Hamzeh
2014-01-04, 02:19 PM
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (194)
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
(194)
الإثنين
18-11-2013
</tbody>
اختبار حقيقي أمام اسرائيل
حديث القدس
حتى يخرج العرب من مآزقهم
باقر النجار
هل الانتظار هو قدر الفلسطيني ؟
عطالله منصور
روسيا الزاحفة لملء الفراغ الأمريكي!
عريب الرنتاوي
لماذا طأطأت الحركة القومية العربية رأسها؟
محمد جلال عناية
ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية؟
توماس فريدمان
أطراف النهار ...فلسطين .. والريادية الفرنسية؟
حسن البطل
ماذا بعد أن ذاب الثلج وظهر المرج ؟
طلال عوكل
أوجاع أريترية: الحب والحرب والاغتراب
د. خالد الحروب
تمرد ... أما بعد!!!
د.عاطف أبو سيف
خطاب المعارضة والوظيفة السياسية !!
سميح شبيب
تغريدة الصباح - يغتالون أشجار الصّبّار
محمد علي طه
سمك لبن تمر هندي
أ.د. علم الدين الخطيب
الثورات وغياب ثقافة الدولة
عدلي صادق
متطلبات معركة الاستقلال
عادل عبد الرحمن
اميركا والنووي العربي!
بكر أبو بكر
لعبة التعقيد الاسرائيلية
يحيى رباح
مقالات صحيفة القدس
اختبار حقيقي أمام اسرائيل
حديث القدس
مستوطنون يقطعون أكثر من مئة شجرة زيتون في أراضي يطا ومتطرفون يهود يقتحمون الأقصى وقوة اسرائيلية تعتدي بالضرب المبرح على عائلة في مخيم العروب وقوة أخرى تقصف مخيم عايدة بقنابل الغاز، ومزيد من الاعتقالات في مختلف أنحاء الضفة الغربية ومزيد من البناء الاستيطاني في القدس العربية المحتلة وباقي أنحاء الضفة وقرارات بمصادرة مئات الدونمات .. هذه هي صورة مصغرة لاعتداءات اسرائيل ومتطرفيها خلال أقل من يومين، وهي حلقة في سلسلة الاعتداءات اليومية المتواصلة ضد أبناء شعبنا وضد مقدساتهم وممتلكاتهم وحقوقهم مما يثير أكثر من تساؤل حول نوايا اسرائيل التي تزعم أنها تتفاوض من أجل تحقيق السلام ، وحول مدى قدرة الشعب الفلسطيني الصابر المرابط الصامد على مزيد من التحمل ومنع الانفجار القادم الذي تسعى اسرائيل الى جرنا اليه. وفي الحقيقة تخطىء اسرائيل خطأ جسيما اذا ما توهمت ان الشعب الفلسطيني غير قادر على الدفاع عن نفسه وعن حقوقه أو أنه برفضه الانجرار الى التصعيد الذي تسعى له يراهن على نجاح المفاوضات التي يدرك أصغر طفل فلسطيني أنها باتت مفاوضات عبثية وأن الاحتلال الاسرائيلي يستغلها لكسب مزيد من الوقت لتنفيذ مخططات ترسيخ الاستيطان والاحتلال والتهويد. وإن ما يجب ان يقال هنا أن قيام الشعب الفلسطيني وقيادته بإعطاء فرصة لمفاوضات السلام لا يعني استسلاما للواقع الذي تريده اسرائيل ولا يعني فقدان القدرة على مواجهة التحديدات الاسرائيلية.
ولذلك نقول أن الشهور القليلة القادمة حتى انتهاء مهلة التسعة أشهر للمفاوضات ستكون مصيرية بالنسبة لمستقبل عملية السلام، وهي تضع اسرائيل على المحك فإما ان تختار التخلي عن سياسة التوسع والاستيطان والاحتلال وتحقيق تقدم جوهري نحو السلام وإما ان تواصل نهجها الحالي الذي يعني فيما يعنيه الدفع باتجاه الانفجار وعندها تتحمل اسرائيل المسؤولية الكاملة أمام العالم أجمع عن فشل مفاوضات السلام. وفي هذه الحالة، فان الشعب الفلسطيني يمتلك الكثير من الخيارات ومن حقه النضال من أجل إنهاء الاحتلال غير المشروع وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وهو الحق الذي كفلته قرارات ومواثيق الأمم المتحدة عدا عن حقه الطبيعي بهذا الشأن.
وقد وضع الرئيس محمود عباس النقاط على الحروف قبل أيام عندما أكد إن الخيارات عديدة أمام شعبنا في حال فشلت المفاوضات ، وعندما أكد ان شعبنا يتمسك بحقوقه الثابتة والمشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني المحتل منذ عام ١٩٦٧ بما في ذلك القدس المحتلة عاصمة فلسطين. ولهذا نقول، ان من المهم والضروري استمرار التحرك على مختلف الأصعدة وفي كافة المحافل الدولية والإقليمية للحفاظ على زخم التأييد العالمي لفلسطين الذي تجسد بالقرار الأممي الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال في حدود العام ١٩٦٧. وحتى يمكن حشد أكبر قدر من التأييد العالمي لفلسطين ، فمن الضروري ان نسعى بشكل مكثف لإنهاء الانقسام البغيض واستعادة الوحدة ومخاطبة العالم أجمع بصوت واحد، ومن ثم الانطلاق لبلورة موقف عربي - إسلامي مناصر لفلسطين في مواجهة التحديات التي تفرضها اسرائيل وطرح هذا الموقف الفلسطيني - العربي - الاسلامي في كل المحافل الدولية لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في مواجهة التعنت الاسرائيلي ومحاسبة اسرائيل ولضمان إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة على ترابنا الوطني.
حتى يخرج العرب من مآزقهم
باقر النجار
تجسد الحالة المصرية بصراعات جماعاتها المختلفة على السلطة، حالة عربية عامة لم يُمأسس فيها الصراع على السلطة ضمن أطر دستورية، منذ أن بدأت تتشكل فيها هياكل الدولة في أطرها الحديثة. وهي حالة تجسد انسدادات الأفق المتعلق بالتغيير الذي لا يمكن حصره في فريق دون آخر. وككل الصراعات العربية على السلطة، فإنها ونتيجة لافتقادها للأطر المؤسساتية، بل لافتقاد نخبها السياسية لثقافة سياسية ضابطة لأشكال الصراع السياسي، فإنه نتيجة لذلك يتجه ليكون صراعا على الحكم والسلطة أكثر منه صراعا على تطوير آليات الحكم والسلطة. وأعتقد أن الطريق نحو الديمقراطية أو لنقل بناء نظام جديد وحديث للحكم، لن يكون سهلا وممكنا في مداه الزمني القصير. فالطريق إليه وكما يبدو قد سبقته صراعات ليس فحسب بين النخب السياسية القائمة، أو بين أولئك الماسكين بالحكم والخارجين عليهم، بل إنه بدا صراعا اجتماعيا عميقا أخذ تجلياته في الصراعات المستعرة الآن بين الطوائف والمذاهب والإثنيات. وهي صراعات قد لا تتوقف عند تدمير المجتمع فحسب، بل إن تداعياتها على الدولة أكبر من ذلك بكثير. وهي كذلك لا تأتي على الدول المستعرة فيها هذه الصراعات بل إن تداعياتها وامتداداتها، وبفعل التواصل التكنولوجي الذي بات مكتسحا ومؤثرا، باتت مخترقة لبعض إن لم يكن جل مستويات الإقليم العربي وزواياه الاجتماعية، وإن أصابت في ذلك المشرق العربي بفعل طبيعته الفسيفسائية المتشكلة فيه عبر آلاف السنين.
وهي حالة لا يمكن الخروج منها بذات الممارسة، أملا في أن يأكل الآخر نفسه وتضعف قوته ويسهل ضبطه. إن تفادي مثل هذه التداعيات قد يتطلب نماذج جديدة في بناء الدولة والمجتمع تتجاوز في ذلك الأنماط التقليدية المولدة والمكرسة لهذا المشكلات. فلا يمكن الخروج من الصراعات الهوياتية العربية الأدنى، إلا عبر تعزيز أشكال من الهويات الوطنية الجامعة وعبر تأكيد حقوق مواطنية متساوية في الفكر والممارسة. فالمجتمعات العربية، لربما قاطبة، تمر بمرحلة تحول حرجة، فهي بدت عاجزة إما عن بسط سيطرتها على حدودها المترامية، أو أنها قد فقدت أو بدأت تفقد جزءا كبيرا أو صغيرا على أفرادها. وهي نتيجة طبيعية للخلخلة التي أصابت الكثير من مؤسسات الضبط القائمة فيها مرورا بتوافر وسائط وتقنيات باتت تشجع الأفراد والجماعات على الانفلات والخروج من السيطرة. ولم يعد يجدي أن تحصن الدولة أو الجماعات نفسها بترسانة من القوانين المتشددة في عقابها للأفراد المنفلتين أو بالإكثار من حجم وتقنيات الأجهزة الضبطية الأخرى.
إن ما يدفعني لهذا القول هو ما نشهده في كثير من المجتمعات العربية التي جاءت عليها رياح التغيير السياسي من صراعات سياسية، أعطي بعضها بعدا طائفيا سواء أكان بين مسلمين ومسيحيين، أو بين شيعة وسنة، أو سنة وسنة، كما في العراق وسوريا وبعض أقاليم الخليج العربي، أو أعطي بعدا قبليا - مناطقيا كما في الحالة الليبية واليمنية ولربما بعض أقاليم الخليج العربي، أو أعطي بعدا آيديولوجيا كصراع الجماعات الإسلاموية مثل جماعات الإخوان المسلمين بتحالفاتهم السابقة مع الجماعة السلفية وغيرها، في مقابل الجماعات والقوى الليبرالية والعلمانية في الحالة المصرية. بل إن صراع الجماعات الإسلاموية مع المؤسسة العسكرية والأمنية قد أعطي هو الآخر بعدا آيديولوجيا سياسيا، بات كل طرف يصبغها على الطرف الآخر. ويمثل الصراع في سوريا والعراق حالة نموذجية لتداخل كل أشكال الصراع الذي وظفت فيه الأبعاد القبلية والمذهبية والطائفية والدينية والإثنية، حتى بات المجتمع منقسما على نفسه قبل أن يكون منقسما عن الدولة. وهي مداخل تؤسس لحالة الدولة الفاشلة أو المنهارة، ليس في شكلها اللبناني وإنما هي صوملة جديدة تتمثل فيها الفسيفسائية الشامية البالغة التعقيد.
من هنا لا يمكن حل مشكلات الصراع السياسي في مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق ولبنان وغيرها عن طريق تبني مداخل الاستئصال السياسي أو الإثني، سواء كانت متبناة من أطراف في داخل الدولة أو معارضيها. وهي طرق قد تُسكّن المُشكل إلا أنها لا تحله، كما أنها طرق قد سبق وأن جربتها الدولة العربية منذ تشكيلها الحديث حتى الآن ولم تنجح. بل إنها حلول قد عطلت من تطور جهاز الدولة وأدوات الحكم. وأدت إلى تضخم حجم وقوة بعض مؤسساتها على حساب الأخرى والتي أصبحت فيما بعد عبئا على الدولة، وعلى قدرتها على ابتداع حلول غير تقليدية لمشكلاتها المعاصرة، بل جعل منها مؤسسة غير قادرة على ابتداع حلول خارجة عن صندوق حلولها التقليدي. إن حالة من الفرز والاستقطاب السياسي أو السياسي – الإثني، أو السياسي – الجهوي، أو السياسي - القبلي القائمة الآن في جل مجتمعات الربيع العربي، لم تساهم فيها الدولة أو مؤسساتها المؤثرة فحسب، وإنما ساهمت فيها بقدر آخر ومؤثر القوى والجماعات المعارضة نتيجة لطبيعة بناء خطابها الفكري وتوجهاتها الآيديولوجية، كما هي شبكة تحالفاتها الخارجية، وما تعتقد أنه يمكن أن يخدمها أو أن يؤلب العامة على النظام والعكس. وهي قوى وجماعات ومؤسسات قد ساهمت في إسكات كثير من الأصوات التي لم تتفق معها بالطرق المختلفة. إن إحدى معضلات استعصاء هذه المجتمعات على الخروج من مأزقها وأزمات الصراع السياسي فيها، في اختفاء أو إخفاء أي دور لما يمكن وصفه بالفئة أو الفريق الثالث الذي قد يختلف مع السلطة في بعض معالجاتها كما قد يختلف مع الجماعات المعارضة وبرنامج عملها السياسي، ثم إن أي حل سياسي قد يتطلب قدرا من التنازل المتبادل الذي لا يمكن للحلول أن تتم دونه. وهي حالة لا يبدو أنها تشكل جزءا من الثقافة السياسية للأطراف والقوى المتصارعة.
من الناحية الأخرى، فإن البعض مثلا قد لا يتفق هنا، ولربما يعارض وبشدة مثلا جماعات الإخوان المسلمين أو يختلف مع تحالفهم السياسي سواء في أسلوب إدارتهم للحكم، قبل الإزاحة أو في إدارتهم للصراع السياسي القائم الآن. إلا أنه من الخطورة دفعهم نحو قدر من التمثل الكربلائي لصراعهم السياسي أو أن يدفعوا لزاوية لا يمكنهم الخروج منها إلا بإذلال، أو تصبغ فيهم أوصاف تشيطنهم وتسد على كل الأطراف إمكانية العودة أو التواصل.
لا بد من فعل سياسي غير تقليدي تخرجهم من الحالة التي باتوا فيها أو عليها. أي إخراجهم من الزاوية التي دخلوا أو أُدخلوا فيها، وهو فعل قد يتطلب قدرا من التنازل فيمن لديه القدرة على التنازل، وقدرا من ابتداع الحل والتفكير المشترك فيه. وإلا فإن المُشكل أو الأزمة ستكون كرونيكية مستعصية، قد يكون من الممكن إسكاتها أو إخمادها لبعض الوقت، بما يتوافر للبعض من حلول تقليدية معروفة، إلا أنها تبقى مداخل لا يُمكنها أن تحل المعضل برمته حلا ناجعا يُمأسس لحالة سياسية - اجتماعية جديدة. إن حل المشكلات أو المُشكل لا بد أن يكون من ذات الطبيعة وإلا فإننا في هذه الحالة نسابق سراب الحل ولا نعمل للوصول إلى الحل ذاته. إن أي تأخير في الوصول لحلول لمعضلات ومشكلات الحكم السياسية، تجعل منها مشكلات حلولها، لا بد أن تكون شاملة ومتعددة المداخل والأطراف.
وخلاصة القول إن العدالة والتشاركية في الحكم ليست مسألة رفاهية تتمتع بها شعوب دون الأخرى، بل هي إحدى ضرورات الحياة الجديدة، بل أضيف إلى ذلك بالقول إنها ضرورات أساسية لتحقيق الرخاء والتقدم الذي لا يمكن لأي من المجتمعات أن يكون كاملا ومعافى دونهما.
إن تجارب الهند والبرازيل والهند وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وماليزيا وسنغافورا، رغم ما قد يقال عن مشكلاتها، فإنها كلها تجارب لدول لم تدخل في سراب اكتشاف العجلة المُكتشفة في الأصل، بل إنها وجدت أن عملية البناء عليها تكفيها عن إضاعة الوقت في صراعات ومماحكات إثنو - سياسية لن تؤخر إلا من مجتمعاتها. بل إن هذه صراعات تجعل إمكانية الانطلاق صعبة بغير قدر مهم من التغيير السياسي والاقتصادي الحديث، به نخترق المستقبل ومن دونه نبقى حبيسي مشكلات وأزمات نحن الذين صنعناها بأيدينا ولم يصنعها الآخرون لنا. فقوة الدول حديثة الصعود مثل البرازيل والهند، وتعثر دول فاشلة مثل باكستان واليمن وكوريا الشمالية وغيرها، هي في تلك الانعطافة السياسية المهمة التي جعلت من الصعود الاقتصادي والثقافي فيها ممكنا.
هل الانتظار هو قدر الفلسطيني ؟
عطالله منصور
هل نعمل اليوم لبناء بيت الغد ام ننتظر حتي قدوم الغد الموعود لنعد لما نأمل بقدومه في المستقبل ؟ هذا سؤال يفرض نفسه منذ عقود مضت في الوطن والشتات الفلسطيني. في اراضي لبنان فرض على ثلاثة اجيال من اخوتنا اللاجئين الانتطار في مخيمات الذل والحرمان حتى العودة المرجوة والاكتفاء - اليوم- في الاشغال الشاقة في لبنان او الانتشار في مختلف دول العالم ( عربية كانت او غربية) للبحث عن مكان عمل . سوريا سمحت للفلسطينيين بالمساهمة في اسواق العمل السورية ( وحرمتهم من المشاركة في الحياة العامة ) وفي الاردن فقط سمح للفلسطيني ان يشارك في النشاط الاقتصادي والحياة العامة.
وفي اسرائيل ( ضمن حدود الهدنة في 1948) سمح للاقلية الفلسطينية- بصورة انتقائية فقط- الاشتراك في الحياة الاقتصادية والسياسية بعد اقتطاع حصة الاسد من المصدر الرئيس لاقتصادهم الا وهو الارض الزراعية التي كانت الهدف الاول والرئيسي للمؤسسة الصهيونية منذ مطلع نشاطها الاستيطاني في اواخر القرن ال-19 وحتى اليوم . كما كان المصدر الرئيس لاقتصاد الاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل والذين سكنوا - ولا يزالون حتى اليوم- يعيشون باغلبيتهم العظمى في قرى. ولا تزيد حصة المدن منهم اكثر من -٢٠-٣٠٪ (يعيشون في مدن عربية اومختلطة).
ويقول الخبراء ان العرب في اسرائيل خسروا - حتى الان قرابة نصف اراضيهم الزراعية في عمليات المصادرة التي مازالت مستمرة - وبصورة خاصة في منطقة النقب حيث تنوي حكومة اسرائيل مصادرة غالبية الاراضي الزراعية التي عاش منها وعليها " البدو" العرب طيلة مئات الاعوام. ومن الجدير بالذكر ان قبائل البدو في النقب لم يقتصروا في معيشتهم الاعتماد على تربية الماشية بل مارسوا اعمالا زراعية - اي انهم لا يقتصرون على اعمال الرعاة الذين يمارسون عملية البحث عن مراعي بل انهم يخلطون تربية المواشي مع زراعة المحاصيل الزراعية وبينهم فئة عديدة ممن يحملون وثائق رسمية تؤكد ملكيتهم للاراضي منذ حكم الاتراك !.
واليوم, بعد قرابة 66 عاما على قيام اسرائيل وتضاعف عدد افراد الاقلية الفلسطينية ستة اضعاف ( من 150 الفا الى قرابة مليون نسمه) لاحت في الافق مشكلة جديدة تهدد راحة المجتمع الفلسطيني داخل اسرائيل. القرى العربية الصغيرة كبرت لتصبح بلدات ومدن لا تمتلك من صفات المدن الا الاكتظاظ وتفاقم نشاط العنف والاجرام الذي كاد ينعدم في الريف الفلسطيني بفضل التقاليد وعلاقات القربى والجيرة التقليدية التي شكلت شبكة اجتماعية ردعت عناصر الشر بنظام "الاوادم" و" المشايخ" و"اهل الخير" الذين وقفوا حاجزا يحمي الضعيف من عنف الظالم. واليوم كبرت الحمائل وقرضت الاراضي الزراعية وحولتها لمناطق بناء وانتشرت الحمائل (الا في مواسم الانتخابات للسلطات المحلية) ولم يعد بمقدور المواطن ان يتعرف على كافة ابناء قريته مما يحول كلا منهم رقيبا على الاخرين- وبالتالي تراجع الردع الذي حمانا من العنف في مرحلة المجتمعات الصغيرة.
والسؤال الملح في هذه الايام هو هل نستطيع درء خطر داهم يهدد قرانا وبلداتنا الى بؤر للجريمة - كما حدث فعلا في بعض القرى؟
بروفيسور راسم خمايسي من جامعة حيفا ( الخبير في موضوع تخطيط المدن )القى قبل ايام محاضرة في الناصرة كشف فيها عن ظاهرة خطيرة. في اوساط المجتمع الفلسطيني في اسرائيل فئات وقيادات تعارض مشاريع تنظيم المدن خشية القانون الذي يخول السلطة المحلية مصادرة نسبة معينة من مناطق البناء للمصلحة العامة ( مثل المدارس والطرق والملاعب والحدائق العامة ) الا اذا كانت من اراضي حكومية, ولكن : ماذا نعمل اذا كانت كافة الاراضي في موقع معين تعود لملاك عرب من ابناء البلدة ؟هل نبني عليها بدون انشاء خدمات عامة؟ سهل على المرء ان يتفهم تمسك المالك بأرضه, خصوصا بعد خسارة حصة كبيرة منها لأغراض استيطانية!
ولكن السؤال يصر على ان يجد له جوابا : هل ننتظر في العراء حتى نجاحنا واستعادة بعض اراضينا المصادرة ؟ ومتى سيتم هذا ؟ولماذا نندب انعدام خرائط التنظيم في غالبية قرانا؟والقانون ينص على ان خرائط التنظيم لا تحصل على تصديق بدون اعدادها وفوقها تفصيل مواقع الطرق والمدارس والملاعب وبقية الخدمات الضرورية لسكان المدن.
قال خمايسي ضمن ندوة حول موضوع الاعلام والدين ان مخططا اعده لطائفة مسيحية صغيرة في القدس لبناء بعض دور سكنية متواضعة لشباب الطائفة وفندق لاستقبال الحجاج استقبل بحملة معادية في صحف فهمت انه مشروع مشترك بين طرف فلسطيني ويهود! وقال ان بعض المدن والقرى الكبيرة في الجليل التي اكتظت ( بعشوائيات - كما يقولون في مصر ) اي باكوام ابنية غير مرخصه( ومهدده بالهدم) وهناك ترفض السلطة المحلية المطالبة بتوسيع الخارطة الهيكلية لان ذلك يفرض عليها ان تقوم بمعجزة اقناع اصحاب الارض على التنازل عن جزء من هذه الاراضي للمصلحة العامة.
ومن هنا نجد انفسنا في مواجهة لسؤال ملح : هل ننتظر الى اليوم الذي نستعيد فيه الارض المصادرة ؟ ومتى سيكون ذلك ؟ وهل نعيق استعادة حقوقنا اذا قمنا بانشاء أحياء سكنية تليق بشبابنا - او ان العكس هو الصحيح ؟
روسيا الزاحفة لملء الفراغ الأمريكي!
عريب الرنتاوي
علاقات واشنطن بجميع حلفائها "الكبار" في المنطقة، تمر بواحدة من لحظاتها الحرجة ... لكل حليف من حلفائها ما يكفيه من الأسباب والدوافع المثيرة للغضب والباعثة على إعادة تقييم الموقف ... وثمة ما يشبه حالة "التفلّت" من القبضة الأمريكية المحكمة، تهيمن بتفاوت، على سلوك العواصم الكبيرة في الشرق الأوسط. ثمة أزمة غير خافية على أحد، تطبع علاقات واشنطن بالرياض، على خلفية الموقف الأمريكي من الأزمتين الكبريين في المنطقة: إيران وسوريا ... والسعودية لم تعد تخفي انزعاجها من الموقف الأمريكي بعد "الكيماوي السوري" و"النووي الإيراني"، وفي كل مرة يزور فيها الوزير الأمريكي جنيف للقاء الروس أو الإيرانيين، تبدأ صفارات الإنذار في الرياض بإطلاق صيحات القلق والتحذير، وتعود "مصادر سعودية" للحديث عن خيارات السعودية في المرحلة القادمة، بما فيها تنويع التحالفات ومصادر السلاح وخرائط التبادل التجاري والنفطي.
والأزمة مع مصر، سابقة للأزمة مع السعودية، فالقاهرة تابعت بقلق المواقف الأمريكية المتعاطفة مع نظام مرسي وحكم الإخوان، وتنديدها بـ"الانقلاب/ الثورة"، وبرغم التبدل المتدرج الذي طرأ على مواقف واشنطن من التغيير الحاصل في مصر، إلا أن ذلك لم ينجح في تغيير التوجه المصري نحو تنويع التحالفات ومصادر السلاح، وهذه الحرارة المفاجئة في قنوات الحوار والتواصل مع روسيا، ما كان لها أن تحدث لولا البرودة الشديدة التي سيطرت على مناخات العلاقات الثنائية الأمريكية – المصرية ... ومن الواضح تماماً أن ثمة تنسيق مصري – سعودي في هذا السياق، يشتمل على تمويل المملكة لصفقات تسلح مصرية من مصادر غير أمريكية.
وثمة ملامح تأزم في علاقات واشنطن مع أنقرة، بعد الصفعة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لحكومة رجب طيب أردوغان، برفضها دعواته الملحة للتدخل العسكري وحسم الموقف مع نظام دمشق، وفي ضوء الخلاف حول "جنيف 2"، والتباين حول ما يثيره الدعم التركي للجماعات الجهادية من انزعاج أمريكي وما يستولده من ضغوط على أنقرة لإحكام السيطرة على حدودها ... تركيا أيضاً تذهب باتجاه تنويع التحالفات ومصادر السلاح، وستكون أول أطلسية تشتري سلاحاً من الصين، وهي تعمل من دون كلل على استعادة علاقاتها مع بغداد وطهران، فيما يشبه إعادة التقييم والتقويم والتموضع.
