Haneen
2014-02-13, 12:28 PM
<tbody>
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (224)
</tbody>
<tbody>
الجمعة
27/ 12 /2013
</tbody>
لماذا الاستهداف المستمر للقطاع؟
حديث القدس
إطلاق الأسرى لا علاقة له بتكثيف الاستيطان
حديث القدس
الفلسفة السياسية للحركة الأسيرة -الحلقة الخامسة
بقلم: عيسى ابوزهيرة
هل ستضعنا خطة كيري أمام أوسلو ٢ ؟!
بقلم: راسم عبيدات
تلغيم «جنيف 2» بأولوية ضرب الإرهاب على الحل السياسي
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
من وحي الدستور المصري..
بقلم: بادية فواز ياسين
مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان
بقلم: خليل حسين
السريّة والمفاوضات!
بقلم: سميح شبيب
ستجني على نفسها براقش!!
بقلم: هاني عوكل
2014: عام تجديد القديم الفلسطيني؟!
بقلم: رجب ابو سرية
رئيس وحكومتان: مقاربة جديدة للمصالحة الوطنية
بقلم: محمد ياغي
هل مات "اللامنتمي" فقيراً
بقلم: حسن البطل
بصمات السيد كلاشينكوف!
بقلم: فاروق وادي / دفاتر الأيام
مقالات صحيف القدس
إطلاق الأسرى لا علاقة له بتكثيف الاستيطان
حديث القدس
مرة أخرى تتردد التقارير عن اعتزام الحكومة الاسرائيلية الإعلان عن مخططات جديدة لإقامة ما بين ألف وآلفين من الوحدات السكنية الاستيطانية، تزامنا مع إطلاق سراح دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية. وقد سبق أن أعلنت تلك الحكومة عن مخططات لتكثيف الاستيطان مع إطلاق سراح الدفعة السابقة، وذلك في تحد سافر لروحية الجولة الراهنة من المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، وفي تهديد خطير لها.
ولم تتأثر اسرائيل في حينه بالرفض الفلسطيني والإدانة التي صدرت عن المجتمع الدولي لهذه المخططات، ولا باستقالة أعضاء في الوفد الفلسطيني المفاوض احتجاجا على الإعلان الاسرائيلي، وها هي تعيد الكرة الآن دون أن تأخذ في الاعتبار ردود الفعل الفلسطينية والدولية التي بدأت تتوالى رفضا لمخططات التوسع الاستيطاني، ولمبدأ الاستيطان بحد ذاته.
والذريعة التي تستخدمها الحكومة الاسرائيلية هي ، كما في المرة السابقة، تهدئة المتطرفين في اسرائيل الذين يحتجون على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. وهذه ذريعة واهية لأنه لا توجد أي علاقة أصلا بين الإفراج عن الأسرى من ناحية- وهو تصرف يفترض أن تكون اسرائيل قد نفذته منذ عقدين من الزمن، ومع التوقيع على إعلان اوسلو- وبين الإقدام على خطوات يعارضها المجتمع الدولي وتتناقض جوهريا مع المفاوضات وعملية السلام عامة، مثل الاستيطان الذي اعتبرته الأسرة الدولية في قرارات مرجعياتها الشرعية عقبة كبرى في طريق السلام، بل العقبة التي تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي هي الغاية والهدف من المفاوضات السابقة والحالية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
والقطاعات المتطرفة في المجتمع الاسرائيلي، الذي يميل باطراد نحو اليمين، هي قطاعات ترفض العملية السلمية وتتشبث بالاحتلال والاستيطان. واسترضاء هذه القطاعات معناه إعطاء الضوء الأخضر لها لتقوم بنسف وتدمير كل فرص السلام العادل الذي يعيد الأمن والاستقرار لهذه المنطقة.
وقد وصل الاستيطان في الضفة الغربية بالفعل نقطة قريبة من اللاعودة، وتوجد حاليا هياكل حقيقية لدولة استيطانية في الضفة موازية لاسرائيل نفسها، ويتزايد عدد المستوطنين بشكل دراماتيكي حيث يقترب عددهم الآن من ثلاثة أرباع المليون.
إن وجود هذا العدد الكبير من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من شأنه أن يقرع ناقوس الخطر أمام كل ممن يعنيه ما يسمى بالسلام والمفاوضات. ولا يجب السكوت على هذه الظاهرة التي تهدد وجود الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن الاستيطان هو القضية التي يجب إيلاء الاهتمام الأكبر بها لوقف التوسع الاستيطاني أولا، ثم تصفية الظاهرة الاستيطانية واجتثاثها من جذورها، ثانيا.
الأسرى الفلسطينيون يتوجب إطلاق سراحهم وإغلاق هذ الملف المؤلم والحساس نهائيا. وفي الوقت نفسه، فإن الاستيطان يجب أن يتوقف إذا أريد لمفاوضات السلام أن تستمر بشكل إيجابي وذي مصداقية من جانب اسرائيل. وهذه هي الرسالة التي من المناسب توجيهها للوسيط الأميركي، ولكل من يعنيه أمر السلام والأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
الفلسفة السياسية للحركة الأسيرة -الحلقة الخامسة
بقلم: عيسى ابوزهيرة
جاء في الحلقات السابقة ان كل محاولات التنكر والجحود وإدارة الظهر لحقوق الأسرى لم تفلح في كسر شوكتهم والنيل من عزيمتهم وارادتهم رغم التضحيات الجسام ، إلا أن اتفاق واسلو ترك أثرا نفسيا ومعنويا وقانونيا سيئا على قضيتهم السياسية والوطنية المهمة .
فمنذ اللحظة الأولى للتوقيع على وثيقة إعلان المبادئ في واشنطن بتاريخ 13/9/1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل حدث تحول نفسي عند الاسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الاسرائيلية حيث ارتفعت مستويات التوقع لديهم ، والمتعلقة بإنهاء معاناتهم والافراج عنهم حيث رأوا ان حصيلة اية تسوية سياسية بين طرفي النزاع لا بد وان تشمل اطلاق المعتقلين كجزء لا ينفصل عن هذه التسوية السياسية وعن آفاق الحل وبناء الاستقرار والسلام ، إلا أن أملهم باء بخيبة أمل وذهبت أحلامهم أدراج الرياح .
وقد بنى الاسرى الفلسطينيون تطلعاتهم باقتراب تمتعهم بالحرية من منطلق ان التسويه السياسية قد وضعت حدا للحرب والصراع والكراهية بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وبالتالي فإن المرحلة الجديده تقضي الافراج عنهم باعتبارهم جنودا كانوا أحد عناصر الصراع الذي وضعت اتفاقية بناء السلام نهاية له .
ان توقعات الاسرى انطلقت من مقومات عقائدية ، وتنظيمية وذاتية شكلت بمجملها المنهجية السياسية والفكرية التي ميزت مجتمع الحركة الاسيرة من ناحية السلوك والتربية وقواعد الالتزام ، فالاسرى ينظرون الى ذاتهم بأنها بأنها تحظى بالاهتمام لدى الجميع ، وبأنهم خيرة ابناء الشعب الفلسطيني و رموزه وأبطاله وبأن نضالاتهم وتضحياتهم ومعاناتهم الطويلة هي التي أوصلت الى طريق السلام والحل السلمي والتعايش وبالتالي هم أحق فئات الشعب بالتمتع بثمار السلام العادل وبالحرية وبالمشاركة في بناء المجتمع الفلسطيني .
الاسرى بذلك أقاموا تصوراتهم على أساس انهم يحتلون مكانه خاصة لاجدل حولها في تفكير وعقلية قيادتهم ، إضافة الى حصيلة ثقافية اختمرت لديهم من مجموع التجارب العالمية التي درسوها ، وإطلاق سراح الأسرى في حالة التوقيع على اتفاقيات سلام بين الدول المتصارعة ، كعملية اطلاق سراح الاسرى وفق جدول زمني بعد توقيع اتفاقية سلام بين ايرلندا وبريطانيا عام 1998م .
لقد نص الاتفاق بين حكومة المملكة المتحده لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية وحكومة ايرلندا بتاريخ 10/4/1998 على مايلي :
• كلا الحكومتين ستضعان آليات لتشكل برنامجا سريعا لاطلاق سراح الأسرى بمن فيهم الاسرى المدانون باعتداءات في ايرلندا الشمالي .
• سوف تكمل الحكومتان عملية مراجعة خلال إطار زمني محدد وتحدد تواريخ الافراج عن الأسرى المستوفين للشروط في فترة لاتزيد عن سنتين .
• ان الحكومتين سوف تسعيان الى تطبيق هذه الترتيبات مع نهاية حزيران 1998.
• ستستمر الحكومتان بالاعتراف بأهمية الاجراءات التي تسهل اعادة اندماج الاسرى في المجتمع .
ان اتفاقية اوسلو التي فتحت عهدا جديدا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وشكلت منعطفا تاريخيا وتحولاً نوعياً على مسار القضية الفلسطينية لم تتطرق الى قضية الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية نهائياً والذين بلغ عددهم عند التوقيع على هذه الاتفاقية اكثر من احد عشر الف أسير فلسطيني وعربي في مختلف السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف ،فنصوص وبنود الاتفاقيه تخلو من أية إشارة او معالجة لمسألة الاسرى . وقد اكد على ذلك زياد ابو زياد وعضو لجنة المفاوضات في حينها في ندوه عقدت في القدس بقوله " انه لم يتم طرح قضية المعتقلين في أوسلو بشكل أساسي وجدي ولم يتم التطرق اليها وتم الاعتماد حسن نوايا الجانب الاسرائيلي كما انه لا يوجد اي بند من بنود أوسلو خاص بالمعتقلين في حين انه سبق التوقيع على الاتفاقية تأكيدات مختلفة على لسان مسؤولين فلسطينين حول أهمية قضية المعتقلين باعتبارها في سلم الاولويات والاهتمامات لديهم .
وكتب المحامي زياد ابو زياد ان عدم إدراج قضية الأسرى يعود الى أسباب ذاتية تتعلق بالمفاوض الفلسطيني وذلك عندما قال " ان الذين شاركوا في المفاوضات السرية التي أدت الى اتفاق أوسلو لم يكن بينهم اي مفاوض فلسطيني من داخل الاراضي المحتله وان هؤلاء ليست لديهم الحساسية التي يتعامل بها فلسطينيو الاراضي المحتلة اتجاه قضية الأسرى" .
وأقر المفاوض نبيل شعث " ان خطأ قد حصل " ، ووجه رسالة خاصة عبر الراديو الى المعتقلين وعدهم فيها بأنه لن يتم التوقيع على اتفاق القاهره الا اذا تم التوصل الى اتفاق مفصل بشأن الاسرى وتحديد جدول زمني لعملية الافراج عنهم .
وتوالت الوعود والتصريحات على لسان مسؤولين فلسطينيين تؤكد على العمل من أجل الافراج عن جميع المعتقلين دون استثناء وذلك على ضوء حالة الاستياء التي عمت أوساط الاسرى وأهاليهم بعد إعلان بنود وثيقة المباديء على الملاء .
أما الجانب الاسرائيلي فقد أخذ ينفي وجود اي اتفاق او التزام أو حتى وعود بإطلاق سراح المعتقلين ولكنه من منطلق ما أسماه بناء الثقه " ومن جانب واحد قام بعد التوقيع على وثيقة إعلان المباديء بإطلاق سراح 600 أسير فلسطيني على ثلاث دفعات ، ويبدو في التحليل النهائي ان المفاوض الفلسطيني إما اعتمد على حسن نوايا حكومة اسرائيل فيما يتعلق بالافراج عن الاسرى الفلسطينيين حيث اعتقد انها ستكون نتيجه منطقية لاي اتفاقية سلام ، وإما ان قضية الاسرى لم تكن بالنسبه له ذات اولوية وأهمية أمام قضية إعادة انتشار الجيش الاسرائيلي واقامة الحكم الذاتي الفلسطيني وما بين الاحتمالين تفجرت أزمة الاسرى وظلت مدار جدل في طريقة معالجتها في السنوات الاحقة .
الطعن في مصداقية الاتفاق :
جاء موقف الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية مفعما بالاستياء الشديد وعكس موضوع تجاهل قضيتهم في أوسلو وترك آثارا نفسية صعبة وكبيرة عليهم حيث أصيبو وأهليهم بخيبة أمل وتساءلوا عن مكانهم في الاتفاقيه ، وخرجت منهم عشرات الرسائل والبيانات الموجهه الى القيادة الفلسطينيه ومؤسسات حقوق الانسان تظهر مدى ما أصابهم من إحباط معبرين فيها عن عدم رضاهم عن أداء المفاوض الفلسطيني وطالبوا في هذه الرسائل الجماهير الفلسطينية التحرك والعمل لإثارة قضيتهم وإطلاق سراحهم .
هل ستضعنا خطة كيري أمام أوسلو ٢ ؟!
بقلم: راسم عبيدات
الطبخة او الخطة او الحل السياسي الذي سيحمله كيري في جولته القادمة للمنطقة، بوصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، مرعب ولا يمكن لأي فلسطيني الموافقة عليه، ولا يوجد ما تتفاوض عليه الأطراف، فالطبخة والخطة تشترط الإعتراف بيهودية الدولة، فضلاً عن المفاوضات على الحدود تراعي حدود عام 1967،مع مراعاة الكتل الإستيطانية القائمة بأمر الواقع، وتواجد عسكري اسرائيلي وامريكي في الأغوار لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ومحطات إنذار اسرائيلية على رؤوس جبال الضفة الغربية، وقوات مشتركة متعددة الجنسية على الحدود الفلسطينية - الأردنية.
وواضح ان كيري استبق جولته الجديدة للمنطقة، بسلسلة مكثفة من اللقاءات السياسية والأمنية بين الأطراف العربية والدولية والأمريكية والإسرائيلية والفلسطينية، تضمن فرض مثل هذه الطبخة والخطة السياسية، وخصوصاً ان القيادتين السياسيتين الأمريكية والإسرائيلية، باتتا على قناعة تامة، بان هذه الفترة تشكل فرصة ذهبية لإسرائيل وامريكا، لفرض مشروع يصفي القضية الفلسطينية بشكل كامل، وخصوصاً بان الأخطار العربية المحيطة بإسرائيل لم تعد قائمة والحديث يجري عن حل انتقالي واتفاق إطار، يجري الإتفاق على تفاصيله خلال عام.
ونحن الذين اكتوينا بنار الإتفاقيات المؤقتة والإنتقالية، ندرك بأن الإحتلال والداعمين له،لا يلتزمون ولا يحترمون أية اتفاقيات، ويستغلونها فقط من اجل كسب الوقت وفرض وقائع وحقائق جديدة،فأوسلو الذي وقع في ايار 1993،كان مفروض ان ينتهي في أيار/1999،تنسحب اسرائيل خلاله من 90 % من أراضي الضفة الغربية،لنجد بعد عشرين عاماً بأن هذا الإتفاق قد كرس الإستيطان وضاعفه بأكثر من عشرة أضعاف والمزيد من مصادرة الأرض ونهبها كذلك المزيد من الشهداء والأسرى والجرحى.
ما يجري الحديث حوله من اتفاق إطار في نهاية كانون ثاني من العام القادم/ 2014 والذي حجزت له الخارجية الأمريكية على حد قول الصحيفة الإسرائيلية "يديعوت أحرنوت "(50) غرفة في أفخم فنادق القدس الغربية، لكي تكون جاهزة من اجل إستقبال (130 ) من طاقم كيري الذي له علاقة بالمفاوضات، والذين سيخوضون لقاءات امنية وسياسية مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في هذا السياق جرى لقاء امني فلسطيني - امريكي قبل أسبوع ، قاده من الجانب الفلسطيني اللواء ماجد فرج مسؤول المخابرات الفلسطينية، حيث جرى نقاش بنود الإتفاق الأمني الذي صاغة الجنرال الأمريكي جون آلن، وكيري يستعد لجولته الجديدة من اجل صياغة بنود الإتفاق في شقه السياسي، والتوصل إلى اتفاق إطار، يجري التفاوض حول تطبيق تفاصيله خلال عام.
وسبق ذلك لقاء بين المبعوث الأمريكي للشرق الوسط ولعملية السلام مارتن انديك والرئيس أبو مازن في المقاطعة، ولنفس الغاية والغرض التقى الرئيس أبو مازن مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، فالعرب وبالتحديد مشيخات النفط الخليجية وعلى رأسهم بندر بن سلطان، والذي تسلم الملف الفلسطيني بعد فشل قطر في معالجة الملف السوري، سيمارسون ضغوطاً على السلطة ورئيسها لقبول خطة او مشروع كيري، والذي سيضعنا أمام مشروع سياسي أخطر بكثير من مشروع اوسلو، وسنكون امام كارثة حقيقية تمس حقوقنا وثوابتنا ومشروعنا الوطني، وبالتحديد قضايا اللاجئين والقدس، مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني.
فكيري القادم للمنطقة، يريد هذا الإتفاق بأي شكل لكي يتجنب فشل المفاوضات، ويعبر نيسان القادم،نهاية الفترة المحددة للتفاوض(تسعة شهور)، وقد كسب المزيد من الوقت، وبمجرد توقيع الإتفاق تفرض حقائق ووقائع جديدة، يصبح على السلطة الفلسطينية التعاطي والتعامل معها،والمأساة والطامة الكبرى، ان وفد السلطة للمفاوضات المستقيل والمتبقي منهم في لقاءات ومحاضرات لهم صرحوا وقالوا بأن حكومة نتنياهو عادت للمفاوضات لأسباب تكتيكية وليس كإستراتيجية سلام، وما يثير السخرية والإستغراب، ما صرح به محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والوزير في ثلاث حكومات سابقة ورئيس مؤسسة "بكدار، في معرض تبريره لإستقالته من الوفد المفاوض، بأن اسرائيل تنصلت من إلتزاماتها وتعهداتها التي على أساسها عاد الفلسطينيون للمفاوضات، وهو يدرك بان ذلك كذب وخداع وتضليل، فالسلطة الفلسطينية عادت للمفاوضات متعارضة مع أغلب مكونات المجتمع الفلسطيني ومركباته من احزاب وقوى ومؤسسات مجتمع مدني وجماهير ومتجاوزة قرارات المؤسسات الفلسطينية من لجنة تنفيذية ومجلس مركزي التي رفضت العودة للمفاوضات، بدون الوقف الشامل للإستيطان وإطلاق سراح الأسرى، بل وفي عودة السلطة للمفاوضات فرض نتنياهو شروطاً ومعادلات جديدة،حيث قسم أسرى ما قبل اوسلو(104) أسرى إلى أربع دفعات، ومع إطلاق سراح كل دفعة او مجموعة منها، يتم الإعلان عن مشاريع ومناقصات إستيطانية لبناء المزيد من الاف الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية، وبالتالي العودة لتلك المفاوضات، لم تأت من اجل وقف الإستيطان وتحرير الأسرى وحماية القدس،فشتيه بعظمة لسانه يقول أن اسرائيل قسمت المدة الزمنية المحددة للتفاوض(9 ) شهور الى ثلاثة مراحل ثلاثة أشهر للعب وثلاثة اشهر للتواصل وثلاثة أشهر لعقد الإجتماعات، وكان يشعر بانه يتفاوض مع تسيفي ليفني واسحق مولخو، وليس مع الحكومة الإسرائيلية،التي كانت عندما تطلق دفعة من الأسرى الفلسطينيين عدد من وزرائها يتظاهرون أمام السجن الذي سيطلق سراح الأسرى الفلسطينيين منه، فضلاً عن انه خلال فترة الثلاثة أشهر من التفاوض استشهد 31 فلسطينياً وهدم اكثر من 206 منازل فلسطينية، واعتقل حوالي (600) فلسطيني، وهذا يؤكد على ان هذه الحكومة المتطرفة، لا يوجد في برنامجها سوى المزيد من الإستيطان والقتل والتدمير وفرض الوقائع والحقائق، والتفاوض من اجل التفاوض، بدون تقديم أية استحقاقات او تنازلات جدية من اجل السلام.
