المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقالات في الصحف المحلية 216



Haneen
2014-02-13, 12:22 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (216)





</tbody>

<tbody>

الاربعاء
18/ 12 /2013



</tbody>

<tbody>


</tbody>

إنها مسؤولية العرب قبل كونها مسؤولية أميركا
بقلم: حديث القدس – القدس
نتنياهو والعزلة المزدوجة..
بقلم: خيري منصور – القدس
المثالية استراتيجية لبناء أمة
بقلم: غسان العزي – القدس
مانديلا: الدروس والعبر
بقلم: فايز رشيد – القدس
حاجـــز قلنــــديا...طريــــق العقــاب والعـــــذاب اليومي
بقلم: نبيل حمودة – القدس


رائحة انتصار في النقب!
بقلم: حسن البطل – الايام
رســــالة إلى الرئيـــــــس
بقلم: هاني المصري – الايام
علموا غزة الصيد!
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
شهادات .. من داخل العاصفة الثلجية
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
أطفال بلا أبواب
بقلم: زياد خدّاش – الايام



تغريدة الصباح - الغرق بالأزرق
بقلم: حنان باكير – الحياة
ما اصعب ان تكون فلسطينيا
(لذكرى القائد الوطني يونس الكتري)
بقلم: يحيى رباح – الحياة
الـيــكــسـا
بقلم: بهاء رحال – الحياة
الزهار يكذب مع "الوطن"
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
تشابك الأزمة السورية، في ظلّ غياب الحكمة السياسية
بقلم: د. أحمد حلواني – الحياة
تحديث الحداثة (2)
بقلم: هاني فحص – الحياة











إنها مسؤولية العرب قبل كونها مسؤولية أميركا
بقلم: حديث القدس – القدس
ربما تكون تصريحات الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية السابق ذات معنى أو مغزى عندما طالب الولايات المتحدة ببذل جهود أكبر من أجل فرض التسوية على الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني، لكن هناك تحفظا بالطبع في ما يتعلق بفرضها على الجانب الفلسطيني. فكما يعلم الأمير فإن الفلسطينيين كانوا، وما يزالون، في منتهى المرونة والتجاوب مع كل الطروحات الدولية والمبادرات العربية لتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة. ومن هنا فإن عملية الفرض، إن جاز التعبير، يجب أن تتركز على الجانب الاسرائيلي الذي يماطل ويرفض عمليا أي تقدم في طريق تحقيق التسوية العادلة للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي.
وبخصوص المبادرة السعودية التي تحولت في قمة بيروت العربية عام ٢٠٠٢ إلى مبادرة عربية صادق عليها مجلس الأمن الدولي في نطاق تبنيه لحل الدولتين، فإن الفلسطينيين رحبوا بهذه المبادرة وتجسد هذا الترحيب في البيانات الصادرة عن الجامعة العربية. وأوفدت الجامعة عدة وفود إلى مختلف دول العالم لحشد الدعم والمساندة لحل الدولتين. لكن العقبة الوحيدة أمام تنفيذ البمادرة العربية وتطبيق حل الدولتين كانت، وما تزال، اسرائيل التي تتشبث بالاحتلال وترسخه من خلال تكثيف نشاطاتها الاستيطانية في الضفة الغربية.
وليس من شك في أن الولايات المتحدة لها دورها وتأثيرها على السياسة الاسرائيلية. لكن هذا الدور وذلك التأثير مقيدان بضغوط اللوبي اليهودي الأميركي، القادر على تحريك سياسة الولايات المتحدة الخارجية في اتجاه المصالح الاسرائيلية وعلى هوى مخططات رئيس الوزراء الاسرائيلي الاستيطانية. وهذا ما ثبت بالفعل أمام العالم كله عندما رفضت حكومة نتنياهو المطالب الأميركية المتعلقة بتجميد الاستيطان، ولو لثلاثة شهور مقابل ثمن كبير عرضته واشنطن، وتمثل في دعم اقتصادي وعسكري هائل لاسرائيل فيما لو وافقت على تجميد الاستيطان لتلك الفترة القصيرة.
الدور الأميركي هام، ولا يجادل أحد في تلك الحقيقة. غير أن الدور العربي هام أيضا، بل هو أهم من الدور الأميركي. ولدى الأشقاء العرب الكثير من الأوراق التي يمكن أن يضغطوا بها ليس على الولايات المتحدة فقط، بل على الأسرة الدولية كلها. وورقة النفط هي أهم تلك الأوراق. والفلسطينيون لا يطلبون استخدام تلك الورقة الاستراتيجية في الوقت الحاضر، لأنهم يدركون الظروف العربية الراهنة والتبعات المترتبة حتى على التلويح بتلك الورقة.
وما يطمح إليه الفسطينيون هو وحدة المواقف العربية تجاه القضية الفلسطينية. ومن شأن تلك الوحدة لو عبرت عن نفسها بقوة، وانعكست في مواقف سياسية ضاغطة، أن تحدث تأثيرا لا يمكن إغفاله في المواقف الدولية، بما في ذلك قطعا المواقف الأميركية.
والسؤال هو :حتى متى نطلب من الدول الأجنبية أن تبادر لحل قضايانا العربية، في الوقت الذي يمتلك فيه العرب قدرات هائلة ونفوذا دوليا كبيرا وقادرا على فرض الحل العادل للقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا.
المفتقد هو الإرادة وحشد الطاقات السياسية، على الأقل، لخدمة هذه القضية المقدسة التي يقول الأشقاء إنها قضيتهم المركزية الأولى. لكن رفع شعار القضية الأولى والمركزية دون أن تواكبه أفعال تجعله حقيقة واقعة مظهر مؤلم للضعف العربي المتواصل، الذي لا مبرر له في ضوء الإمكانات العربية، وتطلعات شعوب هذه الأمة وآمالها الكبرى.




نتنياهو والعزلة المزدوجة..
بقلم: خيري منصور – القدس
تمددت عزلة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو من الخارج إلى الداخل، وما نشر من تعليقات في الصحف العبرية عن بؤس "بيبي" وهو الاسم المتداول لنتنياهو في الشارع، يجزم بأن هناك مناخاً مشبعاً باليأس داخل إسرائيل بسبب المواقف الراديكالية التي يتخذها نتنياهو، كأن التاريخ توقف عند تلك السطور التي قدم بها لكتابة "مكان تحت الشمس" . وأسوأ ما يصاب به قائد سياسي هو انغلاقه على جملة من الآراء، وهذا من نتائج ما يسمى العمى الإيديولوجي، أو التشرنق فيما يسمى سايكولوجيا الاعتقاد الخاطئ، وهذا النمط من البشر يصم أذنيه عن كل الأصوات باستثناء صدى صوته ويعصب عينيه عن كل ما لا يروق له أن يراه .
وإذا كانت عزلة نتنياهو دولياً لم تدفعه إلى مراجعة مواقفه، لأنه يفسرها على هواه، فإن ما بدأ يحاصره داخل إسرائيل لا يمكنه أن يشيح عنه، لأن من يرونه بائساً ومراوحاً في مكانه بينهم ناخبون لولاهم لما تبوأ مكانته رئيساً للوزراء .
بعض الكتّاب ممن يرون في نتنياهو نموذجاً للإخفاق يقولون بما يشبه النذير أن هذا الرجل سيورط أحفادهم من اليهود، وإن كلمة المستقبل التي يكررها بإلحاح درامي ليست سوى كمين بانتظار من فوتوا الفرصة لكي يعيشوا آمنين، ومنهم أيضاً من يقول ساخراً إن شغف "بيبي" بالتصفيق هو السبب في مواقفه السياسية، وإن لديه هاجساً ريادياً بأن يكون رائد الحقبة الثانية من الصهيونية، تماماً كما قيل عن اسحق شامير بأنه حلم بأن يكون ملك إسرائيل في تاريخها الحديث .
وحين تحدث رئيس الشاباك السابق "ديسكن" في مؤتمر عقد بمناسبة مرور عشر سنوات على مبادرة جنيف، قال بوضوح إن كل الحيثيات والقرائن المصاحبة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين تدعو إلى التشاؤم، وألحّ على أن قيادة نتنياهو هي من صميم هذا الدافع للتشاؤم، لكنه أراد أن يخفف العبء عن "بيبي" فأضاف قائلاً: "إن الطرف الآخر وهو السلطة الفلسطينية يعاني الداء ذاته"، وهذه عبارة ملغومة تعيدنا إلى المقولة العبرية المتكررة من عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام، لكن جديد "ديسكن" هو غياب الشريكين معاً .
ولم يسبق أن أطلقت صفة البائس على زعيم اسرائيلي كما تطلق الآن على نتنياهو، والمقصود بالبؤس ليس دلالاته التقليدية بل هو مصطلح يستخدم في سياق مماثل مما استخدم فيه مصطلح بؤس الفلسفة أثناء السجال الذي دار بين الماركسيين وخصومهم .
والمفارقة هي أن هناك من يوحي للفلسطينيين بأن هذه المفاوضات هي فرصتهم الأخيرة، رغم أن العديد من الكتّاب اليهود يرون العكس ويعتقدون أنها الفرصة النموذجية إن لم تكن الأخيرة بالنسبة إليهم .
ولأن توقعات مراكز الأبحاث في اسرائيل تنذر بأن اليأس الفلسطيني من تحقيق سلام عادل سيتيح خيارات أخرى، فالإفراط في الحصار والتجويع، وبسلام يأتي ولا يأتي على طريقة بيكيت في مسرحيته الشهيرة "بانتظار غودو"، لن ينتج أخيراً غير الانقضاض على الأمر الواقع، سواء كان ذلك انتفاضة ثالثة أو أي حراك مزعج للاحتلال، لهذا يقول الكاتب عوزي برعام في "هآرتس" "ينتظرنا نشوب ربيع عربي مجاله هذه المرة هو الاحتلال" .