أما العراق، الذي دفعت واشنطن خمسة آلاف قتيل ومئات مليارات الدولارات لـ"تحريره" من قبضة صدام حسين، وليكون بوابة "شرقها الأوسط الجديد"، فقد انتهى لقمة صائغة في فم إيران، تحتفظ فيه بنفوذ يتخطى نفوذ واشنطن، حتى أن بعض المراقبين والمحللين، بات يدرجه في إطار ما أسمي بمحور "المقاومة والممانعة"، أو يعدّه حديقة خلفية لنفوذ إيران ومصالحها في المنطقة، ومن دون أن تُضطر لدفع دولار واحد أو إراقة قطر دم إيرانية واحدة ... العراق هذا، ليس بعيداً عن نظرية "تنويع التحالفات ومصادر السلاح"، والمالكي قاد بنفسه محادثات التسلح العراقي من روسيا.
حتى مع تل أبيب، لا تبدو علاقات واشنطن في أحسن حال، سيما على خلفية الموقف الأمريكي من الاستيطان، وتعج صحافة إسرائيل العبرية بما يمكن وصفه "حملات ردح" ضد الوزير الجاهل والغبي، في إشارة إلى جون كيري، وثمة ما يشير إلى اتساع الفجوة بين الحليفتين على خلفية الموقف من عملية السلام من جهة، والملف النووي الإيراني من جهة ثانية، وليس واضحاً حتى الآن، كيف ستتصرف إسرائيل حيال هذا "الشطط" الأمريكي الذي يقدم لإيران مزايا استراتيجية مجانية من وجهة نظر إسرائيل وبعض حلفاء واشنطن الغاضبين.
باستثناء إسرائيل، حتى الوقت الحاضر على الأقل، تُخلّف التأزمات في علاقات واشنطن بحلفائها الكبار، "فراغاً" تسعى دول الإقليم لملئه بتنويع تحالفاتها ومصادر تسلحها، وبما يفسح في المجال أمام روسيا أساساً، والصين بدرجة أقل، للتقدم لملء الفراغ الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي يعيد موسكو كلاعب رئيس على حلبة الشرق الأوسط، بعد أكثر من أربعين عاماً من الغياب والتغييب، أي منذ سنوات "الركود البريجنيفي" مروراً بـ"البيريسترويكا" وانتهاء بعهد بوريس يلتسين الخائب.
لماذا طأطأت الحركة القومية العربية رأسها؟
محمد جلال عناية
حتى لا يلتبس علينا الامر لاول وهلة عند النظر في انهيار الحركة القومية، بما قد يوحي بأن هذه الحركة قد وصلت الى الاوج، واكتمل بنيانها ثم انهارت، نقول ان الذي انهار هو عملية البناء ذاتها وليست الفكرة القومية بالمنظور الذي سيجري عرضه. اذا عدنا الى جذور الحضارة العربية، نجدها حضارة اللسان، بما منحتنا اياه الصحراء من قيم ومعايير سلوك، وخبرات فرضتها الحياة الصحراوية، وهذا يسهل علينا استيعاب ان فكرة القومية العربية لا تنتمي الا لذاتها، وليست مستنسخة عن رؤى ومفاهيم اخرى للقومية، وان تقاطعت معها، او تشابهت بها في بعض الوجوه بشكل عرضي غير مقصود.
فالقومية العربية عبارة عن شحنة ثقافية تنعكس عن التجربة التي مرت بها الدولة العربية الاسلامية، حيث تعايشت فيها الاعراق المختلفة في مناخ الثقافة العربية التي كانت تشكل اللحمة لهذه الاعراق. ولذلك فإن «العربي» المعاصر ليس هو من ينتمي الى حمير او كهلان، بل هو من ينتمي الى الثقافة العربية الحية، والتي تأخذ بأسباب الحياة من خلال التفاعل السوي مع الثقافات الاخرى، بمعنى ان لا تذوب ولا تتحجر خلال تفاعلها مع الثقافات الاخرى.
من هنا كان بزوغ فكرة القومية العربية كأداة تحصين للثقافة العربية على شكل انتفاضة، في وجه اخطر حملة شعوبية في ظروفها التاريخية، حيث كان العرب في اضعف حالاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية عندما اتجه الاتراك الى اقتلاع الثقافة العربية من جذورها بمحو اللغة العربية «وتتريك» اهلها، ولكون الثقافة العربية رافعة للاسلام، فإن ضرب هذه الثقافة يعني اغلاق المنافذ العقلية لاستيعاب الاسلام والوعي به لدى العرب وغير العرب، لذا فان محو الثقافة العربية هو مقدمة طبيعية لاقتلاع الاسلام من عقول الناس وصدورهم، فتصبح الخسارة مزدوجة وشاملة.
عادت الحركة القومية العربية لتواجه تحد جديد تمثل في قيام القوى الاستعمارية بتقسيم المنطقة العربية، وتقاسمها لاخضاعها واستغلالها. وتحددت المهمة المستجدة للحركة القومية العربية بطرد الاستعمار، واعادة التلاحم الجغرافي بين اجزاء الوطن العربي، ولكن الحركة القومية العربية لم تتوفر لها القوة لانجاز هذه المهمة. وتمثلت القوى المضادة في عاملين الاول: قوى الاستعمار نفسها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والثاني: الطبقة الطفيلية الجديدة من بين فئات الشعب نفسه التي ارتبطت مصالحها بوجود الاستعمار، كأنظمة الحكم التي نشأت في ظل الاستعمار ولخدمته، وما حصلت عليه من امتيازات تحت سقفه. وتحولت القوى الجديدة الى الصف المعادي لطموحات الشعوب في التحرر من الاستعمار، وقيام الوحدة العربية من جديد. وجاء التحدي الثالث بقيام اسرائيل ١٩٤٨، الذي ساهمت فيه القوى الدولية من الشرق ومن الغرب لشل ارادة العرب، واجهاض قوتهم، حيث اصبحت المنطقة العربية حقل مصالح لكافة القوى الدولية، هذه القوى التي يسهل عليها ضعف المنطقة العربية تحقيق هذه المصالح بأقل جهد وارخص ثمن.
اما الشعوب العربية، فان قيام اسرائيل وما نزل على انظمة الحكم العربية من اذلال نتيجة الهزيمة التي تصعدت معها انجزة الخيانة - قد اثار غضب الشعوب العربية التي اخذت تتطلع الى وسائل جديدة لتتسلح بها الحركة القومية لاقامة وطن عربي واحد بلا اسرائيل. وهكذا اصبح امام هذه الحركة هدفان متلازمان، هما تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين وشكلا علامة فارقة بين مرحلتين من مراحل التاريخ السياسي العربي المعاصر، مرحلة اللامبالاة، من قبل الحكام العرب، بالرأي العام العربي والقوى الشعبية، ومرحلة الحذر الشديد من هذه القوى، ومحاولة خداعها واستمالتها بطرق اكثر ذكاء.
في منتهى البساطة، ان من لديه المال والسلاح هو الذي اقام نظم الحكم في الاقطار العربية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، المال لاقامة الادارة الحكومية، والسلاح للردع والضبط لمن يرفض الانصياع للحكم، وقد ترسخ في قناعة الحكام العرب ان القوى الاستعمارية هي التي اقامت نظام الحكم، وهي كذلك القادرة على ازالته، وان الجيش هو الآلية التي يقوم عليها الحكم، وان جيوش االاوطاان تحولت الى جند السلطان، ومن هنا ظلّ الاجنبي في عقيدة الحاكم العربي هو مصدر السلطة، وان الجيش هو اداتها.
عندما توارى الاستعمار عن مباشرة الحكم، وتم تغييب الشعب عن ممارسته، بقي الجيش في نظام الحكم الاستبدادي هو مصدر السلطات، وبدون الجيش لن تقوم للحكم قائمة، ومع ان القوى الاستعمارية لاتريد للعرب ان يتوحدوا، ولا ان يزيلوا اسرائيل، فان الانظمة العربية نفسها لا تريد الوحدة لانها تزيل انظمة الحكم، ولا تريد ان تشتبك في حرب مع اسرائيل حتى لا تتحطم جيوشها التي هي عصب السلطة الحاكمة. اذن هي العزلة والتجزئة التي ظلت تحكم العلاقة بين انظمة الحكم العربية، واصبحت الوحدة العربية وتحرير فلسطين، شعارات لاستمالة الجماهير وخداعها فقط ولم يعد للحركة القومية من قوة في ترسانتها سوى هتاف الجماهير الذي يعتبر جريمة سياسية في بعض الاقطار العربية.
ففي خلال المحادثات التي جرت خلال حكم الملك فاروق والاسرائيليين في رودس (اليونان) ولوزان (سويسرا) واماكن اخرى اصر الملك فاروق على انسحاب اسرائيل من اجزاء كبيرة من النقب، وعلى عودة اللاجئين الفلسطينيين مقابل توقيع معاهدة عدم اعتداء مع اسرائيل، وكانت اسرائيل تعلم ان الملك فاروق هو الذي قرر ارسال الجيش المصري الى فلسطين عام ١٩٤٨، وانه رفض مصالحة اسرائيل الا بشروطه هو.
ظلت كراهية العرب مركزة على بريطانيا منذ العام ١٩١٧، الذي احتلت فيه فلسطين، واصدرت اعلان بلفور، وظلت تسيطر على المناطق الحيوية من بلادهم، مما حرمهم من استثمار ثرواتهم الوطنية. ففي عدن قاعدة عسكرية بريطانية للسيطرة على مضيق باب المندب وقواعد اخرى بمحاذاة قناة السويس، وساحل النفط شرقي شبه الجزيرة العربية. وبلغت كراهية العرب لبريطانيا اوجها خلال حرب السويس ١٩٥٦، والتفت مشاعر العرب حول مصر التي كانت الامل المرجو لقيادتهم لتحرير فلسطين والتحرر من الاستعمار.
فان تحتمس الثالث قاد حملة مصرية وصلت الى العراق. وان مصر هي التي تصدت للصليبيين في حطين غرب طبريا (فلسطين - ١١٨٧)، وللمغول في عين جالوت قرب الناصرة (فلسطين - ١٢٦٠). وان محمد علي باشا هو الذي ارسل الحملات الى شبه الجزيرة العربية، وهدد الامبراطورية العثمانية. كانت فلسطين مفتاح الامن لمصر. ولذلك عندما تطلع الفلسطينيون والعرب الى عبد الناصر، كانوا يتطلعون الى مصر. فاذا ما قادت المسيرة فان احدا لن يتخلف.
جاء الخلط في مفاهيم الهزيمة والنصر في التقويم لنتائج الحرب بعد هزيمة ١٩٦٧، عندما اخذت اجهزة الاعلام العربي تؤكد فشل اسرائيل وهزيمتها في هذه الحرب، لانها عجزت عن اسقاط انظمة الحكم العربية، اما احتلال الجيش الاسرائيلي لكل من سيناء والجولان فليس بذي شأن في التمييز بين الربح والخسارة في موازين الحروب!!.
ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية؟
توماس فريدمان
من البديهي أن إبرام اتفاق على المدى القصير مع إيران يُستحق معه رفع العقوبات جزئيا، سيكون اتفاقا لتجميد كافة العناصر الأساسية لبرنامج تطوير الأسلحة النووية لإيران، وأن الاتفاق الوحيد الذي يُستحق معه رفع العقوبات كليا هو الذي يمكن من خلاله التحقق من تقييد قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية.
بيد أنه يوجد شيء ما آخر مسلم به، ولكن ما زال يحتاج إلى التصريح به بنبرة عالية: نحن، أميركا، لسنا مجرد محامي دفاع للتفاوض والتوصل إلى اتفاق لصالح إسرائيل وحلفائنا في الخليج. نحن، أميركا، لدينا مصالح لا تتمثل في كبح وتقليل قدرات الأسلحة النووية لإيران فحسب، ولكن أيضا إنهاء الحرب الباردة القديمة التي بدأت منذ 34 سنة بين إيران وأميركا، والتي أضرت بمصالحنا ومصالح أصدقائنا الإسرائيليين والعرب وأثرت عليها بالسلب. ومن ثم، يجب علينا عدم معارضة مصالحنا الواضحة والأكيدة في مواجهة الجهود الإسرائيلية والعربية الرامية إلى عرقلة إبرام اتفاق نعتقد أنه سيكون جيدا بالنسبة لنا ولهم. وتكمن مصالح أميركا في الوقت الحالي في التوصل إلى اتفاق نووي وشيك ومحكم مع إيران التي تفتح الباب وتمهد الطريق للتعامل مع مجموعة كاملة من القضايا الأخرى بين واشنطن وطهران.
بعض حلفائنا لا يشاركنا في هذه المصالح ويؤمنون بأن النتيجة الوحيدة المقبولة هي ضرب المنشآت النووية لإيران وإبقاؤها دولة منعزلة وضعيفة. إنني ألتمس لهم العذر لتلك الشكوك التي تساورهم. ودون وجود الضغط وفرض العقوبات الدولية على إيران، ما كانت إيران لتقدم حتى اليوم على تقديم أي تنازلات بخصوص برنامجها النووي. بيد أن هذا الضغط لم يعنِ قط نهاية الأمر في حد ذاته، ولكنه كان يعني إشراك إيران في الأمر، بشرط أن تتخلى، بشكل يمكن التحقق منه، عن قدراتها لإنتاج سلاح نووي. ويقول كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي إنداومنت للسلام الدولي: «بما أن اللاعبين الإقليميين يرون أنه لا طائل من وراء الدبلوماسية مع إيران مثل (لعبة المجموع الصفري)، سواء تحقق الفوز أو جرى التغلب عليك، فلا يعني ذلك وجوب توقف أميركا عن التوصل إلى اتفاق».
ما هو السبب وراء ذلك؟ فلنبدأ بالحقيقة التي مفادها أن إيران لها تأثير هائل على العديد من الأمور التي تعد مصدر قلق للأمن القومي لأميركا، بما في ذلك، سوريا والعراق وأفغانستان، فضلا عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والإرهاب، والانتشار النووي. وقد أسهم تصاعد حدة التوتر مع إيران في تفاقم هذه القضايا، لذا فحدوث انفراجة مع طهران قد يساعد بدوره في تهدئة الأوضاع المتعلقة بتلك القضايا. ولقد لعبت إيران دورا حيويا في مساعدتنا في هزيمة حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وهو ما يمكن أن يتكرر لمساعدة القوات الأميركية على الانسحاب من أفغانستان دون أن تستعيد طالبان السيطرة مرة أخرى على الأراضي الأفغانية بالكامل.
هناك صراع في طهران في الوقت الحالي بين الذين يريدون من إيران أن تتصرف كدولة تهتم بمصالحها وهؤلاء الراغبين في أن تستمر في التصرف كدولة الثورة المستمرة في صراع متواصل مع أميركا وحلفائها. وأوضح نادر موسافيزاده، أحد كبار المساعدين السابقين للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان قائلا: «يتمثل الخطر في مفاوضات جنيف النووية جزئيا في السمة الأهم التي ستغلب على السياسة الخارجية الإيرانية». وعليه، فيمكن أن يؤدي إبرام صفقة تحقق المنفعة المشتركة إلى تمهيد الطريق للتعاون على جبهات أخرى.
وعلاوة على ذلك، لا يوجد شيء يهدد مستقبل الشرق الأوسط في الوقت الحالي أكثر من التصدع والشرخ الطائفي بين السنة والشيعة. ويخدم هذا التصدع الرئيس السوري بشار الأسد وجماعة حزب الله اللبنانية وبعض الزعماء لصرف شعوبهم عن القضايا الأساسية للنماء الاقتصادي والبطالة والفساد والشرعية السياسية. كما يجري استخدام هذا التصدع لبقاء إيران معزولة وعاجزة عن الاستغلال الكامل لاحتياطاتها الهائلة من النفط والغاز، وهو ما يمكن أن يكون تحديا لبعض الإجراءات العربية. بيد أن مصلحتنا تتمثل في إخماد هذه المشاعر الطائفية، وليس الوقوف إلى جانب أحد الأطراف.
لقد منعتنا الحرب الباردة الإيرانية - الأميركية من التصرف المثمر بشأن كافة هذه الاهتمامات. من السهل أن نقول إنه يجب علينا الانصراف عن المحادثات إذا لم نحصل على ما نريد، ولكن عزل إيران لن يكون سهلا كما كان من قبل. تمتلك الصين وروسيا والهند واليابان مصالح مختلفة بالمقارنة مع مصالحنا تجاه إيران. وكان الرجل الوحيد الذي يمكنه توحيدهم جميعا وراء هذا النظام الذي تعرض لعقوبات شديدة هو الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. في حين أن الرئيس الجديد، حسن روحاني، أكثر براعة. ويقول سجادبور: «قد يبلغ تأثير العقوبات المفروضة ذروته، ولن تتخلى دول مثل الصين بشكل غير محدد عن مصالحها التجارية والاستراتيجية وجها لوجه مع إيران لمجرد إرضاء الكونغرس الأميركي».
وفي ضوء جميع ما ذكر، فإن الاتفاق الذي يحاول فريق أوباما إبرامه في الوقت الحالي للبدء في تقليل القدرات النووية لإيران واختبار المزيد من الأمور الممكنة يصب في مصلحة الولايات المتحدة بشكل أساسي. ويقول موسافيزاده «إن تحقيق انفراجة مع إيران يعد مكسبا مهما للسماح للولايات المتحدة بتبني سياسة خارجية مستقبلية متوازنة بما يجمع بين المصالح والالتزامات، مع السماح لنا بإعادة البناء في الداخل في الوقت نفسه». وواصل حديثه قائلا: «هناك في الشرق الأوسط من يفضل وجود حرب قبلية وطائفية لا تنتهي، وهي مبررات رجعية تعوق تطويرهم الداخلي كمجتمعات متفتحة ومتكاملة ومتسمة بالتعددية، ويمكن أن يكون لهم ذلك، ولكن هذه ليست حربنا ولسنا نحن من يفعل ذلك سواء في الداخل أو الخارج».
مقالات صحيفة الأيام
أطراف النهار...فلسطين .. والريادية الفرنسية؟
حسن البطل
علم أجنبي وحيد كان معلقاً على نافذة "الكوريدور" في "المقاطعة"، وعليه عبارة بالفرنسية "شكراً فرنسا Merci France.
سأقول: أهلاً وسهلاً Bienvenu بالمسيو فرانسوا اولاند، ثالث رئيس فرنسي يزورنا (وإسرائيل) بعد زيارة جاك شيراك 1996 ونيقولا ساركوزي 2008، لماذا؟
سيكون اولاند أول رئيس دولة كبرى يرسي تقليداً لرؤساء الدول الكبرى بوضع إكليل زهور على ضريح الرئيس ياسر عرفات.
فرنسا ذات الريادة الأوروبية ـ الغربية في المسألة الفلسطينية، منذ كان فرانسوا ميتران أول رئيس دولة أوروبية غربية يستقبل عرفات في قصر "الأليزيه". كانت هذه التفاتة وبادرة جرّت ملاحظات ردّ عليها ميتران بقوله: سيقتدون بي، ولاحقاً استجاب عرفات طلباً من ميتران ونطق الكلمة السحرية (كادوك ـ متقادم).
بعد تأسيس السلطة الوطنية، كان للرئيس جاك شيراك أن يكون أول رئيس دولة عظمى يزور رام الله (والقدس الشرقية) ويسير مع عرفات في موكب بشوارع المدينة خلال زيارته لكنيسة القديسة حنا (إحدى أربع كنائس تحت الحماية الفرنسية) تشاجر كلامياً مع حراسه الإسرائيليين ليتركوه خارج طوقهم الخانق "أنا بين أصدقاء" قال. في وقت لاحق، عام 2009 سترد فلسطين وبلدية رام الله جميل شيراك، وتطلق اسمه على شارع فيها، افتتحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
قلّما نلتفت إلى تقليد دبلوماسي ـ سياسي حيث كبار الزوار والرؤساء صاروا يزورون إسرائيل وفلسطين معاً، كأنهما "ساحة دبلوماسية واحدة" لماذا؟ عام 2008 زار الرئيس نيقولا ساركوزي إسرائيل، والتقى رئيس الوزراء أيهود أولمرت، ورئيس السلطة أبو مازن. خطب في الكنيست، وقال لإسرائيل: "من الجنون عدم الاعتراف بدولة فلسطينية".
هل سيبدأ الرئيس الفلسطيني تقليداً بروتوكولياً ـ دبلوماسياً ـ سياسياً، فلا يستقبل في مقاطعة رام الله سوى كبار الزوار والرؤساء الذين في برنامج زيارتهم الاحترام الواجب للرئيس المؤسّس ياسر عرفات، أو يستقبلهم في مكان آخر، مثل بيت لحم أو أريحا.
الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، أكثر رؤساء فرنسا ثقافة، زار إسرائيل العام 1982، لكن كان بعد سنوات أول من استقبل عرفات في الأليزيه، وبعدها صارت باريس بوابة ومفتاح الدبلوماسية الفلسطينية لدول أوروبا الغربية، وكان ميتران رئيساً اشتراكياً لبلاده.
ساعدت فرنسا إسرائيل في بناء مفاعل "ديمونا" النووي، وفي حرب السويس (العدوان الثلاثي) 1956 في عهد الاشتراكيين. لكن، غداة حرب حزيران (يونيو) 1967 وجّه الرئيس شارل ديغول رسالة انتقادية ـ تاريخية لإسرائيل، وأوقف إرسال الأسلحة إليها، محذراً من تفكير دولة يهودية "معتدة بنفسها ومغترّة".
.. والآن، رئيس فرنسي اشتراكي يزور إسرائيل وفلسطين، ويضع إكليل زهور على ضريح عرفات، بينما تنتظر السلطة والشعب الفلسطيني التقرير الفرنسي حول وفاة عرفات، التي يعرف أسبابها الرئيس جاك شيراك، بوصفه القائد الأعلى لجيش بلاده، وبوصف مستشفى "بيرسي" عسكرياً. لفرنسا الاشتراكية سياسة إزاء سورية قد لا نوافق عليها، وسياسة إزاء إيران ستتفق عليها فرنسا مع أميركا بعد يومين، ومهما قيل في طموح فرنسا للعودة إلى التأثير في الشرق الأوسط، فما يهم فلسطين هو سياسة فرنسا تجاهها. ستحتفي إسرائيل بزائرها بأُبّهة ربما نكاية بالرئيس أوباما، وتستقبل مصر وفداً سياسياً ـ عسكرياً روسياً امتعاضاً من أميركا.
المهم أن اولاند سيضع إكليل زهور على ضريح مؤسّس دولة فلسطين، ربما حلاً لازمة بسيطة، حيث لم يكن في برنامج الزيارة إلقاء خطاب في الكنيست.
ستحظى الكنيست بخطاب رئاسي فرنسي آخر، ودولة فلسطين ستحظى بخطوة رمزية تؤكد ما قاله ساركوزي في الكنيست: "من الجنون عدم الاعتراف بدولة فلسطين". ربما لو كان برلماننا قائماً لتحدث أمامه اولاند؟ يزورنا رؤساء الدول ساعات، ويزورون إسرائيل أياماً. لا بأس. قصر الضيافة الفلسطيني جاهز في سردا لاستضافة الرؤساء عندما نصير دولة.. في غير مراسيم البروتوكول؟!
ماذا بعد أن ذاب الثلج وظهر المرج ؟
طلال عوكل
الذكرى التاسعة لرحيل الزعيم الفلسطيني هذا العام كانت متميزة، من حيث تزامنها مع انتهاء الأبحاث المخبرية الروسية، والسويسرية، والتي أظهرت تباينا فيما يتصل بأسباب وفاة ياسر عرفات. التباين بين التقريرين، لا يشير إلى فوارق في الامكانيات، أو مستوى الخبرات التي تتوافر لدى الطرفين وكلاهما يملك من الامكانيات ما يؤهله لاكتشاف الحقيقة، ما يعني ان الفوارق تعود إلى أسباب سياسية.
كيف يمكن لمختبرات متساوية القدرات العلمية والتكنولوجية ان تصل إلى تفاوت يجعل نتائج التحليل الروسي غامضة، فيما يتوصل التحليل السويسري إلى أن الرفات تحتوي على مادة البولونيوم السامة، رغم أن الفريقين أخذا العينات من ذات الرفات، وفي وقت واحد تقريباً. تتضاعف الشكوك، بشأن خضوع النتائج لتأثيرات سياسية، حين نعرف بأن ظهورها جاء متأخراً لستة أشهر عن الأشهر الستة التي حددتها الفرق الروسية والسويسرية، من أجل التوصل إلى نتائج محددة.
على أن المشكلة الأبرز التي تشير إلى وقوف السياسة وراء هذه التحقيقات، يكشف عنها، غياب نتائج التحقيق الفرنسي حتى اللحظة، ذلك التحقيق الذي جرى بموجب دعوى قدمتها للقضاء الفرنسي أرملة الراحل عرفات. فرنسا كانت قد قدمت قبل ذلك تقريراً طبياً ينطوي على غموض فيما يتعلق بأسباب الوفاة، رغم انها الطرف الأقدر على تحديد تلك الأسباب منذ اللحظة الأولى لوجود عرفات في مستشفى بيرسي العسكري إلى حين وفاته.
لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن فرنسا لم تتعاط سياسياً مع الملف، خصوصاً وأنها كما قيل أتلفت العينات التي كانت موجودة لديها خلال وجود عرفات في المستشفى الفرنسي. المهم في الأمر أن كافة التقارير، القديمة والجديدة لا تشير إلى أن الوفاة كانت طبيعية بسبب مرض ما، أو بسبب الشيخوخة، الأمر الذي يؤكد هواجس كل الشعب الفلسطيني الذي لم تساوره الشكوك بشأن مسؤولية إسرائيل عن اغتيال الزعيم الفلسطيني. في الواقع ثمة اعتقاد راسخ لدى المراقبين الفلسطينيين، ونظن أن أيضاً لدى الكثير من المراقبين العرب والأجانب، بأن عملية اغتيال من هذا المستوى لزعيم تاريخي كبير بقامة عرفات، قد تمت بقرار سياسي دولي أو بقرار إسرائيلي وموافقة دولية، ومن بعض الدول العربية.