أما صاحب كتاب ونظرية «الحياة مفاوضات»، كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات، فقد قال في جولة له مع قناصل وسفراء اجانب، بانه عاد الى بيت لحم بعد شهر، ليجد بأن هناك شوارع للإسرائيليين واخرى للفلسطينيين، وبأن المزيد من الأرض التهمت وصودرت، وانا بدوري أتساءل واقول «صح النوم»، فهل هو قادم من كوكب آخر وهو يقود المفاوضات ويعرف جيداً ماذا يحدث على الأرض؟، ولا يجوز استغفال واستهبال هذا الشعب العظيم والمضحي، والعمليات الإستعراضية للإستقالة والعودة عنها.
جولة كيري هذه هي الأخطر والإدارتان الأمريكية والإسرائيلية مصممتان على فرض حل وتسوية على شعبنا الفلسطيني، يريدون التقاط هذه الفرصة التاريخية من اجل إنهاء القضية الفلسطينية وتصفية حقوق شعبنا الفلسطيني، مستفيدين من الحالة العربية الضعيفة والمنهارة، والواقع الفلسطيني المنقسم والضعيف، ولذلك فإن الجميع يتحمل المسؤولية، السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولى والقوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وعلينا أن نستفيد من المتغيرات والتوازنات الجديدة للفكاك من الرعاية الأمريكية المنفردة والمنحازة بشكل سافر لإسرائيل، من اجل المطالبة بعقد جنيف دولي للقضية الفلسطينية،جنيف دولي قد يمكننا من تحقيق الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية والمشروعة، دولة فلسطينية على 22 % من مساحة فلسطين التاريخية،وإلا فإن طبخة وخطة كيري ستكون اسوأ من اوسلو بعشرات المرات، وتحمل مخاطر التصفية والتبديد لحقوقنا الوطنية وقضيتنا الفلسطينية، وسنكون أمام أوسلو (2 ) أسوأ بكثير من اوسلو واحد.
تلغيم «جنيف 2» بأولوية ضرب الإرهاب على الحل السياسي
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
للمرة الأولى قد تعوّل الأمم المتحدة على علماء في الكيمياء في ادارة مؤتمر «جنيف 2» أكثر من اعتمادها على خبراء السياسة والديبلوماسية، لماذا؟ لأن المطلوب، وفق التسريبات والمعلومات المتداولة، تركيبة عجائبية سحرية غير مسبوقة يستطيع كل طرف القول بأنها حققت أهدافه: أن يبقى بشار الأسد ونظامه برضا المعارضة والقوى الدولية لكي يحارب الارهابيين الذين تنبّأ بوجودهم قبل أن يظهروا في حراك الشعب السوري، وأن تحصل المعارضة على صيغة من شأنها تقليص صلاحيات الاسد في طريقه الى الرحيل وتغيير صيغة النظام باتجاه تمثيل أوفى للمكوّنات الطائفية للمجتمع.
كما المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية التي سادت فيها مرجعية اتفاق الطرفين على لا مرجعية القرارات الدولية مع استحالة العودة الى تلك القرارات حتى لو اختلف الطرفان وتوقف التفاوض، كذلك ستُغلَّب في مفاوضات المعارضة - النظام مرجعية توافق الطرفين الاميركي والروسي، ولا مرجعية سواها، خصوصاً أن الأخير عطّل صدور أي قرار عن مجلس الأمن ولم يقبل إلا بيان «جنيف 1». كان لافروف تمكن من اقناع هيلاري كلينتون، خلال لقائهما في سان بطرسبرغ قبل يوم من مؤتمر جنيف في 30 حزيران 2012، بالتعديلات التي اقترحها على ذلك البيان مستبعداً أي اشارة الى تنحّي الاسد.
اكتشفت كلينتون الخدعة متأخرة، اذ تلقّت من واشنطن اتصالات لوم واستهجان، وعندما حاولت تصحيح الخطأ معلنةً أن البيان يعني حكماً تنحّي الاسد، كان لافروف في طريقه الى المطار للمغادرة، إلا أنه عاد ليصحح أن البيان يتحدّث فقط عن تفاوض على «هيئة تنفيذية انتقالية» ولا يتطرّق الى مصير الاسد الذي ردّد دائماً أنه «شأن» الشعب السوري، مفترضاً أن هذا الشعب كانت لديه فعلاً حرية الخيار عندما «انتخب» الأسد مرتين.
ظلّ «التنحّي» و «الرحيل» عنوانين ثابتين في المواقف الاميركية المعلنة فيما كانت قوات «الجيش السوري الحرّ» تحقق تقدماً ميدانياً ضد قوات النظام، وبحدٍّ أدنى من الدعم الخارجي، وعندما احتاجت الى هذا الدعم لتحسم المعركة ضد النظام، بدأ الموقف الاميركي يشهد تحوّلات سلبية صارت اليوم محسومة. فمن جهة، تبنّى تحذيرات روسية واسرائيلية بأن سقوط النظام يؤدي الى «عرقنة» سورية بانهيار الدولة والجيش والأمن وبصعود الاسلاميين المتشددين والارهابيين.
وفي المقابل، لم تستطع المعارضة اقناع واشنطن بأنها انتظمت فعلاً في اطار سياسي - عسكري متماسك وممثل للمكوّنات الاجتماعية بقيادة زعامة معترف بها داخلياً. ففي تشرين الثاني 2012، أطلقت الوزيرة كلينتون تصريحات انتقادية شديدة للمعارضة بعد لقائها وفداً من «المجلس الوطني» ومطالبتها (غير الواقعية) بضمانات للأقليات السورية (العَلَوية تحديداً)، في حين أن هذا «المجلس» لم يكن قادراً على ضمان بقائه، بدليل أن انتقادات كلينتون مهّدت لضغط اميركي على مجموعة «أصدقاء سورية» لاستبدال «الائتلاف» بـ «المجلس».
كان هناك اعتقاد بأن ولادة «الائتلاف» عَنَت تأهب الولايات المتحدة لتسليح نوعي للمعارضة، وبالتالي بداية «عملية اميركية» لإسقاط النظام. بدلاً من ذلك، بادرت واشنطن الى ارسال أولى اشاراتها الى النظام عبر قرارها وضع «جبهة النُصرة» على لائحة المنظمات الارهابية. عشية ذلك القرار، عقد اجتماع اميركي - روسي في دبلن بحضور الاخضر الابراهيمي، وتبعه لقاء مماثل في جنيف ذهب على أثره الابراهيمي الى دمشق ليبلغ الأسد أن الحل السياسي بناء على بيان جنيف يعني فتح الآفاق أمام جميع السوريين ليقرروا شكل النظام الذي يريدونه، وأنه مدعو الى لعب دور ايجابي في هذا المسار، خصوصاً أن يتخلّى طوعاً عن فكرة البقاء في السلطة.
كادت مهمة الابراهيمي تنتهي عند هذا الحدّ، لولا أن روسيا (وأميركا) شجّعته على الاستمرار، وفهم الاسد أن موسكو (وواشنطن) وافقت على أن يحمل المبعوث الدولي - العربي هذه «النصيحة» اليه، لكن الأسد (وإيران) فهم أيضاً أن الاميركيين والروس باتوا يعتبرون بقاءه سبباً لاستشراء ظواهر التطرف الارهابي وعقبةً أمام مكافحتها والحدّ من انتشارها.
وهكذا تبلورت الاستراتيجية الأسدية - الإيرانية، فإذا كانت الدول الكبرى لا تبالي بقضية الشعب السوري ولا تخشى سوى الارهاب، فالأفضل تموضع النظام عسكرياً (بدعم ايراني) كطرف وحيد قادر على ضربه. كيف؟ بمفاقمة الحال الارهابية في مناطق المعارضة واستدعاء المزيد من الارهابيين ولو بتدبير فرارهم من سجون سورية وعراقية.
واذا كانت 2012 سجلت في بدايتها ظهور «أبو محمد الجولاني» قائد «النُصرة» وانتهت بإلحاق هذه الجبهة وصمة «الارهاب» بالثورة السورية، فإن 2013 كانت سنة الاعلان عن دخول «القاعدة» الصراع - «رسمياً» - عبر إنشاء «الدولة الاسلامية للعراق والشام» (داعش)، ما جعل «المجتمع الدولي» يكتفي بتدمير السلاح الكيماوي ويتجاوز مبدأ معاقبة النظام على استخدامه.
وتزامن ظهور «داعش» مع دخول مصطلح «التكفيريين» بمغزاه المذهبي في بروباغندا النظام وطهران وخطب الأمين العام لـ «حزب الله» وأبواقهم، وأصبح التكفيريون عنواناً توجّه اليه الاتهامات بعد كل تفجير في سورية أو لبنان أياً تكن الجهة التي دبّرته. في غضون ذلك، وكلما زاد ظهور المجموعات المتطرفة وتحركها بحرّية وتشكيلها خطراً حقيقياً على مدنيي المعارضة وعسكرييها، زاد تمييع الولايات المتحدة وعودها لتسليح «الجيش الحر» وتلكؤها في تنفيذها ثم تناسيها شيئاً فشيئاً الى أن أصبحت صارمة التشدد في منع حتى الدول الراغبة بتوفير مثل هذا الدعم للمعارضة. ولكثرة المجازفة بإضعاف «الجيش الحر» وحجب الدعم عنه، كتبت واشنطن عملياً نهايته، لتشدّد الضغط على «الائتلاف» كي يلعب اللعبة المرسومة لـ «جنيف 2»، إلا أنها فوجئت بـ «الجبهة الاسلامية» تستولي على أركان «الجيش الحر» وتطرح نفسها بديلاً منه وترفض أقلّه في العلن رغبة اميركية في التحادث معها.
واقعياً، عملت الولايات المتحدة، بموجب التفاهمات مع روسيا، على أن يتزامن الوصول الى موعد «جنيف 2» مع تلاشي القوة العسكرية للمعارضة، ليسهل عندئذ تنفيذ فكرة «توحيد قوى النظام والمعارضة ضد الارهاب». صحيح أن الارادة الاميركية - الروسية هي التي ستسيّر المؤتمر، إلا أن فكرة توحيد القوى هذه تعاني أولاً من عدم وجود نيّة لوقف اطلاق النار قبل المؤتمر، وثانياً من عدم إسنادها بمشروع يوضح أفق الحل السياسي المنشود، ثم أنها تبدو تبسيطية ومنفصلة عن الواقع القتالي وقصف المدنيين بالبراميل المتفجّرة واستمرار النظام في تعزيز موقفه الميداني.
وعلى افتراض الرضوخ للضغوط، فإن المعارضة ستضع نفسها حُكماً تحت الإمرة الايرانية، اذ إن أحد الاختبارات لطهران ما بعد الاتفاق النووي أن تثبت قدرةً على ازالة خطر الارهاب كما أثبتت مهارةً في تصديره وزرعه في مناطق المعارضة. ولذلك لم تغضب ايران من استبعادها عن «جنيف 2»، فهذا يمنحها امكان تخريب المؤتمر من خارجه بعدما حُرمت امكان تخريبه من داخله.
من وحي الدستور المصري..
بقلم: بادية فواز ياسين
هل يشكل التفاف الشعب المصري حول الجيش خطورة كما يستسيغ للكثير وصفه وإطلاق صافرات الإنذار والتحذيرات من هذا التلاحم الفريد من نوعه! والذي هو في الأساس قيمة سامية نادرة في المجتمعات بشكل عام، وفي الوطن العربي بشكل خاص، ينبغي تعزيزها والإثناء عليها لا التنفير منها. على اعتبار أن الأصل في العلاقة يين الشعب وجيشه الوطني هو التماهي والتوافق والإنسجام.
فبدلا من التجني على الجيش المصري، خاصة وأنه مستهدف لعدة اعتبارات، واستعدائه وشنّ الحملات ضده بكيل الإتهامات عليه حسب ما تقتضيه الضرورة ويستلزمه الحدث؛ تارة بسعيه الى احتكار السلطة، وتارة بإقامته تحالفات مرة مع الإخوان المسلمين وتسليمهم السلطة مقابل ضمان مصالحه، ومرة مع الدولة العميقة و"فلولها" لإسقاط الإخوان والتنبيش عن أية مظاهر وردات فعل عنيفة تُظهر شيطنة الجيش وتعمل على تشويه صورته التي ارتبطت تاريخيا في أذهان الشعب المصري وغير الشعب المصري بالإنضباط والتنظيم والوطنية والإسترسال في تحليلات تستغرق في قراءة مشهد آني قصير المدى من خلال رصد جزئية والحكم من خلالها مع تغييب المشهد كاملا من البداية حتى النهاية، ما يجعل الحكم غير منطقي.
فبدلا من كل هذه المهاترات، أعتقد أنه لا بد من الكينونة الواقعية العملية والإلتفات الى سياسات العسكر في ظل الأوضاع المستجدة والتي لم تدلل ولا بأي حال من الأحوال بعد 25 يناير عن نوايا سيئة بغض النظر عن أدواره السابقة، حيث أن هناك أمر لا يشبه ما كان سابقا في شيء؛ إذ أصبح الرأي العام الداخلي ضمن المعادلة بما يمثله من ثقل، وهذا مؤشر يمكن الإستدلال عليه من خلال أسباب استمرارية الثورة وليس فقط من خلال أسباب اندلاعها، الأمر الذي يترك أثره حتما على سياسة العسكر وغير العسكر من العقلاء.
لا بل إن كل المؤشرات تدل على أننا نشهد توجهات إصلاحية لدى قيادات المؤسسة العسكرية تسعى لإعادة تشكيل المجتمع والنظام السياسي لكي يتوافق ومطالب الثوار بالإصلاح وتغيير أسس النظام الحاكم في مصر. وعليه، وبما أن الأمور تقاس بنتائجها، فمن غير الحكمة إسقاط الماضي على الحاضر حتى لا يعيش الشعب المصري في ثورة شكٍ ترقبا لمؤامرة من وحي التمنّي لبعض الفئات التي تحطمت مآربها مع يقظة الشعب المستمرة ومساندة العسكر، في وقتٍ الشعب المصري هو في أمس الحاجة لنُخَبِه، بمن فيها العسكرية، القادرة على تحري المستقبل وبنائه. ليأتي مشروع تأسيس الدستور المصري 2013- 2014 في هذا السياق بمشاركة كافة أطياف المجتمع المصري بمن فيهم شباب الثورة وبإجماع من مختلف الفرقاء ضمن مساحة سياسية في طور التبلور وبولاء مصري مطلق.
ليبدو وكأن مصر تسير نحو نظام سياسي أكثر انفتاحا بما لا يقارن بأي شكل مع الأنظمة السابقة، وليبرهن أن الجيش يمسك بزمام الأمور ليضع مصر على المسار الديمقراطي، وإن لم يكن ديمقراطيا بالمطلق في مراحل أولية من عملية البناء، وليؤكد أن الجيش قادر على إعادة ضبط البوصلة كلما انحرفت عن المسار، حتى وإن كان هذا الإنحراف على أساس رأي أغلبية..
فالديمقراطية أبدا لا تعني أن تضفي قدسية على رأي الأغلبية لتحكم كما تشاء، خاصة وإن كانت تفتقر لعناصر أساسية أهمها الخبرة والحكمة، متجاهلة النخبة والمعارضة والأقليات.
ومن هنا، وفي مسعى المؤسسة العسكرية لحلحلة الإشكاليات التي فشل الإخوان وغيرهم في حلّها، يكون العسكر بذلك قد صحّحوا مسارهم وساروا على الطريق المؤدي الى تحقيق أهداف الثورة وإرادة الشعب. وعليه يفترض أن يقول الشعب المصري نعم لدستورٍ أقل ما فيه أنه مُبَشّرٌ بترسيم علاقات اجتماعية وحقوق مواطنة سليمة كخطوة أولى وأساسية على طريق التغيير والتحول الديمقراطي، الذي لا ولن يأتي في يوم وليلة، للعبور الى المستقبل المنشود ولتصبح مصر كما عهدناها دوما.
مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان
بقلم: خليل حسين
تكاد تكون انتخابات الرئاسة الأولى في لبنان مفارقة بحد ذاتها، فلبنان من الدول النادرة التي يرتبط انتخاب رئيس الجمهورية فيها، بأزمات ذات طابع إقليمي ودولي . فالتدقيق في التاريخ السياسي الانتخابي يظهر اثنتا عشرة أزمة ترافقت مع انتخاب اثنا عشر رئيساً للجمهورية . والمشترك فيها جميعاً أن خيارات الرئاسة، لم تكن يوماً لبنانية بحتة، بقدر ما هي تسويات إقليمية ودولية بنكهة سياسية لبنانية قلَّ نظيرها في السوابق الدولية .
في العام 1943 انتخب بشارة الخوري رئيساً كتسوية داخلية بين فئتين تعكس صورتين متناقضتين، بين أن يكون لبنان عربي الهوية والانتماء أو أن يكون غربي الهوى والأبعاد، جُدد له بولاية ثانية لم يكملها بسبب تطورات عربية أملتها تداعيات حرب 1948 . انتخب كميل شمعون في ظروف المد القومي العربي ولقب بفتى العروبة الأغر، لكنه أنهى ولايته بزج لبنان في محاور غربية عام 1958 الذي استهدف كلاً من سوريا ومصر؛ فانتخب فؤاد شهاب بتسوية أمريكية - مصرية في زمن الوحدة السورية- المصرية فاستقر لبنان في عهده نتيجة التفاهمات الإقليمية والدولية..
لكن عهده انتهى ببداية دخول الأزمة الفلسطينية والعمل المقاوم ضد إسرائيل من لبنان، فانتخب شارل حلو على أمل أن يكون امتداداً للعهد السابق، انقسم المجتمع اللبناني على قاعدة تأييد المقاومة الفلسطينية من عدمها، فكان اتفاق القاهرة الذي حاول تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، تأججت الأزمات الداخلية وانفجرت في منتصف ولاية الرئيس سليمان فرنجية، فانتخب الياس سركيس خلفاً له قبل انتهاء ولاية فرنجية بستة أشهر بتسوية سورية- أمريكية، في وقت دخل العرب وسوريا مباشرة على خط الأزمة اللبنانية .
الدخول الإسرائيلي الأول على خط انتخابات الرئاسة اللبنانية كان مع انتخاب بشير الجميل رئيساً بعد الاجتياح الإسرائيلي عام ،1982 اغتيل قبل تسلمه مقاليد الرئاسة، فانتخب أخوه أمين الجميل الذي شهد عهده أعلى نسبة من الشد والجذب الدوليين، والذي أنهى عهده بفراغ رئاسي ملأته حكومتان تنازعتا السلطة آنذاك، إلى حين ظهور تسوية اتفاق الطائف الذي انتج انتخاب رينيه معوض الذي اغتيل بعد أيام، فانتخب الياس الهراوي الذي مدد له لنصف ولاية، انتهت بانتخاب اميل لحود الذي بقي في الحكم لولاية كاملة مددت نصفها، وشهد عهده انقساماً لبنانياً حاداً أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان .
فراغ رئاسي آخر شهده لبنان قبيل انتخاب ميشال سليمان بعد تسوية الدوحة، شهد عهده مزيداً من الانقسام الحاد بين اللبنانيين، ما ينذر بفراغ رئاسي آخر نهاية عهده في أيار 2014 .
إن التدقيق في وقائع الانتخابات وما يحيط بها من ظروف داخلية، تعكس بشكل أو بآخر تأثر الأطراف اللبنانية بالظروف الإقليمية التي تحاول إسقاطها على واقع الانتخابات الرئاسية، فلبنان منذ نشأته في العام 1920 ظلَّ في مختلف حقباته السياسية موقعاً ممتازاً لاختبارات موازين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، والقابل للاستثمار السياسي والأمني في مختلف الأزمات التي زُج فيها .
اليوم لم يعد سوى أقل من ستة أشهر على نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، في ظروف هي الأشد تعقيداً في تاريخه السياسي . انفجار الأنظمة العربية، علاوة على أثر الأزمة السورية في واقعه الداخلي، ودخوله واقعياً وعملياً في دهاليز الأزمة السورية بأبعادها الإقليمية والدولية .
