حليف أو صديق، لمجرد أنها قادرة على ذلك ببساطة . فمن المرجح في هذه الحالة أن تكون القيمة المضافة صفراً، والتكاليف المترتبة على الأخطاء هائلة .
إن غضب إندونيسيا، كغضب ألمانيا من قبلها، إزاء الانتهاكات الجسيمة لخصوصية الزعماء ليس مختلقاً، ولن يكون أمده قصيراً . والاعتذار هو أقل ما ينبغي لأستراليا أن تقدمه الآن، على أن يقترن ذلك بالالتزام بمراجعة أساليب وأولويات جمع المعلومات الاستخباراتية . ولكن حتى مع هذا فإن سلوك الطريق الوعر الطويل لتحسين العلاقات الثنائية أمر لا مفر منه . إن العملة الأكثر قيمة في الدبلوماسية الدولية هي الثقة الشخصية، وانتهاك هذه الثقة لن يعود علينا إلا بالضرر .
مصر وتفكك جبهة الثورة الثانية
الشرق الاوسط / عبد الرحمن الراشد
نحو خمسة أشهر مرت على عزل الرئيس المصري محمد مرسي، وإسقاط حكومته، وإيداع كبار قيادات «الإخوان» السجن، وما كان لهذا الزلزال أن يحدث لو لم يوجد هناك تأييد شعبي كاف له، وما كان له أن يستمر كل هذه الفترة، وتحت إدارة حكومة مؤقتة، ومن دون برلمان، لولا وجود ائتلاف داعم من أحزاب وقوى سياسية تمثل غالبية أطياف سياسية مصرية، من يسارية إلى وطنية. وكثير من القوى الشبابية سبقت التغيير، الانقلاب، وحشدت الرأي العام بجمع توقيعات المطالبة بإقصاء مرسي، وهي أيضا ساندت الوضع القائم. ليست الدبابات ولا البدلات العسكرية هي من حمى التغيير، بل التأييد الشعبي والسياسي الواسع، إنما المحافظة على جبهة الثورة الثانية، وضمان تأييدهم مهمة صعبة، وها نحن نرى تشققا في الجدار.
«تمرد» ضد تقنين التظاهر، والسلفيون ضد النص على مدنية الدولة، ولكل فريق رأي أو اعتراض على سطر أو موقف.
ومن الواضح أن هذه الاختلافات الصغيرة تكبر، وقد تصبح قادرة على قلب القطار، والسؤال هل هي حقا قضايا تستحق التمسك بها؟
مثلا، قانون التظاهر الذي يغضب بعض القوى السياسية في حقيقته لا يستحق الاختلاف رغم أنه قانون مماثل لكثير من دول العالم الديمقراطية. فالاحتجاج عبر المظاهرات حق يحميه القانون، لكن مع تنظيمها وفق قواعد تحقق السلامة، فيكون موعدها متفقا عليه، ومساراتها مرسومة، وتجري حمايتها من الغير، وحماية الآخرين منها.
ورغم أنها ضوابط طبيعية فإن المناخ السياسي في مصر مشحون ويغلب عليه الشك، ومن الطبيعي أن ترفض القوى السياسية فكرة تقنين التظاهر؛ لأنها لا تريد أن تعطي الحكم، حتى لو كان حليفها اليوم، الذريعة لتعطيل حقها في الاحتجاج. هناك شك في نيات النظام الحالي، وإن لم يعبر عنه الحلفاء صراحة، هم يريدون إخراج «الإخوان» لأنه تنظيم يريد الهيمنة والاستيلاء على الدولة وإقصاء الآخرين، لكنهم في الوقت الذي رفضوا فيه أن «يتغدى» بهم «الإخوان» يخافون أيضا أن يسلموا الحكم لفريق آخر «يتعشى» بهم. ومن المتوقع من حكومة الببلاوي، والقيادة العسكرية الراعية للتغيير، طمأنة الفرقاء السياسيين حتى بالتضحية بضوابط أمنية أو مدنية، المهم، خلال الأشهر القليلة المتبقية، المحافظة على وحدة الصف السياسي، والانتقال من المرحلة المؤقتة إلى الدائمة بالانتخابات الرئاسية والتشريعية، والاستفتاء على الدستور.
