Hamzeh
2014-01-04, 02:08 PM
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (188)
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية الاثنين
11/ 11 /2013
</tbody>
الذكرى التاسعة
بقلم: حديث القدس – القدس
المدخل الفعلي لإنهاء المأزق الفلسطيني
بقلم: علي جرادات – القدس
أبا عمار ..الريح التي حركت الجبل
بقلم: النائب الدكتور أحمد الطيبي – القدس
أم شادي الطوس ... استيقظي ،عاد الغائبون من ضوء الأمس!
بقلم: عيسى قراقع – القدس
يوسف الفلسطيني في بئر الأشقاء...
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
جولات كيري المتكررة "نسمع طحناً ولا نرى طحيناً"
بقلم: راسم عبيدات – القدس
فواز طرابلسي : "حرير وحديد" ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
سياسة إسرائيل تقودها إلى الهاوية
بقلم: طلال عوكل – الايام
غول الطائفية يأكلنا جميعاً
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
ياسر عرفات
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
في الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات
بقلم: سميح شبيب – الايام
تغريدة الصباح - طربوش مسيو سولي
بقلم: محمد علي طه – الحياة
شجرة الذاكرة
بقلم: يحيى رباح – الايام
الحكاية التي لا تموت
بقلم: محمود ابو الهيجاء – الايام
الاحتباس الحراري على نار باردة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
التسميم والتأثيم
بقلم: عدلي صادق – الحياة
يوم في ضيافة الزعيم
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
الذكرى التاسعة
بقلم: حديث القدس – القدس
أحيا شعبنا في الوطن والشتات الذكرى التاسعة لاستشهاد رمزه الوطني، قائد ثورته المعاصرة الذي كرس حياته لفلسطين، الشهيد الخالد الرئيس الراحل ياسر عرفات في الوقت الذي اتضحت فيه بعض ملامح جريمة اغتياله بعد صدور التقريرين السويسري والروسي وما أكدته اللجنة الوطنية للتحقيق من العثور على آثار مادة البولونيوم واستشهاد الرئيس عرفات بالسم، وهو ما يضيف بعدا آخر لإحياء الذكرى هذا العام ، ليس فقط من خلال التعهد بالمضي على نفس نهج الرئيس الراحل والتمسك بالثوابت الوطنية والحقوق المشروعة لشعبنا وصولا الى فلسطين الحرة المستقلة، وانما ايضا التعهد بمواصلة التحقيق في ظروف استشهاد الرئيس الراحل وصولا الى كشف الحقيقة كاملة، سواء الجهة التي وقفت وراء الجريمة او الأيادي المنفذة.
وقد وضع الرئيس محمود عباس النقاط على الحروف أمس في خطابه بهذه المناسبة عندما أكد ان القيادة الفلسطينية ماضية على نهج الرئيس الراحل ابو عمار ولن نفرط بذرة تراب واحدة ، وأن كل أشكال الاستيطان باطلة وان القيادة متمسكة بالحقوق الثابتة والمشروعة لشعبنا، وعندما اكد ان لجنة التحقيق الوطنية ستواصل عملها لكشف الحقيقة كاملة وأن هذه اللجنة تحظى بدعم القيادة الفلسطينية.
ومن الواضح ان هذه الذكرى وحدت شعبنا بأسره في الوطن والشتات وكل فصائلة وقواه الوطنية باستثناء اولئك الذين أصروا على منع إحياء هذه الذكرى في غزة متنكرين لرمز شعبنا الوطني ونضاله ودوره في كل ما حققه شعبنا من إنجازات بما في ذلك قيام سلطته الوطنية ومشاركتهم أنفسهم في الانتخابات السابقة في إطار الكيان السياسي الذي أنجزه الرئيس الراحل. وهنا يثار التساؤل كيف لهؤلاء ان يدعوا أنهم يحرصون على تحقيق المصالحة في الوقت الذي يتخذون فيه مثل هذه المواقف ، خاصة وان الشهيد الراحل ياسر عرفات لم يكن قائدا فقط لفتح وإنما للشعب الفلسطيني بأسره.
واليوم وسط هذه الذكرى من الواضح ان تحديات جساما ما زالت ماثلة أمام شعبنا ونضاله العادل في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل تكريس احتلالها وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وحصار قطاع غزة ونسف أسس ومبادىء عملية السلام والتنكر للاتفاقيات الموقعة ومحاولة حرف الأنظار عما تمارسه من أفعال باطلة.
ولهذا نقول ان الوفاء للشهيد الراحل الرمز ياسر عرفات يكمن في تعزيز وحدتنا الوطنية ومواصلة المسيرة الشاقة والطويلة لإنهاء الاحتلال غير المشروع وانتزاع حقوق شعبنا في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف وحل قضية اللاجئين وفقا للقرار الدولي ١٩٤ القاضي بعودة وتعويض اللاجئين.
وإن ما نشهده اليوم من تمسك القيادة الفلسطينية بهذه الثوابت والمقاومة الشعبية المشروعة لجدار الفصل العنصري وللاستيطان والدفاع عن الأقصى في مواجهة انتهاكات اسرائيل ومتطرفيها ، إنما يؤكد على ان شعبنا ما زال نابضا بالحياة مؤمنا بالحرية ووفيا لقوافل شهدائه وعلى رأسهم الشهيد الرمز ياسر عرفات ولقوافل جرحاه وأسراه.
وتخطىء اسرائيل خطأ جسيما اذا ما اعتقدت أو راهنت بأن شعبنا يمكن أن يستسلم أو يتنازل عن حقوقه الوطنية الثابتة والمشروعة.
المدخل الفعلي لإنهاء المأزق الفلسطيني
بقلم: علي جرادات – القدس
«الاستيطان جوهر الصهيونية» . هكذا بوضوح لا لبس فيه أكد، ككل القادة الاسرائيليين، اسحق شامير أحد ملهمي نتنياهو الذي يترأس اليوم حكومة مستوطنين حتى باعتراف جهات سياسية إسرائيلية .
لذلك فإنه كما حال عشرين عاماً من التفاوض كان من الطبيعي ألا يفضي استئناف التفاوض-بضغط أمريكي- “دون شروط مسبقة”، أي التفاوض لأجل التفاوض، إلا إلى تمادي حكومة نتنياهو في تنفيذ مخططها الاستيطاني التهويدي، من جهة، وإلى تعميق مأزق قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، من جهة ثانية . فستار السرية المفروض بطلب أمريكي على مجريات التفاوض لم يستطع إخفاء أن ثلاثة أشهر من التفاوض لم تنجح في زحزحة حكومة نتنياهو قيد أنملة عن ثوابت الرؤية الاسرائيلية، بل وشجعتها على المزيد من التطرف السياسي والتشدد الأيديولوجي والتمادي الأمني والعسكري بهدف تمرير الاعتراف بكيانها غير محدد الحدود “دولة لليهود” وترسيم السيطرة على منطقة الأغوار ومعابر الحدود مع الأردن، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى، ناهيك عن محاولة تمرير اعتماد جدار الفصل، بما التهم من أراضي الضفة الغربية، أساساً سياسياً للحدود، وصولاً إلى إخراج جوهر القضية الفلسطينية، حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، من دائرة البحث .
وكذا قضية القدس التي يجري تهويدها على قدم وساق وبصورة غير مسبوقة إلى درجة أن يصبح تشريع التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى وباحاته بنداً على جدول أعمال لجنة الداخلية في “الكنيست” .
كل هذا بينما تستهلك أطراف قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها في أزمة انقسامها الداخلي الذي عوض أن يسارع طرفاه إلى إنهائه نجدهما يعمقانه ويحولانه، بلا لبس، إلى صراع على التمثيل السياسي، الأمر الذي يحول دون إطلاق خطة سياسية فلسطينية موحدة تؤدي إلى توفير ركيزة تنظيمية وطنية لتطوير الهبات الجماهيرية المتلاحقة إلى انتفاضة شعبية متصلة ومتصاعدة تستطيع، فيما تستطيع، تفعيل العامل القومي الذي بغير استنهاضه، بالمعنيين الرسمي والشعبي، لا مجال لردع حكومة المستوطنين التي تدعمها، بل ترعاها بلا حدود، سياسة امريكية منحازة لاسرائيل.
هذا علماً بأن استمرار الانقسام والمفاوضات لن يثمرا إلا استمرار دوران الموقف الفلسطيني في هامش ما تخطط له الإدارة الأمريكية وحكومة المستوطنين أي تعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة الواسعة والتحولات الكبيرة الجارية في المنطقة والعالم . فحكومة نتنياهو، ككل حكومات إسرائيل منذ “مؤتمر مدريد للسلام” في العام 1991 لديها تصورات مسبقة للتعامل مع الصراع على المستويين الفلسطيني والعربي، ما يعني أنها تدير عملية التفاوض بعقلية تاجر الجملة الذي لا يتعامل مع القضايا بالمفرق . أما إدارة أوباما فتفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته وتثبيته لتفادي أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل تغيرات موازين القوى في السياسة الدولية ونظامها ومؤسساتها .
هنا يتبدى أن قيادتي منظمة التحرير و”حماس” صارتا أمام حقيقة مرة، جوهرها، أنهما تسيران، وكل منهما على طريقته، على سكة قطار قديم وتغفلان أن السكة تغيرت وأن استمرار سيرهما متعاكسين فيها يعرضهما ومعهما القضية الوطنية للمهالك، ويضعهما سوياً خارج لعبة التحولات العاصفة، إقليمياً ودولياً، بينما تعمل حكومة نتنياهو في السر والعلن، وبالتنسيق الكامل مع الإدارة الأمريكية، على توظيف هذه التحولات لمصلحة أمنها وتوسعها . تشير إلى ذلك بجلاء التسريبات حول نية إدارة أوباما تقديم “مبادرة تقريب” أو “حل وسط” لضمان تعطيل إمكانية الانفجار الشعبي، بل ولضمان تعطيل استخدام الفلسطينيين لحقهم في الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة والانضمام لعضوية وكالاتها التخصصية .
وبالمحصلة ضمان بقاء انقسامهم الداخلي واستمرارهم في المفاوضات بعد انقضاء فترة التسعة أشهر المحددة لها . هذا ما يشي به أن جوهر “المبادرة”- حسب التسريبات الإعلامية الإسرائيلية التي “لا تنطق عن الهوى”- يقوم على إعادة تركيز المفاوضات على التوصل إلى حل مؤقت، المرادف ل”الدولة ذات الحدود المؤقتة”، وعلى إرجاء قضايا “الحل النهائي”، أي جوهر الصراع، والاكتفاء بتوقيع إعلان مبادئ عام حولها، ما يشي بأننا أمام محاولة لفرض اتفاق بمضمون اتفاق “أوسلو”، إنما بمسمى جديد يلبي مطلب حكومة نتنياهو التي تريد استمرار المفاوضات إنما خارج مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة بجوهر الصراع، وبما يكفل لها إدارتها وتوجيهها وفقاً لخطة مسبقة تحكمها ثوابت اسرائيلية راسخة، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف آخر له حقوق وطنية وتاريخية تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية .
بلا ريب تدرك إدارة أوباما أن هذه “المبادرة” غير مقبولة على قيادة منظمة التحرير التي تتأهب، كما يشير العارفون ببواطن ما يدور في اجتماعاتها، لخيار الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة، لكن الإدارة الأمريكية العارفة بمفاعيل الانقسام الفلسطيني الداخلي وانشغال مراكز القوة العربية بهمومها الداخلية، ستضغط بما تملك من قوة ونفوذ سياسي محلي وإقليمي ودولي على قيادة منظمة التحرير، وستعمل على إقناعها بأن القبول ب”المبادرة” الأمريكية المفترضة هو أفضل الخيارات لها، خاصة وأن ثمة جهات داخلها تقبله من أجل الحفاظ على “حصتها” من “السلطة” مع استمرار التلويح بخيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، وأن قيادة “حماس” ستجد في ذلك فرصة للحفاظ على “حصتها” من “السلطة” مع مواصلة الهجوم على استمرار قيادة المنظمة في المفاوضات .
ما يعني أننا أمام لوحة فلسطينية معقدة لا يقوى على معالجتها سوى عقل وطني شمولي يستوعب عناصرها المركبة، تحفزه إرادة سياسية وطنية جادة للخروج من مأزق متعدد الأوجه مدخل الخلاص منه إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها، وأولاها منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب إن أمكن، وبالتوافق إن تعذر .
أما دون ذلك فلن يفضي إلا إلى استمرار تحرك العامل الوطني الفلسطيني كمتغير خارجي وليس في صلب خطة الولايات المتحدة للمنطقة ارتباطاً بمصالحها ومصالح إسرائيل .
أبا عمار ..الريح التي حركت الجبل
بقلم: النائب الدكتور أحمد الطيبي – القدس
سنوات تسع أزاحك فيها الموت ولم يغيبك.. ويُفتح جرحنا النازف في قلوبنا في ذكرى رحيلك من جديد .. رحيل وعدتنا أن يكون استشهاداً في سبيل فلسطين، يا سيد فلسطين، وهكذا كان .. ورغم مضي كل هذه الأعوام ما زال استشهادك يحير العالم والعلماء ولجنة تحقيق عازمة على إثبات أن يداً غادرة آثمة مجرمة هي التي قتلتك.. ومتهمون يحاولون التنصّل من المسئولية عن جريمة قتلك وقتل شعب وحلم ووطن .. ولكن لا تأسفن على غدر الزمان لطالما...رقصت على جثث الأسود كلاب.
اذكر ذلك اللقاء الأول في تونس حين مددت يدك لتتناول رغيفا من تحت كنبتك البالية لتقتسمه معي.. هكذا أنت عظيما وبسيطا, رمزا وابا, زعيما ومقاتلا, لينا وصلبا, غاضبا ومعانقا, قائدا ومرافقا وكنت سيدا وخادما.. كنت كل ذلك وكنت قبل كل ذلك 'السيد فلسطين'.
لا أستطيع أن أملأ ثقوب الذاكرة بالكلمات.. ولا أتجاوز الجراح .. لم تبكك عيوننا بل قلوبنا.. كان يوم رحيلك يوم أبكيت فيه السماء قبل الأرض.. وأبكيت الرجال قبل النساء والأطفال.. ودّعك الشجر والحجر.. كنت غضباً .. مسيرة وحلماً.
أشعلت بشعبك ناراً مؤجّجة تاريخاً ونضالاً.. بنيت فيه حلماً.. تحرسه الأمهات حارسات حلمك المقدس.. كسرت القيد وبددت الظلام ولعنت القهر وثرت على الظلم وتحديت الخوف..إنك عاصفة.. واشتقت منك العاصفة. كوفيتك وسام للثوار.. شعار لكل الأحرار..يا ختيار الثوار !
كم انحنى الموت أمامك.. والقذائف تنهمر بين ذراعيك وبين إصبعيك اللتين تشيران إلى النصر. ولا تنفجر حياءً من قوة أحلامك.. وها هما هاتان الاصبعان تخرجان من تحت التراب في إشارة نصر بوجه الظالمين لانبثاق الحقيقة التي أبت أن تبقى مدفونة ، وصرخت صرخة مدوية بأنك لا تُقهر حتى وأنت شهيد .. وستخرج الحقيقة الى النور لا محالة وسيدفع الطاغية الذي قتلك الثمن .. عندئذ ستثبت مجدداً أنه يموت الطاغية وينتهي حكمه ويموت الشهيد ويبدأ حكمه .. وفي حين تبكي شعوب لكي تتخلص من حكامها .. تبكي فلسطين دما لغياب زعيمها.
أبا عمار: في الضفة المحتلة يتنامى نظام الابارتهايد ويتكرس، وعندنا في الداخل تنمو العنصرية وترفع الفاشية رأسها. في كل اسبوع قانون اسود او اكثر. يضيقون علينا سياقات الحياة في الارض والمسكن في الرواية والهوية..
أبا عمار ما أحوجنا إليك في ظل الانقسام والتشرذم واليأس والاقتتال. طال ارتفاع الجدار وتوحشت حواجزهم بل زادت فاشيتهم.
قضية شعبنا تمر في اسوأ حالاتها، بل ان فكرة الدولتين تترنح انها آيلة للسقوط.
وما زال شجر الزيتون عدوا لهم ليقتلعوه.
أبا عمار يا زيتوننا وزيزفوننا.. من دون فلسطين لن نصل إليك ولن نفهم عليك، تلك لغتك التي أتقنتها بألف لهجة ولهجة ولكنها كانت لغة واحدة، تبدأ البسملة فيها بالأقصى المبارك وينتهي الحمد لله فيها بالفدائي الأول عيسى المسيح ومعنى القيامة 'انا فتحنا لك فتحاً مبينا'.
لن ندع الذين راهنوا على تفرق ريح هذا الشعب بغيابك يفرحون ويجعلون علامة الغياب عرساً لهم يرقصون على قبورنا، ولن نقبل بتحطيم البيت من داخله، بل ستبقى وصيتك وكوفيتك التي شرفتني بمداعبتها رمزاً لكرامة هذه الأمة وشرف هذا الشعب المتعطش للوحدة الوطنية والحرية. وكما قلت لك آنذاك " إن سقطت هذه الكوفية سقطت كرامة العرب "..أنت يا سيد الكرامة !
ابا عمار..
ناديتك.. قم يا ياسر.. قم من نومك المؤقت.. قم معي يا طائر الفينيق... وأقولها لك للمرة التاسعة ألا تسمعني.. أم أنك غاضب منا..
اتأذن لي ثانية أن أطلب بأن أحملك بين يدي وأعتذر لروحي لأنها أيقظتك من زمنك الأبيض.. تأتي معي إلى الحلم ترى شوارعاً تعرفك، حارات وأطفالاً وخطوات وأشجاراً وأصدقاء وناسا.. ومخيماً ومعتقلات. فبأي نبض أزرع الوردة في مقامك الأسمى.. كل ما في المدينة من حزن ومن فوضى ومن موت واحتراب.. قم لنطرد الجراد عن المكان.. هنا وهناك.. اخرج معي إلى هذا الليل الطويل.. فالموت لا يدفن الحقوق وإن السلام غناء. ولن تسقط راية الفارس التي حملتها..
ما زلت أحبك رغماً عن غيابك .. .. أو قل أكثر بعد غيابك .. ما زلت اليوم حلماً.. وما زلت الحاضر غداً .. يا سيد الرجال . يا سيد الوفاء. أيها الفارس الذي ترجل يا أيها الريح التي حركت الجبل..
أم شادي الطوس ... استيقظي ،عاد الغائبون من ضوء الأمس!
بقلم: عيسى قراقع – القدس
*قبل الإفراج عن أسرى الدفعة الثانية بعدة أيام، سقطت أم شادي زوجة الاسير محمد الطوس المحكوم بالمؤبد منذ عام 1985 مغشيا عليها بعد أن أصيبت بجلطة دماغية حادة، ولازالت في غيبوبتها تنتظر من يوقظها على وقع فرس عائدة.
جاءتها الأخبار المتناثرة أن زوجها قد يفرج عنه مع سائر قدامى الأسرى بعد قضاء 29 عاما في سجون الاحتلال، لم تحتمل أم شادي الفرحة القادمة مثلما لم تحتمل ألم الفراق السابق، سافرت بعيدا صامتة، تناقش روحها عن شكل الوقت عندما يدق على باب الدار.
لازالت أم شادي ترقد في المستشفى الأهلي في الخليل نتيجة تعرضها لنزيف حاد في الدماغ وفي وضع صحي صعب للغاية، لم تشارك في استقبال زملاء زوجها وأبناء مجموعته الذين حرروا: زياد ومصطفى غنيمات، ربما خشية من عبء ذاكرتها الثقيلة أو عدم قدرتها على رفع بهجتها إلى قمة الغيم.
كانت الأم والأب معا طيلة غياب زوجها، حضنت الأولاد ورممت الغياب الموجع وقررت أن تتشبث بالأمل وتسابق الزمن وهي ترنو إلى أولادها وقد كبروا مزدهرين قادرين على إسقاط العدم، وكسر خيبة السجان العاجز عن منع وردة أن تنمو في شقوق جدار.
حاول الأطباء إيقاظها من غيبوبتها العميقة، وحاول الحلم أن يشرح لها انه أصبح واقعيا، وان فزع المؤبد والسجن قد تلاشى الآن، ولتسمع صوت الناس وضجيج الحرية يملآن كل مكان، لكن أم شادي ظلت نائمة ، أتعبها الانتظار تاركة لحواسها الخمس أن تطمئن أكثر على الرابط في العلاقة بين الأمس والغد.
في آخر الليل ، وفي أول المطر ، وعند لمعان الزيت، طل الأسرى علينا واحدا واحدا ، ولم يكن محمد الطوس بينهم، انكسر التوقع وانكسرت زوجته معا، فاض فينا الحب والحسرة، وهرع الفرح إلينا مصحوبا بالخوف والقلق ، دبت الحياة وغابت الحياة، كأن الأسطورة تلازمنا وتلح علينا أن نبقى واقفين متأهبين بين الموت والحياة.
الاسير محمد الطوس أطلق عليه الأسرى الفلسطينيون لقب «الشهيد الحيّ»، حيث ترتقي حكايته الى الأسطورة عندما خرج من تلك المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال عام 1985 حيا بعد أن اعتقدت حكومة اسرائيل أنها قضت على كافة ابناء مجموعته الفدائية التي نصبت لها كمينا عسكريا محكما في منطقة جبل الخليل.
أسطورة الطوس البطولية لم يصدقها أحد حتى فرقة الموت التي صبت كل رصاصها وقنابلها على السيارة التي كان يستقلها مع أفراد مجموعته والذين جميعهم سقطوا شهداء وهم محمد حسن سعيد ومحمود عدوان ومحمود النجار وعلي خلايلة.
وكانت مذبحة بدم بارد لمجموعة فدائية طوردت سنوات طويلة، وكبدت الاحتلال خسائر كبيرة، لم ينج منها سوى محمد الطوس ( أبو شادي) ، الذي قيدوه مصابا وجريحا ، ينزف الدماء من كل أنحاء جسمه، نزيفا على نزيف، وانهالوا عليه ضربا موحشا، فهم لا يريدونه حيا بل قتيلا مثل كافة زملائه وكان هذا هو هدفهم وقرارهم.
الأخبار التي شاعت وهزت المنطقة في تلك الفترة انتشرت بسرعة بان مجموعة جبل الخليل قد استشهدت، وتلقت زوجته أم شادي وابنه الطفل شادي الخبر بصدمة وذهول، وبدأوا يطالبون كافة الجهات الدولية والإنسانية من اجل استلام جثمان محمد الطوس، ومعرفة مصيره ومصير أبناء مجموعته.
حكومة اسرائيل وجهازها الأمني افتخروا بهذا الانجاز الكبير، وخرجت وسائل الإعلام الاسرائيلية بالأنباء عن القضاء على أخطر مجموعة فدائية في منطقة جبل الخليل، كانت تعمل بأوامر و تعليمات من الشهيد خليل الوزير أبو جهاد، ولم يدرك العالم أن حكومة اسرائيل تتستر على جريمة وعملية إعدام بدم بارد بحق مناضلين قامت بتصفيتهم بطريقة بشعة وخارج نطاق القضاء.
نظرت إلى أم شادي وتمنيت أن تفتح عينيها قليلا لترانا، أن تنزع الأسلاك الطبية وتجلس، وترى قدرة الروح الإبداعية للفلسطينيين على الاختراق، أن تقف وتصافح العائدين من ضوء الأمس ، وتعلن شفاء ذاكرتها من القيد والنسيان.\
أم شادي بكل ما فيها من وجع وقوة، المنكبة منذ زمن طويل على ترتيب مواعيدها القاسية مع أمنياتها القادمات، المشبعة باليقين بان الذي يجلس خلف شبك الزيارة سيعود قريبا، وان كل شيء على ما هو عليه في المكان، الشجر ورائحة النعنع وخطى الأولاد وضحكات البنات.
أم شادي وبمساعدة المؤسسات المجتمعية والقوى الوطنية استطاعت أن تتحدى المحتلين وتبني المنزل على أنقاض الدمار، ليسارع جيش الاحتلال بإعادة هدمه مرة أخرى، كأنه لا يريد أن يصدق أن لأبي شادي أثرا، ولا يريد أن يصدق أن هذا الرجل لا زال ينتظر العودة الى البيت والعائلة.
