Haneen
2014-02-23, 10:11 AM
اقلام واراء عربي 586
02/01/2014
في هــــذا الملف:
رجلان يتحكمان في مصير تركيا.. فلمن الغلبة؟
الشرق الاوسط / هدى الحسيني
توحيد سورية والعراق ولبنان في «ضرب الإرهاب»
ج الحياة / عبدالوهاب بدرخان
بهجة دبي.. أنين حروب الآخرين.. الحياة تمضي
الشرق الاوسط / بكر عويضة
مهمة جديدة فاشلة لكيري
رأي القدس
أميركا تبتعد أكثر في 2014
ج الحياة / حسان حيدر
مصر المرتبكة
ج الحياة / محمد صلاح
هل تسعى روسيا فعلا لإقامة دولة «علوية»؟
الشرق الاوسط / صالح القلاب
التغيير الذي يحتاج إليه العالم العربي
القدس / د. يوسف نور عوض
الإخوان المسلمون والدولة الجمهورية: شراكة قصيرة وتدافع مرير
القدس / د. بشير موسى نافع
بختك السياسي في 2014
الشرق الاوسط / مشاري الذايدي
رجلان يتحكمان في مصير تركيا.. فلمن الغلبة؟
الشرق الاوسط / هدى الحسيني
المعركة المتوقعة بين الاثنين منذ زمن وقعت، وقد يكون الخاسر فيها رجب طيب إردوغان رئيس الوزراء التركي. أما الآخر، فتح الله غولن، فإنه يعرف مدى شعبيته بين الأتراك في داخل تركيا وخارجها، ويعرف أيضا أنه هو من أوصل إردوغان إلى الحكم.
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بدأ غولن حركته بنشر مدارس «بيوت النور»، وحسب من عرفه عن كثب، وهم كثر، فإنه عمل مع وكالة الاستخبارات الأميركية الـ«سي آي إيه» التي كانت تحاول التسبب في مشكلات للسوفيات حيث يوجد مسلمون، ونسقت الوكالة مع غولن لنشر مدارسه «بيوت النور» في جمهورية القرم حيث التتار لزعزعة سيطرة السوفيات عليهم، ولم يتردد الطرفان في استعمال العنف.
من ناحيتها، سمحت الاستخبارات التركية بتوسع نشاط غولن إنما تدريجيا، وذلك لمساعدة الأميركيين، فهي كانت ضد أسلمة الدولة، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي أبلغت الاستخبارات التركية الجانب الأميركي أن دور غولن انتهى، فإما أن يجري أخذه إلى الولايات المتحدة، أو تحيله تركيا إلى المحاكمة للتخلص منه بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وهذه عقوبتها الإعدام.
وهكذا نقله الأميركيون سرا إلى ولاية بنسلفانيا، ووفروا له مقرا منه طور «إمبراطوريته»، والأثرياء من أتباعه دعموه بالمال الوفير فأصبح القوة الإسلامية الحقيقية في تركيا.
يظن بعض متابعي نشاط غولن أنه اعتمد في حركته الأسلوب الذي تعتمده منظمة يهودية دينية تدعى «خاباد» ترى أنه حيث يوجد يهودي في العالم يجب أن تكون هي هناك، وبالتالي حيث يوجد تركي في العالم (10 ملايين في أوروبا وحدها) فهناك مدرسة أو نشاط لغولن.. هو الأكثر شعبية في تركيا وبين الأتراك في الخارج.
يخبرني صحافي غربي أنه دُعي عام 1993 للمشاركة في ندوة عقدتها صحيفة «حرييت» حول الإرهاب.. لدى وصوله إلى أنقرة أعطي شريطا ليستمع إليه، كانت خطبة لغولن يقول فيها: «إن إعادة ولادة الإسلام في تركيا ستكون دموية، إنما هذا جيد».. اعتمد الفكرة موضوعا لنقاشه، ولم يكن يعرف أن غولن من «المحرمات». بعد ذلك جاء من يقول له إن جماعة غولن ثائرة، وقد تهاجم الندوة، وما كان من الشرطة إلا أن أخذته إلى المطار ليغادر في اليوم نفسه.
وكان أحد الكتّاب الأتراك ألّف كتابا عن مجموعة غولن، فجاءت الشرطة واعتقلته، وهو في الطريق صرخ محذرا: «إن الاقتراب من غولن كالاقتراب من النار». لكن يبقى في حالة وصول إردوغان إلى السلطة أن غولن كان القوة الحقيقية وراء وصوله.
قبل أن يختاره غولن لم تكن هناك من إنجازات تذكر لإردوغان سوى أنه كان رئيس بلدية إسطنبول، وما لا يعرفه كثيرون أن إردوغان عندما كان رئيسا لحركة الثقافة والشباب في «حزب الرفاه» بزعامة نجم الدين أربكان، كتب مسرحية أخرجها ومثل فيها وكان اسمها «ماسكونيا» وهو اختصار لـ(الماسونية والشيوعية واليهود): «ثلاثية الشيطان».وعندما أراد خوض الانتخابات، ولم تكن له بعد أي قوة أو نفوذ، سافر إلى واشنطن، وأراد، بناء على نصيحة، لقاء الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب، فرتب له أحدهم لقاء مع ريتشارد بيرل (أمير الظلام)، فسأله هذا: «من تريد أن تلتقي في واشنطن؟» فرد إردوغان: «مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (يديره الإخوان المسلمون حتى اليوم)» وطلب من بيرل أن يساعده للقاء الرئيس بوش.
يروي بيرل أنه نصح إردوغان بتجنب لقاء أعضاء ذلك المجلس «فهذا خيار خاطئ». في اليوم التالي علم بيرل أن إردوغان عمل بنصيحته، وألغى اللقاء، عندها علق بيرل: «هذا يعني أنه يمكن العمل والتعاطي مع هذا الشخص.. إنه يتعلم وبسرعة قواعد اللعبة وسوف نحصل معه على نتائج»، ونصح بأن يستقبله الرئيس بوش، وكان هذا في حد ذاته إنجازا كبيرا.
من مقره في بنسلفانيا، أنشأ غولن صحيفة «زمان» التركية، ونشر مدارس الدعم المدرسي الخاصة، وعندما وصل إردوغان إلى السلطة شعر غولن بأن الوقت حان ليعود إلى تركيا، لكن إردوغان لم ولا يريده في تركيا.
لكن غولن اختار طريقا آخر لتجميل صورته في العالم، فأقدم اللورد نظير أحمد على دعوته إلى مجلس اللوردات في لندن، ودعته جامعة اسبوزيتو في إيطاليا لمؤتمر حوله وأطلقت عليه لقب الـ«مربي». ومع هذا ظل إردوغان يرفض عودته إلى تركيا.
نشر غولن قوته داخل مؤسسات الدولة، وبالذات الشرطة، ثم قرر التحرك علنا ضد إردوغان، وعندما وقعت حادثة سفينة «مرمرة» انتقده فيها علنيا، وقرر أن يظهر أنه أكثر اعتدالا من إردوغان.
الغريب أن غولن ظل في أميركا لأكثر من 10 سنوات من دون تأشيرة أو إقامة. ربما كان يرغب في العودة إلى تركيا حتى دون موافقة إردوغان لكنه لم يكن يملك أوراقا ثبوتية، والأميركيون لم يعطوه ما يحتاجه، لأنهم كانوا أصبحوا مع إردوغان، وفي نظرهم؛ تقاعد غولن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولم يعودوا في حاجة إليه. نفد صبره، فرفع دعوى في فيلادلفيا ضد الحكومة الأميركية مطالبا بتصحيح وضعه، والحصول على أوراقه الثبوتية.
المتقاعدون في جهاز الـ«سي آي إيه» شهدوا لمصلحته، أما رجال الوكالة الممارسون ولأنهم الحكومة، فقد وقفوا ضده. وفي النهاية كسب القضية؛ إذ بعد مكوثه في أميركا لسنوات طويلة وتحت الحماية لم يستطيعوا أن يقولوا له: لا أوراق ثبوتية لك، أو يطردوه. حصل على ما يحتاجه، ولكن ظل إردوغان على عناده ورفضه. وعندما يردد الأخير «أياد غربية» فإنه يقصد غولن، خصوصا أن الرئيس باراك أوباما يعده (إردوغان) صديقه الوحيد.