المثالية استراتيجية لبناء أمة
بقلم: غسان العزي – القدس
لم يكن نيلسون مانديلا نبياً أو قديساً كما وصفه بعض محبيه . لم يكن حتى مناضلاً لاعنفياً، كما كان المهاتما غاندي، فقد حمل مانديلا السلاح بعد أن تدرب عليه في الجزائر وإثيوبيا . كان حريصاً على الدوام على نزع صفات القداسة عن نفسه، وما انفك يطلب أن تُقرأ سيرته بطريقة نقدية بما فيها من أخطاء وهفوات .
ولم تكن أهميته فقط في أنه "جسّد انتصار الروح الإنسانية" كما قال عنه بيل كلينتون، أو أنه أهدى حياته للكفاح من أجل مجتمع ديمقراطي يتساوى فيه البيض والسود أمام القانون، وبأنه كان حاضراً للموت من أجل هذا الهدف، وليس لأنه رفض عروضاً كثيرة بالخروج المشروط من السجن قائلاً لسجانيه إنه لا يساوم على الحرية، وليس لأنه وضع العشرة آلاف يوم التي قضاها في السجن خلفه والباقي من حياته في تصرف شعبه "ليس كنبي بل كخادم متواضع" كما قال للجماهير المحتشدة غداة خروجه من السجن .
وبعد حيازته جائزة نوبل للسلام مع الرئيس لوكليرك العام 1993 ثم بعد انتخابه رئيساً في العام التالي، أقسم أن "هذا البلد الجميل لن يعيش بعد اليوم اضطهاد البعض للبعض الآخر وأن الحرية هي التي ستسود فيه" .
أهمية مانديلا، إلى جانب كل ذلك، أنه قدم جديداً إلى علم السياسة، هو كيفية التوفيق ما بين المثالية والبراغماتية، بعيداً عن الأيديولوجيا، في استراتيجية عقلانية تمزج الأخلاق بالسياسة (على عكس ما قال به مكيافيللي) بهدف بناء أمة متصالحة مع نفسها ومع العالم، تحب نفسها ويحبها العالم . فلم يكن من السهل أن يحقق الوعود الطوباوية التي أقسم على تحقيقها في بلد الأبارتهايد الذي ارتكب بحق السود حزب المؤتمر
الوطني المجازر والاغتيالات والاعتقالات وكل أنواع القهر والاستبداد .
لقد خرج من سبعة وعشرين عاماً من الحبس الانفرادي والأشغال الشاقة، التي تركت آثارها في عينيه ورئتيه، ليس ليقف في وجه البيض الذين اضطهدوه بل في وجه أبناء جلدته المتعطشين للانتقام من البيض . لقد شكّل التسامح، بالنسبة إليه، ليس مجرد فعل أخلاقي، بل استراتيجية حقيقية أفضت إلى بناء "أمة قوس قزح"، كما قال ديزموند توتو الحائز جائزة نوبل للسلام، بسبب مناهضته للفصل العنصري . وكان تطبيق هذه الاستراتيجية ربما أصعب من الأشغال الشاقة في سجنه في جزيرة روبن آيلند .
كان يمكن لمانديلا، الذي انتخب رئيساً للجمهورية في العام ،1994 أن يجدد لنفسه لولاية أخرى ثم ثالثة ورابعة ومدى الحياة . وما كان لأحد أن يعترض على ذلك، بل على العكس لكان لاقى تأييداً عالمياً ومحلياً على السواء . لكنه أبى فاكتفى بولاية واحدة لينصرف عن السياسة منذ العام 1991 . وكان يمكن له أن يمارس سياسة تنحاز إلى أبناء جلدته من السود أو أنصار حزب المؤتمر تعويضاً عن الحرمان الطويل الذي عانوه، لكنه رفع شعار "التسامح من أجل السلام" و"العفو من دون النسيان"، وأنشأ "لجنة الحقيقة والمصالحة" التي منحت العفو لمرتكبي الجرائم السياسية خلال حقبة الأبارتهايد الذين يعترفون بجرائمهم ويعدون بفتح صفحة جديدة، الأمر الذي ألّب عليه كثيرين من رفاقه في حزب المؤتمر . وكان عليه أن يقف في وجههم بالحزم طوراً وبالإقناع تارةً، مبرهناً من جديد على براعة في مجال الاتصال والحوار والإقناع . وكان برع في هذا المجال من خلال التفاوض مع النظام بين عامي 1990 تاريخ خروجه من السجن و1994 تاريخ انتخابه رئيساً . لم يتوقع أحد وقتها أن تنجو بلاده من حرب أهلية ومجازر وعمليات انتقام، وأن تحدث فيها انتخابات نزيهة يفوز فيها حزبه بنحو 62 في المئة من الأصوات .
خارج بلاده أيّد مانديلا حركات التحرر، من الجزائر التي تدرب فيها في بدايات شبابه إلى فلسطين التي شبّه الاحتلال الإسرائيلي لها بنظام الأبارتهايد، وقال يوماً "إن حريتنا تبقى منقوصة من دون الحرية للفلسطينيين" .
وفي 13 تموز 2011 وجّه مانديلا رسالة-وصية إلى "ثوار العرب" يشرح لهم فيها أن المعضلة التي واجهته بعد خروجه من السجن كانت في كيفية التعامل مع إرث الظلم لإقامة نظام عادل، وكيف أن إقامة العدل أصعب بكثير من هدم الظلم، ناصحاً إياهم بعدم التشفي وإقصاء رجال النظام السابق الذين يمسكون بمعظم المؤسسات الاقتصادية التي قد يشكل استهدافها أو غيابها كارثة اقتصادية،
مذكّراً بأن أتباع النظام السابق هم في النهاية مواطنون ينتمون إلى هذه البلاد واحتواؤهم ومسامحتهم أكبر هدية للبلاد .
سال حبر كثير في مديح الرجل، وسوف يسيل المزيد في تعداد أوصافه وتحليل سيرته، لكن جانباً أساسياً ينبغي التركيز عليه هو ذلك المتعلق برجل الدولة الذي عاف الأيديولوجيا وتمسك بالأخلاق في ممارسة سياسة براغماتية جعلت من المثاليات استراتيجية توخت بناء أمة . وإذا كان غاندي ابتدع مفهوم اللاعنف فسيكتب التاريخ أن مانديلا اخترع مفهوم اللاانتقام في مقاومة الظلم والاضطهاد .

مانديلا: الدروس والعبر
بقلم: فايز رشيد – القدس
شيعت جنوب إفريقيا وكل محبي الحرية في العالم، بحزن بالغ الزعيم والمناضل الكبير نلسون مانديلا، الرمز الكبير في النضال ضد العنصرية والتمييز العنصري مانديلا الذي سجنه نظام الفصل العنصري 27 عاماً قضاها في الزنازين والأشغال الشاقة . هذا المناضل لم يكن تأثيره محدوداً ببلده وقارته: إفريقيا بل امتد تأثيره إلى كافة حركات التحرر الوطني في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية . امتدّ تأثيره إلى منطقتنا العربية، فكان من أكبر مؤيدي القضايا الوطنية العربية، وكان من أكثر المدافعين عن أهداف وحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، فهو القائل: "بأن حريتنا في جنوب إفريقيا ستظل منقوصة طالما لم يتحرر الشعب الفلسطيني" .
تجربة مانديلا وحزبه "المؤتمر الوطني الإفريقي" في النضال ضد الأبارتهايد تستحق أن تحتذى من كافة حركات التحرر الوطني وبالأخص ساحتنا الفلسطينية وقضية شعبنا العادلة ضد اسرائيل. هذه التجربة تشي بدروس كبيرة وكثيرة، لعل أبرزها:

* أولاً: الصلابة النضالية والكفاحية لتحقيق الأهداف الوطنية للنضال والكفاح الشعبي التحرري . يقول مانديلا في الكتاب الصادر عنه بعنوان "رحلتي الطويلة من أجل الحرية" والذي هو عبارة عن مذكراته: بأن النظام العنصري عرض عليه أثناء فترة سجنه: إطلاق سراحه ورفاقه من السجن مقابل قبولهم بحكم ذاتي للسود في جنوب إفريقيا . رفض مانديلا العرض وأفهم ممثلي النظام بأن حزبه لا يقبل بالحلول الوسط، وأنه ورفاقه سيستمرون في النضال من أجل حرية شعبهم الكاملة . لقد فضّل البقاء في السجن على المساومة على حقوق شعبه الوطنية وعلى حريته .

ثانياً: المواءمة والمزاوجة بين المقاومة وعلى رأسها الكفاح المسلح وبين النضال السياسي . لقد رفض مانديلا بعد إطلاق سراحه، وأثناء زيارته للولايات المتحدة، وقف الكفاح المسلح في جنوب إفريقيا الذي يخوضه المؤتمر الوطني الإفريقي وكافة الأحزاب والجهات المؤتلفة معه، ضد النظام العنصري، عندما طالبه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بذلك، في المؤتمر الصحفي بين الطرفين في حديقة البيت الأبيض (لم يكن مانديلا رئيساً عندها . كان هذا قبل إبرام اتفاق مع نظام الفصل العنصري) لقد أجاب مانديلا يومها: "سنظل نقاتل حتى تحقيق انتصار شعبنا واعتراف النظام العنصري بحقوق شعبنا الوطنية: في الحرية والاستقلال والمساواة" .

ثالثاً: الانسجام التام بين الاستراتيجية النضالية كهدف أخير وبين التكتيك السياسي الممارس . لقد حازت السياسات التي انتهجها الحزب بقيادة مانديلا التعاطف الكبير من شعوب العالم أجمع، وكذلك من الدول المؤيدة للحرية وللنضال التحرري لشعب جنوب إفريقيا من السود . كان لهذا التعاطف أكبر الأثر في عمل العديد من المنظمات والهيئات الدولية لتشديد الحصار والمقاطعة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا .

كانت لهذه المساندة تداعيات أيضاً، أبرزها: أن شعوب الدول الاستعمارية التي امتلكت علاقات مع العنصريين في جنوب إفريقيا، ضغطت على حكومات بلدانها، من أجل مقاطعة نظام الفصل العنصري، تماماً مثلما حدث مع الثورة الفيتنامية قبل اضطرار الولايات المتحدة للانسحاب مهزومة من فيتنام .

* رابعاً: التجربة الوطنية الجنوب إفريقية في حشد كل القوى الوطنية الاخرى، في معركة النضال التحرري للشعب أو ما يسمى "بالجبهة الوطنية العريضة" . لقد قاتلت العديد من الأحزاب الجنوب إفريقية تحت راية المؤتمر الوطني الإفريقي، بما في ذلك: الحزب الشيوعي . لم يضع مانديلا فيتو على أي حزب يؤمن بأهدافه النضالية . كان ذلك إلى الحد الذي جرى اتهام مانديلا من قبل جهات معادية كثيرة، بالانتماء إلى الحزب الشيوعي . من جهته نفى مانديلا الاتهامات لكنه كان يستطرد بأن حزبه يعمل جنباً إلى جنب مع الحزب الشيوعي، وبعد التحرر سيقرر الشعب ما ومن يريدهم حكاماً له .

* خامساً: بعد الانتصار أجريت انتخابات كانت غاية في النزاهة والشفافية باعتراف كل المراقبين الدوليين، الذين أشرفوا على العملية الانتخابية . شارك فيها السكان البيض (ومنهم الذين اضطهدوا السكان السود تاريخياً ولسنوات طويلة . لم يتعامل مانديلا أو حزبه بقانون رد الفعل مع البيض، وهو ما أذهل العالم آنذاك! من ناحية ثانية: تسلم مانديلا الحكم لولاية واحدة . لم يقبل بكل طلبات التجديد له . آثر الانسحاب من العمل السياسي العام، وترك الراية للآخرين . كان عظيماً في ذلك، وبالفعل تجربته جديرة بالاحتذاء بها.
على صعيد آخر، بعض الدول الغربية واسرائيل كانت حريصة على إظهار حزنها الشديد على وفاة مانديلا! للأسف فإن هذه الدول امتلكت أفضل العلاقات مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا . كانت لها علاقات متميزة مع النظام العنصري، وكانت تمده بالأسلحة ومنها تلك التي كانت تستعمل كوسائل تعذيب للجنوب إفريقيين من السود . هذه الدول في أحيان كثيرة وقفت ضد مقاطعة النظام العنصري واليوم تبكي على مانديلا! إن في ذلك نفاقاً ورياء .
لم يتم رفع اسم مانديلا من قائمة الإرهاب إلا في عام 2004 . أما اسرائيل فحدث ولا حرج فقد امتلكت أقوى الوشائج مع النظام العنصري: علاقات اقتصادية وتجارية (وبخاصة على صعيد تجارة الماس المشتركة بين الدولتين)، وامتلكت إسرائيل علاقات سياسية متطورة مع النظام العنصري، كانت إفريقيا الجنوبية حينها الحليف الأكبر له . امدّته باليورانيوم، وأسهمت في تعليمه وطرق تخصيبه . وللجانبين أبحاث مشتركة في الصواريخ البعيدة المدى وبخاصة تلك الحاملة للرؤوس النووية . وافقت جنوب إفريقيا العنصرية على تجربة إسرائيل للصواريخ في صحرائها .
لقد تذرّع نتنياهو بعدم المشاركة مباشرة في جنازة مانديلا بسبب التكلفة المالية الباهظة! أما الرئيس الاسرائيلي بيريس فتذرّع بالأسباب الصحية!. لقد كشفت الصحف الاسرائيلية حقيقة سبب عدم مشاركة المسؤولين الإسرائيليين الاثنين "بسبب عدم رغبة المسؤولين الجنوب إفريقيين بمشاركتهما"، لذلك جرت المشاركة الاسرائيلية في التشييع عن طريق رئيس الكنيست، وكان ذلك في آخر لحظة .
يبقى القول إن مظاهر الحزن التي جرى التعبير عنها في جنوب إفريقيا، وفي دول عديدة في العالم، ومشاركة مسؤولين من تسعين دولة، بينهم رؤساء دول هي تعبير حقيقي عن تقدير العالم لهذا الزعيم .


