Hamzeh
2013-12-21, 11:26 AM
<tbody>
<tbody>
</tbody>
<tbody>
</tbody>
</tbody>
الثلاثاء 3 /9/2013
الاخوان المسلمين 79
كشف ازدواجية الدقي بين الولاء لـ«الإخوان» والانحياز للعنف
مركز المزماة للدراسات والبحوث
<tbody>
</tbody>
يختتم العدد الخامس من سلسلة "جذور التآمر ضد الإمارات" التي يصدرها مركز المزماة للدراسات والبحوث بالكشف عن الانقسام في شخصية حسن الدقي ما بين الولاء للتنظيم الإخواني من جهة، والانحياز المطلق لخيار ممارسة العنف والإرهاب من جهة أخرى، فجذوره وبداياته كانت مع التنظيم الإخواني، لكنه لا يخفي قناعته بممارسة الإرهاب باسم الجهاد.
كما لا يخفي تعاطفه في مقالاته مع المجموعات الإرهابية التي أوجدتها حرب أفغانستان ثم العراق، وتلك التي برزت في المشهد أثناء صعود الإخوان إلى الحكم في مصر، إضافة إلى تداعيات أحداث سوريا التي وفرت للمجموعات الإرهابية مناخاً يكاد أن يستنسخ في بلاد الشام، أفغانستان أخرى.
وأكد الدكتور سالم حميد مدير مركز المزماة للدراسات والبحوث أنه من الناحية الجوهرية تبدو الفوارق بين تنظيم الإخوان وبين التنظيمات الجهادية مجرد فوارق تكتيكية فقط. أي أن اللجوء للعنف عند الإخوان مسألة تتعلق بالتوقيت والحاجة لإظهار الوجه الآخر للإخوان.
موضحا أنه بينما يجاهر الجهاديون بانحيازهم لخيار العنف المسلح، يعتمد التنظيم الإخواني على المراوغة والعمل في الخفاء للوصول لأهدافه. كما يحرص الإخوان على جعل ذراعهم العسكري مخفياً وبعيداً عن الواجهة، منذ أن تشكل ذلك الذراع في القرن الماضي، وأوكلت إليه مهمة القيام بتنفيذ اغتيالات وتفجيرات، بعضها حدثت بالفعل في عهد مؤسس الإخوان حسن البنا.
والذي بدوره اضطر بعد انكشاف أمر الجناح العسكري للجماعة إلى كتابة مقاله الشهير "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، وكان ذلك المقال بمثابة خطوة احترازية من قبل حسن البنا لحماية كيان الجماعة من التبعات الأمنية، من خلال الظهور بشخصية مسالمة، مقابل التضحية ببعض أفراد الجناح العسكري للإخوان آنذاك.
أما مشكلة انفصام شخصية حسن الدقي فظهرت في المزاوجة بين الولاء للإخوان وبين تبني خيار العنف. ولعل الرجل أدرك بنفسه أنه يعاني من هذه الإزدواجية. ويبدو أنه اتخذ من الكتابة والتنظير وسيلة لتبرير قناعاته الفاسدة. لذلك سعى لحل مشكلته النفسية وانقسام تفكيره ما بين السلوك الإخواني المراوغ وبين الميول الجهادية، وقام بإنجاز بحث متواضع بعنوان: "السياسة والجهاد.. أي استراتيجية؟"
ثنائية السياسة والجهاد
يتضح من عنوان البحث المكتوب بصيغة سؤال، أن ذلك السؤال كان ولا يزال يؤرق الدقي نفسه، وفي بحثه عن ثنائية السياسة والجهاد يقدم لنفسه مبررات لاستمرار الازدواجية في شخصيته والإبقاء على انقسامه بين الجهادي والإخواني.
غاية
ومن خلال القراءة الكلية لسياق الأفكار العامة في هذا البحث، يمكن استنتاج الاستخلاصات التالية:
يظهر من السياق العام والكلي لهذا البحث، أن الغاية النهائية منه، تتمثل في إنجاز نوع من التوفيق في ذهن القارئ أو الناشط ضمن صفوف حركات الإسلام السياسي، بين كل من جماعة الإخوان والفصائل والتنظيمات الجهادية والسلفية والتكفيرية. بمعنى أكثر وضوحاً، يهدف البحث إلى خلق مصالحة وتعاون بين تنظيم القاعدة والتنظيم الإخواني.
يسرد البحث في البداية المآخذ ونقاط الخلاف بين المتحمسين للجهاد وبين من يعطون الأولوية للسياسة. ثم يقدم الدقي للفريقين ما يعتبرها مسلمات وثوابت. ويختتم بتقديم مبررات القبول بالخلط بين ممارسة السياسة والجهاد. ويقول في الخاتمة: إن "الفصام النكد" بين السياسة والجهاد "يجب أن يخلخل تمهيداً لإزاحته وإحداث التواصل الكلي بينهما.."
يعيد الدقي إلى الأذهان بأن جماعة الإخوان عندما نشأت في مصر كانت في عهد حسن البنا تزاوج بين الأداء السياسي والأداء الجهادي. ويستشهد بتحرك البنا لطرح رؤية سياسية للإصلاح في مصر، بينما كان يسعى في الوقت ذاته "لإحداث ثورة إسلامية مسلحة في اليمن عام 1947م بقيادة الفضيل الورتلاني الجزائري.."
لا يمل الدقي في هذا البحث كما في غيره من المقالات من الحديث عن (التمكين) وعن (الخلافة) بحسب المنظور الإخواني لهاتين الكلمتين. والدقي مثل كل الشخصيات الإخوانية، تجده يخلط كثيرا بين الإخوان كتنظيم وكجماعة بشرية، وبين الإسلام كدين سماوي لا يمكن لأحد احتكاره أو ادعاء تمثيله.
تحول البحث بسبب انغلاقه إلى أشبه ما يكون بمنشور تحريضي سري وداخلي، تختص بتداوله التنظيمات المتطرفة. فخطابه موجه لتلك التيارات، وكاتبه لا يرى في الكون سوى جماعة الإخوان وتنظيمات المجاهدين، فيما يتجاهل الإنسان وواقع الدول والمجتمعات، ولا يضع للشعوب وللحظة الزمنية المعاصرة أي اعتبار.