التحدي للموت والسجن لا زال يتحرك في قلب أم شادي وابنها ، وقد توقعت أن يعود الى منزله الذي أصرت أن تبنيه رغم كل بطش المحتلين، وليعود زوجها حتى يضع إكليلا من الورد على قبور زملائه الشهداء ويتنفس عميقا وطويلا من هواء قريته الجميلة التي تنتظره على أحر من الجمر، ينتظره ابنه شادي الذي كبر وتخرج من الجامعة وحفظ درس الحياة.
مسيرة شعب في امرأة فلسطينية تتحدى مهندسي الظلام، تمشي في الجبل والسهل وتتفقد أعضاء الأرض وسلامة القلب، تلملم الحجارة وتبني البيت الذي نسفوه، تسقي الدوالي ولا تنام.
أم شادي: استيقظي، عاد الغائبون من ضوء الأمس، تحركي، البعيد هو هذا القريب، وليس للأرض سوى أم واحدة هو أنت، وليس لمحمد الطوس سوى صوت واحد هو صوتك، أعطيته عمرك كي يمتلئ بك عند اللقاء.
استيقظي: لا زالت الأرض تتسع لأحلامك، اخرجي من الصدى وانظري كيف تفتح أبواب الحديد، ويعود أولادك من الجامعات كما يعود الشجر من السحاب، ذاكرتك صاحية، ولكن نومك عميق.
يوسف الفلسطيني في بئر الأشقاء...
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
عندما هاجت مشاعره واشتعل غضبه، لم يكن لدى الشعب الفلسطيني من الوسائل ما يمكنه من التصدي للقوى اليهودية العسكرية المدربة والمجهزة. فتوالت الانهيارات على الجبهة الفلسطينية في شهر نيسان ١٩٤٨، في مشاهد فظيعة من القتل والتشريد، حركت عواطف الشعوب العربية التي اخذت تضغط على الحكومات العربية، مطالبة اياها بالتدخل العسكري. فانتقلت الحركة العشوائية من الجماهير الى الجيوش العربية، التي هرولت الى فلسطين دون ان تتفق على هدف محدد. فدخلت فرادى، وهزمت فرادى، وتشتت فرادى.
اذن لم يكن لدى الفلسطينيين من مصدر للدعم سوى غضب الشعوب العربية، وبدا وكأن الحكومات العربية مكلفة بتحقيق هدف مريب. فقد منعت السلاح عن الفلسطينيين، ومنعتهم من تشكيل حكومة وطنية. ولكن الذي لم تستطع الحكومات العربية منه هو غضب الشعوب. وبدأت الجيوش تعوض عن فشلها في الحرب بالانقضاض على السلطة القائمة.
وتنبهت انظمة الحكم، القديمة منها والجديدة، الى مخاطر التحالف التلقائي بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية، فأخذت تحارب على هذه الجبهة بعد ان توقفت الحرب بينها وبين اسرائيل. فالى اي مدى وصلت هذه الحرب، وما الذي حققته؟.
تداخلت عوامل كثيرة في شق العلاقة بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية، ولكن تبقى اسرائيل هي المستفيد الاول والاخير على الصعيد الاستراتيجي، من فك هذه العلاقة. ولكن اسرع هذه العوامل كان تحويل الغضب الشعبي عن محاسبة الحكام وقادة الجيوش على تقصيرهم، الى حملة من الحرب النفسية ذات الحدين على الشعوب العربية وعلى الشعب الفلسطيني.
على الشعوب العربية بتضليلها، وعلى الشعب الفلسطيني بإذلاله بتهمتي بيع الارض لليهود، والتجسس لحسابهم.
رغم الغضب الذي تثيره هذه التهم التي استقرت كحقائق في اذهان عامة الناس من العرب، فإننا سوف نعرض الحقائق بهدوء ورويّة. ففي العام ١٩٤٧، كان ما في حوزة اليهود من ارض فلسطين هو ٦٪ فقط. وسوف نفترض ان الفلسطينيين على مدى الفي عام باعوا هذه الارض وقبضوا ثمنها، فإن الجيوش العربية في الفترة من ١٩٤٨/٥/١٥ وحتى ١٩٤٩/١/٧، تنازلت عن ٧٢٪ من ارض فلسطين لليهود بالمجان. وفي اعقاب هزيمة ١٩٦٧ اصبحت كل فلسطين في حوزة اليهود، وبالمجان ايضا.
اما الجاسوسية، فلها حكاياتها المصرية والشامية. ففي صيف ١٩٥٤ اطلق الكولونيل بنيامين جبلي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي "امان" عملية "سوزانا" للقيام بتفجيرات وعمليات تخريب لمنع تنفيذ قرار الانسحاب البريطاني من مصر، ففي ١٩٥٤/٧/٢ تم تفجير مكتب بريد في الاسكندرية. وفي ١٩٥٤/٧/١٤، تم تفجير مكتبات وكالة الاستعلامات الامريكية في كل من القاهرة والاسكندرية. وقد تتبعت المخابرات المصرية احد اليهود المشبوهين الى الهدف الذي يريد تفجيره، وكان دار سينما "ريو"، وقد اعتقلته قبل ان يحقق هدفه. وعند تفتيش شقته، عثر على ادلة ذات علاقة بعمليات التفجير، وعلى اسماء وجنسيات مزيفة، وعملية "سوزانا" هي التي اشتهرت تحت اسم «فضيحة لافون»، وزير الدفاع الاسرائيلي الضعيف الذي تمت العملية من وراء ظهره، وبالتأكيد لم يكن لأي فلسطيني علاقة بها.
اما الحكاية السورية، فإن بطلها كامل امين ثابت «ايلي كوهين»، وهو يهودي من مواليد الاسكندرية «26/ 12/ 1924» ويعود في اصوله الى مدينة دير الزور السورية، وقد جندته المخابرات العسكرية الاسرائيلية عام 1960، وبعثت به الى الارجنتين حيث قضى عاماً هناك انتحل خلاله شخصية مغترب سوري. وعاد الى سوريا حيث تغلغل في القيادة السورية، واستطاع ان يطلع على التحصينات السورية في الجولان. ومن ابرز انجازاته في الجاسوسية إقناع القيادة السورية بغرس أشجار من نوع معين لاخفاء «مواقع التحصينات ووقاية الجنود من «ضربة الشمس»، وقد ساعدت هذه الاشجار على تحديد الاهداف للطيران الاسرائيلي.
وكان الخبراء السوڤييت هم من استطاع اكتشاف كوهين وتحديد مكانه. وقد حوكم، ثم أعدم في ساحة المرجة بدمشق في 18/ 5/ 1965 ويكرر الاسرائيليون المطالبة برفاته. وهناك معلومات غير مؤكدة بأن السوريين غيروا مكان قبره ثلاث مرات، وان شوارع قد رصفت وعمارات قد اقيمت فوق قبره. ولم يرد ذكر جواسيس فلسطينيين في هذه القضية.
فمن هو الجاسوس الفلسطيني الذي استطاع ان ينقل الحوار الذي دار بين رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي باشا وبين اللواء احمد علي المواوي قائد القوات المصرية في فلسطين الى اسرائيل؟ ومن هو الجاسوس الفلسطيني الذي رتب العلاقة بين حسني الزعيم حاكم سوريا، ورائد الانقلابات العسكرية العربية، وبين اسرائيل؟ وعلى كل لقد اغتال المصريون النقراشي باشا في 28/ 12/ 1948، واغتال السوريون حسني الزعيم في 14/ 8/ 1949، اما يوسف الفلسطيني فما زال قابعاً في بئر الاشقاء في انتظار من ينتشله.
جولات كيري المتكررة "نسمع طحناً ولا نرى طحيناً"
بقلم: راسم عبيدات – القدس
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يواصل جولاته المكوكية المتكررة بين السلطة الفلسطينية ودولة الإحتلال الإسرائيلي، يبحث عن تسجيل إنجاز للسياسة الأميركية في المنطقة، بعد ان منيت بفشل ذريع في اكثر من منطقة وساحة سوريا ومصر بشكل خاص، وهو يريد كذلك ان يبني له مجداً شخصياً،على أساس انه حقق نجاحاً غير مسبوق في إطار "حلحلة" وفكفكة حلقات الصراع العربي- الاسرائيلي وفي القلب منه القضية الفلسطينية.
كيري نجح في إعادة السلطة الفلسطينية الى العملية التفاوضية، رغم الكثير من التحفظات الرسمية والشعبية على تلك العودة استناداً الى ان تلك المفاوضات المتواصلة منذ عشرين عاماً، تدور في حلقة مفرغة،ولم تحقق أية إنجازات جدية لصالح الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل كانت تلك المفاوضات تستغل من قبل الجانب الإسرائيلي من اجل فرض وقائع وحقائق جديدة على الأرض،وبما يحدث تآكلاً في هيبة وسمعة ومصداقية القيادة الفلسطينية، وإظهارها بمظهر الموافق على ما تقوم به اسرائيل من إجراءات وممارسات قمعية وإحتلالية بحق شعبنا الفلسطيني، ولكن رغم ذلك عادت السلطة الفلسطينية للعملية التفاوضية، نتيجة ضغوط امريكية وعربية خليجية كبيرة مورست عليها، وتهديدات بقطع المساعدات المالية عنها وبما يهدد دورها وبقاءها.
المهم ان السلطة الفلسطينية عادت الى تلك المفاوضات المسقوفة زمنياً بتسعة شهور،على ان يجري خلالها تحقيق اتفاق يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967،وخلال تلك الفترة من المفاوضات تمتنع اسرائيل عن القيام بأية خطوات آحادية الجانب، وبالذات مواصلة الإستيطان من شأنها ان تقوض تلك المفاوضات او تفرغها من مضمونها، ولكن حكومة الإحتلال الحالية القائمة والقادمة على برنامج جوهرة ومرتكزة الإستيطان، تدرك جيداً بأن التزامها بمثل هذا الشرط يعني انها ستنتحر سياسياً، فالمجتمع الإسرائيلي يتجه نحو اليمينية والتطرف والمستوى السياسي غير ناضج لحل او مفاوضات توقف الإستيطان.
ولذلك وجدنا ان تلك الحكومة اليمينية لكي تضمن استمرار إئتلافها الحكومي ومواصلة المفاوضات، لجأت الى خلق معادلة جديدة، هي أسرى مقابل الإستيطان، حيث قسمت أسرى ما قبل اوسلو ال(104 ) والذين كان يفترض اطلاق سراحهم قبل عشرين عاماً الى اربع دفعات، كل دفعة يفرج عنها، يعلن عن طرح مناقصات ومشاريع لإقامة وبناء مئات الوحدات الإستيطانية في القدس، وهذه المعادلة وهذه الطريقة، وما سربته وسائل الإعلام العبرية، من ان الطرف الفلسطيني عندما عاد الى المفاوضات،كان على علم بأن عدم وقف الإستيطان، ليس شرطاً لمواصلة المفاوضات، هذه الأخبار والتسريبات وضعت السلطة الفلسطينية في موقف محرج امام الشعب الفلسطيني، وزادت النقمة والسخط، ولذلك كادت الجولة التفاوضية التي عقدت في القدس المحتلة يوم الثلاثاء الماضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ،ان تنفجر حيث نفى الطرف الفلسطيني موافقته على ان يستمر الإستيطان مقابل إطلاق سراح اسرى ما قبل اوسلو،وهذا دفع بكيري الى التدخل من اجل ان لا تنفجر المفاوضات وينسحب الطرف الفلسطيني منها،ولذلك لجأ لكي يطمئن الطرف الفلسطيني ويبدد مخاوفه الى ترديد الأسطوانة الأمريكية المشروخة بأن الإستيطان غير شرعي، وبأن إطلاق سراح الأسرى غير مرتبط بمواصلة الإستيطان، وإن كان في باريس خلال لقاءه في اواخر الشهر الماضي مع وزراء الخارجية العرب، قد قال بأن الطرف الفلسطيني يتفهم عدم قدرة نتنياهو على وقف الإتسيطان، حتى لا تسقط حكومته.
كيري يدرك جيداً بأن مساعيه وجهوده وجولاته المكوكية محكوم عليها بالفشل، وأقصى ما يمكن ان ينتزعه من الإسرائيليين، هو اتفاق مرحلي طويل الأمد، يضعنا نحن الفلسطينيين امام اوسلو (2) على نحو اسوأ من اوسلو (1)، فلا اسرائيل حكومة وشعباً قانعة او راغبة او مقتنعة بتقديم تنازلات جدية تلامس الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،دولة فلسطينية على 22 % من مساحة فلسطين التاريخية، ولا الإدارة الأمريكية قادرة على او مستعدة لممارسة ضغوط جدية على اسرائيل من اجل الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، وذلك نجد بان كيري في جولاته المكوكية، وبعد شعوره المتزايد بالفشل، بدأ بالهروب الى الأمام، وبما يبقى تلك المفاوضات مستمرة،من خلال التركيز على الخيار والجانب الاقتصادي، كخيار من شأنه المساهمة في خلق حالة من الثقة بين الطرفين على حد زعمه، خيار ومشروع طرحه نتنياهو، تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين الاقتصادية من خلال صندوق دولي تحت الاحتلال، مع شرعنة وتأبيد لهذا الإحتلال.
لذلك يعتمد كيري في "وساطته" دبلوماسية كما يقول الزميل عريب الرنتاوي تعتمد على شراء الوقت وإطلاق الوعود التي لا يضمن إنفاذها ... يخاطب كل فريق بما يتصدر قائمة أولوياته ومخاوفه ... يغدق على الإسرائيليين وعود حفظ الأمن والتفوق ... ويداعب الفلسطينيين القلقين على ما تبقى لهم من قدسهم وضفتهم بأحاديث مقتضبة عن "الاستيطان غير الشرعي" وعرض "حفنة من الدولارات" ... يعطي كل فريق ما "يطرب" له من تعهدات، حتى وان تعارض أحدها مع الاخر، فالمهم ان تبقى "العملية"، يستمر الفلسطينيون حول مائدة المفاوضات حتى الربيع القادم. لكي تستطيع الإدارة الأمريكية التفرغ للملفات الهامة الأخرى في المنطقة،فهي قلقة على مصالحها في مصر، وخصوصاً ان القيادة المصرية الجديدة تتجه الى بناء تحالفات وعلاقات استراتيجية مع روسيا،تنوع مصادر تسليح الجيش المصري، ومنح الروس قاعدة بحرية في السويس، وأيضاً المحادثات المتواصلة مع ايران، بعد التقارب مع القيادة الايرانية الجديدة حول ملفها النووي، وما تطلبه طهران من مصالح وامتيازات نفوذ إقليمي وعربي مقابل ذلك، وكذلك الأزمة السورية، وفشل امريكا في اقناع من يدور في فلكها من قوى المعارضة بحضور جنيف (2) في ظل رفض سعودي لذلك، وتوتر في العلاقة معها على خلفية ذلك.
كيري وجولاته المكوكية ستبقى قائمة ومستمرة، وسيعتمد فيها على شراء الوقت والمزيد من الرشاوي الاقتصادية، في محاولة لجعل الطرف الفلسطيني يواصل السير فيها حتى الربيع القادم.
فواز طرابلسي : "حرير وحديد" ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
فاجأني (أو لم يفاجئني؟) اللبناني فواز طرابلسي ـ أعرف أنه عضو م/س "منظمة العمل الشيوعي" في قيادة حليف الفلسطينيين محسن ابراهيم.
المفاجأة في تأليفه كتابه "حرير وحديد ـ من جبل لبنان إلى قناة السويس" حيث كان لبنان عقدة "المسألة الشرقية"، أو صراع الامبراطوريات على امبراطورية "الرجل المريض" العثماني.
هذا "السياسي" الشيوعي المحلي كشف عن موهبة المؤرخ ـ الروائي ..
كلا، لم يفاجئني أن يدخل غمار التأليف والتوثيق في سباق جمع تفاصيل واقعية يهملها، عادة، المؤرخ العام لسياسات الدول؛ ولا يهملها السياسي ـ الأديب في سيرورة مصير أشخاص مجهولين أو قادة وملوك.
بأسلوب قصصي واقعي مشوّق وطلي يضيف فواز طرابلسي إلى العلاقة الصراعية المعقدة الأوروبية ـ المشرقية (العربية) لا كما يفعل اللغوي الفرانكفوني أمين معلوف بإتقان أكبر، ولا كما فعل المفكّر ـ المنظّر الفلسطيني عزمي بشارة في رواياته العاطفية، أو كما فعل المناضل غسان كنفاني في رواياته، أو السياسي ـ الأيديولوجي اميل حبيبي في رواياته.
كان القرن التاسع عشر عكراً في فرنسا (الكومونة، امبراطورية نابليون وغزواته، نزاعات ملوكه وقواده وأمرائه مع الشعب الفرنسي)، وكان عكراً في صراع الامبراطوريات الفرنسية والانكليزية والعثمانية.. من لبنان إلى الجزائر إلى مصر.. عبر أوروبا.
كان لبنان، آنذاك، هو "جبل لبنان" دون الأقضية الأربعة، وكان صراعه الضاري يدور بين أمراء الحرب الدروز والموارنة، وكان جبل لبنان هو جبل صناعة الحرير، وكانت انكلترا والأستانة تدعمان الدروز، بينما تدعم فرنسا الموارنة، والنزاع الدرزي ـ الماروني دوّخ ابراهيم باشا، نجل محمد علي باشا، في صراعه مع امبراطورية آل عثمان، ولبناء "وحدة عربية" نواتها مصر وسورية. اصلاحاته لبناء دولة على حساب الاقطاعيات فشلت.
في خلفية الصراع البريطاني ـ الفرنسي حصلت معركة "الطرف الأغر" وانتصر الأسطول البريطاني بقيادة نلسون على أساطيل فرنسا واسبانيا.
من هذا الانتصار بدأ النشيد البريطاني "سودي بريطانيا .. سودي فوق الامواج" وإلى قرنين بعد ذلك، بقيت الشركات الصناعية البريطانية تفاخر بعبارة "عبر البحار ـ اوفر سيز".
ربما لهذا السبب، صار النشيد الالماني، بعد خسارتها الحرب العالمية الاولى: "المانيا.. المانيا فوق الجميع" العام 1922، واعتمدت المانيا النازية النشيد، ثم اعتمدت المانيا الموحدة نشيد المانيا الشرقية.
إلى وقت طويل اعتبر موارنة لبنان الكاثوليك فرنسا "الأم الرؤوم" وهذه الدولة اعتمدت على الموارنة في النزاع اللبناني، الذي صار في القرن العشرين، نزاعا اسلاميا ـ مسيحياً، وفي القرن الواحد والعشرين نزاعاً سنياً ـ شيعياً.
بغزو نابليون مصر، ثم انكسار فرنسا في معركة "ابو قير" البحرية طوي مجد فرنسا في مصر بعد دورها في افتتاح قناة السويس، ووقعت بلاد النيل تحت النفوذ الانكليزي.
انتقل الصراع الفرنسي ـ البريطاني من لبنان الى مصر .. والى الجزائر، حيث فكّر الفرنسيون بتوطين موارنة لبنان في الجزائر دون نجاح، ثم خاف الفرنسيون أن يمتد النفوذ الانكليزي الى الجزائر "امتداد فرنسا وراء البحر"؟
ها هنا فصل مشوق عن صراعهم مع عبد القادر الجزائري "مزيج من امير وقديس" كما وصفوه الذي خذلته السلطنة العثمانية والانكليز، فأعلن "الجهاد" ضد حملة فرنسية من 120 ألف جندي نسفوا القلاع والبيوت والمساجد، وأحرقوا المحاصيل الزراعية، بل وقلب عبد القادر عندما أحرقوا له كتبه (بينها المصحف والإنجيل والتوراة وابن خلدون وابن عربي".
ابتكر عبد القادر فكرة "الزمالة" عاصمة متنقلة من 70 ألف نسمة و12 ألف مقاتل وألفي خيّال وأربعمائة حارس وفيها صنايعة يهود.. وتتحرك بسرعة خلال الليل.. وتضرب وتنسحب!
قال القائد الفرنسي: "على جنودنا ان تنبت لهم أجنحة ليستطيعوا القبض عليه".. هذا من الحيلة لا من الجبن.. كما قال عبد القادر في رسالة لقائد الحملة الفرنسية.
سلطان المغرب خشي أن يمتد نفوذ عبد القادر ليحكم بلاده، فخذل عبد القادر، الذي قاتل تحالف الفرنسيين وجيش السلطان وانتصر.. ثم افلت من الجيش المغربي ليقع في كمين فرنسي محكم.
وقع الأمير في الأسر: الانتحار أم الاستسلام؟ فاختار الأخير "يجب افساح المجال امام من يجدّد المقاومة من بعدنا" رافضاً الاستسلام للمغاربة "لن أقدم رأسي لمسلم خانني".
الرواية ـ التأريخ غنية جداً بالتفاصيل المشوقة، وبخاصة تفاصيل تربية وصناعة الحرير، وأيضاً بالعبرة من صراعات الامبراطوريات ضد شعوبها وضد شعوب ودول تريد احتلالها "تتنقل شخصيات هذه الحوليات عبر البحر الأبيض شرقه وغربه خلال القرن التاسع عشر".
***
فواز طرابلسي :"حرير وحديد ـ من جبل لبنان إلى قناة السويس" رياض الريس للكتب والنشر ط أولى 2012.
على غلاف الكتاب خلاصته "أنامل نسّاج لا يرحم، يسميه البعض القدر، والآخر الاستعمار، والثالث "التاريخ".
سياسة إسرائيل تقودها إلى الهاوية
بقلم: طلال عوكل – الايام
النتائج التي تمخض عنها اجتماع جنيف بين ايران والدول الست، احدث ما يشبه الزلزال السياسي في اسرائيل. التي لا تعيش الا على الحرب والدمار والعدوان. حملة من اللطم السياسي انتابت القادة الاسرائيليين، بسبب الاتفاق الذي وقع، واعتبره الأوروبيون والأميركيون، مناسبة تستحق الاحتفال.
من حيث انه (الاتفاق) يفتح طريقا جديدا، بل طرقا جديدة في العلاقة بين ايران، وبين المجتمع الدولي.
الإسرائيليون يعتدون بمعلوماتهم الاستخبارية، التي تفيدهم بأن ايران ماضية في برنامجها النووي الحربي، وبأن الرئيس حسن روحاني، يقدم للغرب لغة جميلة، ولكن بلاده سائرة في قرارها لامتلاك السلاح النووي، وبأن كل ما يقوم به الحكم في ايران مجرد مناورة لكسب الوقت والتحايل على المجتمع الدولي.
المنطق الاسرائيلي في التعاطي مع الملف النووي الايراني وتداعياته، ينطوي على استهتار بسياسات وقدرات، الولايات المتحدة والدول الاوروبية، واستهتار اشد بقدراتها الاستخبارية، ويشكك في نواياها ازاء كيفية التعامل مع الملفات الخطرة، التي تتعلق بالمنطقة.
من غير الممكن ان تكون اسرائيل اكثر حرصا على منع ايران من امتلاك قدرات نووية، من الدول الاوروبية، او من الولايات المتحدة، ذلك ان ايران النووية، التي تملك سياسة وتطلعات حيوية ونشطة، لا تشبه باكستان النووية، او الهند، ايران تملك رؤية لدورها، طافحة بالاهداف الاستراتيجية الكبيرة، تساعدها امكانياتها المادية والبشرية، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي على ان تصعد دورها، وان تحفر لنفسها مكانة مهمة بين الدول الكبرى والتكتلات الدولية، وليس فقط الاقليمية.
لذلك من غير المتوقع ان تتساهل الولايات المتحدة، والاوروبيون، أو ان يتعامل هؤلاء مع الملف النووي الايراني بمنطق تكتيكي، هذا الا اذا كان هؤلاء قد توصلوا الى معلومات واستنتاجات مؤكدة، بأن ايران قد اصبحت دولة نووية.
طبعا ليس علينا، ان نتوقع ان يحل الخراب بين اسرائيل، وحلفائها الغربيين خصوصا الولايات المتحدة ولكن هذا التناقض من الممكن ان يتسع في حال بادرت اسرائيل بمغامرات غير محسوبة، تستهدف توريط حلفائها، واعادة خلط الاوراق مجددا.
التناقضات بين اسرائيل وحلفائها الضامنين لوجودها، تتسع فعليا، فبالاضافة الى الخلاف حول كيفية التعاطي مع ايران وكل ملفاتها وليس فقط ملفها النووي، فثمة خلاف يتصل بالرؤية لكيفية التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ومع عملية السلام، وهو خلاف في الاصل حول أي الطرق افضل لحماية اسرائيل وضمان وجودها قوية.