حاجـــز قلنــــديا...طريــــق العقــاب والعـــــذاب اليومي
بقلم: نبيل حمودة – القدس
الحياة اليومية للمقدسيين في القدس شاقة وقاسية وليست رغدة وسهلة كما يتصورها ويتوقعها البعض ؟ ، فتكاليف المعيشة عالية ، والأوضاع الاقتصادية صعبة ، وشراء المواد والسلع الاساسية ليست بمقدور ومتناول يد الجميع لارتفاع اسعارها ، لضآلة دخل المقدسيين ، وعدم توفر فرص العمل ، وزيادة البطالة ، هذا عدا ضائقة السكن ، وغلاء ايجارات البيوت والمحال لقلتها ، وإرتفاع تكاليف البناء ورسوم ترخيصها ، ناهيك عن ارتفاع فواتير إستهلاك الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء وأسعار المحروقات والغاز والمواصلات ... الخ ، الى جانب الرسوم والضرائب والمخالفات المضاعفة التي يفرضها الاحتلال عليهم ، فالمقدسيون يعانون في توفير المأكل والمسكن المناسبين ، اللذين يشكلان العنصرين الأساسيين للحياة الكريمة في اي بلد ومدينة .
هذا الوضع دفع العديد من العائلات التي تعيش بالقدس إلى إخراج ابنائهم من المدارس ، وتشغيلهم صغاراً في أعمال خدمية دون إكمال تعليمهم بالمحلات والفنادق والمطاعم والمقاهي الاسرائيلية والاحتكاك بنمط حياة جديدة تختلف عن نمط حياتهم وأعرافهم وتقاليدهم ، ولقد قام العديد من التجار ورجال الاعمال وكذلك العديد من المؤسسات والمنظمات بنقل مقار اعمالهم ومحالهم التجارية خارج المدينة تهرباً من المضايقات المستمرة والملاحقات الضريبية الاسرائيلية الباهظة ، وعدم القدرة على منافسة الاسعار والمنتوجات الاسرائيلية داخل المدينة ، خصوصاً بعد بناء الجدار العنصري ، وحصار وفصل القدس عن امتدادها الفلسطيني . مما دفع العديد من المقدسيين للعمل خارج مدينة القدس في محافظة رام الله والبيرة في الوزارات والمؤسسات والشركات برواتب متدنية اذا ما قورنت بمستوى المعيشة بالقدس ، وقيام العديد من المقدسيين للتسوق بالمحافظة لانخفاض الاسعار فيها عن الاسعار بالقدس . وحيث أن منطقتي كفر عقب وسميراميس جزء من القدس ، ونظراً لتوفر المساكن فيها ، وانخفاض الأجرة وأسعار شراء الشقق في هذه المناطق ، جعل آلاف المقدسيين يسكنون فيهما للمحافظة على هويتهم ، ولبقاء ارتباطهم مع اهلهم داخل الجدار ، مما يجعل التنقل والتحرك والمرور من خلال حاجز ذات حاجة وضرورة ماسة تزيد من كثافة حركة التنقل عبر الحاجز .
من مجموع ما سبق وغيره ، تبدأ رحلة العقاب والعذاب اليومية التي يعاني منها المقدسيون العاملون في محافظة رام الله والبيرة وما بعدها ، وأبناء الضفة العاملين في مدينة القدس بتصاريح مرور ، وكذلك المقدسيين القاطنين في الضواحي الشمالية حملة الهوية الزرقاء الذين يزيد عددهم عن عشرة آلاف شخص ، مما يجعل حركة التنقل عبر المعبر تصل لعشرات الالاف يومياً ، ورغم ان المسافة بين القدس ورام الله لا تتعدى 20 كيلومترا ، إلا ان الوقت الذي يستغرقه الشخص احيانا لقطع المسافة بينهما ساعة او ساعتين في الذهاب ومثلهما في الاياب ، وهي مدة تزيد عن مدة السفر من القدس الى دمشق او حتى بيروت لو كانت الطريق سالكه ، ففي هذا الحاجز نضييع الساعات بلا فائدة او طائل ، بل نضيع ما لا نستطيع استرداده.
إن حاجز قلنديا " كما يسمونه " يقع على الطريق بين القدس ومحافظة رام الله والبيرة ، وهو الحاجز الوحيد الاقرب بينهما ، الذي يربط أيضاً شمال الضفة مع القدس وبالعكس ، وهو طريق مزدحم بكثرة العابرين من المشاة ، وأيضاً بوسائل النقل المتعددة كالشاحنات والمركبات الثقيلة ، وباصات الركاب وطلاب المدارس ، وسيارات الاسعاف والأجرة والسيارات الخصوصية والدراجات النارية ، تحيطه شوارع ضيقة غير عريضة تتلاقى في دواوير صغيرة ، بدون اشارات مرورية ، او شرطة مرور ، مما يؤدي الى حدوث اختناقات مرورية تزداد ازدحاماً وإزعاجاً عند قيام حراس المعبر بالتضييق على الناس ، وعدم تسهيل مرورهم ، خصوصاً في مناسبات أعيادهم ، او استبدال نوبات الحراس بالمعبر ، أو استخدام مسلك واحد فقط من مسالك أخرى مخصصة لهذا الغرض ، او حدوث بعض المناوشات الامر الذي يؤدي الى تباطؤ تفتيش العاملين في الحاجز او حتى إغلاقه عقاباً للمارة ممن ليس لهم علاقة بالأمر ، فيؤدي الى تكدس السيارات في طوابير طويلة تزيد عن كيلو متر ، ما يفاقم من التزاحم والفوضى والتسابق والنرفزة والانزعاج والإرهاق والنزاع والشقاق وضياع الوقت وتعطل مصالح الناس والعباد ، والتأخر في الوصول حسب مواعيد العمل المحددة والاجتماعات المقررة .
ومما يزيد الطين بله في هذا الحاجز الذي يغم الصدر ويزعج النفس والبال ، حركة انتقال مرور المشاه المضطرين للانتقال سيراً على الاقدام في الحاجز الذي يعج بالطوابير الطويلة من النساء والحوامل والأطفال والأولاد الصغار وكبار السن والمرضى ومئات الشباب والشابات الذين يتحملون مشقة العبور بالممرات الضيقة وأجهزة التفتيش والأبواب الدوارة ، وكلمات الهوان والإذلال ، والعبرات النابية وأوامر الحراس بالوقوف او التحرك وبالرجوع او التقدم ، ناهيك عن العمال وطلبة المدارس الذين يتوافدون على الحاجز منذ ساعات الفجر الاولى للمرور قبل الازمة وخشية التأخر عن مواعيد العمل وموعد الدراسة .
ومما يزيد من معاناة الشوارع الضيقة عند حاجز قلنديا السلوك غير الحضاري والتصرفات غير اللائقة من بعض السائقين والركاب التي لا تتناسب مع قيمنا وسلوكنا وثقافتنا ، وكأننا نعيش في غابة ، فلا نكتفي بمعاقبة الاحتلال لنا ، بل بمعاقبة بعضنا البعض ، بعيداً عن قواعدنا الدينية والسلوكية والاخلاقية حيث يقوم الركاب برمي وقذف علب السجائر وعبوات المياه والعصائر والأكياس بأنواعها وألوانها من نوافذ سيارتهم على أطراف الشوارع . وعدم اهتمام المسئولين بنظافة المكان كترك بقايا النفايات وأكياس الزبالة مكدسة على الارصفة ، دون مراعاة للنظافة او ازالة للقمامة او للقاذورات او الحجارة او التراب او الاطارات ، ناهيك عن وقوف بعض السيارات وأكشاك بعض باعة في وسط الشوارع ، وعبور المشاة وانتشار الباعة المتجولين ، وماسحي زجاج السيارات المارة عنوة بالشوارع ، مما يضييق من انسياب حركة مرور السيارات .
ان هذا الواقع السيئ الذي يعيشه المارة وسائقي السيارات والركاب في الطريق من القدس الى رام الله وبالعكس يزداد صعوبة ومشقة يوما بعد يوم ، وهو يمس قطاعاً واسعاً من المقدسيين الذين يبحثون عن عمل من اجل لقمة العيش وممن لا يملكون بطاقات خاصة " VIP" كغيرهم ، للمرور عن طريق ال " D.C.O " ذات التسهيلات الخاصة والأكثر راحة وسهولة ، والمخصص لكبار القوم وعليتهم ومسئوليهم لهذا فهم لا يحسون بالمعاناة والمكابدة اليومية التي تحدث صباح مساء على حاجز قلنديا والشوارع المحيطة به .
كما إن الفوضى وعدم التنظيم والترتيب والتسابق والبلبله التي تحدث في الطريق الى الحاجز يدعوا للدهشة والاستغراب ؟ فبينما انت واقف في الطابور تنتظر دورك في كلا الاتجاهين تجد من يمر امامك بسرعة البرق ، " او السير بعكس السير " ، يتخطاك ليمر من قبلك وكأنه في سباق ، غير عابئ بشيء ، ولو تحدثت مع من يقوم بمثل هذه التصرفات فستجد الكلمات الهابطة تنهال عليك " ويصبح الحق عليك بدلا من ان يكون لك " وهذه ثقافة جديدة تتمثل في سرقة وسلب وتبديد وقت غيرهم ، والاستقواء على الاخرين وعدم تقديرهم ظروف غيرهم وأحوالهم ، وغير مقدرين ومراعين لوقتهم ، وهي استعراض للفهلوة والشطارة على الغير ، تنم عن تصرفات وقحة ، وسلوك خاطئ وعدم الاحترام والتقدير ، في غياب قوانين الردع ومراقبة أشخاص مؤهلين لمراقبة الشارع من قبل الجهات المختصة .
كما يزداد التزاحم في اوقات محددة دون غيرها كمواعيد بداية ونهاية عمل الموظفين والعاملين والطلاب لارتباطهم بمواعيد محددة ، وكذلك في مناسبات الافراح والأعراس والمناسبات الاجتماعية التي تقام في مدينتي رام الله والبيرة لارتفاع أجور وندرة وجود القاعات اللازمة لذلك في القدس ، وعودة عمال الشمال من العمل لأهلهم خصوصاً ايام الخميس والسبت والإجازات والاعياد الرسمية ، كما يزداد الازدحام بكثرة في الفترة المسائية التي لا تقل صعوبة وضغطاً عن الفترة الصباحية بل اشد لعدم توفر الإنارة الكافية في المنطقة ، ففوانيس السيارات تعمي الابصار وتشد الاعصاب ، وتخرج المرء عن طوره ، وينتابه الخنق والغصة من كثرة ما يراه من تزاحم وتجاوز وعدم وجود انضباط مروري مما يؤدي الى حدوث حوادث مرورية ومشاكل وتعطيل وتأخير المرء عن التزاماته مما لا يمكن من الوصول في المواعيد المحددة .
لذا فالمطلوب من السلطة الفلسطينية والمرجعيات المعنية بالقدس التنسيق في كل المناحي الحياتية و المعيشية للمواطنين ، وعلى رأسها تسهيل وتوفير الحياة المريحة للمواطنين كحل مشكلة المعابر بين المدن والقرى الفلسطينية ، وعلى الاخص حاجز قلنديا الذي يعاني منه الجميع الامرين ( خاصة في شهر رمضان المبارك ، وفصل الشتاء ) ، امام هذا الحاجز الكابوس الذي " ندعوا الله ونتمنى من الله ازالته وغيره من المعابر نهائياً " وعودة مياهنا لمجاريها ، ولا بد من وقفة جادة وتدخل السلطة لحل هذا التزاحم الذي " لا مثيل له في عالمنا اليوم " ، ولا بد من إيجاد حلول جذرية لمعالجة المعاناة اليومية بهذا الحاجز مما يستدعي التحرك واخذ الخطوات لحل هذه الازمة جذريا عبر : توسيع الطرق الحالية ووضع اشارات ضوئية بدل الحجارة ، ووضع الاشارات الارشادية ، وفتح شوارع فرعية لفصل السيارات المتجه للقدس عن المتجهة للضفة ، وفتح طريق جديدة ، وتوفير الشرطة المرورية ، و تعين موظفين مؤهلين لهذا الغرض ، وتغيير مسار الباصات وسيارات الشحن والنقل الكبيرة عن الحاجز او تحديد مرورها بساعات معينة ، طلب فتح جميع مسارات الحاجز وزيادتها ، وتسهيل اجراءات التفتيش ، ولعل شق طريق جديدة تربط بين مدينتي رام الله والبيرة مع الجهة الجنوبية والشرقية خطوة عملية لتخفيف حدة الازمة الحالية ، فكفانا عقاباً وعذابا على هذا الحاجز المزعج المقيت فهل من مستمع وهل من مجيب .