أدى انغلاق البحث كما أشرنا في النقطة السابقة، إلى افتقاده للطبيعة المنهجية والعلمية التي تفترض أن يكتسب كل بحث في مقدماته وفروضه ونتائجه صفة الحياد والعمومية. وهذا هو الفرق بين الأبحاث المنهجية وبين المنشورات السرية للعصابات والتنظيمات المتطرفة.
تمكين التطرف وسرقة الثورات
انفعل حسن الدقي مع الأحداث التي جلبت الفوضى إلى بعض دول المنطقة، تحت اسم الربيع العربي الذي تحول إلى خريف ثم إلى شتاء قارس، بفضل ركوب الإخوان المتأسلمين لموجة التغيير، أو موجة القفز بالشعوب إلى أفق سياسي مجهول.
كتب الدقي ونشر عبر الإنترنت مقالات وخواطر عديدة، كلها تتضمن أفكاراً حالمة، إلى جانب نصائح وتوصيات مكتوبة بتهور وطمع واضح في تفكيك الخريطة العربية، بهدف تمكين التطرف الإخواني من السيطرة على الحكم، تحت عنوان الأمة والمشروع الإسلامي، وهو المشروع الغامض الذي فشل في تونس ومصر على يد الإخوان خلال أقل من عام.
ولم تتضح من مفردات ذلك المشروع الإخواني الفاشل شعبياً وسياسياً، سوى العلاقة المشبوهة بين الإخوان وأسيادهم في أميركا والغرب. إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة تجند طاقاتها الدبلوماسية والإعلامية للوقوف إلى جانب محمد مرسي، الرئيس الإخواني الذي عزله الشعب المصري لتستعيد مصر شخصيتها ودولتها الحديثة، بعد أن حاول الإخوان مصادرتها وتحويلها إلى إمارة إخوانية بدعم أميركي واضح.
وسوف نتناول في الفقرات القادمة بعض كتابات الدقي التي صاحبت الأحداث، وقدم من خلالها نصائحه لتمكين المتطرفين من إحكام السيطرة على الأوضاع في الدول التي انهارت أنظمتها.
التعاطف مع "قاعدة" اليمن
كتب الدقي مقالة بعنوان: "عرش بلقيس بين الاستلاب والتمكين"، وما يلفت الانتباه فيها هو تحذيره مما وصفه بخطر قال إنه "يتسلل عبر بعض رموز التجمعات الإسلامية من الإخوان والسلفية، فهناك رموز من التجمع اليمني للإصلاح، استجابوا للمسطرة الأميركية فانحازوا للاعتدال وهربوا من التطرف إلى الدرجة التي جعلت مؤسسا كالشيخ الزنداني غير مرغوب فيه في أوساطهم".
والشيخ الزنداني الذي وجه الدقي تحذيره لإخوان اليمن من إقصائه معروف بتشدده ودعمه للتيارات الجهادية، إلى حد أنه لم يعد يجرؤ على السفر خارج اليمن، خشية من توقيفه بعد أن وضعت الإدارة الأميركية اسمه ضمن قائمة الشخصيات الداعمة للإرهاب. وهنا يلتقي الدقي مع الزنداني لدرجة تحذيره للإخوان من إقصائه.
وفي المقالة ذاتها، يحذر الدقي التيارات المتأسلمة في اليمن من الخلافات في ما بينها، ويدرج عناصر تنظيم القاعدة في اليمن ضمن التيارات التي طالبها بالتصالح مع بعضها، حيث ورد بالنص في مقالته قوله: "وأقصد بقيادات العمل الإسلامي كتلة الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح) والكتلة السلفية (الحكمة والإحسان) والكتلة الجهادية (القاعدة ومؤيدوهم) وكتلة المستقلين".
كما كرر تعاطفه مع أنصار القاعدة في اليمن في فقرة أخرى أشار فيها إلى ضرورة "إصلاح ذات بين الدعاة"، واقترح أن يسعى الدعاة إلى إزالة "الخلاف حول الممارسات الجهادية وعولمة الأداء الجهادي الذي وصمه الأميركان بالإرهاب ... بأن يستوعبوا الموقف بتوازن يؤدي إلى عدم التفريط في أبناء المسلمين ممن تعلقت قلوبهم بالجهاد.."
التحذير من العلمانيين
وفي مقالة أخرى له بعنوان "الثورات المنجزة وقيادة التغيير"، يحذر الدقي من "بروز بعض الأقليات الفكرية والسياسية والمذهبية والدينية والعرقية ومن اصطلح على تسميتهم بالعلمانيين في المجتمعات العربية، وتقدمهم بمطالب خاصة وتهويل لخطر التجاوز لحقوقهم حتى كادوا أن يصبغوا المشهد كله بهذه الصورة"!
ولعل إخوان مصر كانوا سباقين في العمل من تلقاء أنفسهم بهذا التحذير، فعملوا قبل ثورة الشعب المصري ضدهم على تفصيل دستور لا يعبر عن التعددية في المجتمع، لذلك واجه الشارع لغة وممارسات الإقصاء لدى الإخوان بالثورة ضد مشروعهم الاستبدادي.
وتأكيدا لحلم المتطرفين وسعيهم لأخونة الثورات في مصر وغيرها، يقول الدقي في هذا المقال أيضاً إن "من متطلبات التغيير الثوري أن يتمكن قادته من إعادة تعريف ومن ثم محاولات التطبيق الجادة لنظام الحكم في الإسلام والذي أعيد تعريفه وتقديمه للأمة بناء على الحراك العلمي والسياسي الذي نشط له العرب والمسلمون منذ سقوط آخر خلافة إسلامية.."
والفقرة السابقة واضحة وليست بحاجة للشرح، لأنها تتصل بترويج الإخوان المستمر لهاجس إقامة دولة الخلافة الإخوانية.