في الواقع فإن الدول الغربية لم تبدل مواقعها التاريخية، ولا قناعاتها بشأن ضرورة وجود اسرائيل قوية، ولكن تلك الدول تسعى لحماية الدول العبرية من تطرفها الجنوني، الذي سيقودها يوماً الى الهلاك، وبالتالي فانها ترى في قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، في اطار عملية سلام تنهي الصراع، الطريق الافضل لضمان بقاء اسرائيل، وضمان بقاء واستقرار مصالح تلك الدول في هذه المنطقة.
أحد الدبلوماسيين الغربيين، قال مؤخراً ان اسرائيل ماضية في سياسات تؤدي الى عزلتها الدولية، والى التحول في اتجاه دولة عنصرية، وبأنها ما لم تتحول عن هذا السلوك، وتستجب لمتطلبات عملية السلام، فانها تسير نحو الهاوية مهما طال الوقت.
الأميركيون والأوروبيون غاضبون من حكومة نتنياهو، المسؤولة عن تعطيل الفرصة المتاحة امام عملية السلام عبر المفاوضات التي مضى على بدايتها اكثر من ثلاثة اشهر، وهم غاضبون من سياسة اسرائيل الاستيطانية في الضفة وفي القدس، ما جعل وزير الخارجية الاميركي جون كيري يصرح بأن الاستيطان كان ولا يزال غير شرعي، أما الاوروبيون فقد اقدموا على اجراء من واقع رفضهم للسياسة الاسرائيلية الاستيطانية.
الدائرة تضيق اكثر فأكثر حول رقبة اسرائيل، فبعد تأخير متعمد على الارجح افرجت الدوائر السويسرية والروسية، عن نتائج تحليل العينات التي اخذوها من رفات الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فيما بقيت فرنسا تحتفظ بنتائج بحوثاتها الطبية.
في الواقع فان فرنسا تعرف قبل غيرها. كل الحقائق المتعلقة باغتيال عرفات فهي التي استقبلته في مستشفياتها، واجرت له في حينه كل الفحوصات اللازمة، ولذلك فإن اعلانها عن نتائج مماثلة لتلك التي توصلت اليها سويسرا وروسيا، ستشكل بالنسبة لاسرائيل ضربة صاعقة.
ولكن هل من المحتمل أن تأتي نتائج التحليل الفرنسي مختلفة؟ ثمة شك كبير، اذ لا يمكن ان يكون الحكم السويسري والروسي سياسياً، وهؤلاء لديهم من الامكانيات العلمية والمختبرية، ما يفوق او يوازي قدرات فرنسا.
هذا ملف خطير، اصبح في يد القيادة الفلسطينية، وينطوي على تقدم كبير في سياق التحقيقات الجارية منذ تسع سنوات، ولم يتبق الا القليل ولكن الاهم، لتأكيد مسؤولية اسرائيل الحصرية عن عملية الاغتيال.
الفلسطينيون لم يكونوا بحاجة الى تأكيد أو نفي مسؤولية اسرائيل التي تحتفظ بقائمة طويلة جدا من عمليات الاغتيال لقادة فلسطينيين، ولكن ثمة فرقا في أن يتم التكامل مع هذا الملف من خلال أو استنادا الى قناعات الفلسطينيين، وبين ان تتوفر المعطيات الملموسة التي تسوق اسرائيل الى المحاكم الدولية.
هي مادة البولونيوم، كما تؤكد الفحوصات، وبالتالي، علينا أن نفحص ان كان هناك طرف آخر في المنطقة كلها، يملك هذا النوع النادر جدا من السموم.
اسرائيل سترفض الادعاء بمسؤوليتها عن عملية الاغتيال، والفصائل الفلسطينية المعارضة، لا تملك أي نوع من انواع السموم، ولا يمكن ان تفعل ذلك، والدول العربية نظيفة من هذا النوع، ولكن هل يتعاون المجتمع الدولي، من اجل تشكيل لجنة تحقيق دولية؟ الارجح ان المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة، يميل اكثر نحو انصاف الفلسطينيين، وان ما جرى في منظمة اليونسكو ـ سيتكرر في عشرات المنظمات الدولية، حين يقرر الفلسطينيون التوجه اليها.
الولايات المتحدة من موقع التضامن فقدت مع اسرائيل حقها في التصويت في اليونسكو، لانهما لم تدفعا حصصهما المالية فيها، ولكن القرار سياسي، فإذا كان هذا هو الطريق الى المؤسسات الدولية، فهل ستتحمل الولايات المتحدة، ان تعزلها اسرائيل، التي تتواصل عزلتها دوليا، ام ستترك اميركا اسرائيل تغرق وحدها؟
غول الطائفية يأكلنا جميعاً
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
طالب في الاعدادية يعرف بنفسه في حسابه على الـ “الفيس بوك” بأنه “مسلم سني” في بلد مشرقي يشكل السنة فيه اكثر من ٩٩ في المائة.
بنت عمرها ٥ سنوات في بلد خليجي تعود الى امها من روضة الاطفال تبكي وتشتكي بأن زملاءها في الروضة يقاطعونها ولا يلعبون معها لأنهم يقولون إنها “شيعية” وتسأل امها عن معنى ذلك! على مستوى اعلى يتنافس تكفيريون شوهوا الثورة السورية وحرفوها عن مسارها مع حزب الله في قتل آلاف من السوريين الاحياء دفاعا عن مرقد للأموات لا ترقد اساسا فيه السيدة زينب.
وخلفية المشهد المأساوي للتعبيرات التي لا يمكن حصرها هو التخندق في الهوية الطائفية إذ تصبح المميز الاهم في فرز تكتلات المجتمعات مذرية التعايش العفوي الذي ساد قرونا وعقودا طويلة.
في البلدان الخليطة طائفيا مثل العراق ولبنان وبعض دول الخليج يتحدث كبار السن بألم ممض عن سنوات وعقود عاشوها ولم يكونوا يعرفون من هو سني ومن هو شيعي، حيث يتزاوج الناس ويتعاملون في ما بينهم عفويا وطبيعيا من دون الفرز الهوياتي.
قبل ان يضرب المنطقة هوج التيارات الاسلامية (السنية والشيعية) وخطاباتها التي تزعم التعايش والتسامح وكل الكلام الفارغ، كان الناس يعيشون في تعايش وتسامح عاديين، وكان الدين بوجهه الاليف وتفسيراته المعتدلة يُمارس في المجتمعات من منطلق العلاقة الفردية مع الخالق والحب مع المخلوق.
في الحقبة “الاسلاموية” المظلمة صار الدين عنفاً ودما وسياسة قاتلة وجماعية.
وانتشرت التفسيرات الإقصائية والتكفيرية المُستبطنة في المناخ العام وسممته، بل تسربت إلى التعليم المدرسي والمساقات التي تُدرس للاجيال الجديدة.
صار مسيحيو الوطن “نصارى صليبيين” وصار شيعته “صفويين كفرة”، وانخرط الجميع في حفلة انتحار جماعي يكاد لا يُستثنى منها وطن او مجتمع.
في تحليل جذور ما وصلنا إليه نعرف انها تعود إلى التنافس والاقتتال المدمر بين السلفية المتطرفة والخمينية المتطرفة الذي استعر منذ قيام الثورة الايرانية في نهاية السبعينيات وردود الفعل السلفية التي استفزتها. انخرط الطرفان في حرب خطابات مدوية حول من يمثل الاسلام والمسلمين، ووظفت في تلك الحرب كل أساليب الدعاية والهجوم والاعلام، واستنفر كل الماضي البائس وثاراته ودمويته. تم ترحيل المجتمعات إلى قرون سحيقة وعوض ان نعيش في القرن الحادي والعشرين والعالم يصل إلى المريخ وصلنا بسرعة الضوء إلى معاوية وعلي وصفين وكربلاء، وأقمنا هناك.
ونبشنا كل الدماء التي جفت وأعدنا إليها بعبقرية بالغة ومحطمة لونها الاحمر وحرارتها فصارت كأنها سالت اليوم، وبعثنا فيها حياة دائمة، صارت دماء حارة لا تجف ابدا، وكل يوم تلطخ وجهنا، وتملأ افواهنا وتخنقنا.
وحيث لا يوجد هذا الانقسام السني ـ الشيعي تتحول الطاقة التدميرية إلى المسيحيين كما في مصر حيث في حقبة ما بعد سقوط مرسي وحدها تعرض اكثر من اربعين كنيسة للحرق والتدمير اضافة الى عشرات المحلات والصيدليات التي يملكها مسيحيون.
سيقول قائل إن هناك شبهات كبيرة حول تلك الاعتداءات وحول تورط بعض اجهزة الامن فيها للتحريض على التيار الاسلامي وسوى ذلك، وبفرض وجود ذلك فإنه لا ينطبق على كل الحالات ولا ينفي كارثية التحريض الطائفي الكريه والتسمم الجماعي به، والذي لولا وجوده لما استطاعت اية اجهزة او اطراف “مشبوهة” القيام بتلك الاعتداءات ونسبها إلى غيرها.
نحن اليوم نقف على حافة هاوية إن تركنا انفسنا نهوي فيها فإننا سنحتاج عقودا طويلة كي نخرج منه، كما يقول لنا درس التاريخ المرير.
إنها هاوية الطائفية حيث يرقد في قاعها العفن والموت الجماعي وحيث لا احد ينتصر.
غول الطائفية انفلت في بلادنا بشكل لم يسبق له مثيل يأكل الاخضر واليابس، ويطارد الجميع ويدفعهم إلى تلك الهاوية، يحشدهم جماعات ومجتمعات ويقودهم منقادين ومنومين إلى حتفهم الكلي.
يجب أن ينتابنا رعب جماعي من هذا الغول ونصده بكل الجهد والعزيمة لأن المعركة معه معركة حياة او موت.
في الطائفية وحروبها ليس هناك منتصر، بل الكل يخسر والكل يُدمى بالهزيمة.
الطوائف والاديان كما القوميات منزرعة في تكوينات البشر وفي الارض والمجتمعات ولا يمكن خلعها.
لن تكون هناك طائفة او قومية غالبة ظافرة بالمطلق حتى لو ظنت انها هزمت الاخرين.
نار الطائفية تظل تغلي تحت الرماد، والحل الوحيد لإطفائها هو الإقرار الجماعي بالتعايش والاحترام المتبادل، وليس مواصلة الحرب والاتهام والرغبة البدائية بالإبادة والتطهير.
إطار التعايش الذي يمكن أن تتصالح فيه الطوائف والاديان والعصبيات المختلفة من دون اصطراع تبادلي التدمير هو إعلاء الاولوية للانتماء إلى الوطن على الانتماءات الاخرى وعلى قاعدة المواطنة والمساواة التامة. الافراد في كل وطن من الاوطان هم مواطنون اتباع للوطن اولا، ثم لأية انتماءات ثانوية ثانياً. هم مصريون اولا، ثم يأتي بعد ذلك اي ولاء آخر، اسلامي او قبطي.
وهم عراقيون ولبنانيون وبحرينيون قبل ان يكونوا سنة او شيعة، وهكذا. هذا ما يجب ان يتوافق عليه الجميع كفكرة مؤسسة للجماعة الوطنية التي ينتمون إليها، وتكون حجر الزاوية في الدستور والقوانين، وهي ما يجب ان يؤسس لكل ما يتعلمه طلاب المدارس وتمارسه المؤسسات الرسمية اولا ويتبناه المجتمع المدني والديني ثانيا.
عندما تترسخ فكرة المواطنة وفكرة المجتمع والدولة المدنية لا الدينية نواجه جماعيا غول الطائفية ونبدأ في الهجوم المعاكس.
من دون ذلك فإننا سننخرط في دوامات الصراعات الطائفية ونستدعي احقاد الماضي لتكون هي العتاد المسموم في حياتنا السياسة والاجتماعية والثقافية.
ومن دون ذلك نظل ضحايا طوعيين للغرائز البدائية وبكائيات القرون الخالية وتمتص الثارات التافهة لأموات قدامى كل ما هو اخضر وحي في حاضرنا.
من دون ذلك سوف نغلق بوابات المستقبل في وجه الاجيال القادمة، وندفعهم للعيش في الماضي، شباب في عمر الورد لكن كل الذي يفكرون فيه هو الرحيل بعيدا في ماضٍ سحيق للالتحاق بجيش خيالي لعلي او جيش خيالي لمعاوية، وإعلان الحرب الابدية التي لا تموت ضد الآخر، حيث نتيجة الحرب وللطرفين معا هي الموت المحقق والهزيمة المحققة.
ياسر عرفات
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
لا يملك المرء في ذكرى ياسر عرفات إلا أن يكتب عنه. تظل ذكراه دائمة الحضور في كل وقت حتى قدوم تشرين يصبح الوقت عرفاتيا بامتياز. فالمزاج الشعبي العام يصبح عرفاتياً والنقاش في الشارع يكون حول عرفات وفي التاكسي كذلك؛ حتى في قاعة الجامعة وامام محل الأيس كريم.
فجأة يتحول كل شيء حولك إلى "ياسر عرفات"، إلى شيء منه، من ذكراه. كأن الرجل لم يغادر أو هو لم يشأ أن يغادر.
رغب في أن يظل باقياً. وذهب مثل كل الأشياء الجميلة صدفة دون وداع ودون ان يظن أحد أنه لن يرجع.
حتى حين عادت به الطائرة إلى المنفى منهكاً تعباً يحمل آلام المرض، إلى حيث رقاده الأخير لم يكن أحد يتخيل أنه لن يرجع.
كنا نلوح بأيدينا للطائرة ونود لو أنها مربوطة بأصابعنا حتى نستطيع ان نسحبها ثانية إلى الأرض، مثلما كنا نفعل ونحن صغار بطائراتنا الورقية في أزقة المخيم.
لكن الطائرة ستعود حاملة ياسر عرفات. لكنه هذه المرة لن يلوح لنا بيده، ولن يرمينا بقبلاته ولن يرفع لنا شارة النصر.
سيوارى الثرى حيث مثواه الاخير. مثل حلم من كان يصدق أنه سينتهي. من كان يصدق أن ياسر عرفات سيذهب في الغياب متشحاً سواد الليل وعتمة البكاء وعويل الروح.
من كان يملك هذه الحاسة التي تجعله يعرف أن هذا سيحدث. مثل بطل خرافي لم نكن نتوقع أن يغيب عنا هكذا.
لكن عرفات مثل البطل الأسطوري لا يذهب من الحكاية. لأن الحكاية تظل دائماً ناقصة من دونه، ولأن الحكاية في جزء كبير منها مؤسسة على حضوره الأبدي، فلا حكاية من دونه كما لا أوديسة بلا عوليس.
فالحكاية الفلسطينية تشكلت حول الحضور العرفاتي فهو لم يكن مشاركاً فيها، كما لم يكن شخصية وردت في متنها، كما لم يكن راوياً في عالم أصواتها المتعدد؛ بل كان هو الحكاية برمتها. كان الحكاية في أنقى صورها. هل يمكن تخيل الحكاية أو الحدوتة الفلسطينية بلا ياسر عرفات. هل يمكن تخيل التاريخ السياسي الفلسطيني الحديث من دون ياسر عرفات. بالطبع لا يمكن ذلك. ليس لأن ياسر عرفات كان شخصية استثنائية في حياتنا بل لأن وجوده كان فعلاً مؤثرا لدرجة كبيرة للدرجة التي يصعب فيها التمييز بين وجوده ذاته وتأثيره، كما أنه تحول ليصبح جزءاً من القضية الوطنية، فهو لم يكن فاعلاً ومؤثراً فيها بل تماهى معها وصار مكوناً من مكوناتها.
فحين تتحدث عن القضية الفلسطينية فأنت بالطبع تشير إلى ياسر عرفات بطريقة أو بأخرى.
على الأقل هكذا يمكن أن يحس أبناء جيلي الذين ولدوا قبل أربعين عاماً فيما ياسر عرفات يفرض على العالم بقوة السلاح اسم فلسطين.
حين كنا أطفالاً وكنا نرى صورته على التلفاز، فيما توفر منه وقتها بالأسود والأبيض في أغلبه - وقتها كانت القنوات قليلة جداً – كان ظهور ياسر عرفات على الشاشة يجعل الطفل فينا يشعر بأنه موجود خلف الشاشة.
كان وجوده هو وجودنا وحضوره هو حضورنا. كانت أعيننا "تبحلق" في التلفاز قبل أن تختفي الصورة خلف مذيع الأخبار حين يواصل نشرته، نحس بالحزن، لكنه سرعان ما يطالعنا في نشرة أخبار أخرى.
هكذا كان ياسر عرفات أول وعينا الوطني وأول تشكيل فهمنا حول فلسطين. كان مثل حكايات جداتنا عن مدننا وقرانا التي سلبها المغتصبون بعد أن تجمعوا من كل بقاع الأرض لينهبوا فلسطين. كان مثل تلك الحكايات يعمل على تخليق هذا الشعور الغريب في داخلنا (الوطنية) الذي يجعل الواحد منا مستعداً للموت من اجل استعادة هذه الحقوق المسلوبة.
كبرنا وكبر معنا ياسر عرفات لكنه ظل بالنسبة لنا هذا البطل الغامض الذي يتحدث باسمنا، الذي يحس بجراحنا.
ظل أفضل من يعبر عنا وعن آلامنا وأفضل من يشعرنا بالطمأنينة. ثم وجدناه فجأة بيننا. يمشي في الشوارع ويتفقد الناس ويقبل الأطفال والجرحى ويزور بيوت الشهداء. فجأة وجدنا بطلنا الأسطوري بيننا بعد تأسيس السلطة الوطنية العام 1994.
كان يمكن أن تمشي في الشارع فتجد ياسر عرفات في سيارته او يمشي على الأرض يزور بيتاً.
كان الشبان يمضون ساعات يرسمون صورته على الجدران في الانتفاضة الاولى (انا لم أكن جيداً في الرسم)، وكان يمكن لهذا ان يكلفهم عمرهم لو دهمتهم دورية من جيش الاحتلال.
لكن هذا لم يكن صورة على الجدار، لقد قفزت الصورة عن الجدار وصارت تمشي على الأرض. صار بطلنا الأسطوري شخصية واقعية. لكنه بفعله هذا كانه يمعن اكثر في اسطوريته. كانت عاديته تلك وهو يزور الناس ويتفقد الجميع ويعود المرضي ويمنح المحتاج، كانت تلك العادية تمنحه هالة اخرى من الغرابة والقداسة.
فكأنه كان يسافر بعيداً في الأسطورة ويتحول بهذه الأفعال أكثر وأكثر إلى حلم جميل سنفتقده حين يبعد عنا.
هكذا هي الأساطير تقوم ببناء البطل حتى يصبح رحيله مستحيلاً أو محتوماً، وفي الحالتين يكون الرحيل قاسياً وغير مصدقاً.
والحكاية الفلسطينية لو لم تكن كذلك لتغير الكثير من معالمها.
كأننا في كل مرة نحب أن نتذكر كل هذا، ونحب ان نتألم اكثر ونحن نتذكره، ويرغب البعض بمقارنة اليوم بالماضي لأن ثمة شيئا في الماضي يسحبنا إلى الحنين، فالماضي بطبعه أجمل وأبهى، أو أن هذه عادة البشر. لكن ثمة شيء من ياسر عرفات ناقص فينا. كأننا لم نحافظ على الوصايا او لم نحفظ العهد. فبكل المقاييس حالنا أسوأ ووضعنا أكثر صعوبة.
بمقدور كل واحد منا أن يرمي العبء والتهم على الآخر، ويمكن لنا أن ندخل في موجة سب وشتائم جديدة لكن هذا لن يغير شيئاً من حالنا بل سيكشف المزيد من سوء الحال وجلل المصاب وهول الواقعة.
فأيامنا للأسف لم تعد تشبه هذا الزمن العرفاتي الجميل.
في الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات
بقلم: سميح شبيب – الايام
تمر علينا ذكرى استشهاد القائد ـ الرمز، ياسر عرفات اليوم، في ظل المناخات التي تفرضها معطيات التحقيق الدولي: الروسي ـ السويسري، بأن سبب الوفاة، كان بفعل السم الإشعاعي "البولونيوم"، وهو الإشعاع الذي لا تمتلكه دولة في المنطقة، سوى إسرائيل.
كان هنالك قناعة، لحظة مرض عرفات المفاجئ، ومن ثم وفاته، بأن السبب هو بفعل السم. صحيح ان التقرير الفرنسي، الصادر عن مشفى بيرسي، لم يذكر ذلك، بوضوح، لكن احدى فقراته، جاءت حمّالة أوجه، ومفتوحة على أكثر من تفسير.
عند إثارة موضوع استشهاد عرفات، مجدداً، أعلنت القيادة الفلسطينية عن كامل استعدادها للتعاون، مع أي جهة طبية مختصة للوصول الى حقيقة ذلك، ولم يكن سهلاً على الجميع، الموافقة، على فتح قبر عرفات، لأخذ العيّنات اللازمة، لإعادة الفحوص الطبية.
جرى ذلك، وجاءت النتيجة بينما تريثت فرنسا. فرنسا تعرف حقيقة الأمر، ولديها من الادلة القاطعة، بأن عرفات مات مسموما، وبفعل أشعة البولونيوم، لكنها لم تذكر ذلك في تقرير الوفاة.
وفرنسا لديها نتائج الفحوص الطبية والعينات، لكنها تقول إنها أتلفتها، وهذا مخالف لأبسط القواعد الطبية والقانونية.
لن يغيّر تمنع فرنسا من الكشف عن حقائق موجودة لديها، من حقيقة الأمر في شيء بل سيفقدها الكثير من مصداقيتها لدى الشعب الفلسطيني.
الأدلة والقرائن كافة، المتوافرة ـ الآن ـ لدى لجنة التحقيق الوطنية، كما اعلن رئيسها اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لـ "فتح"، تؤكد أن الرئيس عرفات مات مسموما، وأن اسرائيل هي المتهم الاول في ذلك.
اسرائيل سبق لها ان اغتالت قادة فلسطينيين في السم، واسرائيل هي من توعّدت بقتل عرفات.
واسرائيل هي من يمتلك المفاعلات النووية القادرة على إنتاج "البولونيوم". اسرائيل هي صاحبة المصلحة الاولى في التخلص من عرفات.. وهي من اغتالت الوطن الفلسطيني، والامل الفلسطيني، والسلام الفلسطيني.
الدائرة تضيق، والمتهم بات محشوراً في زاوية ضيقة لا مناص منها. باتت الامور ـ الآن ـ أشد وضوحاً، وبات الإجراء الفلسطيني الواجب واللازم أكثر إلحاحاً. المسؤولية هنا، ليست مسؤولية فلسطينية فحسب، بل هي مسؤولية وطنية وقومية ودولية في آن.
من واجب الفلسطينيين إعلان نتائج التحقيق كاملة بوضوح وشفافية، عند اكتمالها، وعلى العالم العربي تأطير ذلك على أساس أنه قضية تمس الأمن القومي العربي، وعلى المجتمع الدولي، تحمل مسؤولياته القانونية، عبر هيئاته الدولية، وفي المقدم منها، محكمة الجنايات الدولية.
لم تخف اسرائيل سابقاً، ضلوعها في اغتيال قادة فلسطينيين، بالسم؛ وديع حداد ومحاولة اغتيال خالد مشعل وغيرهما، لكنها هذه المرة، وفي ظل محاولة تفجير المفاوضات الجارية في منتصف الطريق، وضربها عرض الحائط بالارادة الدولية، ومقررات الشرعية الدولية، وتهديد الامن والسلم العالمي، لن تتمكن اسرائيل، من التصرف، وكأنها فوق القانون الدولي!!
تغريدة الصباح - طربوش مسيو سولي
بقلم: محمد علي طه – الحياة
"الطّربوش" ساغا عائليّة، والسّاغا نوع من السّرد النّثريّ الممتدّ على فترة زمنيّة طويلة- كما يعرّفنا النّاشر. والنّاشر هو دار "ورد" السّوريّة لصاحبها د. مجد حيدر ابن الرّوائيّ المعروف حيدر حيدر، وأمّا مؤلّف الرّواية فهو كاتب فرنسيّ اسمه روبير سولي، من مواليد القاهرة التي عاش فيها سبعة عشر عامًا ثمّ هاجر إلى فرنسا وأصبح فيما بعد مراسلاً لجريدة "اللوموند" الشّهيرة، في روما وواشنطن ثمّ رئيسًا لتحريرها في العام 1992 حينما نشر هذه الرّواية. وهي تاريخ للطربوش الذي يشبّهه المؤلّف بأصيص الزّهور. وكان في سنوات خلت شعارًا وطنيًّا مصريًّا ورمزًا لطبقة اعتمرته منذ زمن الأتراك وتمسّكت به بقوّة عندما حاربه وحرّمه مصطفى كمال أتاتورك، وبقي رمزًا مصريًّا حتّى ثورة 23 يوليو وظهور قادتها محمد نجيب وجمال عبد النّاصر وغيرهما من الضّباط الأحرار حاسري الرّؤوس، ممّا ساعد على اختفائه وانقراضه.