قبل أن يحاول إردوغان إغلاق المدارس التي تدر الأموال الوفيرة على غولن، تسربت وثائق لإحدى الصحف تحكي عن محاولات مجلس الأمن القومي التركي عام 2004، وبموافقة إردوغان، لتصفية كل المؤسسات التابعة لغولن. الصحيفة هذه هي نفسها التي نشرت ما سمي لاحقا بالمحاولات الانقلابية التي قيل إن القادة العسكريين الكبار فكروا فيها.. خطة إبعاد العسكر عن الحكم طبخها إردوغان وغولن معا، لكن تسرب الوثائق أخيرا ومحاولة إغلاق المدارس يقف وراءها إردوغان فاشتعلت الحرب بين الاثنين.
قصص الفساد صحيحة.. غولن كان يعرف عنها، إنما ينتظر أن يساوم إردوغان عليها.. من جهته، كان إردوغان يعرف أيضا بتورط بعض وزرائه ورجال حزبه «العدالة والتنمية» في الفساد والصفقات وغسل الأموال، لكنه وصل إلى درجة من الغرور، بأن الرياح تعصف في الخارج، ولا يمكن أن تشلّع ما بناه. رد فعله عندما انكشفت بهذه الطريقة الصارخة كان بطرد 500 من رجال الشرطة، معلنا أن تركيا في حالة حرب، وأنها الحرب الثانية للاستقلال.
يبدو أن غولن مستمر في حملته، ومجرد أن تردد الصحف التركية أن غولن على اتصال بالأحزاب العلمانية المعارضة، فهذا يعني أنه يريد الإطاحة وبسرعة بإردوغان.
يعتقد إردوغان، المقاتل، أنه بنى الاقتصاد التركي، وهو عندما وصل إلى السلطة فعل ما اقترحه قبل سنوات عديدة جون ماينارد كينز.. طبع الأموال. هذا ساعده في بناء ما سماه بعض رجال الاقتصاد: «النمر الأناضولي». كل المشاريع كانت أموالا سياسية نمت في ظلها عدة شركات اقتصادية.. حصل على الأموال الإضافية من دول الخليج ومن الدول الأوروبية، لكن الوقت سيصل عندما ستضطر هذه الشركات إلى أن تعيد هذه الأموال إلى الخزينة، لكنها غير قادرة فقد توسعت كثيرا، وتحتاج الأموال لفترة أطول. كان كثيرون يعرفون أن تركيا على وشك الانهيار اقتصاديا.. الآن قد يحدث هذا، لكن كما يقول البعض فإن غولن أذكى من أن يُتهم بأنه المسبب الرئيسي للانهيار.. يريد أن يضع المسؤولية كلها على إردوغان، خصوصا أن الضرر وقع.
يستبعد بعض المحللين فوز إردوغان في الانتخابات المقبلة.. هناك من يرى سقوطه مدويا، وبمجرد أن يتوجه غولن إلى العلمانيين، فإن هذا يعني نهاية إردوغان. بعض الأتراك بدأ يقلق على مصير تركيا الذي يتحكم فيه حزبان إسلاميان، ويسألون: لكن، من هو خليفة غولن، وماذا سيبقى من حركته إذا ما أصابه مكروه؟
توحيد سورية والعراق ولبنان في «ضرب الإرهاب»
ج الحياة / عبدالوهاب بدرخان
حسم اغتيال الوزير السابق محمد شطح ربط الأزمة السورية بلبنان، وكرّس عملياً «تلازم الأزمتين». لم يكن لدى فريق «14 آذار» أي شك، اذ قال إن القاتل «هو الذي تعرفونه... القاتل هو نفسه، الذي يوغل في الدم السوري واللبناني، هو نفسه من بيروت الى طرابلس الى صيدا وكل لبنان، هو وحلفاؤه اللبنانيون من درعا الى حلب الى دمشق». وللردّ على هذا الاتهام الواضح، حاول النظام السوري وحليفه «حزب الله» توجيه الأنظار الى «التكفيريين» ثم الى جماعات محدّدة هو في الحقيقة من صنعها.
بعد ساعات قليلة على تشييع الراحل شطح، وبالتزامن مع لقاء العاهل السعودي والرئيس الفرنسي في الرياض، أدخل الرئيس اللبناني معطىً ديناميكياً لافتاً الى الأزمة، حين أعلن أن السعودية قدّمت ثلاثة مليارات دولار لتحديث سلاح الجيش اللبناني من فرنسا. هذا أيضاً ردّ قوي، واستراتيجي، على الاغتيال الذي وضعه خبراء ومحللون في سياق الحرب بالوكالة بين سورية والسعودية، لكن يمكن القول بالأحرى انه استثمارٌ في الدولة، تعزيزاً لجيشها على حساب السلاح «غير الشرعي» الذي وفّره النظامان السوري والايراني لـ «حزب الله» وسائر الميليشيات التي تعمل في خدمتهما. لا شك في أن ميشال سليمان وضع نفسه في تحدٍّ صعب. ففي أقل تقدير سيعتبر النظام السوري و «حزب الله»، وهما في أوج التوتر، أنه انحاز الى محور عربي - دولي فيما كانا على يقين بأن لبنان-الدولة مصادرٌ بقوة الترهيب والتخويف لدى المحور السوري - الايراني، المقبل في رأيهما على «انتصار» اقليمي قريب.
لماذا يُقدِم «نظام البراميل» على مزيد من القتل وهو في طريقه الى «جنيف 2»؟ الجواب، وفق الوزير وليد المعلم، لأنه يسعى الى عقد هذا المؤتمر ولديه «رؤية واضحة تنطلق من تطلعات الشعب السوري»، ولم يحدّد عن أي شعب يتحدث، أهو ذلك الذي يرميه النظام بالبراميل المتفجّرة في حلب، أم الذي يساومه في معضمية الشام للسماح بمرور الغذاء اليه، أم الذي يواصل إحكام الحصار عليه، أم هو ملايين المهجّرين والنازحين، أم مئات الآلاف المتروكين في السجون فرائس للموت جوعاً وبرداً ومرضاً. لدى الكثير من أوساط هذا الشعب جواب آخر: فالنظام يقول إنه يريد «جنيف 2» ويتوحّش في القتل لإفشاله قبل عقده، ويفضّل أن يتزامن وصوله الى المؤتمر وقد غيّر الواقع على الأرض أو اختلق وقائع جديدة لاستخدامها في توجيه المفاوضات نحو الأهداف التي رسمها مسبقاً.
جدّد اغتيال محمد شطح في بيروت تأكيد المؤكد، وهو أن النظام السوري وحلفاءه الايرانيين واللبنانيين والعراقيين ليس لديهم سوى «القتل للإخضاع» للتعامل مع من يرفض تسلّطهم وإجرامهم، كأسلوب وحيد مستند الى الرابطة المذهبية أو متنكّر بشعارات «المقاومة» و «الممانعة» للتمويه. لكن الاغتيال في هذا التوقيت، تحديداً، حمل رسائل وإيحاءات سياسية كثيرة، بينها: 1) إن الحرب الاقليمية بالوكالة لا تقتصر على الساحة السورية، وبالتالي فإن أي حل محتمل وأي اعادة رسم لخريطة النفوذ الاقليمي يجب أن يأخذا في الاعتبار أن سورية النظام لا تزال متحكّمة بأمن لبنان واستقراره إمّا مباشرةً أو بواسطة أتباع محليين. 2) إن المشكلة الوحيدة الملحّة الآن هي انتشار جماعات الارهاب التي تروّج مصادر النظام و «حزب الله» أنها وراء اغتيال شطح، وأن تنظيم «داعش» يشمل لبنان طالما أنه يسعى الى «الدولة الاسلامية في العراق والشام». 3) إن قتال «حزب الله» والحرس الثوري الايراني الى جانب قوات النظام لم يسقط الحدود بين لبنان وسورية فحسب، بل «أعادهما» دولة واحدة تمرّ بأزمة واحدة، ولا بد من أن يخضعا في «جنيف 2» لحل يشملهما معاً. وهذا هو تحديداً ما يحتّم مشاركة ايران وحضورها.