أخونة الثورات كشفت للشعوب حقيقة «الجماعة»
من كتابات حسن الدقي وتنظيراته السطحية لما يصفه بزلزال الثورة العربية، قيامه في تاريخ 27 / 4 / 2011 بنشر وثيقة بحثية أطلق عليها عنوان "زلزال الثورة العربية والمشروع الإسلامي"، اندفع فيها متأثراً في ذلك التوقيت بوهم "الجحيم العربي"، ليؤدي فروض الولاء والطاعة لتنظيمه الإقليمي والعالمي اللذين ساعداه على محاولاته الفاشلة في إنشاء جناح عسكري بدولة الإمارات العربية المتحدة، امتداداً لما قام به من قبل في تجنيد بعض المواطنين وإرسالهم سراً لقادة التنظيم الأجنبي الأكبر للدفع بهم إلى أتون الحرب في أفغانستان من قبل، وهي خطوة ظنّ أن فيها تدريباً عملياً يساعده على الاستيلاء على حكم الإمارات كما كان يتوهم مع مخططيه.
ومن أول كلمة في تلك الوثيقة يكشف الدقي أوراقه فيقول:
"إن الحمد لله متمّ النعم ومتوعد الظالمين بالنقم، وناصر المستضعفين من عدم".
تلك كانت ما يعتبرها ضربة البداية في بحثه والتي قام فيها بتقسيم المجتمع إلى فئتين لا ثالث لهما، هما الظالمون والمستضعفون، وهي القسمة ذاتها التي كان زعيم تنظيم القاعدة يعتقد بها وإن كانت بصيغة أعم وأشمل عندما قسم العالم حسب وصفه إلى (فسطاطين)، ولكل من الظالمين والمستضعفين داخل وثيقة الدقي تعريفات وتفسيرات لخّصها في قوله:
"أحمد الله على تيسيره للمستضعفين أن ينطلقوا للتمكين بإذنه، فالفضل والمنة له وحده، لا من إرادة الشعوب ولا من قدرتها، فقد لبثت الشعوب العربية دهوراً وهي ساقطة تحت وهم عنوان سلطان الطغاة وسيطرتهم، فلما أذن الرب وظهر جيل جديد أبى أن يسير على ما سار عليه آباؤه من استكانة وضعف وهذا مصداق لقوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)، فالثورات العربية تمثّل من ناحية التاريخ في أهميتها وإسقاطها نظم التجبّر في العالم العربي، ما مثلته هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من خط فارق في تاريخ أمة الإسلام، وما مثّلته هجرة موسى ومن معه من براثن فرعون ونظامه الطاغوتي."
تقسيم المجتمع
إذاً، المستضعفون في نظر الدقي هم الإخوان المتأسلمين الذين حاول ربطهم بكامل الشعب، وكأنهم الممثلين الشرعيين للشعب، فهو يضع الشعب في خانة، ويضع النظم الحاكمة في خانة أخرى، وهي نظرية بدأها التنظيم الإسلامي قبل وصوله مؤخراً إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية، فلما بلغ الكراسي وأصبح هو السلطة الحاكمة، سرعان ما قام بتقسيم المجتمع إلى فئات ثلاث، الفئة الأولى هي الفئة الحاكمة والتي تعني التنظيم، والفئة الثانية هي فئة شعب الله المختار المنتمي والموالي للتنظيم.
والذي يحق له العيش كشعب من الدرجة الأولى، ومرفوعة عنه كل الأقلام وعلى رأسها قلم القانون، وفئة أخيرة هي فئة الشعب غير الموالي، وهي فئة مغضوب عليها ومهدر دمها ويجوز اضطهادها في وظائفها وكل وسائل أكل عيشها، وهي فئة يضايقها التنظيم ويحاربها حتى تهاجر أو تصمت أو تعتنق الإخوانية. هي الفئة التي قال عنها في حديثه إنها ضعيفة لا قدرة لها، وإن الأجيال التي جاءت الآن بعدها .
ويقصد بها منتسبي التنظيم الإخواني المتأسلم، هي من فجّرت الثورات، وقادت العالم العربي الإسلامي إلى فجره الجديد، وقد تجلّى هذا المفهوم في عموم الدول التي حكمها أو تحكم الإخوان في مفصل من مفاصلها، وعلى هذا النهج يكون من ينتمي لفئة شعب الله الإخواني المختار في دولة الإخوان هو من يحظى بمختلف الامتيازات الحياتية والمعيشية وحتى امتيازات الفساد والحق في ارتكابه من أعلى هرم في الدولة.
ويذهب الدقي مذهب التنظيم الإخواني العام في نظرته للثورات العربية، ويمثلها بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيدنا موسى عليه السلام، وهو خطأ كبير يقع فيه التنظيم ويتعمّد ذر رماده في العقول، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر من مكة إلى المدينة، كان الكفار يحكمون مكة وليس المسلمين، وسيدنا موسى عليه السلام حينما حارب فرعون، كان فرعون رمزاً للشرك بالله.
ولم يكن ينطق الشهادتين، وينشئ المساجد، وينشر المناهج الدينية في المدارس، فالقصتان اللتان أدمن التنظيم الإخواني توزيعهما على كل موائد الحوار، نزلتا في أمر مسلم ضد كافر، لا مسلم ضد مسلم، وهو ما ينسف كامل الفكرة التي ينطلق منها الإخوان في تعطشهم للسلطة تحت قناع الدين.
يحلمون بالوهم
جاءت بدايات أحداث الربيع أو الجحيم العربي، فجعلت الإخوان المتأسلمين يحلمون بوهم امتداده إلى كافة الأقطار العربية والإسلامية، وتراءت أمام مخيلتهم الجامحة، دولة الخلافة الإخوانية التي لم تتحقق منذ أن أنشأ البنا التنظيم بسبب النظرة القاصرة للواقع، وعدم الإيمان بالشعارات البرّاقة التي حملها التنظيم وخدع بها الكثير من البسطاء، فلما تمكّن من حكم بعض البقاع بانت له حقيقة عجزه.
واتّسم بتسرّعه لتحقيق أهدافه فانكشفت حقيقته، ونشأت فجوة عميقة بينه وبين الشعوب التي واجهها بسياسة الحديد والنار دون أن يتمكن من كسر إرادتها، فظلّ معزولاً كصاحب المرض الشديد العدوى، ومكروهاً من الكل. حاول حسن الدقي في وثيقته البحثية بعنوان "زلزال الثورة العربية والمشروع الإسلامي"، أن يتعجّل الحلم بتباشير بحثه المسرف في التفاؤل، والذي اصطدم فيما بعد بمعرفة الشعوب لحقيقة التنظيم الذي حاول تسويقه وعرض أفكاره الخادعة.