لكل تلك الأسباب والخلفيات المعلنة والمضمرة، ينتظر لبنان في القليل من الأشهر القادمة ظروفاً ستكون أشد قسوة، في وقت تبدو الأطراف السياسية اللبنانية جميعها عن وعي أو عن غير وعي، ماضية في لعبة الفراغ، باعتبارها تعطي مزيداً من الوقت المستقطع من الأزمة السورية في محاولة لاستثمارها في عملية انتخاب الرئيس القادم، ولو بعد حين .
ففي العام 2008 خففت تسوية الدوحة الشهيرة الكثير من الاحتقان السياسي والأمني الداخلي في لبنان، فانتخب ميشال سليمان تحت توصيف الرئيس التوافقي، انتهت مفاعيل تسوية الدوحة، واللبنانيون اليوم ينتظرون من يجد لهم تسوية أخرى تلائم الظروف المستجدة، فهل يكون مقعد لبنان في جنيف 2 السوري كافياً لإنجاز استحقاقات من هذا الحجم؟ أم أن الأمر يتطلب مؤتمراً خاصاً للبنان ينتج تسوية خاصة به؟
يبدو أن جميع الأطراف اللبنانية تنتظر الحدث السوري، لتبني على الشيء مقتضاه، وهنا تكمن خطورة المسألة باعتبار أن لبنان لا يعتبر فاعلاً أساسياً في الأزمة السورية، بقدر ما هو علبة بريد لهذا الطرف أو ذاك، وبالتالي أن انتخابات الرئاسة القادمة لن تكون بأفضل مما سبقها، وبالتالي ستظل مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان مرتبطة فعلياً وعملياً بظروف المنطقة وبكيفية إدارة أزماتها .
مقالات صحيف الأيام
السريّة والمفاوضات!
بقلم: سميح شبيب
منذ بدء المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، الجديدة، تم الإعلان بوضوح وصراحة بأن هذه المفاوضات ستتمتع بسرية كاملة، ولن تكون في تداول الإعلام. لعله من نافلة القول، بأن السرية بل السرية التامة، هي أمر لازم وضروري، في مسار مفاوضات صعبة وشائكة، ومحطاتها موضع خلاف بين الطرفين الرئيسيين . لعل مراجعة سريعة، لاتفاقات دولية سابقة، ويصلح اتفاق بودوستيك بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية مثالاً عليه. فإن السرية التامة في إنجازه كانت أمراً لازماً لا مفر منه، وعبر تلك السرية، تم تجنب الكثير من الإشكالات داخل الاتحاد السوفياتي نفسه.
وكذلك الأمر، فإن الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي ١٩٩٣، تم طبخه وإنجازه عبر ممرات سرية تامة، لولاها لما تم إنجاز هذا الاتفاق التاريخي. المسألة في مسارات المفاوضات الجارية، والحفاظ على سريتها يرافقها نشر المزيد من التقارير والأخبار والتسريبات عبر الصحافة الإسرائيلية، خاصة "يديعوت احرونوت" و"هايوم" التقارير تتناول مسائل أمنية تتعلق بالمفاوضات ومساراتها، ومواقف الولايات المتحدة، ولعل الاطلاع على تلك التقارير، من شأنه ان يدلل، على أنها تقارير تم إعدادها بعناية فائقة، وبأنها قادرة على إعطاء الانطباع، بأن هناك إعدادات لنقاط اتفاق قادمة .. يأتي ذلك في ظل غياب النص الإعلامي الفلسطيني الذي لا يزال يلتزم بالسرية، حفاظاً على مسارات التفاوض.
المسألة هنا، لا تتعلق بالاحترام بما اتفق عليه .. بمعنى ان المسألة ليست مسألة أخلاقية، بقدر ما هي مسألة سياسية.. ما تقوم به إسرائيل من تسريبات هو جزء من عملها السياسي الرامي الى تفجير المفاوضات وسط الطريق، وخلق المزيد من الإشكالات داخل الوضع الفلسطيني نفسه، وبث ما يخدم مصالح الحكومة الإسرائيلية، داخل الشارع الإسرائيلي نفسه..
لا يعني ذلك، الاستجابة للابتزاز الإسرائيلي، وخروج الطرف الفلسطيني عن صمته، عبر اللجوء الى الإعلام.
المسألة هنا، تحتاج الى وقفة جدية، يتم خلالها دراسة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلي، وتحديد مراميه وأهدافه.. وبالتالي العمل على درء مخاطرها، والحيلولة دون نجاحها، عبر وسائل إعلامية فلسطينية، تأتي عبر معبر واحد، وهو الإعلام الحكومي، والناطق الرسمي، عبر بيانات إعلامية، ترسم الملامح العامة لسير المفاوضات، دون الدخول بتفاصيلها وتفنيد التقارير الإسرائيلية، دون ذكرها ..
هنالك قضايا أمنية بارزة منها مسألة الأغوار والحدود وغيرها، وللفلسطينيين موقف واضح إزاءها، ولا مانع من تجديد هذا الموقف وإبرازه، مع التأكيد على أن المفاوضات لا تزال متواصلةً وهناك إمكانية لنجاحها في حال الالتزام الإسرائيلي الإسرائيلي بمبادئ السلام ومقوماته!
ستجني على نفسها براقش!!
بقلم: هاني عوكل
قريباً سيعود وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة، حتى يتمنى على إسرائيل إطلاق الدفعة الرابعة والأخيرة من سراح الأسرى الفلسطينيين، كما فعل قبل ذلك لإطالة أمد المفاوضات وإبقاء عجلاتها في حركة مستمرة.
الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، ستفرج عنهم إسرائيل أواخر هذا الشهر، لكن مصادر عبرية تقول إن هذا الإفراج مرتبط بإعلان مشروعات استيطانية جديدة، ويأتي بمباركة مختلف أركان الحكومة الإسرائيلية التي تحرص على عدم توقف هذا الاستيطان.
لا يمكن لأحد أن يصدق أن إسرائيل تقدم على إطلاق سراح الأسرى مجاناً، أو أنها تقوم بذلك من أجل السلام أو لتقريب وتحسين علاقاتها مع السلطة الفلسطينية، ذلك أن أي قرار إسرائيلي مستند إلى دراسة معمقة وخطة محكمة، تستهدف في الأساس تحقيق مصلحة البلاد.
الثمن الذي يدفعه الفلسطيني هو الموافقة على استكمال المفاوضات في إطار صفقة الإفراج عن الأسرى، أما موضوع التوسع الاستيطاني فهو تصرف إسرائيلي بحت، غير متصل بموافقة أو عدم موافقة السلطة الفلسطينية عليه، لأن إسرائيل لا تقيم وزناً للسلطة.
إسرائيل لن تتخلى عن الاستيطان ما دامت حية، فهي التي قامت على أساسه سواء في مرحلة ما قبل الدولة أو بعد ذلك، وفي نكسة حزيران العام 1967، احتاجت إسرائيل لاحتلال ومصادرة بعض الأراضي العربية، حتى توسع من نفوذها وتدعم أمنها، أو مبادلة تلك الأراضي المحتلة بالسلام الكامل والآمن الذي يديم وجودها.
هذا أيضاً حصل في أوسلو، حين قسّم الاتفاق الأراضي إلى "أ" و"ب" و"ج"، بما يعني عودة بعض الفصائل الفلسطينية إلى كل من غزة والضفة، وتأسيس سلطة حكم ذاتي على أراضٍ فلسطينية كانت تحتلها إسرائيل، مقابل تحقيق السلام والأمن ومساهمة السلطة في صياغة معادلة أمنية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
إن أحد أسباب عدم نمو أوسلو اتصل تحديداً بالاستيطان، وكان هذا الأخير أكبر حجر عثرة أمام تقدم أي مفاوضات عقدت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، حتى أن خطة خريطة الطريق التي أنتجها الرباعي الدولي توقفت بسبب الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية.
ومن يتابع خط سير المفاوضات السابقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يلاحظ أن فشلها انسحب على الاستيطان، الأمر الذي يعني أن إسرائيل لن توقف هذه السياسة باعتبارها من مرتكزات قيام الدولة الإسرائيلية، ومن الثوابت السياسية غير الساقطة.
ما يضيف على المفاوضات الجارية تعقيدات حقيقية، هو أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي بالفعل حكومة مستوطنين، وعلى الأرجح أن هناك تفاهماً إسرائيلياً - أميركياً يتعلق بموافقة الثانية للأولى على مواصلة التوسع الاستيطاني.
ولعل وزير الدفاع موشيه يعالون كان أكثر من واضح حين علّق على خطط استيطانية جديدة بالقول "إن من حقنا أن نبني وفقاً لتفاهماتنا واتفاقاتنا مع الأميركيين، ووفقاً لذلك سنستمر في البناء"، الأمر الذي يعني أن إسرائيل تتبنى الاستيطان قلباً وقالباً، وتسير به تحت الرعاية الأميركية.
ربما تعتبر إسرائيل أن مفتاح الوصول إلى السلام يكمن في الأرض، وأن تحقيقه الآن صعب للغاية في ظل الصراع المتواصل مع الطرف الفلسطيني، وبالتالي تسعى الدولة العبرية لكسب المعركة على الأرض الفلسطينية عبر تهويدها بالاستيطان، ومن ثم الخوض في السلام.
المعنى أن إسرائيل التي لم تحصل على إجابة موفقة من السلطة الفلسطينية بخصوص الاعتراف بها دولة يهودية، تحاول ترسيم هذه الدولة على الأرض، من جهة مصادرة أراضٍ فلسطينية وتهويد المقدسات وتزوير التاريخ لكسب المعركة.
حينها سنكون أمام معطيات جديدة وأمام تكوم أطنان من الثقل في ميزان القوى الإسرائيلي، وسيصبح السلام إما درباً مستحيلاً على الفلسطينيين، أو أنهم سيقبلون به بمعطيات مختلفة تماماً عن الحالية، وهكذا يكون وكما يقول المثل قد "وقع الفأس في الرأس".
إن ما يفعله نتنياهو الآن هو تهويد الدولة، وأيضاً تهويد السلطة الفلسطينية، إذ في الأولى يتوسع بالاستيطان ومن ثم الديمغرافيا، وأكبر دليل على ذلك ما يتعلق بحجم وأعداد المستوطنين في الضفة الغربية، الذي لم يتجاوز 110 آلاف منذ الإعلان عن أوسلو عام 1993، وما وصل إليه العدد اليوم متجاوزاً النصف مليون مستوطن.
أما موضوع تهويد السلطة الفلسطينية، فهذا يعني إرسالها إلى القاع وإضعافها وشل قدرتها على الحركة، وإبقاءها فاقدة للسيادة الوطنية وصلاحيتها محدودة للغاية، وأما اليوم فهي أضف إلى ذلك، فاقدة للشرعية، الأمر الذي يعني أن إسرائيل تستغل مثل هذا الجرح الفلسطيني الداخلي لتصب الزيت على النار نحو تعميق الكراهية والانقسام والتشتت بين الفلسطينيين.
مع ذلك فإن السلطة وبإرادتها قررت الارتهان لإسرائيل، خصوصاً حين تصمت عن كل هذا التغول الاستيطاني، والأهم عندما يتزامن مع الإفراج عن الأسرى في السجون الإسرائيلية، وكأن ذلك يصبح تواطؤاً فلسطينياً وموافقة ضمنية على الاستيطان الإسرائيلي، مع أنه في حقيقة الأمر ليس كذلك.
كم نددت السلطة وشجبت واستنكرت الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية، وكم نبهت إلى أن ذلك من شأنه أن يفشل المفاوضات، وكم مرة هددت بانسحابها من العملية التفاوضية، وإلى اللحظة تواصل إسرائيل فعل كل ما تريد، دون أن نلمس موقفاً فلسطينياً قوياً تجاه الفظائع الإسرائيلية.
إذا كانت إسرائيل لا تقيم حساباً للسلطة ولا لرد فعلها، فالأولى لنا أن يكون لدينا رد فعل موجه ضد إسرائيل وسياساتها، ومن شأنه أن يُحصّن البيت الفلسطيني الداخلي، لأن السكوت عن مواصلة الاستيطان في حضرة مفاوضات هشة، يعمق من أزمة السلطة ويربطها بعلامات استفهام مشبوهة وكثيرة.
لماذا لا نختبر الموقفين الأميركي والأوروبي ونضعهما أمام مسؤولياتهما تجاه ما يسمى العملية السلمية، مع العلم أنهما طالبا إسرائيل بالتوقف عن إعلان أي مشروعات استيطانية جديدة، وعليه إذا صح القول إن هناك مشروعات سيتم الإفراج عنها مع الدفعة الثالثة للأسرى الفلسطينيين، فعلى السلطة الفلسطينية وقف مهزلة المفاوضات.
نعم وقف هذه المهزلة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولعل مواصلة إسرائيل للاستيطان يعطي الجانب الفلسطيني فرصةً ويسهل عليه الانسحاب الأحادي من هذه المفاوضات، التي ليس لها مرجعية ولا ظهر يؤمن الحماية للطرفين ويكون الفاصل بينهما ويحفظ حقوقهما.
لقد أخطأت السلطة كثيراً في حقها وفي حق الشعب الفلسطيني، وعليها استثمار الفرصة حتى تقول "لا" في وجه الاستيطان، بما يؤدي إلى خطوات عملية تنسجم وهذه المفردة، أما البقاء عند نغمة التنديد والوعيد وانتظار كيري حتى "يطبطب" على جرحنا ويوصل حبل المفاوضات بلاصق صمغي، فهذا يعني أن السلطة ستجني على نفسها في يوم من الأيام، كما فعلت براقش!
2014: عام تجديد القديم الفلسطيني؟!
بقلم: رجب ابو سرية
بإعلان الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، تكون الأمور بين الدولة والإخوان قد دخلت ضمن دائرة "كسر العظم"، وهذا يعني بأنه ما عاد ممكناً التوصل إلى "حل" من شأنه أن يدخل الإخوان بموجبه، ضمن الحالة السياسية المصرية، كما أن ذلك يعني بأن "فصلاً" من التوتر الميداني ستشهده مصر خلال الفترة القادمة.
على أي حال، فإن إقدام الحكومة المصرية على اتخاذ هذا القرار، يشير إلى أن نظام ما بعد 30 حزيران، في مصر قد بات ممسكاً بمقاليد الأمور الداخلية، وأنه بات قوياً لدرجة أن يقوم بكسر ظهر أكبر تنظيم سياسي في مصر، بل ربما أكبر تنظيم سياسي في المنطقة بأسرها، دون أن يتردد لحظة واحدة، وهذا يؤكد خطأ المسار الذي سار عليه الإخوان منذ 30 حزيران الماضي، وحتى قبل ذلك، حيث كان يمكنهم أن يتجنبوا مثل هذا المصير لو أنهم أبدوا تعقلاً أكبر، لكن ولأن "لو" لا تغير من واقع الحال شيئاً، وحيث إن من شأن ذلك القرار أن يعني ملاحقة عناصر الإخوان وفق القوانين العسكرية، أي دون الحاجة إلى مذكرة اعتقال من قاض، ومن ثم حبسهم دون حكم مدني بالسجن، وما إلى ذلك، فإن ما يعنينا بشكل مباشر هو ما سينجم عن هذا من تداعيات على الجانب الفلسطيني، وبالتحديد على إخوان/ فلسطين.
التوضيح جاء فورياً من وزير التضامن الاجتماعي المصري د. أحمد البرعي، وهو الوزير المختص، والذي سبق له وأن أعلن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين قبل بضعة أسابيع، وقال فيه بالحرف: إن حماس جزء من تنظيم الإخوان المسلمين، وهذا يعني أن كل عنصر من عناصر حماس لم يعد بمقدوره أن يدخل الأراضي المصرية لهذه الصفة وحسب، ولم يعد الأمر يحتاج تهمة أو حكما بضلوعه في عملية تفجير أو أي شيء من هذا القبيل، الذي له علاقة بالأمن المصري، كما أن الأمر هذا يتجاوز الموقف السياسي، فحتى بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لن يكون بمقدور الحكومة القادمة أن تغير هذا القرار بسهولة، وربما كانت الأيام القليلة القادمة ستوضح تماما أبعاد هذا القرار، ليس فقط على تواجد بعض قيادات وكوادر حماس في مصر (موسى أبو مرزوق مثالاً)، وليس فقط على عجز قيادات وكوادر وعناصر حماس المقيمين في غزة من دخول مصر وحسب، ولكن سينعكس على لقاءات المصالحة بالتأكيد وبشكل مباشر وفوري.
علينا أن نراقب ونترقب، إن كانت الحكومة المصرية وفق هذا الإعلان ستقوم باعتقال كل عناصر الإخوان المصريين، دون الحاجة إلى تهمة التورط في عمل أمني مخل بالنظام العام، وإن فعلت، فهل ستقوم باعتقال قيادات وكوادر وعناصر حماس المقيمين بمصر، وإن فعلت، فكيف يمكن أن تظل مصر - بعد ذلك - راعياً لملف المصالحة بين فتح وحماس، حيث إن قيادات حماس لن يكون بمقدورها دخول الأراضي المصرية؟!
طبعاً، هذا الإعلان يزيد من الوضع الحالي في غزة سوءاً، ويزيد من الضغط على حماس، في غزة - خاصة - والتي باتت لا تعرف ماذا تفعل، هل تواصل "استجداء" أبو مازن لإنجاز المصالحة، وخروجها من المأزق، أم تفتح الجبهة مع إسرائيل، سعياً لقلب الطاولة، وهي تدرك أنها هذه المرة، قد لا تنجو من السقوط من على كرسي الحكم في غزة، وأن أحداً لن يسارع إلى نجدتها من آلة الحرب الإسرائيلية؟
الأيام الماضية الأخيرة، شهدت مؤشرات على ما يمكن أن يحدث من مؤشرات الانفجار، حيث باتت غزة في "طنجرة" الضغط، تغلي، وبالتأكيد، فإن أفضل خيار للفلسطينيين، هو أن يتم إنجاز المصالحة فوراً، ليس فقط لتجنيب غزة الكارثة القادمة، بل أيضاً لإنقاذ السلطة من المأزق التفاوضي الحالي، والذي باتت مقدماته واضحة عبر اتفاق الإطار، الذي يسارع جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة إلى عقده مع نهاية شهر كانون الثاني القادم.
أبو مازن الذي أكد خروج الـ 26 أسيراً بعد غد الأحد، يشير بذلك إلى تجاوز المفاوضات عنق الزجاجة، والأهم أنه بشّر بإنجاز المصالحة قريباً، بما يشير إلى أن السلطة ربما تسعى إلى "تمرير" اتفاق الإطار، مع اتفاق المصالحة، حيث لن يكون بمقدور حماس رفض المصالحة، فيما تعجز السلطة عن رفض اتفاق الإطار، وهي بحاجة إلى أجواء شعبية من نمط تلك التي ستحتفل بإعلان المصالحة، حتى يمر اتفاق إطار يتضمن حلاً انتقالياً، وربما دولة مؤقتة، على خير، دون أن يواجه المفاوض الفلسطيني برفض سياسي وشعبي عارم.
إنما هي أيام إذا، ويتأكد لنا أن العام 2014 قد يحمل مع بداياته، التوصل لاتفاق انتقالي، لا يختلف كثيرا عن اتفاق أوسلو قبل عشرين سنة، أي التجديد لاتفاق قديم، وربما أيضاً التجديد لنظام سياسي قديم، عجز عن الوصول بالفلسطينيين إلى آفاق الحرية رغم التضحيات الجسيمة، بكل آلياته ورموزه وأشكاله!
رئيس وحكومتان: مقاربة جديدة للمصالحة الوطنية
بقلم: محمد ياغي
شاءت "حماس" أم أبت، فإن قرار الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين حركة "إرهابية" سينعكس سلباً عليها وعلى أهل غزة عموماً. وليس من المستبعد أيضا، أن تصدر السلطات المصرية قراراً باعتبار "حماس" تنظيما إرهابيا بسبب جذورها وعلاقتها بالإخوان المسلمين ("المصري اليوم" - الإثنين المنصرم).