اليمن المُثقل بالماضي
دار الخليج / عبد الملك عبد الرحمن الإرياني
لاريب أن اليمن من الدول التي شهدت في تاريخها الحديث العديد من الصراعات، ابتداء من الحرب الجمهورية - الملكية في شمالي اليمن بداية ستينات القرن الماضي ولمدة تقرب من ثماني سنوات، وصدامات جبهة التحرير والجبهة القومية في جنوبي اليمن قبل الاستقلال وبعده وما صاحب ذلك من تأميمات وإجراءات أدت الى تشرد مئات الآلاف، ومروراً بحربين بين الشمال والجنوب في 1972م و1979م ثم حرب 1994م بدعوى الانفصال وإعادة دولة جنوب اليمن إلى وضعها السابق لوحدة 1990م، وصولاً الى ثورة الشباب في 2011م في خضم ثورات الربيع العربي، وما سبقها من حروب الحركة الحوثية وغيرها من التمردات والإرهاصات . يضاف إلى ذلك كله عدد من الانقلابات في كلا الشطرين الشمالي والجنوبي على مدى عقود عدة، أشهرها على الإطلاق وأكثرها دموية أحداث يناير/كانون الثاني 1986م في الجنوب .
خارطة معقدة للصراع تداخلت فيها العوامل القبلية بالإيديولوجية والمذهبية والسياسية والنفعية، وتضرر منها ملايين اليمنيين عبر عقود من الزمن سواء بالقتل أو السجن أو التشرد أو فقدان الحقوق والأموال والممتلكات . ولعل الصورة تبدو اليوم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، فالتغيرات الناتجة عن ثورة المعلومات وثورة الشباب أزالت حواجز الصمت التي منعت العديد من الفئات اليمنية عن التعبير عن آلامها وآمالها، بل والمطالبة بحقوقها حتى وإن بصورة يعتريها الكثير من العوار، ولكنها أظهرت للجميع كم أن اليمن مثقل بماضيه، وإنه بحاجة ماسة للتخفّف من أثقاله إن أراد أهله الاستقرار والنماء .
واذا كانت المبادرة الخليجية قد جاءت حينها كما بدا باتفاق الأطراف المتصارعة لنقل السلطة سلمياً تلبية لرغبة الشعب اليمني في التغيير ولتقديم رؤية جديدة لمستقبل اليمن عبر مؤتمر الحوار الوطني . وبرغم ما حققه المؤتمر من نجاحات في الوصول الى توافقات على الورق في كثير من موضوعات الحوار، إلاّ أن الصورة على الأرض، واليمن يقترب من نهاية المؤتمر، تبدو مختلفة تماما . فبعض القوى اليمنية المشاركة في المبادرة الخليجية أو ممثليها الفاعلين قد امتنعوا عن المشاركة في المؤتمر منذ البداية، والبعض الآخر انسحب أثناء أعمال المؤتمر، وكثيرٌ هم من يواصلون مشاركتهم في المؤتمر سياسة ومناورة في انتظار ظروف أكثر ملاءمة لهم . والأسوأ من هذا كله أن بعض رعاة المبادرة أصبحوا يرعون إفشال تحقيق أهداف المبادرة في نقل السلطة وتحقيق وفاق وطني أكثر من رعايتهم لأنجاحها .
والحقيقة التي يجب التمعّن فيها لتحقيق نجاح مقاصد المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني هي ضرورة إزالة أثقال الماضي عن كاهل اليمن واليمنيين . ومن أجل ذلك لا بد من التمحيص في أشخاص وأدوار الأطراف الداخلية المهيمنة على الساحة السياسية، وكذا تأثيرات الأطراف الخارجية على الفعل السياسي في اليمن . ومن سخريات القدر هنا أن قادة العمل السياسي الراهن بذواتهم أو بتأثيراتهم، والذين يفترض بهم تقديم الحلول لأهم مشاكل اليمن، أو قبولها، بداية من القضية الجنوبية، إلى قضية صعدة، إلى قضايا الحكم الرشيد والعدالة الانتقالية وبناء الدولة وضمان الحريات هم في معظمهم ممن ساهموا بممارساتهم العملية وتوجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم الحزبية أو القبلية أو الفئوية وعلى مدى عقود عدة في خلق هذه المشكلات وتعميقها واستفحالها حتى وصل اليمن الى ما وصل إليه اليوم من فوضى واضطراب وتناحر . فهاهم حاضرون اليوم مثقلون بكل هذا التاريخ الذي أثقل اليمن، ويضيفون الى ذلك مراراتهم وحزازاتهم الشخصية تكبلهم الى ماض لا يستطيعون منه فكاكاً .