يقول الدقي في بحثه إن الغرض منه هو:
"قراءة أولى لزلزال الثورة العربية، ومحاولة للوقوف بالأخوة المهتمين على زوايا أحدد من خلالها ما أثبتته تلك الزلازل من حقائق وما أسقطته من أوهام، وما يترتب على ذلك من تأثير في الاجتهاد الكلي للأداء الإسلامي خاصة في مجال اختزال واختصار مسيرة المشروع الإسلامي ومن كشف دقيق لبقية المشاريع المتصارعة في ساحة العرب والمسلمين وتأثير ذلك كله على معادلة الاستضعاف والتمكين في أمّة الإسلام وبلاد المسلمين."
حقائق وأوهام
الحقائق والأوهام التي يتحدث عنها الدقي هي الإخوان والأنظمة الحاكمة، لذلك حصر بحثه في قراءة زلزال الثورة العربية، لا الثورات العربية بمجملها، لأن الزلزال الحقيقي الذي فاجأ الثورات العربية هو سرقة الإخوان للسلطة واعتلاؤهم الكراسي على حساب الشعوب، ولأن قراءة الثورات العربية بمجملها تضع التنظيم الإخواني المتأسلم في حرج بالغ.
فالثورات العربية قامت بمفاهيم ومطالب محددة، لكن دخول الإخوان حرف تلك المفاهيم، ورفع سقف المطالب، وأورث الشعوب ما أورثها بعد ذلك من نكبات ونكسات ظلت ولا تزال، علكة تلوكها كل وسائل الإعلام، ولأن قراءة الثورات بمجملها تضطر القارئ الإخواني لذكر الحقائق، التي تثبت أنه ليس المفجر الحقيقي للثورات، بل سارقها، وتضطره لأن يؤرّخ لمناهضيه وأعدائه الذين يعتبرهم كفاراً فجرة، فالمكيال الإسلامي عند الإخوان مرتبط بفكرهم، فإما أن تكون إخوانياً، ما لم سيكون أسلامك ناقصاً.
«الإخوان» واختطاف الثورة في مصر
تحت عنوان "مصر في خارطة المشروع الإسلامي!"، كتب الدقي بتاريخ 10/2/2011م مقالة إنشائية، أغرب ما فيها أنه ينزع عن أحداث التحول في مصر طبيعتها المصرية، ويمنحها صفة أممية، ويتساءل بإلحاح: "ما علاقة ما يجري في مصر بالمسيرة الكلية للمسلمين وبمستقبلهم؟ أو بلغة العصر أين تقع مصر في خارطة المشروع الإسلامي؟ وذلك حتى نحسن توظيف هذا الحراك لصالح المسيرة العامة.."؟
وعن المرحلة الانتقالية ينصح بعدم التعويل على النظام الديمقراطي وبأن: "متطلبات إدراك صفة الرشد ومرحلتها تقتضي العمل على تقديم مبادئها للناس والمجتمعات والتبشير بها كنظام إسلامي سياسي في الحكم وشؤونه... خاصة في ظل التشويش الكبير الذي تعانيه الديمقراطية الغربية وتطبيقاتها" حسب رأيه.
في هذه الجزئية أيضاً يظهر موقف الدقي من الانتخابات صريحاً ومكشوفاً، على عكس الخطاب الإخواني الذي يتمسح بالشرعية والديمقراطية، بينما يرى الدقي "ضرورة البحث عن مساحات واسعة لتحريك الثورة وتوصيلها إلى بر الأمان والتأثير الحقيقي في واقع الأمة، وهذا يقتضي التخفف من انغلاق التجارب خاصة التجربة الديمقراطية في ظل النظام القطري الذي يستمد وجوده من النظام الدولي فيوشك النظام الدولي أن ينقض على إنجازات الثورة المصرية من بوابة الأداء الديمقراطي.."
وبالطبع فإن حرص الدقي وقلقه على الثورة المصرية يتجه نحو مفهومه الإخواني للثورة باعتبارها ملكية خاصة لطائفة الإخوان وحدهم.
ويواصل تنظيره لكيفية اختطاف الثورة في مصر قائلاً:
"إن الثورة المصرية تنتمي إلى الملامح الاستراتيجية والجهادية في هرم ملامح المشروع الإسلامي أي في قمته وتنتمي على وجه الخصوص إلى نظرية التغيير الشاملة والتي تستتبع إدارة استراتيجية وتعبوية تضمن بإذن العزيز الرحيم ضم طاقات الأمة ونسجها في مسيرة تدافعية تؤذن باستشراف مرحلة التمكين".
ومن نصائحه التي لم يكن تنظيم الإخوان في مصر بحاجة إليها، لأن الإخوان لا يؤمنون بالانتماء للأوطان، ورغم ذلك نصحهم الدقي بإخراج الثورة مما وصفه بـ (سجن الوطن)، لأنه "يعتبر سجن القطر والوطن أحد مهددات الثورة المصرية من حيث رغبة البعض واتجاههم بتأسيس الحراك العام للثورة ومتطلباتها على الحدود الجغرافية والتاريخية لمصر وحدها"!
أي أنه يدعو في هذه الحالة إلى إقصاء طموحات الشعب المصري وحاجاته وحقوقه في وطنه، لصالح تصدير الثورة وتحويل مصر إلى إيران جديدة ذات طابع إخواني. ويلمح إلى هذه الجزئية بشكل مباشر في فقرة أخرى بقوله:
"من الفرص التاريخية التي حدثت في الثورة المصرية فرصة الإجهاز والقضاء على معالم المرحلة الجبرية في الحكم والسياسة.... وضرورة العمل على دفع مسار هذا الإجهاز على الجبرية إلى آخر الشوط وتصدير هذه الرؤية لبقية نواحي الأمة العربية والإسلامية.."