ان سألت أي فلسطيني عن أسباب اغتيال عرفات، سيقول لك إن الشواهد كثيرة على أن إسرائيل في عهد شارون، قررت استبعاد عرفات كشريك وأحكمت الحصار عليه في المقاطعة، لأنه من وجهة نظرها، أصبح عقبة أمام تقدم المخططات الاحتلالية، ولأنه من وجهة نظر الدول الحليفة لإسرائيل أصبح عقبة أمام عملية السلام بسبب تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وبسبب عدم ارتهانه لخيار المفاوضات كخيار وحيد.
ثمة خديعة في الأمر، حين يدعي شارون أن إزالة عرفات عن الطريق من شأنها أن تفتح الطرق أمام تحقيق السلام، فلقد أثبتت إسرائيل خلال مرحلة شارون وحتى الآن انها هي التي تدمر كل إشارة إلى الطريق المؤدية إلى السلام.
لن يشعر الزعماء الذين وافقوا على القرار الإسرائيلي باغتيال عرفات أو تواطأوا معه، بالذنب، أو الندم، لأنهم ربما تضامنوا مع الروح الانتقامية التي تحلى بها الرئيس السابق جورج بوش، على خلفية رفض الزعيم الفلسطيني العروض البائسة التي قدمها له باراك، والرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون خلال مفاوضات تموز العام 2000 في كامب ديفيد.
كان معلوماً أن على عرفات أن يدفع ثمن رفضه تلك العروض، وامتشاقه السلاح خلال انتفاضة الأقصى، التي اندلعت في عموم الأرض المحتلة بعد نحو الشهرين من مفاوضات كامب ديفيد الفاشلة، فلقد حث عرفات على الانتفاضة، وأوعز بتشكيل كتائب شهداء الأقصى، وقدم لها الدعم. والآن من وجهة نظر وطنية فلسطينية فإن الملف جاهز، بما أكده تقرير المعهد السويسري، لكنه بالتأكيد يحتاج إلى استكمال حتى يصبح جاهزاً لدفعه الى محكمة الجنايات الدولية.
ليس هناك مجال للتسامح أو الغفران إزاء أي تأخير أو مماطلة في استكمال الملف، من الطرف الفلسطيني، الذي تأخر قراره بتشكيل لجنة تحقيق فلسطينية حتى العام 2010، ولكن حتى يتم استكمال الملف، لا بد من تشكيل لجنة دولية محايدة، تقوم بالتحقيق من أجل التوصل بالقرائن الدامغة لمرتكب الجريمة.
لجنة التحقيق الفلسطينية التي يترأسها اللواء الطيراوي مكلفة بالاستعجال في التحقيقات للكشف عن الوسيط الذي نقل السم للزعيم الفلسطيني، والمفروض أن تتوخى الشفافية إزاء ذلك بما لا يلحق أي ضرر بسلامة التحقيقات.
هذا يعني أن السيدة سهى عرفات، التي وضعت ثقتها بالقضاء الفرنسي عليها أن تتراجع باتجاه سحب الملف، لأننا كما فهمنا نعلم بأن المحاكم الدولية لا تنظر بملف مطروح أمام القضاء في دولة وطنية.
أما الخطوة الأساسية فإنها تتطلب من دولة فلسطين، التقدم بطلب الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلى السبع والستين مؤسسة دولية، التي أشار أكثر من مسؤول فلسطيني إلى إمكانية الانضمام إليها.
وبإمكان دولة فلسطين أن تدعو الجمعية العامة للانعقاد، وفي الوقت ذاته أن تدفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي رغم صعوبة الحصول منه على قرار. ومرة أخرى يتأكد أن التزام حسن النوايا تجاه المخططات الإسرائيلية الخطيرة، والحروب التي تشنها إسرائيل على الأرض والحقوق الفلسطينية، هذا الالتزام، الذي قد لا يعني القطع مع المفاوضات، إنما يشكل إهداراً للوقت، وتأخيراً لا لزوم له. ربما يكون الرئيس محمود عباس قد أعطى التزاماً بعدم التوجه للمؤسسات الدولية قبل نهاية التسعة أشهر المحددة للمفاوضات ولكن إسرائيل تقدم كل صباح، وكل لحظة، كل المبررات الكافية للتنصل من هذا الالتزام وإلا فإن على من طلب هذا الالتزام أن يوقف الحرب الإسرائيلية المستعرة والمسعورة.
أوجاع أريترية: الحب والحرب والاغتراب
د. خالد الحروب
"في وجهها يستوطن بهاء قديم لم تحرمه الأيام نضارته الأولى. ومن وجهها ينضح عطر سماوي يشبه ما يمنحه المطر لتراب الأرض. وعند وجهها تتزاحم حكايات الحسن، وقد تخلت عن نهاياتها الحزينة". هذا ما يظل يدندن به بطل رواية "مرسى فاطمة" لحجي جابر حول حبيبته المفقودة، واصفا إياها لكل من يراه ويظن بأن لديه طرفا من خبر عنها.
بعد قصة حب قصيرة تغيب سلمى ويغيب بطلنا وراءها بحثا عنها، أو عن سرابها، أو هيامه أو وهمه بها.
إنها السردية المتألقة الأخرى لجابر بعد روايته الأولى "سمراويت" التي فازت بجائزة الشارقة للرواية من سنتين.
"مرسى فاطمة" هو الشارع الذي التقى فيه سلمى أول مرة ووقع على رصيفه بدء تاريخ حبه لها.
من ذلك الشارع تركب سلمى الحافلة التي تقلها إلى المدرسة الثانوية، ويجري قلبه مع عجلاتها.
لكن لهذا المكان رمزية أبعد بكثير. إنه اريتريا الناس العاديين والمفعمين بالجمال العفوي والتعايش غير المُدعى، بعيدا عن جبروت السياسة، وبعيدا عن عفن التطرف القادم من وراء الحدود.
يخبرنا حجي جابر أن: "مرسى فاطمة اسم أطلقه الجبرته على هذا الشارع تيمنا باسم جزيرة مباركة قرب مصوع سكنتها امرأة صالحة من نسل الصحابة، ليحل محل اسم الامبراطورة "منن" زوجة "هيلاسيلاسي"، والتي اختارته دون سواه ليحمل اسمها ... هنا يسكن مسلمون ومسيحيون ولا دينيون ... الشارع يبدأ بكنيسة إندا ماريام وتنتهي تفرعاته عند جامع الخلفاء الراشدين، وقد بناه الايطاليون بأموال تاجر يمني استوطن اسمرا.
هنا تتجاور بيوت الاغنياء والفقراء، وكذلك قلوبهم. هنا ايضا لا تجد اسرة لم تفقد حبيبا في حرب الاستقلال. مرسى فاطمة يمثل وطنا رحبا لكل سكانه".
يتناهى إلى علمه ان سلماه تم تجنيدها وارسالها إلى معسكر الخدمة العسكرية الاجبارية "ساوا" الرابض بين الجبال البعيدة عن العاصمة اسمرا.
هناك الحياة تنتمي إلى نوع آخر من الحياة. يلحقها ويتطوع لأداء الخدمة الوطنية (القلوقلوت)، ويستسخفه كثيرون لأنه معفى منها اساسا بكونه وحيد والديه.
هناك يتفنن المدربون في إذلال الشباب تحت عنوان تربيتهم على حياة الجندية ومواجهة الصعاب.
المعسكر هو صورة النظام الحاكم: السلطة الفوقية وعدم الشفافية، والفساد المتسربل في خريطة القيادة العليا له.
يتجبر الضباط في المجندين في فرض اقسى انواع التدريبات بدءا من فجر كل يوم وحتى مغيب شمسه، يركضون، يلهثون، تنقطع انفاسهم، ثم يُطعمون كسرة خبز وماء شاي، ثم يصفعون محاضرة في الوطنية والبطولة من قبل ضابط ثمل جاء لتوه من معسكر الإناث بعد أن جال بفحولته على عدد منهن، إمعانا في الوطنية.
بطلنا الشاب يتحمل طوعا ما يتحمله زملاؤه قسرا وهو يأمل أن يعثر على خيط امل يقوده إلى سلمى التي يفترض انها في المعسكر المجاور.
لا سبيل إلى الوصول إليها حيث يمنع ذلك على المجندين، ولا يتمتع بتلك الحظوة إلا الضباط.
ينفلق الحظ السعيد لبطلنا إذ يختاره احد الضباط سائقا له، بما يعني سهولة دخوله الى معسكر الإناث يقود سيارة الضابط.
هناك وفي لحظات توهان الضابط في سكراته المختلفة يستغل العاشق كل دقيقة ليسأل عن حبيبته سلمى. يترك صفاتها واسمها وعشقها له مع كل فتاة يتمكن من الحديث إليها. لكن لا اثر لها.
يفعل المستحيل للهرب من “ساوا” بعد ان اكتشف ان سلمى ليست هناك، ويلحق سرابا لها باتجاه السودان إذ وصلته اطراف اخبار بأنها عبرت الحدود إلى هناك.
رحلة الهرب من الوطن الاريتري اوديسة أخرى تُضاف إلى رحلات الهروب من اوطان الجنوب.
على الحدود الاريترية السودانية يقع اسيرا وضحية لـ "دولة الشفتا"، والشفتا هم القبائل المسيطرة على المنطقة الحدودية بالسلاح والقوة وفرض الخاوات.
تتهيب السلطات على طرفي الحدود من سطوة تلك القبائل وعصاباتها وتشتري ولاءها، ويمتد نفوذها إلى وزراء ومسؤولين كبار.
على الفارين من جحيم الوطن ان يمروا بجحيم الشفتا ويدفعوا الوف الدولارات كي يصلوا إلى الجحيم الثالث، إلى مخيم "الشجراب" الضخم في الاراضي السودانية، والذي يعتبر من اكبر مخيمات اللاجئين في العالم.
في "الشجراب" دويلات اخرى، من المنظمة العالمية للاجئين، لعصابات المهربين، للسلطات السودانية، ولكل ما يمكن ان يتصور من عوالم سفلية.
يبحث في أزقته وخيمه وتجمعاته عن سلمى التي لا اثر لها.
يسأل كل الناس، لكن ليس ثمة طرف خبر مؤكد.
يعزم في نهاية المطاف على مغادرة المخيم البائس ركضا وراء خبر ما بأن سلمى اصبحت في السودان.
ينخرط في عملية تهريب ثانية، وبعيدا عن الوطن، او بحثا عنه.
قبل مغادرة المخيم يتعرف إلى خريطة "الامل" لكثير من اللاجئين الشبان وهي ان جل همهم هو تأمين هروب سري عن طريق بعض العصابات إلى إسرائيل.
هل هربت سلمى معهم واصبحت هناك ايضا؟
تضيع سلمى وسط تفاهات الحرب، والفساد، والفقر، والتطرف، والسياسة، والتهريب، والحدود الملتهبة، والبؤس المودي للهجرة اليائسة إلى إسرائيل.
تضيع سلمى بطل جابر حجي الذي ينذر نفسه للبحث عنها ولقياها. إنها تحمل جنينهما في احشائها.
إنه المستقبل الذي يريد بيأس وعناد ان يأخذ "مرسى فاطمة" إلى غد مشمس، .. إلى ماضيه الجميل.
لا تضيع سلمى وحسب، بل اريتريا "مرسى فاطمة" هي التي تضيع، وحجي يبحث عنها.
يبحث عن وطن بسيط تترتب فيه الاشياء بفوضى الناس العاديين، بعيدا عن ايديولوجيا الحزب الحاكم، وتشدق الساسة، وقوافل الموتى الملتحقين بأتون نار تلتهم الوف الشباب، وقوافل الهاربين في كل الجهات.
يلحق حجي بأريتريا الضائعة التي ما عاد فيها مرسى لفاطمة، وتشتت شبابها بين "ساوا" وجبهات المعارك، ومخيمات اللجوء والهرب على الحدود السودانية، ثم تبعثرت طوابير الهاربين في صحارى الشمال وسيناء أملا بالوصول إلى "مرسى" بديل واعد، في إسرائيل.
ومن هناك، من "أرض الوعد والميعاد"، تأتي قصص تقشعر لها الأبدان لتصل إلى المنهكين وسط الصحراء المتوجهين إلى ارض الاعداء لأنها اصبحت اخف وطأة من الوطن.
من المدن اللامعة والحديثة في إسرائيل إلى قلب صحراء سيناء يكتشف المتعبون بأنهم ليسوا سوى قطع من الاعضاء البشرية تتداولها عصابات الاتجار بالكلى والاعضاء.
ويكتشفون أن ضريبة عبور الصحراء إلى "الجنة الموعودة" هي كلية لا حاجة لهؤلاء بها.
أما الإناث من الهاربين فإن مرارتهن مضاعفة.
عليهن اشباع حقارات سلسلة المهربين من الحدود الاريترية والسودانية والمصرية، وصولا الى سيناء ثم إسرائيل.
كل جزء من اجزاء الرواية يستحق ان يكون رواية منفصلة: معسكر ساوا، دولة الشفتا، الشجراب.
حجي ظلم نفسه وابطال روايته وحرمنا من ثلاث روايات واستعجلها في رواية واحدة.
لكن تبقى "مرسى فاطمة" رواية بطعم المرارة عن وطن اريتري مفقود.
عن ذلك الشيء المُبهم الذي يقول عنه في الصفحة الاولى من روايته: "الوطن كذبة بيضاء .. يروج لها البعض دون شعور بالذنب، ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة".
تمرد ... أما بعد!!!
د.عاطف أبو سيف
مر يوم ذكرى ياسر عرفات التاسعة بهدوء رغم النداءات والتهديدات المفرطة التي كانت تصدر في وسائل الإعلام سواء من قبل مستخدمي الانترنت والتمرد الافتراضي أو من قبل أجهزة حماس. النتيجة الوحيدة لكل هذا الصراع الإعلامي أن ذكرى عرفات لم تشهد أي مظاهر للتذكر حتى برفع صوره أو رايات الحداد على روحه أو رايات فتح.
أما وقد انتهى موضوع تمرد الذي برع البعض في تصويره وتضخيمه في الإعلام سواء كان من قام بذلك حقاً يريد أن يقوم بالتمرد أو كان بدعة إعلامية تم توظيفيها من كثيرين حتى لا يتم الاحتفال بذكرى الزعيم الفلسطيني الكبير، وقد انتهى كل ذلك فإن من حقنا الآن أن نناقش بروية وهدوء ما حدث، لأن أي نقاش قبل ذلك كان يمكن له أن يجلب لصاحبه التهم بأنه يعطل الحركة العظيمة، كما قد يفترض البعض، المسماة "تمرد"، وبالتالي هو يعيق سحق الانقسام. ونحن الشعب الوحيد ربما الذي يناقش بعد فوات الأوان، ونحن أكثر شعب يغرق في شبر ماء.
انظروا فقط إلى الانقسام لتدركوا أننا فعلاً نغرق في شبر ماء.
لكنني سأعود لفكرة تمرد ولن اتحدث كثيراً عن شبر الماء الذي أصبح بحراً، فهذه قصة أخرى.
أولاً، وكنا مثل غيرنا قد قلنا هذا منذ شهور، إنه لا يجوز لأحد كان من كان أن يختطف المناسبات الوطنية التي هي ليست ملكاً له ولا لمزاجه الشخصي من أجل أن يقوم بفعاليات مشكوك في نجاحها منذ البداية.
فذكرى ياسر عرفات ليست ملكاً لأحد، فياسر عرفات كان زعيم الشعب الفلسطيني ولا يجوز استخدام ذكراه من أجل أي هدف كان إلا لتصعيد النضال ضد الاحتلال.
وعليه فإن ثمة مناسبات وطنية كبرى مثل انطلاقة الثورة الفلسطينية يجب عدم المساس بها.
هل كان يقصد من وراء تحديد اليوم هو أن يتم استغلال الجماهير الفلسطينية التي ستخرج لرثاء ياسر عرفات في "التمرد"!! بالطبع هذا ليس بأكثر من تسطيح لوعي الناس التي ستكون لو خرجت فعلت ذلك من اجل ياسر عرفات.
لذا فالجماهير لم تخرج. أتدرون لماذا لأن أحدا لم يقل لها أخرجي من أجل ياسر عرفات، ولا حتى للاحتفال بذكراه!!!
ثانياً، بالطبع لم يقم أي تنظيم فلسطيني بتبني موقف من الدعاوى الافتراضية التي لم تخرج عن دائرة التصريحات على الإنترنت. الفصيل الذي توقع منه الجميع موقفاً هو حركة فتح، وهو لم يفعل بل لم يعلق على الموضوع.
وهذا بحاجة لنقاش آخر. لكن ألا يعكس هذا سوء تقدير من قبل قيادة فتح في غزة للامر، فهي لم تملك الجرأة لقول لا، ولا الشجاعة لقول نعم.
بل اكتفت بالصمت وكأن ذكرى ياسر عرفات لا تهمها وان انهاء الانقسام ليس من اختصاصها.
لم يكن لها علاقة بالأمر من بعيد ولا من قريب. كانت فتح مطالبة بموقف عجزت عن اتخاذه.
ثالثاً، قد لا يحب البعض هذا القول، لكنه الحقيقة، فالتنظيمات الفلسطينية مازالت هي من يهيمن على الشارع الفلسطيني، والمواطن الفلسطيني الذي قد يرغب بعض اصحاب الاستطلاعات غير الدقيقة القول انه بات لا يؤيد التنظيمات، لا يتحرك إلا بقرارات هذه التنظيمات.
تخيلوا لو أن فتح قالت للجماهير أن تخرج ووظفت خطابها حول ذلك.
بالطبع كانت الناس ستخرج. وهذا يشير إلى أن مسؤولية انهاء الانقسام تقع في جزء كبير منها على الفصائل، التي يجب أن تعمل من أجل تحقيق ذلك وعدم الركون فقط على النوايا الحسنة والتصريحات. لأن شبر الماء الذي صار بحراً سيغرقنا كلنا ولن ينجو منا أحد.
رابعاً، لا يمكن لمجموعات متفرقة تعيش في بلدان بعيدة أن تقود المواطنين وتقرر عنها.
فكما أوردت مواقع الانترنت فثمة متحدث في اسكندنافيا يناكفه متحدث آخر في عاصمة عربية وقد يخرج بيان ثالث من مدينة رابعة وخامسة.
وكأن الامر يدور عن قيادة سيارة لا يعرف أحد من يملكها.
لقد وقعت هذه "التمردات" في مطب التضخم الإعلامي الذي لم يكن انعكاساً حقيقياً لواقع ملموس.
لقد كانت هذه "التمردات" افتراضية وهمية وليست شيئاً ملموساً على الأرض.
من العجب أن يتم اصدار بيانات تطالب الجهات الإعلامية بقصر التعامل مع هذا الناطق وعدم الالتفات لأحد غير هذا المتحدث.
لم يكن الامر بأكثر من فقاعة صابون حتى أنها لم تطر في الهواء انفجرت على وجه الرغوة.
صحيح أن بعض الشبان والفتية المتحمسين للتطلع لمستقبل أفضل وجدوا في الفكرة مخرجاً ونافذة نحو هذا المستقل، دون أن يوجههم احد ماذا يفعلون، وظل حبهم للفكرة أيضا ذاتياً لم يكن من الممكن ترجمته إلى حراك جماهيري كما حدث مثلاً في 15 آذار.
خامساً، ليست كل تجارب الشعوب يمكن أن يتم استنساخها وتنجح. بمعنى أن إعادة تجربة الشعب المصري الشقيق الذي خرج على بكرة أبيه في الثلاثين من حزيران ليفوض الجيش استعادة الدولة قبل ضياعها لم يكن من الممكن اعادة انتاجها في السياق الفلسطيني بأي حال.
ليس لأن في القاهرة وحدها خرج ربما خمسة ملايين، وليس لأن الجيش في مصر ملك للدولة وليس للحزب الحاكم، وليس لأن الامر في مصر لم يكن ثورة افتراضية بل كان عملاً دؤوباً في الشوارع والمدن وسبقه حملات توقيعات مليونية، كل هذا واكثر.
ببساطة لأن السياق الفلسطيني يختلف كثيراً حيث إن ثمة انقساما نتج عنه كيانان وحكومتان (قولوا للأسف) وجيشان، كل هذا إضافة للتباعد الجغرافي بين القطاع والضفة.
سادساً، هل مازال أحد يتذكر تجربة 15 آذار العظيمة، التي لتوها تسللت في النقاش، حيث خرج الناس بدعوة من الشباب وتجمعوا في الجندي المجهول وتعرضوا للضرب والمطاردة في ساحة الكتيبة!! صحيح أن الفكرة لم تقد إلى إنهاء الانقسام لكنها شكلت انعطافة مهمة في تاريخ الحراك الشعبي يجب تثويرها والبناء عليها.
إن المطالبة بإنهاء الانقسام وبالحراك الشبابي لفعل ذلك تتطلب فعلاً اعادة الاعتبار لتجربة 15 آذار والتفكير في تطويرها والتعلم منها. اما أن يتم تكبير "حجرنا" وتهويل عباراتنا فهذا ليس إلا امعان في الغرق ليس أكثر.
خطاب المعارضة والوظيفة السياسية !!
سميح شبيب
في تشخيص ودراسة خطاب المعارضة، أية معارضة في نظام ديمقراطي، تتوافر فيه حرية الرأي والتعبير، وفيه تداول للسلطة، يمكننا أن نلحظ وبوضوح، أن الوظيفة السياسية لأية معارضة وطنية، تأتي في إطار الاختلاف المشروع، لتحقيق هدف وطني، ووظائف وطنية، تخدم الوطن والمواطن.
قد تصل المعارضة حد التناقض في الرؤى السياسية، لكنها تخدم الوطن، عبر الاختلاف المشروع، في الاطار الوطني الواحد العام.
نسوق ذلك، ليس للتذكير فقط، بل للإشارة الى بعض مناهج معارضتنا الوطنية الفلسطينية، التي تسعى لطرح رؤى ووجهات نظر واتجاهات وخطابات، دون ان تدرك اهمية الاختلاف في ظل الاطار الوطني العام الموحد، ولا تتابع تداعيات وتأثيرات خطابها على بنية المجتمع وتماسكه ووسائل تحقيق اهدافه الوطنية.
سبق أن توقفت سريعاً، عند هذه النقطة، عندما كتبت مقالاً مركزاً، حول "إضراب جامعة بيرزيت"، التي أجلّها وأقدر دورها الأكاديمي والوطني.
ما لحظته آنذاك، بأن ما حدث في بيرزيت، يتعدى الاطار النقابي، وبأن ما حدث في بعض ظاهره، دلل على وجود احتقان شديد في صفوف الشباب، نتيجة الغلاء، والبطالة، وعدم وجود تكافؤ للفرص.. إضافة لوجود حقن سياسي، تقوم به فصائل، لها ماضيها الوطني. ويصب هذا الحقن في الاتجاه الخطأ، بتعرقل الأمور، بدلاً من تحميل السلطة مسؤولية البطالة... ومسؤولية تضاؤل فرص العمل.. بمعنى حقن في الاتجاه الخطأ.
الحالة الاقتصادية الصعبة، التي نعايشها، بإيجاز ووضوح، يتحملها الاحتلال الإسرائيلي، ونهبه لثرواتنا وخيراتنا.
فيما لو ينسحب الاحتلال من أراضينا الوطنية في الضفة الغربية ويفك الحصار عن غزة.. ماذا لو أصبح بإمكاننا استثمار أرضنا، زراعة وصناعة، وسياحة!!! ونحن فوق ارضنا القدس والأقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد .. والبحر الميت ..
ولدينا شعب متعلم، ولديه قدرات متنوعة في المجالات كافة، وفي المقدم منها إدارة المال!! ماذا لو أصبح لدينا حدود نديرها ونتحكم بها؟!! لا نريد ان نبالغ كثيراً، لكننا نقول، إن البطالة ستتضاءل إلى أدنى حد، وسيصبح لدينا فرص عمل ومستوى معيشة أكثر من المتوسط.
هذا مثال بسيط للحقن في الاتجاه الخطأ.. وهنالك أمثلة كثيرة، تطال حياتنا السياسية كافة...
في الحالة الواردة في المثال، عبر السياق، الاحتقان الشبابي، يزداد حدة، ويأخذ مسارات عنيفة، وبدلاً من رفع سوية المقاومة المدنية، وشحذ الهمم تجاه الاستقلال، تتوجه الأمور، للأسف، في الاتجاه الخطأ، وتصبح المشكلة، مشكلة اشتباكات داخلية.
على المعارضة الوطنية، أن تتساءل عن المنهج المعارض، وأن تدرس بعمق ومسؤولية، أهدافه وتداعياته وإلى أي نقاط يصل؟!!
مقالات صحيفة الحياة
تغريدة الصباح - يغتالون أشجار الصّبّار
سمعتُ الأجداد والآباء، والجيران والجارات، سواءً كانوا متعلّمين أو أميّين يقولون «لا شيء يأتي من الغرب ويسرّ القلب» وفكرتُ مراراً بمصدر هذا القول المأثور وسببه وزمن ميلاده وتساءلتُ: هل أبدعته تجربة أجدادنا حينما تعرّضوا لحملات الفرنجة المتوحّشة التي سماها الغرب «الحروب الصليبيّة» وما رافقها من مجازر بشعة تفوق الخيال في فظاعتها؟ أم أنّ حملة نابليون العسكريّة الاستعماريّة على بلادنا وما ارتكبه جنوده من مذابح في غزة ويافا وجنين، ومن دمار في مدن السّاحل الفلسطينيّ كانت القابلة القانونيّة لهذا القول؟ أم أنّ الانتداب البريطانيّ البغيض على بلادنا وتآمره مع الحركة الصّهيونيّة على شعبنا ووطننا جعل أجدادنا يدركون خطورة الإنسان الغربيّ وهول ما يفعله ويسعى إليه فأبدعوا هذا القول معبّرين عن واقعهم؟ أم أنّ موجات الهجرة اليهوديّة المتتالية من أوروبا إلى بلادنا جعلت العربيّ الفلسطينيّ يري الخطر الداهم ويشمّه ويحسّه على جلده فقال بعد آهة حارقة: لا شيء يأتي من الغرب ويسرّ القلب؟!