لم يكن خطأً موضوعياً أن تتوافق الولايات المتحدة وروسيا على خطورة الارهاب وضرورة محاربته في سورية (وكذلك في العراق ولبنان)، لكنه في صدد أن يكون خطأً تاريخياً جديداً في المنطقة وشعوبها اذا اختصر المسألة السورية بالارهاب، وبالأخصّ اذا قررت الدولتان أن الاعتماد على نظام بشار الأسد ونظام الملالي الايراني و «نظام» نوري المالكي فضلاً عن «نظام حزب الله» في لبنان (أي دول «الهلال الشيعي») هو السبيل الوحيد لضرب الارهاب. وبديهي أن هذه الأنظمة تتوقع مكافآت لقاء هذه المهمة، من دون أن يتوقف الاميركيون والروس عند حقيقة أنها لعبت بـ «ورقة الارهاب» طوال العقد الماضي وصولاً الى هذا الواقع وهذه النتيجة. ولا يبدو أن الاميركيين قد تعلموا شيئاً من تجربة المواجهة مع «القاعدة» في العراق، ومَن في دمشق وطهران هندس دخولها وأدار عملياتها ومَن تولّى حتى إصدار بعض بياناتها ومَن أشرف على تدريب عناصر لها في لبنان.
لعل الحدث الجاري في العراق يعطي ملمحاً وافياً لما يمكن أن تكون عليه الأحوال في سورية (وربما في لبنان) خلال الشهور المقبلة. يذهب نوري المالكي في زيارة الى واشنطن ويتقدّم بمطالب عدة، ثم يقال إنه عاد ممتعضاً لأن الحفاوة كانت متواضعة. بعدها يزور طهران، وغداة عودته تعلن واشنطن أنها وافقت على توفير أسلحة للجيش العراقي لتمكينه من محاربة الارهاب. طوال شهور 2013، لم يمضِ يوم على العراق من دون تفجيرات تساجلت بها «القاعدة» وميليشيا محسوبة على حزب المالكي ووزّعتها على المناطق وفق الهوية المذهبية، مع امتياز انفردت به «القاعدة» بضربها أيضاً تجمّعات للسنّة المصنّفين «متعاونين» مع الحكومة. أخيراً، اختار المالكي أن يعلن من كربلاء بدء عملية «ثأر القائد محمد» (على اسم قائد الفرقة السابعة في الجيش محمد الكروي الذي قتل في احد التفجيرات الارهابية)، ودارت العملية سريعاً في صحراء الأنبار لينتهي أول فصولها بتفكيك خيام الاعتصام في الرمادي واعتقال نائب منتخب كان أحد أقطاب ذلك الاعتصام. أيهما كان الهدف، وأيهما كان الأهم بالنسبة الى المالكي؟ الاثنان معاً، لكن الارهاب كان قاطرة رئيس الوزراء للوصول الى انهاء الاعتصام من دون التعامل مع أسبابه الأساسية، وهي سياسية تتعلّق بأحد مكوّنات المجتمع وتتطلّب أولاً تطبيق الدستور. غير أن نظام المالكي لا يؤمن إلا بأسلوبه، تماماً مثل نظام الاسد.
ليس معلوماً اذا كانت واشنطن ناقشت المالكي في ما يُفترض أن يفعله للخروج من الأزمة السياسية، لكن المتداول أنها ربطت بقاءه في منصبه لولاية ثالثة بنجاحه في احتواء الارهاب في العراق وبتعاونه في محاربته في سورية. معظم شيعة العراق يريدون رحيل المالكي اليوم قبل الغد، والأكراد لا يحبذون بقاءه، لكن المصالح الاميركية - الايرانية ارتبطت به وتتقاطع عند استبقائه، ثم إن «القاعدة» عززت حظوظه، فهي قد تغيب لتعود بعد فترة، لكنه استفاد منها الآن لضرب الاعتصام السنّي. هذا هو النموذج، اذاً، وليس الاسد من سيتوانى في تطبيقه. بل إنه على العكس متعجّل، ويحاول الإيحاء بأن غارات البراميل بمثابة إرهاص للحرب على الارهابيين. والأكيد أنه هو الآخر سيكون هدفه الرئيس توظيف «داعش» وأخواتها لإنهاء انتفاضة شعب سورية عليه. لكنه لا يزال ينتظر اشارة مباشرة - أو من خلال موسكو - بأن الاميركيين يتعهّدون ضمان نظامه مقابل تعهّده القضاء على الارهاب، ولا شروط اخرى لديهم، ما يعني أنه سيكون حرّ التصرف..
بهجة دبي.. أنين حروب الآخرين.. الحياة تمضي
الشرق الاوسط / بكر عويضة
الثامنة بتوقيت غرينتش مساء أول من أمس (الثلاثاء) خطفت دبي أنظار العالم خمس دقائق في عرض جميل لائق بدخول عام ميلادي جديد (بالتوقيت المحلي)، لكنه في الآن نفسه يليق بقصة تألق عربية غير عادية، يحق لإمارة دبي أن تحمل اسمها، ولدولة الإمارات العربية المتحدة أن تفاخر بها، وجدير بكل معنى بتحقيق حالة نهوض عربية، على امتداد العالم العربي كله، أن يضعها موضع درس علمي تحتاجه مناطق عربية عدة، وتستحقه دولة فتية احتفلت مطلع الشهر الماضي بعيدها الوطني الثاني والأربعين، وجديرة به إمارة بدأت بلا بنى تحتية، وبدخل متواضع، لتغدو بالمثابرة والتخطيط علامة فارقة على خارطة العالم، ليس فقط تجاريا، وإنما أيضا في سياق تنمية التواصل الحضاري بين شعوب القرية الكونية، وذلك واحد من الأبعاد المهمة للفوز باستضافة «إكسبو 2020»، أحد أهم المعارض الدولية.
باهرا بدا مشهد الألعاب النارية المنطلقة من برج خليفة، المبنى الأطول ارتفاعا في العالم، لكن الأهم من جمال تلك الدقائق الأخاذة هو التأمل في كيفية تحقيق دبي، ودولة الإمارات عموما، مستوى من النجاح المشهود له عالميا خلال مشوار ليس بالطويل إذا ما قيس بأعمار الشعوب، وفي منطقة من العالم مشهود لها بفقدان الاستقرار طوال الستين عاما الماضية.
سهل أن يقال ما مضمونه: فتش عن المال، هناك تجد الجواب. لكن ذلك قول فيه تبسيط لعله نتيجة جهل وتكاسل في البحث، أو أنه - ببساطة - يتعمد الاستخفاف والتقليل من شأن تجربة نجاح عربية وسط حالات فشل ذريع انتهت إليها دول عربية كانت في زمن مضى أكثر ثراء من دولة الإمارات وأطول تجربة، لكن الفارق الكبير هو أن تلك الدول شتتت جهودها، وبددت إمكانات شعوبها، في معارك داخلية وخارجية لم تكن مضطرة إليها، فأضاعت حتى ما أمكنها إنجازه خلال فترات التقاط أنفاس بين معركة وأخرى.