ولا نقلل هنا من تأثير الأطراف الإقليمية في إعاقة تحقيق أهداف المبادرة الخليجية وتحقيق طموحات اليمنيين في دولة رشيدة موحدة تؤدي دورها الوطني والقومي مع شقيقاتها في مجلس التعاون والجامعة العربية . وسواء أكانت الإعاقة بتدبير ممن يهدف الى إقامة إمبراطورية مذهبية تمتد بنفوذها على الشرق الإوسط وتحاصر بصورة أساسية مناطق النفط، أو بسوء تدبير واضطراب بصيرة ممن يعتقد أن استقرار دول الربيع العربي فشل له، أو ممن أوهمته فلسفته أن عوامل استقراره وأمنه تتركز في ضعف واضطراب الأوضاع في دول جواره حتى إنه يبذل في سبيل ذلك أكثر مما يبذل في تعزيز وتنمية قدراته الذاتية .
والأمر هكذا، فاليمن بحاجة للتخفّف من أثقاله بمعالجة المعوقات الداخلية والانتقال الفعلي إلى المصالحة الوطنية ونقل السلطة بعون حقيقي وفعّال من رعاة المبادرة . نعم . . إن توقف اليمنيين أمام أحداث خمسة عقود ماضية بتجرد ومسؤولية لتفهم المظالم وتجاوزها لتحقيق مستقبل أفضل لجميع اليمنيين، وليس لانتصار طرف أو هزيمة آخر، ذلك كفيل ليس فقط بتهيئة الظروف الموضوعية داخلياً لخروج اليمن من أزمته، بل كذلك لتوفير عوامل مجابهة المؤثرات الخارجية . أما اذا استمر المسار على ما هو عليه الآن، فأخشى ألا تجد مخرجات مؤتمر الحوار الوطني من يأبه بها أو يعمل على تنفيذها وأن يبقى اليمن لسنوات طويلة أسيراً لأوضاع قد يكون الوضع الراهن المتردي أفضلها .
مفتاح لبنان بين السعودية وإيران
السفير / واصف عواضة
يشغل اللبنانيين هذه الايام سؤال واحد: ما هي انعكاسات ومفاعيل الاتفاق النووي الإيراني على لبنان في المستقبل القريب والبعيد؟ وهل سيقطف هذا البلد الصغير ثمار الاتفاق سلباً أم إيجاباً؟.
تصعب الإجابة على هذا السؤال بصورة جازمة حالياً، وإن كانت التحليلات السياسية تسير وفق أهواء القوى اللبنانية المتصارعة، والتي ذهب بعضها بعيداً في استقراء المستقبل، استناداً الى طموحاته وآماله ورهاناته، وليس الى منطق الأمور.
قد يكون الجواب الشافي في جعبة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الذي تيسر له، كأول مسؤول سياسي من خارج إيران، أن يلتقي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي خامنئي، ويعقد معه خلوة استمرت عشرين دقيقة، وهي مدة كافية ليطرح على المسؤول الإيراني الأول سؤالاً من شأنه ان يحل اللغز اللبناني الحائر: ما هي آفاق العلاقات الإيرانية - السعودية؟.
يعرف الرئيس بري جيداً أن المرحلة اللبنانية الراهنة معقدة، وأن مفتاح التسويات للقضايا العالقة هو في يد الدولتين المؤثرتين مباشرة على لبنان، وهما السعودية وإيران.
ويعرف أيضاً أن إيران تطمح الى أفضل العلاقات مع دول الجوار، لا سيما السعودية وسائر دول الخليج، وقد سمع من وزير الخارجية الإيرانية محمد جود ظريف عزمه على إطلاع دول الجوار على تفاصيل الاتفاق بين إيران ومجموعة الخمسة زائداً واحداً، والأرجح أن تكون السعودية من بين هذه الدول، سواء بالاتصال او بالزيارة المباشرة المؤجلة منذ وصول الرئيس روحاني وحكومته الى السلطة قبل أشهر عدة.
ويعرف الرئيس بري أيضاً أن الوضع اللبناني لم يعد يحتمل حالة الجمود المرتبطة بتطورات الوضع في سوريا، إذ ليس في الأفق ما يبشر بوضع حد للحرب السورية في المدى المنظور، حتى أن مؤتمر جنيف 2 الذي تحدد موعده بعد نحو شهرين، والذي يجري الرهان عليه لإنجاز حل سياسي في سوريا، هو أمر غير مضمون، وقد يتبعه جنيف 3 و4 و5 و10 قبل ان ينبلج الفجر السوري على عودة الاستقرار الى هذا البلد الممزق.
وعليه من الطبيعي أن يعوّل الرئيس بري على التفاهم السعودي الإيراني، سواء بالنسبة للبنان أم بالنسبة لسوريا والوضع الأقليمي العام وما يعتريه من شوائب، خصوصاً على مستوى الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة. فلبنان مقبل على استحقاق أساسي في الربيع المقبل من خلال انتخاب رئيس جديد للبلاد، وقبل ذلك لا يمكن أن يواجه هذا الاستحقاق بحكومة تصريف أعمال وبمجلس نيابي معطل وبقطيعة قاسية بين الأطراف اللبنانيين.