وفي الوقت نفسه وجدتُ أنّ أموراً مهمة عديدة ومفيدة تدحض هذا القول قد جاءت من الغرب وأسرّت القلب وأراحت الجسد ومتّعت الرّوح مثل المذياع والتّلفاز والهاتف والجوّال والسّيّارة والقطار والطّائرة وغيرها، كما وجدتُ السّينما والمسرح والنّحت والرسم تمتّع الأبصار والأذواق وتغني العقول، ووجدتُ الموسيقى والشّعر والرّواية والفلسفة منذ أرسطو وهوميروس وأرستوفانس حتى راسل وسارتر ويوسا غذاء للعقل والرّوح فقلتُ: ليس كلّ ما جاء من الغرب يسرّ القلب ولا كلّ ما جاء من الغرب يحزنه.
تذكّرتُ هذا القول ووقفتُ عنده عندما قرأتُ هذا الأسبوع في الصّحف عمّا حدث ويحدث لأشجار الصّبّار في بلادنا.
شجرة الصّبّار الصّبورة تشبه الإنسان الفلسطينيّ في الصمود فهي عصيّة على الاقتلاع وإذا داهمتها جرّافة الاستيطان وحاورها البلدوزر الإسرائيليّ لاقتلاعها وسقطت أوراقها وفروعها على الأرض انغرست الأشواك في التّراب ونبتت من كلّ شوكة من أشواكها شجيرة شابّة. هذه الشّجرة الخضراء شاهدة على جريمة هدم خمسمائة قرية فلسطينيّة وتهجير أهلها فحيثما ترَ شجرة صبّار تكن هناك أطلال قرية فلسطينيّة.
هذه الشّجرة ذات الأزهار الصّفراء الحلوة التي كنا نمصّ رحيقها في صغرنا عندما قلّ المُلبس وانقطعت الحلوى عنّا في سنوات النّكبة تذكّرنا بطفولتنا. وهذه الشّجرة ذات الثّمرة الحلوة الطّيّبة اللذيذة التي بقيت على طبيعتها ونكهتها لم يلمسها كيماويّ ولا عرفها داء أو دواء.
تزعم الصّحف أنّ سائحاً إسرائيليّاً عاد من دولة في أميركا اللاتينيّة يحمل شجيرة ما ليستعمل أوراقها وأزهارها وثمارها في استحضار مخدّر ما وأنه غرس هذه الشّجيرة الغريبة في سهل الحولة وهي تحمل فيروساً قاتلاً فانتقل منها إلى أشجار الصّبّار في المنطقة ومنها إلى مناطق أخرى، ويحذّر علماء الزّراعة في البلاد من أنّ هذا الوباء يهدّد بالقضاء على أشجار الصّبّار في بلادنا.
يغتالون الشاهد على تهجير قرانا وهدمها.
قرانا بدون صبّار وريفنا بدون صبّار والصيف القادم بدون فاكهة الصّبّار.
حقا. لا شيء يأتي من الغرب ويسرّ القلب.
سمك لبن تمر هندي
أ.د. علم الدين الخطيب
لعل المتأمل في عنوان هذا المقال يلاحظ عدم الاتساق بين مكوناته وهذه حقيقة في الشكل والمضمون, فالسمك مع اللبن يسببان الحساسية, والتمر الهندي معهما يسبب الإسهال. وهكذا فإن هذا مثل يستعمله الناس للدلالة عن ان الأمور " ملخبطة " لا رابط بينها وأنها مجموعة من الأشياء التي لا تؤدي إلا إلى سوء الحال.
وهذا بالفعل ما أردت أن أصل إليه في موضوع تحديد وصياغة الأهداف التربوية في بعض الجامعات سواء كان على مستوى الجامعة او مستوى الكليات أو المراكز الموجودة في الجامعة. حيث يكون هناك تداخل كبير بين الوظيفة والهدف فمعظم الأهداف الموجودة هي وظائف للكليات وليس أهدافا. والتعريف اللغوي للهدف هو: الغاية, الغرض, القصد, المرمى, المراد والبغية, ويمكن أن يعرف الهدف التربوي إصطلاحا انه "وصف للتغير المتوقع حدوثه في سلوك المتعلم نتيجة مروره بخبرات تعليمية وتفاعله مع المواقف التعليمية المحددة.
وهكذا يتضح لنا ان الهدف هو النتيجة النهائية أو هو التغير النهائي في سلوك المتعلم.
ولكن بالنظر إلى ما يسمى "أهدافا" في " بعض " الجامعات فإننا نجدها إما وظائف للكليات أو وصفا للمحتوى الدراسي. وغالبا ما تكون وظائف, ويمكن أن نوضح ذلك فنقول ان الهدف هو غاية منشودة يتضمن استراتيجيات ورؤى محددة, بينما الوظائف تترجم هذا الهدف في شكل أدوار تقوم بها المؤسسات التعليمية.
ولو نظرنا إلى بعض ما يسمى " أهدافا " لإحدى كليات التربية في إحدى الجامعات وهي على سبيل المثال لا الحصر فإننا نجد:
1- إجراء الدراسات والأبحاث العلمية ذات الصلة بالميدان التربوي والنفسي بما يخدم أهداف المجتمع المحلي.
2- تفعيل وتنمية الاتصال والتواصل مع المجتمع المحلي والمؤسسات الأكاديمية "العربية" والعالمية.
3- تطوير الخطط الدراسية شكلا ومضمونا بما ينسجم مع التطور الدائم والمتسارع في هذا العصر.
وقس على ذلك بقية ما يسمى " أهدافا " لتلك الكلية. ولا نريد أن ندخل في التفاصيل ولكن نتساءل.
هل في العبارات السابقة ما يصف سلوكا نهائيا للطالب ؟ بل وأكثر من ذلك هل في العبارات السابقة ما يختص بالطالب أصلا ؟
إن العبارات السابقة هي وظائف تقوم بها الكلية وليست أهدافا تسعى لتحقيقها.
وتسير الكلية على ذلك والجميع يعتقد أنها تحقق الأهداف ( غير الموجودة ) ونخرج طلابا دون أن نضع لهم أهدافا. ثم نشتكي من ضعف المخرجات!
ومما هو معروف ومؤكد أن الأهداف هي الموجه الأساسي للعمل التربوي الذي يسعى إلى تغيير سلوك الناشئة نحو الأفضل عن طريق تحديد محتوى التعليم واختيار وسائله وتقويم نتائجه والتعرف على مشكلاته والسعي الدائم والدؤوب لحلها.
ولو عدنا إلى المقالة التي نشرها الكاتب بعنوان ( الدكترة المتأستذة) لعرفنا سبب ذلك.
حيث أن قيادات الكليات في بعض الجامعات ليسوا أهلا لذلك, والرتب العلمية تمنح على شكل هبات أو مكرمات وهؤلاء هم الذين يضعون الأهداف بغير علم ولا هدى ولا تخصص ولا قدرة, فتكون النتيجة سمك لبن تمر هندي.
الثورات وغياب ثقافة الدولة
عدلي صادق
ليست الإحباطات الماثلة، على صعيد ثورات "الربيع العربي" إن كان بالنظر الى نتائجها أو الى سياقاتها؛ إلا احدى نتائج التصحر السياسي الذي اوقعته الدكتاتوريات في المجتمعات المعنية. فما يحدث، عند انفجار المجتمع، وبعد أو قبل أن يسقط النظام، لن تكون ثمة طبقة سياسية تمرست وامتلكت الحد الأدنى من الخبرات، وتحلت بثقافة الدولة، أو حتى تشبعت بتعريف لهذه الدولة، التي هي إطار محايد، تتوافق عليه الخصوصيات كلها لكي يكون حَكماً نزيها بين الناس. والمثال الليبي يقدم الكثير من الصور والمشاهد، التي افرزها واقع الجهل بمتطلبات الدولة وبضرورته، إذ عادت المكونات والتباينات القبلية والجهوية، الى شكلها البدائي، تنزع الى التقوقع على الذات الصغرى، مع خشية وتحسبٍ عميقين، من فضاء الدولة!
في محاذاة هذا الواقع، ثمة ملاحظتان جديرتان بالإشارة. الأولى أن إخواننا الأكراد، وهم إثنية شقيقة ومقدرة، وجدوا أنفسهم، خلال العقدين الماضيين، يواجهون هذا الغياب لثقافة الدولة، ووضعية تكالب مكونات المجتمع على انتزاع امتيازات لصالحها على حساب قوة الدولة وهيبتها؛ فعملوا سريعاً وفق امنياتهم القديمة في الاستقلال على أرض كردستان الكبرى. ولم يفعلوا ذلك، إلا لأن طبقتهم السياسية كانت جاهزة ومتمرسة، ومتخطية لاعتبارات الأيديولوجيا الخاصة، داخل المكون الكردي. فالآيديولوجيات لا تصلح أساساً لقيام الدول. والدولة الآيديولوجية لا تعمر، وهي تسقط حتى لو كانت امبراطورية مدججة بالسلاح، مثلما سقط الاتحاد السوفييتي. أما الملاحظة الثانية، فهي تتعلق بأذى الأصوليات، التي لا تزال تَذبح مشروعات الانعتاق من الدكتاتورية، من الوريد الى الوريد. فهذه تتوخى أدلجة المجتمع، وسرعان ما تجد نفسها في موقع الخصومة معه، لأنها مخصامة سلفاً حتى لنفسها ولشبيهاتها، وعندما تكون الطبقة السياسية في المجتمع ضعيفة وغير مؤثرة؛ تتولى الجيوش، كمؤسسات وطنية تتشكل من مجموع مكونات الشعب، إنقاذ البلاد والدولة من شر التفرد الآيديولوجي. اليوم تضرب الأصوليات الليبية عميقاً في قلب أمنيات الناس التي تحلم بدولة كل المواطنين العادلة والمقتدرة والمهابة. والأصوليات في اليمن، تفعل الشيء نفسه. أما أصولية تونس، فما زالت تحاول إما بالمراوغة أو بالعناد، تخفيف وطأة الموقف الاجتماعي ضد تفردها وسطوتها. وفي العراق، فتكت الأصولية الشيعية بمعنى الدولة الجامعة التي تتساوى في كنفها مكونات المجتمع كله، وأسست لسجال مديد ومرير!
احد أبرز خطايا الدكتاتوريات كلها، وقعت، حين توهمت أنها بشطب السياسة ستمنع انفجار المجتمع، وجاءت المصيبة من النظر لأهل السياسة، المنتقدين بتهذيب شديد، على أنهم محض محرضين إن غابوا لن يقع الانفجار. تجاهلت هذه الدكتاتوريات أو جهلت، أن المواطن الإنسان، تحرضه عذاباته، وهو يرى كيف يلتهم الحاكمون مقدرات المجتمع ويحيلونه الى يائس ومعوز وبلا أفق، وكأن الوطن ليس وطنه. ولعل أبرز ما ينم عنه ضعف الشريحة السياسية في ليبيا مثلاً، عجزها عن جمع كل من يحس بأهمية الدولة، ويتحلى ببعض ثقافتها، لتشكيل عصبية وطنية جامعة، مسلحة بقوة قادرة على إخضاع كل تمظهر عنيف لمكون عشائري أو جهوي أو أصولي.
المستعمرون البريطانيون ذوو الدهاء، في جنوبي اليمن، سمحوا لشريحة سياسية أن تنشأ وأن تتمرس، حتى وإن كانت تطالب بجلائهم، لذلك كان الانتقال لوضعية الدولة سلساً في العام 1967 لكن المنحى الدكتاتوري عاد الى تصحير المجتمع من السياسة، ولما لم يجد الحاكمون من يعارضونهم، فتكوا ببعضهم البعض، فلاذ من تبقى منهم الى الوحدة مع الشمال هروباً الى الأمام المنطقي، ثم اتبع القائمون على دولة الوحدة، منحى عشائرياً إقصائياً، يعاند السياسة وشروط الدولة، لينفجر المجتمع من جديد، ثم تدخل الأصوليات وتبدأ الدوامة.
متطلبات معركة الاستقلال
عادل عبد الرحمن
مرت يوم الجمعة الماضي الذكرى الخامسة والعشرون لاعلان الاستقلال في الجزائر عام 1988، والتي باتت منذ اعوام تسعة خلت تمتزج بذكرى رحيل مؤسس الوطنية المعاصرة، الرئيس الشهيد ياسر عرفات، فتحيل الذكرى إلى دائرة السؤال، لاسيما وان عقدين بطولهما وعرضهما مضيا بعد التوقيع على اتفاقية اوسلو ايلول 1993، ولم تتنسم الارض والشعب العربي الفلسطيني شمس الحرية، وما زال افق التسوية السياسية مغلقا نتاج السياسات الاستعمارية الاسرائيلية، وضعف وتشرذم العامل الوطني، وتماهي العامل العربي الرسمي مع السياسات الاميركية، وغياب الضغط الدولي على إسرائيل.
المشهد الفلسطيني يعيش لحظة رمادية جدا، وهي أقرب للسواد منها للغيوم البيضاء، لأن الحال الوطنية لا تسر صديقا ولا تكيد عدوا، بسبب انغلاق الافق على أكثر من مستوى وصعيد. فعلى الصعيد الوطني بعيدا عن إنقلاب حركة حماس الأسود، أي داخل صفوف فصائل منظمة التحرير، تعاني الساحة من الترهل والغثيان، وتدور القوى في حلقة مفرغة، فلا هي قادرة على الوقوف على قدميها، وبالتالي إعلان مواقفها باستقلالية كاملة دون حسابات صغيرة، ولا هي قادرة فيما بينها ومجتمعة على تشكيل رافعة للمشروع الوطني، ولا هي مؤهلة للعب دور المعارضة الحقيقية لإسناد ذاتها والقيادة الشرعية المنخرطة في المفاوضات.
كما ان الساحة الوطنية في محافظات الشمال، تشهد إتقاد النيران تحت الرماد، رغم النجاحات النسبية، التي حققتها الاجهزة الامنية في حملتي الشمال (جنين) والجنوب ( ضواحي القدس وخاصة الرام) لكنها لم تغير ملامح المشهد البائس. لأن هناك أكثر من لاعب يستهدف تفجير الساحة الداخلية بدءا من الاحتلال وجماعة الانقلاب الحمساوي والمافيات، اضف إلى إنفلات الغلاء في المدن عموما وخاصة رام الله، التي تشهد غلاء مفتعلا، وللاسف المؤسسات المعنية لم تقم بواجبها حتى الآن للجم تلك العوامل السلبية. الأمر الذي يتطلب وضع رؤية إستراتيجية وتكتيكية لضبط إيقاع الشارع وفق المعايير الوطنية.
كل ما تقدم على اهميته، يبقى جزءا محدودا أمام مشهد الانقلاب الحمساوي على الشرعية، الذي مضى عليه سبعة اعوام دون تغيير في حالة التمزق.
في الذكرى تملي الضرورة الوطنية، كي تتقدم عربة الاهداف والمصالح الوطنية للامام، المبادرة إلى عقد سلسلة من اللقاءات وفي مقدمتها عقد الهيئات القيادية لمنظمة التحرير, المجلس المركزي والمجلس الوطني، وقبلها إجتماعات على مستوى الفصائل وخاصة في حركة فتح، لاستنهاض الذات التنظيمية والسياسية في كل فصيل على إنفراد، ومن ثم الاستنهاض العام من خلال إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير، ووأد الانقلاب الحمساوي، الذي شكل، ويشكل الظاهرة الاخطر على مستقبل شعبنا ووحدته الوطنية واهدافه الاستراتيجية والتكتيكية. وتفعيل المقاومة الشعبية في كل الميادين والقرى والمدن، وفي ذات السياق وبالتلازم مع ما ذكر يلزم التصدي لانفلات الغلاء، والفسادة والفوضى، التي يعد لها اعداء الشعب والحركة الوطنية. مطلوب ايضا اعادة قراءة الاتفاقيات جيدا، والتحضير لتغيير شكل التنسيق مع دولة الاحتلال مقرونا بخطاب سياسي وامني يحفظ الكرامة الوطنية، ويلفظ الخطاب المتراخي والمنحني دائما. وعلى الصعيد الدولي رغم أهمية الموقف الاوروبي الذي سينفذ مع مطلع العام المقبل بشأن مقاطعة المستوطنات ومتتجاتها، وعلى اهمية ما اعلنه وزير خارجية اميركا عن الاستيطان ، ورئيسة مجلس الامن القومي الاميركية ، سوزان رايس حول ذات النقطة، إلآ ان الحاجة الوطنية تملي مطالبة العالم ككل وخاصة اقطاب الرباعية وبالتحديد أميركا، الارتقاء بمواقفهم من الاستيطان الاستعماري والعمل الجدي لالزام دولة التطهير الاسرائيلية باستحقاقات التسوية السياسية كاملة غير منقوصة. وان لم تفعل حتى نهاية الفترة المتبقية من المفاوضات، تضع القيادة سيناريوهاتها، التي تبدأ بالانضمام الى المنظمات الاممية كلها، ولا تنتهي عند ذلك، بل تفتح الافق على وسعه على سيناريوهات اعمق تاثيرا في محاكاة الاستقلال الوطني.
اميركا والنووي العربي!
بكر أبو بكر
يكثر الحديث عن انسحاب تدريجي للولايات المتحدة الاميركية من المنطقة استناداً للتركيز الاميركي على آسيا، واستناداً لمجموعة من المواقف الدالة التي رسمت خطاً جديداً حيث خروج القوات الاميركية من المنطقة، والابتعاد عن عقيدة الصراع الحتمي للمحافظين الجدد كما يقول جيمس زعبي، وفي محاولة لانتهاج سياسة الوسطية في التعامل مع الصراعات، أو ترك المنطقة لصراعاتها المشتعلة، وربما تسليمها للأخوان المسلمين في أكثر من بلد فيما أثير عن اتفاقيات معهم خاصة في مصر لتصبح المنطقة في مواجهات داخلية تعفى اميركا من التدخل المباشر.
إن النظر للقوة الاميركية أنها آفلة تؤيدها مؤشرات ومجموعة من النظريات، وفي مقابلها من يؤكد أنها تعيد ترتيب أولويتها وما زالت تمسك بإدارة العالم فلا يجوز الظن أن امكانية شطبها من أي معادلة جائز.
لنعرض ثلاثة مواقف اميركية الأول التقارب الاميركي من إيران فرغم الاختلافات في البيت الاميركي إلا أن لغة الحوار أصبحت الغالبة ما أربك المنطقة العربية ودعا السعودية لإعادة ترتيب أوراقها في ظل ما تعتبره التخاذل الاميركي في مسألة فلسطين وسوريا والنووي الايراني الى الدرجة التي أصبحت فيها تهدد بشراء قنبلة نووية من باكستان كما أشار عبد الرحمن الراشد لغاية إحداث التوازن النووي مع ايران.
والموقف الثاني هو سعي مصر الى كسر الاحتكار الاميركي للسلاح من خلال تجديد العلاقات مع روسيا فيما يتعلق بهذا الشأن، خاصة والموقف الاميركي الداعم «للإخوان» والحَذِر بالشأن المصري بعد ثورة 30 يونيو.
أما الثالث فهو الموقف الاميركي من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الذي يبدو قليل القدرة من حيث الضغط على الجانب الاسرائيلي بل والفلسطيني معاً المتهم من رافضي المفاوضات دوماً بأنه الاكثر قبولاً للضغوط.
إن القلق الاميركي كما يسميه د.شملان العيسى في القضايا الثلاث تؤكد لنا أن المجال الحيوي للحراك الاميركي مازال يضع هذه المنطقة ضمن أولوياته، وإن تضاءل الى الدرجة الثانية ربما في ظل التركيز على الوضع الداخلي والقدرات النفطية الاميركية المتزايدة، وفي ظل التصدي للمارد الصيني الصاعد مع مجموعة من الدول ذات الاقتصادات المتحدية. إن ضعف المحور العربي الذي تشكل الأمة فيه القنبلة النووية بقدراتها يعني تمدد الأحلاف الإقليمية من إيران وتركيا و(لإسرائيل)، ويعني بقاء أمتنا عند حدود القرن الهجري الأول دون تقدم.
ان مستوى التأثير الاميركي في الأحداث ربما ضعف أو تدهور مالا يعني بظني أن الولايات المتحدة قد نفضت يديها من المنطقة أبداً، وإنما هي في مرحلة اعادة ترتيب للأوراق وتحديد للأساليب الأنجع للتعامل في ظل رغبة بالابتعاد -ولو المؤقت- عن استخدام القوة المباشرة، وإشغال المنطقة في صراعاتها الداخلية التي تمكنها من اعادة بناء مفهوم السيطرة والهيمنة بشكل جديد.
لعبة التعقيد الاسرائيلية
يحيى رباح
اهلا بالرئيس الفرنسي هولاند في زيارته لفلسطين، وهي زيارة مهمة جدا في سياق محاولات انقاذ المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من الفشل بسبب المماطلات والتعقيدات والعراقيل والاكاذيب الاسرائيلية التي تتشبث بها حكومة نتنياهو.
ونذكر في هذا السياق ان الزيارة الاخيرة لوزير الخارجيية الاميركي جون كيري الى فلسطين، والتي التقى فيها مع الرئيس ابو مازن في بيت لحم، كانت تصب في الجهد نفسه، اي محاولة انقاذ المفاوضات التي دخلت في النصف الثاني من شهرها الرابع دون اي قدر من التقدم، مع ان هذه المفاوضات الحالية عمرها المتفق عليه هو تسعة اشهر فقط، وهكذا نجح نتنياهو وائتلافه المعادي للسلام والمعادي للمفاوضات والمعادي لحل الدولتين في حرق نصف المدة المقررة للمفاوضات دون جدوى.
طيلة الاربع شهور والنصف الماضية كان المفاوضون الاسرائليون يتمترسون عند موضوع الامن الاسرائيلي وضرووراته فقط، ويرفضون الزحزحة ولو قليلا عن هذه النقطة، والمشكلة الاكبر ان هذا التعنت الاسرائيلي كان يغطي نفسه بسلسلة من الاكاذيب المكشوفة، فقد ادعى الجانب الاسرائيلي ان مواصلة الاستيطان كانت مقابل الافراج عن مئة واربعة من الاسرى القدامى ما قبل اوسلو، وهذا امر غير صحيح بالمرة!! كما ادعى نتنياهو ان اي تنازل موضوعي تقدمه اسرائيل لنجاح المفاوضات سوف يؤدي الى انهيار ائتلافه الحكومي.
وما هي مسئوليتنا عن ذلك؟؟؟
ولماذا اختار نتنياهو مثل هذا الائتلاف اصلا؟وهل ائتلاف نتنياهو اهم من المفاوضات واهم من السلام؟
وتتواصل اكاذيب حكومة نتنياهو الى ما هو ابعد من ذلك، حين تدعي ان قرارها بعدم التخلي عن منطقة الاغوار راجع الى ضرورات امنية في مواجهة العدوان الايراني المزعوم –يا للسخافة – وكان بضع مئات من الامتار في عمق الاراضي الفلسطينية سوف يوقف الصواريخ الايرانية التي يبلغ مداها ثلاثة الاف كيلو متر !!! مع ان العالم كله يعرف ان هذه الارض الفلسطينية التي يتشبث نتنياهو باحتلالها هي مكان لاستثمارات صناعية وزراعية وسياحية تدر على الخزينة الاسرائيلية قرابة المليار دولار في السنة.
بل ان الضجة التي يثيرها نتنياهو صباح مساء عن مخاوفه من اتفاق يجري بين ايران والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وكان هذا هو الخطر الاكبر، بينما يتجلهل نتنياهو الى حد العناد ضرورات الشعب الفلسطيني واقامة الدولة الفلسطينية على الحدود التي اقرتها قرارات الشرعية الدولية.
القيادة الفلسطينية، كانت تعرف من البداية، ولديها تقدير موقف، ان نتنياهو ذهب الى المفاوضات دون ادنى قناعة، مجرد اتقاء للحرج من حلفائه الذين يقدمون له كل الضمانات الامنية وكل ذرورات الحياة، وانه ذهب الى المفاوضات بهدف افشالها، واحراق الوقت دون جدوى، وان يحمل القيادة الفلسطينية اللوم على هذا الفشل كما جرت العادة، وكان هم القيادة الفلسطينية ان يعرف العالم كله هذه الحقيقة، وهكذا اصبح التكتيك الاسرائلي مكشوفا في الفترة الاخيرة بسبب الانقلاب في نمط العلاقات الدولية الذي يتطور بسرعة هذه الايام، ولكن اسرائيل تعودت ان لا ترى سوى نفسها، وكانت الضحية لهذا الانغلاق الاسرائيلي هي المفاوضات التي يريد لها العالم ان تنجح باستثناء نتنياهو وائتلافه الذي اختاره من المتطرفين وقطعان المستوطنين.
هل تنجح اسرائيل في اكاذيبها وتعقيداتها؟؟؟اعتقد ان مجمل المصالح الدولية وخاصة بالنسبة للدول المؤثرة والصديقة تاريخيا لاسرائيل تصب في اتجاهات لا تتفق وهذه العربدة الاسرائيلية، ومزيد من المتابعة ورؤية الحقائق عن كثب فان كل هذه التعقيدات الاسرائيلية قد تنقلب ذدها، فمن الصعب ان يقبل العالم ان تظل اسرائيل ذد التاريخ، وضد القانون الدولي والانساني، وفوق مصالح العالم كله.
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية
(194)
الإثنين
18-11-2013
</tbody>
اختبار حقيقي أمام اسرائيل
حديث القدس
حتى يخرج العرب من مآزقهم
باقر النجار
هل الانتظار هو قدر الفلسطيني ؟
عطالله منصور
روسيا الزاحفة لملء الفراغ الأمريكي!