هل غريب - إذن - أن يشهد العالم مع دبي احتفالها الجميل بإطلالة السنة الجديدة، بينما مناطق عربية عدة تشد اهتمام أغلب عواصم العالم نتيجة ما تشهده من ويلات حروب السنين الثلاث الأخيرة ومآسيها؟
كلا، ليس في الأمر أي غرابة، النجاح يجب أن يحتفى به، مثلما أن من الواجب أن يهب العالم للوقوف إلى جانب ضحايا آلام الحروب الدائرة في أي مكان، وما يعنينا مباشرة منها هو ما يدور في مناطق عدة من العالم العربي. لكن يبقى السؤال: إلى متى ستظل رحى الحروب تطحن مجتمعات دول عربية؟ ولئن بدا مفهوما خلال النصف الثاني من القرن الماضي أن ثمة دوافع وطنية لتلك الحروب، فكيف يمكن فهم مبرر حروب بغض مناطقي وكراهية طائفية تشتعل في عدد من الدول العربية ويزداد أوار سعيرها يوما بعد آخر؟ وهل ثمة أمل أن يقل العام الجديد دموية عن الراحل؟
رغم أهمية القول بإيجابية التفكير، وتقديم التفاؤل على التشاؤم، فإنه يبقى من المحزن أن أجيب بالنفي، كلا ليست هناك شواهد أن الآتي على مناطق حروب ما بعد «الربيع العربي» أقل فظاعة مما سبقه، بل الأرجح أن تضيف نهاية عام 2014 سنة دموية أخرى إلى ما سبقها وسيليها من سنوات دمار وشتات عربية ليس واضحا، على وجه التحديد، إلى أين منتهاها.
قبل ثلاث سنين، دخل العالم العربي، عبر بوابة تونس، دوامة من الواضح، حتى الآن، أنه لن يخرج منها كما دخلها. لحظة تمكن اليأس من عقل المواطن محمد البوعزيزي، المغلوب على أمره في مواجهة توفير لقمة العيش لأسرته، فأشعل نهار الجمعة 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 نار غضب أكلت معظم بدنه، وقضى في الرابع من يناير (كانون الثاني) 2011. كان هناك من ينتظر اللحظة المواتية لإشعال نيران ستأكل من أبدان أنظمة سرعان ما تهاوت على نحو أدهش في سرعته حتى المطالبين بسقوطها.
كلا، لست ميالا لوجهة نظر تحمل كل ما جرى، بكل دقائق تفاصيله، من تونس إلى مصر واليمن مرورا بليبيا ووصولا إلى سوريا، لمؤامرة خطط لها وينفذها جهاز خفي يدير هذا الجزء من العالم. لكن ذلك لا ينفي وجود من ينتظر لحظة مواتية في أي منطقة وليس في الشرق الأوسط وحده، يعرف أنه إذا أحسن توظيفها فإن احتمال استفادته وارد، مثلما أن إمكانية الخسارة قائمة في حال أساء الحسابات. والطرف المنتظر ليس واحدا، بل مجموعة أطراف، بينها بالطبع قوى محلية لها تطلعاتها الوطنية الطامحة للتغيير، إنما الأطراف الخارجية أكبر من تلك المحلية وأقوى، بالتأكيد، وهذه قد تلتقي مصالحها في مكان وزمان محددين، لكنها تتقاطع في مكان آخر وتوقيت مختلف، وبين التلاقي والتقاطع يحدث مد وجزر في المواقف يترتب عليهما إطالة صراع أو سرعة حسم آخر، فيما الشعوب التي تجري الصراعات في أراضيها تدفع باهظ الثمن.
لكن الفظاعات والمآسي لا توقف عجلة الحياة، حتى حيث تستعر نيران الحروب على أشدها. ورغم ارتفاع منسوب التشاؤم في الكوب، يبقى مدعاة للتفاؤل أن ترقب تلك البهجة في أعين الناس وهي تتابع احتفال دبي الجميل بمطلع العام الجديد. يوما ما، تفرح بمثل تلك البهجة مدن وقرى عربية عدة تئن بجراح حروب دامية منذ سنين طالت، وحتى الآن.
مهمة جديدة فاشلة لكيري
رأي القدس
من غير المتوقع ان يفاجأ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما يقدم له وزير الخارجية الامريكي جون كيري، اقتراح اتفاق الاطار، الذي تمت بلورته بعد مجموعة من اللقاءات الطويلة التي عقدها المسؤولون الامريكيون مع نظرائهم الاسرائيليين، لضمان تلبية مطالب تل ابيب.
وليس سرا ان الادارة الامريكية تتبنى موقف الحكومة الاسرائيلية المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بما تسميه حاجاتها الامنية، ولكن لا نستبعد ان كيري نفسه سيتفاجأ من مطلبين اسرائيليين جديدين، تم التلويح بهما عشية زيارته، وهما ضم منطقة الاغوار لاسرائيل بدل اقتراح بتأجيرها لفترة طويلة، والثاني قضية تبادل الاراضي والتي تضيف عليها اسرائيل اليوم تبادل السكان.
فبعد عشرين جولة من المفاوضات، لا يبدو انه تم التوصل الى اي تفاهم بين المتفاوضين، على اي من البنود، بل على العكس يتم اضافة بنود ومطالب اسرائيلية جديدة، يبدو ان القصد منها افشال المفاوضات، التي كان من المقرر ان تنتهي في نيسان/ابريل المقبل.
فبعد اضافة بند ‘يهودية’ دولة اسرائيل، تمت اضافة مطلب التواجد الأمني الاسرائيلي في منطقة الاغوار، وعشية وصول كيري صوتت لجنة وزارية بالكنيست على مشروع قرار ضم الاغوار، التي تشكل 29 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، متذرعة بحجج أمنية واهية، فالجيش الاسرائيلي يملك احدث الوسائل التقنية التي يستطيع من خلالها مراقبة الحدود دون اي تواجد عسكري. لكن هذه الخطوة التي تتعارض مع القانون الدولي، يبدو ان القصد منها استفزاز الجانب الفلسطيني وتحدي الادارة الامريكية.
اما القضية الاخرى، تبادل الاراضي، والتي وافق الفلسطينيون والعرب على اضافتها للمبادرة العربية، فمن المفترض ان لا تزيد عن واحد او اثنين بالمئة من مساحة الاراضي، لكن اسرائيل تطالب اليوم بأن تصل لعشرة بالمئة، معتبرة ان المهم ان تسلم اراض بحجم الاراضي التي خسرها الاردن في حرب حزيران/يونيو 1976، وقدمت تل ابيب اقتراحا يقضي بضم كتل استيطانية بالضفة الغربية لاسرائيل مقابل تسليم الفلسطينيين جزءا من منطقة المثلث والتي يسكن فيها 300 ألف فلسطيني، في اطار تبادل اراض وسكان، وهو ما لا يختلف كثيرا عن مخطط التهجير الذي كان قدمه وزير الخارجية الاسرائيلي المتطرف افيغدور ليبرمان، ويأتي هذا الاقتراح كخطوة اسرائيلية اولى باتجاه تطبيق شعار ‘يهودية’ دولة اسرائيل.
بعد مرور خمسة شهور على المفاوضات التي تم تمديد فترتها الزمنية بتسعة شهور، يصل كيري حاملا افكارا لاتفاقية اطار، من المفترض ان يعرضها على نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويتضمن هذا الاطار تمديد المفاوضات لمدة عام.
12 شهرا من المفاوضات تعني اخبارا جيدة لتل ابيب، فاسرائيل تواصل احتلال الاراضي الفلسطينية، وتستمر بخطط التهويد والتوسع الاستيطاني. بينما بالنسبة للفلسطينيين هي عام جديد من الاحتلال والقمع، فخلال الشهور الخمسة الماضية التي شهدت المفاوضات اعلنت اسرائيل بناء 6200 وحدة سكنية استيطانية جديدة، وخلال سنة جديدة من المفاوضات من المتوقع ان يتضاعف هذا العدد. عام جديد من المفاوضات يعني 12 شهرا اخرى من الانتهاكات والاعتداءات والاعتقالات، فخلال السنة الماضية التي شهدت المفاوضات، قتلت اسرائيل 36 فلسطينيا وهو العدد الأعلى في السنوات الخمس الماضية.
قد لا يستطيع الفلسطينيون وقف هذه الاجراءات لكن ما يستطيعون فعله، هو مقاومتها، والاهم عدم الرضوخ لمطلب تأجيل طلب الانضمام لمنظمات وهيئات الامم المتحدة، فلم يعد امامهم اليوم من سلاح غيره لمواجهة الهجمة الاستيطانية والانتهاكات الاسرائيلية.