ويمتدّ هذا العمل الرّوائيّ على 446 صفحة من القطع المتوسّط ساردًا تاريخ عائلة بطركانيّ صاحبة مصنع الطّرابيش في القاهرة، من الأب جورج إلى الأبناء والأحفاد: ميشيل وناندو وشارل وادوار والياس وأندريه وفيفيان وليندا، وعائلة توتة الارستقراطيّة من الأب ألكسندر والابنين هنري وادمون والبنتين يولاند التي تزوّجها جورج بطركانيّ وماغي المثيرة بزمرة عشّاقها. والعائلتان شاميّتان كاثوليكيّتان تعيشان في القاهرة، والمصريّون كما نعلم، كانوا مسلمين وأقباطًا أرثوذوكس.
وينفلش هذا السّرد الرّوائيّ على فترة زمنيّة من ثورة عرابيّ حتى تأميم قناة السّويس. ولا شيء يربط العائلتين بمصر سوى وجبة الملوخيّة على الرغم من أنّ أرض الكنانة احتضنتهما وحمتهما من ظلم الأتراك ومن الحروب الطائفيّة ومنحتهما فضاء من الحريّة. والعائلتان تتكلّمان اللغة الفرنسيّة وشيئًا من الانجليزيّة ويبرز ولاؤهما لفرنسا وعلمها ونشيدها الوطنيّ ولقادتها (ديغول وبيتان) ولثقافتها، فالأطفال يحفظون في مدارسهم قصص لافونتين بالفرنسيّة ولا يحفظون أيّة قصيدة باللغة العربيّة، ويشاهدون المسرحيّات الفرنسيّة، ويستمعون إلى الموسيقى الفرنسيّة ويغنّون الأغنيات الفرنسيّة فلا غرابة أن تركت هذه المجموعة مصر بعد ثورة الضّبّاط الأحرار وبعد التأميمات مباشرة.
لم يكن المؤلّف أمينًا للتاريخ، كما أظنّ، فقد كتب عن شريحة تلائم فكره وحياته وتختلف عن الصّورة الوطنيّة للمصريّين الذين هم من أصل سوريّ والذين ساهموا مساهمة كبيرة في نهضة مصر وثقافتها مثل الأخوين تقلا مؤسسيّ جريدة "الأهرام" والفنّان الكبير جورج أبيض من مؤسسيّ المسرح المصريّ، والفنّان نجيب الرّيحانيّ القامة المسرحيّة العملاقة، والفنّان يوسف شاهين السّينمائيّ الشّهير، وخليل مطران شاعر القطرين، والكاتب البارز يعقوب صرّوف مؤسس مجلة "المقتطف" وجريدة "المقطّم" والأديب فرح أنطون وغيرهم.
احتضنت مصر ذات الثقافة العريقة عائلات شاميّة عديدة وبدورها أعطت هذه العائلات الكثير لمصر وثقافتها. وأعتقد أن هذه العائلات كانت تعتزّ بعروبتها وبشاميّتها وبمصريّتها وتختلف كثيرًا عن عائلتيّ بطركانيّ وتوتة عديمتيّ الانتماء إلى مصر وإلى العروبة والمواليتين إلى فرنسا والغرب.
شجرة الذاكرة
بقلم: يحيى رباح – الايام
في الذكرى التاسعة لرحيله، يحضر فينا الرئيس ياسر عرفات بشكل مدهش حتى أننا نجد أنفسنا في معظم الوقت نتحدث عنه بصيغة الحاضر, أعتقد أن الملايين من الفلسطينيين في وطنهم التاريخي فلسطين - حيت الاتصال العادي بين أجزائه مستحيلة- كما الفلسطينيين في شتاتهم الواسع الذي يزداد شتاتاً، يلاحظون هذه الظاهرة، لماذا؟ لماذا ما زلنا نتحدث عن ياسر عرفات بصيغة الحاضر، من النادر بل ومن المستهجن أن نستخدم صيغة الماضي الغائب؟ أعتقد أن ياسر عرفات بالنسبة للشعب الفلسطيني هو رمز مركب، أنه زعيم سياسي من الطبقة الأولى، وهو بطل تراجيدي في نفس الوقت! وكزعيم سياسي فانه انبثق من الضرورات الملحة التي لا يوجد ما هو أولى منها ولا أقدس منها، ضرورات لدى شعب فقد وطنه قسراً ومن الملح أن يكون له وطن! وفقد كيانه تحت ضغط أقوى الأقوياء ومن الملح أن ينبثق له كيان، وتبعثرت هويته في الأرض مع هبوب العواصف الهائجة، ومن الملح أن يلملم هويته.
وكزعيم سياسي، فانه أدرك في وقت مبكر، وفي وقت صعب أيضاً، أن شعبنا الفلسطيني لا يستطيع أن ينتظر أحد لكي يحقق له ضروراته الملحة، بل عليه أن يبرأ نفسه، وأن يعتلي خشبة المسرح، وأن يلعب الدور الأصعب، وأن يكون الرقم الصعب.
انه اكتشاف مذهل وخارق الصعوبة الى حد المستحيل، ولكن ياسر عرفات الزعيم السياسي حول هذا الهاجس الضخم الى تفاصيل على أرض الواقع، بدأها بصياغة العناوين، قاتل مع عبد القادر الحسيني في وقت مبكر، وقاتل مع الفدائيين ضد الانجليز في منطقة قناة السويس، وأنشأ وهو في كلية الهندسة جامعة القاهرة رابطة الطلاب الفلسطينيين لتكون عنواناً أول، ثم أسس حركة فتح مع زملائه المؤسسين، وكان كل فلسطيني في العالم يسأل نفسه صباح مساء، ماذا نفعل؟ فانتمى الفلسطينيون على مضض الى الأحزاب القائمة، وكانت عبقرية تأسيس حركة فتح أنها ألهمت الفلسطينيين أن لهم كياناً يأوون اليه، ثم أصبحت فتح هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة، وواصل ياسر عرفات ورفاقه تسجيل فلسطين في دفاتر الحضور عبر قرارات في غاية الخطورة والشجاعة.
أما ياسر عرفات البطل التراجيدي، فهو كان يعرف الثمن الفادح لما يفعل وما يختار، كان مثل قبطان سفينة أسطورية ذاهبة في المحيط الى جبل المغناطيس لتصطدم به وتتحطم أشلاءً، ولكن البطل التراجيدي يعرف سلفاً أقداره الكبرى ولا يهاب.
كل مرة كان ياسر عرفات يقول فيها نعم، كان يعرف أن هذه «النعم» سوف تقلب الأمور رأساً على عقب! وكل مرة كان يقول فيها (لا) كان يعلم أنه بقولها في وجه أعتى الأقوياء في العالم فان الثمن سيكون فادحاً بما يفوق الخيال! ولكنه لم يتردد لحظة واحدة في أن ينطق بنعم أو ينطق بلا، ما دام ذلك يقضي الى لحظة من الحضور الفلسطيني.
يعيش معنا ياسر عرفات يوماً بيوم، ولحظة بلحظة، كل ما يجري اما حببنا فيه أو حذرنا منه، وهو لم يفعل ذلك مجاناً، بل بجهد خارق يفوق الاحتمال، وبتضحية لا يحتملها سوى الأنبياء والشهداء! ولذلك فاننا نحي ذكراه بصفته الحاضر وليس بصفته الغائب، فان تضحياته ومعاركه ومواقفه ممتدة فينا الى زمن قادم.
الحكاية التي لا تموت
بقلم: محمود ابو الهيجاء – الايام
لا يمكن اختصار حكايتنا مع ياسر عرفات في ذكرى رحيله المر كل عام، بمهرجان خطابي نشيد فيه بمناقب الزعيم ودوره التاريخي، ولا اظن ان احتفالا مهما كان مستواه قادر على اختصار حكايتنا الطويلة هذه التي كتب الزعيم الخالد فصولها على نحو ملحمي، نرى صعابها اليوم سهولا نشتهي الركض فيها!
لا يمكن اختصار الحكاية وهي التي شكلت وما زالت تشكل ملامحنا الوطنية في اوضح تجلياتها الانسانية، بل وهويتنا النضالية في حضورها الاقتحامي واشتباكها الاسطوري مع الصعب والمعقد من اجل الحرية، ولأن ياسر عرفات كما كتب شاعرنا الكبير لحظة الفقد، كان" احد اسماء فلسطين الجديدة الناهضة من رماد النكبة الى جمرة المقاومة الى فكرة الدولة الى واقع تأسيسها المتعثر "لان ياسر عرفات كان وما زال كذلك، لا كما اكتشف الشاعر ذلك وانما ايضا وفقا للتاريخ وامتثالا لخطابه، فان اختصار الحكاية بتأطيرها بالكلمات والمهرجان يكاد ان يكون مستحيلا، اكثر من ذلك فان هذه الحكاية تبدو اليوم كأنها كائن حي بريعان شبابه، كائن لا ينفك مشتبكا مع الواقع ومنازلا له، وياسر عرفات بعض اسمائه الحركية، بهذا المعنى ولهذا السبب ينبغي ان ننتبه الى ضرورة ان تتحلى مناسبة احياء الذكرى بالاشارة الى هذا الكائن وحقيقة حضوره والاهم حقيقة تواصل تطلعاته نحو مستقبل الحرية التي هي ذات تطلعات الزعيم الخالد وبما يعني ان ياسر عرفات سيظل حاضرا بيننا وفينا حتى نصل الى ذلك النور الذي كان يراه في آخر النفق، وحيث اسوار القدس ومآذنها وابراج كنائسها وشبل من اشبال فلسطين وزهرة من زهراتها يرفعان علم فلسطين فوق تلك الاسوار.
نعني باختصار شديد وبكلمات اخرى ان ياسر عرفات حكاية لا تنتهي ولا تموت وهي ذات حكايتنا التي تقولنا بابهى واوضح واجمل الكلمات فدعونا نتباهى بها في كل وقت، لا مرة في كل عام، ولا نريد بالطبع تباهيا استعراضيا وانما نريد ذلك التباهي الاخلاق الذي يضيف للحكاية فصولا اخرى من الابداع النضالي والحضور الانساني الذي يؤسس لعالم افضل وحياة اجدى واجمل بفلسطين الحرة المستقلة.
ولأن الامر كذلك كما اعتقد فان ذكرى رحيل الزعيم وان كانت لوعة القلب تصيغ كلماتها فانها مناسبة لتعميق الايمان بجدوى مسيرة الحرية وحتمية انتصارها وبأننا ما زلنا على درب ياسر عرفات شعبا وقيادة واحزابا وفصائل.
الاحتباس الحراري على نار باردة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
القضايا والاحداث المرتبطة بالشأن الوطني والقومي تحتاج يوميا إلى آلاف المقالات والدراسات لتسليط الضوء عليها، ومعظم التطورات الجارية على تماس بعلاقات جدلية مع قضايا الاقليم والعالم على حد سواء. مع ذلك التطورات العالمية، المتعلقة بمستقبل البشرية ككل، تخص كل شخص وكل بلد من بلاد الارض، فلا يمكن التعاطي مع مسألة الاحتباس الحراري، وكأنها شأن غير ذي صلة بمستقبل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمنطقة عموما، بل هي عميقة الصلة بها.
هذا الموضوع الحساس محل اهتمام دول العالم قاطبة، وعقدت من اجل معالجة مسألة المناخ عدة مؤتمرات، كان آخرها عام 2009 في كوبنهاغن. والان بدأت قمة جديدة في وارسو عاصمة بولندا تستمر إسبوعين، وتنتهي في 22 تشرين الثاني الحالي. حضرها ممثلون عن (190) دولة من القارات الخمس، وتهدف لانجاح قمة باريس، التي ستعقد في العام 2015 حول المناخ. بحيث يمكن الاتفاق بين الدول المعنية على تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة درجتين مئويتين قياسا الى ما قبل الثورة الصناعية. لان الحسابات البسيطة تشير، إلى ان ابقاء الاحترار الشامل دون درجتين مئويتين، يتطلب ان تبلغ انبعاثات غاز الدفيئة عام 2020 حدا اقصى من 44 جغاطن الى 50 جيغاطن سنويا حاليا.
وتفيد المصادر العلمية، ان الحرارة الشاملة للكرة الارضية ارتفعت بنسبة 8 درجات مئوية خلال قرن، وقد ترتفع بنحو خمس درجات بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، في حال عجز العالم عن تحقيق قفزة سريعة في مجال الطاقة، كما اوضح المختصون. وقالت المسؤولة عن المناخ في الامم المتحدة، كريستيانا فيغيريس، مؤخرا "علينا الان ان نتحرك، للتصدي للتغير المناخي، وعلى وارسو ان تؤكد اننا فهمنا هذه الرسالة".
ولم يأت استشعار خطر الاحتباس الحراري عفويا، بل نتاج التغير التدريجي في المناخ على صعيد الكرة الارضية، حيث بدأت دول العالم تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة، التي امست تؤثر على المنظومة الحرارية الضامنة للحياة البشرية ولمركبات التكوين الجيولوجي للكرة الارضية، وايضا لعملية التوازن بين القطبين الشمالي والجنوبي، لا سيما وان التغير النسبي في المناخ، أخذ يؤثر على ذوبان الثلوج في القطب الشمالي. فضلا عن ارتفاع نسبة التلوث البيئي في اصقاع الكرة الارضية، الناتج عن عدم التخطيط السليم للدول الصناعية.
التقديرات الاولية لقمة وارسو تفيد، عدم تمكنها من إصدار تصور نهائي حول الاحتباس الحراري، لكن يعتقد انها يمكن، ان تتوصل الى حل بعض الخلافات ، وتوسيع نسبة التوافق بين الدول المشاركة القواسم المشتركة، اضافة إلى الاقرار بالمساعدات المالية لدول الجنوب ، حتى تتصدى لمسألة الاحتباس.
النتيجة العلمية والسياسية والديمغرافية للمؤتمرات ما زالت حتى الان دون مستوى الطموح، لان الدول الصناعية الكبرى، لا ترى سوى ارباحها وازدياد نسبة تلك الارباح على حساب جودة المناخ والبيئة. الامر الذي يفرض على شعوب الارض التنبه للاخطار المحدقة بها، والعمل من خلال المنظمات الاهلية والاقليمية والدولية توسيع فعالياتها وانشطتها ضد سياسات الدول الصناعية، والزامها بالتقيد بالمعايير العلمية لتخيفض نسبة التلوث البيئي، لحماية شعوبها وشعوب العالم، وايجاد اليات للتكافل بين شعوب الارض أعظم مما هو قائم حاليا.
التسميم والتأثيم
بقلم: عدلي صادق – الحياة
منذ أن نُقل الرئيس الشهيد ياسر عرفات، الى المشفى الفرنسي؛ كان معلوماً أن المحتلين الأوغاد نفذوا تهديدهم العلني، وزجوا بثقلهم لكي يتم تغييب الزعيم الفلسطيني مثلما يرغبون، إذ اعتبروه "عقبة" في وجه "السلام" المزعوم الذي كانوا يتحدثون عنه!
فلم يكن ثمة التباس، حول حقيقة تسميمه. فقد تحدثوا هم أنفسهم، عن الآلية التي يريدونها لارتكاب الجريمة، بحيث لا تترك أثراً لبصماتهم، تحفيفاً لردود الأفعال في العالم الذي احترم ياسر عرفات وأكبر صموده ونضاله وتمسكه بثوابت شعبه وفي مقدمها القدس وحقوق اللاجئين. ولم يكن ثمة متغابٍ في العالم، ينكر أن الفاعلين هم. كانت الأحاديث تدور حول الأدوات التي أوصلت السم الى جوفه الطاهر، وهي أدوات ووسائل للوصول، تسهل على المحتلين الذين كانوا يحاصرون الزعيم ويعتبرونه غير ذي صلة، ويتهددونه بالموت، ويؤازرهم حاكمون وحكومات راضخة ومتآمرة، متنوعة الألوان. فما زلنا نذكر كيف قاطعوا "الختيار" وضنّوا عليه بمكالمة هاتفية، أو رفضوا حتى ظهوره على شاشة "الفيدو" لكي يخاطب القمة العربية في بيروت!
لا جديد في القناعات. فـ "أبو عمار" قتل بأنواع من السموم كيميائية وأخرى سياسية. فبخلاف الذين أرسلوا السم، والذين دسوّه، هناك من أجهزوا على حصانته السياسية من خلال البغضاء ومن خلال مقاطعته والإجهاز على غلاف وقايته، ضمن منظومة العلاقات الدولية، التي ينبغي أن تكون فيها أمة العرب، وأقطارها، ذات شأن.
لم يكن التحفز لتصفية الزعيم الفلسطيني سراً. فما زالت إرشيفات الأنباء والتصريحات، تحفظ إشارات التحفز الصهيوني لقتل الزعيم الفلسطيني، بكل مضامينها الوقحة!
ولكي يتحاشى الجناة الأساسيون، أية مساءلة، نرى الأمور حتى الآن ذات التباسات مفتعلة. حتى الفحوصات المخبرية، التي لا تعرف المواربة، ما زالت تقول الشيء ولا تقوله. بل إن التقرير السويسري الأخير، يتعمد استعمال كلمة "قد" التي تفيد التوقع، وهذه لا تساعد على تأسيس قرار اتهام صريح، بمعايير القضاء، وإن كان السياق الذي جاءت فيه؛ يؤسس لقرار اتهام سياسي لا لُبس فيه!
ومثلما توحدت الأمة في حزنها وتفجعها على البطل العربي ياسر عرفات، فإن الجواب الذي ما زال منتظراً، هو وحدة الأمة، في مواجهة العدو الوحيد وحليفته ممتهنة كرامات الشعوب ومنتهكة الأوطان، والمتطفلة على كل تفصيل من تفصيلات حياتنا السياسية والاقتصادية!
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن درس التسميم، لا يقتصر على تكريس التأثيم البليغ للمحتل الذي اقترف الجريمة. إنه إشارة قوية تذكرنا بطبيعة التحدي الذي نواجهه. فـ "أبو عمار" اختار التسوية، وتحمل الكثير من أجل تحقيقها، وكان يحلم بالتوصل الى اتفاق معقول، يمكّن شعبنا من وضع أقدامه على أرضة لكي يظفر باستقلاله، وأن يستهل صيرورته الحضارية وأن يعزز وجوده على أرض الآباء والأجداد، في مسار تاريخي مضاد للمسار الذي قطعته الحركة الصهيونية منذ أن بدأت خطتها لانتهاب وطننا.
الآثمون قتلوا رجلاً أراد التسوية وتحمل من أجلها كل التخرصات. معنى ذلك إن ما فعلوه يمكن أن يتكرر مع سواه، فلا أمان لهم. وواجبنا الآن، بعد أن عبرنا المرحلة التي قُتل فيها "أبو عمار" أن نرفع البنيان على القواعد التي أرساها. فلا جديد في حكاية التسميم، ولا في عنوان التأثيم!
يوم في ضيافة الزعيم
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
ما أن انتهيت من المشاركة في برنامج «صباح الخير ياقدس»، والذي كان يبث عبر فضائية فلسطين صباح كل يوم جمعة من غرفة صغيرة بالطابق الأرضي بالمنتدى، حتى دعاني الراحل هشام مكي لتناول فنجان من القهوة في مكتبه الملاصق للغرفة الصغيرة، أثناء الحديث تساءلت إن كان وقت الرئيس يسمح بأن القي عليه تحية الصباح، عبر مكالمة هاتفية قصيرة مع مدير مكتب الرئيس، جاءت الموافقة شرط ألا يقترن ذلك بموضوع، صعدت سلالم المنتدى المؤدية إلى مكتب الرئيس في الطابق الأول، ودون مقدمات أو انتظار وجدت نفسي أصافح الرئيس، كانت ملامح وجهه التي غابت عنه الابتسامه تختصرها نظرة ثابتة إلى الأعلى، وصمت مطبق يخيم على المكان رغم وجود البعض من القيادات، حاولت أن أغادر المكتب كما فعل الغير إلا أن القائد اشار بيده أن أجلس، اتخذت مقعدي دون أن أهمس بكلمة تماشياً مع مركبات المشهد.
على غير المعتاد، القليل من القيادات جاءت لإلقاء التحية ثم انسلت بهدوء، فيما الرئيس يتملكه التفكير مع الذات ونظرته الثابتة ما زالت على حالها، بدأت أدرك أن الشرط الذي وضعه مدير مكتبه له ما يبرره، خاصة مع تدافع المعلومات التي كانت توضع أمامه سواء كانت مكتوبة أو مقتضبة يدلي بها على عجالة من جاء بها، إذاً الأمر يتعلق بالتهديدات المتلاحقة التي أطلقتها قيادات في حكومة الإحتلال، كانت مدينة القدس المحتلة قد شهدت عملية تفجير أودت بالعديد من القتلى، لم يعلن أي من الفصائل الفلسطينية تبنيه للعملية كما جرت العادة، بل أحياناً كنا نجد أكثر من فصيل يعلن مسؤوليته، لعل عدم تبني الفصائل الفلسطنية لتلك العملية دفع القيادة للإعتقاد بأن اليمين المتطرف الاسرائيلي هو من يقف وراء ذلك لنسف جهود السلام، المهم صباح يوم الجمعة أعلنت حكومة الاحتلال أسم الاستشهادي الفلسطيني منفذ العملية، ومعه تلاحقت التهديدات الإسرائيلية التي تحمل الرئيس عرفات المسؤولية، وحملت البعض منها المطالبة بإغتياله ردا على العملية الاستشهادية في القدس.
حاولت مراراً أن أنصرف بعد الاستئذان إلا أنه كان يشير بيده أن أبقى، كان آخرها عند إقتراب موعد صلاة الجمعة، إلا أنها كانت على غير سابقاتها، حيث بادر بالقول: «تصلي وتتغدى ثم تنصرف»، يبدو أن تلك الكلمات كسرت حاجز الصمت الذي إمتد لساعات، عاد بعدها ليسأل عما حدث لمشروع الصرف الصحي بمدينة خان يونس، أجبته أن اليابان أنهت إعداد الدراسات المتعلقة بالمشروع، إلا أن التصريحات المتعلقة بتنفيذ المشروع ما زالت للاستهلاك المحلي، لذا أخذنا على عاتقنا البدء بتنفيذ المشروع على مراحل وفي الوقت ذاته سنحافظ على الاتصال مع اليابان لحثها على التمويل، تبسم الرئيس وقال: «على بركة الله»، وأتبعها بجملة «اكتب ذلك لي»، أيقنت لحظتها أن الرئيس لا يتابع فقط ادق التفاصيل بل أن المسؤوليات الجسام الملقاه على عاتقه مهما عظم شأنها لا تحول بينه وبين متابعة هموم شعبه.
ذهبنا إلى صلاة الجمعة ومنها إلى تناول الغذاء، كان من الواضح أن التهديدات التي أطلقها العدو بما فيها تلك التي حملت طابع الاستهداف الشخصي له لم يستقر منها شيئاً في وجدانه، فحين تناول أحد الحضور آخر تهديدات العدو التي يطالب فيها بقصف المنتدى، تبسم الرئيس قائلاً « ياجبل ما يهزك ريح»، حينها أخذ يمازح الجميع وتحول معها إلى الأب الذي يحرص على إطعام أبنائه، أخذ يتناول مما على المائدة ويقدمه تباعاً للحاضرين، رافقها ببعض الكلمات التي أشاعت في المكان الجو الأسري الذي لطالما عمل على تثبيت قواعده.
وأخذت أسترجع تلك الساعات وأنا أمضي عائداً إلى البيت، لأقف عند حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، أن الزعيم والقائد والرئيس والأب إجتمعت في هذا الإنسان ليتحول بها إلى جبل شامخ من جبال فلسطين المطلة على ربوع الوطن.
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية الاثنين
11/ 11 /2013
</tbody>
الذكرى التاسعة
بقلم: حديث القدس – القدس
المدخل الفعلي لإنهاء المأزق الفلسطيني
بقلم: علي جرادات – القدس
أبا عمار ..الريح التي حركت الجبل
بقلم: النائب الدكتور أحمد الطيبي – القدس
أم شادي الطوس ... استيقظي ،عاد الغائبون من ضوء الأمس!
بقلم: عيسى قراقع – القدس
يوسف الفلسطيني في بئر الأشقاء...