رائحة انتصار في النقب!
بقلم: حسن البطل – الايام
وحدة حال، في غير مجال، بيني وبين عضو الكنيست أحمد الطيبي. هو وقف على المنصة، في ذروة "أليكسا" وسكب ماء على نص مشروع برافر ـ بيغن، وقال: "بللوه واشربوا ماءه".. أما أنا فكنت أبلل الخبز للعصافير واضعه على افريز النافذة المثلجة!
المشروع الذي أعلن في حزيران واجتاز القراءة الأولى في الكنيست، "ثم إيقاف النظر فيه بصيغته الحالية" كما أعلن الليكودي بيني بيغن في مؤتمر صحافي، علماً أن بيغن وضع مشروع الاقتراح بعد جولات ميدانية وحوارات، استمرت عاماً مع عشائر وقبائل وشخصيات بدو النقب، وجاء مسؤول التخطيط في مكتب نتنياهو، ايهود برافر، مع تعديله نحو التشدّد فصار مشروعا يحمل اسم برافر ـ بيغن!
في القراءة الأولى مرّ المشروع بغالبية 44 صوتا ضد 40، ويوم 12 كانون الأول أعلن صاحبه الأساسي عن ايقاف النظر فيه بصيغته الحالية.
لم يسقط المشروع بأصوات النواب العرب في الكنيست بالطبع، وحكومة الائتلاف الأكثر يمينية تجتاز بسهولة تصويتات الثقة بها في الكنيست.. فلماذا أعلن رئيس الائتلاف، ياريف ليفين، أن لا احتمال للموافقة على قانون برافر في القراءتين الثانية والثالثة.
الجواب موجود في مؤتمر بيغن الصحافي عن وقف المشروع، وهو ان "اليمين واليسار، العرب واليهود عملوا معاً من خلال استغلال ضائقة الكثير من البدو بهدف تعكير الجو لأهداف سياسية (..) عملنا كل ما في وسعنا، لكن علينا أن نعترف بالواقع أحياناً"!
اليمين عارض المشروع، لانه يقدم "تنازلات" للبدو.. واليسار عارض لأن المشروع يقحم الحكومة في "صراع قومي" مع البدو ومع الشعب الفلسطيني في اسرائيل، وقد يتسبّب في انتفاضة، وأنصار البيئة عارضوا لأسبابهم، وحتى البلدات اليهودية القائمة في النقب تحفظت أو عارضت مشروعا "تهويدياً" ملحقاً بإقامة ست بلدات يهودية، لأنه سيجرف السكان منها إلى البلدات الجديدة، والأحرى تقوية البلدات اليهودية القائمة و"مركزتها" بدلاً من "مركزة" الانتشار البدوي.
كل هذا صحيح، لكن لولا هبة البدو، وتضامن الشعب الفلسطيني في اسرائيل (والأراضي المحتلة، وعواصم العالم) لكان المشروع سيمرّ في الكنيست.
بدأ مسار "فلسطنة" من تسميهم اسرائيل "عرب اسرائيل" انطلاقاً من "يوم الأرض" 30 آذار 1976، وما بعده، وبدأ مسار فلسطنة من تسميهم اسرائيل "بدو النقب" منذ بدء معركة الاعتراف بالقرى الأربعين في النقب.
تجلّى العناد البدوي بإعادة بناء قرية العراقيب 61 مرّة وكان هذا العناد فتيل البارود الذي اشتعل غضباً وتهديداً صريحا بالبدء في انتفاضة، تعني انهيار السياسة البدوية للحكومة، وقد يليها انهيار السياسة الدرزية.. وأخيراً تمييز "عرب اسرائيل" عن "عرب يهودا والسامرة".. فالجميع فلسطينيون وينتمون إلى شعب واحد، كما تجلّى الأمر في "هبة اكتوبر" 2000 في الجليل والمثلث تضامناً مع الانتفاضة الثانية.
ألقت حكومات إسرائيل بالحطب على الجمر، بإعلانها مشروع توسيع تهويد النقب، وزادت النار ضراما، بإعلانها مشروعاً آخر لتهويد قلب الجليل (سهل البطوف)، لقلب التوازن الديمغرافي فيه لصالح "التهويد" ناهيك عن مشاريع التهويد المتسارعة في الاراضي الفلسطينية.
لا يعني ايقاف المشروع التهويدي بصيغته الحالية ان الحكومة لن تلجأ لصيغة اخرى اكثر التواء، بدليل ان مشروع تهويد قلب الجليل لم يتوقف، لكن اسرائيل المتهمة دولياً بممارسة سياسة التمييز والعزل العنصري تخشى تعميم الاتهام لسياستها ازاء رعاياها الفلسطينيين.
ان طي مشروع برافر ـ بيغن في صيغته الحالية يوجه ضربة لمطالب حكومة نتنياهو من السلطة الفلسطينية الاعتراف بـ "يهودية إسرائيل". طالما أن رعاياها الفلسطينيين تحت وطأة تمييز قومي ـ عنصري يمنع عن اسرائيل شرط الدولة الحديثة لجميع مواطنيها.
سياسة "الأسرلة" إزاء الفلسطينيين في إسرائيل تلقت ضربة مؤثرة، وأمن دولة إسرائيل لا يقتصر على الأمن العسكري وحده، بل الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي لشعبي دولة إسرائيل من جهة، وللشعبين الإسرائيلي والفلسطيني من جهة أخرى في دولتين سياديتين.
نتنياهو أذعن لتوصيات بني بيغن، وهو جغرافي، بإيقاف المشروع في صيغته الحالية، ربما لأنه يخشى أن يلجأ الفلسطينيون في إسرائيل إلى مطالبة مجلس الأمن بالتدخل ضد سياسة التمييز بين يهود الدولة وعربها.

رســــالة إلى الرئيـــــــس
بقلم: هاني المصري – الايام
أعرف حجم الضغوط والتحديات التي تواجهها في هذه الأيام التي تقترب فيها لحظة الحقيقة، اللحظة التي تتخذ فيها القرارات المصيريّة.
كما أعرف أنك ترفض الأفكار الإسرائيليّة التي تبنتها الإدارة الأميركيّة من خلال طرح الجانب الأمني من خطة جون كيري تمهيدًا لطرح الجانب السياسي في تبنٍ كامل للنظريّة الإسرائيليّة، التي طالما أرادت جعل الأمن الإسرائيلي المرجعيّة الوحيدة للمفاوضات، وأصرّت على الاتفاق على الخارطة الأمنيّة أولاً حتى ترسم خارطة الحدود على مقاسها.
عند الاطلاع على ما توصل إليه الجنرال الأميركي جون ألن، يدرك المرء استحالة التوصل إلى اتفاق. فالمقترحات تتضمن الإبقاء على القوات الإسرائيليّة لفترة مؤقتة في الأغوار والحدود ضمن قائمة طويلة عريضة من الترتيبات الأمنيّة، التي تبدأ بأن تكون الدولة الفلسطينيّة العتيدة منزوعة السلاح، وتلتزم بعدم عقد أي معاهدات أو تحالفات مع أي دولة يمكن أن تهدد إسرائيل، ولا تنتهي بتسيير دوريات فلسطينيّة إسرائيليّة مشتركة، وإقامة وجود مرئي فلسطيني على المعابر؛ على أن يبقى القرار بالمرور بالاتجاهين بيد إسرائيل، والسيطرة على الحدود والأجواء والبحار؛ إلى أن ترى إسرائيل أن القوات الفلسطينيّة أصبحت مهيأة لتوفير الأمن الإسرائيلي ووضع نقاط إنذار وقواعد عسكريّة على رؤوس الجبال والمواقع الإستراتيجيّة.
إذا أضفنا إلى ما سبق الأمر الواقع الاحتلالي الذي خلقته الحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة على الأرض، من خلال الاستيطان وجدار الفصل العنصري وتهويد القدس وأسرلتها وتقطيع أوصال الضفة الغربيّة وحصار غزة والاعتداء بشكل شبه مستمر عليها في ظل اتجاه إسرائيل أكثر وأكثر نحو التطرف، ومع وجود حكومة يتنافس أعضاؤها حتى في مجال تجاوز اللاءات الإسرائيليّة، ورفض الحلول بكل أشكالها الانتقاليّة والنهائيّة على أساس أن الواقع الحالي مناسب جدًا لإسرائيل؛ فالرهان بينهم يكون على إمكانية تدهور الوضع أكثر فلسطينيًا وعربيًا بما يتيح لإسرائيل فرض حل أكثر ملاءمة لها يحقق إقامة "إسرائيل الكاملة" من دون أصحاب البلاد الأصليين، أو بوجود أقل عدد منهم شرط إقرارهم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في "دولة اليهود"، وعليهم نسيان أنهم فلسطينيون والتخلي عن حقوقهم، خصوصًا حق العودة للاجئين والموافقة على إنهاء الصراع والكف عن المطالب.
ما سبق تعرفه جيدًا، كما يعرفه أي فلسطينيي وأي متابع للشأن الفلسطيني، ولكن يبدأ الخلاف في كيفيّة التعامل معه، فهناك من يطالب بقبول ما أسموه زورًا "التسوية" غير المكتملة والحل على مراحل، خشية من إخراج الفلسطينيين من المعادلة السياسيّة. وبهذا الطرح أصبح الاستمرار في هذه المعادلة أهم من تحقيق الأهداف التي دخل الفلسطينيون المعادلة من أجل تحقيقها، ونسي أصحاب هذه النصيحة الرديئة أو تناسوا أن ما جعل الفلسطيني لاعبًا مهمًا نضاله وتصميمه على الحصول على حقه، وما أضعفه وجعل دوره ثانويًا أنه تصور أن وقت النضال قد مضى وأن وقت الحصاد قد أزف.
إن إسرائيل لا تريد السلام ولا إعطاء الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه حتى بحدود إقامة دولة على حدود 1967، ولا يوجد الضغط اللازم عليها حتى تقبل بهذه الحقوق، والضغط الأميركي الممارس عليها - إذا كان هناك ضغط أصلا - أو الذي يمكن أن يمارس حاليًا وفي المستقبل القريب على الأقل؛ لا يتعدى تطبيق اللاءات الإسرائيليّة التي تتحدث عن عدم العودة إلى حدود 67 وضم القدس وضم المستوطنات وحدود الجدار وتصفية قضيّة اللاجئين، وخصوصًا حق العودة والاعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة وإنهاء الصراع والكف عن المطالب.
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل فلسطيني هو: ما العمل، وهل هناك بديل عملي من الانخراط في هذه العمليّة والسعي للخروج منها بأحسن حل ممكن؟
الجواب عن هذا السؤال يبدأ بأن القبول باستمرار الأمر الواقع القائم حاليًا أو بما يمكن أن تخرج به المفاوضات الدائرة والمختلة، التي تمضي من دون مرجعيّة ولا أي التزام إسرائيلي سوى باستمرار الاستيطان وتغيير الأمر الواقع ليتعمق الاحتلال أكثر وأكثر؛ ليس خيارًا مقبولا، وإنما هو في الحد الأدنى "انتحار سياسي"، وفي الحد الأقصى "تفريط وتخلٍ عن الأمانة".
فأي شيء بديل عن هذه العمليّة التي تسمى "عمليّة سلام"، وما هي بذاك، أحسن أو أقل سوءًا من قبول استمرار الأمر الواقع، أو قبول إحدى صيغ الحلول الإسرائيليّة الانتقاليّة أو النهائيّة. وإذا لم يكن البديل متوفرًا فيجب بناؤه خطوة خطوة ومدماكًا وراء مدماك.
البديل يبدأ بإدراك أن المرحلة الحاليّة ليست مرحلة حلول مناسبة، فلا أحد يعطي الضعيف والمنقسم الذي ألقى بمعظم أوراق قوته على مذبح البحث عن التسوية المستحيلة. فالمرحلة هي مرحلة توفير مقومات الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين، والحفاظ على الحقوق والمكتسبات وإعادة القضيّة إلى طبيعتها الأصليّة بوصفها قضيّة عودة وتقرير مصير للشعب الفلسطيني كله، وليست قضيّة إقامة دولة على جزء متناقص باستمرار، وتقليل المخاطر والمخاسر وإحباط الخيارات المفضلة لدى إسرائيل وجعلها تخسر أكثر وأكثر من استمرار احتلالها وتعنتها ورفضها لكل المبادرات، تمهيدًا لعمليّة تغيير تدريجي لميزان القوى ينسجم ويقدر على الاستفادة من أي تغيير إيجابي في المنطقة والإقليم والعالم الذي يشهد متغيرات عاصفة، بحيث يمكن أن تأتي اللحظة المناسبة ولو بعد حين لفرض الخيارات المفضلة لدى الفلسطينيين.
البديل يتطلب إبقاء القضيّة حيّة والحفاظ على تفوقها الأخلاقي المنسجم مع عدالتها، وما يقتضيه ذلك من العودة إلى وحدة القضيّة والشعب والأرض، إضافة إلى الاعتراف بأن هناك حقوقًا لليهود المتخلين عن المشروع الاستعماري الصهيوني الاستيطاني العنصري الإجلائي الاحتلالي.
إن البديل غير ممكن من دون إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة في سياق إعادة بناء الحركة الوطنيّة، وإعادة تعريف المشروع الوطني، وبلورة إستراتيجيات جديدة تعترف بالواقع القائم ليس من أجل تكريسه وإنما من أجل تغييره، وإن لم يكن ممكنًا مرة واحدة فبالتدريج، وهذا الأمر يتطلب مقاومة تنسجم مع الواقع والقدرات، وتزج الشعب كله كل حسب قدراته وظروفه، وتستخدم وسائل التحرك السياسي، بما في ذلك المفاوضات، ولكن ليس على شاكلة المفاوضات التي شهدناها حتى الآن، وإنما مفاوضات تتم في إطار "مؤتمر دولي" مستمر وكامل الصلاحيات، وعلى أساس تطبيق القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وليس التفاوض عليها.
إن الوصول إلى هذه المرحلة بحاجة إلى وقت ونضال وتدويل للقضيّة ومقاطعة لإسرائيل على كل المستويات والمحافل، واستعادة الأبعاد العربيّة والدوليّة للقضيّة الفلسطينيّة، بما في ذلك تنشيط حركة التضامن الدوليّة التي استمرت رغم كل الظروف والإهمال الذي تعرضت لها في ظل الوهم المستمر حتى الآن بأن الدولة على الأبواب وعلى مرمى حجر.
تخيل يا سيادة الرئيس لو أن أجواء الوفاق الإقليمي والدولي الحالي والمرشح للاستمرار حول الملف السوري والملف الإيراني والتراجع في الدور الأميركي في المنطقة والعالم قد جاءت في ظل وحدة وطنيّة فلسطينيّة على أسس وطنيّة وديمقراطيّة وشراكة حقيقيّة وإستراتيجيات فاعلة؛ لكانت قدرة القضيّة الفلسطينيّة على الحضور بفعاليّة وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني ستكون أفضل بما لا يقاس من الوضع الفلسطيني الحالي الذي لا يسر صديقًا ويفرح كل الأعداء.
القضيّة في خطر والشعب يتطلع إلى سياسات وقرارات تكون بمستوى التحديات والمخاطر وقادرة على تحقيق المصالح والحقوق والأهداف الفلسطينيّة٠