لن نتوقف هنا عند صحة القرار المصري من عدمه، ويكفي القول إن هذا القرار يستدعي صراعا أهليا لا تحتاجه دولة تثقلها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، وتحتاج إلى تكاتف وتماسك وطني لحلها. ما يهمنا هو أن تدرك "حماس" ومعها السلطة في الضفة أن البيئة الإقليمية لم تعد قادرة على خدمة المشروع الوطني الفلسطيني ببعدية "المقاوم" و"المفاوض"، وأن هذه البيئة عاجزة أكثر من أي وقت مضى عن المساهمة في إنهاء الاحتلال أو حتى في رفع الحصار المضروب على غزة منذ سنوات سبع.
في السابق كان هنالك محور للمقاومة وآخر للاعتدال. المقاوم كان قادراً على إسناد "حماس" مالياً وعسكرياً.. والمعتدل كان ملاذ السلطة لتجنيد موقف دولي داعم لها في المفاوضات مع إسرائيل. كلا المعسكرين سقطا!
تركيا فتحت على نفسها باباً كان يمكنها الاستغناء عنه، ورمت بثقلها خلف معارضة مسلحة للنظام السوري أصبحت تخشاها. اليوم همها الوحيد تأمين حدودها مع سورية. وتركيا، كما قطر، كانت قادرة على مساعدة "حماس" سياسياً عندما كانت مصر تحت حكم الإخوان.. اليوم لا حلفاء لحركة "حماس".
السلطة ليست بحال أفضل. الحكومة المصرية منكفئة على نفسها.. كانت حربها على الإرهاب في سيناء فقط، واليوم حربها تشمل مصر كلها بعد تفجير الدقهلية - المنصورة. السعودية أولوياتها معروفة.. تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، ولهذا بالذات هي تعمل على إسقاط النظام السوري وإضعاف حزب الله. ما تبقى من دول عربية كان وزنها أصلاً قبل الربيع العربي خفيفاً، وأصبح منعدماً بعده. بشكل مختصر، البيئة الإقليمية معادية لحركة "حماس" ومجافية للسلطة في الضفة على حد سواء.
هذا المعطى الجديد يفرض على الطرفين "فتح" و"حماس" استعادة الوحدة الوطنية للحفاظ على القضية الفلسطينية من "الضياع".. ونقول "الضياع" لأن فرص استعادة الشعب الفلسطيني لأرضه سواء بالمفاوضات أو بالمقاومة أصبحت أكثر بعداً من أي وقت كان منذ ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
مشاريع الوحدة منذ اتفاق مكة إلى القاهرة لم تنجح، والسبب يعود في الأساس إلى أن طرفي الخلاف أرادا وحدة وطنية تتيح لكل منها الاحتفاظ بمواقفه السياسية ومكاسبه على الأرض. "فتح" أرادت العودة لغزة وإخضاع أجهزة "حماس" الأمنية لها، وأرادت قبول "حماس" ببرنامجها السياسي. "حماس" من جانبها أرادت وحدة تتيح لها اقتسام المنظمة، والحفاظ على سيطرتها الأمنية على غزة، وعدم الالتزام بالمسار السياسي أو بنتائج المفاوضات. هذا النوع من الخلافات لا يمكن التغلب عليه، وبالتالي كان الفشل ملازماً لكل الاتفاقات.
المقاربة الجديدة تنطلق من واقع أن غزة والضفة في ظل الاحتلال ليست وحدة جغرافية واحدة؛ إسرائيل تفصلهما عن بعض، وهي ستتدخل في أية مقاربات للحل بحكم سيطرتها على معابر غزة، وعلى الضفة عموما. بمعنى لو وافقت "حماس" على تسليم غزة للسلطة، فإنها ستبقى في وضع أمني أفضل من أجهزة أمن السلطة، لأن إسرائيل لن تسمح للأخيرة بأن يكون لها سلاح فعال خوفاً من وقوعه في أيدي "حماس"، أو لعدم ثقتها بأمن السلطة. ضمن وضع كهذا حتى لو عادت أجهزة السلطة الأمنية لغزة فهي لن تكون قادرة على بسط سيطرتها عليها.
المسألة الأخرى أن غزة محررة فعلياً ولا تستطيع دبابة أو جندي إسرائيلي دخولها دون مقاومة مكلفه للجانب الإسرائيلي.. بينما الضفة ما زالت خاضعة لسيطرة إسرائيل الأمنية المطلقة. بقاء غزة محررة هو مصلحة فلسطينية لا يجب التفريط بها.
الاعتراف بهذا الواقع هو مقدمة للإقرار بضرورة البحث عن مقاربة فلسطينية جديدة للوحدة هدفها في الأساس الحفاظ على القضية الفلسطينية من الضياع ورفع الحصار عن غزة.
ما الذي يمنع ضمن هذا الواقع أن تكون لمنظمة التحرير حكومتان واحدة في الضفة والثانية في غزة، وكلاهما خاضعتان لسلطة رئيس منظمة التحرير وهو في هذه الحالة الرئيس عباس.
"حماس" تقر خلال ذلك بأن المسار السياسي هو من اختصاص منظمة التحرير، ويتم تمثيلها في مؤسساتها وليس مهماً هنا حجم التمثيل، لأن الأسس التي يمكن البناء عليها لقياس نسبة التمثيل وهي الانتخابات لجموع الشعب الفلسطيني غير ممكنة. التمثيل هنا رمزي هدفه تجاوز مسألة الصراع والخلاف.. وتنحصر مهام الحكومتين في إدارة القضايا اليومية الخاصة بحياة الناس.
حكومة "حماس" يمكنها الاحتفاظ بسيطرتها الأمنية على غزة وهي في النهاية في موقف دفاع عن غزة وليست في موقع الهجوم منه، لكنها في المقابل تتعهد بعدم تنفيذ عمليات من الضفة (هي لم تقم بذلك منذ سنوات)، وتلتزم أيضاً بالسماح بحرية العمل السياسي والإعلامي في غزة. في المقابل تتعهد السلطة في الضفة بالسماح بحرية العمل السياسي لـ "حماس" وبحقها في تشكيل منظمات أهلية خيرية ودعوية.
سياسياً وجود "حماس" داخل المنظمة لا يعني أن المنظمة ستغير من سياساتها (أصلاً لا توجد لحركة حماس خيارات عملية).. وهي لا تعني أيضاً أن "حماس" ستكون شاهد زور على مفاوضات لا تريدها (لا توجد فرصة لاتفاق سياسي مع إسرائيل).. وفي جميع الأحوال يجب الاتفاق بين الطرفين بأن أي اتفاق سياسي محتمل سيكون خاضعاً للتصويت عليه من قبل فلسطينيي الضفة وغزة، وسيلتزم الجميع بنتائج التصويت قبولاً أو رفضاً، وهو ما يعني بأن "حماس" ستحتفظ بحقها في الدعوة لرفض الاتفاق لكنها لن تعترض على تنفيذه إن تم التصويت عليه بنعم.
مقاربة كهذه بشأن الوحدة تساعد أولاً أهل غزة على تجاوز الحصار، وتساعد السلطة في مشروعها التفاوضي، وتخلق مناخاً من الثقة بين الفلسطينيين يمكن البناء عليه لوحدة أعمق وأشمل.
هذه مقاربة تستدعي التفكير - حتى اليوم، "حماس" و"فتح" أرادتا كل شيء ولم تحصلا على شيء. يمكنهما على الأقل في بيئة إقليمية سيئة التوافق على القليل المهم: رفع الحصار عن غزة، وإعطاء حرية التفاوض للرئيس عباس بإجماع فلسطيني.
هل مات "اللامنتمي" فقيراً
بقلم: حسن البطل
لم أقرأ عن روائي في غزارة البريطاني الراحل حديثاً كولن ولسون عن ٨٢ من بين ١٥٠ رواية وكتاباً له، قرأت في شبابي الجامعي اربعاً، لعل أهمها في رأيي: "اللامنتمي" و"ما بعد اللامنتمي" و"طقوس في الظلام" .. لكنني شربت القهوة في حي سوهو اللندني، وتذكرت عنوان رواية ثالثة له قرأتها "ضياع في سوهو"!
امّحت من ذاكرتي تفاصيل روايات أغاثا كريستي، سوى عنوان واحدة "جريمة في قطار الشرق السريع" ولا أتذكر اي عنوان من روايات بوليسية أخرى لشرلوك هولمز وأرسين لوبين، وأخيراً، بلغت من العمر ما أبعدني عن قراءة سخافات أي من روايات (او مشاهدة أفلام) هاري بوتر، لكنني شاهدت، تكراراً، فيلماً ممتعاً لا علاقة له بها، وهو "في البيت لوحده"!.
صدرت أهم رواياته "اللامنتمي" في العام ١٩٥٦ في عز دين الاستقطاب الأيدولوجي والسياسي، لكنني قرأتها بعدها بعشر سنوات.
لعل الجيل الذي قرأها هو الذي صنع ثورات التململ والتمرد الشبابي في أواخر ستينيات القرن المنصرم، في فرنسا بالذات، وكذلك في تمردات حصلت في بعض بلدان "الكتلة الشرقية" .. وربما الثورة الفلسطينية؟!
في صدورها الأول لاقت رواجاً لافتاً، حيث بيعت ٥ آلاف نسخة في يوم واحد، لكن في أيامنا يبيعون أضعاف ذلك من روايات ج.ك. رولينغ عن سلسلة "هاري بوتر" ويصطف عشرات الالوف للحصول على اولى نسخ الاجهزة الرقمية الحديثة من (آي - فون) واضرابها!
هل مات كولن ويلسون فقيراً أو ثرياً وميلونيراً مثل ج.ك. رولينغ؟ لا أعرف، لكن رواية "اللامنتمي" جمعت ٢٠ ألف باوند ( جنيه استرليني)، وهذا يعادل في السعر الجاري ٤٣٠ ألف باوند.
سألتفت الى التضخم النقدي، لأنه كان جزءاً من ردي على صديق أثار سؤالاً: دفع العالم الى السلطة الفلسطينية مبلغاً من المليارات يعادل ضعف ما انفقته اميركا على ترميم الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية (مشروع مارشال).
كان العرب القدماء يجهلون رقم "المليون" ويقولون "ألف - ألف"، والآن يقول العالم بمليون - المليون (بليون او مليار) ومضاعفات البليون التي هي "التريليون".
في ذروة الحرب العالمية الثانية تبرعت أميركا بإصدار شيك لصالح ملكة بريطانيا، وكانت قيمته آنذاك ١٠ ملايين جنيه استرليني للمجهود الحربي البريطاني.
لا اعرف، هل الجيل المقبل سيقرأ عن مضاعفات التريليون، لكنني أتذكر ان أضخم ميزانية في تاريخ سورية إبان وحدتها مع مصر كانت ٢٤٠٠ مليون ليرة سورية، اي بضع مئات ملايين الدولارات.
الآن، يكتب الزميل السوري حسن م. يوسف حنيناً الى "الليرة" السورية ذات اللون الفضي، علماً ان اوقية لحم الضاني في سورية قبل الوحدة مع مصر كانت ٣٥ قرشاً، اي كان يمكن لليرة المحتجبة ان تشتري اكثر من نصف كغم من لحم الضاني .. والآن، يتعاملون هناك بالعشر ليرات بالكاد!
كانت لإسرائيل ليرتها قبل الشيكل ثم الشيكل الجديد، وكان لتلك الليرة اصغر المفردات اي "القرش" وبه غرّمت المحكمة الإسرائيلية الضابط المسؤول عن مجزرة قبية وكل ما في الأمر انهم حذفوا صفرين من الليرة لصالح الشيكل، ثم صفرين آخرين من الشيكل لصالح الشيكل الجديد (حداش).
زميلي التونسي محمد علي اليوسفي يسخر بالأمس على "الفيسبوك" من التضخم النقدي بعد الثورة. "كان لنا دينار صار لنا ديناران متلاصقان، وكانت لنا قطعة بمائة مليم، فصارت لنا قطعتان بمئتين متلاصقتين، كنّا صغاراً نتبارى للحصول عليها من الدكاكين، واليوم بتنا نعرف انها مثلنا: لا تدل الا على التضخم والبؤس الراكض بعد الطفولة".
حدثني صديقي الفلسطيني - الغزي طلعت موسى انه كان طالباً في الجامعات المصرية، قبل حرب حزيران ١٩٦٧، وبعدها تخرج ولم يستطع العودة الى غزة، فاصدر عبد الناصر قراراً باستيعاب خريجي غزة في وظائف حكومية وكانت "ماهية" طلعت ١٢،٥ جنيه مصري شهرياً كانت كافية ليقيم اوده. راتب طلعت يعادل اليوم ٦ شواكل فقط لا غير.. فمن يستطيع تدبير امور الشهر بهذا المبلغ اليوم .. او حتى اليومية؟
تبقى رواية "اللامنتمي" اهم في تاريخ الأدب في اعتقادي من أهمية مؤلف "الوجود والعدم" لفيلسوف الوجودية سارتر، ويبقى كولن ولسون علامة مبكرة في الأدب الجديد، سابقاً على كتاب الوجودية الفرنسية فرانسوا ساغان "هل تحبين برامز" .. وكذا "الصخب والعنف" للأميركي وليم فوكنر.
للروايات والروائيين العظام مكانتهم، أما أسعار مبيعات كتبهم وأجورهم وقت صدورها فهي تتغير بسرعة.
ماذا بعد ألف - ألف والمليون والبليون والتريليون؟ هذا سؤال للجيل المقبل.
انظروا إلى أسعار لوحات الفنانين العظام اليوم؟ كانوا فقراء!
بصمات السيد كلاشينكوف!
بقلم: فاروق وادي / دفاتر الأيام
كم من ميخائيلٍ ألقى بتأثيره على حياتنا؟
لنتصوّر مدى التأثير الذي تركه ميخائيل شولوخوف و"نهر الدون الهادئ" في كتابنا الروائيين!؟
ولنتخيّل، كم تركت نظريات ميخائيل باختين في علم الجمال أثرها في نقادنا، الذين لو كتبوا بالروسيّة لبدوا مفهومين أكثر مما يكتبون بلغة الضاد!
ولنتأمّل.. الآثار السياسيّة التي تركها ميخائيل غورباتشوف في حياتنا السياسيّة، ومدى ما جلبته البيروسترويكا والغلاسنوست من إعادة بناء الكون.. وجعله شديد الشفافية!؟
ويمكننا لو ابتعدنا قليلاً إلى حقول العلوم المختلفة، وحقلي الاقتصاد والاجتماع وغيرها، أن نعثر على ميخائيلات لا يقلون تأثيراً.
أمّا السيد ميخائيل الأكثر تأثيراً في حياتنا نحن الفلسطينيين، فهو دون أدنى شك.. ميخائيل كلاشينكوف!؟
***
والسيد كلاشينكوف، الذي احتفلت روسيا معه، العام 1997، باليوبيل الذهبي لاختراع بندقيته الرشاشة الأكثر شهرة وانتشاراً، هو الميخائيل الذي وسم العديد من مفردات حياتنا منذ انطلاقة الثورة الفلسطينيّة.. وحتّى انعطافتنا الأخيرة ونحن نترنّم بإيقاعات المقاومة اللاعنفيّة!
فسلاح كلاشينكوف، الذي اخترعه الرّوسي المجتهد قبل أن يبلغ الثلاثين من العُمر، وكان واحداً من مائة وخمسين اختراعاً سُجِّلت باسمه، ظلّ على الدوام السلاح الأثير لدى الفدائي الفلسطيني على امتداد سنوات النضال (العنفي!).
وإذا كان هذا الميخائيل قد أثّر باختراعه في الفدائي الذي يعرف تماماً قيمة المميزات التي يتفرّد بها الكلاشينكوف وتفاصيلها الدقيقة، فقد أسهمت علاقة الفدائي الحميمة بهذا النوع من السلاح في صياغة رؤية سياسية فلسطينيّة ترى أن النظريّة الثوريّة تنبع من فوّهة البندقيّة ـ الكلاشينكوف، وذلك بالقدر الذي أثّر فيه بالكتّاب الفلسطينيين، خاصّة في النتاجات التي انتشرت كالنار في هشيم الهزيمة، بعد حزيران 1967، وسطوع نجم المقاومة الفلسطينيّة.
لم يتمكّن كاتب فلسطيني كتب في تلك الحقبة المشتعلة على جبهات نهر الأردن والجولان والجنوب اللبناني، أن يفلت من سحر الكلاشينكوف، فلم يخل نصّ لأديبٍ من ذكره بالاسم، ما جعل كاتباً عربياً يتجرأ بالحديث عن ظاهرة شاعت في الأدب الفلسطيني أطلَق عليها "أدب الكلاشينكوف"، وكان يعني الأدب الذي اكتفى بالحديث عن عمليّة فدائيّة قطع فيها الفدائي مخاضة النهر، وقاتل الأعداء، ثم عاد إلى قواعده سالماً يرفع الكلاشينكوف الذي يعزف مارش النصر، أو أنه ضمّ إلى صدره الكلاشينكوف قبل أن يتوسّد التراب ويتحد جسده بالأرض، ليغمض عينيه في إغفاءة أخيرة.
ومع أن هذا النوع من الأدب وجد من يدافع عنه، كأنما هو جزء لا يتجزأ من مهمّة الدفاع عن حركة المقاومة الفلسطينيّة التي بدأت تشهد حصاراً وتضييقاً على حركتها، فقد نزعت شرارة نقد "أدب الكلاشينكوف" التابو النقدي عن معظم هذا النوع من الأدب، الذي اختبأت فيه الرداءة الفنيّة والمباشرة السياسيّة خلف واجهة التقديس الشعبي للسلاح الأثير على قلب الفدائي.
***
السيد كلاشينكوف (وأعني هنا السيد الرجل بالفعل وليس السلاح الموصوف احتراماً وتبجيلاً بـ "السيد"، كما جاء في إحدى النصوص القصصيّة الفلسطينيّة الأكثر رداءة)، زار في مطلع الألفيّة الجديدة إحدى العواصم العربيّة، وكان قد دخل حينها في السنة الأولى من عقده التاسع في عمره المديد.
وكان يمكن للسيد كلاشينكوف أن يذهب في تدفّقه بالحديث عن اختراعاته التي لا تعدّ ولا تُحصى، والاستفاضة في رواية ما فعله سلاح الكلاشينكوف في سنوات النصف الثاني من القرن العشرين، في أميركا اللاتينيّة وإفريقيا وفيتنام وفي منطقتنا العربية وفلسطين منها في القلب.. وفي غيرها من أصقاع العالم.
غير أن الرجل اكتفى بتوجيه التحيّة للمقاتلين بسلاحه، في فلسطين خاصّة وجنوب لبنان، دفاعاً عن حريّة شعوبهم، قبل أن يذهب في حديث رفاقيّ حميمي وأثير تطرّق فيه لعلاقته بـ "فايينا"، معشوقته التي لم تكن قد بلغت بعد ربيعها الخمسين!
السيد كلاشينكوف، المخترع العاشق، الذي أحبّنا قدر عشقنا لسلاح اخترعه واحتضنّاه مع خفقاتنا الأولى، أعاد علينا دروساً أخرى في الحياة.. والعشق.. والكفاح دون شروط.
***
قبل أيّام من رحيل العام 2013، أعلن المتحدث باسم مخترع السلاح الأثير على قلوبنا، قبل أن نؤثر عليه أسلحة السلام الواهم والتفاوض العبثي، أن ميخائيل تيموفييفيتش كلاشينكوف "لم يعد بيننا"، فقد رحل الرّجل يوم الاثنين الماضي عن أربعة وتسعين عاماً، مخلفاً وراءه مئة مليون قطعة من سلاح حمل اسمه، ولطالما حملناه باعتزاز، مع أحلامٍ غزيرة لا تعرف الذبول.. وبصمات غير قابلة للزوال!.
المقالات في الصحف المحلية،،،ملف رقم (224)
</tbody>
<tbody>
الجمعة
27/ 12 /2013
</tbody>
لماذا الاستهداف المستمر للقطاع؟
حديث القدس
إطلاق الأسرى لا علاقة له بتكثيف الاستيطان
حديث القدس
الفلسفة السياسية للحركة الأسيرة -الحلقة الخامسة
بقلم: عيسى ابوزهيرة
هل ستضعنا خطة كيري أمام أوسلو ٢ ؟!