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
جولات كيري المتكررة "نسمع طحناً ولا نرى طحيناً"
بقلم: راسم عبيدات – القدس
فواز طرابلسي : "حرير وحديد" ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
سياسة إسرائيل تقودها إلى الهاوية
بقلم: طلال عوكل – الايام
غول الطائفية يأكلنا جميعاً
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
ياسر عرفات
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
في الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات
بقلم: سميح شبيب – الايام
تغريدة الصباح - طربوش مسيو سولي
بقلم: محمد علي طه – الحياة
شجرة الذاكرة
بقلم: يحيى رباح – الايام
الحكاية التي لا تموت
بقلم: محمود ابو الهيجاء – الايام
الاحتباس الحراري على نار باردة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
التسميم والتأثيم
بقلم: عدلي صادق – الحياة
يوم في ضيافة الزعيم
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
الذكرى التاسعة
بقلم: حديث القدس – القدس
أحيا شعبنا في الوطن والشتات الذكرى التاسعة لاستشهاد رمزه الوطني، قائد ثورته المعاصرة الذي كرس حياته لفلسطين، الشهيد الخالد الرئيس الراحل ياسر عرفات في الوقت الذي اتضحت فيه بعض ملامح جريمة اغتياله بعد صدور التقريرين السويسري والروسي وما أكدته اللجنة الوطنية للتحقيق من العثور على آثار مادة البولونيوم واستشهاد الرئيس عرفات بالسم، وهو ما يضيف بعدا آخر لإحياء الذكرى هذا العام ، ليس فقط من خلال التعهد بالمضي على نفس نهج الرئيس الراحل والتمسك بالثوابت الوطنية والحقوق المشروعة لشعبنا وصولا الى فلسطين الحرة المستقلة، وانما ايضا التعهد بمواصلة التحقيق في ظروف استشهاد الرئيس الراحل وصولا الى كشف الحقيقة كاملة، سواء الجهة التي وقفت وراء الجريمة او الأيادي المنفذة.
وقد وضع الرئيس محمود عباس النقاط على الحروف أمس في خطابه بهذه المناسبة عندما أكد ان القيادة الفلسطينية ماضية على نهج الرئيس الراحل ابو عمار ولن نفرط بذرة تراب واحدة ، وأن كل أشكال الاستيطان باطلة وان القيادة متمسكة بالحقوق الثابتة والمشروعة لشعبنا، وعندما اكد ان لجنة التحقيق الوطنية ستواصل عملها لكشف الحقيقة كاملة وأن هذه اللجنة تحظى بدعم القيادة الفلسطينية.
ومن الواضح ان هذه الذكرى وحدت شعبنا بأسره في الوطن والشتات وكل فصائلة وقواه الوطنية باستثناء اولئك الذين أصروا على منع إحياء هذه الذكرى في غزة متنكرين لرمز شعبنا الوطني ونضاله ودوره في كل ما حققه شعبنا من إنجازات بما في ذلك قيام سلطته الوطنية ومشاركتهم أنفسهم في الانتخابات السابقة في إطار الكيان السياسي الذي أنجزه الرئيس الراحل. وهنا يثار التساؤل كيف لهؤلاء ان يدعوا أنهم يحرصون على تحقيق المصالحة في الوقت الذي يتخذون فيه مثل هذه المواقف ، خاصة وان الشهيد الراحل ياسر عرفات لم يكن قائدا فقط لفتح وإنما للشعب الفلسطيني بأسره.
واليوم وسط هذه الذكرى من الواضح ان تحديات جساما ما زالت ماثلة أمام شعبنا ونضاله العادل في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل تكريس احتلالها وتوسيع الاستيطان وتهويد القدس وحصار قطاع غزة ونسف أسس ومبادىء عملية السلام والتنكر للاتفاقيات الموقعة ومحاولة حرف الأنظار عما تمارسه من أفعال باطلة.
ولهذا نقول ان الوفاء للشهيد الراحل الرمز ياسر عرفات يكمن في تعزيز وحدتنا الوطنية ومواصلة المسيرة الشاقة والطويلة لإنهاء الاحتلال غير المشروع وانتزاع حقوق شعبنا في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف وحل قضية اللاجئين وفقا للقرار الدولي ١٩٤ القاضي بعودة وتعويض اللاجئين.
وإن ما نشهده اليوم من تمسك القيادة الفلسطينية بهذه الثوابت والمقاومة الشعبية المشروعة لجدار الفصل العنصري وللاستيطان والدفاع عن الأقصى في مواجهة انتهاكات اسرائيل ومتطرفيها ، إنما يؤكد على ان شعبنا ما زال نابضا بالحياة مؤمنا بالحرية ووفيا لقوافل شهدائه وعلى رأسهم الشهيد الرمز ياسر عرفات ولقوافل جرحاه وأسراه.
وتخطىء اسرائيل خطأ جسيما اذا ما اعتقدت أو راهنت بأن شعبنا يمكن أن يستسلم أو يتنازل عن حقوقه الوطنية الثابتة والمشروعة.
المدخل الفعلي لإنهاء المأزق الفلسطيني
بقلم: علي جرادات – القدس
«الاستيطان جوهر الصهيونية» . هكذا بوضوح لا لبس فيه أكد، ككل القادة الاسرائيليين، اسحق شامير أحد ملهمي نتنياهو الذي يترأس اليوم حكومة مستوطنين حتى باعتراف جهات سياسية إسرائيلية .
لذلك فإنه كما حال عشرين عاماً من التفاوض كان من الطبيعي ألا يفضي استئناف التفاوض-بضغط أمريكي- “دون شروط مسبقة”، أي التفاوض لأجل التفاوض، إلا إلى تمادي حكومة نتنياهو في تنفيذ مخططها الاستيطاني التهويدي، من جهة، وإلى تعميق مأزق قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، من جهة ثانية . فستار السرية المفروض بطلب أمريكي على مجريات التفاوض لم يستطع إخفاء أن ثلاثة أشهر من التفاوض لم تنجح في زحزحة حكومة نتنياهو قيد أنملة عن ثوابت الرؤية الاسرائيلية، بل وشجعتها على المزيد من التطرف السياسي والتشدد الأيديولوجي والتمادي الأمني والعسكري بهدف تمرير الاعتراف بكيانها غير محدد الحدود “دولة لليهود” وترسيم السيطرة على منطقة الأغوار ومعابر الحدود مع الأردن، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى، ناهيك عن محاولة تمرير اعتماد جدار الفصل، بما التهم من أراضي الضفة الغربية، أساساً سياسياً للحدود، وصولاً إلى إخراج جوهر القضية الفلسطينية، حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها، من دائرة البحث .
وكذا قضية القدس التي يجري تهويدها على قدم وساق وبصورة غير مسبوقة إلى درجة أن يصبح تشريع التقسيم المكاني والزماني للمسجد الأقصى وباحاته بنداً على جدول أعمال لجنة الداخلية في “الكنيست” .
كل هذا بينما تستهلك أطراف قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية نفسها في أزمة انقسامها الداخلي الذي عوض أن يسارع طرفاه إلى إنهائه نجدهما يعمقانه ويحولانه، بلا لبس، إلى صراع على التمثيل السياسي، الأمر الذي يحول دون إطلاق خطة سياسية فلسطينية موحدة تؤدي إلى توفير ركيزة تنظيمية وطنية لتطوير الهبات الجماهيرية المتلاحقة إلى انتفاضة شعبية متصلة ومتصاعدة تستطيع، فيما تستطيع، تفعيل العامل القومي الذي بغير استنهاضه، بالمعنيين الرسمي والشعبي، لا مجال لردع حكومة المستوطنين التي تدعمها، بل ترعاها بلا حدود، سياسة امريكية منحازة لاسرائيل.
هذا علماً بأن استمرار الانقسام والمفاوضات لن يثمرا إلا استمرار دوران الموقف الفلسطيني في هامش ما تخطط له الإدارة الأمريكية وحكومة المستوطنين أي تعطيل كل إمكانية لعودة العامل الوطني الفلسطيني إلى مركز الحركة الواسعة والتحولات الكبيرة الجارية في المنطقة والعالم . فحكومة نتنياهو، ككل حكومات إسرائيل منذ “مؤتمر مدريد للسلام” في العام 1991 لديها تصورات مسبقة للتعامل مع الصراع على المستويين الفلسطيني والعربي، ما يعني أنها تدير عملية التفاوض بعقلية تاجر الجملة الذي لا يتعامل مع القضايا بالمفرق . أما إدارة أوباما فتفكر في العامل الفلسطيني كعامل يجب تهدئته وتثبيته لتفادي أن يأخذ مفاعيله وآثاره في مجمل تغيرات موازين القوى في السياسة الدولية ونظامها ومؤسساتها .
هنا يتبدى أن قيادتي منظمة التحرير و”حماس” صارتا أمام حقيقة مرة، جوهرها، أنهما تسيران، وكل منهما على طريقته، على سكة قطار قديم وتغفلان أن السكة تغيرت وأن استمرار سيرهما متعاكسين فيها يعرضهما ومعهما القضية الوطنية للمهالك، ويضعهما سوياً خارج لعبة التحولات العاصفة، إقليمياً ودولياً، بينما تعمل حكومة نتنياهو في السر والعلن، وبالتنسيق الكامل مع الإدارة الأمريكية، على توظيف هذه التحولات لمصلحة أمنها وتوسعها . تشير إلى ذلك بجلاء التسريبات حول نية إدارة أوباما تقديم “مبادرة تقريب” أو “حل وسط” لضمان تعطيل إمكانية الانفجار الشعبي، بل ولضمان تعطيل استخدام الفلسطينيين لحقهم في الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة والانضمام لعضوية وكالاتها التخصصية .
وبالمحصلة ضمان بقاء انقسامهم الداخلي واستمرارهم في المفاوضات بعد انقضاء فترة التسعة أشهر المحددة لها . هذا ما يشي به أن جوهر “المبادرة”- حسب التسريبات الإعلامية الإسرائيلية التي “لا تنطق عن الهوى”- يقوم على إعادة تركيز المفاوضات على التوصل إلى حل مؤقت، المرادف ل”الدولة ذات الحدود المؤقتة”، وعلى إرجاء قضايا “الحل النهائي”، أي جوهر الصراع، والاكتفاء بتوقيع إعلان مبادئ عام حولها، ما يشي بأننا أمام محاولة لفرض اتفاق بمضمون اتفاق “أوسلو”، إنما بمسمى جديد يلبي مطلب حكومة نتنياهو التي تريد استمرار المفاوضات إنما خارج مرجعيات القرارات الدولية ذات الصلة بجوهر الصراع، وبما يكفل لها إدارتها وتوجيهها وفقاً لخطة مسبقة تحكمها ثوابت اسرائيلية راسخة، وليس وفقاً لكونها مفاوضات مع طرف آخر له حقوق وطنية وتاريخية تكفل الحد الأدنى منها قرارات الشرعية الدولية .
بلا ريب تدرك إدارة أوباما أن هذه “المبادرة” غير مقبولة على قيادة منظمة التحرير التي تتأهب، كما يشير العارفون ببواطن ما يدور في اجتماعاتها، لخيار الذهاب إلى هيئة الأمم المتحدة، لكن الإدارة الأمريكية العارفة بمفاعيل الانقسام الفلسطيني الداخلي وانشغال مراكز القوة العربية بهمومها الداخلية، ستضغط بما تملك من قوة ونفوذ سياسي محلي وإقليمي ودولي على قيادة منظمة التحرير، وستعمل على إقناعها بأن القبول ب”المبادرة” الأمريكية المفترضة هو أفضل الخيارات لها، خاصة وأن ثمة جهات داخلها تقبله من أجل الحفاظ على “حصتها” من “السلطة” مع استمرار التلويح بخيار الذهاب إلى الأمم المتحدة، وأن قيادة “حماس” ستجد في ذلك فرصة للحفاظ على “حصتها” من “السلطة” مع مواصلة الهجوم على استمرار قيادة المنظمة في المفاوضات .
ما يعني أننا أمام لوحة فلسطينية معقدة لا يقوى على معالجتها سوى عقل وطني شمولي يستوعب عناصرها المركبة، تحفزه إرادة سياسية وطنية جادة للخروج من مأزق متعدد الأوجه مدخل الخلاص منه إنهاء الانقسام الداخلي، وتجديد الشرعيات وتوحيد مؤسساتها، وأولاها منظمة التحرير الفلسطينية، بدءاً بمجلسها الوطني، بالانتخاب إن أمكن، وبالتوافق إن تعذر .
أما دون ذلك فلن يفضي إلا إلى استمرار تحرك العامل الوطني الفلسطيني كمتغير خارجي وليس في صلب خطة الولايات المتحدة للمنطقة ارتباطاً بمصالحها ومصالح إسرائيل .
أبا عمار ..الريح التي حركت الجبل
بقلم: النائب الدكتور أحمد الطيبي – القدس
سنوات تسع أزاحك فيها الموت ولم يغيبك.. ويُفتح جرحنا النازف في قلوبنا في ذكرى رحيلك من جديد .. رحيل وعدتنا أن يكون استشهاداً في سبيل فلسطين، يا سيد فلسطين، وهكذا كان .. ورغم مضي كل هذه الأعوام ما زال استشهادك يحير العالم والعلماء ولجنة تحقيق عازمة على إثبات أن يداً غادرة آثمة مجرمة هي التي قتلتك.. ومتهمون يحاولون التنصّل من المسئولية عن جريمة قتلك وقتل شعب وحلم ووطن .. ولكن لا تأسفن على غدر الزمان لطالما...رقصت على جثث الأسود كلاب.
اذكر ذلك اللقاء الأول في تونس حين مددت يدك لتتناول رغيفا من تحت كنبتك البالية لتقتسمه معي.. هكذا أنت عظيما وبسيطا, رمزا وابا, زعيما ومقاتلا, لينا وصلبا, غاضبا ومعانقا, قائدا ومرافقا وكنت سيدا وخادما.. كنت كل ذلك وكنت قبل كل ذلك 'السيد فلسطين'.
لا أستطيع أن أملأ ثقوب الذاكرة بالكلمات.. ولا أتجاوز الجراح .. لم تبكك عيوننا بل قلوبنا.. كان يوم رحيلك يوم أبكيت فيه السماء قبل الأرض.. وأبكيت الرجال قبل النساء والأطفال.. ودّعك الشجر والحجر.. كنت غضباً .. مسيرة وحلماً.
أشعلت بشعبك ناراً مؤجّجة تاريخاً ونضالاً.. بنيت فيه حلماً.. تحرسه الأمهات حارسات حلمك المقدس.. كسرت القيد وبددت الظلام ولعنت القهر وثرت على الظلم وتحديت الخوف..إنك عاصفة.. واشتقت منك العاصفة. كوفيتك وسام للثوار.. شعار لكل الأحرار..يا ختيار الثوار !
كم انحنى الموت أمامك.. والقذائف تنهمر بين ذراعيك وبين إصبعيك اللتين تشيران إلى النصر. ولا تنفجر حياءً من قوة أحلامك.. وها هما هاتان الاصبعان تخرجان من تحت التراب في إشارة نصر بوجه الظالمين لانبثاق الحقيقة التي أبت أن تبقى مدفونة ، وصرخت صرخة مدوية بأنك لا تُقهر حتى وأنت شهيد .. وستخرج الحقيقة الى النور لا محالة وسيدفع الطاغية الذي قتلك الثمن .. عندئذ ستثبت مجدداً أنه يموت الطاغية وينتهي حكمه ويموت الشهيد ويبدأ حكمه .. وفي حين تبكي شعوب لكي تتخلص من حكامها .. تبكي فلسطين دما لغياب زعيمها.
أبا عمار: في الضفة المحتلة يتنامى نظام الابارتهايد ويتكرس، وعندنا في الداخل تنمو العنصرية وترفع الفاشية رأسها. في كل اسبوع قانون اسود او اكثر. يضيقون علينا سياقات الحياة في الارض والمسكن في الرواية والهوية..
أبا عمار ما أحوجنا إليك في ظل الانقسام والتشرذم واليأس والاقتتال. طال ارتفاع الجدار وتوحشت حواجزهم بل زادت فاشيتهم.
قضية شعبنا تمر في اسوأ حالاتها، بل ان فكرة الدولتين تترنح انها آيلة للسقوط.
وما زال شجر الزيتون عدوا لهم ليقتلعوه.
أبا عمار يا زيتوننا وزيزفوننا.. من دون فلسطين لن نصل إليك ولن نفهم عليك، تلك لغتك التي أتقنتها بألف لهجة ولهجة ولكنها كانت لغة واحدة، تبدأ البسملة فيها بالأقصى المبارك وينتهي الحمد لله فيها بالفدائي الأول عيسى المسيح ومعنى القيامة 'انا فتحنا لك فتحاً مبينا'.
لن ندع الذين راهنوا على تفرق ريح هذا الشعب بغيابك يفرحون ويجعلون علامة الغياب عرساً لهم يرقصون على قبورنا، ولن نقبل بتحطيم البيت من داخله، بل ستبقى وصيتك وكوفيتك التي شرفتني بمداعبتها رمزاً لكرامة هذه الأمة وشرف هذا الشعب المتعطش للوحدة الوطنية والحرية. وكما قلت لك آنذاك " إن سقطت هذه الكوفية سقطت كرامة العرب "..أنت يا سيد الكرامة !
ابا عمار..
ناديتك.. قم يا ياسر.. قم من نومك المؤقت.. قم معي يا طائر الفينيق... وأقولها لك للمرة التاسعة ألا تسمعني.. أم أنك غاضب منا..
اتأذن لي ثانية أن أطلب بأن أحملك بين يدي وأعتذر لروحي لأنها أيقظتك من زمنك الأبيض.. تأتي معي إلى الحلم ترى شوارعاً تعرفك، حارات وأطفالاً وخطوات وأشجاراً وأصدقاء وناسا.. ومخيماً ومعتقلات. فبأي نبض أزرع الوردة في مقامك الأسمى.. كل ما في المدينة من حزن ومن فوضى ومن موت واحتراب.. قم لنطرد الجراد عن المكان.. هنا وهناك.. اخرج معي إلى هذا الليل الطويل.. فالموت لا يدفن الحقوق وإن السلام غناء. ولن تسقط راية الفارس التي حملتها..
ما زلت أحبك رغماً عن غيابك .. .. أو قل أكثر بعد غيابك .. ما زلت اليوم حلماً.. وما زلت الحاضر غداً .. يا سيد الرجال . يا سيد الوفاء. أيها الفارس الذي ترجل يا أيها الريح التي حركت الجبل..
أم شادي الطوس ... استيقظي ،عاد الغائبون من ضوء الأمس!
بقلم: عيسى قراقع – القدس
*قبل الإفراج عن أسرى الدفعة الثانية بعدة أيام، سقطت أم شادي زوجة الاسير محمد الطوس المحكوم بالمؤبد منذ عام 1985 مغشيا عليها بعد أن أصيبت بجلطة دماغية حادة، ولازالت في غيبوبتها تنتظر من يوقظها على وقع فرس عائدة.
جاءتها الأخبار المتناثرة أن زوجها قد يفرج عنه مع سائر قدامى الأسرى بعد قضاء 29 عاما في سجون الاحتلال، لم تحتمل أم شادي الفرحة القادمة مثلما لم تحتمل ألم الفراق السابق، سافرت بعيدا صامتة، تناقش روحها عن شكل الوقت عندما يدق على باب الدار.
لازالت أم شادي ترقد في المستشفى الأهلي في الخليل نتيجة تعرضها لنزيف حاد في الدماغ وفي وضع صحي صعب للغاية، لم تشارك في استقبال زملاء زوجها وأبناء مجموعته الذين حرروا: زياد ومصطفى غنيمات، ربما خشية من عبء ذاكرتها الثقيلة أو عدم قدرتها على رفع بهجتها إلى قمة الغيم.
كانت الأم والأب معا طيلة غياب زوجها، حضنت الأولاد ورممت الغياب الموجع وقررت أن تتشبث بالأمل وتسابق الزمن وهي ترنو إلى أولادها وقد كبروا مزدهرين قادرين على إسقاط العدم، وكسر خيبة السجان العاجز عن منع وردة أن تنمو في شقوق جدار.
حاول الأطباء إيقاظها من غيبوبتها العميقة، وحاول الحلم أن يشرح لها انه أصبح واقعيا، وان فزع المؤبد والسجن قد تلاشى الآن، ولتسمع صوت الناس وضجيج الحرية يملآن كل مكان، لكن أم شادي ظلت نائمة ، أتعبها الانتظار تاركة لحواسها الخمس أن تطمئن أكثر على الرابط في العلاقة بين الأمس والغد.
في آخر الليل ، وفي أول المطر ، وعند لمعان الزيت، طل الأسرى علينا واحدا واحدا ، ولم يكن محمد الطوس بينهم، انكسر التوقع وانكسرت زوجته معا، فاض فينا الحب والحسرة، وهرع الفرح إلينا مصحوبا بالخوف والقلق ، دبت الحياة وغابت الحياة، كأن الأسطورة تلازمنا وتلح علينا أن نبقى واقفين متأهبين بين الموت والحياة.
الاسير محمد الطوس أطلق عليه الأسرى الفلسطينيون لقب «الشهيد الحيّ»، حيث ترتقي حكايته الى الأسطورة عندما خرج من تلك المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال عام 1985 حيا بعد أن اعتقدت حكومة اسرائيل أنها قضت على كافة ابناء مجموعته الفدائية التي نصبت لها كمينا عسكريا محكما في منطقة جبل الخليل.
أسطورة الطوس البطولية لم يصدقها أحد حتى فرقة الموت التي صبت كل رصاصها وقنابلها على السيارة التي كان يستقلها مع أفراد مجموعته والذين جميعهم سقطوا شهداء وهم محمد حسن سعيد ومحمود عدوان ومحمود النجار وعلي خلايلة.
وكانت مذبحة بدم بارد لمجموعة فدائية طوردت سنوات طويلة، وكبدت الاحتلال خسائر كبيرة، لم ينج منها سوى محمد الطوس ( أبو شادي) ، الذي قيدوه مصابا وجريحا ، ينزف الدماء من كل أنحاء جسمه، نزيفا على نزيف، وانهالوا عليه ضربا موحشا، فهم لا يريدونه حيا بل قتيلا مثل كافة زملائه وكان هذا هو هدفهم وقرارهم.
الأخبار التي شاعت وهزت المنطقة في تلك الفترة انتشرت بسرعة بان مجموعة جبل الخليل قد استشهدت، وتلقت زوجته أم شادي وابنه الطفل شادي الخبر بصدمة وذهول، وبدأوا يطالبون كافة الجهات الدولية والإنسانية من اجل استلام جثمان محمد الطوس، ومعرفة مصيره ومصير أبناء مجموعته.
حكومة اسرائيل وجهازها الأمني افتخروا بهذا الانجاز الكبير، وخرجت وسائل الإعلام الاسرائيلية بالأنباء عن القضاء على أخطر مجموعة فدائية في منطقة جبل الخليل، كانت تعمل بأوامر و تعليمات من الشهيد خليل الوزير أبو جهاد، ولم يدرك العالم أن حكومة اسرائيل تتستر على جريمة وعملية إعدام بدم بارد بحق مناضلين قامت بتصفيتهم بطريقة بشعة وخارج نطاق القضاء.
نظرت إلى أم شادي وتمنيت أن تفتح عينيها قليلا لترانا، أن تنزع الأسلاك الطبية وتجلس، وترى قدرة الروح الإبداعية للفلسطينيين على الاختراق، أن تقف وتصافح العائدين من ضوء الأمس ، وتعلن شفاء ذاكرتها من القيد والنسيان.\
أم شادي بكل ما فيها من وجع وقوة، المنكبة منذ زمن طويل على ترتيب مواعيدها القاسية مع أمنياتها القادمات، المشبعة باليقين بان الذي يجلس خلف شبك الزيارة سيعود قريبا، وان كل شيء على ما هو عليه في المكان، الشجر ورائحة النعنع وخطى الأولاد وضحكات البنات.
أم شادي وبمساعدة المؤسسات المجتمعية والقوى الوطنية استطاعت أن تتحدى المحتلين وتبني المنزل على أنقاض الدمار، ليسارع جيش الاحتلال بإعادة هدمه مرة أخرى، كأنه لا يريد أن يصدق أن لأبي شادي أثرا، ولا يريد أن يصدق أن هذا الرجل لا زال ينتظر العودة الى البيت والعائلة.