علموا غزة الصيد!
بقلم: رجب ابو سرية – الايام
تعرض قطاع غزة، كما عموم فلسطين، بل والشرق الأوسط بأسره، قبل أيام، لموجة باردة تخللتها عاصفة ثلجية وأمطار غزيرة، كما لم يحدث منذ سنوات طويلة، وفي الوقت الذي كان فيه الناس يحتفلون في الجوار ببياض الثلج، كان أهل غزة المنهكون يواجهون البرد بلحم عار، ويغرقون في مياه الأمطار، فظهرت مشاهد ذات طابع "سريالي" للغاية، حين رأينا البعض يستخدم قوارب الأنهار للانتقال عبر شوارع غزة الغارقة، كما لو كانوا في بنجلاديش، ماليزيا أو الهند!
وكما يقولون إن "الشّدة" تكشف العيوب، فقد نتج عن تدفق المياه على مدن وقرى ومخيمات غزة، ان تشردت نحو 900 عائلة، ولجأت الى المدارس والى مراكز الإيواء المختلفة، وكما يحدث عادة في المناطق المنكوبة بفعل الكوارث الطبيعية، هب أهل الخير لنجدة أهالي غزة المنكوبين، وتحت شعار "غزة في القلب" سارعت لجنة العمل الوطني لتقديم هبة الرئيس محمود عباس، فيما خرج إسماعيل هنية شخصيا لتفقد أحوال المواطنين، لدرجة انه شاركهم فراشهم، ومكان إيوائهم في تلك اللحظة العصيبة.
لم يتم حل مشكلة المشردين جراء الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة، والتي جرت آخر العام 2008، أول العام 2009، بعد، حتى كانت هذه الكارثة الإنسانية، وليس الحق على الإسرائيليين هذه المرة، لكن أي حادث عرضي، مهما بدا بسيطا، يكشف درجة هشاشة السلطة الحاكمة، وعجزها عن أداء مسؤولياتها تجاه متطلبات الحياة العامة، وبغض النظر عن النوايا الحسنة وعن التعاطف الذي يبديه رأس نظام الحكم، إلا أن مواجهة قطاع غزة للمشكلات المتتابعة طوال نحو سبع سنوات عجاف من حكم حماس لغزة، وعدم قدرة هذه الحركة على حل أية مشكلة، يثير الحنق والغضب، ويرفع ألف علامة سؤال، حول تشبثها بالحكم، وإصرارها على البقاء بهذه الطريقة على أكتاف وصدور الناس!
ما يلفت الانتباه هنا، هو أنه ومنذ وقت، خاصة منذ منتصف هذا العام، الذي يقترب من نهايته، يلاحظ انزواء قادة حركة حماس عن المشهد العام، ولم يعد الأمر يقتصر على قيادة الحركة (رئيسها وأعضاء مكتبها السياسي) بل أنه يلاحظ أن قياداتهم وكوادرهم في غزة _ ربما بعد ان فقدوا الأنفاق، وخسروا حكم مصر _ لا يشاركون في دعم نظام الحكم في غزة، فقط رئيس الحكومة وبعض مقربيه وبعض "وزرائه" وموظفيه معنيون بالظهور، ربما يعود السبب الى الشعور بأن حكومة غزة ورطت حماس في خسارة مكانة الحركة فلسطينيا واقليميا، ثمنا لحكم غزة.
اظهر حكم حماس لغزة خلال سبع سنوات، ورغم أنه جاء نتيجة خطيئة ارتكبتها اصلا، وتمثلت في شق الطريق الى الانقسام، عبر شلال الدم الذاتي، بإطلاق الحرب الداخلية، إلا أن إظهار هذا القدر من السذاجة في الحكم، وحده يكفي لأن تقتنع كل الدنيا بأن سنين طويلة تحتاجها مثل هذه الحركة لتكسب ثقة المواطنين وحتى تقنع شخصا برأسه عقل، ليأخذ قراره بالتصويت لها في أية أنتخابات قادمة.
لقد عجز نظام حكم حماس عن حل مشكلة الكهرباء، والبطالة، وعن تقديم أي شيء يذكر على مستوى الخدمة العامة، رغم تحصيله للضرائب، خلال كل تلك السنين، حيث لم يفتح شارعا ولم يعبد طريقا ولا أنشأ مدرسة، ولا افتتح عيادة أو مدرسة، رغم تلقيه الدعم من قطر، الإخوان، تركيا _ وسابقا إيران _ ورغم تكفل السلطة في رام الله بدفع رواتب أكثر من 70 ألف موظف حكومي في غزة، وامداد المستشفيات بالمواد الطبية، والمدارس بالاحتياجات المختلفة وما إلى ذلك.
تستمرئ حركة حماس ونظام حكمها في غزة، على ما يبدو، نظام الاستجداء، حتى تظل في حالة المسكين، الذي يستدر العطف، وإذا كان طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره قد بات يدرك بانه ليس في السياسة شيء بلا مقابل، يظهر السؤال، هنا، لم تفضل حماس وحكمها في غزة أن يخضعوا لإرادة أمير قطر، او للإخوان المسلمين وحتى لإيران او تركيا، فرادى أو مجتمعين، على أن "يخضعوا" بالطريقة أذاتها أو حتى بأقل درجة لابن وطنهم، نقصد فتح او حتى الرئيس أبو مازن، إذا كانت حماس عاجزة عن أدارة شؤونها بنفسها، وتحتاج الى من يمد لها يد المساعدة، فلم لا تمدها لشقيقها الفلسطيني وتفضل الأخ او الصديق وحتى الأجنبي!
وبالطبع فان الكل الفلسطيني، يمكنه ان يستغني عن كل معونات الدنيا، بما في ذلك أموال المانحين. لو تم الاعتماد على غاز غزة ونفط الضفة وعلى إرادة وطنية حرة، تعتمد العمل المنتج، كما تفعل شعوب شرق آسيا، حيث يبقى ان نشير الى المثل الصيني، الذي يكشف عن ثقافة حرة، كانت ربما سببا في رفعة الصين وخروجها من وحل الاستعمار الذي خدر شعبها بالأفيون ما قبل الحرب العالمية الثانية، الى رحاب الدولة العظمي، عسكريا أولا وأقتصاديا ثانيا، وهو "علّمه الصيد، خير من أن تمنحه كل يوم سمكة"، هذه هي الثقافة المضادة لثقافة الاستجداء والاتكال على الغير، ثقافة الاعتماد على النفس والتوجه للعمل المنتج، والذي يمكن فتح الأبواب له، بإغلاق باب الانقسام، وتوحيد الفلسطينيين، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، ليرحم الله حكام حماس في غزة، حتى يدركوا عجزهم عن ادارة القطاع!