وحدها الرياض قادرة على تنفيس الاحتقان اللبناني، بما لها من دالة على طرف رئيسي ما زال يرفض الشراكة والحوار وتسهيل شؤون البلاد. لكن السعودية التي تشعر بالغضب منذ إلغاء الهجوم الاميركي على سوريا وبعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني، والتي تملك أوراقاً ضاغطة في لبنان وسوريا وغيرهما، بحاجة الى تنفيس هذا الغضب من خلال لفتة إيرانية ـ أميركية تؤكد لها دورها وموقعها ونفوذها ومصالحها في المنطقة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا من خلال الجلوس الى الطاولة بما يؤدي الى تفاهم على مستقبل مطمئن للجميع. وبانتظار ذلك سيظل لبنان على لائحة الانتظار.. الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.
30 ديبلوماسياً في «ضيافة» التجسس الإسرائيلي
السفير / ايلي الفرزلي
إذا كان التشريع لم ينجح في فتح أبواب القاعة العامة لمجلس النواب لأشهر طويلة، فملف التجسس سيتكفل بذلك. ولكن هذه المرة، ليس النواب وحدهم من سيعجّ بهم المبنى الرئيسي لمجلس النواب، بل سيضاف إليهم ممثلو الدول الكبرى والهيئات الدولية، الذين يحلون ضيوفاً على الاجتماع المشترك الذي تعقده لجنتا الاتصالات والخارجية بدعوة من الرئيس نبيه بري.
موضوع وحيد سيكون على جدول أعمال الاجتماع، هو موضوع التجسس الإسرائيلي الذي وصل في الفترة الماضية إلى حدود غير مسبوقة في العالم، إذ لم يسجّل أن تجسست دولة على دولة مجاورة علناً وبما يتخطى كل الأعراف والمواثيق، كما فعلت إسرائيل.
وتأتي الجلسة في سياق الجهد الرسمي لمواجهة هذه الاعتداءات التي تطال كل الاتصالات التي تجري على الأراضي اللبنانية، بما فيها تلك التي تخص قوات «اليونيفيل» والبعثات الديبلوماسية. ولكي يعرف المجتمع الدولي ما يواجه ممثليه في لبنان، يُتوقع أن يشارك في جلسة اليوم نحو 30 ديبلوماسياً يمثلون الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، الدول المشاركة في «اليونيفيل»، الاتحاد الأوروبي، ولا سيما سفيرة الاتحاد أنجيلينا إيخورست، إضافة إلى قيادة القوات الدولية والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي.
ولكي تصل الجلسة إلى هدفها المنشود، أشرف رئيس لجنة الاتصالات النائب حسن فضل الله شخصياً على التحضيرات التي أجريت أمس، لتجهيز القاعة العامة بشاشة عرض وتقنيات تسمح للجنة الفنية المعنية بالتدقيق بالخروقات الإسرائيلية وإعداد ملف بشأنها، بعرض أبرز ما توصلت إليه منذ إنشائها في تموز الماضي.
ومع استبعاد طرح المعلومات المصنفة سرية، فإن اللجنة ستركز على المعطيات التي تملكها حول إمكانية التجسس الإسرائيلي على «اليونيفيل» والسفارات الأجنبية تحديداً.
وإذ يؤمل أن تساهم المشاركة الديبلوماسية في زيادة الضغط على إسرائيل، فإن لبنان لا يزال في طور تحضير شكوى لمجلس الأمن، علماً أنه تقرر أيضاً رفع مذكرة إلى الجهات الدولية والاتحاد الدولي للاتصالات والعمل على طرد إسرائيل من الاتحاد، الذي سبق ودانها على خرقها للسيادة اللبنانية. وفي سياق مواز، تسعى الجهات المعنية للرد على التجسس الإسرائيلي تقنياً، خاصة أنه سبق أن سمع أعضاء لجنة الاتصالات، في اجتماعها الأخير، أن ذلك ممكن، وإن تحفظوا على معرفة الآلية معتبرين أنها «أسرار دولة».
وبالرغم من التحضيرات اللبنانية المستمرة لمواجهة الاعتداء الإسرائيلي في مختلف الوسائل، إلا أن الخطوات العملية تنتظر انتهاء اللجنة التقنية من إعداد تقريرها النهائي في آذار المقبل.