<tbody>
</tbody>
<tbody>
</tbody>
</tbody>
الثلاثاء 3 /9/2013
الاخوان المسلمين 79
كشف ازدواجية الدقي بين الولاء لـ«الإخوان» والانحياز للعنف
مركز المزماة للدراسات والبحوث
<tbody>
</tbody>
يختتم العدد الخامس من سلسلة "جذور التآمر ضد الإمارات" التي يصدرها مركز المزماة للدراسات والبحوث بالكشف عن الانقسام في شخصية حسن الدقي ما بين الولاء للتنظيم الإخواني من جهة، والانحياز المطلق لخيار ممارسة العنف والإرهاب من جهة أخرى، فجذوره وبداياته كانت مع التنظيم الإخواني، لكنه لا يخفي قناعته بممارسة الإرهاب باسم الجهاد.
كما لا يخفي تعاطفه في مقالاته مع المجموعات الإرهابية التي أوجدتها حرب أفغانستان ثم العراق، وتلك التي برزت في المشهد أثناء صعود الإخوان إلى الحكم في مصر، إضافة إلى تداعيات أحداث سوريا التي وفرت للمجموعات الإرهابية مناخاً يكاد أن يستنسخ في بلاد الشام، أفغانستان أخرى.
وأكد الدكتور سالم حميد مدير مركز المزماة للدراسات والبحوث أنه من الناحية الجوهرية تبدو الفوارق بين تنظيم الإخوان وبين التنظيمات الجهادية مجرد فوارق تكتيكية فقط. أي أن اللجوء للعنف عند الإخوان مسألة تتعلق بالتوقيت والحاجة لإظهار الوجه الآخر للإخوان.
موضحا أنه بينما يجاهر الجهاديون بانحيازهم لخيار العنف المسلح، يعتمد التنظيم الإخواني على المراوغة والعمل في الخفاء للوصول لأهدافه. كما يحرص الإخوان على جعل ذراعهم العسكري مخفياً وبعيداً عن الواجهة، منذ أن تشكل ذلك الذراع في القرن الماضي، وأوكلت إليه مهمة القيام بتنفيذ اغتيالات وتفجيرات، بعضها حدثت بالفعل في عهد مؤسس الإخوان حسن البنا.
والذي بدوره اضطر بعد انكشاف أمر الجناح العسكري للجماعة إلى كتابة مقاله الشهير "ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين"، وكان ذلك المقال بمثابة خطوة احترازية من قبل حسن البنا لحماية كيان الجماعة من التبعات الأمنية، من خلال الظهور بشخصية مسالمة، مقابل التضحية ببعض أفراد الجناح العسكري للإخوان آنذاك.
أما مشكلة انفصام شخصية حسن الدقي فظهرت في المزاوجة بين الولاء للإخوان وبين تبني خيار العنف. ولعل الرجل أدرك بنفسه أنه يعاني من هذه الإزدواجية. ويبدو أنه اتخذ من الكتابة والتنظير وسيلة لتبرير قناعاته الفاسدة. لذلك سعى لحل مشكلته النفسية وانقسام تفكيره ما بين السلوك الإخواني المراوغ وبين الميول الجهادية، وقام بإنجاز بحث متواضع بعنوان: "السياسة والجهاد.. أي استراتيجية؟"
ثنائية السياسة والجهاد
يتضح من عنوان البحث المكتوب بصيغة سؤال، أن ذلك السؤال كان ولا يزال يؤرق الدقي نفسه، وفي بحثه عن ثنائية السياسة والجهاد يقدم لنفسه مبررات لاستمرار الازدواجية في شخصيته والإبقاء على انقسامه بين الجهادي والإخواني.
غاية
ومن خلال القراءة الكلية لسياق الأفكار العامة في هذا البحث، يمكن استنتاج الاستخلاصات التالية:
يظهر من السياق العام والكلي لهذا البحث، أن الغاية النهائية منه، تتمثل في إنجاز نوع من التوفيق في ذهن القارئ أو الناشط ضمن صفوف حركات الإسلام السياسي، بين كل من جماعة الإخوان والفصائل والتنظيمات الجهادية والسلفية والتكفيرية. بمعنى أكثر وضوحاً، يهدف البحث إلى خلق مصالحة وتعاون بين تنظيم القاعدة والتنظيم الإخواني.
يسرد البحث في البداية المآخذ ونقاط الخلاف بين المتحمسين للجهاد وبين من يعطون الأولوية للسياسة. ثم يقدم الدقي للفريقين ما يعتبرها مسلمات وثوابت. ويختتم بتقديم مبررات القبول بالخلط بين ممارسة السياسة والجهاد. ويقول في الخاتمة: إن "الفصام النكد" بين السياسة والجهاد "يجب أن يخلخل تمهيداً لإزاحته وإحداث التواصل الكلي بينهما.."
يعيد الدقي إلى الأذهان بأن جماعة الإخوان عندما نشأت في مصر كانت في عهد حسن البنا تزاوج بين الأداء السياسي والأداء الجهادي. ويستشهد بتحرك البنا لطرح رؤية سياسية للإصلاح في مصر، بينما كان يسعى في الوقت ذاته "لإحداث ثورة إسلامية مسلحة في اليمن عام 1947م بقيادة الفضيل الورتلاني الجزائري.."
لا يمل الدقي في هذا البحث كما في غيره من المقالات من الحديث عن (التمكين) وعن (الخلافة) بحسب المنظور الإخواني لهاتين الكلمتين. والدقي مثل كل الشخصيات الإخوانية، تجده يخلط كثيرا بين الإخوان كتنظيم وكجماعة بشرية، وبين الإسلام كدين سماوي لا يمكن لأحد احتكاره أو ادعاء تمثيله.
تحول البحث بسبب انغلاقه إلى أشبه ما يكون بمنشور تحريضي سري وداخلي، تختص بتداوله التنظيمات المتطرفة. فخطابه موجه لتلك التيارات، وكاتبه لا يرى في الكون سوى جماعة الإخوان وتنظيمات المجاهدين، فيما يتجاهل الإنسان وواقع الدول والمجتمعات، ولا يضع للشعوب وللحظة الزمنية المعاصرة أي اعتبار.