بقلم: راسم عبيدات
تلغيم «جنيف 2» بأولوية ضرب الإرهاب على الحل السياسي
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
من وحي الدستور المصري..
بقلم: بادية فواز ياسين
مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان
بقلم: خليل حسين
السريّة والمفاوضات!
بقلم: سميح شبيب
ستجني على نفسها براقش!!
بقلم: هاني عوكل
2014: عام تجديد القديم الفلسطيني؟!
بقلم: رجب ابو سرية
رئيس وحكومتان: مقاربة جديدة للمصالحة الوطنية
بقلم: محمد ياغي
هل مات "اللامنتمي" فقيراً
بقلم: حسن البطل
بصمات السيد كلاشينكوف!
بقلم: فاروق وادي / دفاتر الأيام
مقالات صحيف القدس
إطلاق الأسرى لا علاقة له بتكثيف الاستيطان
حديث القدس
مرة أخرى تتردد التقارير عن اعتزام الحكومة الاسرائيلية الإعلان عن مخططات جديدة لإقامة ما بين ألف وآلفين من الوحدات السكنية الاستيطانية، تزامنا مع إطلاق سراح دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية. وقد سبق أن أعلنت تلك الحكومة عن مخططات لتكثيف الاستيطان مع إطلاق سراح الدفعة السابقة، وذلك في تحد سافر لروحية الجولة الراهنة من المفاوضات التي ترعاها الولايات المتحدة، وفي تهديد خطير لها.
ولم تتأثر اسرائيل في حينه بالرفض الفلسطيني والإدانة التي صدرت عن المجتمع الدولي لهذه المخططات، ولا باستقالة أعضاء في الوفد الفلسطيني المفاوض احتجاجا على الإعلان الاسرائيلي، وها هي تعيد الكرة الآن دون أن تأخذ في الاعتبار ردود الفعل الفلسطينية والدولية التي بدأت تتوالى رفضا لمخططات التوسع الاستيطاني، ولمبدأ الاستيطان بحد ذاته.
والذريعة التي تستخدمها الحكومة الاسرائيلية هي ، كما في المرة السابقة، تهدئة المتطرفين في اسرائيل الذين يحتجون على إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين. وهذه ذريعة واهية لأنه لا توجد أي علاقة أصلا بين الإفراج عن الأسرى من ناحية- وهو تصرف يفترض أن تكون اسرائيل قد نفذته منذ عقدين من الزمن، ومع التوقيع على إعلان اوسلو- وبين الإقدام على خطوات يعارضها المجتمع الدولي وتتناقض جوهريا مع المفاوضات وعملية السلام عامة، مثل الاستيطان الذي اعتبرته الأسرة الدولية في قرارات مرجعياتها الشرعية عقبة كبرى في طريق السلام، بل العقبة التي تحول دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التي هي الغاية والهدف من المفاوضات السابقة والحالية بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.
والقطاعات المتطرفة في المجتمع الاسرائيلي، الذي يميل باطراد نحو اليمين، هي قطاعات ترفض العملية السلمية وتتشبث بالاحتلال والاستيطان. واسترضاء هذه القطاعات معناه إعطاء الضوء الأخضر لها لتقوم بنسف وتدمير كل فرص السلام العادل الذي يعيد الأمن والاستقرار لهذه المنطقة.
وقد وصل الاستيطان في الضفة الغربية بالفعل نقطة قريبة من اللاعودة، وتوجد حاليا هياكل حقيقية لدولة استيطانية في الضفة موازية لاسرائيل نفسها، ويتزايد عدد المستوطنين بشكل دراماتيكي حيث يقترب عددهم الآن من ثلاثة أرباع المليون.
إن وجود هذا العدد الكبير من المستوطنين في الأراضي الفلسطينية المحتلة من شأنه أن يقرع ناقوس الخطر أمام كل ممن يعنيه ما يسمى بالسلام والمفاوضات. ولا يجب السكوت على هذه الظاهرة التي تهدد وجود الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإن الاستيطان هو القضية التي يجب إيلاء الاهتمام الأكبر بها لوقف التوسع الاستيطاني أولا، ثم تصفية الظاهرة الاستيطانية واجتثاثها من جذورها، ثانيا.
الأسرى الفلسطينيون يتوجب إطلاق سراحهم وإغلاق هذ الملف المؤلم والحساس نهائيا. وفي الوقت نفسه، فإن الاستيطان يجب أن يتوقف إذا أريد لمفاوضات السلام أن تستمر بشكل إيجابي وذي مصداقية من جانب اسرائيل. وهذه هي الرسالة التي من المناسب توجيهها للوسيط الأميركي، ولكل من يعنيه أمر السلام والأمن والاستقرار لكل شعوب المنطقة وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني.
الفلسفة السياسية للحركة الأسيرة -الحلقة الخامسة
بقلم: عيسى ابوزهيرة
جاء في الحلقات السابقة ان كل محاولات التنكر والجحود وإدارة الظهر لحقوق الأسرى لم تفلح في كسر شوكتهم والنيل من عزيمتهم وارادتهم رغم التضحيات الجسام ، إلا أن اتفاق واسلو ترك أثرا نفسيا ومعنويا وقانونيا سيئا على قضيتهم السياسية والوطنية المهمة .
فمنذ اللحظة الأولى للتوقيع على وثيقة إعلان المبادئ في واشنطن بتاريخ 13/9/1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل حدث تحول نفسي عند الاسرى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الاسرائيلية حيث ارتفعت مستويات التوقع لديهم ، والمتعلقة بإنهاء معاناتهم والافراج عنهم حيث رأوا ان حصيلة اية تسوية سياسية بين طرفي النزاع لا بد وان تشمل اطلاق المعتقلين كجزء لا ينفصل عن هذه التسوية السياسية وعن آفاق الحل وبناء الاستقرار والسلام ، إلا أن أملهم باء بخيبة أمل وذهبت أحلامهم أدراج الرياح .
وقد بنى الاسرى الفلسطينيون تطلعاتهم باقتراب تمتعهم بالحرية من منطلق ان التسويه السياسية قد وضعت حدا للحرب والصراع والكراهية بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وبالتالي فإن المرحلة الجديده تقضي الافراج عنهم باعتبارهم جنودا كانوا أحد عناصر الصراع الذي وضعت اتفاقية بناء السلام نهاية له .
ان توقعات الاسرى انطلقت من مقومات عقائدية ، وتنظيمية وذاتية شكلت بمجملها المنهجية السياسية والفكرية التي ميزت مجتمع الحركة الاسيرة من ناحية السلوك والتربية وقواعد الالتزام ، فالاسرى ينظرون الى ذاتهم بأنها بأنها تحظى بالاهتمام لدى الجميع ، وبأنهم خيرة ابناء الشعب الفلسطيني و رموزه وأبطاله وبأن نضالاتهم وتضحياتهم ومعاناتهم الطويلة هي التي أوصلت الى طريق السلام والحل السلمي والتعايش وبالتالي هم أحق فئات الشعب بالتمتع بثمار السلام العادل وبالحرية وبالمشاركة في بناء المجتمع الفلسطيني .
الاسرى بذلك أقاموا تصوراتهم على أساس انهم يحتلون مكانه خاصة لاجدل حولها في تفكير وعقلية قيادتهم ، إضافة الى حصيلة ثقافية اختمرت لديهم من مجموع التجارب العالمية التي درسوها ، وإطلاق سراح الأسرى في حالة التوقيع على اتفاقيات سلام بين الدول المتصارعة ، كعملية اطلاق سراح الاسرى وفق جدول زمني بعد توقيع اتفاقية سلام بين ايرلندا وبريطانيا عام 1998م .
لقد نص الاتفاق بين حكومة المملكة المتحده لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية وحكومة ايرلندا بتاريخ 10/4/1998 على مايلي :
• كلا الحكومتين ستضعان آليات لتشكل برنامجا سريعا لاطلاق سراح الأسرى بمن فيهم الاسرى المدانون باعتداءات في ايرلندا الشمالي .
• سوف تكمل الحكومتان عملية مراجعة خلال إطار زمني محدد وتحدد تواريخ الافراج عن الأسرى المستوفين للشروط في فترة لاتزيد عن سنتين .
• ان الحكومتين سوف تسعيان الى تطبيق هذه الترتيبات مع نهاية حزيران 1998.
• ستستمر الحكومتان بالاعتراف بأهمية الاجراءات التي تسهل اعادة اندماج الاسرى في المجتمع .
ان اتفاقية اوسلو التي فتحت عهدا جديدا في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وشكلت منعطفا تاريخيا وتحولاً نوعياً على مسار القضية الفلسطينية لم تتطرق الى قضية الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية نهائياً والذين بلغ عددهم عند التوقيع على هذه الاتفاقية اكثر من احد عشر الف أسير فلسطيني وعربي في مختلف السجون والمعتقلات ومراكز التوقيف ،فنصوص وبنود الاتفاقيه تخلو من أية إشارة او معالجة لمسألة الاسرى . وقد اكد على ذلك زياد ابو زياد وعضو لجنة المفاوضات في حينها في ندوه عقدت في القدس بقوله " انه لم يتم طرح قضية المعتقلين في أوسلو بشكل أساسي وجدي ولم يتم التطرق اليها وتم الاعتماد حسن نوايا الجانب الاسرائيلي كما انه لا يوجد اي بند من بنود أوسلو خاص بالمعتقلين في حين انه سبق التوقيع على الاتفاقية تأكيدات مختلفة على لسان مسؤولين فلسطينين حول أهمية قضية المعتقلين باعتبارها في سلم الاولويات والاهتمامات لديهم .
وكتب المحامي زياد ابو زياد ان عدم إدراج قضية الأسرى يعود الى أسباب ذاتية تتعلق بالمفاوض الفلسطيني وذلك عندما قال " ان الذين شاركوا في المفاوضات السرية التي أدت الى اتفاق أوسلو لم يكن بينهم اي مفاوض فلسطيني من داخل الاراضي المحتله وان هؤلاء ليست لديهم الحساسية التي يتعامل بها فلسطينيو الاراضي المحتلة اتجاه قضية الأسرى" .
وأقر المفاوض نبيل شعث " ان خطأ قد حصل " ، ووجه رسالة خاصة عبر الراديو الى المعتقلين وعدهم فيها بأنه لن يتم التوقيع على اتفاق القاهره الا اذا تم التوصل الى اتفاق مفصل بشأن الاسرى وتحديد جدول زمني لعملية الافراج عنهم .
وتوالت الوعود والتصريحات على لسان مسؤولين فلسطينيين تؤكد على العمل من أجل الافراج عن جميع المعتقلين دون استثناء وذلك على ضوء حالة الاستياء التي عمت أوساط الاسرى وأهاليهم بعد إعلان بنود وثيقة المباديء على الملاء .
أما الجانب الاسرائيلي فقد أخذ ينفي وجود اي اتفاق او التزام أو حتى وعود بإطلاق سراح المعتقلين ولكنه من منطلق ما أسماه بناء الثقه " ومن جانب واحد قام بعد التوقيع على وثيقة إعلان المباديء بإطلاق سراح 600 أسير فلسطيني على ثلاث دفعات ، ويبدو في التحليل النهائي ان المفاوض الفلسطيني إما اعتمد على حسن نوايا حكومة اسرائيل فيما يتعلق بالافراج عن الاسرى الفلسطينيين حيث اعتقد انها ستكون نتيجه منطقية لاي اتفاقية سلام ، وإما ان قضية الاسرى لم تكن بالنسبه له ذات اولوية وأهمية أمام قضية إعادة انتشار الجيش الاسرائيلي واقامة الحكم الذاتي الفلسطيني وما بين الاحتمالين تفجرت أزمة الاسرى وظلت مدار جدل في طريقة معالجتها في السنوات الاحقة .
الطعن في مصداقية الاتفاق :
جاء موقف الاسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية مفعما بالاستياء الشديد وعكس موضوع تجاهل قضيتهم في أوسلو وترك آثارا نفسية صعبة وكبيرة عليهم حيث أصيبو وأهليهم بخيبة أمل وتساءلوا عن مكانهم في الاتفاقيه ، وخرجت منهم عشرات الرسائل والبيانات الموجهه الى القيادة الفلسطينيه ومؤسسات حقوق الانسان تظهر مدى ما أصابهم من إحباط معبرين فيها عن عدم رضاهم عن أداء المفاوض الفلسطيني وطالبوا في هذه الرسائل الجماهير الفلسطينية التحرك والعمل لإثارة قضيتهم وإطلاق سراحهم .
هل ستضعنا خطة كيري أمام أوسلو ٢ ؟!
بقلم: راسم عبيدات
الطبخة او الخطة او الحل السياسي الذي سيحمله كيري في جولته القادمة للمنطقة، بوصف الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، مرعب ولا يمكن لأي فلسطيني الموافقة عليه، ولا يوجد ما تتفاوض عليه الأطراف، فالطبخة والخطة تشترط الإعتراف بيهودية الدولة، فضلاً عن المفاوضات على الحدود تراعي حدود عام 1967،مع مراعاة الكتل الإستيطانية القائمة بأمر الواقع، وتواجد عسكري اسرائيلي وامريكي في الأغوار لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ومحطات إنذار اسرائيلية على رؤوس جبال الضفة الغربية، وقوات مشتركة متعددة الجنسية على الحدود الفلسطينية - الأردنية.
وواضح ان كيري استبق جولته الجديدة للمنطقة، بسلسلة مكثفة من اللقاءات السياسية والأمنية بين الأطراف العربية والدولية والأمريكية والإسرائيلية والفلسطينية، تضمن فرض مثل هذه الطبخة والخطة السياسية، وخصوصاً ان القيادتين السياسيتين الأمريكية والإسرائيلية، باتتا على قناعة تامة، بان هذه الفترة تشكل فرصة ذهبية لإسرائيل وامريكا، لفرض مشروع يصفي القضية الفلسطينية بشكل كامل، وخصوصاً بان الأخطار العربية المحيطة بإسرائيل لم تعد قائمة والحديث يجري عن حل انتقالي واتفاق إطار، يجري الإتفاق على تفاصيله خلال عام.
ونحن الذين اكتوينا بنار الإتفاقيات المؤقتة والإنتقالية، ندرك بأن الإحتلال والداعمين له،لا يلتزمون ولا يحترمون أية اتفاقيات، ويستغلونها فقط من اجل كسب الوقت وفرض وقائع وحقائق جديدة،فأوسلو الذي وقع في ايار 1993،كان مفروض ان ينتهي في أيار/1999،تنسحب اسرائيل خلاله من 90 % من أراضي الضفة الغربية،لنجد بعد عشرين عاماً بأن هذا الإتفاق قد كرس الإستيطان وضاعفه بأكثر من عشرة أضعاف والمزيد من مصادرة الأرض ونهبها كذلك المزيد من الشهداء والأسرى والجرحى.
ما يجري الحديث حوله من اتفاق إطار في نهاية كانون ثاني من العام القادم/ 2014 والذي حجزت له الخارجية الأمريكية على حد قول الصحيفة الإسرائيلية "يديعوت أحرنوت "(50) غرفة في أفخم فنادق القدس الغربية، لكي تكون جاهزة من اجل إستقبال (130 ) من طاقم كيري الذي له علاقة بالمفاوضات، والذين سيخوضون لقاءات امنية وسياسية مع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في هذا السياق جرى لقاء امني فلسطيني - امريكي قبل أسبوع ، قاده من الجانب الفلسطيني اللواء ماجد فرج مسؤول المخابرات الفلسطينية، حيث جرى نقاش بنود الإتفاق الأمني الذي صاغة الجنرال الأمريكي جون آلن، وكيري يستعد لجولته الجديدة من اجل صياغة بنود الإتفاق في شقه السياسي، والتوصل إلى اتفاق إطار، يجري التفاوض حول تطبيق تفاصيله خلال عام.
وسبق ذلك لقاء بين المبعوث الأمريكي للشرق الوسط ولعملية السلام مارتن انديك والرئيس أبو مازن في المقاطعة، ولنفس الغاية والغرض التقى الرئيس أبو مازن مع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، فالعرب وبالتحديد مشيخات النفط الخليجية وعلى رأسهم بندر بن سلطان، والذي تسلم الملف الفلسطيني بعد فشل قطر في معالجة الملف السوري، سيمارسون ضغوطاً على السلطة ورئيسها لقبول خطة او مشروع كيري، والذي سيضعنا أمام مشروع سياسي أخطر بكثير من مشروع اوسلو، وسنكون امام كارثة حقيقية تمس حقوقنا وثوابتنا ومشروعنا الوطني، وبالتحديد قضايا اللاجئين والقدس، مرتكزات المشروع الوطني الفلسطيني.
فكيري القادم للمنطقة، يريد هذا الإتفاق بأي شكل لكي يتجنب فشل المفاوضات، ويعبر نيسان القادم،نهاية الفترة المحددة للتفاوض(تسعة شهور)، وقد كسب المزيد من الوقت، وبمجرد توقيع الإتفاق تفرض حقائق ووقائع جديدة، يصبح على السلطة الفلسطينية التعاطي والتعامل معها،والمأساة والطامة الكبرى، ان وفد السلطة للمفاوضات المستقيل والمتبقي منهم في لقاءات ومحاضرات لهم صرحوا وقالوا بأن حكومة نتنياهو عادت للمفاوضات لأسباب تكتيكية وليس كإستراتيجية سلام، وما يثير السخرية والإستغراب، ما صرح به محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» والوزير في ثلاث حكومات سابقة ورئيس مؤسسة "بكدار، في معرض تبريره لإستقالته من الوفد المفاوض، بأن اسرائيل تنصلت من إلتزاماتها وتعهداتها التي على أساسها عاد الفلسطينيون للمفاوضات، وهو يدرك بان ذلك كذب وخداع وتضليل، فالسلطة الفلسطينية عادت للمفاوضات متعارضة مع أغلب مكونات المجتمع الفلسطيني ومركباته من احزاب وقوى ومؤسسات مجتمع مدني وجماهير ومتجاوزة قرارات المؤسسات الفلسطينية من لجنة تنفيذية ومجلس مركزي التي رفضت العودة للمفاوضات، بدون الوقف الشامل للإستيطان وإطلاق سراح الأسرى، بل وفي عودة السلطة للمفاوضات فرض نتنياهو شروطاً ومعادلات جديدة،حيث قسم أسرى ما قبل اوسلو(104) أسرى إلى أربع دفعات، ومع إطلاق سراح كل دفعة او مجموعة منها، يتم الإعلان عن مشاريع ومناقصات إستيطانية لبناء المزيد من الاف الوحدات الإستيطانية في القدس والضفة الغربية، وبالتالي العودة لتلك المفاوضات، لم تأت من اجل وقف الإستيطان وتحرير الأسرى وحماية القدس،فشتيه بعظمة لسانه يقول أن اسرائيل قسمت المدة الزمنية المحددة للتفاوض(9 ) شهور الى ثلاثة مراحل ثلاثة أشهر للعب وثلاثة اشهر للتواصل وثلاثة أشهر لعقد الإجتماعات، وكان يشعر بانه يتفاوض مع تسيفي ليفني واسحق مولخو، وليس مع الحكومة الإسرائيلية،التي كانت عندما تطلق دفعة من الأسرى الفلسطينيين عدد من وزرائها يتظاهرون أمام السجن الذي سيطلق سراح الأسرى الفلسطينيين منه، فضلاً عن انه خلال فترة الثلاثة أشهر من التفاوض استشهد 31 فلسطينياً وهدم اكثر من 206 منازل فلسطينية، واعتقل حوالي (600) فلسطيني، وهذا يؤكد على ان هذه الحكومة المتطرفة، لا يوجد في برنامجها سوى المزيد من الإستيطان والقتل والتدمير وفرض الوقائع والحقائق، والتفاوض من اجل التفاوض، بدون تقديم أية استحقاقات او تنازلات جدية من اجل السلام.