عريب الرنتاوي
لماذا طأطأت الحركة القومية العربية رأسها؟
محمد جلال عناية
ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية؟
توماس فريدمان
أطراف النهار ...فلسطين .. والريادية الفرنسية؟
حسن البطل
ماذا بعد أن ذاب الثلج وظهر المرج ؟
طلال عوكل
أوجاع أريترية: الحب والحرب والاغتراب
د. خالد الحروب
تمرد ... أما بعد!!!
د.عاطف أبو سيف
خطاب المعارضة والوظيفة السياسية !!
سميح شبيب
تغريدة الصباح - يغتالون أشجار الصّبّار
محمد علي طه
سمك لبن تمر هندي
أ.د. علم الدين الخطيب
الثورات وغياب ثقافة الدولة
عدلي صادق
متطلبات معركة الاستقلال
عادل عبد الرحمن
اميركا والنووي العربي!
بكر أبو بكر
لعبة التعقيد الاسرائيلية
يحيى رباح
مقالات صحيفة القدس
اختبار حقيقي أمام اسرائيل
حديث القدس
مستوطنون يقطعون أكثر من مئة شجرة زيتون في أراضي يطا ومتطرفون يهود يقتحمون الأقصى وقوة اسرائيلية تعتدي بالضرب المبرح على عائلة في مخيم العروب وقوة أخرى تقصف مخيم عايدة بقنابل الغاز، ومزيد من الاعتقالات في مختلف أنحاء الضفة الغربية ومزيد من البناء الاستيطاني في القدس العربية المحتلة وباقي أنحاء الضفة وقرارات بمصادرة مئات الدونمات .. هذه هي صورة مصغرة لاعتداءات اسرائيل ومتطرفيها خلال أقل من يومين، وهي حلقة في سلسلة الاعتداءات اليومية المتواصلة ضد أبناء شعبنا وضد مقدساتهم وممتلكاتهم وحقوقهم مما يثير أكثر من تساؤل حول نوايا اسرائيل التي تزعم أنها تتفاوض من أجل تحقيق السلام ، وحول مدى قدرة الشعب الفلسطيني الصابر المرابط الصامد على مزيد من التحمل ومنع الانفجار القادم الذي تسعى اسرائيل الى جرنا اليه. وفي الحقيقة تخطىء اسرائيل خطأ جسيما اذا ما توهمت ان الشعب الفلسطيني غير قادر على الدفاع عن نفسه وعن حقوقه أو أنه برفضه الانجرار الى التصعيد الذي تسعى له يراهن على نجاح المفاوضات التي يدرك أصغر طفل فلسطيني أنها باتت مفاوضات عبثية وأن الاحتلال الاسرائيلي يستغلها لكسب مزيد من الوقت لتنفيذ مخططات ترسيخ الاستيطان والاحتلال والتهويد. وإن ما يجب ان يقال هنا أن قيام الشعب الفلسطيني وقيادته بإعطاء فرصة لمفاوضات السلام لا يعني استسلاما للواقع الذي تريده اسرائيل ولا يعني فقدان القدرة على مواجهة التحديدات الاسرائيلية.
ولذلك نقول أن الشهور القليلة القادمة حتى انتهاء مهلة التسعة أشهر للمفاوضات ستكون مصيرية بالنسبة لمستقبل عملية السلام، وهي تضع اسرائيل على المحك فإما ان تختار التخلي عن سياسة التوسع والاستيطان والاحتلال وتحقيق تقدم جوهري نحو السلام وإما ان تواصل نهجها الحالي الذي يعني فيما يعنيه الدفع باتجاه الانفجار وعندها تتحمل اسرائيل المسؤولية الكاملة أمام العالم أجمع عن فشل مفاوضات السلام. وفي هذه الحالة، فان الشعب الفلسطيني يمتلك الكثير من الخيارات ومن حقه النضال من أجل إنهاء الاحتلال غير المشروع وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وهو الحق الذي كفلته قرارات ومواثيق الأمم المتحدة عدا عن حقه الطبيعي بهذا الشأن.
وقد وضع الرئيس محمود عباس النقاط على الحروف قبل أيام عندما أكد إن الخيارات عديدة أمام شعبنا في حال فشلت المفاوضات ، وعندما أكد ان شعبنا يتمسك بحقوقه الثابتة والمشروعة وفي مقدمتها إقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني المحتل منذ عام ١٩٦٧ بما في ذلك القدس المحتلة عاصمة فلسطين. ولهذا نقول، ان من المهم والضروري استمرار التحرك على مختلف الأصعدة وفي كافة المحافل الدولية والإقليمية للحفاظ على زخم التأييد العالمي لفلسطين الذي تجسد بالقرار الأممي الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال في حدود العام ١٩٦٧. وحتى يمكن حشد أكبر قدر من التأييد العالمي لفلسطين ، فمن الضروري ان نسعى بشكل مكثف لإنهاء الانقسام البغيض واستعادة الوحدة ومخاطبة العالم أجمع بصوت واحد، ومن ثم الانطلاق لبلورة موقف عربي - إسلامي مناصر لفلسطين في مواجهة التحديات التي تفرضها اسرائيل وطرح هذا الموقف الفلسطيني - العربي - الاسلامي في كل المحافل الدولية لمطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته في مواجهة التعنت الاسرائيلي ومحاسبة اسرائيل ولضمان إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة المستقلة على ترابنا الوطني.
حتى يخرج العرب من مآزقهم
باقر النجار
تجسد الحالة المصرية بصراعات جماعاتها المختلفة على السلطة، حالة عربية عامة لم يُمأسس فيها الصراع على السلطة ضمن أطر دستورية، منذ أن بدأت تتشكل فيها هياكل الدولة في أطرها الحديثة. وهي حالة تجسد انسدادات الأفق المتعلق بالتغيير الذي لا يمكن حصره في فريق دون آخر. وككل الصراعات العربية على السلطة، فإنها ونتيجة لافتقادها للأطر المؤسساتية، بل لافتقاد نخبها السياسية لثقافة سياسية ضابطة لأشكال الصراع السياسي، فإنه نتيجة لذلك يتجه ليكون صراعا على الحكم والسلطة أكثر منه صراعا على تطوير آليات الحكم والسلطة. وأعتقد أن الطريق نحو الديمقراطية أو لنقل بناء نظام جديد وحديث للحكم، لن يكون سهلا وممكنا في مداه الزمني القصير. فالطريق إليه وكما يبدو قد سبقته صراعات ليس فحسب بين النخب السياسية القائمة، أو بين أولئك الماسكين بالحكم والخارجين عليهم، بل إنه بدا صراعا اجتماعيا عميقا أخذ تجلياته في الصراعات المستعرة الآن بين الطوائف والمذاهب والإثنيات. وهي صراعات قد لا تتوقف عند تدمير المجتمع فحسب، بل إن تداعياتها على الدولة أكبر من ذلك بكثير. وهي كذلك لا تأتي على الدول المستعرة فيها هذه الصراعات بل إن تداعياتها وامتداداتها، وبفعل التواصل التكنولوجي الذي بات مكتسحا ومؤثرا، باتت مخترقة لبعض إن لم يكن جل مستويات الإقليم العربي وزواياه الاجتماعية، وإن أصابت في ذلك المشرق العربي بفعل طبيعته الفسيفسائية المتشكلة فيه عبر آلاف السنين.
وهي حالة لا يمكن الخروج منها بذات الممارسة، أملا في أن يأكل الآخر نفسه وتضعف قوته ويسهل ضبطه. إن تفادي مثل هذه التداعيات قد يتطلب نماذج جديدة في بناء الدولة والمجتمع تتجاوز في ذلك الأنماط التقليدية المولدة والمكرسة لهذا المشكلات. فلا يمكن الخروج من الصراعات الهوياتية العربية الأدنى، إلا عبر تعزيز أشكال من الهويات الوطنية الجامعة وعبر تأكيد حقوق مواطنية متساوية في الفكر والممارسة. فالمجتمعات العربية، لربما قاطبة، تمر بمرحلة تحول حرجة، فهي بدت عاجزة إما عن بسط سيطرتها على حدودها المترامية، أو أنها قد فقدت أو بدأت تفقد جزءا كبيرا أو صغيرا على أفرادها. وهي نتيجة طبيعية للخلخلة التي أصابت الكثير من مؤسسات الضبط القائمة فيها مرورا بتوافر وسائط وتقنيات باتت تشجع الأفراد والجماعات على الانفلات والخروج من السيطرة. ولم يعد يجدي أن تحصن الدولة أو الجماعات نفسها بترسانة من القوانين المتشددة في عقابها للأفراد المنفلتين أو بالإكثار من حجم وتقنيات الأجهزة الضبطية الأخرى.
إن ما يدفعني لهذا القول هو ما نشهده في كثير من المجتمعات العربية التي جاءت عليها رياح التغيير السياسي من صراعات سياسية، أعطي بعضها بعدا طائفيا سواء أكان بين مسلمين ومسيحيين، أو بين شيعة وسنة، أو سنة وسنة، كما في العراق وسوريا وبعض أقاليم الخليج العربي، أو أعطي بعدا قبليا - مناطقيا كما في الحالة الليبية واليمنية ولربما بعض أقاليم الخليج العربي، أو أعطي بعدا آيديولوجيا كصراع الجماعات الإسلاموية مثل جماعات الإخوان المسلمين بتحالفاتهم السابقة مع الجماعة السلفية وغيرها، في مقابل الجماعات والقوى الليبرالية والعلمانية في الحالة المصرية. بل إن صراع الجماعات الإسلاموية مع المؤسسة العسكرية والأمنية قد أعطي هو الآخر بعدا آيديولوجيا سياسيا، بات كل طرف يصبغها على الطرف الآخر. ويمثل الصراع في سوريا والعراق حالة نموذجية لتداخل كل أشكال الصراع الذي وظفت فيه الأبعاد القبلية والمذهبية والطائفية والدينية والإثنية، حتى بات المجتمع منقسما على نفسه قبل أن يكون منقسما عن الدولة. وهي مداخل تؤسس لحالة الدولة الفاشلة أو المنهارة، ليس في شكلها اللبناني وإنما هي صوملة جديدة تتمثل فيها الفسيفسائية الشامية البالغة التعقيد.
من هنا لا يمكن حل مشكلات الصراع السياسي في مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق ولبنان وغيرها عن طريق تبني مداخل الاستئصال السياسي أو الإثني، سواء كانت متبناة من أطراف في داخل الدولة أو معارضيها. وهي طرق قد تُسكّن المُشكل إلا أنها لا تحله، كما أنها طرق قد سبق وأن جربتها الدولة العربية منذ تشكيلها الحديث حتى الآن ولم تنجح. بل إنها حلول قد عطلت من تطور جهاز الدولة وأدوات الحكم. وأدت إلى تضخم حجم وقوة بعض مؤسساتها على حساب الأخرى والتي أصبحت فيما بعد عبئا على الدولة، وعلى قدرتها على ابتداع حلول غير تقليدية لمشكلاتها المعاصرة، بل جعل منها مؤسسة غير قادرة على ابتداع حلول خارجة عن صندوق حلولها التقليدي. إن حالة من الفرز والاستقطاب السياسي أو السياسي – الإثني، أو السياسي – الجهوي، أو السياسي - القبلي القائمة الآن في جل مجتمعات الربيع العربي، لم تساهم فيها الدولة أو مؤسساتها المؤثرة فحسب، وإنما ساهمت فيها بقدر آخر ومؤثر القوى والجماعات المعارضة نتيجة لطبيعة بناء خطابها الفكري وتوجهاتها الآيديولوجية، كما هي شبكة تحالفاتها الخارجية، وما تعتقد أنه يمكن أن يخدمها أو أن يؤلب العامة على النظام والعكس. وهي قوى وجماعات ومؤسسات قد ساهمت في إسكات كثير من الأصوات التي لم تتفق معها بالطرق المختلفة. إن إحدى معضلات استعصاء هذه المجتمعات على الخروج من مأزقها وأزمات الصراع السياسي فيها، في اختفاء أو إخفاء أي دور لما يمكن وصفه بالفئة أو الفريق الثالث الذي قد يختلف مع السلطة في بعض معالجاتها كما قد يختلف مع الجماعات المعارضة وبرنامج عملها السياسي، ثم إن أي حل سياسي قد يتطلب قدرا من التنازل المتبادل الذي لا يمكن للحلول أن تتم دونه. وهي حالة لا يبدو أنها تشكل جزءا من الثقافة السياسية للأطراف والقوى المتصارعة.
من الناحية الأخرى، فإن البعض مثلا قد لا يتفق هنا، ولربما يعارض وبشدة مثلا جماعات الإخوان المسلمين أو يختلف مع تحالفهم السياسي سواء في أسلوب إدارتهم للحكم، قبل الإزاحة أو في إدارتهم للصراع السياسي القائم الآن. إلا أنه من الخطورة دفعهم نحو قدر من التمثل الكربلائي لصراعهم السياسي أو أن يدفعوا لزاوية لا يمكنهم الخروج منها إلا بإذلال، أو تصبغ فيهم أوصاف تشيطنهم وتسد على كل الأطراف إمكانية العودة أو التواصل.
لا بد من فعل سياسي غير تقليدي تخرجهم من الحالة التي باتوا فيها أو عليها. أي إخراجهم من الزاوية التي دخلوا أو أُدخلوا فيها، وهو فعل قد يتطلب قدرا من التنازل فيمن لديه القدرة على التنازل، وقدرا من ابتداع الحل والتفكير المشترك فيه. وإلا فإن المُشكل أو الأزمة ستكون كرونيكية مستعصية، قد يكون من الممكن إسكاتها أو إخمادها لبعض الوقت، بما يتوافر للبعض من حلول تقليدية معروفة، إلا أنها تبقى مداخل لا يُمكنها أن تحل المعضل برمته حلا ناجعا يُمأسس لحالة سياسية - اجتماعية جديدة. إن حل المشكلات أو المُشكل لا بد أن يكون من ذات الطبيعة وإلا فإننا في هذه الحالة نسابق سراب الحل ولا نعمل للوصول إلى الحل ذاته. إن أي تأخير في الوصول لحلول لمعضلات ومشكلات الحكم السياسية، تجعل منها مشكلات حلولها، لا بد أن تكون شاملة ومتعددة المداخل والأطراف.
وخلاصة القول إن العدالة والتشاركية في الحكم ليست مسألة رفاهية تتمتع بها شعوب دون الأخرى، بل هي إحدى ضرورات الحياة الجديدة، بل أضيف إلى ذلك بالقول إنها ضرورات أساسية لتحقيق الرخاء والتقدم الذي لا يمكن لأي من المجتمعات أن يكون كاملا ومعافى دونهما.
إن تجارب الهند والبرازيل والهند وكوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وماليزيا وسنغافورا، رغم ما قد يقال عن مشكلاتها، فإنها كلها تجارب لدول لم تدخل في سراب اكتشاف العجلة المُكتشفة في الأصل، بل إنها وجدت أن عملية البناء عليها تكفيها عن إضاعة الوقت في صراعات ومماحكات إثنو - سياسية لن تؤخر إلا من مجتمعاتها. بل إن هذه صراعات تجعل إمكانية الانطلاق صعبة بغير قدر مهم من التغيير السياسي والاقتصادي الحديث، به نخترق المستقبل ومن دونه نبقى حبيسي مشكلات وأزمات نحن الذين صنعناها بأيدينا ولم يصنعها الآخرون لنا. فقوة الدول حديثة الصعود مثل البرازيل والهند، وتعثر دول فاشلة مثل باكستان واليمن وكوريا الشمالية وغيرها، هي في تلك الانعطافة السياسية المهمة التي جعلت من الصعود الاقتصادي والثقافي فيها ممكنا.
هل الانتظار هو قدر الفلسطيني ؟
عطالله منصور
هل نعمل اليوم لبناء بيت الغد ام ننتظر حتي قدوم الغد الموعود لنعد لما نأمل بقدومه في المستقبل ؟ هذا سؤال يفرض نفسه منذ عقود مضت في الوطن والشتات الفلسطيني. في اراضي لبنان فرض على ثلاثة اجيال من اخوتنا اللاجئين الانتطار في مخيمات الذل والحرمان حتى العودة المرجوة والاكتفاء - اليوم- في الاشغال الشاقة في لبنان او الانتشار في مختلف دول العالم ( عربية كانت او غربية) للبحث عن مكان عمل . سوريا سمحت للفلسطينيين بالمساهمة في اسواق العمل السورية ( وحرمتهم من المشاركة في الحياة العامة ) وفي الاردن فقط سمح للفلسطيني ان يشارك في النشاط الاقتصادي والحياة العامة.
وفي اسرائيل ( ضمن حدود الهدنة في 1948) سمح للاقلية الفلسطينية- بصورة انتقائية فقط- الاشتراك في الحياة الاقتصادية والسياسية بعد اقتطاع حصة الاسد من المصدر الرئيس لاقتصادهم الا وهو الارض الزراعية التي كانت الهدف الاول والرئيسي للمؤسسة الصهيونية منذ مطلع نشاطها الاستيطاني في اواخر القرن ال-19 وحتى اليوم . كما كان المصدر الرئيس لاقتصاد الاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل والذين سكنوا - ولا يزالون حتى اليوم- يعيشون باغلبيتهم العظمى في قرى. ولا تزيد حصة المدن منهم اكثر من -٢٠-٣٠٪ (يعيشون في مدن عربية اومختلطة).
ويقول الخبراء ان العرب في اسرائيل خسروا - حتى الان قرابة نصف اراضيهم الزراعية في عمليات المصادرة التي مازالت مستمرة - وبصورة خاصة في منطقة النقب حيث تنوي حكومة اسرائيل مصادرة غالبية الاراضي الزراعية التي عاش منها وعليها " البدو" العرب طيلة مئات الاعوام. ومن الجدير بالذكر ان قبائل البدو في النقب لم يقتصروا في معيشتهم الاعتماد على تربية الماشية بل مارسوا اعمالا زراعية - اي انهم لا يقتصرون على اعمال الرعاة الذين يمارسون عملية البحث عن مراعي بل انهم يخلطون تربية المواشي مع زراعة المحاصيل الزراعية وبينهم فئة عديدة ممن يحملون وثائق رسمية تؤكد ملكيتهم للاراضي منذ حكم الاتراك !.
واليوم, بعد قرابة 66 عاما على قيام اسرائيل وتضاعف عدد افراد الاقلية الفلسطينية ستة اضعاف ( من 150 الفا الى قرابة مليون نسمه) لاحت في الافق مشكلة جديدة تهدد راحة المجتمع الفلسطيني داخل اسرائيل. القرى العربية الصغيرة كبرت لتصبح بلدات ومدن لا تمتلك من صفات المدن الا الاكتظاظ وتفاقم نشاط العنف والاجرام الذي كاد ينعدم في الريف الفلسطيني بفضل التقاليد وعلاقات القربى والجيرة التقليدية التي شكلت شبكة اجتماعية ردعت عناصر الشر بنظام "الاوادم" و" المشايخ" و"اهل الخير" الذين وقفوا حاجزا يحمي الضعيف من عنف الظالم. واليوم كبرت الحمائل وقرضت الاراضي الزراعية وحولتها لمناطق بناء وانتشرت الحمائل (الا في مواسم الانتخابات للسلطات المحلية) ولم يعد بمقدور المواطن ان يتعرف على كافة ابناء قريته مما يحول كلا منهم رقيبا على الاخرين- وبالتالي تراجع الردع الذي حمانا من العنف في مرحلة المجتمعات الصغيرة.
والسؤال الملح في هذه الايام هو هل نستطيع درء خطر داهم يهدد قرانا وبلداتنا الى بؤر للجريمة - كما حدث فعلا في بعض القرى؟
بروفيسور راسم خمايسي من جامعة حيفا ( الخبير في موضوع تخطيط المدن )القى قبل ايام محاضرة في الناصرة كشف فيها عن ظاهرة خطيرة. في اوساط المجتمع الفلسطيني في اسرائيل فئات وقيادات تعارض مشاريع تنظيم المدن خشية القانون الذي يخول السلطة المحلية مصادرة نسبة معينة من مناطق البناء للمصلحة العامة ( مثل المدارس والطرق والملاعب والحدائق العامة ) الا اذا كانت من اراضي حكومية, ولكن : ماذا نعمل اذا كانت كافة الاراضي في موقع معين تعود لملاك عرب من ابناء البلدة ؟هل نبني عليها بدون انشاء خدمات عامة؟ سهل على المرء ان يتفهم تمسك المالك بأرضه, خصوصا بعد خسارة حصة كبيرة منها لأغراض استيطانية!
ولكن السؤال يصر على ان يجد له جوابا : هل ننتظر في العراء حتى نجاحنا واستعادة بعض اراضينا المصادرة ؟ ومتى سيتم هذا ؟ولماذا نندب انعدام خرائط التنظيم في غالبية قرانا؟والقانون ينص على ان خرائط التنظيم لا تحصل على تصديق بدون اعدادها وفوقها تفصيل مواقع الطرق والمدارس والملاعب وبقية الخدمات الضرورية لسكان المدن.
قال خمايسي ضمن ندوة حول موضوع الاعلام والدين ان مخططا اعده لطائفة مسيحية صغيرة في القدس لبناء بعض دور سكنية متواضعة لشباب الطائفة وفندق لاستقبال الحجاج استقبل بحملة معادية في صحف فهمت انه مشروع مشترك بين طرف فلسطيني ويهود! وقال ان بعض المدن والقرى الكبيرة في الجليل التي اكتظت ( بعشوائيات - كما يقولون في مصر ) اي باكوام ابنية غير مرخصه( ومهدده بالهدم) وهناك ترفض السلطة المحلية المطالبة بتوسيع الخارطة الهيكلية لان ذلك يفرض عليها ان تقوم بمعجزة اقناع اصحاب الارض على التنازل عن جزء من هذه الاراضي للمصلحة العامة.
ومن هنا نجد انفسنا في مواجهة لسؤال ملح : هل ننتظر الى اليوم الذي نستعيد فيه الارض المصادرة ؟ ومتى سيكون ذلك ؟ وهل نعيق استعادة حقوقنا اذا قمنا بانشاء أحياء سكنية تليق بشبابنا - او ان العكس هو الصحيح ؟
روسيا الزاحفة لملء الفراغ الأمريكي!
عريب الرنتاوي
علاقات واشنطن بجميع حلفائها "الكبار" في المنطقة، تمر بواحدة من لحظاتها الحرجة ... لكل حليف من حلفائها ما يكفيه من الأسباب والدوافع المثيرة للغضب والباعثة على إعادة تقييم الموقف ... وثمة ما يشبه حالة "التفلّت" من القبضة الأمريكية المحكمة، تهيمن بتفاوت، على سلوك العواصم الكبيرة في الشرق الأوسط. ثمة أزمة غير خافية على أحد، تطبع علاقات واشنطن بالرياض، على خلفية الموقف الأمريكي من الأزمتين الكبريين في المنطقة: إيران وسوريا ... والسعودية لم تعد تخفي انزعاجها من الموقف الأمريكي بعد "الكيماوي السوري" و"النووي الإيراني"، وفي كل مرة يزور فيها الوزير الأمريكي جنيف للقاء الروس أو الإيرانيين، تبدأ صفارات الإنذار في الرياض بإطلاق صيحات القلق والتحذير، وتعود "مصادر سعودية" للحديث عن خيارات السعودية في المرحلة القادمة، بما فيها تنويع التحالفات ومصادر السلاح وخرائط التبادل التجاري والنفطي.
والأزمة مع مصر، سابقة للأزمة مع السعودية، فالقاهرة تابعت بقلق المواقف الأمريكية المتعاطفة مع نظام مرسي وحكم الإخوان، وتنديدها بـ"الانقلاب/ الثورة"، وبرغم التبدل المتدرج الذي طرأ على مواقف واشنطن من التغيير الحاصل في مصر، إلا أن ذلك لم ينجح في تغيير التوجه المصري نحو تنويع التحالفات ومصادر السلاح، وهذه الحرارة المفاجئة في قنوات الحوار والتواصل مع روسيا، ما كان لها أن تحدث لولا البرودة الشديدة التي سيطرت على مناخات العلاقات الثنائية الأمريكية – المصرية ... ومن الواضح تماماً أن ثمة تنسيق مصري – سعودي في هذا السياق، يشتمل على تمويل المملكة لصفقات تسلح مصرية من مصادر غير أمريكية.
وثمة ملامح تأزم في علاقات واشنطن مع أنقرة، بعد الصفعة التي وجهتها الإدارة الأمريكية لحكومة رجب طيب أردوغان، برفضها دعواته الملحة للتدخل العسكري وحسم الموقف مع نظام دمشق، وفي ضوء الخلاف حول "جنيف 2"، والتباين حول ما يثيره الدعم التركي للجماعات الجهادية من انزعاج أمريكي وما يستولده من ضغوط على أنقرة لإحكام السيطرة على حدودها ... تركيا أيضاً تذهب باتجاه تنويع التحالفات ومصادر السلاح، وستكون أول أطلسية تشتري سلاحاً من الصين، وهي تعمل من دون كلل على استعادة علاقاتها مع بغداد وطهران، فيما يشبه إعادة التقييم والتقويم والتموضع.
أما العراق، الذي دفعت واشنطن خمسة آلاف قتيل ومئات مليارات الدولارات لـ"تحريره" من قبضة صدام حسين، وليكون بوابة "شرقها الأوسط الجديد"، فقد انتهى لقمة صائغة في فم إيران، تحتفظ فيه بنفوذ يتخطى نفوذ واشنطن، حتى أن بعض المراقبين والمحللين، بات يدرجه في إطار ما أسمي بمحور "المقاومة والممانعة"، أو يعدّه حديقة خلفية لنفوذ إيران ومصالحها في المنطقة، ومن دون أن تُضطر لدفع دولار واحد أو إراقة قطر دم إيرانية واحدة ... العراق هذا، ليس بعيداً عن نظرية "تنويع التحالفات ومصادر السلاح"، والمالكي قاد بنفسه محادثات التسلح العراقي من روسيا.