أدى انغلاق البحث كما أشرنا في النقطة السابقة، إلى افتقاده للطبيعة المنهجية والعلمية التي تفترض أن يكتسب كل بحث في مقدماته وفروضه ونتائجه صفة الحياد والعمومية. وهذا هو الفرق بين الأبحاث المنهجية وبين المنشورات السرية للعصابات والتنظيمات المتطرفة.
تمكين التطرف وسرقة الثورات
انفعل حسن الدقي مع الأحداث التي جلبت الفوضى إلى بعض دول المنطقة، تحت اسم الربيع العربي الذي تحول إلى خريف ثم إلى شتاء قارس، بفضل ركوب الإخوان المتأسلمين لموجة التغيير، أو موجة القفز بالشعوب إلى أفق سياسي مجهول.
كتب الدقي ونشر عبر الإنترنت مقالات وخواطر عديدة، كلها تتضمن أفكاراً حالمة، إلى جانب نصائح وتوصيات مكتوبة بتهور وطمع واضح في تفكيك الخريطة العربية، بهدف تمكين التطرف الإخواني من السيطرة على الحكم، تحت عنوان الأمة والمشروع الإسلامي، وهو المشروع الغامض الذي فشل في تونس ومصر على يد الإخوان خلال أقل من عام.
ولم تتضح من مفردات ذلك المشروع الإخواني الفاشل شعبياً وسياسياً، سوى العلاقة المشبوهة بين الإخوان وأسيادهم في أميركا والغرب. إلى الحد الذي جعل الولايات المتحدة تجند طاقاتها الدبلوماسية والإعلامية للوقوف إلى جانب محمد مرسي، الرئيس الإخواني الذي عزله الشعب المصري لتستعيد مصر شخصيتها ودولتها الحديثة، بعد أن حاول الإخوان مصادرتها وتحويلها إلى إمارة إخوانية بدعم أميركي واضح.
وسوف نتناول في الفقرات القادمة بعض كتابات الدقي التي صاحبت الأحداث، وقدم من خلالها نصائحه لتمكين المتطرفين من إحكام السيطرة على الأوضاع في الدول التي انهارت أنظمتها.
التعاطف مع "قاعدة" اليمن
كتب الدقي مقالة بعنوان: "عرش بلقيس بين الاستلاب والتمكين"، وما يلفت الانتباه فيها هو تحذيره مما وصفه بخطر قال إنه "يتسلل عبر بعض رموز التجمعات الإسلامية من الإخوان والسلفية، فهناك رموز من التجمع اليمني للإصلاح، استجابوا للمسطرة الأميركية فانحازوا للاعتدال وهربوا من التطرف إلى الدرجة التي جعلت مؤسسا كالشيخ الزنداني غير مرغوب فيه في أوساطهم".
والشيخ الزنداني الذي وجه الدقي تحذيره لإخوان اليمن من إقصائه معروف بتشدده ودعمه للتيارات الجهادية، إلى حد أنه لم يعد يجرؤ على السفر خارج اليمن، خشية من توقيفه بعد أن وضعت الإدارة الأميركية اسمه ضمن قائمة الشخصيات الداعمة للإرهاب. وهنا يلتقي الدقي مع الزنداني لدرجة تحذيره للإخوان من إقصائه.
وفي المقالة ذاتها، يحذر الدقي التيارات المتأسلمة في اليمن من الخلافات في ما بينها، ويدرج عناصر تنظيم القاعدة في اليمن ضمن التيارات التي طالبها بالتصالح مع بعضها، حيث ورد بالنص في مقالته قوله: "وأقصد بقيادات العمل الإسلامي كتلة الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح) والكتلة السلفية (الحكمة والإحسان) والكتلة الجهادية (القاعدة ومؤيدوهم) وكتلة المستقلين".
كما كرر تعاطفه مع أنصار القاعدة في اليمن في فقرة أخرى أشار فيها إلى ضرورة "إصلاح ذات بين الدعاة"، واقترح أن يسعى الدعاة إلى إزالة "الخلاف حول الممارسات الجهادية وعولمة الأداء الجهادي الذي وصمه الأميركان بالإرهاب ... بأن يستوعبوا الموقف بتوازن يؤدي إلى عدم التفريط في أبناء المسلمين ممن تعلقت قلوبهم بالجهاد.."
التحذير من العلمانيين
وفي مقالة أخرى له بعنوان "الثورات المنجزة وقيادة التغيير"، يحذر الدقي من "بروز بعض الأقليات الفكرية والسياسية والمذهبية والدينية والعرقية ومن اصطلح على تسميتهم بالعلمانيين في المجتمعات العربية، وتقدمهم بمطالب خاصة وتهويل لخطر التجاوز لحقوقهم حتى كادوا أن يصبغوا المشهد كله بهذه الصورة"!
ولعل إخوان مصر كانوا سباقين في العمل من تلقاء أنفسهم بهذا التحذير، فعملوا قبل ثورة الشعب المصري ضدهم على تفصيل دستور لا يعبر عن التعددية في المجتمع، لذلك واجه الشارع لغة وممارسات الإقصاء لدى الإخوان بالثورة ضد مشروعهم الاستبدادي.
وتأكيدا لحلم المتطرفين وسعيهم لأخونة الثورات في مصر وغيرها، يقول الدقي في هذا المقال أيضاً إن "من متطلبات التغيير الثوري أن يتمكن قادته من إعادة تعريف ومن ثم محاولات التطبيق الجادة لنظام الحكم في الإسلام والذي أعيد تعريفه وتقديمه للأمة بناء على الحراك العلمي والسياسي الذي نشط له العرب والمسلمون منذ سقوط آخر خلافة إسلامية.."
والفقرة السابقة واضحة وليست بحاجة للشرح، لأنها تتصل بترويج الإخوان المستمر لهاجس إقامة دولة الخلافة الإخوانية.