شهادات .. من داخل العاصفة الثلجية
بقلم: مهند عبد الحميد – الايام
"خمسة أيام هزت شركة الكهرباء، والمجالس المحلية، والدفاع المدني وجهات الاختصاص، التي كانت عاجزة امام انهيار شبكة الكهرباء، وإخفاقات البنية التحتية وانهيار الخدمات نتيجة للطرق المقطوعة والمغلقة. كانت الاستعدادات خاطئة وهشة وغير سليمة، ما أدى الى انهيار الخدمات". هذا الوصف يخص "دولة السوبر بَوَرْ" إسرائيل بحسب تقرير صحيفة يديعوت احرنوت، أما الوضع عندنا فحدث ولا حرج بحسب عينة من الشهادات:
1- "أَمَا وقد انحسرت موجة الثلج والبرد إلا أن تداعياتها ونتائجها مستمرة. والمطلوب أولا أن يتوقف كل المسؤولين عن التغني بانجازاتهم احتراما للجمهور ولذكائه ومعاناته جراء انقطاع الكهرباء لأيام وساعات طويلة، يضاف اليه انقطاع المياه بالكامل عن رام الله والبيرة واستمرار الشوارع الفرعية مغلقة. لا نستطيع الخروج من بيوتنا بحثا عن خبز او ماء. قد يقول قائل ان اهلنا في غزة يعيشون هذا الوضع باستمرار وهذا صحيح وظالم، ولكن هل هذا يكفي ليبرر او يفسر الاخفاق الذريع في رام الله والبيرة. من المسؤول عن هذا الخلل؟ من الحكمة ان يكون هناك تحقيق جدي وان لا نكتفي بتعليق كل شيء على شماعة الاحتلال، حتى وهو جزء من هذه المشكلة". د. احمد صبح
2- أن تبادر أفضل من أن تتذمر
بادرت باستئجار جرافة لفتح شوارع حي مكون من 10 عمارات، فاوضت صاحب الجرافة، بالنسبة له الوقت من ذهب كل ربع ساعة عمل بـ 300 شيكل، بعد أن رفضت جرافات الدفاع المدني والبلدية فتح الشوارع الفرعية بذريعة "ماكو أوامر"! كل بيت دفع مبلغ 5 شيكل، فتحت الجرافة الشارع الفرعي. مشهد العائلات التي خرجت الى الشارع، رهيب/ كأنه لحظة تحرير من سجن الشقق، الجميع خرج ودفعوا المبلغ عن طيب خاطر، وشكروني على المبادرة. الصفقة جيدة حرية مقابل 5 شواقل. عدد سكان الحي 300 إنسان على اقل تقدير شارعهم مغلق ـ شارع المصايف. أدعو المواطنين الى الاحتجاج على كل مسؤول يستعرض امام الفضائيات فقط، وفي الحقيقة، هو لم يقدم اي شيء/ نضال الخطيب
3- الرجال لا يلزموننا: استيقظت صباحاً لأجد أن الشجر قد انكسر ونزل على سيارتي... وحدي أمام عيون كل رجال الحارة رفعت الشجر وقصصته بالمنشار، وهم يتفرجون أو يمرون مرور الكرام... بقولوا لك الست ضعيفة، والله ما حدا ضعيف غيرهم... سيكونون هم دائماً بحاجتنا ولن نحتاجهم... يعطيكم العافية وغيروا لي قصة الرجولة هاي، وشوفوا لكم قصة جديدة/ سامة عويضة
4- باعتراف الإسرائيليين:
الفلسيطينيون أقوى منا على الصمود والبقاء ليس بما لديهم من إمكانات مادية أو لجان طوارئ أو دفاع مدني، جبهتم الداخلية معززة ومصانة بمجموعة من القيم والعادات والتقاليد تمكنهم من مواجهة الكوارث بكل عزم وصبر وثبات، لديهم قيم مثل الفزعة، العونة، اللمة/ نضال الخطيب
5- طواقم إطفائية بلدية نابلس حضروا لتفقد سكان المنطقة المغطاة بالثلوج، لم يستطيعوا الوصول بآلياتهم لأن معالم الطرق لم تكن واضحة، لكنهم وصلونا مشيا على الأقدام بعد تسلقهم الجبل. كل التحية والإكبار أترك التعليق لكم/ د. فاروق حمد
6- غزة تغرق: لو أن الجهود التي بذلت ببناء أنفاق في قطاع غزة بذلت لبناء سدود لضربت غزة امثولة في مواجهة غضب الطبيعة/ محمد الحلو.
"حماس لديها احتياط سولار يكفي لحل الازمة، لكنها لم تستخدمه أثناء الفيضان، واستعاضت عن ذلك بالحديث عن المخاطر/ سعود اتصال هاتفي.
ودعت قيادة حماس المواطنين للتبرع لـ 4500 منكوب في 16 مركز إيواء. وكانت الاستجابة الجماهيرية عالية سواء بالإنقاذ او بالتبرع/ توفيق ابو شومر
7- رغم تنسيق السلطة مع الصليب الأحمر والشؤون المدنية إلا أن إدارة سجن "عوفر" رفضت إدخال الأغطية الشتوية للاسرى، مع العلم أن الوزارة جهزت مئات الأغطية لإدخالها للسجون. إن ادارة مصلحة السجون لم توفر ابسط المستلزمات اللازمة لوقاية الأسرى من البرد القارس. إن السجون تفتقر لأبسط مقومات الحياة، ولا تتوفر فيها أغطية شتوية "بطانيات" أو ملابس كافية أو وسائل التدفئة، وساء الوضع بعد أن تسربت المياه إلى الكثير من الغرف ومراكز التوقيف، بعض المعتقلين أصيبوا بالبرد والمرض وهم بحاجة إلى كشف طبي حقيقي للاطلاع على أوضاعهم خاصة في سجون الجنوب التي لم تراع الظروف الصعبة المواكبة للمنخفض الجوي الاخير. الوزير عيسى قراقع
8- المنخفض القطبي أثبت أن القدس قدسان، شطرا المدينة تعرضا للاحوال الجوية ذاتها ولكمية الثلوج ذاتها، مع فرق بسيط هو أن بلدية الاحتلال حركت كل طواقمها وأجهزتها ولجان الطوارئ فيها للقدس الغربية لإزالة الثلوج من شوارعها بينما بقيت ازقة القدس الشرقية دون مساعدة. أجهزة الشرطة وطواقم الأشغال عملت ليل نهار لإعادة التيار الكهربائي لحي "مئة شعاريم" مثلا بينما الطور وسلوان وواد الجوز بقيت على العتمة تنتظر حتى طال الانتظار/ عصام بكر.
وفي القدس أيضا "اتصلت عائلة مقدسية بالاسعاف الاسرائيلي لنقل مريض مقدسي من اجل غسل الكلى، لكن سيارة الاسعاف تأخرت يومين "بسبب الثلوج"!! ما هدد حياة المريض. مقابل ذلك ذهبت مروحية تابعة للجيش لنقل مستوطنة من مستعمرة يتسهار الى مستشفى الولادة/ سامية سعيد.
9- غريبة هالحكومة، نيالها بحالها، عيدت عيد الأضحى 9 ايام، وغيرت موعد راس السنة الهجرية، وبالعاصفة ما اسمعنالها صوت واليوم بدها الناس تموت بطريقها للعمل، بصراحة محظوظين احنا! (فاتن فرحات).
10- الحمد لله، المخيم والعاصفة الثلجية طلعنا أصحاب وحبابيب. تجمع الناس بأعداد كبيرة أهل وجيران وأصحاب... كبار وصغار. سهرات حتى ساعات الصباح. الجميع لعب بالثلج وطبشنا بعض، مئات المحبين والمحبات للثلج في الشوارع وفوق أسطح المنازل، الكل مبسوط وسعيد، بس جماعة خراب البيوت، قطعوا الكهرباء والتلفون والموبايلات ويخلف عليهم خلوا النت شغال على اعتبار أنه بيشتغل على الحطب! بس ولا يهمنا عملنا خبز على الصاج وطبيخ وقهوة شاي وأعشاب على النار ولا أزكى. مالنا ومال الحكي كَيَّفْنا. هيثم عرار/ مخيم الجلزون.


أطفال بلا أبواب
بقلم: زياد خدّاش – الايام
أمس ليلاً خرجت من بيتي المعتم، زاحفاً تقريباً على بطني لأشتري خبزاً وشموعاً، كان الثلج أمام بيتي يشبه سوراً، بعد ساعتين كنت أقف في طابور طويل أمام دكان صغير مضاء من الداخل بشمعتين صغيرتين، وبعده وقفت في طابور الفرن، المضاء بنار الفرن نفسه لا غير، عدت تحت تساقط عنيف للثلج بعد ثلاث ساعات منهكاً شبه مشلول الساقين ومكسور الظهر، أضم لصدري خمسة أرغفة شهية وحفنة من الشموع، بصعوبة وضعت المفتاح في الباب، أدرته فلم يفتح، حاولت لساعة كاملة دون جدوى ارتميت على ظهري مطوحاً بالخبز والشموع في الفضاء الأبيض، وصارخاً بغضب وحشي: ليش هيك يا رب؟.
بعد ساعة ونصف فُتح الباب، دخلتُ بسرعة زحفاً وأنا ألهث دون شموع وخبز.
جلستُ على الأريكة في حضن العتمة الفائضة وأنا أتذكر فجأة أطفال مخيم الزعتري الذين لا أبواب لهم ليحاولوا على الأقل فتحها، خجلتُ من نفسي زحفت الى السرير، دفنتني تحت أربعة ألحفة ثقيلة، ثم حاولت أن أقتل جوعي وخجلي وظلامي والوقت نوما، فلم أنجح، وهيئ لي أنني أسمع صوتاً جماعياً كبيراً ومخيفاً في العالم كله يدوّي: ليش هيك ليش يا......!