كذلك سيتضمن الاجتماع، الذي يشارك فيه وزراء الخارجية عدنان منصور، الاتصالات نقولا صحناوي والإعلام وليد الداعوق، استعادة للاعتداءات الإسرائيلية التي تكثفت بين العامين 2006 و2010، بالإضافة إلى الإنجازات التي تحققت لمواجهة هذه الاعتداءات، إن كان على صعيد كشف معدات تجسس على الأراضي اللبنانية أو شبكات العملاء التي توزعت في مختلف القطاعات، ولا سيما قطاع الاتصالات.
كذلك سيشاهد ممثلو الدول الأجنبية صوراً ووثائق تبين «تطور» النشاط التجسّسي الإسرائيلي، الذي جرى تحت أعين القوات الدولية، التي لم تعترض على خرق القرار 1701، حتى كانت النتيجة زيادة أبراج التنصّت الإسرائيلية (يمكن مشاهدتها بالعين المجردة) بين العام 2010 واليوم من 21 إلى 39 برجاً. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن الزيارات الميدانية التي قامت بها اللجنة، إضافة إلى تحليلها للمعلومات التي جمعتها، أظهرت أن التقنيات التي تعتمد للولوج إلى شبكة الاتصالات اللبنانية، صارت أكثر تطوراً، حيث عمدت إسرائيل إلى تجديد راداراتها وصحونها اللاقطة في أكثر من مكان، وتبين أن معظمها موجه إلى هوائيات الإرسال الخاصة بشركتي الخلوي اللبنانيتين.
كما كشف فضل الله، في الجلسة السابقة، عن تسريب العدو الإسرائيلي بعض التجهيزات إلى منطقة الحدود والى بعض المناطق اللبنانية، قبل أن يعود ويسحب بعضها بعد الكشف عن العدوان الجديد.
نسيج الدولة العربية هو المشكلة
القس العربي / د. علي محمد فخرو
أثبتت الثلاث سنوات الماضية من عمر ثورات وحراكات الربيع العربي، ومن قبلها حقب قرون تاريخ العرب، أن مشكلة المشاكل كلٍّها هي الدولة العربية : أسس قيامها، شرعية ونظام حكمها، نوع وعلاقات مؤسسات ادارتها، مقدار التوازن بين مجتمعاتها وبين سلطات حكمها.
بسبب وجود نواقص في كل تلك الجوانب من تركيبة الدولة العربية أصبحت دولة تستعصي على الإصلاح التدريجي المعقول وتتخبَّط في التعامل مع إنفجار الثورات أو الحراكات الكبرى في بداياتها، وبالتالي تصَّر على إيقاف وتجميد الزمن لتصل في النهاية إلى الفوضى والإنقسامات المفجعة وإمكانيات التَّلاشي كدولة.
أساس الإشكال يكمن أولاً في أن في بلاد العرب لدينا سلطات وليس دول بالمعنى المتعارف عليه. وهي سلطات تتمثَّل في أشكال كثيرة. فقد تكون سلطة عسكرية أو تكون أقلية مذهبية طائفية أو تكون قبلية متنفذة أو تكون حزباً قائداً طليعياَ مهيمناً على كل ماعداه.
لقد تميًّز تاريخ تلك السلطات، في أي شكل تمظهرت، بابتلاعها للدولة، بخيراتها المادية والمعنوية، وباستغلالها أبشع الإستغلال وبنهبها بصورة منهجية لا رحمة فيها. ثم قامت هذه الدولة، المسروقة الفاسدة، من خلال ممارسة الإستبداد، بابتلاع مجتمعها، بحيث لم يعد للمجتمع وجود فاعل قادر على مراقبة ومساءلة ممارسات وخطايا سلطات الدولة، التي هي في الغالب لديها مشاكل مع شرعيتها غير الديموقراطية.
مثل هكذا سلطات ما كان يمكن إلاً أن تبني دولة تسلطية تمارس الإستبداد التاريخي القديم ولكن بوسائل بيروقراطية عصرية من خلال تدخُّل وهيمنة سلطات الدولة على السياسة والإقتصاد والإعلام والثقافة، وبالتالي تجعل مجتمعاتها مجتمعات تابعة ضعيفة وذليلة لا حول لها ولا قوة.
الدولة العربية الحديثة إذن لا يمكن وصفها بالدولة المدنية، ذلك أن الدولة المدنية هي دولة الشعب الذي يسكنها، دولة المواطنين المتساوين في الحقوق والواجبات، المتساوين أمام قانون غير تمييزي عادل. وهي بالتالي دولة غير ديموقراطية، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا إجتماعياَ.