التحدي للموت والسجن لا زال يتحرك في قلب أم شادي وابنها ، وقد توقعت أن يعود الى منزله الذي أصرت أن تبنيه رغم كل بطش المحتلين، وليعود زوجها حتى يضع إكليلا من الورد على قبور زملائه الشهداء ويتنفس عميقا وطويلا من هواء قريته الجميلة التي تنتظره على أحر من الجمر، ينتظره ابنه شادي الذي كبر وتخرج من الجامعة وحفظ درس الحياة.
مسيرة شعب في امرأة فلسطينية تتحدى مهندسي الظلام، تمشي في الجبل والسهل وتتفقد أعضاء الأرض وسلامة القلب، تلملم الحجارة وتبني البيت الذي نسفوه، تسقي الدوالي ولا تنام.
أم شادي: استيقظي، عاد الغائبون من ضوء الأمس، تحركي، البعيد هو هذا القريب، وليس للأرض سوى أم واحدة هو أنت، وليس لمحمد الطوس سوى صوت واحد هو صوتك، أعطيته عمرك كي يمتلئ بك عند اللقاء.
استيقظي: لا زالت الأرض تتسع لأحلامك، اخرجي من الصدى وانظري كيف تفتح أبواب الحديد، ويعود أولادك من الجامعات كما يعود الشجر من السحاب، ذاكرتك صاحية، ولكن نومك عميق.
يوسف الفلسطيني في بئر الأشقاء...
بقلم: محمد جلال عناية – القدس
عندما هاجت مشاعره واشتعل غضبه، لم يكن لدى الشعب الفلسطيني من الوسائل ما يمكنه من التصدي للقوى اليهودية العسكرية المدربة والمجهزة. فتوالت الانهيارات على الجبهة الفلسطينية في شهر نيسان ١٩٤٨، في مشاهد فظيعة من القتل والتشريد، حركت عواطف الشعوب العربية التي اخذت تضغط على الحكومات العربية، مطالبة اياها بالتدخل العسكري. فانتقلت الحركة العشوائية من الجماهير الى الجيوش العربية، التي هرولت الى فلسطين دون ان تتفق على هدف محدد. فدخلت فرادى، وهزمت فرادى، وتشتت فرادى.
اذن لم يكن لدى الفلسطينيين من مصدر للدعم سوى غضب الشعوب العربية، وبدا وكأن الحكومات العربية مكلفة بتحقيق هدف مريب. فقد منعت السلاح عن الفلسطينيين، ومنعتهم من تشكيل حكومة وطنية. ولكن الذي لم تستطع الحكومات العربية منه هو غضب الشعوب. وبدأت الجيوش تعوض عن فشلها في الحرب بالانقضاض على السلطة القائمة.
وتنبهت انظمة الحكم، القديمة منها والجديدة، الى مخاطر التحالف التلقائي بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية، فأخذت تحارب على هذه الجبهة بعد ان توقفت الحرب بينها وبين اسرائيل. فالى اي مدى وصلت هذه الحرب، وما الذي حققته؟.
تداخلت عوامل كثيرة في شق العلاقة بين الشعوب العربية والقضية الفلسطينية، ولكن تبقى اسرائيل هي المستفيد الاول والاخير على الصعيد الاستراتيجي، من فك هذه العلاقة. ولكن اسرع هذه العوامل كان تحويل الغضب الشعبي عن محاسبة الحكام وقادة الجيوش على تقصيرهم، الى حملة من الحرب النفسية ذات الحدين على الشعوب العربية وعلى الشعب الفلسطيني.
على الشعوب العربية بتضليلها، وعلى الشعب الفلسطيني بإذلاله بتهمتي بيع الارض لليهود، والتجسس لحسابهم.
رغم الغضب الذي تثيره هذه التهم التي استقرت كحقائق في اذهان عامة الناس من العرب، فإننا سوف نعرض الحقائق بهدوء ورويّة. ففي العام ١٩٤٧، كان ما في حوزة اليهود من ارض فلسطين هو ٦٪ فقط. وسوف نفترض ان الفلسطينيين على مدى الفي عام باعوا هذه الارض وقبضوا ثمنها، فإن الجيوش العربية في الفترة من ١٩٤٨/٥/١٥ وحتى ١٩٤٩/١/٧، تنازلت عن ٧٢٪ من ارض فلسطين لليهود بالمجان. وفي اعقاب هزيمة ١٩٦٧ اصبحت كل فلسطين في حوزة اليهود، وبالمجان ايضا.
اما الجاسوسية، فلها حكاياتها المصرية والشامية. ففي صيف ١٩٥٤ اطلق الكولونيل بنيامين جبلي، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلي "امان" عملية "سوزانا" للقيام بتفجيرات وعمليات تخريب لمنع تنفيذ قرار الانسحاب البريطاني من مصر، ففي ١٩٥٤/٧/٢ تم تفجير مكتب بريد في الاسكندرية. وفي ١٩٥٤/٧/١٤، تم تفجير مكتبات وكالة الاستعلامات الامريكية في كل من القاهرة والاسكندرية. وقد تتبعت المخابرات المصرية احد اليهود المشبوهين الى الهدف الذي يريد تفجيره، وكان دار سينما "ريو"، وقد اعتقلته قبل ان يحقق هدفه. وعند تفتيش شقته، عثر على ادلة ذات علاقة بعمليات التفجير، وعلى اسماء وجنسيات مزيفة، وعملية "سوزانا" هي التي اشتهرت تحت اسم «فضيحة لافون»، وزير الدفاع الاسرائيلي الضعيف الذي تمت العملية من وراء ظهره، وبالتأكيد لم يكن لأي فلسطيني علاقة بها.
اما الحكاية السورية، فإن بطلها كامل امين ثابت «ايلي كوهين»، وهو يهودي من مواليد الاسكندرية «26/ 12/ 1924» ويعود في اصوله الى مدينة دير الزور السورية، وقد جندته المخابرات العسكرية الاسرائيلية عام 1960، وبعثت به الى الارجنتين حيث قضى عاماً هناك انتحل خلاله شخصية مغترب سوري. وعاد الى سوريا حيث تغلغل في القيادة السورية، واستطاع ان يطلع على التحصينات السورية في الجولان. ومن ابرز انجازاته في الجاسوسية إقناع القيادة السورية بغرس أشجار من نوع معين لاخفاء «مواقع التحصينات ووقاية الجنود من «ضربة الشمس»، وقد ساعدت هذه الاشجار على تحديد الاهداف للطيران الاسرائيلي.
وكان الخبراء السوڤييت هم من استطاع اكتشاف كوهين وتحديد مكانه. وقد حوكم، ثم أعدم في ساحة المرجة بدمشق في 18/ 5/ 1965 ويكرر الاسرائيليون المطالبة برفاته. وهناك معلومات غير مؤكدة بأن السوريين غيروا مكان قبره ثلاث مرات، وان شوارع قد رصفت وعمارات قد اقيمت فوق قبره. ولم يرد ذكر جواسيس فلسطينيين في هذه القضية.
فمن هو الجاسوس الفلسطيني الذي استطاع ان ينقل الحوار الذي دار بين رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي باشا وبين اللواء احمد علي المواوي قائد القوات المصرية في فلسطين الى اسرائيل؟ ومن هو الجاسوس الفلسطيني الذي رتب العلاقة بين حسني الزعيم حاكم سوريا، ورائد الانقلابات العسكرية العربية، وبين اسرائيل؟ وعلى كل لقد اغتال المصريون النقراشي باشا في 28/ 12/ 1948، واغتال السوريون حسني الزعيم في 14/ 8/ 1949، اما يوسف الفلسطيني فما زال قابعاً في بئر الاشقاء في انتظار من ينتشله.
جولات كيري المتكررة "نسمع طحناً ولا نرى طحيناً"
بقلم: راسم عبيدات – القدس
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يواصل جولاته المكوكية المتكررة بين السلطة الفلسطينية ودولة الإحتلال الإسرائيلي، يبحث عن تسجيل إنجاز للسياسة الأميركية في المنطقة، بعد ان منيت بفشل ذريع في اكثر من منطقة وساحة سوريا ومصر بشكل خاص، وهو يريد كذلك ان يبني له مجداً شخصياً،على أساس انه حقق نجاحاً غير مسبوق في إطار "حلحلة" وفكفكة حلقات الصراع العربي- الاسرائيلي وفي القلب منه القضية الفلسطينية.
كيري نجح في إعادة السلطة الفلسطينية الى العملية التفاوضية، رغم الكثير من التحفظات الرسمية والشعبية على تلك العودة استناداً الى ان تلك المفاوضات المتواصلة منذ عشرين عاماً، تدور في حلقة مفرغة،ولم تحقق أية إنجازات جدية لصالح الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بل كانت تلك المفاوضات تستغل من قبل الجانب الإسرائيلي من اجل فرض وقائع وحقائق جديدة على الأرض،وبما يحدث تآكلاً في هيبة وسمعة ومصداقية القيادة الفلسطينية، وإظهارها بمظهر الموافق على ما تقوم به اسرائيل من إجراءات وممارسات قمعية وإحتلالية بحق شعبنا الفلسطيني، ولكن رغم ذلك عادت السلطة الفلسطينية للعملية التفاوضية، نتيجة ضغوط امريكية وعربية خليجية كبيرة مورست عليها، وتهديدات بقطع المساعدات المالية عنها وبما يهدد دورها وبقاءها.
المهم ان السلطة الفلسطينية عادت الى تلك المفاوضات المسقوفة زمنياً بتسعة شهور،على ان يجري خلالها تحقيق اتفاق يؤدي الى إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي المحتلة عام 1967،وخلال تلك الفترة من المفاوضات تمتنع اسرائيل عن القيام بأية خطوات آحادية الجانب، وبالذات مواصلة الإستيطان من شأنها ان تقوض تلك المفاوضات او تفرغها من مضمونها، ولكن حكومة الإحتلال الحالية القائمة والقادمة على برنامج جوهرة ومرتكزة الإستيطان، تدرك جيداً بأن التزامها بمثل هذا الشرط يعني انها ستنتحر سياسياً، فالمجتمع الإسرائيلي يتجه نحو اليمينية والتطرف والمستوى السياسي غير ناضج لحل او مفاوضات توقف الإستيطان.
ولذلك وجدنا ان تلك الحكومة اليمينية لكي تضمن استمرار إئتلافها الحكومي ومواصلة المفاوضات، لجأت الى خلق معادلة جديدة، هي أسرى مقابل الإستيطان، حيث قسمت أسرى ما قبل اوسلو ال(104 ) والذين كان يفترض اطلاق سراحهم قبل عشرين عاماً الى اربع دفعات، كل دفعة يفرج عنها، يعلن عن طرح مناقصات ومشاريع لإقامة وبناء مئات الوحدات الإستيطانية في القدس، وهذه المعادلة وهذه الطريقة، وما سربته وسائل الإعلام العبرية، من ان الطرف الفلسطيني عندما عاد الى المفاوضات،كان على علم بأن عدم وقف الإستيطان، ليس شرطاً لمواصلة المفاوضات، هذه الأخبار والتسريبات وضعت السلطة الفلسطينية في موقف محرج امام الشعب الفلسطيني، وزادت النقمة والسخط، ولذلك كادت الجولة التفاوضية التي عقدت في القدس المحتلة يوم الثلاثاء الماضي بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ،ان تنفجر حيث نفى الطرف الفلسطيني موافقته على ان يستمر الإستيطان مقابل إطلاق سراح اسرى ما قبل اوسلو،وهذا دفع بكيري الى التدخل من اجل ان لا تنفجر المفاوضات وينسحب الطرف الفلسطيني منها،ولذلك لجأ لكي يطمئن الطرف الفلسطيني ويبدد مخاوفه الى ترديد الأسطوانة الأمريكية المشروخة بأن الإستيطان غير شرعي، وبأن إطلاق سراح الأسرى غير مرتبط بمواصلة الإستيطان، وإن كان في باريس خلال لقاءه في اواخر الشهر الماضي مع وزراء الخارجية العرب، قد قال بأن الطرف الفلسطيني يتفهم عدم قدرة نتنياهو على وقف الإتسيطان، حتى لا تسقط حكومته.
كيري يدرك جيداً بأن مساعيه وجهوده وجولاته المكوكية محكوم عليها بالفشل، وأقصى ما يمكن ان ينتزعه من الإسرائيليين، هو اتفاق مرحلي طويل الأمد، يضعنا نحن الفلسطينيين امام اوسلو (2) على نحو اسوأ من اوسلو (1)، فلا اسرائيل حكومة وشعباً قانعة او راغبة او مقتنعة بتقديم تنازلات جدية تلامس الحدود الدنيا من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني،دولة فلسطينية على 22 % من مساحة فلسطين التاريخية، ولا الإدارة الأمريكية قادرة على او مستعدة لممارسة ضغوط جدية على اسرائيل من اجل الإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، وذلك نجد بان كيري في جولاته المكوكية، وبعد شعوره المتزايد بالفشل، بدأ بالهروب الى الأمام، وبما يبقى تلك المفاوضات مستمرة،من خلال التركيز على الخيار والجانب الاقتصادي، كخيار من شأنه المساهمة في خلق حالة من الثقة بين الطرفين على حد زعمه، خيار ومشروع طرحه نتنياهو، تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين الاقتصادية من خلال صندوق دولي تحت الاحتلال، مع شرعنة وتأبيد لهذا الإحتلال.
لذلك يعتمد كيري في "وساطته" دبلوماسية كما يقول الزميل عريب الرنتاوي تعتمد على شراء الوقت وإطلاق الوعود التي لا يضمن إنفاذها ... يخاطب كل فريق بما يتصدر قائمة أولوياته ومخاوفه ... يغدق على الإسرائيليين وعود حفظ الأمن والتفوق ... ويداعب الفلسطينيين القلقين على ما تبقى لهم من قدسهم وضفتهم بأحاديث مقتضبة عن "الاستيطان غير الشرعي" وعرض "حفنة من الدولارات" ... يعطي كل فريق ما "يطرب" له من تعهدات، حتى وان تعارض أحدها مع الاخر، فالمهم ان تبقى "العملية"، يستمر الفلسطينيون حول مائدة المفاوضات حتى الربيع القادم. لكي تستطيع الإدارة الأمريكية التفرغ للملفات الهامة الأخرى في المنطقة،فهي قلقة على مصالحها في مصر، وخصوصاً ان القيادة المصرية الجديدة تتجه الى بناء تحالفات وعلاقات استراتيجية مع روسيا،تنوع مصادر تسليح الجيش المصري، ومنح الروس قاعدة بحرية في السويس، وأيضاً المحادثات المتواصلة مع ايران، بعد التقارب مع القيادة الايرانية الجديدة حول ملفها النووي، وما تطلبه طهران من مصالح وامتيازات نفوذ إقليمي وعربي مقابل ذلك، وكذلك الأزمة السورية، وفشل امريكا في اقناع من يدور في فلكها من قوى المعارضة بحضور جنيف (2) في ظل رفض سعودي لذلك، وتوتر في العلاقة معها على خلفية ذلك.
كيري وجولاته المكوكية ستبقى قائمة ومستمرة، وسيعتمد فيها على شراء الوقت والمزيد من الرشاوي الاقتصادية، في محاولة لجعل الطرف الفلسطيني يواصل السير فيها حتى الربيع القادم.
فواز طرابلسي : "حرير وحديد" ؟
بقلم: حسن البطل – الايام
فاجأني (أو لم يفاجئني؟) اللبناني فواز طرابلسي ـ أعرف أنه عضو م/س "منظمة العمل الشيوعي" في قيادة حليف الفلسطينيين محسن ابراهيم.
المفاجأة في تأليفه كتابه "حرير وحديد ـ من جبل لبنان إلى قناة السويس" حيث كان لبنان عقدة "المسألة الشرقية"، أو صراع الامبراطوريات على امبراطورية "الرجل المريض" العثماني.
هذا "السياسي" الشيوعي المحلي كشف عن موهبة المؤرخ ـ الروائي ..
كلا، لم يفاجئني أن يدخل غمار التأليف والتوثيق في سباق جمع تفاصيل واقعية يهملها، عادة، المؤرخ العام لسياسات الدول؛ ولا يهملها السياسي ـ الأديب في سيرورة مصير أشخاص مجهولين أو قادة وملوك.
بأسلوب قصصي واقعي مشوّق وطلي يضيف فواز طرابلسي إلى العلاقة الصراعية المعقدة الأوروبية ـ المشرقية (العربية) لا كما يفعل اللغوي الفرانكفوني أمين معلوف بإتقان أكبر، ولا كما فعل المفكّر ـ المنظّر الفلسطيني عزمي بشارة في رواياته العاطفية، أو كما فعل المناضل غسان كنفاني في رواياته، أو السياسي ـ الأيديولوجي اميل حبيبي في رواياته.
كان القرن التاسع عشر عكراً في فرنسا (الكومونة، امبراطورية نابليون وغزواته، نزاعات ملوكه وقواده وأمرائه مع الشعب الفرنسي)، وكان عكراً في صراع الامبراطوريات الفرنسية والانكليزية والعثمانية.. من لبنان إلى الجزائر إلى مصر.. عبر أوروبا.
كان لبنان، آنذاك، هو "جبل لبنان" دون الأقضية الأربعة، وكان صراعه الضاري يدور بين أمراء الحرب الدروز والموارنة، وكان جبل لبنان هو جبل صناعة الحرير، وكانت انكلترا والأستانة تدعمان الدروز، بينما تدعم فرنسا الموارنة، والنزاع الدرزي ـ الماروني دوّخ ابراهيم باشا، نجل محمد علي باشا، في صراعه مع امبراطورية آل عثمان، ولبناء "وحدة عربية" نواتها مصر وسورية. اصلاحاته لبناء دولة على حساب الاقطاعيات فشلت.
في خلفية الصراع البريطاني ـ الفرنسي حصلت معركة "الطرف الأغر" وانتصر الأسطول البريطاني بقيادة نلسون على أساطيل فرنسا واسبانيا.
من هذا الانتصار بدأ النشيد البريطاني "سودي بريطانيا .. سودي فوق الامواج" وإلى قرنين بعد ذلك، بقيت الشركات الصناعية البريطانية تفاخر بعبارة "عبر البحار ـ اوفر سيز".
ربما لهذا السبب، صار النشيد الالماني، بعد خسارتها الحرب العالمية الاولى: "المانيا.. المانيا فوق الجميع" العام 1922، واعتمدت المانيا النازية النشيد، ثم اعتمدت المانيا الموحدة نشيد المانيا الشرقية.
إلى وقت طويل اعتبر موارنة لبنان الكاثوليك فرنسا "الأم الرؤوم" وهذه الدولة اعتمدت على الموارنة في النزاع اللبناني، الذي صار في القرن العشرين، نزاعا اسلاميا ـ مسيحياً، وفي القرن الواحد والعشرين نزاعاً سنياً ـ شيعياً.
بغزو نابليون مصر، ثم انكسار فرنسا في معركة "ابو قير" البحرية طوي مجد فرنسا في مصر بعد دورها في افتتاح قناة السويس، ووقعت بلاد النيل تحت النفوذ الانكليزي.
انتقل الصراع الفرنسي ـ البريطاني من لبنان الى مصر .. والى الجزائر، حيث فكّر الفرنسيون بتوطين موارنة لبنان في الجزائر دون نجاح، ثم خاف الفرنسيون أن يمتد النفوذ الانكليزي الى الجزائر "امتداد فرنسا وراء البحر"؟
ها هنا فصل مشوق عن صراعهم مع عبد القادر الجزائري "مزيج من امير وقديس" كما وصفوه الذي خذلته السلطنة العثمانية والانكليز، فأعلن "الجهاد" ضد حملة فرنسية من 120 ألف جندي نسفوا القلاع والبيوت والمساجد، وأحرقوا المحاصيل الزراعية، بل وقلب عبد القادر عندما أحرقوا له كتبه (بينها المصحف والإنجيل والتوراة وابن خلدون وابن عربي".
ابتكر عبد القادر فكرة "الزمالة" عاصمة متنقلة من 70 ألف نسمة و12 ألف مقاتل وألفي خيّال وأربعمائة حارس وفيها صنايعة يهود.. وتتحرك بسرعة خلال الليل.. وتضرب وتنسحب!
قال القائد الفرنسي: "على جنودنا ان تنبت لهم أجنحة ليستطيعوا القبض عليه".. هذا من الحيلة لا من الجبن.. كما قال عبد القادر في رسالة لقائد الحملة الفرنسية.
سلطان المغرب خشي أن يمتد نفوذ عبد القادر ليحكم بلاده، فخذل عبد القادر، الذي قاتل تحالف الفرنسيين وجيش السلطان وانتصر.. ثم افلت من الجيش المغربي ليقع في كمين فرنسي محكم.
وقع الأمير في الأسر: الانتحار أم الاستسلام؟ فاختار الأخير "يجب افساح المجال امام من يجدّد المقاومة من بعدنا" رافضاً الاستسلام للمغاربة "لن أقدم رأسي لمسلم خانني".
الرواية ـ التأريخ غنية جداً بالتفاصيل المشوقة، وبخاصة تفاصيل تربية وصناعة الحرير، وأيضاً بالعبرة من صراعات الامبراطوريات ضد شعوبها وضد شعوب ودول تريد احتلالها "تتنقل شخصيات هذه الحوليات عبر البحر الأبيض شرقه وغربه خلال القرن التاسع عشر".
***
فواز طرابلسي :"حرير وحديد ـ من جبل لبنان إلى قناة السويس" رياض الريس للكتب والنشر ط أولى 2012.
على غلاف الكتاب خلاصته "أنامل نسّاج لا يرحم، يسميه البعض القدر، والآخر الاستعمار، والثالث "التاريخ".
سياسة إسرائيل تقودها إلى الهاوية
بقلم: طلال عوكل – الايام
النتائج التي تمخض عنها اجتماع جنيف بين ايران والدول الست، احدث ما يشبه الزلزال السياسي في اسرائيل. التي لا تعيش الا على الحرب والدمار والعدوان. حملة من اللطم السياسي انتابت القادة الاسرائيليين، بسبب الاتفاق الذي وقع، واعتبره الأوروبيون والأميركيون، مناسبة تستحق الاحتفال.
من حيث انه (الاتفاق) يفتح طريقا جديدا، بل طرقا جديدة في العلاقة بين ايران، وبين المجتمع الدولي.
الإسرائيليون يعتدون بمعلوماتهم الاستخبارية، التي تفيدهم بأن ايران ماضية في برنامجها النووي الحربي، وبأن الرئيس حسن روحاني، يقدم للغرب لغة جميلة، ولكن بلاده سائرة في قرارها لامتلاك السلاح النووي، وبأن كل ما يقوم به الحكم في ايران مجرد مناورة لكسب الوقت والتحايل على المجتمع الدولي.
المنطق الاسرائيلي في التعاطي مع الملف النووي الايراني وتداعياته، ينطوي على استهتار بسياسات وقدرات، الولايات المتحدة والدول الاوروبية، واستهتار اشد بقدراتها الاستخبارية، ويشكك في نواياها ازاء كيفية التعامل مع الملفات الخطرة، التي تتعلق بالمنطقة.
من غير الممكن ان تكون اسرائيل اكثر حرصا على منع ايران من امتلاك قدرات نووية، من الدول الاوروبية، او من الولايات المتحدة، ذلك ان ايران النووية، التي تملك سياسة وتطلعات حيوية ونشطة، لا تشبه باكستان النووية، او الهند، ايران تملك رؤية لدورها، طافحة بالاهداف الاستراتيجية الكبيرة، تساعدها امكانياتها المادية والبشرية، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي على ان تصعد دورها، وان تحفر لنفسها مكانة مهمة بين الدول الكبرى والتكتلات الدولية، وليس فقط الاقليمية.
لذلك من غير المتوقع ان تتساهل الولايات المتحدة، والاوروبيون، أو ان يتعامل هؤلاء مع الملف النووي الايراني بمنطق تكتيكي، هذا الا اذا كان هؤلاء قد توصلوا الى معلومات واستنتاجات مؤكدة، بأن ايران قد اصبحت دولة نووية.
طبعا ليس علينا، ان نتوقع ان يحل الخراب بين اسرائيل، وحلفائها الغربيين خصوصا الولايات المتحدة ولكن هذا التناقض من الممكن ان يتسع في حال بادرت اسرائيل بمغامرات غير محسوبة، تستهدف توريط حلفائها، واعادة خلط الاوراق مجددا.
التناقضات بين اسرائيل وحلفائها الضامنين لوجودها، تتسع فعليا، فبالاضافة الى الخلاف حول كيفية التعاطي مع ايران وكل ملفاتها وليس فقط ملفها النووي، فثمة خلاف يتصل بالرؤية لكيفية التعامل مع قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ومع عملية السلام، وهو خلاف في الاصل حول أي الطرق افضل لحماية اسرائيل وضمان وجودها قوية.