أما صاحب كتاب ونظرية «الحياة مفاوضات»، كبير المفاوضين الدكتور صائب عريقات، فقد قال في جولة له مع قناصل وسفراء اجانب، بانه عاد الى بيت لحم بعد شهر، ليجد بأن هناك شوارع للإسرائيليين واخرى للفلسطينيين، وبأن المزيد من الأرض التهمت وصودرت، وانا بدوري أتساءل واقول «صح النوم»، فهل هو قادم من كوكب آخر وهو يقود المفاوضات ويعرف جيداً ماذا يحدث على الأرض؟، ولا يجوز استغفال واستهبال هذا الشعب العظيم والمضحي، والعمليات الإستعراضية للإستقالة والعودة عنها.
جولة كيري هذه هي الأخطر والإدارتان الأمريكية والإسرائيلية مصممتان على فرض حل وتسوية على شعبنا الفلسطيني، يريدون التقاط هذه الفرصة التاريخية من اجل إنهاء القضية الفلسطينية وتصفية حقوق شعبنا الفلسطيني، مستفيدين من الحالة العربية الضعيفة والمنهارة، والواقع الفلسطيني المنقسم والضعيف، ولذلك فإن الجميع يتحمل المسؤولية، السلطة الفلسطينية بالدرجة الأولى والقوى والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وعلينا أن نستفيد من المتغيرات والتوازنات الجديدة للفكاك من الرعاية الأمريكية المنفردة والمنحازة بشكل سافر لإسرائيل، من اجل المطالبة بعقد جنيف دولي للقضية الفلسطينية،جنيف دولي قد يمكننا من تحقيق الحد الأدنى من حقوقنا الوطنية والمشروعة، دولة فلسطينية على 22 % من مساحة فلسطين التاريخية،وإلا فإن طبخة وخطة كيري ستكون اسوأ من اوسلو بعشرات المرات، وتحمل مخاطر التصفية والتبديد لحقوقنا الوطنية وقضيتنا الفلسطينية، وسنكون أمام أوسلو (2 ) أسوأ بكثير من اوسلو واحد.
تلغيم «جنيف 2» بأولوية ضرب الإرهاب على الحل السياسي
بقلم: عبد الوهاب بدرخان
للمرة الأولى قد تعوّل الأمم المتحدة على علماء في الكيمياء في ادارة مؤتمر «جنيف 2» أكثر من اعتمادها على خبراء السياسة والديبلوماسية، لماذا؟ لأن المطلوب، وفق التسريبات والمعلومات المتداولة، تركيبة عجائبية سحرية غير مسبوقة يستطيع كل طرف القول بأنها حققت أهدافه: أن يبقى بشار الأسد ونظامه برضا المعارضة والقوى الدولية لكي يحارب الارهابيين الذين تنبّأ بوجودهم قبل أن يظهروا في حراك الشعب السوري، وأن تحصل المعارضة على صيغة من شأنها تقليص صلاحيات الاسد في طريقه الى الرحيل وتغيير صيغة النظام باتجاه تمثيل أوفى للمكوّنات الطائفية للمجتمع.
كما المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية التي سادت فيها مرجعية اتفاق الطرفين على لا مرجعية القرارات الدولية مع استحالة العودة الى تلك القرارات حتى لو اختلف الطرفان وتوقف التفاوض، كذلك ستُغلَّب في مفاوضات المعارضة - النظام مرجعية توافق الطرفين الاميركي والروسي، ولا مرجعية سواها، خصوصاً أن الأخير عطّل صدور أي قرار عن مجلس الأمن ولم يقبل إلا بيان «جنيف 1». كان لافروف تمكن من اقناع هيلاري كلينتون، خلال لقائهما في سان بطرسبرغ قبل يوم من مؤتمر جنيف في 30 حزيران 2012، بالتعديلات التي اقترحها على ذلك البيان مستبعداً أي اشارة الى تنحّي الاسد.
اكتشفت كلينتون الخدعة متأخرة، اذ تلقّت من واشنطن اتصالات لوم واستهجان، وعندما حاولت تصحيح الخطأ معلنةً أن البيان يعني حكماً تنحّي الاسد، كان لافروف في طريقه الى المطار للمغادرة، إلا أنه عاد ليصحح أن البيان يتحدّث فقط عن تفاوض على «هيئة تنفيذية انتقالية» ولا يتطرّق الى مصير الاسد الذي ردّد دائماً أنه «شأن» الشعب السوري، مفترضاً أن هذا الشعب كانت لديه فعلاً حرية الخيار عندما «انتخب» الأسد مرتين.
ظلّ «التنحّي» و «الرحيل» عنوانين ثابتين في المواقف الاميركية المعلنة فيما كانت قوات «الجيش السوري الحرّ» تحقق تقدماً ميدانياً ضد قوات النظام، وبحدٍّ أدنى من الدعم الخارجي، وعندما احتاجت الى هذا الدعم لتحسم المعركة ضد النظام، بدأ الموقف الاميركي يشهد تحوّلات سلبية صارت اليوم محسومة. فمن جهة، تبنّى تحذيرات روسية واسرائيلية بأن سقوط النظام يؤدي الى «عرقنة» سورية بانهيار الدولة والجيش والأمن وبصعود الاسلاميين المتشددين والارهابيين.
وفي المقابل، لم تستطع المعارضة اقناع واشنطن بأنها انتظمت فعلاً في اطار سياسي - عسكري متماسك وممثل للمكوّنات الاجتماعية بقيادة زعامة معترف بها داخلياً. ففي تشرين الثاني 2012، أطلقت الوزيرة كلينتون تصريحات انتقادية شديدة للمعارضة بعد لقائها وفداً من «المجلس الوطني» ومطالبتها (غير الواقعية) بضمانات للأقليات السورية (العَلَوية تحديداً)، في حين أن هذا «المجلس» لم يكن قادراً على ضمان بقائه، بدليل أن انتقادات كلينتون مهّدت لضغط اميركي على مجموعة «أصدقاء سورية» لاستبدال «الائتلاف» بـ «المجلس».
كان هناك اعتقاد بأن ولادة «الائتلاف» عَنَت تأهب الولايات المتحدة لتسليح نوعي للمعارضة، وبالتالي بداية «عملية اميركية» لإسقاط النظام. بدلاً من ذلك، بادرت واشنطن الى ارسال أولى اشاراتها الى النظام عبر قرارها وضع «جبهة النُصرة» على لائحة المنظمات الارهابية. عشية ذلك القرار، عقد اجتماع اميركي - روسي في دبلن بحضور الاخضر الابراهيمي، وتبعه لقاء مماثل في جنيف ذهب على أثره الابراهيمي الى دمشق ليبلغ الأسد أن الحل السياسي بناء على بيان جنيف يعني فتح الآفاق أمام جميع السوريين ليقرروا شكل النظام الذي يريدونه، وأنه مدعو الى لعب دور ايجابي في هذا المسار، خصوصاً أن يتخلّى طوعاً عن فكرة البقاء في السلطة.
كادت مهمة الابراهيمي تنتهي عند هذا الحدّ، لولا أن روسيا (وأميركا) شجّعته على الاستمرار، وفهم الاسد أن موسكو (وواشنطن) وافقت على أن يحمل المبعوث الدولي - العربي هذه «النصيحة» اليه، لكن الأسد (وإيران) فهم أيضاً أن الاميركيين والروس باتوا يعتبرون بقاءه سبباً لاستشراء ظواهر التطرف الارهابي وعقبةً أمام مكافحتها والحدّ من انتشارها.
وهكذا تبلورت الاستراتيجية الأسدية - الإيرانية، فإذا كانت الدول الكبرى لا تبالي بقضية الشعب السوري ولا تخشى سوى الارهاب، فالأفضل تموضع النظام عسكرياً (بدعم ايراني) كطرف وحيد قادر على ضربه. كيف؟ بمفاقمة الحال الارهابية في مناطق المعارضة واستدعاء المزيد من الارهابيين ولو بتدبير فرارهم من سجون سورية وعراقية.
واذا كانت 2012 سجلت في بدايتها ظهور «أبو محمد الجولاني» قائد «النُصرة» وانتهت بإلحاق هذه الجبهة وصمة «الارهاب» بالثورة السورية، فإن 2013 كانت سنة الاعلان عن دخول «القاعدة» الصراع - «رسمياً» - عبر إنشاء «الدولة الاسلامية للعراق والشام» (داعش)، ما جعل «المجتمع الدولي» يكتفي بتدمير السلاح الكيماوي ويتجاوز مبدأ معاقبة النظام على استخدامه.
وتزامن ظهور «داعش» مع دخول مصطلح «التكفيريين» بمغزاه المذهبي في بروباغندا النظام وطهران وخطب الأمين العام لـ «حزب الله» وأبواقهم، وأصبح التكفيريون عنواناً توجّه اليه الاتهامات بعد كل تفجير في سورية أو لبنان أياً تكن الجهة التي دبّرته. في غضون ذلك، وكلما زاد ظهور المجموعات المتطرفة وتحركها بحرّية وتشكيلها خطراً حقيقياً على مدنيي المعارضة وعسكرييها، زاد تمييع الولايات المتحدة وعودها لتسليح «الجيش الحر» وتلكؤها في تنفيذها ثم تناسيها شيئاً فشيئاً الى أن أصبحت صارمة التشدد في منع حتى الدول الراغبة بتوفير مثل هذا الدعم للمعارضة. ولكثرة المجازفة بإضعاف «الجيش الحر» وحجب الدعم عنه، كتبت واشنطن عملياً نهايته، لتشدّد الضغط على «الائتلاف» كي يلعب اللعبة المرسومة لـ «جنيف 2»، إلا أنها فوجئت بـ «الجبهة الاسلامية» تستولي على أركان «الجيش الحر» وتطرح نفسها بديلاً منه وترفض أقلّه في العلن رغبة اميركية في التحادث معها.
واقعياً، عملت الولايات المتحدة، بموجب التفاهمات مع روسيا، على أن يتزامن الوصول الى موعد «جنيف 2» مع تلاشي القوة العسكرية للمعارضة، ليسهل عندئذ تنفيذ فكرة «توحيد قوى النظام والمعارضة ضد الارهاب». صحيح أن الارادة الاميركية - الروسية هي التي ستسيّر المؤتمر، إلا أن فكرة توحيد القوى هذه تعاني أولاً من عدم وجود نيّة لوقف اطلاق النار قبل المؤتمر، وثانياً من عدم إسنادها بمشروع يوضح أفق الحل السياسي المنشود، ثم أنها تبدو تبسيطية ومنفصلة عن الواقع القتالي وقصف المدنيين بالبراميل المتفجّرة واستمرار النظام في تعزيز موقفه الميداني.
وعلى افتراض الرضوخ للضغوط، فإن المعارضة ستضع نفسها حُكماً تحت الإمرة الايرانية، اذ إن أحد الاختبارات لطهران ما بعد الاتفاق النووي أن تثبت قدرةً على ازالة خطر الارهاب كما أثبتت مهارةً في تصديره وزرعه في مناطق المعارضة. ولذلك لم تغضب ايران من استبعادها عن «جنيف 2»، فهذا يمنحها امكان تخريب المؤتمر من خارجه بعدما حُرمت امكان تخريبه من داخله.
من وحي الدستور المصري..
بقلم: بادية فواز ياسين
هل يشكل التفاف الشعب المصري حول الجيش خطورة كما يستسيغ للكثير وصفه وإطلاق صافرات الإنذار والتحذيرات من هذا التلاحم الفريد من نوعه! والذي هو في الأساس قيمة سامية نادرة في المجتمعات بشكل عام، وفي الوطن العربي بشكل خاص، ينبغي تعزيزها والإثناء عليها لا التنفير منها. على اعتبار أن الأصل في العلاقة يين الشعب وجيشه الوطني هو التماهي والتوافق والإنسجام.
فبدلا من التجني على الجيش المصري، خاصة وأنه مستهدف لعدة اعتبارات، واستعدائه وشنّ الحملات ضده بكيل الإتهامات عليه حسب ما تقتضيه الضرورة ويستلزمه الحدث؛ تارة بسعيه الى احتكار السلطة، وتارة بإقامته تحالفات مرة مع الإخوان المسلمين وتسليمهم السلطة مقابل ضمان مصالحه، ومرة مع الدولة العميقة و"فلولها" لإسقاط الإخوان والتنبيش عن أية مظاهر وردات فعل عنيفة تُظهر شيطنة الجيش وتعمل على تشويه صورته التي ارتبطت تاريخيا في أذهان الشعب المصري وغير الشعب المصري بالإنضباط والتنظيم والوطنية والإسترسال في تحليلات تستغرق في قراءة مشهد آني قصير المدى من خلال رصد جزئية والحكم من خلالها مع تغييب المشهد كاملا من البداية حتى النهاية، ما يجعل الحكم غير منطقي.
فبدلا من كل هذه المهاترات، أعتقد أنه لا بد من الكينونة الواقعية العملية والإلتفات الى سياسات العسكر في ظل الأوضاع المستجدة والتي لم تدلل ولا بأي حال من الأحوال بعد 25 يناير عن نوايا سيئة بغض النظر عن أدواره السابقة، حيث أن هناك أمر لا يشبه ما كان سابقا في شيء؛ إذ أصبح الرأي العام الداخلي ضمن المعادلة بما يمثله من ثقل، وهذا مؤشر يمكن الإستدلال عليه من خلال أسباب استمرارية الثورة وليس فقط من خلال أسباب اندلاعها، الأمر الذي يترك أثره حتما على سياسة العسكر وغير العسكر من العقلاء.
لا بل إن كل المؤشرات تدل على أننا نشهد توجهات إصلاحية لدى قيادات المؤسسة العسكرية تسعى لإعادة تشكيل المجتمع والنظام السياسي لكي يتوافق ومطالب الثوار بالإصلاح وتغيير أسس النظام الحاكم في مصر. وعليه، وبما أن الأمور تقاس بنتائجها، فمن غير الحكمة إسقاط الماضي على الحاضر حتى لا يعيش الشعب المصري في ثورة شكٍ ترقبا لمؤامرة من وحي التمنّي لبعض الفئات التي تحطمت مآربها مع يقظة الشعب المستمرة ومساندة العسكر، في وقتٍ الشعب المصري هو في أمس الحاجة لنُخَبِه، بمن فيها العسكرية، القادرة على تحري المستقبل وبنائه. ليأتي مشروع تأسيس الدستور المصري 2013- 2014 في هذا السياق بمشاركة كافة أطياف المجتمع المصري بمن فيهم شباب الثورة وبإجماع من مختلف الفرقاء ضمن مساحة سياسية في طور التبلور وبولاء مصري مطلق.
ليبدو وكأن مصر تسير نحو نظام سياسي أكثر انفتاحا بما لا يقارن بأي شكل مع الأنظمة السابقة، وليبرهن أن الجيش يمسك بزمام الأمور ليضع مصر على المسار الديمقراطي، وإن لم يكن ديمقراطيا بالمطلق في مراحل أولية من عملية البناء، وليؤكد أن الجيش قادر على إعادة ضبط البوصلة كلما انحرفت عن المسار، حتى وإن كان هذا الإنحراف على أساس رأي أغلبية..
فالديمقراطية أبدا لا تعني أن تضفي قدسية على رأي الأغلبية لتحكم كما تشاء، خاصة وإن كانت تفتقر لعناصر أساسية أهمها الخبرة والحكمة، متجاهلة النخبة والمعارضة والأقليات.
ومن هنا، وفي مسعى المؤسسة العسكرية لحلحلة الإشكاليات التي فشل الإخوان وغيرهم في حلّها، يكون العسكر بذلك قد صحّحوا مسارهم وساروا على الطريق المؤدي الى تحقيق أهداف الثورة وإرادة الشعب. وعليه يفترض أن يقول الشعب المصري نعم لدستورٍ أقل ما فيه أنه مُبَشّرٌ بترسيم علاقات اجتماعية وحقوق مواطنة سليمة كخطوة أولى وأساسية على طريق التغيير والتحول الديمقراطي، الذي لا ولن يأتي في يوم وليلة، للعبور الى المستقبل المنشود ولتصبح مصر كما عهدناها دوما.
مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان
بقلم: خليل حسين
تكاد تكون انتخابات الرئاسة الأولى في لبنان مفارقة بحد ذاتها، فلبنان من الدول النادرة التي يرتبط انتخاب رئيس الجمهورية فيها، بأزمات ذات طابع إقليمي ودولي . فالتدقيق في التاريخ السياسي الانتخابي يظهر اثنتا عشرة أزمة ترافقت مع انتخاب اثنا عشر رئيساً للجمهورية . والمشترك فيها جميعاً أن خيارات الرئاسة، لم تكن يوماً لبنانية بحتة، بقدر ما هي تسويات إقليمية ودولية بنكهة سياسية لبنانية قلَّ نظيرها في السوابق الدولية .
في العام 1943 انتخب بشارة الخوري رئيساً كتسوية داخلية بين فئتين تعكس صورتين متناقضتين، بين أن يكون لبنان عربي الهوية والانتماء أو أن يكون غربي الهوى والأبعاد، جُدد له بولاية ثانية لم يكملها بسبب تطورات عربية أملتها تداعيات حرب 1948 . انتخب كميل شمعون في ظروف المد القومي العربي ولقب بفتى العروبة الأغر، لكنه أنهى ولايته بزج لبنان في محاور غربية عام 1958 الذي استهدف كلاً من سوريا ومصر؛ فانتخب فؤاد شهاب بتسوية أمريكية - مصرية في زمن الوحدة السورية- المصرية فاستقر لبنان في عهده نتيجة التفاهمات الإقليمية والدولية..
لكن عهده انتهى ببداية دخول الأزمة الفلسطينية والعمل المقاوم ضد إسرائيل من لبنان، فانتخب شارل حلو على أمل أن يكون امتداداً للعهد السابق، انقسم المجتمع اللبناني على قاعدة تأييد المقاومة الفلسطينية من عدمها، فكان اتفاق القاهرة الذي حاول تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان، تأججت الأزمات الداخلية وانفجرت في منتصف ولاية الرئيس سليمان فرنجية، فانتخب الياس سركيس خلفاً له قبل انتهاء ولاية فرنجية بستة أشهر بتسوية سورية- أمريكية، في وقت دخل العرب وسوريا مباشرة على خط الأزمة اللبنانية .
الدخول الإسرائيلي الأول على خط انتخابات الرئاسة اللبنانية كان مع انتخاب بشير الجميل رئيساً بعد الاجتياح الإسرائيلي عام ،1982 اغتيل قبل تسلمه مقاليد الرئاسة، فانتخب أخوه أمين الجميل الذي شهد عهده أعلى نسبة من الشد والجذب الدوليين، والذي أنهى عهده بفراغ رئاسي ملأته حكومتان تنازعتا السلطة آنذاك، إلى حين ظهور تسوية اتفاق الطائف الذي انتج انتخاب رينيه معوض الذي اغتيل بعد أيام، فانتخب الياس الهراوي الذي مدد له لنصف ولاية، انتهت بانتخاب اميل لحود الذي بقي في الحكم لولاية كاملة مددت نصفها، وشهد عهده انقساماً لبنانياً حاداً أثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان .
فراغ رئاسي آخر شهده لبنان قبيل انتخاب ميشال سليمان بعد تسوية الدوحة، شهد عهده مزيداً من الانقسام الحاد بين اللبنانيين، ما ينذر بفراغ رئاسي آخر نهاية عهده في أيار 2014 .
إن التدقيق في وقائع الانتخابات وما يحيط بها من ظروف داخلية، تعكس بشكل أو بآخر تأثر الأطراف اللبنانية بالظروف الإقليمية التي تحاول إسقاطها على واقع الانتخابات الرئاسية، فلبنان منذ نشأته في العام 1920 ظلَّ في مختلف حقباته السياسية موقعاً ممتازاً لاختبارات موازين القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، والقابل للاستثمار السياسي والأمني في مختلف الأزمات التي زُج فيها .
اليوم لم يعد سوى أقل من ستة أشهر على نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان، في ظروف هي الأشد تعقيداً في تاريخه السياسي . انفجار الأنظمة العربية، علاوة على أثر الأزمة السورية في واقعه الداخلي، ودخوله واقعياً وعملياً في دهاليز الأزمة السورية بأبعادها الإقليمية والدولية .