على ضوء تلك الخلفية للدولة العربية الحديثة، حيث تختصر الدولة في سلطة ويضمر المجتمع حتى التلاشي في الوجود الفاعل الحقيقي، يستطيع الإنسان أن يفهم ظاهرة تأرجح الحياة السياسية في الدولة العربية في الشكل والصورة، ولكن دائماً داخل إطار التسلط والإستبداد الذي لايختفي قط.
من هنا نستطيع أن نشخٍّص تاريخ هذه الدولة العربية الحديثة أو تلك، ولا تهمُ الأسماء. إنه عبارة عن تاريخ تأرجح من دولة تسلطية، بوسائل برلمانية ليبرالية مظهرية مزيَّفة، إلى تسلطية عسكرية، بشعارات قومية أو اشتراكية، إلى تسلطية، بخليط من القبضة الأمنية الحديدية وليبرالية برلمانية شكلية يسيطر عليها الحزب الواحد، إلى تسلطية دينية، بشعارات إسلامية لتغطية إنتهازية سياسية. وهذا التأرجح العبثي السطحي بين هذه الصور التسلطية يظلُّ يدور حول نفسه في حلقة مفرغة لا تخرج، كما ذكرنا، عن إطار النظام السياسي المستبد الفاسد.
والملاحظ أن هذا التأرجح يعتمد في الأساس على مبدأ الترضيات الفئوية، أحياناً ترضية العمال والفلاحين وأحياناً ترضية رجال الثروات والمال وأحياناً ترضية أتباع مذهب أو قبيلة وأحياناً بالطبع ترضية لقوى الخارج.
في جميع الأحوال تثبت الأيام أن الصورة الجديدة للحكم ليست أكثر من علاج مؤقت لا يلبث أن يفشل بسبب زيف الدواء أو بلادة الطبيب أو استمرار تفاقم المرض.
تلك الصور المتبدلة في مظهر الحكم في الدول العربية، من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، جسَد بأفضل الصور، ويا لسخرية القدر، قولاَ شهيراً لطاغية من طغاة القرن العشرين، جوزيف ستالين، الذي ينسب ّإليه قوله ‘بأن الدولة هي أداة في أيادي طبقة الحكم، تستعملها لكسر مقاومة كل أعداء طبقتها’. والعدو في الحالة العربية هو جموع الشعب، وهي تحاول أن يكون لها وجود وصوت وفعل في دولتها.
علاج داء الدولة العربية ذلك، المعقَد المتجَّذر في التاريخ والحاضر، لن يكون تواجد البطل الكاريزمي الذي يأتي ولا يأتي في مسرح حياة العرب، ولا الجيش الوطني المتحكًم في الحياة المدنية الذي اصبح ما في هذا البلد الا هذا الولد، ولا المباركة الخارجية المتقلًّبة في الأهواء التي تحجًّ إليها الركبان، ولا الإكتفاء بالحديث عن الشعارات القيمية الأخلاقية الإسلامية على أهميتها، ولا بالسقوط المعيب تحت أجنحة العولمة وإملاءاتها التي بعضها كارثي.
علاج الدًّاء ذاك أعقد من كل ذلك بكثير، وسنحاول مستقبلاً أن نتلمَّس بعضاً من جوانبه.
سوريا بعد «الاتفاق النووي»: ضمن «الرزمة» أم مفصولة عنها؟
السفير / مارلين خليفة
الاتفاق المرحلي على الملفّ النووي بين إيران ودول مجموعة (5+1) يضع سوريا أمام احتمالين: إما فكّ ارتباط غربي كامل عن أزمتها، أو إيجاد رزمة واحدة من الحلول تمتدّ من النووي الإيراني الى فلسطين والعراق وسوريا ولبنان.
ما إن أعلن الاتفاق، المرشح للاستكمال بعد 6 أشهر، حتى طرح سؤال عن مدى انعكاسه على الملفّ السوري، وخصوصا بعد أن حدّد أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون تاريخ 22 كانون الثاني المقبل موعداً لعقد مؤتمر جنيف 2.
ردة الفعل الأولى لدى بعض الديبلوماسيين العرب كانت بأنّ «سوريا باتت على الطاولة، وقد أخذت إيران دورها كلاعب إقليمي»، على حد تعبير ديبلوماسي عربي مطلع، مشيراً الى أنّ كيفية تعامل السعودية مع التقارب الأميركي ـ الإيراني سيحدد مسار ملفات اقليمية عدة بينها الملف السوري.
وأبعد من إيران والسعودية، تبقى واشنطن هي «المايسترو» الذي سيوجّه الأزمة السورية. يشرح الديبلوماسي العربي وجود احتمالين متناقضين لانعكاس الاتفاق النووي على سوريا، لكنّ حظوظ كلّ منهما متساوية.