في الواقع فإن الدول الغربية لم تبدل مواقعها التاريخية، ولا قناعاتها بشأن ضرورة وجود اسرائيل قوية، ولكن تلك الدول تسعى لحماية الدول العبرية من تطرفها الجنوني، الذي سيقودها يوماً الى الهلاك، وبالتالي فانها ترى في قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، في اطار عملية سلام تنهي الصراع، الطريق الافضل لضمان بقاء اسرائيل، وضمان بقاء واستقرار مصالح تلك الدول في هذه المنطقة.
أحد الدبلوماسيين الغربيين، قال مؤخراً ان اسرائيل ماضية في سياسات تؤدي الى عزلتها الدولية، والى التحول في اتجاه دولة عنصرية، وبأنها ما لم تتحول عن هذا السلوك، وتستجب لمتطلبات عملية السلام، فانها تسير نحو الهاوية مهما طال الوقت.
الأميركيون والأوروبيون غاضبون من حكومة نتنياهو، المسؤولة عن تعطيل الفرصة المتاحة امام عملية السلام عبر المفاوضات التي مضى على بدايتها اكثر من ثلاثة اشهر، وهم غاضبون من سياسة اسرائيل الاستيطانية في الضفة وفي القدس، ما جعل وزير الخارجية الاميركي جون كيري يصرح بأن الاستيطان كان ولا يزال غير شرعي، أما الاوروبيون فقد اقدموا على اجراء من واقع رفضهم للسياسة الاسرائيلية الاستيطانية.
الدائرة تضيق اكثر فأكثر حول رقبة اسرائيل، فبعد تأخير متعمد على الارجح افرجت الدوائر السويسرية والروسية، عن نتائج تحليل العينات التي اخذوها من رفات الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، فيما بقيت فرنسا تحتفظ بنتائج بحوثاتها الطبية.
في الواقع فان فرنسا تعرف قبل غيرها. كل الحقائق المتعلقة باغتيال عرفات فهي التي استقبلته في مستشفياتها، واجرت له في حينه كل الفحوصات اللازمة، ولذلك فإن اعلانها عن نتائج مماثلة لتلك التي توصلت اليها سويسرا وروسيا، ستشكل بالنسبة لاسرائيل ضربة صاعقة.
ولكن هل من المحتمل أن تأتي نتائج التحليل الفرنسي مختلفة؟ ثمة شك كبير، اذ لا يمكن ان يكون الحكم السويسري والروسي سياسياً، وهؤلاء لديهم من الامكانيات العلمية والمختبرية، ما يفوق او يوازي قدرات فرنسا.
هذا ملف خطير، اصبح في يد القيادة الفلسطينية، وينطوي على تقدم كبير في سياق التحقيقات الجارية منذ تسع سنوات، ولم يتبق الا القليل ولكن الاهم، لتأكيد مسؤولية اسرائيل الحصرية عن عملية الاغتيال.
الفلسطينيون لم يكونوا بحاجة الى تأكيد أو نفي مسؤولية اسرائيل التي تحتفظ بقائمة طويلة جدا من عمليات الاغتيال لقادة فلسطينيين، ولكن ثمة فرقا في أن يتم التكامل مع هذا الملف من خلال أو استنادا الى قناعات الفلسطينيين، وبين ان تتوفر المعطيات الملموسة التي تسوق اسرائيل الى المحاكم الدولية.
هي مادة البولونيوم، كما تؤكد الفحوصات، وبالتالي، علينا أن نفحص ان كان هناك طرف آخر في المنطقة كلها، يملك هذا النوع النادر جدا من السموم.
اسرائيل سترفض الادعاء بمسؤوليتها عن عملية الاغتيال، والفصائل الفلسطينية المعارضة، لا تملك أي نوع من انواع السموم، ولا يمكن ان تفعل ذلك، والدول العربية نظيفة من هذا النوع، ولكن هل يتعاون المجتمع الدولي، من اجل تشكيل لجنة تحقيق دولية؟ الارجح ان المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة، يميل اكثر نحو انصاف الفلسطينيين، وان ما جرى في منظمة اليونسكو ـ سيتكرر في عشرات المنظمات الدولية، حين يقرر الفلسطينيون التوجه اليها.
الولايات المتحدة من موقع التضامن فقدت مع اسرائيل حقها في التصويت في اليونسكو، لانهما لم تدفعا حصصهما المالية فيها، ولكن القرار سياسي، فإذا كان هذا هو الطريق الى المؤسسات الدولية، فهل ستتحمل الولايات المتحدة، ان تعزلها اسرائيل، التي تتواصل عزلتها دوليا، ام ستترك اميركا اسرائيل تغرق وحدها؟
غول الطائفية يأكلنا جميعاً
بقلم: د. خالد الحروب – الايام
طالب في الاعدادية يعرف بنفسه في حسابه على الـ “الفيس بوك” بأنه “مسلم سني” في بلد مشرقي يشكل السنة فيه اكثر من ٩٩ في المائة.
بنت عمرها ٥ سنوات في بلد خليجي تعود الى امها من روضة الاطفال تبكي وتشتكي بأن زملاءها في الروضة يقاطعونها ولا يلعبون معها لأنهم يقولون إنها “شيعية” وتسأل امها عن معنى ذلك! على مستوى اعلى يتنافس تكفيريون شوهوا الثورة السورية وحرفوها عن مسارها مع حزب الله في قتل آلاف من السوريين الاحياء دفاعا عن مرقد للأموات لا ترقد اساسا فيه السيدة زينب.
وخلفية المشهد المأساوي للتعبيرات التي لا يمكن حصرها هو التخندق في الهوية الطائفية إذ تصبح المميز الاهم في فرز تكتلات المجتمعات مذرية التعايش العفوي الذي ساد قرونا وعقودا طويلة.
في البلدان الخليطة طائفيا مثل العراق ولبنان وبعض دول الخليج يتحدث كبار السن بألم ممض عن سنوات وعقود عاشوها ولم يكونوا يعرفون من هو سني ومن هو شيعي، حيث يتزاوج الناس ويتعاملون في ما بينهم عفويا وطبيعيا من دون الفرز الهوياتي.
قبل ان يضرب المنطقة هوج التيارات الاسلامية (السنية والشيعية) وخطاباتها التي تزعم التعايش والتسامح وكل الكلام الفارغ، كان الناس يعيشون في تعايش وتسامح عاديين، وكان الدين بوجهه الاليف وتفسيراته المعتدلة يُمارس في المجتمعات من منطلق العلاقة الفردية مع الخالق والحب مع المخلوق.
في الحقبة “الاسلاموية” المظلمة صار الدين عنفاً ودما وسياسة قاتلة وجماعية.
وانتشرت التفسيرات الإقصائية والتكفيرية المُستبطنة في المناخ العام وسممته، بل تسربت إلى التعليم المدرسي والمساقات التي تُدرس للاجيال الجديدة.
صار مسيحيو الوطن “نصارى صليبيين” وصار شيعته “صفويين كفرة”، وانخرط الجميع في حفلة انتحار جماعي يكاد لا يُستثنى منها وطن او مجتمع.
في تحليل جذور ما وصلنا إليه نعرف انها تعود إلى التنافس والاقتتال المدمر بين السلفية المتطرفة والخمينية المتطرفة الذي استعر منذ قيام الثورة الايرانية في نهاية السبعينيات وردود الفعل السلفية التي استفزتها. انخرط الطرفان في حرب خطابات مدوية حول من يمثل الاسلام والمسلمين، ووظفت في تلك الحرب كل أساليب الدعاية والهجوم والاعلام، واستنفر كل الماضي البائس وثاراته ودمويته. تم ترحيل المجتمعات إلى قرون سحيقة وعوض ان نعيش في القرن الحادي والعشرين والعالم يصل إلى المريخ وصلنا بسرعة الضوء إلى معاوية وعلي وصفين وكربلاء، وأقمنا هناك.
ونبشنا كل الدماء التي جفت وأعدنا إليها بعبقرية بالغة ومحطمة لونها الاحمر وحرارتها فصارت كأنها سالت اليوم، وبعثنا فيها حياة دائمة، صارت دماء حارة لا تجف ابدا، وكل يوم تلطخ وجهنا، وتملأ افواهنا وتخنقنا.
وحيث لا يوجد هذا الانقسام السني ـ الشيعي تتحول الطاقة التدميرية إلى المسيحيين كما في مصر حيث في حقبة ما بعد سقوط مرسي وحدها تعرض اكثر من اربعين كنيسة للحرق والتدمير اضافة الى عشرات المحلات والصيدليات التي يملكها مسيحيون.
سيقول قائل إن هناك شبهات كبيرة حول تلك الاعتداءات وحول تورط بعض اجهزة الامن فيها للتحريض على التيار الاسلامي وسوى ذلك، وبفرض وجود ذلك فإنه لا ينطبق على كل الحالات ولا ينفي كارثية التحريض الطائفي الكريه والتسمم الجماعي به، والذي لولا وجوده لما استطاعت اية اجهزة او اطراف “مشبوهة” القيام بتلك الاعتداءات ونسبها إلى غيرها.
نحن اليوم نقف على حافة هاوية إن تركنا انفسنا نهوي فيها فإننا سنحتاج عقودا طويلة كي نخرج منه، كما يقول لنا درس التاريخ المرير.
إنها هاوية الطائفية حيث يرقد في قاعها العفن والموت الجماعي وحيث لا احد ينتصر.
غول الطائفية انفلت في بلادنا بشكل لم يسبق له مثيل يأكل الاخضر واليابس، ويطارد الجميع ويدفعهم إلى تلك الهاوية، يحشدهم جماعات ومجتمعات ويقودهم منقادين ومنومين إلى حتفهم الكلي.
يجب أن ينتابنا رعب جماعي من هذا الغول ونصده بكل الجهد والعزيمة لأن المعركة معه معركة حياة او موت.
في الطائفية وحروبها ليس هناك منتصر، بل الكل يخسر والكل يُدمى بالهزيمة.
الطوائف والاديان كما القوميات منزرعة في تكوينات البشر وفي الارض والمجتمعات ولا يمكن خلعها.
لن تكون هناك طائفة او قومية غالبة ظافرة بالمطلق حتى لو ظنت انها هزمت الاخرين.
نار الطائفية تظل تغلي تحت الرماد، والحل الوحيد لإطفائها هو الإقرار الجماعي بالتعايش والاحترام المتبادل، وليس مواصلة الحرب والاتهام والرغبة البدائية بالإبادة والتطهير.
إطار التعايش الذي يمكن أن تتصالح فيه الطوائف والاديان والعصبيات المختلفة من دون اصطراع تبادلي التدمير هو إعلاء الاولوية للانتماء إلى الوطن على الانتماءات الاخرى وعلى قاعدة المواطنة والمساواة التامة. الافراد في كل وطن من الاوطان هم مواطنون اتباع للوطن اولا، ثم لأية انتماءات ثانوية ثانياً. هم مصريون اولا، ثم يأتي بعد ذلك اي ولاء آخر، اسلامي او قبطي.
وهم عراقيون ولبنانيون وبحرينيون قبل ان يكونوا سنة او شيعة، وهكذا. هذا ما يجب ان يتوافق عليه الجميع كفكرة مؤسسة للجماعة الوطنية التي ينتمون إليها، وتكون حجر الزاوية في الدستور والقوانين، وهي ما يجب ان يؤسس لكل ما يتعلمه طلاب المدارس وتمارسه المؤسسات الرسمية اولا ويتبناه المجتمع المدني والديني ثانيا.
عندما تترسخ فكرة المواطنة وفكرة المجتمع والدولة المدنية لا الدينية نواجه جماعيا غول الطائفية ونبدأ في الهجوم المعاكس.
من دون ذلك فإننا سننخرط في دوامات الصراعات الطائفية ونستدعي احقاد الماضي لتكون هي العتاد المسموم في حياتنا السياسة والاجتماعية والثقافية.
ومن دون ذلك نظل ضحايا طوعيين للغرائز البدائية وبكائيات القرون الخالية وتمتص الثارات التافهة لأموات قدامى كل ما هو اخضر وحي في حاضرنا.
من دون ذلك سوف نغلق بوابات المستقبل في وجه الاجيال القادمة، وندفعهم للعيش في الماضي، شباب في عمر الورد لكن كل الذي يفكرون فيه هو الرحيل بعيدا في ماضٍ سحيق للالتحاق بجيش خيالي لعلي او جيش خيالي لمعاوية، وإعلان الحرب الابدية التي لا تموت ضد الآخر، حيث نتيجة الحرب وللطرفين معا هي الموت المحقق والهزيمة المحققة.
ياسر عرفات
بقلم: د.عاطف أبو سيف – الايام
لا يملك المرء في ذكرى ياسر عرفات إلا أن يكتب عنه. تظل ذكراه دائمة الحضور في كل وقت حتى قدوم تشرين يصبح الوقت عرفاتيا بامتياز. فالمزاج الشعبي العام يصبح عرفاتياً والنقاش في الشارع يكون حول عرفات وفي التاكسي كذلك؛ حتى في قاعة الجامعة وامام محل الأيس كريم.
فجأة يتحول كل شيء حولك إلى "ياسر عرفات"، إلى شيء منه، من ذكراه. كأن الرجل لم يغادر أو هو لم يشأ أن يغادر.
رغب في أن يظل باقياً. وذهب مثل كل الأشياء الجميلة صدفة دون وداع ودون ان يظن أحد أنه لن يرجع.
حتى حين عادت به الطائرة إلى المنفى منهكاً تعباً يحمل آلام المرض، إلى حيث رقاده الأخير لم يكن أحد يتخيل أنه لن يرجع.
كنا نلوح بأيدينا للطائرة ونود لو أنها مربوطة بأصابعنا حتى نستطيع ان نسحبها ثانية إلى الأرض، مثلما كنا نفعل ونحن صغار بطائراتنا الورقية في أزقة المخيم.
لكن الطائرة ستعود حاملة ياسر عرفات. لكنه هذه المرة لن يلوح لنا بيده، ولن يرمينا بقبلاته ولن يرفع لنا شارة النصر.
سيوارى الثرى حيث مثواه الاخير. مثل حلم من كان يصدق أنه سينتهي. من كان يصدق أن ياسر عرفات سيذهب في الغياب متشحاً سواد الليل وعتمة البكاء وعويل الروح.
من كان يملك هذه الحاسة التي تجعله يعرف أن هذا سيحدث. مثل بطل خرافي لم نكن نتوقع أن يغيب عنا هكذا.
لكن عرفات مثل البطل الأسطوري لا يذهب من الحكاية. لأن الحكاية تظل دائماً ناقصة من دونه، ولأن الحكاية في جزء كبير منها مؤسسة على حضوره الأبدي، فلا حكاية من دونه كما لا أوديسة بلا عوليس.
فالحكاية الفلسطينية تشكلت حول الحضور العرفاتي فهو لم يكن مشاركاً فيها، كما لم يكن شخصية وردت في متنها، كما لم يكن راوياً في عالم أصواتها المتعدد؛ بل كان هو الحكاية برمتها. كان الحكاية في أنقى صورها. هل يمكن تخيل الحكاية أو الحدوتة الفلسطينية بلا ياسر عرفات. هل يمكن تخيل التاريخ السياسي الفلسطيني الحديث من دون ياسر عرفات. بالطبع لا يمكن ذلك. ليس لأن ياسر عرفات كان شخصية استثنائية في حياتنا بل لأن وجوده كان فعلاً مؤثرا لدرجة كبيرة للدرجة التي يصعب فيها التمييز بين وجوده ذاته وتأثيره، كما أنه تحول ليصبح جزءاً من القضية الوطنية، فهو لم يكن فاعلاً ومؤثراً فيها بل تماهى معها وصار مكوناً من مكوناتها.
فحين تتحدث عن القضية الفلسطينية فأنت بالطبع تشير إلى ياسر عرفات بطريقة أو بأخرى.
على الأقل هكذا يمكن أن يحس أبناء جيلي الذين ولدوا قبل أربعين عاماً فيما ياسر عرفات يفرض على العالم بقوة السلاح اسم فلسطين.
حين كنا أطفالاً وكنا نرى صورته على التلفاز، فيما توفر منه وقتها بالأسود والأبيض في أغلبه - وقتها كانت القنوات قليلة جداً – كان ظهور ياسر عرفات على الشاشة يجعل الطفل فينا يشعر بأنه موجود خلف الشاشة.
كان وجوده هو وجودنا وحضوره هو حضورنا. كانت أعيننا "تبحلق" في التلفاز قبل أن تختفي الصورة خلف مذيع الأخبار حين يواصل نشرته، نحس بالحزن، لكنه سرعان ما يطالعنا في نشرة أخبار أخرى.
هكذا كان ياسر عرفات أول وعينا الوطني وأول تشكيل فهمنا حول فلسطين. كان مثل حكايات جداتنا عن مدننا وقرانا التي سلبها المغتصبون بعد أن تجمعوا من كل بقاع الأرض لينهبوا فلسطين. كان مثل تلك الحكايات يعمل على تخليق هذا الشعور الغريب في داخلنا (الوطنية) الذي يجعل الواحد منا مستعداً للموت من اجل استعادة هذه الحقوق المسلوبة.
كبرنا وكبر معنا ياسر عرفات لكنه ظل بالنسبة لنا هذا البطل الغامض الذي يتحدث باسمنا، الذي يحس بجراحنا.
ظل أفضل من يعبر عنا وعن آلامنا وأفضل من يشعرنا بالطمأنينة. ثم وجدناه فجأة بيننا. يمشي في الشوارع ويتفقد الناس ويقبل الأطفال والجرحى ويزور بيوت الشهداء. فجأة وجدنا بطلنا الأسطوري بيننا بعد تأسيس السلطة الوطنية العام 1994.
كان يمكن أن تمشي في الشارع فتجد ياسر عرفات في سيارته او يمشي على الأرض يزور بيتاً.
كان الشبان يمضون ساعات يرسمون صورته على الجدران في الانتفاضة الاولى (انا لم أكن جيداً في الرسم)، وكان يمكن لهذا ان يكلفهم عمرهم لو دهمتهم دورية من جيش الاحتلال.
لكن هذا لم يكن صورة على الجدار، لقد قفزت الصورة عن الجدار وصارت تمشي على الأرض. صار بطلنا الأسطوري شخصية واقعية. لكنه بفعله هذا كانه يمعن اكثر في اسطوريته. كانت عاديته تلك وهو يزور الناس ويتفقد الجميع ويعود المرضي ويمنح المحتاج، كانت تلك العادية تمنحه هالة اخرى من الغرابة والقداسة.
فكأنه كان يسافر بعيداً في الأسطورة ويتحول بهذه الأفعال أكثر وأكثر إلى حلم جميل سنفتقده حين يبعد عنا.
هكذا هي الأساطير تقوم ببناء البطل حتى يصبح رحيله مستحيلاً أو محتوماً، وفي الحالتين يكون الرحيل قاسياً وغير مصدقاً.
والحكاية الفلسطينية لو لم تكن كذلك لتغير الكثير من معالمها.
كأننا في كل مرة نحب أن نتذكر كل هذا، ونحب ان نتألم اكثر ونحن نتذكره، ويرغب البعض بمقارنة اليوم بالماضي لأن ثمة شيئا في الماضي يسحبنا إلى الحنين، فالماضي بطبعه أجمل وأبهى، أو أن هذه عادة البشر. لكن ثمة شيء من ياسر عرفات ناقص فينا. كأننا لم نحافظ على الوصايا او لم نحفظ العهد. فبكل المقاييس حالنا أسوأ ووضعنا أكثر صعوبة.
بمقدور كل واحد منا أن يرمي العبء والتهم على الآخر، ويمكن لنا أن ندخل في موجة سب وشتائم جديدة لكن هذا لن يغير شيئاً من حالنا بل سيكشف المزيد من سوء الحال وجلل المصاب وهول الواقعة.
فأيامنا للأسف لم تعد تشبه هذا الزمن العرفاتي الجميل.
في الذكرى التاسعة لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات
بقلم: سميح شبيب – الايام
تمر علينا ذكرى استشهاد القائد ـ الرمز، ياسر عرفات اليوم، في ظل المناخات التي تفرضها معطيات التحقيق الدولي: الروسي ـ السويسري، بأن سبب الوفاة، كان بفعل السم الإشعاعي "البولونيوم"، وهو الإشعاع الذي لا تمتلكه دولة في المنطقة، سوى إسرائيل.
كان هنالك قناعة، لحظة مرض عرفات المفاجئ، ومن ثم وفاته، بأن السبب هو بفعل السم. صحيح ان التقرير الفرنسي، الصادر عن مشفى بيرسي، لم يذكر ذلك، بوضوح، لكن احدى فقراته، جاءت حمّالة أوجه، ومفتوحة على أكثر من تفسير.
عند إثارة موضوع استشهاد عرفات، مجدداً، أعلنت القيادة الفلسطينية عن كامل استعدادها للتعاون، مع أي جهة طبية مختصة للوصول الى حقيقة ذلك، ولم يكن سهلاً على الجميع، الموافقة، على فتح قبر عرفات، لأخذ العيّنات اللازمة، لإعادة الفحوص الطبية.
جرى ذلك، وجاءت النتيجة بينما تريثت فرنسا. فرنسا تعرف حقيقة الأمر، ولديها من الادلة القاطعة، بأن عرفات مات مسموما، وبفعل أشعة البولونيوم، لكنها لم تذكر ذلك في تقرير الوفاة.
وفرنسا لديها نتائج الفحوص الطبية والعينات، لكنها تقول إنها أتلفتها، وهذا مخالف لأبسط القواعد الطبية والقانونية.
لن يغيّر تمنع فرنسا من الكشف عن حقائق موجودة لديها، من حقيقة الأمر في شيء بل سيفقدها الكثير من مصداقيتها لدى الشعب الفلسطيني.
الأدلة والقرائن كافة، المتوافرة ـ الآن ـ لدى لجنة التحقيق الوطنية، كما اعلن رئيسها اللواء توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لـ "فتح"، تؤكد أن الرئيس عرفات مات مسموما، وأن اسرائيل هي المتهم الاول في ذلك.
اسرائيل سبق لها ان اغتالت قادة فلسطينيين في السم، واسرائيل هي من توعّدت بقتل عرفات.
واسرائيل هي من يمتلك المفاعلات النووية القادرة على إنتاج "البولونيوم". اسرائيل هي صاحبة المصلحة الاولى في التخلص من عرفات.. وهي من اغتالت الوطن الفلسطيني، والامل الفلسطيني، والسلام الفلسطيني.
الدائرة تضيق، والمتهم بات محشوراً في زاوية ضيقة لا مناص منها. باتت الامور ـ الآن ـ أشد وضوحاً، وبات الإجراء الفلسطيني الواجب واللازم أكثر إلحاحاً. المسؤولية هنا، ليست مسؤولية فلسطينية فحسب، بل هي مسؤولية وطنية وقومية ودولية في آن.
من واجب الفلسطينيين إعلان نتائج التحقيق كاملة بوضوح وشفافية، عند اكتمالها، وعلى العالم العربي تأطير ذلك على أساس أنه قضية تمس الأمن القومي العربي، وعلى المجتمع الدولي، تحمل مسؤولياته القانونية، عبر هيئاته الدولية، وفي المقدم منها، محكمة الجنايات الدولية.
لم تخف اسرائيل سابقاً، ضلوعها في اغتيال قادة فلسطينيين، بالسم؛ وديع حداد ومحاولة اغتيال خالد مشعل وغيرهما، لكنها هذه المرة، وفي ظل محاولة تفجير المفاوضات الجارية في منتصف الطريق، وضربها عرض الحائط بالارادة الدولية، ومقررات الشرعية الدولية، وتهديد الامن والسلم العالمي، لن تتمكن اسرائيل، من التصرف، وكأنها فوق القانون الدولي!!