تغريدة الصباح - الغرق بالأزرق
بقلم: حنان باكير – الحياة
فتحت باب خزانتي.. حملت بيد بطاقة هويتي الزرقاء وباليد الأخرى جواز سفري النرويجي. فأنا اليوم في مشواري أحتاج الى ما يثبت أني أنا.. هي أنا. فحملت بطاقتي الزرقاء التي تقول بأني لاجئة فلسطينية تقيم في لبنان وأن موطني الأصلي فلسطين!
في الطريق غرقت في اللون الأزرق.. استدرجني اليه بداية البحر وعينا ابي الزرقاوان الكبرتان.. فأحببتهما الى الان. ما أيقظ بي شجن الأزرق في هذا اليوم هو، انشغالي عن استعمال هذه الهوية، بجواز سفر اعترف بأني انتمي الى فصيلة البشر!
هوية الفلسطيني كانت زرقاء وكبيرة، وتتألف من عدة صفحات، كان الكبار يسمّونها « الملحفة» لكبر حجمها. وكانت أعلام الأنروا الزرقاء تداهمنا أينمت توجّهنا.. على دفاترنا والأختام التي تطبع على كتبنا.. وحين كنت أتوجه من حيّ المنشية الى شارع سينما بالاس، كنت أرى غرفا على تخوم مخيم برج البراجنة، ترفرف فوقها أعلام الأنروا الزرقاء والكبيرة، وأرى تزاحم الناس الذين ارتفعت أيديهم ببطاقات زرقاء تتزامن مع صراخهم.. وصوتا ينادي اسماء لا اعرفها! عرفت لاحقا أنها بطاقات الإعاشة أي التموين..
ومع انتهاء الدوام المدرسي، كنت أعجب كيف يتدافع زملاء الصف وهم يصيحون « الى المطعم»... وكان لديهم بطاقات زرقاء.. إنه المكان حيث يتناولون به وجبة طعام!
أوف.. حاولت طرد الأزرق بكل أشكاله والذي داهمني دون موعد.. إذ عليّ الذهاب الان الى مكتب للتحويلات المالية لاستلام حوالة أرسلتها لي ابنتي!
دخلت الى المكتب الخطأ في منطقة الحمرا.. هالني عدد الزبائن ونوعيتهم!! المكان يغصّ ويضيق بهم.. غالبيتهم من سود البشرة ومن سنح مختلفة، تبيّنت من تلك الجنسيات الفلبينية والبنغلادشية والسريلانكية.. ناهيك عن بعض اللكنات العربية... كانت ايدي الجميع تقبض على حفنات من الدولارات بأحجام مختلفة.. أوراق نقدية خضراء لم تخل يد منها.. الاّ يدي القابضة على بطاقتي الزرقاء التي تعلن فلسطينيتي!
أدركت أني في المكتب الخطأ.. أزعجتني الأصوات العالية.. واللغات المتنافرة.. ومع ذلك انتظرت أتأمل.. ما الذي حمل هذه الأقوام من آخر الدنيا الى هنا للاسترزاق.. ونحن نعلم كيف يحشرون أنفسهم في مساكن ضيقة ولقمة عيش تكاد تكفي بقاءهم أحياء... حتى يرسلوا المال لبلدانهم !!
وافتكرت.. كم جيل من الفلسطينيين ولد على هذه الارض ولا يعرف غيره مكانا..و كيف هو محروم من حقه في العمل ومن حقه في أن يعيش كالبشر، فيما هو جزء من الدائرة الاقتصادية هنا !
كلهم يرسلون المال اللبناني الى بلدانهم، ونحن نتلقى المال الأوروبيّ والخليجيّ من أقربائنا لنصرفه في لبنان!! نحن هنا طائفة « سوّاح»..
خرجت من المكتب وفقدت الرغبة في استلام مال ابنتي في ذلك اليوم! التقيت في الطريق بصديق قديم.. سرنا في شارع الحمراء.. تحدثنا.. استمتعت بحديثه.. لكنّ افكاري سرحت في مدى صلاحية ما مرّ بي ليكون تغريدة صباحية!
تغريدة لن تكون حزينة أو نكدة.. إذ تذكرت قول أبي « اليد العليا خير من اليد السفلى»!
ما اصعب ان تكون فلسطينيا
(لذكرى القائد الوطني يونس الكتري)
بقلم: يحيى رباح – الحياة
من المؤكد ان الذاكرة الفلسطينية المفعمة بالرموز سوف تؤرخ لرحيل يونس الكتري القائد الوطني المعروف على طريقتها الخاصة فتقول انه رحل عن هذه الدنيا في عام الثلجة الكبرى.
يونس الكتري ،ابن قرية سمسم، لمع اسمه في منتصف الخمسينيات حين تم انشاء حركة الفدائين الفلسطينيين في قطاع غزة في العام 1955، حين كان القطاع تحت الادارة المصرية ،وقد اختار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي نبتت فكرة الثورة المصرية لديه من قلب حصار الفالوجا، واحدا من المع ضباطه وهو الشهيد مصطفى حافظ الذي تحمل بعض شوارع غزة ومدارسها اسمه حتى اليوم.
وكان يونس الكتري من الطلائع الاولى، ومن المعروف ان حركة الفدائيين الفلسطينيين في قطاع غزة –ارض البدايات، ذلك الشريط الضيق المحشور بين الماء والصحراء –جاءت استجابة لهبة جماهيرية واسعة النطاق، تطالب الادارة المصرية انذاك بان تفعل شيئا ازاء الاعتداءات والجرائم والمجازر التي كان يرتكبها الاسرائيليون ومعظمها كان يتم بقيادة ضابط اسرائيلي يقود ابرز احدى الوحدات الخاصة الدموية في الجيش الاسرائيلي اسمه ارئيل شارون ،الذي حقق شهرة واسعة لدى المجتمع الاسرائيلي نتيجة تلك المجازر، التي نفذتها وحدته ضد محطة السكة الحديد في الاطراف الشمالية لمدينة غزة وفي وادي غزة، وفي مستشفى الامراض الصدرية شرقي مخيم البريج، وضد مركز الشرطة في مدينة خان يونس وغيرها الكثير من الاهداف التي خلفت دماء بريئة مسفوحة، فهب اهل القطاع يطالبون بالسلاح، وقد نشأت حركة الفدائيين الفلسطينيين استجابة لتلك الهبة العظيمة، وقد تحولت تلك الهبة الى مفصل اساسي في تحول التوجهات الاستراتيجية للثورة المصرية وللمنطقة كلها بعد ذلك.
منذ منتصف الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات كان التعبير السياسي المسيطر على أهل قطاع غزة ،هو انتماؤهم الى الاحزاب الفلسطينية السائدة في ذلك الوقت والتي تشكلت منها الحركة الوطنية الفلسطينية (القوميين العرب، الاخوان المسلمون، الشيوعيون، حزب البعث...... الخ )وقبل نهاية عقد الخمسينيات تاسست حركة فتح لتكون البديل الوطني والصوت الوطني الفلسطيني، وفي منتصف الستينيات اعلنت حركة فتح انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، فتحول عقد الستينيات كله الى انبثاقات للحركات والفصائل الفلسطينية الثورية المسلحة.
ممن كان بامكانه ان يقاوم الاغراءات مع انه لو اراد لكان في الصدارة ؟
انه يونس الكتري .. الفدائي الفلسطيني، المقاوم الفلسطيني، المستقل الفلسطيني، الذي لم يجعل بينه وبين فلسطين أي وسيط، هو فلسطيني حتى النخاع الشوكي، ويريد ان تظل فلسطين عنوانه الاول والوحيد، وانتماؤه الاول والاخير، وحبه الاول والنهائي، وقضيته التي هي اول الكلام واخر الكلام.
يونس الكتر ي، عضو المجلس الوطني والمجلس المركزي الخبير المتعمق، في قضية اللاجئين، خفيض الصوت عالي الهمة، المحفور بدماثته، طويل النفس، الذي يحبه الناس ويحترمونه لانه حمل قضيتهم في قلبه، حمل جرحها العميق، وعدالتها التي لا تضاهى ،واملها الذي لا ينطفئ مع السنين.
يا ايتها الاجيال الفلسطينية : اكتبي في سجل الذاكرة المقدس ان الفدائي القديم، المناضل بلا ألقاب، القائد دون قرارات، يونس الكتري قد بدأ مشوره الطويل في منتصف الخمسينيات، حين داهم الاعصار البحري خيامنا فاقتلعها، فرحل بعد ان ادى ما عليه في عام الثلجة الكبرى وانه اصبح الآن جاهزا ليضيء شجرة الذاكرة الفلسطينية وان يكون حيا في نسيج الحكايات.
الـيــكــسـا
بقلم: بهاء رحال – الحياة
"اليكسا" ليست فتاة شقراء من روسيا بل عاصفة بيضاء من الثلج استطاعت في يوم واحد أن تفضح ضعف اولئك الجبابرة في شركات الكهرباء والهاتف والانترنت والبلديات التي عجزت عن فتح الشوارع وتصريف المياه قبل أن تداهم البيوت والمحال والشركات وكافة مرافقنا الحيوية التي تعطلت وتوقفت معها سبل الحياة.
"إليكسا" صفعة تحذيرية ورسالة مفادها أننا لسنا مستعدين لمواجهة أي عاصفة ثلجية.. وأن ظروفنا لا تسمح باستقبال هذا الزائر الأبيض إلا ليوم أو يومين شريطة ألا يكون ثقيل الظل بل خفيفاً أو أقل قليلا وألا تصدق السماء صلوات البعض ولا تفتح خيرها كله فنحن وإياكم سنموت برداً وبرداً لو حدث ذلك.. الثلج يقتلنا في يومين لكنه في عواصم كثيرة لا يقتل الناس في عام وهذا بفضل رفاهية الحياة والخدمات التي يطالبوننا بالتكيف معها وتقديم الطاعة لأجلها ودفع ما في جيوبنا ضريبة لعمرنا المؤقت.
"إليكسا" وبفعل انقطاع الكهرباء الطويل حيث تركنا اجهزة الكمبيوتر جانباً وعادت الاسر الفلسطينية الى طقوسها القديمة في الالتقاء والحوار والسهرات العائلية ومن حسن حظي اني حظيت بجلسة مع والدي الذي اسهب باسترجاع الماضي وأعاد على مسامعي والاحفاد من حولة رحلة اللجوء التي تبعها شتاء قاس، وصقيع شبيه بهذه الايام مع ثلوج متراكمة وسط عذابات اللجوء وقهر الهزيمة وخيام على ضفاف المخيم وكأن الصورة ذاتها أو تشبه الى حد قريب احوال اللاجئين السوريين والفلسطينيين معا هذه الايام وزاد الثلج من معاناتهم المستمرة والمتواصلة بفعل الاوضاع الداخلية التي تشهدها سوريا منذ اعوام فكان الثلج يعض ليل المنكوبين واللاجئين في سوريا وفي غزة وفي مخيمات الاردن على حد السواء.
الاضرار التي تركها هذا المنخفض الجوي كبيرة ووضعتنا امام حقيقة مفادها اننا غير قادرين على مواجهة عاصفة ثلجية بهذا الحجم او اكثر قليلا وان مثل هذه الظروف قد تؤدي بنا الى حالة من الشلل التام يدب في جميع مرافق الحياة، فقلت لصديقي العطاري ان هذه العاصفة كشف المستور فرد قائلا انها عززت المكشوف.

الزهار يكذب مع "الوطن"
بقلم: عادل عبد الرحمن – الحياة
الافتراء على الحقيقة وتزويرها بضاعة إخوانية عميقة الجذور، وجدت ، ورافقت جماعة الاخوان المسلمين مذ اسسها حسن البنا في 1928. وبالتالي الكذب وقلب الحقائق رأسا على عقب في خطاب قيادات فروع حركة الاخوان المسلمين في العالم ليست أمراً جديدا. لن اضيف جديدا لذهن اي متابع لسيرورة حركة الاخوان عموما وحركة الانقلاب الحمساوية جديدا بشأن نكث الوعد، وتزوير الحقائق كأحد اهم الخصال الملازمة لسلوكياتهم واخلاقهم، التي تبيح لهم المتاجرة بالدين والعباد والاوطان والقيم، لا مقدس لديهم سوى مصالحهم وحساباتهم الخاصة واجنداتهم وارتباطاتهم الاقليمية والدولية.
ما تقدم له عميق الصلة بما ادلى به محمود الزهار لمراسلة جريدة "الوطن" المصرية، منى مذكور، التي اعادت نشرها وكالة "سما"، حيث لم ينطق كلمة واحدة تمت للحقيقة بصلة، لا في إلتورط المشين والمعيب في الجرائم التي ارتكبت ضد مصر وجيشها على مدار الاعوام الماضية، وبوقاحة فجة، يسأل الزهار الصحفية المصرية (وكأنها تملك المعلومات التفصيلية عن اسماء المعتقلين من تنظيم الانقلاب الحمساوي في مصر) هات لي إسما من اعضاء حماس أُدين بعمل ضد مصر؟؟ وهو يعلم علم اليقين أن عدد المعتقلين الحمساويين في مصر وبجرائم في المقطم والتحرير وسيناء والقاهرة وبور سعيد ومحاولة إغتيال وزير الداخلية تجاوز الـ (200) عنصر. ويكذب كما يتنفس بالنسبة لقصة القنابل، الممسوكة من قبل اجهزة الامن المصرية، التي انتجتها وصنعتها حركة حماس، فيقول: صحيح قمنا بالتصنيع ، ولكن بعض القنابل سرقت، ولا علاقة لنا بها، واستخدمتها الجماعات التكفيرية!!؟ وعن العلاقة مع الجماعات التكفيرية، يدعي كذبا وافتراء، ان لا صلة لحركة حماس بهم، وانها قاتلت تلك الجماعات كما حصل في رفح في مسجد ابن تيمية، وهذا صحيح جدا، لكن ليس من موقع التناقض، بل لاخضاع تلك الجماعات لمشيئة ومنطق وسياسة حماس، وهي تقوم بالتكامل معهم والتنسيق واياهم، وبامكان الزهار ان يراجع تحالفات حركته مع تلك الجماعات، ويعود لدور فتحي حماد بالتعاون معها، ويراجع آليات العمل المشتركة بين الجماعة وبين تلك الحركات الجهادية في مصر وغزة والضفة والسودان وتونس وليبيا وسوريا والاردن والصومال ... إلخ
ثم يفتري على الرئيس محمود عباس، ويشهر به، وهو يقلب الحقائق رأسا على عقب، حين يفتري في موضوع دولة غزة الكبرى، مستخدما سلاح الكذب والتضليل حين ربط بين مبادلة الاراضي المتفق عليه بالحل النهائي لخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967 وبين "غزة الكبرى"، ونفى ان يكون الرئيس المعزول، محمد مرسي وجماعة الاخوان بالاتفاق مع حركة الانقلاب الحمساوية أن يكونوا اتفقوا مع أميركا وإسرائيل على اخطر مشروع لتصفية القضية الفلسطينية، وهو مشروع غزة الكبرى، الذي بدأ بالاستعداد لاقامة "منطقة تجارة حرة" بين مصر وغزة، بحيث تمتد لاحقا إلى العريش وما يرافق ذلك من تبادل للاراضي بين مصر وإسرائيل ، وتناسى ما طرحه مرسي من إيجاد قنصلية في غزة، على اعتبارها إمارة مستقلة عن الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ولم يتذكر الزهار ما اعلنه اوباما امام الكونغرس من انه دفع خمسة وعشرين مليار دولار لمصر ومكتب إرشاد الجماعة لتنفيذ المخطط، منها مبلغ ثمانية مليارات دولار قيمة الارض، التي ستضاف إلى إمارة غزة...... إلخ من الاكاذيب والافتراءات المفضوحة، التي تكشف مدى انحطاط تلك الجماعة وما تمثل.
رغم الاحترام للصحفية وصحيفة الوطن المصرية، وحقها في إجراء المقابلة مع من تشاء، وفي الوقت الذي تشاء لكن توقيت المقابلة، ونشرها الآن، كأنه يحمل شيئا ما يتم من تحت الطاولة، يستهدف تمرير بعض الافكار والتلميع لحركة الانقلاب الحمساوية من قبل بعض الجهات لاعتبارات سياسية آنية.. أرجو الا يكون الاستنتاج صحيحا.