لكل تلك الأسباب والخلفيات المعلنة والمضمرة، ينتظر لبنان في القليل من الأشهر القادمة ظروفاً ستكون أشد قسوة، في وقت تبدو الأطراف السياسية اللبنانية جميعها عن وعي أو عن غير وعي، ماضية في لعبة الفراغ، باعتبارها تعطي مزيداً من الوقت المستقطع من الأزمة السورية في محاولة لاستثمارها في عملية انتخاب الرئيس القادم، ولو بعد حين .
ففي العام 2008 خففت تسوية الدوحة الشهيرة الكثير من الاحتقان السياسي والأمني الداخلي في لبنان، فانتخب ميشال سليمان تحت توصيف الرئيس التوافقي، انتهت مفاعيل تسوية الدوحة، واللبنانيون اليوم ينتظرون من يجد لهم تسوية أخرى تلائم الظروف المستجدة، فهل يكون مقعد لبنان في جنيف 2 السوري كافياً لإنجاز استحقاقات من هذا الحجم؟ أم أن الأمر يتطلب مؤتمراً خاصاً للبنان ينتج تسوية خاصة به؟
يبدو أن جميع الأطراف اللبنانية تنتظر الحدث السوري، لتبني على الشيء مقتضاه، وهنا تكمن خطورة المسألة باعتبار أن لبنان لا يعتبر فاعلاً أساسياً في الأزمة السورية، بقدر ما هو علبة بريد لهذا الطرف أو ذاك، وبالتالي أن انتخابات الرئاسة القادمة لن تكون بأفضل مما سبقها، وبالتالي ستظل مفارقة الرئاسة الأولى في لبنان مرتبطة فعلياً وعملياً بظروف المنطقة وبكيفية إدارة أزماتها .
مقالات صحيف الأيام
السريّة والمفاوضات!
بقلم: سميح شبيب
منذ بدء المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، الجديدة، تم الإعلان بوضوح وصراحة بأن هذه المفاوضات ستتمتع بسرية كاملة، ولن تكون في تداول الإعلام. لعله من نافلة القول، بأن السرية بل السرية التامة، هي أمر لازم وضروري، في مسار مفاوضات صعبة وشائكة، ومحطاتها موضع خلاف بين الطرفين الرئيسيين . لعل مراجعة سريعة، لاتفاقات دولية سابقة، ويصلح اتفاق بودوستيك بين الاتحاد السوفياتي وألمانيا النازية مثالاً عليه. فإن السرية التامة في إنجازه كانت أمراً لازماً لا مفر منه، وعبر تلك السرية، تم تجنب الكثير من الإشكالات داخل الاتحاد السوفياتي نفسه.
وكذلك الأمر، فإن الاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي ١٩٩٣، تم طبخه وإنجازه عبر ممرات سرية تامة، لولاها لما تم إنجاز هذا الاتفاق التاريخي. المسألة في مسارات المفاوضات الجارية، والحفاظ على سريتها يرافقها نشر المزيد من التقارير والأخبار والتسريبات عبر الصحافة الإسرائيلية، خاصة "يديعوت احرونوت" و"هايوم" التقارير تتناول مسائل أمنية تتعلق بالمفاوضات ومساراتها، ومواقف الولايات المتحدة، ولعل الاطلاع على تلك التقارير، من شأنه ان يدلل، على أنها تقارير تم إعدادها بعناية فائقة، وبأنها قادرة على إعطاء الانطباع، بأن هناك إعدادات لنقاط اتفاق قادمة .. يأتي ذلك في ظل غياب النص الإعلامي الفلسطيني الذي لا يزال يلتزم بالسرية، حفاظاً على مسارات التفاوض.
المسألة هنا، لا تتعلق بالاحترام بما اتفق عليه .. بمعنى ان المسألة ليست مسألة أخلاقية، بقدر ما هي مسألة سياسية.. ما تقوم به إسرائيل من تسريبات هو جزء من عملها السياسي الرامي الى تفجير المفاوضات وسط الطريق، وخلق المزيد من الإشكالات داخل الوضع الفلسطيني نفسه، وبث ما يخدم مصالح الحكومة الإسرائيلية، داخل الشارع الإسرائيلي نفسه..
لا يعني ذلك، الاستجابة للابتزاز الإسرائيلي، وخروج الطرف الفلسطيني عن صمته، عبر اللجوء الى الإعلام.
المسألة هنا، تحتاج الى وقفة جدية، يتم خلالها دراسة ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلي، وتحديد مراميه وأهدافه.. وبالتالي العمل على درء مخاطرها، والحيلولة دون نجاحها، عبر وسائل إعلامية فلسطينية، تأتي عبر معبر واحد، وهو الإعلام الحكومي، والناطق الرسمي، عبر بيانات إعلامية، ترسم الملامح العامة لسير المفاوضات، دون الدخول بتفاصيلها وتفنيد التقارير الإسرائيلية، دون ذكرها ..
هنالك قضايا أمنية بارزة منها مسألة الأغوار والحدود وغيرها، وللفلسطينيين موقف واضح إزاءها، ولا مانع من تجديد هذا الموقف وإبرازه، مع التأكيد على أن المفاوضات لا تزال متواصلةً وهناك إمكانية لنجاحها في حال الالتزام الإسرائيلي الإسرائيلي بمبادئ السلام ومقوماته!
ستجني على نفسها براقش!!
بقلم: هاني عوكل
قريباً سيعود وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة، حتى يتمنى على إسرائيل إطلاق الدفعة الرابعة والأخيرة من سراح الأسرى الفلسطينيين، كما فعل قبل ذلك لإطالة أمد المفاوضات وإبقاء عجلاتها في حركة مستمرة.
الدفعة الثالثة من الأسرى الفلسطينيين، ستفرج عنهم إسرائيل أواخر هذا الشهر، لكن مصادر عبرية تقول إن هذا الإفراج مرتبط بإعلان مشروعات استيطانية جديدة، ويأتي بمباركة مختلف أركان الحكومة الإسرائيلية التي تحرص على عدم توقف هذا الاستيطان.
لا يمكن لأحد أن يصدق أن إسرائيل تقدم على إطلاق سراح الأسرى مجاناً، أو أنها تقوم بذلك من أجل السلام أو لتقريب وتحسين علاقاتها مع السلطة الفلسطينية، ذلك أن أي قرار إسرائيلي مستند إلى دراسة معمقة وخطة محكمة، تستهدف في الأساس تحقيق مصلحة البلاد.
الثمن الذي يدفعه الفلسطيني هو الموافقة على استكمال المفاوضات في إطار صفقة الإفراج عن الأسرى، أما موضوع التوسع الاستيطاني فهو تصرف إسرائيلي بحت، غير متصل بموافقة أو عدم موافقة السلطة الفلسطينية عليه، لأن إسرائيل لا تقيم وزناً للسلطة.
إسرائيل لن تتخلى عن الاستيطان ما دامت حية، فهي التي قامت على أساسه سواء في مرحلة ما قبل الدولة أو بعد ذلك، وفي نكسة حزيران العام 1967، احتاجت إسرائيل لاحتلال ومصادرة بعض الأراضي العربية، حتى توسع من نفوذها وتدعم أمنها، أو مبادلة تلك الأراضي المحتلة بالسلام الكامل والآمن الذي يديم وجودها.
هذا أيضاً حصل في أوسلو، حين قسّم الاتفاق الأراضي إلى "أ" و"ب" و"ج"، بما يعني عودة بعض الفصائل الفلسطينية إلى كل من غزة والضفة، وتأسيس سلطة حكم ذاتي على أراضٍ فلسطينية كانت تحتلها إسرائيل، مقابل تحقيق السلام والأمن ومساهمة السلطة في صياغة معادلة أمنية تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة.
إن أحد أسباب عدم نمو أوسلو اتصل تحديداً بالاستيطان، وكان هذا الأخير أكبر حجر عثرة أمام تقدم أي مفاوضات عقدت بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، حتى أن خطة خريطة الطريق التي أنتجها الرباعي الدولي توقفت بسبب الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية.
ومن يتابع خط سير المفاوضات السابقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يلاحظ أن فشلها انسحب على الاستيطان، الأمر الذي يعني أن إسرائيل لن توقف هذه السياسة باعتبارها من مرتكزات قيام الدولة الإسرائيلية، ومن الثوابت السياسية غير الساقطة.
ما يضيف على المفاوضات الجارية تعقيدات حقيقية، هو أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هي بالفعل حكومة مستوطنين، وعلى الأرجح أن هناك تفاهماً إسرائيلياً - أميركياً يتعلق بموافقة الثانية للأولى على مواصلة التوسع الاستيطاني.
ولعل وزير الدفاع موشيه يعالون كان أكثر من واضح حين علّق على خطط استيطانية جديدة بالقول "إن من حقنا أن نبني وفقاً لتفاهماتنا واتفاقاتنا مع الأميركيين، ووفقاً لذلك سنستمر في البناء"، الأمر الذي يعني أن إسرائيل تتبنى الاستيطان قلباً وقالباً، وتسير به تحت الرعاية الأميركية.
ربما تعتبر إسرائيل أن مفتاح الوصول إلى السلام يكمن في الأرض، وأن تحقيقه الآن صعب للغاية في ظل الصراع المتواصل مع الطرف الفلسطيني، وبالتالي تسعى الدولة العبرية لكسب المعركة على الأرض الفلسطينية عبر تهويدها بالاستيطان، ومن ثم الخوض في السلام.
المعنى أن إسرائيل التي لم تحصل على إجابة موفقة من السلطة الفلسطينية بخصوص الاعتراف بها دولة يهودية، تحاول ترسيم هذه الدولة على الأرض، من جهة مصادرة أراضٍ فلسطينية وتهويد المقدسات وتزوير التاريخ لكسب المعركة.
حينها سنكون أمام معطيات جديدة وأمام تكوم أطنان من الثقل في ميزان القوى الإسرائيلي، وسيصبح السلام إما درباً مستحيلاً على الفلسطينيين، أو أنهم سيقبلون به بمعطيات مختلفة تماماً عن الحالية، وهكذا يكون وكما يقول المثل قد "وقع الفأس في الرأس".
إن ما يفعله نتنياهو الآن هو تهويد الدولة، وأيضاً تهويد السلطة الفلسطينية، إذ في الأولى يتوسع بالاستيطان ومن ثم الديمغرافيا، وأكبر دليل على ذلك ما يتعلق بحجم وأعداد المستوطنين في الضفة الغربية، الذي لم يتجاوز 110 آلاف منذ الإعلان عن أوسلو عام 1993، وما وصل إليه العدد اليوم متجاوزاً النصف مليون مستوطن.
أما موضوع تهويد السلطة الفلسطينية، فهذا يعني إرسالها إلى القاع وإضعافها وشل قدرتها على الحركة، وإبقاءها فاقدة للسيادة الوطنية وصلاحيتها محدودة للغاية، وأما اليوم فهي أضف إلى ذلك، فاقدة للشرعية، الأمر الذي يعني أن إسرائيل تستغل مثل هذا الجرح الفلسطيني الداخلي لتصب الزيت على النار نحو تعميق الكراهية والانقسام والتشتت بين الفلسطينيين.
مع ذلك فإن السلطة وبإرادتها قررت الارتهان لإسرائيل، خصوصاً حين تصمت عن كل هذا التغول الاستيطاني، والأهم عندما يتزامن مع الإفراج عن الأسرى في السجون الإسرائيلية، وكأن ذلك يصبح تواطؤاً فلسطينياً وموافقة ضمنية على الاستيطان الإسرائيلي، مع أنه في حقيقة الأمر ليس كذلك.
كم نددت السلطة وشجبت واستنكرت الأعمال الاستيطانية الإسرائيلية، وكم نبهت إلى أن ذلك من شأنه أن يفشل المفاوضات، وكم مرة هددت بانسحابها من العملية التفاوضية، وإلى اللحظة تواصل إسرائيل فعل كل ما تريد، دون أن نلمس موقفاً فلسطينياً قوياً تجاه الفظائع الإسرائيلية.
إذا كانت إسرائيل لا تقيم حساباً للسلطة ولا لرد فعلها، فالأولى لنا أن يكون لدينا رد فعل موجه ضد إسرائيل وسياساتها، ومن شأنه أن يُحصّن البيت الفلسطيني الداخلي، لأن السكوت عن مواصلة الاستيطان في حضرة مفاوضات هشة، يعمق من أزمة السلطة ويربطها بعلامات استفهام مشبوهة وكثيرة.
لماذا لا نختبر الموقفين الأميركي والأوروبي ونضعهما أمام مسؤولياتهما تجاه ما يسمى العملية السلمية، مع العلم أنهما طالبا إسرائيل بالتوقف عن إعلان أي مشروعات استيطانية جديدة، وعليه إذا صح القول إن هناك مشروعات سيتم الإفراج عنها مع الدفعة الثالثة للأسرى الفلسطينيين، فعلى السلطة الفلسطينية وقف مهزلة المفاوضات.
نعم وقف هذه المهزلة، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس، ولعل مواصلة إسرائيل للاستيطان يعطي الجانب الفلسطيني فرصةً ويسهل عليه الانسحاب الأحادي من هذه المفاوضات، التي ليس لها مرجعية ولا ظهر يؤمن الحماية للطرفين ويكون الفاصل بينهما ويحفظ حقوقهما.
لقد أخطأت السلطة كثيراً في حقها وفي حق الشعب الفلسطيني، وعليها استثمار الفرصة حتى تقول "لا" في وجه الاستيطان، بما يؤدي إلى خطوات عملية تنسجم وهذه المفردة، أما البقاء عند نغمة التنديد والوعيد وانتظار كيري حتى "يطبطب" على جرحنا ويوصل حبل المفاوضات بلاصق صمغي، فهذا يعني أن السلطة ستجني على نفسها في يوم من الأيام، كما فعلت براقش!
2014: عام تجديد القديم الفلسطيني؟!
بقلم: رجب ابو سرية
بإعلان الحكومة المصرية جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، تكون الأمور بين الدولة والإخوان قد دخلت ضمن دائرة "كسر العظم"، وهذا يعني بأنه ما عاد ممكناً التوصل إلى "حل" من شأنه أن يدخل الإخوان بموجبه، ضمن الحالة السياسية المصرية، كما أن ذلك يعني بأن "فصلاً" من التوتر الميداني ستشهده مصر خلال الفترة القادمة.
على أي حال، فإن إقدام الحكومة المصرية على اتخاذ هذا القرار، يشير إلى أن نظام ما بعد 30 حزيران، في مصر قد بات ممسكاً بمقاليد الأمور الداخلية، وأنه بات قوياً لدرجة أن يقوم بكسر ظهر أكبر تنظيم سياسي في مصر، بل ربما أكبر تنظيم سياسي في المنطقة بأسرها، دون أن يتردد لحظة واحدة، وهذا يؤكد خطأ المسار الذي سار عليه الإخوان منذ 30 حزيران الماضي، وحتى قبل ذلك، حيث كان يمكنهم أن يتجنبوا مثل هذا المصير لو أنهم أبدوا تعقلاً أكبر، لكن ولأن "لو" لا تغير من واقع الحال شيئاً، وحيث إن من شأن ذلك القرار أن يعني ملاحقة عناصر الإخوان وفق القوانين العسكرية، أي دون الحاجة إلى مذكرة اعتقال من قاض، ومن ثم حبسهم دون حكم مدني بالسجن، وما إلى ذلك، فإن ما يعنينا بشكل مباشر هو ما سينجم عن هذا من تداعيات على الجانب الفلسطيني، وبالتحديد على إخوان/ فلسطين.
التوضيح جاء فورياً من وزير التضامن الاجتماعي المصري د. أحمد البرعي، وهو الوزير المختص، والذي سبق له وأن أعلن قرار حل جماعة الإخوان المسلمين قبل بضعة أسابيع، وقال فيه بالحرف: إن حماس جزء من تنظيم الإخوان المسلمين، وهذا يعني أن كل عنصر من عناصر حماس لم يعد بمقدوره أن يدخل الأراضي المصرية لهذه الصفة وحسب، ولم يعد الأمر يحتاج تهمة أو حكما بضلوعه في عملية تفجير أو أي شيء من هذا القبيل، الذي له علاقة بالأمن المصري، كما أن الأمر هذا يتجاوز الموقف السياسي، فحتى بعد انتهاء الفترة الانتقالية، لن يكون بمقدور الحكومة القادمة أن تغير هذا القرار بسهولة، وربما كانت الأيام القليلة القادمة ستوضح تماما أبعاد هذا القرار، ليس فقط على تواجد بعض قيادات وكوادر حماس في مصر (موسى أبو مرزوق مثالاً)، وليس فقط على عجز قيادات وكوادر وعناصر حماس المقيمين في غزة من دخول مصر وحسب، ولكن سينعكس على لقاءات المصالحة بالتأكيد وبشكل مباشر وفوري.
علينا أن نراقب ونترقب، إن كانت الحكومة المصرية وفق هذا الإعلان ستقوم باعتقال كل عناصر الإخوان المصريين، دون الحاجة إلى تهمة التورط في عمل أمني مخل بالنظام العام، وإن فعلت، فهل ستقوم باعتقال قيادات وكوادر وعناصر حماس المقيمين بمصر، وإن فعلت، فكيف يمكن أن تظل مصر - بعد ذلك - راعياً لملف المصالحة بين فتح وحماس، حيث إن قيادات حماس لن يكون بمقدورها دخول الأراضي المصرية؟!
طبعاً، هذا الإعلان يزيد من الوضع الحالي في غزة سوءاً، ويزيد من الضغط على حماس، في غزة - خاصة - والتي باتت لا تعرف ماذا تفعل، هل تواصل "استجداء" أبو مازن لإنجاز المصالحة، وخروجها من المأزق، أم تفتح الجبهة مع إسرائيل، سعياً لقلب الطاولة، وهي تدرك أنها هذه المرة، قد لا تنجو من السقوط من على كرسي الحكم في غزة، وأن أحداً لن يسارع إلى نجدتها من آلة الحرب الإسرائيلية؟
الأيام الماضية الأخيرة، شهدت مؤشرات على ما يمكن أن يحدث من مؤشرات الانفجار، حيث باتت غزة في "طنجرة" الضغط، تغلي، وبالتأكيد، فإن أفضل خيار للفلسطينيين، هو أن يتم إنجاز المصالحة فوراً، ليس فقط لتجنيب غزة الكارثة القادمة، بل أيضاً لإنقاذ السلطة من المأزق التفاوضي الحالي، والذي باتت مقدماته واضحة عبر اتفاق الإطار، الذي يسارع جون كيري وزير خارجية الولايات المتحدة إلى عقده مع نهاية شهر كانون الثاني القادم.
أبو مازن الذي أكد خروج الـ 26 أسيراً بعد غد الأحد، يشير بذلك إلى تجاوز المفاوضات عنق الزجاجة، والأهم أنه بشّر بإنجاز المصالحة قريباً، بما يشير إلى أن السلطة ربما تسعى إلى "تمرير" اتفاق الإطار، مع اتفاق المصالحة، حيث لن يكون بمقدور حماس رفض المصالحة، فيما تعجز السلطة عن رفض اتفاق الإطار، وهي بحاجة إلى أجواء شعبية من نمط تلك التي ستحتفل بإعلان المصالحة، حتى يمر اتفاق إطار يتضمن حلاً انتقالياً، وربما دولة مؤقتة، على خير، دون أن يواجه المفاوض الفلسطيني برفض سياسي وشعبي عارم.
إنما هي أيام إذا، ويتأكد لنا أن العام 2014 قد يحمل مع بداياته، التوصل لاتفاق انتقالي، لا يختلف كثيرا عن اتفاق أوسلو قبل عشرين سنة، أي التجديد لاتفاق قديم، وربما أيضاً التجديد لنظام سياسي قديم، عجز عن الوصول بالفلسطينيين إلى آفاق الحرية رغم التضحيات الجسيمة، بكل آلياته ورموزه وأشكاله!
رئيس وحكومتان: مقاربة جديدة للمصالحة الوطنية
بقلم: محمد ياغي
شاءت "حماس" أم أبت، فإن قرار الحكومة المصرية بإعلان جماعة الإخوان المسلمين حركة "إرهابية" سينعكس سلباً عليها وعلى أهل غزة عموماً. وليس من المستبعد أيضا، أن تصدر السلطات المصرية قراراً باعتبار "حماس" تنظيما إرهابيا بسبب جذورها وعلاقتها بالإخوان المسلمين ("المصري اليوم" - الإثنين المنصرم).