أميركا تبتعد أكثر في 2014
ج الحياة / حسان حيدر
كادت اخبار الولايات المتحدة تختفي عن شاشات العالم في الاسابيع الاخيرة من العام المنصرم. لم يكن هناك ما يقال عن رئيسها ولا عن سياساتها التي باتت تبنى على حسابات ومفاهيم داخلية بحتة، ومن المرجح ان تكون في العام الجديد اكثر غيابا عن قضايا العالم وهمومه، أولا لان قيادتها قررت الانسحاب من شؤونه، وثانيا لانشغالها بمشكلاتها التي يبدو انها ستتفاقم في وجه اول ملون اختارته رئيسا.
أحدث باراك اوباما هزتين كبيرتين في الشرق الاوسط خلال العام الفائت، اولاهما تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية الى نظام الاسد رغم تأكيده المتكرر بأن الاسد هو المسؤول عن الهجمات بالسلاح الكيماوي، بحيث فتح الباب واسعاً امام الافلات من العقاب الذي كان انتقده مرارا ووعد بوقفه، والثانية مفاوضاته السرية المباشرة مع ايران والتي لم تسفر اقليمياً عن اي نتيجة ملموسة توحي بوقف الهجمة الايرانية في المنطقة.
كانت الهزتان النتيجة الواضحة للتحول الكبير الذي اعتمده الرئيس الاميركي في مقاربة السياسة الخارجية: اميركا أولاً واسرائيل ثانياً... ولا ثالث لهما. وهكذا تُرك السوريون لمصيرهم فيما حربهم الاهلية تتأجج اكثر فأكثر بلا اي أمل في حل ممكن، وتواصل ايران وادواتها في المنطقة سياسة قضم الاستقرار واستبدال نفوذها به، وازالة العقبات التي تواجهه واحدة تلو الاخرى، مثلما حصل قبل ايام في لبنان مع اغتيال الوزير السابق محمد شطح.
لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي الوحيد في العالم، ولم تعد كلمتها مسموعة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي صار الجميع ينتظر موقف واشنطن كلما طرأت مشكلة كبرى في بلد ما. لكن الحال تغيرت بسرعة وصارت هناك بدائل عدة من الاميركيين. اوروبا تتحرك وحدها تقريبا حماية لمصالحها ونفوذها بعدما ادركت ان التباين مع الولايات المتحدة يتعدى التفاصيل الصغيرة الى جوهر العلاقة بين الطرفين، خصوصا بعد فضيحة التجسس على قادتها، وبعدما استنتجت ان الحرص على التشاور قائم من طرف واحد فقط. اما روسيا فلا توفر فرصة لاثبات انها موجودة وبقوة على الساحة الدولية، وانها تنشط بفاعلية لحماية قواعدها الاقليمية مثلما تفعل في سورية واوكرانيا وجورجيا. فيما الصين التي تعمل بصمت تمسك بيدها مقادير اقتصادية هائلة توفر لها حصانة في وجه الاميركيين الذين يحتاجون بلايينها.
اما على الصعيد الاميركي الداخلي، فقد دفعت النتائج الكارثية المتوقعة خلال الولاية الثانية لاوباما بعض الاميركيين الى مقارنتها بالولاية الثانية لجورج بوش الابن التي جرّت ويلات كثيرة على مواطنيه كان ابرزها الانهيار الاقتصادي والمالي الذي ورط بلاده والعالم فيه وسلسلة الحروب الدولية المكلفة وغير المجدية. لكن مشكلات اوباما قد تكون اكبر. فالترجيحات تشير الى ان حزبه الديموقراطي قد يخسر سيطرته على مجلس الشيوخ، وان منافسه الجمهوري سيعزز في الوقت نفسه سيطرته على مجلس النواب، ما يعني ان الرئيس سيواجه في الفترة المتبقية له اكثرية في مجلسي الكونغرس تعارض سياساته وتعرقل مشاريعه المترنحة اصلا. وقد يكون نصيبنا في الشرق الاوسط انعدام اي دور اميركي ضروري لحفظ التوازن ووقف الهجمة المنسقة بين طهران وموسكو.
مصر المرتبكة
ج الحياة / محمد صلاح
حين كانت فضائيات العالم تنقل الاحتفالات الصاخبة بالسنة الجديدة، كانت برامج الفضائيات المصرية تستضيف خبراء مفرقعات ومسؤولين في الدولة سابقين عاصروا حوادث تفجير وتفخيخ سابقة يتحدثون عن تفجير خط الغاز في سيناء وما سبقه من أعمال إرهابية ضربت مدناً مصرية عدة. وتُرجح المؤشرات أن نشاط «الإخوان» في الشوارع وأنصارهم من الإرهابيين في سيناء وغيرها من المدن المصرية، سيزيد بشدة حتى موعد الاستفتاء على الدستور الجديد بعد أقل من أسبوعين، ويوم الاستفتاء سيسعون إلى إفشاله أو تعطيله أو منع الناس من التوجه أو التوقف أمام لجان الاقتراع... ليس في الأمر سراً فالكل الآن «يلعب على المكشوف».
تلك قضية محسومة وأحداثها متوقعة منذ عزل الدكتور محمد مرسي، أما الجديد فيتعلق بتعديل خريطة الطريق السياسية. بعض المتحمسين لترشيح وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة يضغطون بهدف إجراء تلك الانتخابات قبل الاستحقاق البرلماني، على خلاف ما ورد في خريطة الطريق التي أعلنها السيسي نفسه عند الإطاحة بحكم «الإخوان» وعزل مرسي، عقب ثورة الملايين في 30 حزيران (يونيو) العام الماضي. ويبدو أن الرئيس المصري عدلي منصور بصدد إصدار إعلان دستوري مكمل يُعدل فيه ما ورد في الإعلان الدستوري الأول لتجري انتخابات الرئيس قبل البرلمان.
وعلى رغم أن برامج الفضائيات استغلت الجدل حول الرئاسية أو البرلمانية أولاً لتفتح «مكملات» أتاحت فيها الفرصة كاملة لشخصيات النخبة التلفزيونية لتُنظر وتشرح للناس فوائد وعيوب التبكير أو التأخير في اختيار الرئيس في ظل مواجهة مع «الإخوان» الذين لا يريدون رئيساً بعد مرسي ولا برلماناً بعد برلمانهم، إلا أن النظرة الهادئة الرصينة أو تلك التي ينظر من خلالها عقلاء السياسة إلى المسألة حققوا إلى توقعات، أو قل احتمالات قوية بأن تقديم الرئاسية على البرلمانية خطأ آخر سيضاف إلى أخطاء وقع فيها الحكم الموقت من دون داعٍ. وغالبيتها نتيجة خضوعه لضغوط الرأي العام أو قل الفضائيات لقرار اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً من دون أن يكون لدى الدولة في الوقت الحالي الآليات التي تتيح لها مطاردة الجماعة وقادتها وعناصرها والدخول في مواجهات مع الدول التي تؤوي الفارين منهم، أو فرض قيود تصل إلى منع التعامل مع الجهات الداعمة للإخوان أو المساندة لهم، وكذلك قانون تنظيم التظاهر الذي لم يوقف التظاهر أو أعمال التخريب التي يقوم بها شباب وشابات الإخوان خصوصاً في الجامعات.
نعم قد تكون النيات سليمة، والأهداف طيبة، والغرض مواجهة الإخوان والتصدي لنشاطهم المؤذي للمجتمع، لكن الحقيقة تقول إن الدولة إذا فرضت قانوناً أو أصدرت قراراً ولم تستطع تنفيذه فإنها بذلك تضرب هيبتها، بل وتدفع الخارجين على القانون إلى الخروج عليه أكثر، والمخربين إلى التخريب أكثر، و»الإخوان» إلى الشطط أكثر وأكثر.