أخونة الثورات كشفت للشعوب حقيقة «الجماعة»
من كتابات حسن الدقي وتنظيراته السطحية لما يصفه بزلزال الثورة العربية، قيامه في تاريخ 27 / 4 / 2011 بنشر وثيقة بحثية أطلق عليها عنوان "زلزال الثورة العربية والمشروع الإسلامي"، اندفع فيها متأثراً في ذلك التوقيت بوهم "الجحيم العربي"، ليؤدي فروض الولاء والطاعة لتنظيمه الإقليمي والعالمي اللذين ساعداه على محاولاته الفاشلة في إنشاء جناح عسكري بدولة الإمارات العربية المتحدة، امتداداً لما قام به من قبل في تجنيد بعض المواطنين وإرسالهم سراً لقادة التنظيم الأجنبي الأكبر للدفع بهم إلى أتون الحرب في أفغانستان من قبل، وهي خطوة ظنّ أن فيها تدريباً عملياً يساعده على الاستيلاء على حكم الإمارات كما كان يتوهم مع مخططيه.
ومن أول كلمة في تلك الوثيقة يكشف الدقي أوراقه فيقول:
"إن الحمد لله متمّ النعم ومتوعد الظالمين بالنقم، وناصر المستضعفين من عدم".
تلك كانت ما يعتبرها ضربة البداية في بحثه والتي قام فيها بتقسيم المجتمع إلى فئتين لا ثالث لهما، هما الظالمون والمستضعفون، وهي القسمة ذاتها التي كان زعيم تنظيم القاعدة يعتقد بها وإن كانت بصيغة أعم وأشمل عندما قسم العالم حسب وصفه إلى (فسطاطين)، ولكل من الظالمين والمستضعفين داخل وثيقة الدقي تعريفات وتفسيرات لخّصها في قوله:
"أحمد الله على تيسيره للمستضعفين أن ينطلقوا للتمكين بإذنه، فالفضل والمنة له وحده، لا من إرادة الشعوب ولا من قدرتها، فقد لبثت الشعوب العربية دهوراً وهي ساقطة تحت وهم عنوان سلطان الطغاة وسيطرتهم، فلما أذن الرب وظهر جيل جديد أبى أن يسير على ما سار عليه آباؤه من استكانة وضعف وهذا مصداق لقوله تعالى (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)، فالثورات العربية تمثّل من ناحية التاريخ في أهميتها وإسقاطها نظم التجبّر في العالم العربي، ما مثلته هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من خط فارق في تاريخ أمة الإسلام، وما مثّلته هجرة موسى ومن معه من براثن فرعون ونظامه الطاغوتي."
تقسيم المجتمع
إذاً، المستضعفون في نظر الدقي هم الإخوان المتأسلمين الذين حاول ربطهم بكامل الشعب، وكأنهم الممثلين الشرعيين للشعب، فهو يضع الشعب في خانة، ويضع النظم الحاكمة في خانة أخرى، وهي نظرية بدأها التنظيم الإسلامي قبل وصوله مؤخراً إلى سدة الحكم في بعض الدول العربية، فلما بلغ الكراسي وأصبح هو السلطة الحاكمة، سرعان ما قام بتقسيم المجتمع إلى فئات ثلاث، الفئة الأولى هي الفئة الحاكمة والتي تعني التنظيم، والفئة الثانية هي فئة شعب الله المختار المنتمي والموالي للتنظيم.
والذي يحق له العيش كشعب من الدرجة الأولى، ومرفوعة عنه كل الأقلام وعلى رأسها قلم القانون، وفئة أخيرة هي فئة الشعب غير الموالي، وهي فئة مغضوب عليها ومهدر دمها ويجوز اضطهادها في وظائفها وكل وسائل أكل عيشها، وهي فئة يضايقها التنظيم ويحاربها حتى تهاجر أو تصمت أو تعتنق الإخوانية. هي الفئة التي قال عنها في حديثه إنها ضعيفة لا قدرة لها، وإن الأجيال التي جاءت الآن بعدها .
ويقصد بها منتسبي التنظيم الإخواني المتأسلم، هي من فجّرت الثورات، وقادت العالم العربي الإسلامي إلى فجره الجديد، وقد تجلّى هذا المفهوم في عموم الدول التي حكمها أو تحكم الإخوان في مفصل من مفاصلها، وعلى هذا النهج يكون من ينتمي لفئة شعب الله الإخواني المختار في دولة الإخوان هو من يحظى بمختلف الامتيازات الحياتية والمعيشية وحتى امتيازات الفساد والحق في ارتكابه من أعلى هرم في الدولة.
ويذهب الدقي مذهب التنظيم الإخواني العام في نظرته للثورات العربية، ويمثلها بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسيدنا موسى عليه السلام، وهو خطأ كبير يقع فيه التنظيم ويتعمّد ذر رماده في العقول، فالرسول صلى الله عليه وسلم حينما هاجر من مكة إلى المدينة، كان الكفار يحكمون مكة وليس المسلمين، وسيدنا موسى عليه السلام حينما حارب فرعون، كان فرعون رمزاً للشرك بالله.
ولم يكن ينطق الشهادتين، وينشئ المساجد، وينشر المناهج الدينية في المدارس، فالقصتان اللتان أدمن التنظيم الإخواني توزيعهما على كل موائد الحوار، نزلتا في أمر مسلم ضد كافر، لا مسلم ضد مسلم، وهو ما ينسف كامل الفكرة التي ينطلق منها الإخوان في تعطشهم للسلطة تحت قناع الدين.
يحلمون بالوهم
جاءت بدايات أحداث الربيع أو الجحيم العربي، فجعلت الإخوان المتأسلمين يحلمون بوهم امتداده إلى كافة الأقطار العربية والإسلامية، وتراءت أمام مخيلتهم الجامحة، دولة الخلافة الإخوانية التي لم تتحقق منذ أن أنشأ البنا التنظيم بسبب النظرة القاصرة للواقع، وعدم الإيمان بالشعارات البرّاقة التي حملها التنظيم وخدع بها الكثير من البسطاء، فلما تمكّن من حكم بعض البقاع بانت له حقيقة عجزه.