لن نتوقف هنا عند صحة القرار المصري من عدمه، ويكفي القول إن هذا القرار يستدعي صراعا أهليا لا تحتاجه دولة تثقلها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الخانقة، وتحتاج إلى تكاتف وتماسك وطني لحلها. ما يهمنا هو أن تدرك "حماس" ومعها السلطة في الضفة أن البيئة الإقليمية لم تعد قادرة على خدمة المشروع الوطني الفلسطيني ببعدية "المقاوم" و"المفاوض"، وأن هذه البيئة عاجزة أكثر من أي وقت مضى عن المساهمة في إنهاء الاحتلال أو حتى في رفع الحصار المضروب على غزة منذ سنوات سبع.
في السابق كان هنالك محور للمقاومة وآخر للاعتدال. المقاوم كان قادراً على إسناد "حماس" مالياً وعسكرياً.. والمعتدل كان ملاذ السلطة لتجنيد موقف دولي داعم لها في المفاوضات مع إسرائيل. كلا المعسكرين سقطا!
تركيا فتحت على نفسها باباً كان يمكنها الاستغناء عنه، ورمت بثقلها خلف معارضة مسلحة للنظام السوري أصبحت تخشاها. اليوم همها الوحيد تأمين حدودها مع سورية. وتركيا، كما قطر، كانت قادرة على مساعدة "حماس" سياسياً عندما كانت مصر تحت حكم الإخوان.. اليوم لا حلفاء لحركة "حماس".
السلطة ليست بحال أفضل. الحكومة المصرية منكفئة على نفسها.. كانت حربها على الإرهاب في سيناء فقط، واليوم حربها تشمل مصر كلها بعد تفجير الدقهلية - المنصورة. السعودية أولوياتها معروفة.. تحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة، ولهذا بالذات هي تعمل على إسقاط النظام السوري وإضعاف حزب الله. ما تبقى من دول عربية كان وزنها أصلاً قبل الربيع العربي خفيفاً، وأصبح منعدماً بعده. بشكل مختصر، البيئة الإقليمية معادية لحركة "حماس" ومجافية للسلطة في الضفة على حد سواء.
هذا المعطى الجديد يفرض على الطرفين "فتح" و"حماس" استعادة الوحدة الوطنية للحفاظ على القضية الفلسطينية من "الضياع".. ونقول "الضياع" لأن فرص استعادة الشعب الفلسطيني لأرضه سواء بالمفاوضات أو بالمقاومة أصبحت أكثر بعداً من أي وقت كان منذ ظهور الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.
مشاريع الوحدة منذ اتفاق مكة إلى القاهرة لم تنجح، والسبب يعود في الأساس إلى أن طرفي الخلاف أرادا وحدة وطنية تتيح لكل منها الاحتفاظ بمواقفه السياسية ومكاسبه على الأرض. "فتح" أرادت العودة لغزة وإخضاع أجهزة "حماس" الأمنية لها، وأرادت قبول "حماس" ببرنامجها السياسي. "حماس" من جانبها أرادت وحدة تتيح لها اقتسام المنظمة، والحفاظ على سيطرتها الأمنية على غزة، وعدم الالتزام بالمسار السياسي أو بنتائج المفاوضات. هذا النوع من الخلافات لا يمكن التغلب عليه، وبالتالي كان الفشل ملازماً لكل الاتفاقات.
المقاربة الجديدة تنطلق من واقع أن غزة والضفة في ظل الاحتلال ليست وحدة جغرافية واحدة؛ إسرائيل تفصلهما عن بعض، وهي ستتدخل في أية مقاربات للحل بحكم سيطرتها على معابر غزة، وعلى الضفة عموما. بمعنى لو وافقت "حماس" على تسليم غزة للسلطة، فإنها ستبقى في وضع أمني أفضل من أجهزة أمن السلطة، لأن إسرائيل لن تسمح للأخيرة بأن يكون لها سلاح فعال خوفاً من وقوعه في أيدي "حماس"، أو لعدم ثقتها بأمن السلطة. ضمن وضع كهذا حتى لو عادت أجهزة السلطة الأمنية لغزة فهي لن تكون قادرة على بسط سيطرتها عليها.
المسألة الأخرى أن غزة محررة فعلياً ولا تستطيع دبابة أو جندي إسرائيلي دخولها دون مقاومة مكلفه للجانب الإسرائيلي.. بينما الضفة ما زالت خاضعة لسيطرة إسرائيل الأمنية المطلقة. بقاء غزة محررة هو مصلحة فلسطينية لا يجب التفريط بها.
الاعتراف بهذا الواقع هو مقدمة للإقرار بضرورة البحث عن مقاربة فلسطينية جديدة للوحدة هدفها في الأساس الحفاظ على القضية الفلسطينية من الضياع ورفع الحصار عن غزة.
ما الذي يمنع ضمن هذا الواقع أن تكون لمنظمة التحرير حكومتان واحدة في الضفة والثانية في غزة، وكلاهما خاضعتان لسلطة رئيس منظمة التحرير وهو في هذه الحالة الرئيس عباس.
"حماس" تقر خلال ذلك بأن المسار السياسي هو من اختصاص منظمة التحرير، ويتم تمثيلها في مؤسساتها وليس مهماً هنا حجم التمثيل، لأن الأسس التي يمكن البناء عليها لقياس نسبة التمثيل وهي الانتخابات لجموع الشعب الفلسطيني غير ممكنة. التمثيل هنا رمزي هدفه تجاوز مسألة الصراع والخلاف.. وتنحصر مهام الحكومتين في إدارة القضايا اليومية الخاصة بحياة الناس.
حكومة "حماس" يمكنها الاحتفاظ بسيطرتها الأمنية على غزة وهي في النهاية في موقف دفاع عن غزة وليست في موقع الهجوم منه، لكنها في المقابل تتعهد بعدم تنفيذ عمليات من الضفة (هي لم تقم بذلك منذ سنوات)، وتلتزم أيضاً بالسماح بحرية العمل السياسي والإعلامي في غزة. في المقابل تتعهد السلطة في الضفة بالسماح بحرية العمل السياسي لـ "حماس" وبحقها في تشكيل منظمات أهلية خيرية ودعوية.
سياسياً وجود "حماس" داخل المنظمة لا يعني أن المنظمة ستغير من سياساتها (أصلاً لا توجد لحركة حماس خيارات عملية).. وهي لا تعني أيضاً أن "حماس" ستكون شاهد زور على مفاوضات لا تريدها (لا توجد فرصة لاتفاق سياسي مع إسرائيل).. وفي جميع الأحوال يجب الاتفاق بين الطرفين بأن أي اتفاق سياسي محتمل سيكون خاضعاً للتصويت عليه من قبل فلسطينيي الضفة وغزة، وسيلتزم الجميع بنتائج التصويت قبولاً أو رفضاً، وهو ما يعني بأن "حماس" ستحتفظ بحقها في الدعوة لرفض الاتفاق لكنها لن تعترض على تنفيذه إن تم التصويت عليه بنعم.
مقاربة كهذه بشأن الوحدة تساعد أولاً أهل غزة على تجاوز الحصار، وتساعد السلطة في مشروعها التفاوضي، وتخلق مناخاً من الثقة بين الفلسطينيين يمكن البناء عليه لوحدة أعمق وأشمل.
هذه مقاربة تستدعي التفكير - حتى اليوم، "حماس" و"فتح" أرادتا كل شيء ولم تحصلا على شيء. يمكنهما على الأقل في بيئة إقليمية سيئة التوافق على القليل المهم: رفع الحصار عن غزة، وإعطاء حرية التفاوض للرئيس عباس بإجماع فلسطيني.
هل مات "اللامنتمي" فقيراً
بقلم: حسن البطل
لم أقرأ عن روائي في غزارة البريطاني الراحل حديثاً كولن ولسون عن ٨٢ من بين ١٥٠ رواية وكتاباً له، قرأت في شبابي الجامعي اربعاً، لعل أهمها في رأيي: "اللامنتمي" و"ما بعد اللامنتمي" و"طقوس في الظلام" .. لكنني شربت القهوة في حي سوهو اللندني، وتذكرت عنوان رواية ثالثة له قرأتها "ضياع في سوهو"!
امّحت من ذاكرتي تفاصيل روايات أغاثا كريستي، سوى عنوان واحدة "جريمة في قطار الشرق السريع" ولا أتذكر اي عنوان من روايات بوليسية أخرى لشرلوك هولمز وأرسين لوبين، وأخيراً، بلغت من العمر ما أبعدني عن قراءة سخافات أي من روايات (او مشاهدة أفلام) هاري بوتر، لكنني شاهدت، تكراراً، فيلماً ممتعاً لا علاقة له بها، وهو "في البيت لوحده"!.
صدرت أهم رواياته "اللامنتمي" في العام ١٩٥٦ في عز دين الاستقطاب الأيدولوجي والسياسي، لكنني قرأتها بعدها بعشر سنوات.
لعل الجيل الذي قرأها هو الذي صنع ثورات التململ والتمرد الشبابي في أواخر ستينيات القرن المنصرم، في فرنسا بالذات، وكذلك في تمردات حصلت في بعض بلدان "الكتلة الشرقية" .. وربما الثورة الفلسطينية؟!
في صدورها الأول لاقت رواجاً لافتاً، حيث بيعت ٥ آلاف نسخة في يوم واحد، لكن في أيامنا يبيعون أضعاف ذلك من روايات ج.ك. رولينغ عن سلسلة "هاري بوتر" ويصطف عشرات الالوف للحصول على اولى نسخ الاجهزة الرقمية الحديثة من (آي - فون) واضرابها!
هل مات كولن ويلسون فقيراً أو ثرياً وميلونيراً مثل ج.ك. رولينغ؟ لا أعرف، لكن رواية "اللامنتمي" جمعت ٢٠ ألف باوند ( جنيه استرليني)، وهذا يعادل في السعر الجاري ٤٣٠ ألف باوند.
سألتفت الى التضخم النقدي، لأنه كان جزءاً من ردي على صديق أثار سؤالاً: دفع العالم الى السلطة الفلسطينية مبلغاً من المليارات يعادل ضعف ما انفقته اميركا على ترميم الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية (مشروع مارشال).
كان العرب القدماء يجهلون رقم "المليون" ويقولون "ألف - ألف"، والآن يقول العالم بمليون - المليون (بليون او مليار) ومضاعفات البليون التي هي "التريليون".
في ذروة الحرب العالمية الثانية تبرعت أميركا بإصدار شيك لصالح ملكة بريطانيا، وكانت قيمته آنذاك ١٠ ملايين جنيه استرليني للمجهود الحربي البريطاني.
لا اعرف، هل الجيل المقبل سيقرأ عن مضاعفات التريليون، لكنني أتذكر ان أضخم ميزانية في تاريخ سورية إبان وحدتها مع مصر كانت ٢٤٠٠ مليون ليرة سورية، اي بضع مئات ملايين الدولارات.
الآن، يكتب الزميل السوري حسن م. يوسف حنيناً الى "الليرة" السورية ذات اللون الفضي، علماً ان اوقية لحم الضاني في سورية قبل الوحدة مع مصر كانت ٣٥ قرشاً، اي كان يمكن لليرة المحتجبة ان تشتري اكثر من نصف كغم من لحم الضاني .. والآن، يتعاملون هناك بالعشر ليرات بالكاد!
كانت لإسرائيل ليرتها قبل الشيكل ثم الشيكل الجديد، وكان لتلك الليرة اصغر المفردات اي "القرش" وبه غرّمت المحكمة الإسرائيلية الضابط المسؤول عن مجزرة قبية وكل ما في الأمر انهم حذفوا صفرين من الليرة لصالح الشيكل، ثم صفرين آخرين من الشيكل لصالح الشيكل الجديد (حداش).
زميلي التونسي محمد علي اليوسفي يسخر بالأمس على "الفيسبوك" من التضخم النقدي بعد الثورة. "كان لنا دينار صار لنا ديناران متلاصقان، وكانت لنا قطعة بمائة مليم، فصارت لنا قطعتان بمئتين متلاصقتين، كنّا صغاراً نتبارى للحصول عليها من الدكاكين، واليوم بتنا نعرف انها مثلنا: لا تدل الا على التضخم والبؤس الراكض بعد الطفولة".
حدثني صديقي الفلسطيني - الغزي طلعت موسى انه كان طالباً في الجامعات المصرية، قبل حرب حزيران ١٩٦٧، وبعدها تخرج ولم يستطع العودة الى غزة، فاصدر عبد الناصر قراراً باستيعاب خريجي غزة في وظائف حكومية وكانت "ماهية" طلعت ١٢،٥ جنيه مصري شهرياً كانت كافية ليقيم اوده. راتب طلعت يعادل اليوم ٦ شواكل فقط لا غير.. فمن يستطيع تدبير امور الشهر بهذا المبلغ اليوم .. او حتى اليومية؟
تبقى رواية "اللامنتمي" اهم في تاريخ الأدب في اعتقادي من أهمية مؤلف "الوجود والعدم" لفيلسوف الوجودية سارتر، ويبقى كولن ولسون علامة مبكرة في الأدب الجديد، سابقاً على كتاب الوجودية الفرنسية فرانسوا ساغان "هل تحبين برامز" .. وكذا "الصخب والعنف" للأميركي وليم فوكنر.
للروايات والروائيين العظام مكانتهم، أما أسعار مبيعات كتبهم وأجورهم وقت صدورها فهي تتغير بسرعة.
ماذا بعد ألف - ألف والمليون والبليون والتريليون؟ هذا سؤال للجيل المقبل.
انظروا إلى أسعار لوحات الفنانين العظام اليوم؟ كانوا فقراء!
بصمات السيد كلاشينكوف!
بقلم: فاروق وادي / دفاتر الأيام
كم من ميخائيلٍ ألقى بتأثيره على حياتنا؟
لنتصوّر مدى التأثير الذي تركه ميخائيل شولوخوف و"نهر الدون الهادئ" في كتابنا الروائيين!؟
ولنتخيّل، كم تركت نظريات ميخائيل باختين في علم الجمال أثرها في نقادنا، الذين لو كتبوا بالروسيّة لبدوا مفهومين أكثر مما يكتبون بلغة الضاد!
ولنتأمّل.. الآثار السياسيّة التي تركها ميخائيل غورباتشوف في حياتنا السياسيّة، ومدى ما جلبته البيروسترويكا والغلاسنوست من إعادة بناء الكون.. وجعله شديد الشفافية!؟
ويمكننا لو ابتعدنا قليلاً إلى حقول العلوم المختلفة، وحقلي الاقتصاد والاجتماع وغيرها، أن نعثر على ميخائيلات لا يقلون تأثيراً.
أمّا السيد ميخائيل الأكثر تأثيراً في حياتنا نحن الفلسطينيين، فهو دون أدنى شك.. ميخائيل كلاشينكوف!؟
***
والسيد كلاشينكوف، الذي احتفلت روسيا معه، العام 1997، باليوبيل الذهبي لاختراع بندقيته الرشاشة الأكثر شهرة وانتشاراً، هو الميخائيل الذي وسم العديد من مفردات حياتنا منذ انطلاقة الثورة الفلسطينيّة.. وحتّى انعطافتنا الأخيرة ونحن نترنّم بإيقاعات المقاومة اللاعنفيّة!
فسلاح كلاشينكوف، الذي اخترعه الرّوسي المجتهد قبل أن يبلغ الثلاثين من العُمر، وكان واحداً من مائة وخمسين اختراعاً سُجِّلت باسمه، ظلّ على الدوام السلاح الأثير لدى الفدائي الفلسطيني على امتداد سنوات النضال (العنفي!).
وإذا كان هذا الميخائيل قد أثّر باختراعه في الفدائي الذي يعرف تماماً قيمة المميزات التي يتفرّد بها الكلاشينكوف وتفاصيلها الدقيقة، فقد أسهمت علاقة الفدائي الحميمة بهذا النوع من السلاح في صياغة رؤية سياسية فلسطينيّة ترى أن النظريّة الثوريّة تنبع من فوّهة البندقيّة ـ الكلاشينكوف، وذلك بالقدر الذي أثّر فيه بالكتّاب الفلسطينيين، خاصّة في النتاجات التي انتشرت كالنار في هشيم الهزيمة، بعد حزيران 1967، وسطوع نجم المقاومة الفلسطينيّة.
لم يتمكّن كاتب فلسطيني كتب في تلك الحقبة المشتعلة على جبهات نهر الأردن والجولان والجنوب اللبناني، أن يفلت من سحر الكلاشينكوف، فلم يخل نصّ لأديبٍ من ذكره بالاسم، ما جعل كاتباً عربياً يتجرأ بالحديث عن ظاهرة شاعت في الأدب الفلسطيني أطلَق عليها "أدب الكلاشينكوف"، وكان يعني الأدب الذي اكتفى بالحديث عن عمليّة فدائيّة قطع فيها الفدائي مخاضة النهر، وقاتل الأعداء، ثم عاد إلى قواعده سالماً يرفع الكلاشينكوف الذي يعزف مارش النصر، أو أنه ضمّ إلى صدره الكلاشينكوف قبل أن يتوسّد التراب ويتحد جسده بالأرض، ليغمض عينيه في إغفاءة أخيرة.
ومع أن هذا النوع من الأدب وجد من يدافع عنه، كأنما هو جزء لا يتجزأ من مهمّة الدفاع عن حركة المقاومة الفلسطينيّة التي بدأت تشهد حصاراً وتضييقاً على حركتها، فقد نزعت شرارة نقد "أدب الكلاشينكوف" التابو النقدي عن معظم هذا النوع من الأدب، الذي اختبأت فيه الرداءة الفنيّة والمباشرة السياسيّة خلف واجهة التقديس الشعبي للسلاح الأثير على قلب الفدائي.
***
السيد كلاشينكوف (وأعني هنا السيد الرجل بالفعل وليس السلاح الموصوف احتراماً وتبجيلاً بـ "السيد"، كما جاء في إحدى النصوص القصصيّة الفلسطينيّة الأكثر رداءة)، زار في مطلع الألفيّة الجديدة إحدى العواصم العربيّة، وكان قد دخل حينها في السنة الأولى من عقده التاسع في عمره المديد.
وكان يمكن للسيد كلاشينكوف أن يذهب في تدفّقه بالحديث عن اختراعاته التي لا تعدّ ولا تُحصى، والاستفاضة في رواية ما فعله سلاح الكلاشينكوف في سنوات النصف الثاني من القرن العشرين، في أميركا اللاتينيّة وإفريقيا وفيتنام وفي منطقتنا العربية وفلسطين منها في القلب.. وفي غيرها من أصقاع العالم.
غير أن الرجل اكتفى بتوجيه التحيّة للمقاتلين بسلاحه، في فلسطين خاصّة وجنوب لبنان، دفاعاً عن حريّة شعوبهم، قبل أن يذهب في حديث رفاقيّ حميمي وأثير تطرّق فيه لعلاقته بـ "فايينا"، معشوقته التي لم تكن قد بلغت بعد ربيعها الخمسين!
السيد كلاشينكوف، المخترع العاشق، الذي أحبّنا قدر عشقنا لسلاح اخترعه واحتضنّاه مع خفقاتنا الأولى، أعاد علينا دروساً أخرى في الحياة.. والعشق.. والكفاح دون شروط.
***
قبل أيّام من رحيل العام 2013، أعلن المتحدث باسم مخترع السلاح الأثير على قلوبنا، قبل أن نؤثر عليه أسلحة السلام الواهم والتفاوض العبثي، أن ميخائيل تيموفييفيتش كلاشينكوف "لم يعد بيننا"، فقد رحل الرّجل يوم الاثنين الماضي عن أربعة وتسعين عاماً، مخلفاً وراءه مئة مليون قطعة من سلاح حمل اسمه، ولطالما حملناه باعتزاز، مع أحلامٍ غزيرة لا تعرف الذبول.. وبصمات غير قابلة للزوال!.