حتى مع تل أبيب، لا تبدو علاقات واشنطن في أحسن حال، سيما على خلفية الموقف الأمريكي من الاستيطان، وتعج صحافة إسرائيل العبرية بما يمكن وصفه "حملات ردح" ضد الوزير الجاهل والغبي، في إشارة إلى جون كيري، وثمة ما يشير إلى اتساع الفجوة بين الحليفتين على خلفية الموقف من عملية السلام من جهة، والملف النووي الإيراني من جهة ثانية، وليس واضحاً حتى الآن، كيف ستتصرف إسرائيل حيال هذا "الشطط" الأمريكي الذي يقدم لإيران مزايا استراتيجية مجانية من وجهة نظر إسرائيل وبعض حلفاء واشنطن الغاضبين.
باستثناء إسرائيل، حتى الوقت الحاضر على الأقل، تُخلّف التأزمات في علاقات واشنطن بحلفائها الكبار، "فراغاً" تسعى دول الإقليم لملئه بتنويع تحالفاتها ومصادر تسلحها، وبما يفسح في المجال أمام روسيا أساساً، والصين بدرجة أقل، للتقدم لملء الفراغ الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي يعيد موسكو كلاعب رئيس على حلبة الشرق الأوسط، بعد أكثر من أربعين عاماً من الغياب والتغييب، أي منذ سنوات "الركود البريجنيفي" مروراً بـ"البيريسترويكا" وانتهاء بعهد بوريس يلتسين الخائب.
لماذا طأطأت الحركة القومية العربية رأسها؟
محمد جلال عناية
حتى لا يلتبس علينا الامر لاول وهلة عند النظر في انهيار الحركة القومية، بما قد يوحي بأن هذه الحركة قد وصلت الى الاوج، واكتمل بنيانها ثم انهارت، نقول ان الذي انهار هو عملية البناء ذاتها وليست الفكرة القومية بالمنظور الذي سيجري عرضه. اذا عدنا الى جذور الحضارة العربية، نجدها حضارة اللسان، بما منحتنا اياه الصحراء من قيم ومعايير سلوك، وخبرات فرضتها الحياة الصحراوية، وهذا يسهل علينا استيعاب ان فكرة القومية العربية لا تنتمي الا لذاتها، وليست مستنسخة عن رؤى ومفاهيم اخرى للقومية، وان تقاطعت معها، او تشابهت بها في بعض الوجوه بشكل عرضي غير مقصود.
فالقومية العربية عبارة عن شحنة ثقافية تنعكس عن التجربة التي مرت بها الدولة العربية الاسلامية، حيث تعايشت فيها الاعراق المختلفة في مناخ الثقافة العربية التي كانت تشكل اللحمة لهذه الاعراق. ولذلك فإن «العربي» المعاصر ليس هو من ينتمي الى حمير او كهلان، بل هو من ينتمي الى الثقافة العربية الحية، والتي تأخذ بأسباب الحياة من خلال التفاعل السوي مع الثقافات الاخرى، بمعنى ان لا تذوب ولا تتحجر خلال تفاعلها مع الثقافات الاخرى.
من هنا كان بزوغ فكرة القومية العربية كأداة تحصين للثقافة العربية على شكل انتفاضة، في وجه اخطر حملة شعوبية في ظروفها التاريخية، حيث كان العرب في اضعف حالاتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية عندما اتجه الاتراك الى اقتلاع الثقافة العربية من جذورها بمحو اللغة العربية «وتتريك» اهلها، ولكون الثقافة العربية رافعة للاسلام، فإن ضرب هذه الثقافة يعني اغلاق المنافذ العقلية لاستيعاب الاسلام والوعي به لدى العرب وغير العرب، لذا فان محو الثقافة العربية هو مقدمة طبيعية لاقتلاع الاسلام من عقول الناس وصدورهم، فتصبح الخسارة مزدوجة وشاملة.
عادت الحركة القومية العربية لتواجه تحد جديد تمثل في قيام القوى الاستعمارية بتقسيم المنطقة العربية، وتقاسمها لاخضاعها واستغلالها. وتحددت المهمة المستجدة للحركة القومية العربية بطرد الاستعمار، واعادة التلاحم الجغرافي بين اجزاء الوطن العربي، ولكن الحركة القومية العربية لم تتوفر لها القوة لانجاز هذه المهمة. وتمثلت القوى المضادة في عاملين الاول: قوى الاستعمار نفسها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والثاني: الطبقة الطفيلية الجديدة من بين فئات الشعب نفسه التي ارتبطت مصالحها بوجود الاستعمار، كأنظمة الحكم التي نشأت في ظل الاستعمار ولخدمته، وما حصلت عليه من امتيازات تحت سقفه. وتحولت القوى الجديدة الى الصف المعادي لطموحات الشعوب في التحرر من الاستعمار، وقيام الوحدة العربية من جديد. وجاء التحدي الثالث بقيام اسرائيل ١٩٤٨، الذي ساهمت فيه القوى الدولية من الشرق ومن الغرب لشل ارادة العرب، واجهاض قوتهم، حيث اصبحت المنطقة العربية حقل مصالح لكافة القوى الدولية، هذه القوى التي يسهل عليها ضعف المنطقة العربية تحقيق هذه المصالح بأقل جهد وارخص ثمن.
اما الشعوب العربية، فان قيام اسرائيل وما نزل على انظمة الحكم العربية من اذلال نتيجة الهزيمة التي تصعدت معها انجزة الخيانة - قد اثار غضب الشعوب العربية التي اخذت تتطلع الى وسائل جديدة لتتسلح بها الحركة القومية لاقامة وطن عربي واحد بلا اسرائيل. وهكذا اصبح امام هذه الحركة هدفان متلازمان، هما تحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين وشكلا علامة فارقة بين مرحلتين من مراحل التاريخ السياسي العربي المعاصر، مرحلة اللامبالاة، من قبل الحكام العرب، بالرأي العام العربي والقوى الشعبية، ومرحلة الحذر الشديد من هذه القوى، ومحاولة خداعها واستمالتها بطرق اكثر ذكاء.
في منتهى البساطة، ان من لديه المال والسلاح هو الذي اقام نظم الحكم في الاقطار العربية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، المال لاقامة الادارة الحكومية، والسلاح للردع والضبط لمن يرفض الانصياع للحكم، وقد ترسخ في قناعة الحكام العرب ان القوى الاستعمارية هي التي اقامت نظام الحكم، وهي كذلك القادرة على ازالته، وان الجيش هو الآلية التي يقوم عليها الحكم، وان جيوش االاوطاان تحولت الى جند السلطان، ومن هنا ظلّ الاجنبي في عقيدة الحاكم العربي هو مصدر السلطة، وان الجيش هو اداتها.
عندما توارى الاستعمار عن مباشرة الحكم، وتم تغييب الشعب عن ممارسته، بقي الجيش في نظام الحكم الاستبدادي هو مصدر السلطات، وبدون الجيش لن تقوم للحكم قائمة، ومع ان القوى الاستعمارية لاتريد للعرب ان يتوحدوا، ولا ان يزيلوا اسرائيل، فان الانظمة العربية نفسها لا تريد الوحدة لانها تزيل انظمة الحكم، ولا تريد ان تشتبك في حرب مع اسرائيل حتى لا تتحطم جيوشها التي هي عصب السلطة الحاكمة. اذن هي العزلة والتجزئة التي ظلت تحكم العلاقة بين انظمة الحكم العربية، واصبحت الوحدة العربية وتحرير فلسطين، شعارات لاستمالة الجماهير وخداعها فقط ولم يعد للحركة القومية من قوة في ترسانتها سوى هتاف الجماهير الذي يعتبر جريمة سياسية في بعض الاقطار العربية.
ففي خلال المحادثات التي جرت خلال حكم الملك فاروق والاسرائيليين في رودس (اليونان) ولوزان (سويسرا) واماكن اخرى اصر الملك فاروق على انسحاب اسرائيل من اجزاء كبيرة من النقب، وعلى عودة اللاجئين الفلسطينيين مقابل توقيع معاهدة عدم اعتداء مع اسرائيل، وكانت اسرائيل تعلم ان الملك فاروق هو الذي قرر ارسال الجيش المصري الى فلسطين عام ١٩٤٨، وانه رفض مصالحة اسرائيل الا بشروطه هو.
ظلت كراهية العرب مركزة على بريطانيا منذ العام ١٩١٧، الذي احتلت فيه فلسطين، واصدرت اعلان بلفور، وظلت تسيطر على المناطق الحيوية من بلادهم، مما حرمهم من استثمار ثرواتهم الوطنية. ففي عدن قاعدة عسكرية بريطانية للسيطرة على مضيق باب المندب وقواعد اخرى بمحاذاة قناة السويس، وساحل النفط شرقي شبه الجزيرة العربية. وبلغت كراهية العرب لبريطانيا اوجها خلال حرب السويس ١٩٥٦، والتفت مشاعر العرب حول مصر التي كانت الامل المرجو لقيادتهم لتحرير فلسطين والتحرر من الاستعمار.
فان تحتمس الثالث قاد حملة مصرية وصلت الى العراق. وان مصر هي التي تصدت للصليبيين في حطين غرب طبريا (فلسطين - ١١٨٧)، وللمغول في عين جالوت قرب الناصرة (فلسطين - ١٢٦٠). وان محمد علي باشا هو الذي ارسل الحملات الى شبه الجزيرة العربية، وهدد الامبراطورية العثمانية. كانت فلسطين مفتاح الامن لمصر. ولذلك عندما تطلع الفلسطينيون والعرب الى عبد الناصر، كانوا يتطلعون الى مصر. فاذا ما قادت المسيرة فان احدا لن يتخلف.
جاء الخلط في مفاهيم الهزيمة والنصر في التقويم لنتائج الحرب بعد هزيمة ١٩٦٧، عندما اخذت اجهزة الاعلام العربي تؤكد فشل اسرائيل وهزيمتها في هذه الحرب، لانها عجزت عن اسقاط انظمة الحكم العربية، اما احتلال الجيش الاسرائيلي لكل من سيناء والجولان فليس بذي شأن في التمييز بين الربح والخسارة في موازين الحروب!!.
ماذا عن الولايات المتحدة الأميركية؟
توماس فريدمان
من البديهي أن إبرام اتفاق على المدى القصير مع إيران يُستحق معه رفع العقوبات جزئيا، سيكون اتفاقا لتجميد كافة العناصر الأساسية لبرنامج تطوير الأسلحة النووية لإيران، وأن الاتفاق الوحيد الذي يُستحق معه رفع العقوبات كليا هو الذي يمكن من خلاله التحقق من تقييد قدرة إيران على إنتاج قنبلة نووية.
بيد أنه يوجد شيء ما آخر مسلم به، ولكن ما زال يحتاج إلى التصريح به بنبرة عالية: نحن، أميركا، لسنا مجرد محامي دفاع للتفاوض والتوصل إلى اتفاق لصالح إسرائيل وحلفائنا في الخليج. نحن، أميركا، لدينا مصالح لا تتمثل في كبح وتقليل قدرات الأسلحة النووية لإيران فحسب، ولكن أيضا إنهاء الحرب الباردة القديمة التي بدأت منذ 34 سنة بين إيران وأميركا، والتي أضرت بمصالحنا ومصالح أصدقائنا الإسرائيليين والعرب وأثرت عليها بالسلب. ومن ثم، يجب علينا عدم معارضة مصالحنا الواضحة والأكيدة في مواجهة الجهود الإسرائيلية والعربية الرامية إلى عرقلة إبرام اتفاق نعتقد أنه سيكون جيدا بالنسبة لنا ولهم. وتكمن مصالح أميركا في الوقت الحالي في التوصل إلى اتفاق نووي وشيك ومحكم مع إيران التي تفتح الباب وتمهد الطريق للتعامل مع مجموعة كاملة من القضايا الأخرى بين واشنطن وطهران.
بعض حلفائنا لا يشاركنا في هذه المصالح ويؤمنون بأن النتيجة الوحيدة المقبولة هي ضرب المنشآت النووية لإيران وإبقاؤها دولة منعزلة وضعيفة. إنني ألتمس لهم العذر لتلك الشكوك التي تساورهم. ودون وجود الضغط وفرض العقوبات الدولية على إيران، ما كانت إيران لتقدم حتى اليوم على تقديم أي تنازلات بخصوص برنامجها النووي. بيد أن هذا الضغط لم يعنِ قط نهاية الأمر في حد ذاته، ولكنه كان يعني إشراك إيران في الأمر، بشرط أن تتخلى، بشكل يمكن التحقق منه، عن قدراتها لإنتاج سلاح نووي. ويقول كريم سجادبور، الخبير في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيغي إنداومنت للسلام الدولي: «بما أن اللاعبين الإقليميين يرون أنه لا طائل من وراء الدبلوماسية مع إيران مثل (لعبة المجموع الصفري)، سواء تحقق الفوز أو جرى التغلب عليك، فلا يعني ذلك وجوب توقف أميركا عن التوصل إلى اتفاق».
ما هو السبب وراء ذلك؟ فلنبدأ بالحقيقة التي مفادها أن إيران لها تأثير هائل على العديد من الأمور التي تعد مصدر قلق للأمن القومي لأميركا، بما في ذلك، سوريا والعراق وأفغانستان، فضلا عن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والإرهاب، والانتشار النووي. وقد أسهم تصاعد حدة التوتر مع إيران في تفاقم هذه القضايا، لذا فحدوث انفراجة مع طهران قد يساعد بدوره في تهدئة الأوضاع المتعلقة بتلك القضايا. ولقد لعبت إيران دورا حيويا في مساعدتنا في هزيمة حركة طالبان في أفغانستان عام 2001، وهو ما يمكن أن يتكرر لمساعدة القوات الأميركية على الانسحاب من أفغانستان دون أن تستعيد طالبان السيطرة مرة أخرى على الأراضي الأفغانية بالكامل.
هناك صراع في طهران في الوقت الحالي بين الذين يريدون من إيران أن تتصرف كدولة تهتم بمصالحها وهؤلاء الراغبين في أن تستمر في التصرف كدولة الثورة المستمرة في صراع متواصل مع أميركا وحلفائها. وأوضح نادر موسافيزاده، أحد كبار المساعدين السابقين للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان قائلا: «يتمثل الخطر في مفاوضات جنيف النووية جزئيا في السمة الأهم التي ستغلب على السياسة الخارجية الإيرانية». وعليه، فيمكن أن يؤدي إبرام صفقة تحقق المنفعة المشتركة إلى تمهيد الطريق للتعاون على جبهات أخرى.
وعلاوة على ذلك، لا يوجد شيء يهدد مستقبل الشرق الأوسط في الوقت الحالي أكثر من التصدع والشرخ الطائفي بين السنة والشيعة. ويخدم هذا التصدع الرئيس السوري بشار الأسد وجماعة حزب الله اللبنانية وبعض الزعماء لصرف شعوبهم عن القضايا الأساسية للنماء الاقتصادي والبطالة والفساد والشرعية السياسية. كما يجري استخدام هذا التصدع لبقاء إيران معزولة وعاجزة عن الاستغلال الكامل لاحتياطاتها الهائلة من النفط والغاز، وهو ما يمكن أن يكون تحديا لبعض الإجراءات العربية. بيد أن مصلحتنا تتمثل في إخماد هذه المشاعر الطائفية، وليس الوقوف إلى جانب أحد الأطراف.
لقد منعتنا الحرب الباردة الإيرانية - الأميركية من التصرف المثمر بشأن كافة هذه الاهتمامات. من السهل أن نقول إنه يجب علينا الانصراف عن المحادثات إذا لم نحصل على ما نريد، ولكن عزل إيران لن يكون سهلا كما كان من قبل. تمتلك الصين وروسيا والهند واليابان مصالح مختلفة بالمقارنة مع مصالحنا تجاه إيران. وكان الرجل الوحيد الذي يمكنه توحيدهم جميعا وراء هذا النظام الذي تعرض لعقوبات شديدة هو الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد. في حين أن الرئيس الجديد، حسن روحاني، أكثر براعة. ويقول سجادبور: «قد يبلغ تأثير العقوبات المفروضة ذروته، ولن تتخلى دول مثل الصين بشكل غير محدد عن مصالحها التجارية والاستراتيجية وجها لوجه مع إيران لمجرد إرضاء الكونغرس الأميركي».
وفي ضوء جميع ما ذكر، فإن الاتفاق الذي يحاول فريق أوباما إبرامه في الوقت الحالي للبدء في تقليل القدرات النووية لإيران واختبار المزيد من الأمور الممكنة يصب في مصلحة الولايات المتحدة بشكل أساسي. ويقول موسافيزاده «إن تحقيق انفراجة مع إيران يعد مكسبا مهما للسماح للولايات المتحدة بتبني سياسة خارجية مستقبلية متوازنة بما يجمع بين المصالح والالتزامات، مع السماح لنا بإعادة البناء في الداخل في الوقت نفسه». وواصل حديثه قائلا: «هناك في الشرق الأوسط من يفضل وجود حرب قبلية وطائفية لا تنتهي، وهي مبررات رجعية تعوق تطويرهم الداخلي كمجتمعات متفتحة ومتكاملة ومتسمة بالتعددية، ويمكن أن يكون لهم ذلك، ولكن هذه ليست حربنا ولسنا نحن من يفعل ذلك سواء في الداخل أو الخارج».
مقالات صحيفة الأيام
أطراف النهار...فلسطين .. والريادية الفرنسية؟
حسن البطل
علم أجنبي وحيد كان معلقاً على نافذة "الكوريدور" في "المقاطعة"، وعليه عبارة بالفرنسية "شكراً فرنسا Merci France.
سأقول: أهلاً وسهلاً Bienvenu بالمسيو فرانسوا اولاند، ثالث رئيس فرنسي يزورنا (وإسرائيل) بعد زيارة جاك شيراك 1996 ونيقولا ساركوزي 2008، لماذا؟
سيكون اولاند أول رئيس دولة كبرى يرسي تقليداً لرؤساء الدول الكبرى بوضع إكليل زهور على ضريح الرئيس ياسر عرفات.
فرنسا ذات الريادة الأوروبية ـ الغربية في المسألة الفلسطينية، منذ كان فرانسوا ميتران أول رئيس دولة أوروبية غربية يستقبل عرفات في قصر "الأليزيه". كانت هذه التفاتة وبادرة جرّت ملاحظات ردّ عليها ميتران بقوله: سيقتدون بي، ولاحقاً استجاب عرفات طلباً من ميتران ونطق الكلمة السحرية (كادوك ـ متقادم).
بعد تأسيس السلطة الوطنية، كان للرئيس جاك شيراك أن يكون أول رئيس دولة عظمى يزور رام الله (والقدس الشرقية) ويسير مع عرفات في موكب بشوارع المدينة خلال زيارته لكنيسة القديسة حنا (إحدى أربع كنائس تحت الحماية الفرنسية) تشاجر كلامياً مع حراسه الإسرائيليين ليتركوه خارج طوقهم الخانق "أنا بين أصدقاء" قال. في وقت لاحق، عام 2009 سترد فلسطين وبلدية رام الله جميل شيراك، وتطلق اسمه على شارع فيها، افتتحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
قلّما نلتفت إلى تقليد دبلوماسي ـ سياسي حيث كبار الزوار والرؤساء صاروا يزورون إسرائيل وفلسطين معاً، كأنهما "ساحة دبلوماسية واحدة" لماذا؟ عام 2008 زار الرئيس نيقولا ساركوزي إسرائيل، والتقى رئيس الوزراء أيهود أولمرت، ورئيس السلطة أبو مازن. خطب في الكنيست، وقال لإسرائيل: "من الجنون عدم الاعتراف بدولة فلسطينية".
هل سيبدأ الرئيس الفلسطيني تقليداً بروتوكولياً ـ دبلوماسياً ـ سياسياً، فلا يستقبل في مقاطعة رام الله سوى كبار الزوار والرؤساء الذين في برنامج زيارتهم الاحترام الواجب للرئيس المؤسّس ياسر عرفات، أو يستقبلهم في مكان آخر، مثل بيت لحم أو أريحا.
الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، أكثر رؤساء فرنسا ثقافة، زار إسرائيل العام 1982، لكن كان بعد سنوات أول من استقبل عرفات في الأليزيه، وبعدها صارت باريس بوابة ومفتاح الدبلوماسية الفلسطينية لدول أوروبا الغربية، وكان ميتران رئيساً اشتراكياً لبلاده.
ساعدت فرنسا إسرائيل في بناء مفاعل "ديمونا" النووي، وفي حرب السويس (العدوان الثلاثي) 1956 في عهد الاشتراكيين. لكن، غداة حرب حزيران (يونيو) 1967 وجّه الرئيس شارل ديغول رسالة انتقادية ـ تاريخية لإسرائيل، وأوقف إرسال الأسلحة إليها، محذراً من تفكير دولة يهودية "معتدة بنفسها ومغترّة".
.. والآن، رئيس فرنسي اشتراكي يزور إسرائيل وفلسطين، ويضع إكليل زهور على ضريح عرفات، بينما تنتظر السلطة والشعب الفلسطيني التقرير الفرنسي حول وفاة عرفات، التي يعرف أسبابها الرئيس جاك شيراك، بوصفه القائد الأعلى لجيش بلاده، وبوصف مستشفى "بيرسي" عسكرياً. لفرنسا الاشتراكية سياسة إزاء سورية قد لا نوافق عليها، وسياسة إزاء إيران ستتفق عليها فرنسا مع أميركا بعد يومين، ومهما قيل في طموح فرنسا للعودة إلى التأثير في الشرق الأوسط، فما يهم فلسطين هو سياسة فرنسا تجاهها. ستحتفي إسرائيل بزائرها بأُبّهة ربما نكاية بالرئيس أوباما، وتستقبل مصر وفداً سياسياً ـ عسكرياً روسياً امتعاضاً من أميركا.
المهم أن اولاند سيضع إكليل زهور على ضريح مؤسّس دولة فلسطين، ربما حلاً لازمة بسيطة، حيث لم يكن في برنامج الزيارة إلقاء خطاب في الكنيست.
ستحظى الكنيست بخطاب رئاسي فرنسي آخر، ودولة فلسطين ستحظى بخطوة رمزية تؤكد ما قاله ساركوزي في الكنيست: "من الجنون عدم الاعتراف بدولة فلسطين". ربما لو كان برلماننا قائماً لتحدث أمامه اولاند؟ يزورنا رؤساء الدول ساعات، ويزورون إسرائيل أياماً. لا بأس. قصر الضيافة الفلسطيني جاهز في سردا لاستضافة الرؤساء عندما نصير دولة.. في غير مراسيم البروتوكول؟!
ماذا بعد أن ذاب الثلج وظهر المرج ؟
طلال عوكل
الذكرى التاسعة لرحيل الزعيم الفلسطيني هذا العام كانت متميزة، من حيث تزامنها مع انتهاء الأبحاث المخبرية الروسية، والسويسرية، والتي أظهرت تباينا فيما يتصل بأسباب وفاة ياسر عرفات. التباين بين التقريرين، لا يشير إلى فوارق في الامكانيات، أو مستوى الخبرات التي تتوافر لدى الطرفين وكلاهما يملك من الامكانيات ما يؤهله لاكتشاف الحقيقة، ما يعني ان الفوارق تعود إلى أسباب سياسية.
كيف يمكن لمختبرات متساوية القدرات العلمية والتكنولوجية ان تصل إلى تفاوت يجعل نتائج التحليل الروسي غامضة، فيما يتوصل التحليل السويسري إلى أن الرفات تحتوي على مادة البولونيوم السامة، رغم أن الفريقين أخذا العينات من ذات الرفات، وفي وقت واحد تقريباً. تتضاعف الشكوك، بشأن خضوع النتائج لتأثيرات سياسية، حين نعرف بأن ظهورها جاء متأخراً لستة أشهر عن الأشهر الستة التي حددتها الفرق الروسية والسويسرية، من أجل التوصل إلى نتائج محددة.
على أن المشكلة الأبرز التي تشير إلى وقوف السياسة وراء هذه التحقيقات، يكشف عنها، غياب نتائج التحقيق الفرنسي حتى اللحظة، ذلك التحقيق الذي جرى بموجب دعوى قدمتها للقضاء الفرنسي أرملة الراحل عرفات. فرنسا كانت قد قدمت قبل ذلك تقريراً طبياً ينطوي على غموض فيما يتعلق بأسباب الوفاة، رغم انها الطرف الأقدر على تحديد تلك الأسباب منذ اللحظة الأولى لوجود عرفات في مستشفى بيرسي العسكري إلى حين وفاته.
لا يوجد سبب يدعو للاعتقاد بأن فرنسا لم تتعاط سياسياً مع الملف، خصوصاً وأنها كما قيل أتلفت العينات التي كانت موجودة لديها خلال وجود عرفات في المستشفى الفرنسي. المهم في الأمر أن كافة التقارير، القديمة والجديدة لا تشير إلى أن الوفاة كانت طبيعية بسبب مرض ما، أو بسبب الشيخوخة، الأمر الذي يؤكد هواجس كل الشعب الفلسطيني الذي لم تساوره الشكوك بشأن مسؤولية إسرائيل عن اغتيال الزعيم الفلسطيني. في الواقع ثمة اعتقاد راسخ لدى المراقبين الفلسطينيين، ونظن أن أيضاً لدى الكثير من المراقبين العرب والأجانب، بأن عملية اغتيال من هذا المستوى لزعيم تاريخي كبير بقامة عرفات، قد تمت بقرار سياسي دولي أو بقرار إسرائيلي وموافقة دولية، ومن بعض الدول العربية.