واتّسم بتسرّعه لتحقيق أهدافه فانكشفت حقيقته، ونشأت فجوة عميقة بينه وبين الشعوب التي واجهها بسياسة الحديد والنار دون أن يتمكن من كسر إرادتها، فظلّ معزولاً كصاحب المرض الشديد العدوى، ومكروهاً من الكل. حاول حسن الدقي في وثيقته البحثية بعنوان "زلزال الثورة العربية والمشروع الإسلامي"، أن يتعجّل الحلم بتباشير بحثه المسرف في التفاؤل، والذي اصطدم فيما بعد بمعرفة الشعوب لحقيقة التنظيم الذي حاول تسويقه وعرض أفكاره الخادعة.
يقول الدقي في بحثه إن الغرض منه هو:
"قراءة أولى لزلزال الثورة العربية، ومحاولة للوقوف بالأخوة المهتمين على زوايا أحدد من خلالها ما أثبتته تلك الزلازل من حقائق وما أسقطته من أوهام، وما يترتب على ذلك من تأثير في الاجتهاد الكلي للأداء الإسلامي خاصة في مجال اختزال واختصار مسيرة المشروع الإسلامي ومن كشف دقيق لبقية المشاريع المتصارعة في ساحة العرب والمسلمين وتأثير ذلك كله على معادلة الاستضعاف والتمكين في أمّة الإسلام وبلاد المسلمين."
حقائق وأوهام
الحقائق والأوهام التي يتحدث عنها الدقي هي الإخوان والأنظمة الحاكمة، لذلك حصر بحثه في قراءة زلزال الثورة العربية، لا الثورات العربية بمجملها، لأن الزلزال الحقيقي الذي فاجأ الثورات العربية هو سرقة الإخوان للسلطة واعتلاؤهم الكراسي على حساب الشعوب، ولأن قراءة الثورات العربية بمجملها تضع التنظيم الإخواني المتأسلم في حرج بالغ.
فالثورات العربية قامت بمفاهيم ومطالب محددة، لكن دخول الإخوان حرف تلك المفاهيم، ورفع سقف المطالب، وأورث الشعوب ما أورثها بعد ذلك من نكبات ونكسات ظلت ولا تزال، علكة تلوكها كل وسائل الإعلام، ولأن قراءة الثورات بمجملها تضطر القارئ الإخواني لذكر الحقائق، التي تثبت أنه ليس المفجر الحقيقي للثورات، بل سارقها، وتضطره لأن يؤرّخ لمناهضيه وأعدائه الذين يعتبرهم كفاراً فجرة، فالمكيال الإسلامي عند الإخوان مرتبط بفكرهم، فإما أن تكون إخوانياً، ما لم سيكون أسلامك ناقصاً.
«الإخوان» واختطاف الثورة في مصر
تحت عنوان "مصر في خارطة المشروع الإسلامي!"، كتب الدقي بتاريخ 10/2/2011م مقالة إنشائية، أغرب ما فيها أنه ينزع عن أحداث التحول في مصر طبيعتها المصرية، ويمنحها صفة أممية، ويتساءل بإلحاح: "ما علاقة ما يجري في مصر بالمسيرة الكلية للمسلمين وبمستقبلهم؟ أو بلغة العصر أين تقع مصر في خارطة المشروع الإسلامي؟ وذلك حتى نحسن توظيف هذا الحراك لصالح المسيرة العامة.."؟
وعن المرحلة الانتقالية ينصح بعدم التعويل على النظام الديمقراطي وبأن: "متطلبات إدراك صفة الرشد ومرحلتها تقتضي العمل على تقديم مبادئها للناس والمجتمعات والتبشير بها كنظام إسلامي سياسي في الحكم وشؤونه... خاصة في ظل التشويش الكبير الذي تعانيه الديمقراطية الغربية وتطبيقاتها" حسب رأيه.
في هذه الجزئية أيضاً يظهر موقف الدقي من الانتخابات صريحاً ومكشوفاً، على عكس الخطاب الإخواني الذي يتمسح بالشرعية والديمقراطية، بينما يرى الدقي "ضرورة البحث عن مساحات واسعة لتحريك الثورة وتوصيلها إلى بر الأمان والتأثير الحقيقي في واقع الأمة، وهذا يقتضي التخفف من انغلاق التجارب خاصة التجربة الديمقراطية في ظل النظام القطري الذي يستمد وجوده من النظام الدولي فيوشك النظام الدولي أن ينقض على إنجازات الثورة المصرية من بوابة الأداء الديمقراطي.."
وبالطبع فإن حرص الدقي وقلقه على الثورة المصرية يتجه نحو مفهومه الإخواني للثورة باعتبارها ملكية خاصة لطائفة الإخوان وحدهم.
ويواصل تنظيره لكيفية اختطاف الثورة في مصر قائلاً:
"إن الثورة المصرية تنتمي إلى الملامح الاستراتيجية والجهادية في هرم ملامح المشروع الإسلامي أي في قمته وتنتمي على وجه الخصوص إلى نظرية التغيير الشاملة والتي تستتبع إدارة استراتيجية وتعبوية تضمن بإذن العزيز الرحيم ضم طاقات الأمة ونسجها في مسيرة تدافعية تؤذن باستشراف مرحلة التمكين".
ومن نصائحه التي لم يكن تنظيم الإخوان في مصر بحاجة إليها، لأن الإخوان لا يؤمنون بالانتماء للأوطان، ورغم ذلك نصحهم الدقي بإخراج الثورة مما وصفه بـ (سجن الوطن)، لأنه "يعتبر سجن القطر والوطن أحد مهددات الثورة المصرية من حيث رغبة البعض واتجاههم بتأسيس الحراك العام للثورة ومتطلباتها على الحدود الجغرافية والتاريخية لمصر وحدها"!
أي أنه يدعو في هذه الحالة إلى إقصاء طموحات الشعب المصري وحاجاته وحقوقه في وطنه، لصالح تصدير الثورة وتحويل مصر إلى إيران جديدة ذات طابع إخواني. ويلمح إلى هذه الجزئية بشكل مباشر في فقرة أخرى بقوله:
"من الفرص التاريخية التي حدثت في الثورة المصرية فرصة الإجهاز والقضاء على معالم المرحلة الجبرية في الحكم والسياسة.... وضرورة العمل على دفع مسار هذا الإجهاز على الجبرية إلى آخر الشوط وتصدير هذه الرؤية لبقية نواحي الأمة العربية والإسلامية.."