وبغض النظر عن الجدل حول ترشح السيسي أو الحماس له أو تأييده أو الاعتراض عليه فإن المؤكد أن التبكير بالانتخابات الرئاسية أمر مفيد للإخوان حتى لو كانت الجماعة ضد كل إجراء بعد عزل رئيسها مرسي، إذ ستضرب تلك الانتخابات التحالف المناوئ للجماعة، خصوصاً إذا ترشح السيسي، وحين تأتي الانتخابات البرلمانية، وستأتي، ستلعب الجماعة على التناقضات التي ستنشأ بفعل المنافسة بين القوى الأخرى والخلافات التي ستتفجر بين مؤيدي مرشحي الانتخابات الرئاسية وسيخص الإخوان في الانتخابات البرلمانية ما لم يكونوا هم أنفسهم يتوقعونه لو حافظ التحالف المناوئ لهم على صلابته. ثم أن الفارق الزمني إذا جرى الالتزام بخريطة الطريق وأجريت البرلمانية أولاً بينها وبين الرئاسية لا يتجاوز شهرين فقط ولا يحتاج الأمر إلى المراهنة أو تعديل الإعلان الدستوري فاختيار رئيس حتى لو كان السيسي لن «يعمل من الفسيخ شربات» في فترة وجيزة ولن يغير حال مصر بهذه السرعة، أخيراً فإن من وضع خريطة الطريق هي الجهة نفسها التي ستعدلها ما يرسخ الاعتقاد بأن التسرع كان سمة المرحلة وأن القرارات التي صدرت لم تدرس جيداً ولم تحسب تداعياتها. في كل الأحوال فإن مصر المرتبكة منذ ثورة 25 يناير لا تتحمل ارتباكات جديدة أو تعديل مسارات جرى تحديدها من قبل.. فالسير بصعوبة أفضل كثيراً من التيه!
هل تسعى روسيا فعلا لإقامة دولة «علوية»؟
الشرق الاوسط / صالح القلاب
قبل أيام قليلة من قبول المعارضة السورية، الائتلاف على وجه التحديد، لدعوة روسية بزيارة موسكو عشية انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، الذي يبدو أنه ربما لن ينعقد أبدا، تحدث سياسي عربي مرموق، كان شغل موقع رئيس الوزراء في بلده، بمرارة عما سماه إدارة العرب ظهورهم للروس ووضع بيضهم كله في السلة الأميركية.. «ولهذا فإنهم قد وجدوا أنفسهم أمام معادلة بائسة جدا، فهم خسروا فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف، في حين أنهم لم يربحوا باراك أوباما الذي ثبت أن إدارته سبب كل هذه الانهيارات والأوضاع المأساوية التي باتت تعيشها سوريا».
لقد بدا هذا السياسي العربي متشائما وبدا وكأنه قد تخلى عن كل رهاناته السابقة على الولايات المتحدة، إنْ لجهة استقرار الأمور المضطربة جدا في هذه الأيام في بلده، وإنْ لجهة اتخاذ موقف حاسم تجاه المأزق السوري المتفاقم، وأيضا إنْ لجهة الضغط على الإسرائيليين وإلزامهم ولو بالحد الأدنى المعقول من حل يحقق للشعب الفلسطيني تطلعاته في إقامة دولته المستقلة المنشودة.
ويرى هذا السياسي العربي أنه كان على العرب أن يأخذوا العبرة مما فعله الأميركيون في أفغانستان وفي العراق، وأن يدركوا منذ بدايات الأزمة السورية أن هذه الإدارة الأميركية لا يجوز الرهان عليها، وبخاصة بالنسبة لأزمة كهذه الأزمة التي من المؤكد أنه سيتوقف على كيفية حسمها مستقبل الشرق الأوسط بأسره، وهنا فإنه، أي هذا السياسي العربي، قد قال أيضا إن هذا الوضع العراقي المأساوي هو في حقيقة الأمر أحد ارتدادات الزلزال السوري المدمر الذي لن تسلم من ارتداداته أي دولة عربية، سواء كانت مجاورة وقريبة أو نائية وبعيدة، وأيضا وحسب رأي هذا السياسي العربي، فإن المجرب لا يجرب، وإنه ما دام الأميركيون قد سقطوا في امتحان العراق الذي سلموه تسليم اليد لإيران، فليس من الجائز المراهنة عليهم بالنسبة للأزمة السورية، وكان من الضروري الاتجاه إلى موسكو والتفاهم معها على حل معقول يستجيب لرغبة السوريين في التغيير ويحقق للروس مصالحهم القديمة - الجديدة في هذه المنطقة.
لكن ومع كل التقدير والاحترام لهذا السياسي العربي فإنه لا بد من التأكيد أن العرب، مع أن رهانهم الرئيس بالنسبة للأزمة السورية كان على الأميركيين وعلى دول الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى، فإنهم لم يهملوا روسيا على الإطلاق، وإنهم بقوا يحاورونها ويأخذون رأيها ويرسلون وفودهم إليها ويستقبلون وفودها في عواصمهم، لكن وللأسف، فإنه قد ثبت وبالأدلة الملموسة والقاطعة، أن بوتين وسيرغي لافروف كانا يناوران ويتلاعبان بعامل الوقت من أجل هدف واحد لا غيره، وهو الإبقاء على نظام بشار الأسد لأطول فترة ممكنة، وهو أيضا تمزيق المعارضة السورية وإغراقها بالتنظيمات والمجموعات الإرهابية الوافدة التي ثبت أن بعضها - إن لم تكن كلها - مجرد صناعة مخابراتية إيرانية - سورية مشتركة وبعلم ومعرفة موسكو.
لقد بذلت بعض الدول العربية جهودا مضنية لإقناع الروس بأن مصالحهم مع الشعب السوري ومع العرب ومع أهل هذه المنطقة أهم كثيرا من مصالحهم مع نظام بشار الأسد، لكن ورغم كل الإغراءات الفعلية التي قدمت للرئيس بوتين والوعود التي أعطيت إليه وإلى وزير خارجيته سيرغي لافروف، فإن موسكو لم تتخلَ عن الموقف الذي كانت اتخذته منذ اللحظة الأولى، بل وهي ازدادت صلفا برفع الشعار الذي لا تزال ترفعه، والقائل: «إن الحل المنشود يجب أن يكون بالمفاضلة بين بشار الأسد والإرهاب»!
وهكذا، فإن روسيا لم تغير خط سيرها بالنسبة لهذه الأزمة، وإنها بعد تراجع الأميركيين والأوروبيين باتت تتصرف على أنها اللاعب الوحيد والأوحد في هذا الميدان، فهي التي وقفت خلف فكرة مؤتمر جنيف الأول ومؤتمر جنيف الثاني، وهي صاحبة حل التخلص من الأسلحة الكيماوية، وهي التي دفعت في اتجاه إبرام الاتفاق النووي الذي أبرمته مجموعة الـ5+1 مع إيران الخامنئية، وحقيقة أن الدور الروسي بالنسبة للأزمة السورية قد طغى حتى على دور بشار الأسد نفسه وحتى على دور إيران، فالرئيس بوتين أصبح هو رئيس سوريا، ووزير خارجيته سيرغي لافروف غدا هو وزير خارجية الجمهورية العربية السورية.. وكل هذا بالإضافة إلى تعطيل مجلس الأمن الدولي ومنعه من اتخاذ أي قرار لوضع حد لأزمة باتت أزمة إقليمية ودولية وأصبحت تهدد هذه المنطقة الحساسة والشرق الأوسط كله.
فلماذا يا ترى لجأت روسيا إلى كل هذا الانحياز غير المبرر؟ ولماذا واصلت التصعيد واستمرت بتعطيل أي محاولة لحل سلمي ينهي هذا الصراع ويجنب سوريا خطر التمزق والانهيار؟!
كان انفجار الوضع في سوريا فرصة للقيادة الروسية بقيادة بوتين لاستعادة ولو شيء من الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفياتي في المعادلة الدولية قبل انهياره، حيث كان هناك معسكر شرقي مركزه موسكو وجناحه العسكري حلف وارسو الشهير، وكان هناك معسكر غربي مركزه واشنطن وجناحه العسكري حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهكذا فقد كان انحياز دول العالم كلها على هذا الأساس، وذلك رغم أن منظومة عدم الانحياز قد اخترعت اختراعا للضحك على ذقون الذين كانوا يقنعون أنفسهم بأن دول هذه المنظومة غير منحازة!!