يبدو الاحتمال الأول المتمثّل بفكّ الارتباط الأميركي عن الأزمة في سوريا ذو وجهة دراماتيكية واضحة: «لطالما ابتعد الأميركيون عن التورّط في حلّ عسكري في سوريا، وهم سيحافظون على موقفهم، لكنّ بعض دول المنطقة ما تزال تمني النفس بهزيمة بشار الأسد، ويبدو بأن الولايات المتحدة لا ترغب في التورط بهذا الموضوع، وقد ضمنت أمن إسرائيل من خلال التخلص من السلاح الكيميائي السوري. أما الاحتمال الثاني المتعلق برزمة حلول فهي ستشمل إيران وفلسطين والعراق وسوريا ولبنان».
وما بين الخيارين أيهما الأرجح؟ يرى الديبلومسي العربي أن «هذا ما سيظهر في النتائج التي سيتوصل اليها مؤتمر جنيف 2، أو في حال حصول خرق مهم في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، فمراقبة هذين الملفين هي التي ستحسم الأمور».
ويبدو أنّ الموضوع السوري كان أساس البحث بين الدول الخليجية على أبواب قمّة مجلس التعاون الخليجي التي ستنعقد في الكويت الشهر المقبل. وقد كانت القمة الثلاثية التي جمعت الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وأمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح، تمهيداً خليجياً لرأب الصّدع الموجود بين السعودية وقطر في مقاربتهما المختلفة لأكثر من ملف إقليمي، بناء على رغبة أمير الكويت الذي يريد النجاح للقمّة التي تستضيفها بلاده.
الجوّ السائد عربياً وخليجياً هو أنّ «إيران بات موقفها أقوى بعد الاتفاق مع الدول الست، وهذا ما سينعكس على سلوكها في سوريا، حيث صار بإمكانها الانغماس أكثر في الأزمة السورية من دون أن تخشى محاسبة الولايات المتحدة المهتمّة أكثر بالملفّ النووي وإنجاح الحلّ النهائي له، وهذا ما سيعطي طهران الضوء الأخضر لكي تغيّر المعادلة القائمة في الميدان السوري، وإن حصل هذا سينعكس حتماً على نتائج مؤتمر جنيف 2».
ويقول الديبلوماسي نفسه إنّ «مفتاح فهم العوائق أمام مؤتمر جنيف 2 يكمن في فهم خلفيات مقاربة النظام السوري وحلفائه لمكونات الحلّ النهائي، والاعتبارات التي ينطلق منها الغرب، وفي مقدّمته الولايات المتحدة وبريطانيا».
وإذ تنغمس القوى السورية المختلفة في حرب لا هوادة فيها «فهذا يعني أن ظروف الحلّ لم تنضج بعد، وانّ كلّ طرف يحاول تأطير جلوسه على طاولة التفاوض ضمن الشروط التي يرسمها».
المشكلة المطروحة حالياً تكمن في رفض النظام السوري ما يطرحه عليه الغرب، أي تشكيل حكومة انتقالية مؤقتة تنظر بإمكان إعادة توزيع السلطات، أو ما يسمّى بطائف سوري جديد. ويبدو بأن مدينة الطائف، التي احتضنت في العام 1989 الاتفاق الذي أوقف الحرب بين اللبنانيين، تثير حساسية خاصة لدى المسؤولين السوريين، حتى أنهم طلبوا من حلفائهم الروس في المفاوضات الجارية الامتناع عن استخدام كلمة «الطائف».
ويقول الديبلوماسي العربي «إما أن تنجح الولايات المتحدة وحلفاؤها في ضبط التناقضات السورية على وقع الاتفاق النووي، أو تتركها تتصادم لأعوام طويلة تدفع خلالها المنطقة وخاصة سوريا، أثماناً باهظة، في حين تنصرف الى ملفات دولية أخرى».
عيون وآذان (كونغرس في خدمة إسرائيل)
الحياة اللندنية / جهاد الخازن
صوت العقل في «نيويورك تايمز» وأكثر كتّابها موضوعية هو بول كروغمان، الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد. وأترجم هنا باختصار من مقدمة مقال له عنوانه «الخراب حصل». هو قال إن عودة الحكومة إلى العمل بعد إغلاقها كانت إجراء موقتاً، وإذا اعتقد القارئ أن الجمهوريين مجانين لو أثاروا مواجهة أخرى فعليه أن يتذكر أنهم كانوا مجانين عندما أثاروا المواجهة الأولى، والخراب حصل ليس عندما مارس الحزب الجمهوري التعطيل والابتزاز لإغلاق الحكومة، ولكن عندما فاز الجمهوريون بغالبية في مجلس النواب سنة 2010، والخراب واسع النطاق فنسبة البطالة كانت ستصبح أقل لو لم تسعَ الغالبية في مجلس النواب لتعطيل تعافي الاقتصاد.