ان سألت أي فلسطيني عن أسباب اغتيال عرفات، سيقول لك إن الشواهد كثيرة على أن إسرائيل في عهد شارون، قررت استبعاد عرفات كشريك وأحكمت الحصار عليه في المقاطعة، لأنه من وجهة نظرها، أصبح عقبة أمام تقدم المخططات الاحتلالية، ولأنه من وجهة نظر الدول الحليفة لإسرائيل أصبح عقبة أمام عملية السلام بسبب تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وبسبب عدم ارتهانه لخيار المفاوضات كخيار وحيد.
ثمة خديعة في الأمر، حين يدعي شارون أن إزالة عرفات عن الطريق من شأنها أن تفتح الطرق أمام تحقيق السلام، فلقد أثبتت إسرائيل خلال مرحلة شارون وحتى الآن انها هي التي تدمر كل إشارة إلى الطريق المؤدية إلى السلام.
لن يشعر الزعماء الذين وافقوا على القرار الإسرائيلي باغتيال عرفات أو تواطأوا معه، بالذنب، أو الندم، لأنهم ربما تضامنوا مع الروح الانتقامية التي تحلى بها الرئيس السابق جورج بوش، على خلفية رفض الزعيم الفلسطيني العروض البائسة التي قدمها له باراك، والرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون خلال مفاوضات تموز العام 2000 في كامب ديفيد.
كان معلوماً أن على عرفات أن يدفع ثمن رفضه تلك العروض، وامتشاقه السلاح خلال انتفاضة الأقصى، التي اندلعت في عموم الأرض المحتلة بعد نحو الشهرين من مفاوضات كامب ديفيد الفاشلة، فلقد حث عرفات على الانتفاضة، وأوعز بتشكيل كتائب شهداء الأقصى، وقدم لها الدعم. والآن من وجهة نظر وطنية فلسطينية فإن الملف جاهز، بما أكده تقرير المعهد السويسري، لكنه بالتأكيد يحتاج إلى استكمال حتى يصبح جاهزاً لدفعه الى محكمة الجنايات الدولية.
ليس هناك مجال للتسامح أو الغفران إزاء أي تأخير أو مماطلة في استكمال الملف، من الطرف الفلسطيني، الذي تأخر قراره بتشكيل لجنة تحقيق فلسطينية حتى العام 2010، ولكن حتى يتم استكمال الملف، لا بد من تشكيل لجنة دولية محايدة، تقوم بالتحقيق من أجل التوصل بالقرائن الدامغة لمرتكب الجريمة.
لجنة التحقيق الفلسطينية التي يترأسها اللواء الطيراوي مكلفة بالاستعجال في التحقيقات للكشف عن الوسيط الذي نقل السم للزعيم الفلسطيني، والمفروض أن تتوخى الشفافية إزاء ذلك بما لا يلحق أي ضرر بسلامة التحقيقات.
هذا يعني أن السيدة سهى عرفات، التي وضعت ثقتها بالقضاء الفرنسي عليها أن تتراجع باتجاه سحب الملف، لأننا كما فهمنا نعلم بأن المحاكم الدولية لا تنظر بملف مطروح أمام القضاء في دولة وطنية.
أما الخطوة الأساسية فإنها تتطلب من دولة فلسطين، التقدم بطلب الانضمام إلى محكمة الجنايات الدولية، وإلى السبع والستين مؤسسة دولية، التي أشار أكثر من مسؤول فلسطيني إلى إمكانية الانضمام إليها.
وبإمكان دولة فلسطين أن تدعو الجمعية العامة للانعقاد، وفي الوقت ذاته أن تدفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي رغم صعوبة الحصول منه على قرار. ومرة أخرى يتأكد أن التزام حسن النوايا تجاه المخططات الإسرائيلية الخطيرة، والحروب التي تشنها إسرائيل على الأرض والحقوق الفلسطينية، هذا الالتزام، الذي قد لا يعني القطع مع المفاوضات، إنما يشكل إهداراً للوقت، وتأخيراً لا لزوم له. ربما يكون الرئيس محمود عباس قد أعطى التزاماً بعدم التوجه للمؤسسات الدولية قبل نهاية التسعة أشهر المحددة للمفاوضات ولكن إسرائيل تقدم كل صباح، وكل لحظة، كل المبررات الكافية للتنصل من هذا الالتزام وإلا فإن على من طلب هذا الالتزام أن يوقف الحرب الإسرائيلية المستعرة والمسعورة.
أوجاع أريترية: الحب والحرب والاغتراب
د. خالد الحروب
"في وجهها يستوطن بهاء قديم لم تحرمه الأيام نضارته الأولى. ومن وجهها ينضح عطر سماوي يشبه ما يمنحه المطر لتراب الأرض. وعند وجهها تتزاحم حكايات الحسن، وقد تخلت عن نهاياتها الحزينة". هذا ما يظل يدندن به بطل رواية "مرسى فاطمة" لحجي جابر حول حبيبته المفقودة، واصفا إياها لكل من يراه ويظن بأن لديه طرفا من خبر عنها.
بعد قصة حب قصيرة تغيب سلمى ويغيب بطلنا وراءها بحثا عنها، أو عن سرابها، أو هيامه أو وهمه بها.
إنها السردية المتألقة الأخرى لجابر بعد روايته الأولى "سمراويت" التي فازت بجائزة الشارقة للرواية من سنتين.
"مرسى فاطمة" هو الشارع الذي التقى فيه سلمى أول مرة ووقع على رصيفه بدء تاريخ حبه لها.
من ذلك الشارع تركب سلمى الحافلة التي تقلها إلى المدرسة الثانوية، ويجري قلبه مع عجلاتها.
لكن لهذا المكان رمزية أبعد بكثير. إنه اريتريا الناس العاديين والمفعمين بالجمال العفوي والتعايش غير المُدعى، بعيدا عن جبروت السياسة، وبعيدا عن عفن التطرف القادم من وراء الحدود.
يخبرنا حجي جابر أن: "مرسى فاطمة اسم أطلقه الجبرته على هذا الشارع تيمنا باسم جزيرة مباركة قرب مصوع سكنتها امرأة صالحة من نسل الصحابة، ليحل محل اسم الامبراطورة "منن" زوجة "هيلاسيلاسي"، والتي اختارته دون سواه ليحمل اسمها ... هنا يسكن مسلمون ومسيحيون ولا دينيون ... الشارع يبدأ بكنيسة إندا ماريام وتنتهي تفرعاته عند جامع الخلفاء الراشدين، وقد بناه الايطاليون بأموال تاجر يمني استوطن اسمرا.
هنا تتجاور بيوت الاغنياء والفقراء، وكذلك قلوبهم. هنا ايضا لا تجد اسرة لم تفقد حبيبا في حرب الاستقلال. مرسى فاطمة يمثل وطنا رحبا لكل سكانه".
يتناهى إلى علمه ان سلماه تم تجنيدها وارسالها إلى معسكر الخدمة العسكرية الاجبارية "ساوا" الرابض بين الجبال البعيدة عن العاصمة اسمرا.
هناك الحياة تنتمي إلى نوع آخر من الحياة. يلحقها ويتطوع لأداء الخدمة الوطنية (القلوقلوت)، ويستسخفه كثيرون لأنه معفى منها اساسا بكونه وحيد والديه.
هناك يتفنن المدربون في إذلال الشباب تحت عنوان تربيتهم على حياة الجندية ومواجهة الصعاب.
المعسكر هو صورة النظام الحاكم: السلطة الفوقية وعدم الشفافية، والفساد المتسربل في خريطة القيادة العليا له.
يتجبر الضباط في المجندين في فرض اقسى انواع التدريبات بدءا من فجر كل يوم وحتى مغيب شمسه، يركضون، يلهثون، تنقطع انفاسهم، ثم يُطعمون كسرة خبز وماء شاي، ثم يصفعون محاضرة في الوطنية والبطولة من قبل ضابط ثمل جاء لتوه من معسكر الإناث بعد أن جال بفحولته على عدد منهن، إمعانا في الوطنية.
بطلنا الشاب يتحمل طوعا ما يتحمله زملاؤه قسرا وهو يأمل أن يعثر على خيط امل يقوده إلى سلمى التي يفترض انها في المعسكر المجاور.
لا سبيل إلى الوصول إليها حيث يمنع ذلك على المجندين، ولا يتمتع بتلك الحظوة إلا الضباط.
ينفلق الحظ السعيد لبطلنا إذ يختاره احد الضباط سائقا له، بما يعني سهولة دخوله الى معسكر الإناث يقود سيارة الضابط.
هناك وفي لحظات توهان الضابط في سكراته المختلفة يستغل العاشق كل دقيقة ليسأل عن حبيبته سلمى. يترك صفاتها واسمها وعشقها له مع كل فتاة يتمكن من الحديث إليها. لكن لا اثر لها.
يفعل المستحيل للهرب من “ساوا” بعد ان اكتشف ان سلمى ليست هناك، ويلحق سرابا لها باتجاه السودان إذ وصلته اطراف اخبار بأنها عبرت الحدود إلى هناك.
رحلة الهرب من الوطن الاريتري اوديسة أخرى تُضاف إلى رحلات الهروب من اوطان الجنوب.
على الحدود الاريترية السودانية يقع اسيرا وضحية لـ "دولة الشفتا"، والشفتا هم القبائل المسيطرة على المنطقة الحدودية بالسلاح والقوة وفرض الخاوات.
تتهيب السلطات على طرفي الحدود من سطوة تلك القبائل وعصاباتها وتشتري ولاءها، ويمتد نفوذها إلى وزراء ومسؤولين كبار.
على الفارين من جحيم الوطن ان يمروا بجحيم الشفتا ويدفعوا الوف الدولارات كي يصلوا إلى الجحيم الثالث، إلى مخيم "الشجراب" الضخم في الاراضي السودانية، والذي يعتبر من اكبر مخيمات اللاجئين في العالم.
في "الشجراب" دويلات اخرى، من المنظمة العالمية للاجئين، لعصابات المهربين، للسلطات السودانية، ولكل ما يمكن ان يتصور من عوالم سفلية.
يبحث في أزقته وخيمه وتجمعاته عن سلمى التي لا اثر لها.
يسأل كل الناس، لكن ليس ثمة طرف خبر مؤكد.
يعزم في نهاية المطاف على مغادرة المخيم البائس ركضا وراء خبر ما بأن سلمى اصبحت في السودان.
ينخرط في عملية تهريب ثانية، وبعيدا عن الوطن، او بحثا عنه.
قبل مغادرة المخيم يتعرف إلى خريطة "الامل" لكثير من اللاجئين الشبان وهي ان جل همهم هو تأمين هروب سري عن طريق بعض العصابات إلى إسرائيل.
هل هربت سلمى معهم واصبحت هناك ايضا؟
تضيع سلمى وسط تفاهات الحرب، والفساد، والفقر، والتطرف، والسياسة، والتهريب، والحدود الملتهبة، والبؤس المودي للهجرة اليائسة إلى إسرائيل.
تضيع سلمى بطل جابر حجي الذي ينذر نفسه للبحث عنها ولقياها. إنها تحمل جنينهما في احشائها.
إنه المستقبل الذي يريد بيأس وعناد ان يأخذ "مرسى فاطمة" إلى غد مشمس، .. إلى ماضيه الجميل.
لا تضيع سلمى وحسب، بل اريتريا "مرسى فاطمة" هي التي تضيع، وحجي يبحث عنها.
يبحث عن وطن بسيط تترتب فيه الاشياء بفوضى الناس العاديين، بعيدا عن ايديولوجيا الحزب الحاكم، وتشدق الساسة، وقوافل الموتى الملتحقين بأتون نار تلتهم الوف الشباب، وقوافل الهاربين في كل الجهات.
يلحق حجي بأريتريا الضائعة التي ما عاد فيها مرسى لفاطمة، وتشتت شبابها بين "ساوا" وجبهات المعارك، ومخيمات اللجوء والهرب على الحدود السودانية، ثم تبعثرت طوابير الهاربين في صحارى الشمال وسيناء أملا بالوصول إلى "مرسى" بديل واعد، في إسرائيل.
ومن هناك، من "أرض الوعد والميعاد"، تأتي قصص تقشعر لها الأبدان لتصل إلى المنهكين وسط الصحراء المتوجهين إلى ارض الاعداء لأنها اصبحت اخف وطأة من الوطن.
من المدن اللامعة والحديثة في إسرائيل إلى قلب صحراء سيناء يكتشف المتعبون بأنهم ليسوا سوى قطع من الاعضاء البشرية تتداولها عصابات الاتجار بالكلى والاعضاء.
ويكتشفون أن ضريبة عبور الصحراء إلى "الجنة الموعودة" هي كلية لا حاجة لهؤلاء بها.
أما الإناث من الهاربين فإن مرارتهن مضاعفة.
عليهن اشباع حقارات سلسلة المهربين من الحدود الاريترية والسودانية والمصرية، وصولا الى سيناء ثم إسرائيل.
كل جزء من اجزاء الرواية يستحق ان يكون رواية منفصلة: معسكر ساوا، دولة الشفتا، الشجراب.
حجي ظلم نفسه وابطال روايته وحرمنا من ثلاث روايات واستعجلها في رواية واحدة.
لكن تبقى "مرسى فاطمة" رواية بطعم المرارة عن وطن اريتري مفقود.
عن ذلك الشيء المُبهم الذي يقول عنه في الصفحة الاولى من روايته: "الوطن كذبة بيضاء .. يروج لها البعض دون شعور بالذنب، ويتلقفها آخرون دون شعور بالخديعة".
تمرد ... أما بعد!!!
د.عاطف أبو سيف
مر يوم ذكرى ياسر عرفات التاسعة بهدوء رغم النداءات والتهديدات المفرطة التي كانت تصدر في وسائل الإعلام سواء من قبل مستخدمي الانترنت والتمرد الافتراضي أو من قبل أجهزة حماس. النتيجة الوحيدة لكل هذا الصراع الإعلامي أن ذكرى عرفات لم تشهد أي مظاهر للتذكر حتى برفع صوره أو رايات الحداد على روحه أو رايات فتح.
أما وقد انتهى موضوع تمرد الذي برع البعض في تصويره وتضخيمه في الإعلام سواء كان من قام بذلك حقاً يريد أن يقوم بالتمرد أو كان بدعة إعلامية تم توظيفيها من كثيرين حتى لا يتم الاحتفال بذكرى الزعيم الفلسطيني الكبير، وقد انتهى كل ذلك فإن من حقنا الآن أن نناقش بروية وهدوء ما حدث، لأن أي نقاش قبل ذلك كان يمكن له أن يجلب لصاحبه التهم بأنه يعطل الحركة العظيمة، كما قد يفترض البعض، المسماة "تمرد"، وبالتالي هو يعيق سحق الانقسام. ونحن الشعب الوحيد ربما الذي يناقش بعد فوات الأوان، ونحن أكثر شعب يغرق في شبر ماء.
انظروا فقط إلى الانقسام لتدركوا أننا فعلاً نغرق في شبر ماء.
لكنني سأعود لفكرة تمرد ولن اتحدث كثيراً عن شبر الماء الذي أصبح بحراً، فهذه قصة أخرى.
أولاً، وكنا مثل غيرنا قد قلنا هذا منذ شهور، إنه لا يجوز لأحد كان من كان أن يختطف المناسبات الوطنية التي هي ليست ملكاً له ولا لمزاجه الشخصي من أجل أن يقوم بفعاليات مشكوك في نجاحها منذ البداية.
فذكرى ياسر عرفات ليست ملكاً لأحد، فياسر عرفات كان زعيم الشعب الفلسطيني ولا يجوز استخدام ذكراه من أجل أي هدف كان إلا لتصعيد النضال ضد الاحتلال.
وعليه فإن ثمة مناسبات وطنية كبرى مثل انطلاقة الثورة الفلسطينية يجب عدم المساس بها.
هل كان يقصد من وراء تحديد اليوم هو أن يتم استغلال الجماهير الفلسطينية التي ستخرج لرثاء ياسر عرفات في "التمرد"!! بالطبع هذا ليس بأكثر من تسطيح لوعي الناس التي ستكون لو خرجت فعلت ذلك من اجل ياسر عرفات.
لذا فالجماهير لم تخرج. أتدرون لماذا لأن أحدا لم يقل لها أخرجي من أجل ياسر عرفات، ولا حتى للاحتفال بذكراه!!!
ثانياً، بالطبع لم يقم أي تنظيم فلسطيني بتبني موقف من الدعاوى الافتراضية التي لم تخرج عن دائرة التصريحات على الإنترنت. الفصيل الذي توقع منه الجميع موقفاً هو حركة فتح، وهو لم يفعل بل لم يعلق على الموضوع.
وهذا بحاجة لنقاش آخر. لكن ألا يعكس هذا سوء تقدير من قبل قيادة فتح في غزة للامر، فهي لم تملك الجرأة لقول لا، ولا الشجاعة لقول نعم.
بل اكتفت بالصمت وكأن ذكرى ياسر عرفات لا تهمها وان انهاء الانقسام ليس من اختصاصها.
لم يكن لها علاقة بالأمر من بعيد ولا من قريب. كانت فتح مطالبة بموقف عجزت عن اتخاذه.
ثالثاً، قد لا يحب البعض هذا القول، لكنه الحقيقة، فالتنظيمات الفلسطينية مازالت هي من يهيمن على الشارع الفلسطيني، والمواطن الفلسطيني الذي قد يرغب بعض اصحاب الاستطلاعات غير الدقيقة القول انه بات لا يؤيد التنظيمات، لا يتحرك إلا بقرارات هذه التنظيمات.
تخيلوا لو أن فتح قالت للجماهير أن تخرج ووظفت خطابها حول ذلك.
بالطبع كانت الناس ستخرج. وهذا يشير إلى أن مسؤولية انهاء الانقسام تقع في جزء كبير منها على الفصائل، التي يجب أن تعمل من أجل تحقيق ذلك وعدم الركون فقط على النوايا الحسنة والتصريحات. لأن شبر الماء الذي صار بحراً سيغرقنا كلنا ولن ينجو منا أحد.
رابعاً، لا يمكن لمجموعات متفرقة تعيش في بلدان بعيدة أن تقود المواطنين وتقرر عنها.
فكما أوردت مواقع الانترنت فثمة متحدث في اسكندنافيا يناكفه متحدث آخر في عاصمة عربية وقد يخرج بيان ثالث من مدينة رابعة وخامسة.
وكأن الامر يدور عن قيادة سيارة لا يعرف أحد من يملكها.
لقد وقعت هذه "التمردات" في مطب التضخم الإعلامي الذي لم يكن انعكاساً حقيقياً لواقع ملموس.
لقد كانت هذه "التمردات" افتراضية وهمية وليست شيئاً ملموساً على الأرض.
من العجب أن يتم اصدار بيانات تطالب الجهات الإعلامية بقصر التعامل مع هذا الناطق وعدم الالتفات لأحد غير هذا المتحدث.
لم يكن الامر بأكثر من فقاعة صابون حتى أنها لم تطر في الهواء انفجرت على وجه الرغوة.
صحيح أن بعض الشبان والفتية المتحمسين للتطلع لمستقبل أفضل وجدوا في الفكرة مخرجاً ونافذة نحو هذا المستقل، دون أن يوجههم احد ماذا يفعلون، وظل حبهم للفكرة أيضا ذاتياً لم يكن من الممكن ترجمته إلى حراك جماهيري كما حدث مثلاً في 15 آذار.
خامساً، ليست كل تجارب الشعوب يمكن أن يتم استنساخها وتنجح. بمعنى أن إعادة تجربة الشعب المصري الشقيق الذي خرج على بكرة أبيه في الثلاثين من حزيران ليفوض الجيش استعادة الدولة قبل ضياعها لم يكن من الممكن اعادة انتاجها في السياق الفلسطيني بأي حال.
ليس لأن في القاهرة وحدها خرج ربما خمسة ملايين، وليس لأن الجيش في مصر ملك للدولة وليس للحزب الحاكم، وليس لأن الامر في مصر لم يكن ثورة افتراضية بل كان عملاً دؤوباً في الشوارع والمدن وسبقه حملات توقيعات مليونية، كل هذا واكثر.
ببساطة لأن السياق الفلسطيني يختلف كثيراً حيث إن ثمة انقساما نتج عنه كيانان وحكومتان (قولوا للأسف) وجيشان، كل هذا إضافة للتباعد الجغرافي بين القطاع والضفة.
سادساً، هل مازال أحد يتذكر تجربة 15 آذار العظيمة، التي لتوها تسللت في النقاش، حيث خرج الناس بدعوة من الشباب وتجمعوا في الجندي المجهول وتعرضوا للضرب والمطاردة في ساحة الكتيبة!! صحيح أن الفكرة لم تقد إلى إنهاء الانقسام لكنها شكلت انعطافة مهمة في تاريخ الحراك الشعبي يجب تثويرها والبناء عليها.
إن المطالبة بإنهاء الانقسام وبالحراك الشبابي لفعل ذلك تتطلب فعلاً اعادة الاعتبار لتجربة 15 آذار والتفكير في تطويرها والتعلم منها. اما أن يتم تكبير "حجرنا" وتهويل عباراتنا فهذا ليس إلا امعان في الغرق ليس أكثر.
خطاب المعارضة والوظيفة السياسية !!
سميح شبيب
في تشخيص ودراسة خطاب المعارضة، أية معارضة في نظام ديمقراطي، تتوافر فيه حرية الرأي والتعبير، وفيه تداول للسلطة، يمكننا أن نلحظ وبوضوح، أن الوظيفة السياسية لأية معارضة وطنية، تأتي في إطار الاختلاف المشروع، لتحقيق هدف وطني، ووظائف وطنية، تخدم الوطن والمواطن.
قد تصل المعارضة حد التناقض في الرؤى السياسية، لكنها تخدم الوطن، عبر الاختلاف المشروع، في الاطار الوطني الواحد العام.
نسوق ذلك، ليس للتذكير فقط، بل للإشارة الى بعض مناهج معارضتنا الوطنية الفلسطينية، التي تسعى لطرح رؤى ووجهات نظر واتجاهات وخطابات، دون ان تدرك اهمية الاختلاف في ظل الاطار الوطني العام الموحد، ولا تتابع تداعيات وتأثيرات خطابها على بنية المجتمع وتماسكه ووسائل تحقيق اهدافه الوطنية.
سبق أن توقفت سريعاً، عند هذه النقطة، عندما كتبت مقالاً مركزاً، حول "إضراب جامعة بيرزيت"، التي أجلّها وأقدر دورها الأكاديمي والوطني.
ما لحظته آنذاك، بأن ما حدث في بيرزيت، يتعدى الاطار النقابي، وبأن ما حدث في بعض ظاهره، دلل على وجود احتقان شديد في صفوف الشباب، نتيجة الغلاء، والبطالة، وعدم وجود تكافؤ للفرص.. إضافة لوجود حقن سياسي، تقوم به فصائل، لها ماضيها الوطني. ويصب هذا الحقن في الاتجاه الخطأ، بتعرقل الأمور، بدلاً من تحميل السلطة مسؤولية البطالة... ومسؤولية تضاؤل فرص العمل.. بمعنى حقن في الاتجاه الخطأ.
الحالة الاقتصادية الصعبة، التي نعايشها، بإيجاز ووضوح، يتحملها الاحتلال الإسرائيلي، ونهبه لثرواتنا وخيراتنا.
فيما لو ينسحب الاحتلال من أراضينا الوطنية في الضفة الغربية ويفك الحصار عن غزة.. ماذا لو أصبح بإمكاننا استثمار أرضنا، زراعة وصناعة، وسياحة!!! ونحن فوق ارضنا القدس والأقصى وكنيسة القيامة وكنيسة المهد .. والبحر الميت ..
ولدينا شعب متعلم، ولديه قدرات متنوعة في المجالات كافة، وفي المقدم منها إدارة المال!! ماذا لو أصبح لدينا حدود نديرها ونتحكم بها؟!! لا نريد ان نبالغ كثيراً، لكننا نقول، إن البطالة ستتضاءل إلى أدنى حد، وسيصبح لدينا فرص عمل ومستوى معيشة أكثر من المتوسط.
هذا مثال بسيط للحقن في الاتجاه الخطأ.. وهنالك أمثلة كثيرة، تطال حياتنا السياسية كافة...
في الحالة الواردة في المثال، عبر السياق، الاحتقان الشبابي، يزداد حدة، ويأخذ مسارات عنيفة، وبدلاً من رفع سوية المقاومة المدنية، وشحذ الهمم تجاه الاستقلال، تتوجه الأمور، للأسف، في الاتجاه الخطأ، وتصبح المشكلة، مشكلة اشتباكات داخلية.
على المعارضة الوطنية، أن تتساءل عن المنهج المعارض، وأن تدرس بعمق ومسؤولية، أهدافه وتداعياته وإلى أي نقاط يصل؟!!
مقالات صحيفة الحياة
تغريدة الصباح - يغتالون أشجار الصّبّار
سمعتُ الأجداد والآباء، والجيران والجارات، سواءً كانوا متعلّمين أو أميّين يقولون «لا شيء يأتي من الغرب ويسرّ القلب» وفكرتُ مراراً بمصدر هذا القول المأثور وسببه وزمن ميلاده وتساءلتُ: هل أبدعته تجربة أجدادنا حينما تعرّضوا لحملات الفرنجة المتوحّشة التي سماها الغرب «الحروب الصليبيّة» وما رافقها من مجازر بشعة تفوق الخيال في فظاعتها؟ أم أنّ حملة نابليون العسكريّة الاستعماريّة على بلادنا وما ارتكبه جنوده من مذابح في غزة ويافا وجنين، ومن دمار في مدن السّاحل الفلسطينيّ كانت القابلة القانونيّة لهذا القول؟ أم أنّ الانتداب البريطانيّ البغيض على بلادنا وتآمره مع الحركة الصّهيونيّة على شعبنا ووطننا جعل أجدادنا يدركون خطورة الإنسان الغربيّ وهول ما يفعله ويسعى إليه فأبدعوا هذا القول معبّرين عن واقعهم؟ أم أنّ موجات الهجرة اليهوديّة المتتالية من أوروبا إلى بلادنا جعلت العربيّ الفلسطينيّ يري الخطر الداهم ويشمّه ويحسّه على جلده فقال بعد آهة حارقة: لا شيء يأتي من الغرب ويسرّ القلب؟!