تغريدة الصباح - طربوش مسيو سولي
بقلم: محمد علي طه – الحياة
"الطّربوش" ساغا عائليّة، والسّاغا نوع من السّرد النّثريّ الممتدّ على فترة زمنيّة طويلة- كما يعرّفنا النّاشر. والنّاشر هو دار "ورد" السّوريّة لصاحبها د. مجد حيدر ابن الرّوائيّ المعروف حيدر حيدر، وأمّا مؤلّف الرّواية فهو كاتب فرنسيّ اسمه روبير سولي، من مواليد القاهرة التي عاش فيها سبعة عشر عامًا ثمّ هاجر إلى فرنسا وأصبح فيما بعد مراسلاً لجريدة "اللوموند" الشّهيرة، في روما وواشنطن ثمّ رئيسًا لتحريرها في العام 1992 حينما نشر هذه الرّواية. وهي تاريخ للطربوش الذي يشبّهه المؤلّف بأصيص الزّهور. وكان في سنوات خلت شعارًا وطنيًّا مصريًّا ورمزًا لطبقة اعتمرته منذ زمن الأتراك وتمسّكت به بقوّة عندما حاربه وحرّمه مصطفى كمال أتاتورك، وبقي رمزًا مصريًّا حتّى ثورة 23 يوليو وظهور قادتها محمد نجيب وجمال عبد النّاصر وغيرهما من الضّباط الأحرار حاسري الرّؤوس، ممّا ساعد على اختفائه وانقراضه.
ويمتدّ هذا العمل الرّوائيّ على 446 صفحة من القطع المتوسّط ساردًا تاريخ عائلة بطركانيّ صاحبة مصنع الطّرابيش في القاهرة، من الأب جورج إلى الأبناء والأحفاد: ميشيل وناندو وشارل وادوار والياس وأندريه وفيفيان وليندا، وعائلة توتة الارستقراطيّة من الأب ألكسندر والابنين هنري وادمون والبنتين يولاند التي تزوّجها جورج بطركانيّ وماغي المثيرة بزمرة عشّاقها. والعائلتان شاميّتان كاثوليكيّتان تعيشان في القاهرة، والمصريّون كما نعلم، كانوا مسلمين وأقباطًا أرثوذوكس.
وينفلش هذا السّرد الرّوائيّ على فترة زمنيّة من ثورة عرابيّ حتى تأميم قناة السّويس. ولا شيء يربط العائلتين بمصر سوى وجبة الملوخيّة على الرغم من أنّ أرض الكنانة احتضنتهما وحمتهما من ظلم الأتراك ومن الحروب الطائفيّة ومنحتهما فضاء من الحريّة. والعائلتان تتكلّمان اللغة الفرنسيّة وشيئًا من الانجليزيّة ويبرز ولاؤهما لفرنسا وعلمها ونشيدها الوطنيّ ولقادتها (ديغول وبيتان) ولثقافتها، فالأطفال يحفظون في مدارسهم قصص لافونتين بالفرنسيّة ولا يحفظون أيّة قصيدة باللغة العربيّة، ويشاهدون المسرحيّات الفرنسيّة، ويستمعون إلى الموسيقى الفرنسيّة ويغنّون الأغنيات الفرنسيّة فلا غرابة أن تركت هذه المجموعة مصر بعد ثورة الضّبّاط الأحرار وبعد التأميمات مباشرة.
لم يكن المؤلّف أمينًا للتاريخ، كما أظنّ، فقد كتب عن شريحة تلائم فكره وحياته وتختلف عن الصّورة الوطنيّة للمصريّين الذين هم من أصل سوريّ والذين ساهموا مساهمة كبيرة في نهضة مصر وثقافتها مثل الأخوين تقلا مؤسسيّ جريدة "الأهرام" والفنّان الكبير جورج أبيض من مؤسسيّ المسرح المصريّ، والفنّان نجيب الرّيحانيّ القامة المسرحيّة العملاقة، والفنّان يوسف شاهين السّينمائيّ الشّهير، وخليل مطران شاعر القطرين، والكاتب البارز يعقوب صرّوف مؤسس مجلة "المقتطف" وجريدة "المقطّم" والأديب فرح أنطون وغيرهم.
احتضنت مصر ذات الثقافة العريقة عائلات شاميّة عديدة وبدورها أعطت هذه العائلات الكثير لمصر وثقافتها. وأعتقد أن هذه العائلات كانت تعتزّ بعروبتها وبشاميّتها وبمصريّتها وتختلف كثيرًا عن عائلتيّ بطركانيّ وتوتة عديمتيّ الانتماء إلى مصر وإلى العروبة والمواليتين إلى فرنسا والغرب.
شجرة الذاكرة
بقلم: يحيى رباح – الايام
في الذكرى التاسعة لرحيله، يحضر فينا الرئيس ياسر عرفات بشكل مدهش حتى أننا نجد أنفسنا في معظم الوقت نتحدث عنه بصيغة الحاضر, أعتقد أن الملايين من الفلسطينيين في وطنهم التاريخي فلسطين - حيت الاتصال العادي بين أجزائه مستحيلة- كما الفلسطينيين في شتاتهم الواسع الذي يزداد شتاتاً، يلاحظون هذه الظاهرة، لماذا؟ لماذا ما زلنا نتحدث عن ياسر عرفات بصيغة الحاضر، من النادر بل ومن المستهجن أن نستخدم صيغة الماضي الغائب؟ أعتقد أن ياسر عرفات بالنسبة للشعب الفلسطيني هو رمز مركب، أنه زعيم سياسي من الطبقة الأولى، وهو بطل تراجيدي في نفس الوقت! وكزعيم سياسي فانه انبثق من الضرورات الملحة التي لا يوجد ما هو أولى منها ولا أقدس منها، ضرورات لدى شعب فقد وطنه قسراً ومن الملح أن يكون له وطن! وفقد كيانه تحت ضغط أقوى الأقوياء ومن الملح أن ينبثق له كيان، وتبعثرت هويته في الأرض مع هبوب العواصف الهائجة، ومن الملح أن يلملم هويته.
وكزعيم سياسي، فانه أدرك في وقت مبكر، وفي وقت صعب أيضاً، أن شعبنا الفلسطيني لا يستطيع أن ينتظر أحد لكي يحقق له ضروراته الملحة، بل عليه أن يبرأ نفسه، وأن يعتلي خشبة المسرح، وأن يلعب الدور الأصعب، وأن يكون الرقم الصعب.
انه اكتشاف مذهل وخارق الصعوبة الى حد المستحيل، ولكن ياسر عرفات الزعيم السياسي حول هذا الهاجس الضخم الى تفاصيل على أرض الواقع، بدأها بصياغة العناوين، قاتل مع عبد القادر الحسيني في وقت مبكر، وقاتل مع الفدائيين ضد الانجليز في منطقة قناة السويس، وأنشأ وهو في كلية الهندسة جامعة القاهرة رابطة الطلاب الفلسطينيين لتكون عنواناً أول، ثم أسس حركة فتح مع زملائه المؤسسين، وكان كل فلسطيني في العالم يسأل نفسه صباح مساء، ماذا نفعل؟ فانتمى الفلسطينيون على مضض الى الأحزاب القائمة، وكانت عبقرية تأسيس حركة فتح أنها ألهمت الفلسطينيين أن لهم كياناً يأوون اليه، ثم أصبحت فتح هي العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة، وواصل ياسر عرفات ورفاقه تسجيل فلسطين في دفاتر الحضور عبر قرارات في غاية الخطورة والشجاعة.
أما ياسر عرفات البطل التراجيدي، فهو كان يعرف الثمن الفادح لما يفعل وما يختار، كان مثل قبطان سفينة أسطورية ذاهبة في المحيط الى جبل المغناطيس لتصطدم به وتتحطم أشلاءً، ولكن البطل التراجيدي يعرف سلفاً أقداره الكبرى ولا يهاب.
كل مرة كان ياسر عرفات يقول فيها نعم، كان يعرف أن هذه «النعم» سوف تقلب الأمور رأساً على عقب! وكل مرة كان يقول فيها (لا) كان يعلم أنه بقولها في وجه أعتى الأقوياء في العالم فان الثمن سيكون فادحاً بما يفوق الخيال! ولكنه لم يتردد لحظة واحدة في أن ينطق بنعم أو ينطق بلا، ما دام ذلك يقضي الى لحظة من الحضور الفلسطيني.
يعيش معنا ياسر عرفات يوماً بيوم، ولحظة بلحظة، كل ما يجري اما حببنا فيه أو حذرنا منه، وهو لم يفعل ذلك مجاناً، بل بجهد خارق يفوق الاحتمال، وبتضحية لا يحتملها سوى الأنبياء والشهداء! ولذلك فاننا نحي ذكراه بصفته الحاضر وليس بصفته الغائب، فان تضحياته ومعاركه ومواقفه ممتدة فينا الى زمن قادم.
الحكاية التي لا تموت
بقلم: محمود ابو الهيجاء – الايام
لا يمكن اختصار حكايتنا مع ياسر عرفات في ذكرى رحيله المر كل عام، بمهرجان خطابي نشيد فيه بمناقب الزعيم ودوره التاريخي، ولا اظن ان احتفالا مهما كان مستواه قادر على اختصار حكايتنا الطويلة هذه التي كتب الزعيم الخالد فصولها على نحو ملحمي، نرى صعابها اليوم سهولا نشتهي الركض فيها!
لا يمكن اختصار الحكاية وهي التي شكلت وما زالت تشكل ملامحنا الوطنية في اوضح تجلياتها الانسانية، بل وهويتنا النضالية في حضورها الاقتحامي واشتباكها الاسطوري مع الصعب والمعقد من اجل الحرية، ولأن ياسر عرفات كما كتب شاعرنا الكبير لحظة الفقد، كان" احد اسماء فلسطين الجديدة الناهضة من رماد النكبة الى جمرة المقاومة الى فكرة الدولة الى واقع تأسيسها المتعثر "لان ياسر عرفات كان وما زال كذلك، لا كما اكتشف الشاعر ذلك وانما ايضا وفقا للتاريخ وامتثالا لخطابه، فان اختصار الحكاية بتأطيرها بالكلمات والمهرجان يكاد ان يكون مستحيلا، اكثر من ذلك فان هذه الحكاية تبدو اليوم كأنها كائن حي بريعان شبابه، كائن لا ينفك مشتبكا مع الواقع ومنازلا له، وياسر عرفات بعض اسمائه الحركية، بهذا المعنى ولهذا السبب ينبغي ان ننتبه الى ضرورة ان تتحلى مناسبة احياء الذكرى بالاشارة الى هذا الكائن وحقيقة حضوره والاهم حقيقة تواصل تطلعاته نحو مستقبل الحرية التي هي ذات تطلعات الزعيم الخالد وبما يعني ان ياسر عرفات سيظل حاضرا بيننا وفينا حتى نصل الى ذلك النور الذي كان يراه في آخر النفق، وحيث اسوار القدس ومآذنها وابراج كنائسها وشبل من اشبال فلسطين وزهرة من زهراتها يرفعان علم فلسطين فوق تلك الاسوار.
نعني باختصار شديد وبكلمات اخرى ان ياسر عرفات حكاية لا تنتهي ولا تموت وهي ذات حكايتنا التي تقولنا بابهى واوضح واجمل الكلمات فدعونا نتباهى بها في كل وقت، لا مرة في كل عام، ولا نريد بالطبع تباهيا استعراضيا وانما نريد ذلك التباهي الاخلاق الذي يضيف للحكاية فصولا اخرى من الابداع النضالي والحضور الانساني الذي يؤسس لعالم افضل وحياة اجدى واجمل بفلسطين الحرة المستقلة.
ولأن الامر كذلك كما اعتقد فان ذكرى رحيل الزعيم وان كانت لوعة القلب تصيغ كلماتها فانها مناسبة لتعميق الايمان بجدوى مسيرة الحرية وحتمية انتصارها وبأننا ما زلنا على درب ياسر عرفات شعبا وقيادة واحزابا وفصائل.
الاحتباس الحراري على نار باردة
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
القضايا والاحداث المرتبطة بالشأن الوطني والقومي تحتاج يوميا إلى آلاف المقالات والدراسات لتسليط الضوء عليها، ومعظم التطورات الجارية على تماس بعلاقات جدلية مع قضايا الاقليم والعالم على حد سواء. مع ذلك التطورات العالمية، المتعلقة بمستقبل البشرية ككل، تخص كل شخص وكل بلد من بلاد الارض، فلا يمكن التعاطي مع مسألة الاحتباس الحراري، وكأنها شأن غير ذي صلة بمستقبل الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والمنطقة عموما، بل هي عميقة الصلة بها.
هذا الموضوع الحساس محل اهتمام دول العالم قاطبة، وعقدت من اجل معالجة مسألة المناخ عدة مؤتمرات، كان آخرها عام 2009 في كوبنهاغن. والان بدأت قمة جديدة في وارسو عاصمة بولندا تستمر إسبوعين، وتنتهي في 22 تشرين الثاني الحالي. حضرها ممثلون عن (190) دولة من القارات الخمس، وتهدف لانجاح قمة باريس، التي ستعقد في العام 2015 حول المناخ. بحيث يمكن الاتفاق بين الدول المعنية على تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بنسبة درجتين مئويتين قياسا الى ما قبل الثورة الصناعية. لان الحسابات البسيطة تشير، إلى ان ابقاء الاحترار الشامل دون درجتين مئويتين، يتطلب ان تبلغ انبعاثات غاز الدفيئة عام 2020 حدا اقصى من 44 جغاطن الى 50 جيغاطن سنويا حاليا.
وتفيد المصادر العلمية، ان الحرارة الشاملة للكرة الارضية ارتفعت بنسبة 8 درجات مئوية خلال قرن، وقد ترتفع بنحو خمس درجات بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، في حال عجز العالم عن تحقيق قفزة سريعة في مجال الطاقة، كما اوضح المختصون. وقالت المسؤولة عن المناخ في الامم المتحدة، كريستيانا فيغيريس، مؤخرا "علينا الان ان نتحرك، للتصدي للتغير المناخي، وعلى وارسو ان تؤكد اننا فهمنا هذه الرسالة".
ولم يأت استشعار خطر الاحتباس الحراري عفويا، بل نتاج التغير التدريجي في المناخ على صعيد الكرة الارضية، حيث بدأت دول العالم تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة، التي امست تؤثر على المنظومة الحرارية الضامنة للحياة البشرية ولمركبات التكوين الجيولوجي للكرة الارضية، وايضا لعملية التوازن بين القطبين الشمالي والجنوبي، لا سيما وان التغير النسبي في المناخ، أخذ يؤثر على ذوبان الثلوج في القطب الشمالي. فضلا عن ارتفاع نسبة التلوث البيئي في اصقاع الكرة الارضية، الناتج عن عدم التخطيط السليم للدول الصناعية.
التقديرات الاولية لقمة وارسو تفيد، عدم تمكنها من إصدار تصور نهائي حول الاحتباس الحراري، لكن يعتقد انها يمكن، ان تتوصل الى حل بعض الخلافات ، وتوسيع نسبة التوافق بين الدول المشاركة القواسم المشتركة، اضافة إلى الاقرار بالمساعدات المالية لدول الجنوب ، حتى تتصدى لمسألة الاحتباس.
النتيجة العلمية والسياسية والديمغرافية للمؤتمرات ما زالت حتى الان دون مستوى الطموح، لان الدول الصناعية الكبرى، لا ترى سوى ارباحها وازدياد نسبة تلك الارباح على حساب جودة المناخ والبيئة. الامر الذي يفرض على شعوب الارض التنبه للاخطار المحدقة بها، والعمل من خلال المنظمات الاهلية والاقليمية والدولية توسيع فعالياتها وانشطتها ضد سياسات الدول الصناعية، والزامها بالتقيد بالمعايير العلمية لتخيفض نسبة التلوث البيئي، لحماية شعوبها وشعوب العالم، وايجاد اليات للتكافل بين شعوب الارض أعظم مما هو قائم حاليا.
التسميم والتأثيم
بقلم: عدلي صادق – الحياة
منذ أن نُقل الرئيس الشهيد ياسر عرفات، الى المشفى الفرنسي؛ كان معلوماً أن المحتلين الأوغاد نفذوا تهديدهم العلني، وزجوا بثقلهم لكي يتم تغييب الزعيم الفلسطيني مثلما يرغبون، إذ اعتبروه "عقبة" في وجه "السلام" المزعوم الذي كانوا يتحدثون عنه!
فلم يكن ثمة التباس، حول حقيقة تسميمه. فقد تحدثوا هم أنفسهم، عن الآلية التي يريدونها لارتكاب الجريمة، بحيث لا تترك أثراً لبصماتهم، تحفيفاً لردود الأفعال في العالم الذي احترم ياسر عرفات وأكبر صموده ونضاله وتمسكه بثوابت شعبه وفي مقدمها القدس وحقوق اللاجئين. ولم يكن ثمة متغابٍ في العالم، ينكر أن الفاعلين هم. كانت الأحاديث تدور حول الأدوات التي أوصلت السم الى جوفه الطاهر، وهي أدوات ووسائل للوصول، تسهل على المحتلين الذين كانوا يحاصرون الزعيم ويعتبرونه غير ذي صلة، ويتهددونه بالموت، ويؤازرهم حاكمون وحكومات راضخة ومتآمرة، متنوعة الألوان. فما زلنا نذكر كيف قاطعوا "الختيار" وضنّوا عليه بمكالمة هاتفية، أو رفضوا حتى ظهوره على شاشة "الفيدو" لكي يخاطب القمة العربية في بيروت!
لا جديد في القناعات. فـ "أبو عمار" قتل بأنواع من السموم كيميائية وأخرى سياسية. فبخلاف الذين أرسلوا السم، والذين دسوّه، هناك من أجهزوا على حصانته السياسية من خلال البغضاء ومن خلال مقاطعته والإجهاز على غلاف وقايته، ضمن منظومة العلاقات الدولية، التي ينبغي أن تكون فيها أمة العرب، وأقطارها، ذات شأن.
لم يكن التحفز لتصفية الزعيم الفلسطيني سراً. فما زالت إرشيفات الأنباء والتصريحات، تحفظ إشارات التحفز الصهيوني لقتل الزعيم الفلسطيني، بكل مضامينها الوقحة!
ولكي يتحاشى الجناة الأساسيون، أية مساءلة، نرى الأمور حتى الآن ذات التباسات مفتعلة. حتى الفحوصات المخبرية، التي لا تعرف المواربة، ما زالت تقول الشيء ولا تقوله. بل إن التقرير السويسري الأخير، يتعمد استعمال كلمة "قد" التي تفيد التوقع، وهذه لا تساعد على تأسيس قرار اتهام صريح، بمعايير القضاء، وإن كان السياق الذي جاءت فيه؛ يؤسس لقرار اتهام سياسي لا لُبس فيه!
ومثلما توحدت الأمة في حزنها وتفجعها على البطل العربي ياسر عرفات، فإن الجواب الذي ما زال منتظراً، هو وحدة الأمة، في مواجهة العدو الوحيد وحليفته ممتهنة كرامات الشعوب ومنتهكة الأوطان، والمتطفلة على كل تفصيل من تفصيلات حياتنا السياسية والاقتصادية!
أما على الصعيد الفلسطيني، فإن درس التسميم، لا يقتصر على تكريس التأثيم البليغ للمحتل الذي اقترف الجريمة. إنه إشارة قوية تذكرنا بطبيعة التحدي الذي نواجهه. فـ "أبو عمار" اختار التسوية، وتحمل الكثير من أجل تحقيقها، وكان يحلم بالتوصل الى اتفاق معقول، يمكّن شعبنا من وضع أقدامه على أرضة لكي يظفر باستقلاله، وأن يستهل صيرورته الحضارية وأن يعزز وجوده على أرض الآباء والأجداد، في مسار تاريخي مضاد للمسار الذي قطعته الحركة الصهيونية منذ أن بدأت خطتها لانتهاب وطننا.
الآثمون قتلوا رجلاً أراد التسوية وتحمل من أجلها كل التخرصات. معنى ذلك إن ما فعلوه يمكن أن يتكرر مع سواه، فلا أمان لهم. وواجبنا الآن، بعد أن عبرنا المرحلة التي قُتل فيها "أبو عمار" أن نرفع البنيان على القواعد التي أرساها. فلا جديد في حكاية التسميم، ولا في عنوان التأثيم!
يوم في ضيافة الزعيم
بقلم: د. أسامة الفرا – الحياة
ما أن انتهيت من المشاركة في برنامج «صباح الخير ياقدس»، والذي كان يبث عبر فضائية فلسطين صباح كل يوم جمعة من غرفة صغيرة بالطابق الأرضي بالمنتدى، حتى دعاني الراحل هشام مكي لتناول فنجان من القهوة في مكتبه الملاصق للغرفة الصغيرة، أثناء الحديث تساءلت إن كان وقت الرئيس يسمح بأن القي عليه تحية الصباح، عبر مكالمة هاتفية قصيرة مع مدير مكتب الرئيس، جاءت الموافقة شرط ألا يقترن ذلك بموضوع، صعدت سلالم المنتدى المؤدية إلى مكتب الرئيس في الطابق الأول، ودون مقدمات أو انتظار وجدت نفسي أصافح الرئيس، كانت ملامح وجهه التي غابت عنه الابتسامه تختصرها نظرة ثابتة إلى الأعلى، وصمت مطبق يخيم على المكان رغم وجود البعض من القيادات، حاولت أن أغادر المكتب كما فعل الغير إلا أن القائد اشار بيده أن أجلس، اتخذت مقعدي دون أن أهمس بكلمة تماشياً مع مركبات المشهد.
على غير المعتاد، القليل من القيادات جاءت لإلقاء التحية ثم انسلت بهدوء، فيما الرئيس يتملكه التفكير مع الذات ونظرته الثابتة ما زالت على حالها، بدأت أدرك أن الشرط الذي وضعه مدير مكتبه له ما يبرره، خاصة مع تدافع المعلومات التي كانت توضع أمامه سواء كانت مكتوبة أو مقتضبة يدلي بها على عجالة من جاء بها، إذاً الأمر يتعلق بالتهديدات المتلاحقة التي أطلقتها قيادات في حكومة الإحتلال، كانت مدينة القدس المحتلة قد شهدت عملية تفجير أودت بالعديد من القتلى، لم يعلن أي من الفصائل الفلسطينية تبنيه للعملية كما جرت العادة، بل أحياناً كنا نجد أكثر من فصيل يعلن مسؤوليته، لعل عدم تبني الفصائل الفلسطنية لتلك العملية دفع القيادة للإعتقاد بأن اليمين المتطرف الاسرائيلي هو من يقف وراء ذلك لنسف جهود السلام، المهم صباح يوم الجمعة أعلنت حكومة الاحتلال أسم الاستشهادي الفلسطيني منفذ العملية، ومعه تلاحقت التهديدات الإسرائيلية التي تحمل الرئيس عرفات المسؤولية، وحملت البعض منها المطالبة بإغتياله ردا على العملية الاستشهادية في القدس.
حاولت مراراً أن أنصرف بعد الاستئذان إلا أنه كان يشير بيده أن أبقى، كان آخرها عند إقتراب موعد صلاة الجمعة، إلا أنها كانت على غير سابقاتها، حيث بادر بالقول: «تصلي وتتغدى ثم تنصرف»، يبدو أن تلك الكلمات كسرت حاجز الصمت الذي إمتد لساعات، عاد بعدها ليسأل عما حدث لمشروع الصرف الصحي بمدينة خان يونس، أجبته أن اليابان أنهت إعداد الدراسات المتعلقة بالمشروع، إلا أن التصريحات المتعلقة بتنفيذ المشروع ما زالت للاستهلاك المحلي، لذا أخذنا على عاتقنا البدء بتنفيذ المشروع على مراحل وفي الوقت ذاته سنحافظ على الاتصال مع اليابان لحثها على التمويل، تبسم الرئيس وقال: «على بركة الله»، وأتبعها بجملة «اكتب ذلك لي»، أيقنت لحظتها أن الرئيس لا يتابع فقط ادق التفاصيل بل أن المسؤوليات الجسام الملقاه على عاتقه مهما عظم شأنها لا تحول بينه وبين متابعة هموم شعبه.
ذهبنا إلى صلاة الجمعة ومنها إلى تناول الغذاء، كان من الواضح أن التهديدات التي أطلقها العدو بما فيها تلك التي حملت طابع الاستهداف الشخصي له لم يستقر منها شيئاً في وجدانه، فحين تناول أحد الحضور آخر تهديدات العدو التي يطالب فيها بقصف المنتدى، تبسم الرئيس قائلاً « ياجبل ما يهزك ريح»، حينها أخذ يمازح الجميع وتحول معها إلى الأب الذي يحرص على إطعام أبنائه، أخذ يتناول مما على المائدة ويقدمه تباعاً للحاضرين، رافقها ببعض الكلمات التي أشاعت في المكان الجو الأسري الذي لطالما عمل على تثبيت قواعده.
وأخذت أسترجع تلك الساعات وأنا أمضي عائداً إلى البيت، لأقف عند حقيقة لا يمكن لأحد أن ينكرها، أن الزعيم والقائد والرئيس والأب إجتمعت في هذا الإنسان ليتحول بها إلى جبل شامخ من جبال فلسطين المطلة على ربوع الوطن.