والمعروف أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تحولت روسيا (الاتحادية) إلى مجرد بيدق صغير على رقعة الشطرنج الدولية، وأنها أصبحت بلا أي دور فاعل لا في مجلس الأمن ولا في الأمم المتحدة عموما، وبخاصة بعد أن خسرت أوروبا الشرقية كلها ومعها جمهوريات البلطيق الثلاث ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وهكذا فقد تمادى الأميركيون في التحدي إلى حد تركيز صواريخهم الاستراتيجية، بحجة واهية هي مواجهة الخطر الإيراني الداهم، تحت أنف الدولة الروسية.
ولهذا فقد وجد بوتين أن الفرصة غدت سانحة، بعد مارس (آذار) 2011، لتصفية حسابات بلده مع الولايات المتحدة التي لحسن حظه وحسن حظ روسيا قد ابتليت برئيس متردد وبإدارة هزيلة فسحت المجال أمام موسكو لتصبح هي صاحبة القرار الرئيس، ليس بالنسبة للأزمة السورية فقط، وإنما بالنسبة لما يجري في الشرق الأوسط كله.
إن هذه هي الحقيقة، ولذلك فإن كل ما فعله الروس على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لم يكن حبا لا في بشار الأسد ولا في نظامه، وإنما لاستعادة مكانة دولية كانت فقدتها موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي، والواضح أن بوتين سيواصل هذه «اللعبة» حتى إن لم يبق في سوريا حجر على حجر، وحتى وإن كانت النتيجة النهائية تمزق هذا البلد وتحويله إلى دويلات مذهبية وطائفية ستبقى تتقاتل عشرات الأعوام وإلى ما شاء الله!!
ثم وإن ما يؤكد أنه لا يهم روسيا إلا مصالحها وإلا توجيه المزيد من اللكمات لأنف الولايات المتحدة واستعادة مكانة دولية، كانت خسرتها بانهيار الاتحاد السوفياتي، وأن موسكو قد دأبت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية على تعطيل كل محاولات وضع نهاية لهذه الأزمة بالوسائل السلمية، وأنها فتحت المجال لإيران لتحول صراعا بدأ سياسيا إلى حرب طائفية أسهمت فيها عسكريا بـ«فيلق القدس» وبكل هذه التشكيلات المذهبية التي توجد الآن في كل جبهات القتال من ميليشيات حزب الله إلى عصائب الحق إلى فيلق «أبو الفضل العباس» إلى «ذو الفقار».
والسؤال هنا أيضا هو: هل روسيا يا ترى تسعى فعلا لتمزيق هذا البلد وتسعى لإقامة الدولة «العلوية» التي يجري الحديث عنها لتكون قاعدتها وقاعدة أساطيلها المتقدمة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط؟!
إنه من الصعب الحسم بهذا الأمر، لكن كل الأدلة تشير إلى أن الروس منهمكون في لعب هذه اللعبة القذرة والدليل هو أنهم قد حصلوا على «امتياز» التنقيب عن النفط والغاز على سواحل البحر الأبيض المتوسط السورية.. وأنهم بعد توقيع اتفاقية مماثلة مع قبرص باتوا يسعون لتحويل هذه المنطقة إلى بحيرة مصالح روسية استراتيجية!!
التغيير الذي يحتاج إليه العالم العربي
القدس / د. يوسف نور عوض
تعرفت على المفكر اللبناني الأستاذ ‘رمضان لاوند’ الذي كان يعمل رئيسا للقسم الثقافي في إذاعة الكويت ، وكنت من وقت لآخر أبدأ معه حوارات فكرية تطورت إلى نحو عشر حلقات مدة كل منها نصف ساعة أذيعت في إذاعة الكويت كما أذيع مثلها في إذاعة أمدرمان ، وذات يوم دخلت عليه في مكتبه وكان في مزاج غير عادي حاولت أن أخرجه منه بفتح موضوع للنقاش ، ولكنه قال لي أرجو ألا تثير معي مثل هذه الموضوعات مرة أخرى ، فقلت له لم؟
فقال أنت تقرأ الكتب والمجلات وتملأ رأسك بالموضوعات ثم تأتي لتناقش بها ، فقلت له وما الضير في ذلك ألا يناقش الإنسان بثقافته وما يكتسبه من معلومات ؟ فقال لي أنا لا أومن بذلك ، لأني لا أحب النقاشات التي تفتقر إلى الرؤية، فقلت له وماذا تعني بذلك؟فقال أنظر إلى الفيلسوف اليوناني ‘أفلاطون’ ، ستجد أنه وضع الفلاسفة في قمة الهرم الفكري، فقلت له وما دلالة ذلك؟ فقال الفيلسوف لا يشحن عقله بالمعلومات بل هو يفكر في الكون وما حوله ثم يخرج بفكرة واحدة تكون ذات قيمة كبيرة ، وتلك هي الرؤية التي يتعامل بها الإنسان في حياته ، يزيد عليها أو ينقصها بحسب تفكيره وخبراته ، ورأيت أن ما قاله الأستاذ ‘رمضان لاوند ‘ عميق ويحتاج إلى التأمل حين التعامل مع قضايا الفكر ،
وفي تلك المرحلة كان الصراع دائرا بين المعسكرين الشرقي والغربي، وكانت كثير من المفاهيم الشرقية تأخذ طريقها إلى العقول دون تأملها بصورة سليمة ، ومن تلك المفاهيم الاشتراكية والتوزيع العادل للثروات دون التفكير في جدوى ذلك ، وأذكر أنني سافرت إلى بريطانيا حيث بدأت مرحلة طويلة من الهجرة ، وأذكر أن أول ما لفت نظري في بريطانيا هو سكن معظم المواطنين في منازلهم الخاصة ، وسألت بعضهم كيف تمكنوا من الحصول على المال الذي اشتروا به المساكن ، فقالوا لم يكن معهم مال ، ولكنهم توجهوا إلى المصارف من أجل الاقتراض من خلال نظام الرهن العقاري، الذي يمكن المواطنين من شراء منازلهم بضمان المنازل ذاتها ، وعند ذلك سألت من أين تأتي المصارف في بريطانيا بالأموال ؟ فعلمت أنها أموال الأثرياء المودعة في المصارف والتي تدخل في الدورة الاقتصادية بحيث يستفيد منها كل فرد ، وعند ذلك قلت لنفسي إذن ما يقوله اليساريون عن استغلال الأغنياء للفقراء ليس صحيحا ، لأن الأغنياء في بريطانيا يضعون أموالهم في المصارف حيث يستفيد منها كل شخص ، وهم بالتالي لا يهربون الأموال إلى خارج البلاد كما يفعل أثرياؤنا، وبالتالي يخرجون الأموال من الدورة الاقتصادية ، ووفق هذا المفهوم يظل حتى الذي يكتسب أمواله بطريقة غير مشروعة ويبقيها داخل النظام الاقتصادي غير ضار بالمجتمع لأن أمواله تظل في خدمة المجتمع وإن لم تكن في يد الحكومة.
وجعلني ذلك أبحث في كل الأفكار التي تحتوي على رؤية ذات قيمة بالنسبة للمجتمع ، ووقع بحثي في أول الأمر على كتاب ذي قيمة كبيرة وهو كتاب تعليم المقهورين ‘لباولو فرايري’ الذي نقلته إلى العربية، ودهشت من الصدى الذي أحدثته هذه الترجمة في شبكة الانترنت ، وكانت فكرة الكتاب تركز على التفريق بين التعليم المصرفي الذي نحشو به عقول أبنائنا والتعليم الحواري الذي هو الأسلوب الصحيح للتعلم ، ذلك أن التعليم المصرفي يشبه إيداع صاحب المال لأمواله في المصرف دون أن يعلم مصيرها ، بينما التعليم الحواري هو الأسلوب الوحيد للتعلم لأنه يثير في الإنسان رغبة التساؤل، والإجابة التي يحصل عليها من خلال هذا التساؤل هي التي تمثل التعليم الحقيقي ، أما ما نحشو به عقول التلاميذ فهو نوع من التدجين المسؤول عن كل مشاكل مجتمعاتنا في الوقت الحاضر ، وأما الكتاب الآخر الذي اهتممت به ونقلته أيضا إلى العربية فهو كتاب مجتمع بلا مدارس ‘لإيفان إليتش ‘ وهو الكتاب الذي يعتبر المدرسة داء ينبغي التخلص منه لأن أضرارها في عقول التلاميذ أكبر من منافعها بحسب رأي المؤلف.