وأترجم بعد ذلك من بداية مقال كتبه جيمس راسل في موقع ليبرالي. هو قال: سواء أحب الأميركيون ذلك أو لم يحبوا هناك صراع عميق للسيطرة على السياسة الخارجية لبلدنا في الشرق الأوسط. هو مشهد بشع أن يوجد مسؤولون من الحكومة الإسرائيلية واللوبي (ايباك) في مبنى الكابيتول (حيث مقر مجلسي الكونغرس) في محاولة لتخريب محاولة إدارة أوباما الوصول إلى صفقة مع إيران لوضع برنامجها النووي تحت إشراف دولي. بعد عقود من تلقي عشرات بلايين الدولارات وأفضل أسلحة دفاعية مجاناً ودعم سياسي غير محدود تبدي إسرائيل عرفان الجميل بعضّ اليد التي تطعمها.
بدأتُ مترجماً لأن المقالين يعبِّران عن رأي أميركيَيْن في بلدهما، وهما غير متهمَيْن مثلي بأنني من الجانب العربي وضد إسرائيل وعصابتها في الكونغرس.
الاتفاق مع إيران عُقِدَ إلا أنه مجرد بداية وثمة صعوبات كثيرة قد تفسده، وإدارة أوباما اعترفت عبر مجلس الأمن القومي بأنها لا تستطيع فرض قيادتها على الشرق الأوسط فكان أن أحقر عضوين في مجلس الشيوخ، وهما جون ماكين وليندسي غراهام اللذان أيّدا كل حرب على العرب والمسلمين، كتبا مقالاً في «واشنطن بوست» أترجم أول فقرة فيه. هما قالا: كل أميركي يجب أن ينتبه إلى أخبار في وسائل الميديا الرئيسية أخيراً تصف سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط بأنها تتخلى عن الدور القيادي الأميركي في الشرق الأوسط ما يؤدي إلى مضاعفات خطرة على الأمن القومي الأميركي.
هذا ليس موقفاً سياسياً، بل فجوراً، فالولايات المتحدة لا حق لها في قيادة أي بلد في الشرق الأوسط، وسياستها التي تحاول تمثيل إسرائيل لا أي مصلحة أميركية هي التي تزيد الأخطار على الأمن القومي الأميركي، فغالبية هائلة من مواطني الشرق الأوسط تعارض سياستها، وأكثر الإرهاب موجه ضد الولايات المتحدة وأي طرف يشتبه بأنه حليف لها بسبب إسرائيل. وإذا كان الخلاف السياسي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة انفجر في العلن، فان أسبابه كانت دائماً هناك، وقد هدد الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأميركيين غير مرة.
مجلس الشيوخ يضم غالبية ديموقراطية، لذلك استطاع رئيسه السناتور هاري ريد بغالبية 52 صوتاً مقابل 48 صوتاً خفض الغالبية المطلوبة لتعيين القضاة الذين يرشحهم الرئيس من 60 صوتاً إلى 51 صوتاً، أي غالبية بسيطة في مجلس للديموقراطيين فيه 56 عضواً وحليفاً. والجمهوريون في المجلس تلقوا صفعة يستحقونها فهناك أسلوب في الكونغرس هو أن يلقي عضو خطاباً طويلاً جداً لتعطيل التصويت على قرار لا يريده، وقرأت أن هذا الأسلوب بدأ سنة 1837، وأن أوباما وحده كان هدف 82 خطاب تعطيل لعمله مقابل 86 خطاباً لجميع الرؤساء الذين سبقوه.
مجلس النواب أسوأ لأن للجمهوريين غالبية فيه، وإذا كان القارئ في شك إزاء الجهة التي توجه النواب، فما عليه إلا أن يقرأ بيانات الجمهوريين بعد الاتفاق النووي مع إيران، فهم أعلنوا أنهم سيحاولون فرض عقوبات جديدة عليها، وهذا ما كانوا يعملون له والإدارة تفاوض الجانب الإيراني، ثم علقوا محاولتهم والآن عادوا إليها تجاوباً مع إسرائيل.
وفي حين لا أعرف النتيجة النهائية للمفاوضات مع إيران، فإنني أعرف أن التبعية الأميركية لإسرائيل أعطت روسيا فرصة للعودة إلى الشرق الأوسط بدءاً بمصر.