وفي الوقت نفسه وجدتُ أنّ أموراً مهمة عديدة ومفيدة تدحض هذا القول قد جاءت من الغرب وأسرّت القلب وأراحت الجسد ومتّعت الرّوح مثل المذياع والتّلفاز والهاتف والجوّال والسّيّارة والقطار والطّائرة وغيرها، كما وجدتُ السّينما والمسرح والنّحت والرسم تمتّع الأبصار والأذواق وتغني العقول، ووجدتُ الموسيقى والشّعر والرّواية والفلسفة منذ أرسطو وهوميروس وأرستوفانس حتى راسل وسارتر ويوسا غذاء للعقل والرّوح فقلتُ: ليس كلّ ما جاء من الغرب يسرّ القلب ولا كلّ ما جاء من الغرب يحزنه.
تذكّرتُ هذا القول ووقفتُ عنده عندما قرأتُ هذا الأسبوع في الصّحف عمّا حدث ويحدث لأشجار الصّبّار في بلادنا.
شجرة الصّبّار الصّبورة تشبه الإنسان الفلسطينيّ في الصمود فهي عصيّة على الاقتلاع وإذا داهمتها جرّافة الاستيطان وحاورها البلدوزر الإسرائيليّ لاقتلاعها وسقطت أوراقها وفروعها على الأرض انغرست الأشواك في التّراب ونبتت من كلّ شوكة من أشواكها شجيرة شابّة. هذه الشّجرة الخضراء شاهدة على جريمة هدم خمسمائة قرية فلسطينيّة وتهجير أهلها فحيثما ترَ شجرة صبّار تكن هناك أطلال قرية فلسطينيّة.
هذه الشّجرة ذات الأزهار الصّفراء الحلوة التي كنا نمصّ رحيقها في صغرنا عندما قلّ المُلبس وانقطعت الحلوى عنّا في سنوات النّكبة تذكّرنا بطفولتنا. وهذه الشّجرة ذات الثّمرة الحلوة الطّيّبة اللذيذة التي بقيت على طبيعتها ونكهتها لم يلمسها كيماويّ ولا عرفها داء أو دواء.
تزعم الصّحف أنّ سائحاً إسرائيليّاً عاد من دولة في أميركا اللاتينيّة يحمل شجيرة ما ليستعمل أوراقها وأزهارها وثمارها في استحضار مخدّر ما وأنه غرس هذه الشّجيرة الغريبة في سهل الحولة وهي تحمل فيروساً قاتلاً فانتقل منها إلى أشجار الصّبّار في المنطقة ومنها إلى مناطق أخرى، ويحذّر علماء الزّراعة في البلاد من أنّ هذا الوباء يهدّد بالقضاء على أشجار الصّبّار في بلادنا.
يغتالون الشاهد على تهجير قرانا وهدمها.
قرانا بدون صبّار وريفنا بدون صبّار والصيف القادم بدون فاكهة الصّبّار.
حقا. لا شيء يأتي من الغرب ويسرّ القلب.
سمك لبن تمر هندي
أ.د. علم الدين الخطيب
لعل المتأمل في عنوان هذا المقال يلاحظ عدم الاتساق بين مكوناته وهذه حقيقة في الشكل والمضمون, فالسمك مع اللبن يسببان الحساسية, والتمر الهندي معهما يسبب الإسهال. وهكذا فإن هذا مثل يستعمله الناس للدلالة عن ان الأمور " ملخبطة " لا رابط بينها وأنها مجموعة من الأشياء التي لا تؤدي إلا إلى سوء الحال.
وهذا بالفعل ما أردت أن أصل إليه في موضوع تحديد وصياغة الأهداف التربوية في بعض الجامعات سواء كان على مستوى الجامعة او مستوى الكليات أو المراكز الموجودة في الجامعة. حيث يكون هناك تداخل كبير بين الوظيفة والهدف فمعظم الأهداف الموجودة هي وظائف للكليات وليس أهدافا. والتعريف اللغوي للهدف هو: الغاية, الغرض, القصد, المرمى, المراد والبغية, ويمكن أن يعرف الهدف التربوي إصطلاحا انه "وصف للتغير المتوقع حدوثه في سلوك المتعلم نتيجة مروره بخبرات تعليمية وتفاعله مع المواقف التعليمية المحددة.
وهكذا يتضح لنا ان الهدف هو النتيجة النهائية أو هو التغير النهائي في سلوك المتعلم.
ولكن بالنظر إلى ما يسمى "أهدافا" في " بعض " الجامعات فإننا نجدها إما وظائف للكليات أو وصفا للمحتوى الدراسي. وغالبا ما تكون وظائف, ويمكن أن نوضح ذلك فنقول ان الهدف هو غاية منشودة يتضمن استراتيجيات ورؤى محددة, بينما الوظائف تترجم هذا الهدف في شكل أدوار تقوم بها المؤسسات التعليمية.
ولو نظرنا إلى بعض ما يسمى " أهدافا " لإحدى كليات التربية في إحدى الجامعات وهي على سبيل المثال لا الحصر فإننا نجد:
1- إجراء الدراسات والأبحاث العلمية ذات الصلة بالميدان التربوي والنفسي بما يخدم أهداف المجتمع المحلي.
2- تفعيل وتنمية الاتصال والتواصل مع المجتمع المحلي والمؤسسات الأكاديمية "العربية" والعالمية.
3- تطوير الخطط الدراسية شكلا ومضمونا بما ينسجم مع التطور الدائم والمتسارع في هذا العصر.
وقس على ذلك بقية ما يسمى " أهدافا " لتلك الكلية. ولا نريد أن ندخل في التفاصيل ولكن نتساءل.
هل في العبارات السابقة ما يصف سلوكا نهائيا للطالب ؟ بل وأكثر من ذلك هل في العبارات السابقة ما يختص بالطالب أصلا ؟
إن العبارات السابقة هي وظائف تقوم بها الكلية وليست أهدافا تسعى لتحقيقها.
وتسير الكلية على ذلك والجميع يعتقد أنها تحقق الأهداف ( غير الموجودة ) ونخرج طلابا دون أن نضع لهم أهدافا. ثم نشتكي من ضعف المخرجات!
ومما هو معروف ومؤكد أن الأهداف هي الموجه الأساسي للعمل التربوي الذي يسعى إلى تغيير سلوك الناشئة نحو الأفضل عن طريق تحديد محتوى التعليم واختيار وسائله وتقويم نتائجه والتعرف على مشكلاته والسعي الدائم والدؤوب لحلها.
ولو عدنا إلى المقالة التي نشرها الكاتب بعنوان ( الدكترة المتأستذة) لعرفنا سبب ذلك.
حيث أن قيادات الكليات في بعض الجامعات ليسوا أهلا لذلك, والرتب العلمية تمنح على شكل هبات أو مكرمات وهؤلاء هم الذين يضعون الأهداف بغير علم ولا هدى ولا تخصص ولا قدرة, فتكون النتيجة سمك لبن تمر هندي.
الثورات وغياب ثقافة الدولة
عدلي صادق
ليست الإحباطات الماثلة، على صعيد ثورات "الربيع العربي" إن كان بالنظر الى نتائجها أو الى سياقاتها؛ إلا احدى نتائج التصحر السياسي الذي اوقعته الدكتاتوريات في المجتمعات المعنية. فما يحدث، عند انفجار المجتمع، وبعد أو قبل أن يسقط النظام، لن تكون ثمة طبقة سياسية تمرست وامتلكت الحد الأدنى من الخبرات، وتحلت بثقافة الدولة، أو حتى تشبعت بتعريف لهذه الدولة، التي هي إطار محايد، تتوافق عليه الخصوصيات كلها لكي يكون حَكماً نزيها بين الناس. والمثال الليبي يقدم الكثير من الصور والمشاهد، التي افرزها واقع الجهل بمتطلبات الدولة وبضرورته، إذ عادت المكونات والتباينات القبلية والجهوية، الى شكلها البدائي، تنزع الى التقوقع على الذات الصغرى، مع خشية وتحسبٍ عميقين، من فضاء الدولة!
في محاذاة هذا الواقع، ثمة ملاحظتان جديرتان بالإشارة. الأولى أن إخواننا الأكراد، وهم إثنية شقيقة ومقدرة، وجدوا أنفسهم، خلال العقدين الماضيين، يواجهون هذا الغياب لثقافة الدولة، ووضعية تكالب مكونات المجتمع على انتزاع امتيازات لصالحها على حساب قوة الدولة وهيبتها؛ فعملوا سريعاً وفق امنياتهم القديمة في الاستقلال على أرض كردستان الكبرى. ولم يفعلوا ذلك، إلا لأن طبقتهم السياسية كانت جاهزة ومتمرسة، ومتخطية لاعتبارات الأيديولوجيا الخاصة، داخل المكون الكردي. فالآيديولوجيات لا تصلح أساساً لقيام الدول. والدولة الآيديولوجية لا تعمر، وهي تسقط حتى لو كانت امبراطورية مدججة بالسلاح، مثلما سقط الاتحاد السوفييتي. أما الملاحظة الثانية، فهي تتعلق بأذى الأصوليات، التي لا تزال تَذبح مشروعات الانعتاق من الدكتاتورية، من الوريد الى الوريد. فهذه تتوخى أدلجة المجتمع، وسرعان ما تجد نفسها في موقع الخصومة معه، لأنها مخصامة سلفاً حتى لنفسها ولشبيهاتها، وعندما تكون الطبقة السياسية في المجتمع ضعيفة وغير مؤثرة؛ تتولى الجيوش، كمؤسسات وطنية تتشكل من مجموع مكونات الشعب، إنقاذ البلاد والدولة من شر التفرد الآيديولوجي. اليوم تضرب الأصوليات الليبية عميقاً في قلب أمنيات الناس التي تحلم بدولة كل المواطنين العادلة والمقتدرة والمهابة. والأصوليات في اليمن، تفعل الشيء نفسه. أما أصولية تونس، فما زالت تحاول إما بالمراوغة أو بالعناد، تخفيف وطأة الموقف الاجتماعي ضد تفردها وسطوتها. وفي العراق، فتكت الأصولية الشيعية بمعنى الدولة الجامعة التي تتساوى في كنفها مكونات المجتمع كله، وأسست لسجال مديد ومرير!
احد أبرز خطايا الدكتاتوريات كلها، وقعت، حين توهمت أنها بشطب السياسة ستمنع انفجار المجتمع، وجاءت المصيبة من النظر لأهل السياسة، المنتقدين بتهذيب شديد، على أنهم محض محرضين إن غابوا لن يقع الانفجار. تجاهلت هذه الدكتاتوريات أو جهلت، أن المواطن الإنسان، تحرضه عذاباته، وهو يرى كيف يلتهم الحاكمون مقدرات المجتمع ويحيلونه الى يائس ومعوز وبلا أفق، وكأن الوطن ليس وطنه. ولعل أبرز ما ينم عنه ضعف الشريحة السياسية في ليبيا مثلاً، عجزها عن جمع كل من يحس بأهمية الدولة، ويتحلى ببعض ثقافتها، لتشكيل عصبية وطنية جامعة، مسلحة بقوة قادرة على إخضاع كل تمظهر عنيف لمكون عشائري أو جهوي أو أصولي.
المستعمرون البريطانيون ذوو الدهاء، في جنوبي اليمن، سمحوا لشريحة سياسية أن تنشأ وأن تتمرس، حتى وإن كانت تطالب بجلائهم، لذلك كان الانتقال لوضعية الدولة سلساً في العام 1967 لكن المنحى الدكتاتوري عاد الى تصحير المجتمع من السياسة، ولما لم يجد الحاكمون من يعارضونهم، فتكوا ببعضهم البعض، فلاذ من تبقى منهم الى الوحدة مع الشمال هروباً الى الأمام المنطقي، ثم اتبع القائمون على دولة الوحدة، منحى عشائرياً إقصائياً، يعاند السياسة وشروط الدولة، لينفجر المجتمع من جديد، ثم تدخل الأصوليات وتبدأ الدوامة.
متطلبات معركة الاستقلال
عادل عبد الرحمن
مرت يوم الجمعة الماضي الذكرى الخامسة والعشرون لاعلان الاستقلال في الجزائر عام 1988، والتي باتت منذ اعوام تسعة خلت تمتزج بذكرى رحيل مؤسس الوطنية المعاصرة، الرئيس الشهيد ياسر عرفات، فتحيل الذكرى إلى دائرة السؤال، لاسيما وان عقدين بطولهما وعرضهما مضيا بعد التوقيع على اتفاقية اوسلو ايلول 1993، ولم تتنسم الارض والشعب العربي الفلسطيني شمس الحرية، وما زال افق التسوية السياسية مغلقا نتاج السياسات الاستعمارية الاسرائيلية، وضعف وتشرذم العامل الوطني، وتماهي العامل العربي الرسمي مع السياسات الاميركية، وغياب الضغط الدولي على إسرائيل.
المشهد الفلسطيني يعيش لحظة رمادية جدا، وهي أقرب للسواد منها للغيوم البيضاء، لأن الحال الوطنية لا تسر صديقا ولا تكيد عدوا، بسبب انغلاق الافق على أكثر من مستوى وصعيد. فعلى الصعيد الوطني بعيدا عن إنقلاب حركة حماس الأسود، أي داخل صفوف فصائل منظمة التحرير، تعاني الساحة من الترهل والغثيان، وتدور القوى في حلقة مفرغة، فلا هي قادرة على الوقوف على قدميها، وبالتالي إعلان مواقفها باستقلالية كاملة دون حسابات صغيرة، ولا هي قادرة فيما بينها ومجتمعة على تشكيل رافعة للمشروع الوطني، ولا هي مؤهلة للعب دور المعارضة الحقيقية لإسناد ذاتها والقيادة الشرعية المنخرطة في المفاوضات.
كما ان الساحة الوطنية في محافظات الشمال، تشهد إتقاد النيران تحت الرماد، رغم النجاحات النسبية، التي حققتها الاجهزة الامنية في حملتي الشمال (جنين) والجنوب ( ضواحي القدس وخاصة الرام) لكنها لم تغير ملامح المشهد البائس. لأن هناك أكثر من لاعب يستهدف تفجير الساحة الداخلية بدءا من الاحتلال وجماعة الانقلاب الحمساوي والمافيات، اضف إلى إنفلات الغلاء في المدن عموما وخاصة رام الله، التي تشهد غلاء مفتعلا، وللاسف المؤسسات المعنية لم تقم بواجبها حتى الآن للجم تلك العوامل السلبية. الأمر الذي يتطلب وضع رؤية إستراتيجية وتكتيكية لضبط إيقاع الشارع وفق المعايير الوطنية.
كل ما تقدم على اهميته، يبقى جزءا محدودا أمام مشهد الانقلاب الحمساوي على الشرعية، الذي مضى عليه سبعة اعوام دون تغيير في حالة التمزق.
في الذكرى تملي الضرورة الوطنية، كي تتقدم عربة الاهداف والمصالح الوطنية للامام، المبادرة إلى عقد سلسلة من اللقاءات وفي مقدمتها عقد الهيئات القيادية لمنظمة التحرير, المجلس المركزي والمجلس الوطني، وقبلها إجتماعات على مستوى الفصائل وخاصة في حركة فتح، لاستنهاض الذات التنظيمية والسياسية في كل فصيل على إنفراد، ومن ثم الاستنهاض العام من خلال إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير، ووأد الانقلاب الحمساوي، الذي شكل، ويشكل الظاهرة الاخطر على مستقبل شعبنا ووحدته الوطنية واهدافه الاستراتيجية والتكتيكية. وتفعيل المقاومة الشعبية في كل الميادين والقرى والمدن، وفي ذات السياق وبالتلازم مع ما ذكر يلزم التصدي لانفلات الغلاء، والفسادة والفوضى، التي يعد لها اعداء الشعب والحركة الوطنية. مطلوب ايضا اعادة قراءة الاتفاقيات جيدا، والتحضير لتغيير شكل التنسيق مع دولة الاحتلال مقرونا بخطاب سياسي وامني يحفظ الكرامة الوطنية، ويلفظ الخطاب المتراخي والمنحني دائما. وعلى الصعيد الدولي رغم أهمية الموقف الاوروبي الذي سينفذ مع مطلع العام المقبل بشأن مقاطعة المستوطنات ومتتجاتها، وعلى اهمية ما اعلنه وزير خارجية اميركا عن الاستيطان ، ورئيسة مجلس الامن القومي الاميركية ، سوزان رايس حول ذات النقطة، إلآ ان الحاجة الوطنية تملي مطالبة العالم ككل وخاصة اقطاب الرباعية وبالتحديد أميركا، الارتقاء بمواقفهم من الاستيطان الاستعماري والعمل الجدي لالزام دولة التطهير الاسرائيلية باستحقاقات التسوية السياسية كاملة غير منقوصة. وان لم تفعل حتى نهاية الفترة المتبقية من المفاوضات، تضع القيادة سيناريوهاتها، التي تبدأ بالانضمام الى المنظمات الاممية كلها، ولا تنتهي عند ذلك، بل تفتح الافق على وسعه على سيناريوهات اعمق تاثيرا في محاكاة الاستقلال الوطني.
اميركا والنووي العربي!
بكر أبو بكر
يكثر الحديث عن انسحاب تدريجي للولايات المتحدة الاميركية من المنطقة استناداً للتركيز الاميركي على آسيا، واستناداً لمجموعة من المواقف الدالة التي رسمت خطاً جديداً حيث خروج القوات الاميركية من المنطقة، والابتعاد عن عقيدة الصراع الحتمي للمحافظين الجدد كما يقول جيمس زعبي، وفي محاولة لانتهاج سياسة الوسطية في التعامل مع الصراعات، أو ترك المنطقة لصراعاتها المشتعلة، وربما تسليمها للأخوان المسلمين في أكثر من بلد فيما أثير عن اتفاقيات معهم خاصة في مصر لتصبح المنطقة في مواجهات داخلية تعفى اميركا من التدخل المباشر.
إن النظر للقوة الاميركية أنها آفلة تؤيدها مؤشرات ومجموعة من النظريات، وفي مقابلها من يؤكد أنها تعيد ترتيب أولويتها وما زالت تمسك بإدارة العالم فلا يجوز الظن أن امكانية شطبها من أي معادلة جائز.
لنعرض ثلاثة مواقف اميركية الأول التقارب الاميركي من إيران فرغم الاختلافات في البيت الاميركي إلا أن لغة الحوار أصبحت الغالبة ما أربك المنطقة العربية ودعا السعودية لإعادة ترتيب أوراقها في ظل ما تعتبره التخاذل الاميركي في مسألة فلسطين وسوريا والنووي الايراني الى الدرجة التي أصبحت فيها تهدد بشراء قنبلة نووية من باكستان كما أشار عبد الرحمن الراشد لغاية إحداث التوازن النووي مع ايران.
والموقف الثاني هو سعي مصر الى كسر الاحتكار الاميركي للسلاح من خلال تجديد العلاقات مع روسيا فيما يتعلق بهذا الشأن، خاصة والموقف الاميركي الداعم «للإخوان» والحَذِر بالشأن المصري بعد ثورة 30 يونيو.
أما الثالث فهو الموقف الاميركي من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الذي يبدو قليل القدرة من حيث الضغط على الجانب الاسرائيلي بل والفلسطيني معاً المتهم من رافضي المفاوضات دوماً بأنه الاكثر قبولاً للضغوط.
إن القلق الاميركي كما يسميه د.شملان العيسى في القضايا الثلاث تؤكد لنا أن المجال الحيوي للحراك الاميركي مازال يضع هذه المنطقة ضمن أولوياته، وإن تضاءل الى الدرجة الثانية ربما في ظل التركيز على الوضع الداخلي والقدرات النفطية الاميركية المتزايدة، وفي ظل التصدي للمارد الصيني الصاعد مع مجموعة من الدول ذات الاقتصادات المتحدية. إن ضعف المحور العربي الذي تشكل الأمة فيه القنبلة النووية بقدراتها يعني تمدد الأحلاف الإقليمية من إيران وتركيا و(لإسرائيل)، ويعني بقاء أمتنا عند حدود القرن الهجري الأول دون تقدم.
ان مستوى التأثير الاميركي في الأحداث ربما ضعف أو تدهور مالا يعني بظني أن الولايات المتحدة قد نفضت يديها من المنطقة أبداً، وإنما هي في مرحلة اعادة ترتيب للأوراق وتحديد للأساليب الأنجع للتعامل في ظل رغبة بالابتعاد -ولو المؤقت- عن استخدام القوة المباشرة، وإشغال المنطقة في صراعاتها الداخلية التي تمكنها من اعادة بناء مفهوم السيطرة والهيمنة بشكل جديد.
لعبة التعقيد الاسرائيلية
يحيى رباح
اهلا بالرئيس الفرنسي هولاند في زيارته لفلسطين، وهي زيارة مهمة جدا في سياق محاولات انقاذ المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية من الفشل بسبب المماطلات والتعقيدات والعراقيل والاكاذيب الاسرائيلية التي تتشبث بها حكومة نتنياهو.
ونذكر في هذا السياق ان الزيارة الاخيرة لوزير الخارجيية الاميركي جون كيري الى فلسطين، والتي التقى فيها مع الرئيس ابو مازن في بيت لحم، كانت تصب في الجهد نفسه، اي محاولة انقاذ المفاوضات التي دخلت في النصف الثاني من شهرها الرابع دون اي قدر من التقدم، مع ان هذه المفاوضات الحالية عمرها المتفق عليه هو تسعة اشهر فقط، وهكذا نجح نتنياهو وائتلافه المعادي للسلام والمعادي للمفاوضات والمعادي لحل الدولتين في حرق نصف المدة المقررة للمفاوضات دون جدوى.
طيلة الاربع شهور والنصف الماضية كان المفاوضون الاسرائليون يتمترسون عند موضوع الامن الاسرائيلي وضرووراته فقط، ويرفضون الزحزحة ولو قليلا عن هذه النقطة، والمشكلة الاكبر ان هذا التعنت الاسرائيلي كان يغطي نفسه بسلسلة من الاكاذيب المكشوفة، فقد ادعى الجانب الاسرائيلي ان مواصلة الاستيطان كانت مقابل الافراج عن مئة واربعة من الاسرى القدامى ما قبل اوسلو، وهذا امر غير صحيح بالمرة!! كما ادعى نتنياهو ان اي تنازل موضوعي تقدمه اسرائيل لنجاح المفاوضات سوف يؤدي الى انهيار ائتلافه الحكومي.
وما هي مسئوليتنا عن ذلك؟؟؟
ولماذا اختار نتنياهو مثل هذا الائتلاف اصلا؟وهل ائتلاف نتنياهو اهم من المفاوضات واهم من السلام؟
وتتواصل اكاذيب حكومة نتنياهو الى ما هو ابعد من ذلك، حين تدعي ان قرارها بعدم التخلي عن منطقة الاغوار راجع الى ضرورات امنية في مواجهة العدوان الايراني المزعوم –يا للسخافة – وكان بضع مئات من الامتار في عمق الاراضي الفلسطينية سوف يوقف الصواريخ الايرانية التي يبلغ مداها ثلاثة الاف كيلو متر !!! مع ان العالم كله يعرف ان هذه الارض الفلسطينية التي يتشبث نتنياهو باحتلالها هي مكان لاستثمارات صناعية وزراعية وسياحية تدر على الخزينة الاسرائيلية قرابة المليار دولار في السنة.
بل ان الضجة التي يثيرها نتنياهو صباح مساء عن مخاوفه من اتفاق يجري بين ايران والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وكان هذا هو الخطر الاكبر، بينما يتجلهل نتنياهو الى حد العناد ضرورات الشعب الفلسطيني واقامة الدولة الفلسطينية على الحدود التي اقرتها قرارات الشرعية الدولية.
القيادة الفلسطينية، كانت تعرف من البداية، ولديها تقدير موقف، ان نتنياهو ذهب الى المفاوضات دون ادنى قناعة، مجرد اتقاء للحرج من حلفائه الذين يقدمون له كل الضمانات الامنية وكل ذرورات الحياة، وانه ذهب الى المفاوضات بهدف افشالها، واحراق الوقت دون جدوى، وان يحمل القيادة الفلسطينية اللوم على هذا الفشل كما جرت العادة، وكان هم القيادة الفلسطينية ان يعرف العالم كله هذه الحقيقة، وهكذا اصبح التكتيك الاسرائلي مكشوفا في الفترة الاخيرة بسبب الانقلاب في نمط العلاقات الدولية الذي يتطور بسرعة هذه الايام، ولكن اسرائيل تعودت ان لا ترى سوى نفسها، وكانت الضحية لهذا الانغلاق الاسرائيلي هي المفاوضات التي يريد لها العالم ان تنجح باستثناء نتنياهو وائتلافه الذي اختاره من المتطرفين وقطعان المستوطنين.
هل تنجح اسرائيل في اكاذيبها وتعقيداتها؟؟؟اعتقد ان مجمل المصالح الدولية وخاصة بالنسبة للدول المؤثرة والصديقة تاريخيا لاسرائيل تصب في اتجاهات لا تتفق وهذه العربدة الاسرائيلية، ومزيد من المتابعة ورؤية الحقائق عن كثب فان كل هذه التعقيدات الاسرائيلية قد تنقلب ذدها، فمن الصعب ان يقبل العالم ان تظل اسرائيل ذد التاريخ، وضد القانون الدولي والانساني، وفوق مصالح العالم كله.