تشابك الأزمة السورية، في ظلّ غياب الحكمة السياسية
بقلم: د. أحمد حلواني – الحياة
في الحديث عن الأزمة السورية تتشابك الوقائع مع التحاليل والأسباب والنتائج، خاصة وأن نقل أخبار ما يجري من مآس يتم في غالبيته عبر وسائل الإعلام المختلفة التي تتحكّم فيها اتجاهات متباينة، وأهواء ومصالح متناقضة، بحكم اعتبارات مختلفة يدخل فيها التكوين الإنساني والتأهيل المعرفي والمهني، إضافة الى المصلحة المادية أو المعنوية، والرغبة في استمالة جانب سياسي من أطراف الأزمة، تبتعد عن النقل الموضوعي الشفّاف، الذي يعدّ أساس العمل الإعلامي الصادق والحر.
وإذا كانت مقدمات الأزمة، لم تكن توحي بإمكانية الوصول الى ما وصلت اليه من مآس تدميرية، فإن ما يهمّنا هو عدم الخوض في أسباب الأزمة، وهو ما فاض الحديث فيه وكثر كما اشتدّت الخلافات حول مرتكزاته.
أما موضوع الحل ووقف المأساة وفق ما يتم الحديث فيه، عن الإعداد القاصر لجنيف 2، بعد فشل مجلس الأمن في الوصول الى حلٍّ بالرغم من كونه الجهة ذات الاختصاص في منع ووقف الأزمات الدولية، وحلّها. فيعود إلى تشابك المواقف الدولية والإقليمية بشأن مصالحها في سوريا وخاصة بالنسبة لموقعها الاستراتيجي في المنطقة وعلاقته بالجوار الجغرافي، إضافة إلى تحوّل الأزمة الداخلية السورية من خلاف سياسي داخلي بين معارضة رفعت شعار مشروعية الثورة، وسلطة تتمسّك بشرعية نظامها. إلى خلافات مسلّحة متعددة الأطراف ذات الألوان الطائفيّة والدينية والعرقية، متضمنة السلطة التي استخدمت الجيش السوري في ضرب معارضيها بغطاء الشرعية، وممتدة إلى المعارضة في دفاعها عن نفسها ومشروعيتها، بآن واحد (وأسباب هذا التحوّل الخطير والمغاير لطبيعة الشعب السوري، وتكوينه الوطني، يعود إلى فقدان الحكمة السياسية وطغيان الرغبة السلطوية، وحاجة الأطراف إلى مساعدات عسكرية وإغاثية، ممّا فتح مجالا واسعا أمام تدخّلات إقليمية ودولية بشروط وارتباطات اضطّر السوريون، من نظام ومعارضة، إلى قبولها!)
الواضح أنّ الحكمة السياسية غابت عن الأطراف قاطبة، وكلٌ له مبرراته وحججه وأسبابه في التوجّه نحو العنف، فالصلة بين العنف واللاعقلانية، هي وباء سريع الانتشار بأقنعة تبريرية يشوبها الكثير من الغموض، بحيث يصبح أطراف النزاع في حالة تقبّل للقتل والتدمير بحجج الدفاع عن النفس أو مواجهة القرار الخاطئ أو الدفاع عن الشرعية والعدالة، فيبتعد المقاتل عن الاعتذار أو التبرير العقلي والحكمة، مركّزاً على القوة في القتل والبطش والتدمير لتحقيق شكل من أشكال الإنتصار، ولو كان الأمر بين كرٍّ وفرٍّ. حتى أنّ البعض من أطراف النزاع بدأ يتقمّص دور المهندس الذي يهدم الأبنية التراثية كاملة من أجل بناء أبراج جديدة. في حين أن الكثير من البنّائين الحضاريين والمعماريين الفنانين لا يتفقون مع هذا الرأي، لأن الحضارة تكمن في الضبط وتوجيه الطاقة والاستفادة من أي ركن قائم، لا في تهديمه.
إن الحكمة السياسية تكمن في عدم الوصول الى مركز الأزمة، وذروة الحكمة في حال الوصول الى الأزمة هو في إيجاد المخرج الذي يحمي من الدمار والاقتتال، وهو ما يتحمّله المسؤول الرئيسي في السلطة، ولو أدّى ذلك إلى خسارة كرسي الحكم والسلطة، وكأنها خسارة انتخابية مستبعدا الخطاب السياسي التضليلي والعاطفي، في حال إيمانه بالفكر الديمقراطي فعلاً لا قولا بديلا عن القتل والخراب والتشريد والسجلّ التاريخي الأسود مع عدم نسيان أو تجاوز التيارات السياسية بمختلف شرائحها وألوانها من المسؤولية.
ان ما أعلنته المعارضة خلال تظاهراتها السلمية للخلاص من الفكر الأحادي الشمولي تحت شعار "الشعب السوري واحد"، وما أعلنه النظام من حزمة إصلاحات في بداية الأحداث، وبالرغم من التجاوز العملي المؤسف للأمرين، فإن تنويعات كبيرة وواسعة من الأفكار والحلول السياسية يمكن الوصول اليها، في حال وجود أرضية وطنية مستقلة، بدلا من هذا النزيف المؤدي الى الموت الجماعي، والتدمير الذي لم يعرف التاريخ السوري، وتاريخ الصراعات السياسية في العالم، له مثيلا (الاّ في الحروب العالمية) بغطاءات مخاتلة وغير قابلة للتنفيذ أو القبول.
ان المشاركة في مؤتمر (جنيف2) تتطلّب مفاضلة المصلحة العامة لسوريا وشعبها كلّه ما يحيل القضايا السياسية الى مجال علم الإجتماع السياسي والى صندوق الانتخابات (وفق رأي كبار المفكرين والفلاسفة الحداثيين) باشراف دولي نزيه وشفاف، فالديمقراطية والعدالة في ظل الإخلاص الوطني، هي المجال الذي يؤمّن الوصول إلى حلٍ مرضٍ يمكّن من وضع حلول وخيارات مقبولة من جميع الأطراف، تضمن أمان وسلامة البلد وشعبه، وهو أمل جميع السوريين الحكماء من منطلق، ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل. أستاذ جامعي سوري*


تحديث الحداثة (2)
بقلم: هاني فحص – الحياة
ان منهجية حوارية تنطلق من هذه المعطيات او الفرضيات المتحققة – كما أشرت في الأسبوع الماضي- من شأنها ان تصحح المفاهيم الملتبسة والآيلة الى تجميد وتسكين وتنميط المتحرك الحضاري، من خلال التركيز على حوار الحضارات المرصود بصراعها، بحيث يصبح الوعي الملائم هو الذي يشتغل على حوار الجماعات الحضارية، على اساس الوحدة والتنوع، اي الوحدة الحضارية، باعتبار ان اي حضارة في تاريخها الطويل ومشهدها المفتوح هي معطى او منجز تراكمي مشترك. غاية الامر ان المتراكم يختلف كثافة، الى حد البروز الشديد والاختزالي احياناً (هيلينية، رومانية، عربية، اسلامية الخ...) ولطافة الى حد الخفاء وعدم الحضور في الوعي والذاكرة، مع كونه في العمق السلوكي (الفينيقية مثلاً)... ومن هنا يتسع المدخل الرؤيوي الى حيث يمكن اعادة اكتشاف وتظهير المشتركات الدينية التوحيدية، لا بين اديان بل بين الديانين ايضاً. فتعد المسيحية الى مكانها الشرطي على الاسلام، والى مكانتها كمكون من مكونات ثقافة وحياة المسلمين. و هنا يمكن اعادة الوعي الغربي الى مفارقاته القاتلة، عندما تؤدي التبادلية الحضارية واستعادتها في التاريخ الطويل الى تصحيح صورة المسيحية الغربية، من خلال مقايستها على مثالها الشرقي التأسيسي، واعادتها الى سياقه او سياقها. ويعود الاسلام الى موقعه، في تكوين المسيحيين من دون دفعهم الى الاندكاك القسري القاهر في عنوان حضاري او ثقافي إلحاقي، يأتي في العادة من ايصال مفهوم او مقولة الحضارة العربية الى غاية منطقية مبتوتة سلفاً، كما هي بين الاسلام والعروبة، وترفع المشروع السياسي القومي العربي الى اسلامية احتوائية، تحتوي المسيحيين وتستلحقهم من دون اعتبار للخصوصيات والحساسيات.
كما يمكن اعادة الوعي الاسلامي الى حالة مفارقة لحالته الراهنة في فهم اليهودية، والتي (الحالة) تأتي اعطابها المسوغة والواقعية الى حد كبير، من اللحظة اليهودية الراهنة وذات النشأة الغربية، باعتبار ان الصهيونية المصادرة لليهودية واليهود، كانت في اساسها اصطناعاً غربياً املته ضرورة اجتماعية وثقافية وسياسية غربية، اتت من حراك يهودي تاريخي في السياق الغربي، ادى الى سلوكيات غربية تجاه اليهود فأدت اللاسامية الى تضخم في عقدة الذنب الغربية تجاههم، ما كان حلها جاهزاً في العقل الغربي، الذي نظر للاستعمار وحول اليهود الى اداة لتجديد النظر الاستعماري... وحينئذ، يمكن اعتماد قراءة مسيحية متجددة لليهودية، تخلصها بالروحية المسيحية ونزعتها الى المحبة والسمو على دنيويتها الفاقعة والقاتلة، من دون ان تخرجها من جدل الحياة، وهنا يمكن للمسلمين ان يستووا على تداول هادئ للكتابية، المميز لاديان التوحيد عن غيرها في المنظومة العقدية للاسلام والمسلمين. وهذا المسلك من شأنه ان يدخل المسيحيين عموماً، في فهم مقارب، وان لم يكن بالضرورة مطابقاً، ومن دون ضرورة ملحّة على مطابقته، لاشكالية اليهود واليهودي الآن، وعلى اساس المفارقة بين اليهود (بالصهيونية) وبين اليهودية حسب القراءة المسيحية المفترضة والمطلوبة والقائمة فعلاً، وفي حدود يمكن التوسع فيها وتعميمها على المسيحيين في الشرق والغرب معاً. حينئذ يمكن افتتاح الكلام المسؤول عن مستقبل فلسطين التي يمكن لها ان تكون مكانا سياسيا وثقافيا لشعبين في دولتين ريثما يثبت العرب فيها ارادتهم وقدرتهم على الاستيعاب، ويثبت اليهود قدرتهم وارادتهم في الاندماج او العودة من حيث اتوا، ليبدأ العمل على دولة واحدة بشعبين.
اذن... وعلى هذه الشبكة الواسعة والمركبة من المعطيات والموجبات يمكن التعامل مع الألفية الثالثة، باطروحة حضارية مشتركة، ويمكن اعتبار القرن الواحد والعشرين وعاءها الزمني الرحب. وتكون في محصلتها فرصة للسلام والعدل والتقدم، وفرصة للخلاص من الاستحقاقات التاريخية لعملية التحديث الغربية وتشوهاتها في الشرق او في الجنوب، ومن الاستحقاقات الباهظة والمتفاقمة التي يمكن ان تترتب على العولمة الجارية والمتسارعة. بينما ينهض نموذج اليابان ونموذج آسيان والوعود التي تحفل بها التجربة الصينية بمتحولاتها النظرية والعملية الهادئة، تنهض هذه النماذج من خلال المشتركات فيما بينها مشروع حقيقي لتحويل ثنائية الشرق والغرب الى ثنائية حوارية، تكاملية، منتجة ومجدية.