ومع ازدياد اهتمامي بالرؤية وجدت أن المشكلات القائمة في بلادنا العربية كلها بسبب عدم تبلور الرؤية الكافية عند شعوبنا العربية ، فإذا نظرنا إلى المشكلات القائمة في سوريا أو اليمن أو مصر أو ليبيا وجدنا أنها جميعا بسبب قصور الرؤية ، ذلك أن معظم هذه المشكلات هي بسبب عدم قدرة الكثيرين على تحديد ما يريدونه حقا ، ذلك أن معظم البلاد العربية خضعت في مرحلة من مراحلها للاستعمار الأجنبي، وبصرف النظر عما نقوله عن الاستعمار فإن مفهوم الاستعمار تركز في شيء واحد وهو السلطة ، وبالتالي فعندما قامت الحركات الوطنية في العالم العربي فقد ركزت هذه الحركات على السلطة أي تحويلها من يد الحاكم الأجنبي إلى الحاكم الوطني ، وبالتالي تركز الصراع على السيطرة على السلطة وليس على بناء نظام الدولة ، وهذا هو سر الأزمة القائمة في العالم العربي ، وحتى حين نسمع البعض يتحدثون عن الديموقراطية وإنها تمثيل لإرادة الشعب فإنهم لا يتحدثون عن الديمقراطية بكونها مؤسسة متكاملة تنظم العلاقة بين السلطات القضائية والتنفيذية والسياسية والاقتصادية بل يتحدثون عنها كوسيلة تستخدمها المجموعات القبلية والطائفية والعرقية والأيديولوجية من أجل الوصول إلى السلطة، وإذا قرأنا حال العالم العربي اليوم وجدنا أنه يدور في هذا الإطار، ذلك أن الصراع الدائر في سوريا ليس صراعا بين قوى تريد أن تعمل في إطار نظام الدولة بل هو صراع بين قوى طائفية يرى كل منها أنه هو الأحق بأن يسيطر على السلطة.
وإذا نظرنا إلى الصراع الدائر في ليبيا وجدنا أنه بين قوى شاركت في إقصاء نظام العقيد ، وهي تريد نصيبها من كعكة الانتصار ، أما الصراع في مصر فهو أكثر تعقيدا لأنه صراع بين قوى عسكرية تقليدية وقوى مدنية ذات طبيعة أيديولوجية ، وكما نرى فإن الانتصار في أي بلد من هذه البلدان لن يحقق نظام الدولة الديمقراطية لأن الصراع ليس من أجل إقامة هذه الدولة بل هو صراع من أجل تحقيق النفوذ للقوى المتصارعة على حساب الآخرين وحتى على حساب المصلحة الوطنية .
, ويقودنا ذلك من جديد إلى موضوع الرؤية ، لأنه بدون رؤية صحيحة فلن تكون هناك ديمقراطية في العالم العربي ، ويجب ألا يفهم من ذلك أن مجرد وضوح الرؤية يعني التغيير ، ذلك أن العالم العربي فيه كثير من العقبات ، وأول هذه العقبات صيغ الحكم القائمة ، وهي صيغ لا تقبل التغيير والرؤية الصحيحة فالتغيير لا يعني إلغاء الأوضاع القائمة بل يعني تصحيح البنى الاجتماعية ، لأن شكل الحكم ليس هو الذي يحدد طبيعة المجتمع الديمقراطي لأننا إذا نظرنا إلى سائر الدول الديمقراطية في العالم وجدنا أنها تعمل تحت بنى سياسية مختلفة كما هو الشأن في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانية وأستراليا وغيرها إذ في سائر هذه الدول أنظمة حكم مختلفة ولكن ذلك لم يحل دون إقامة النظم الديمقراطية، فالمهم في النظام الديمقراطي هو الخروج من نظام الحكم التسلطي إلى نظام الحكم الرشيد ، والمقصود بالحكم الرشيد هو معرفة أن الوصول إلى الحكم لا يعني التسلط على الآخرين من خلال الطائفة أو القبيلة أو الأيديولوجية أو المعتقد ، بل يعني فقط خدمة مصالح المجتمع من خلال النظام المؤسسي الذي أشرنا إليه سابقا ، ويحتاج التغيير إلى هذا الواقع تجديد رؤية الكثيرين لطبيعة العمل السياسي التي إذا تغيرت أصبح تداول العمل السياسي إجراء سلميا يتم وفق العوامل الضرورية للممارسة الديمقراطية السليمة .
الإخوان المسلمون والدولة الجمهورية: شراكة قصيرة وتدافع مرير
القدس / د. بشير موسى نافع
أخذت الدولة الحديثة في التبلور على يد والي مصر العثماني، الطموح، محمد علي، منذ العقد الثاني للقرن التاسع عشر. لم تكن مصر هي هدف مشروع محمد علي وطموحه، ولكنها كانت قاعدة المشروع الأساسية. وجه السلطان والي مصر في 1811 للقضاء على الحركة السعودية الوهابية، بعد أن فشل والي بغداد في المهمة وعجز والي دمشق عن القيام بها. وليس ثمة شك أن تجربة القتال الطويلة في الجزيرة العربية، التي امتدت حتى 1818، كانت قاسية وباهظة التكاليف. لحل أزمة العسكرية العثمانية التقليدية، وكما عدد كبير من رجال الدولة العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عمل محمد على بناء جيش قوى، جيش على النمط البروسي والفرنسي، مستعيناً بضباط وإداريين فرنسيين كانوا اضطروا لهجرة بلادهم بعد هزيمة نابليون في ووترلو.
وسرعان ما أدرك محمد علي أن بناء جيش حديث، وصناعة عسكرية توفر له الدعم الكافي، يتطلب إعادة هيكلة ولاية مصر بصورة شاملة. وهنا بدأت ‘مركزة’ الدولة وبروز الدولة المصرية الحديثة، بما في ذلك بسط سيطرة الدولة على الأرض الزراعية، التجارة، التعليم، القضاء، والتشريع. وبالرغم من أن هدف محمد علي في البداية كان المشاركة في الحكم في إسطنبول ذاتها، فقد اضطر في النهاية، مكسوراً، إلى القبول بالتراجع إلى حدود مصر الحالية. في كلا الحالتين، كان الجيش هو محور المشروع وأداته الرئيسية، وضمانته.
استمر تطور الدولة المصرية بصورة حثيثة خلال القرن التاسع عشر، وحتى بعد أن أجبر محمد علي على تقليص حجم جيشه وتفكيك قطاع ملموس من المنشآت الصناعية التي تخدمه، وبعد الاحتلال البريطاني في 1882، لم تتوقف عملية بناء الدولة. عمل البريطانيون على تعزيز سيطرة الدولة وحافظوا على مؤسسة الجيش. لم يكن للوجود البريطاني في مصر أية صفة قانونية، ولا حتى سنداً قانونياً إمبريالياً؛ وظلت مصر رسمياً ولاية عثمانية تتمتع بقدر واسع من الإدارة الذاتية إلى أن أعلنت بريطانيا مصر محمية بعد شهور قليلة من اندلاع الحرب الأولى في 1914. ما حاولته بريطانيا في العقود الثلاثة الأولى للاحتلال كان توظيف جهاز الدولة لخدمة إدارة الاحتلال، واستخدام الجيش لتحقيق أهداف التوسع البريطاني في إفريقيا، سيما السودان، كما في سنوات الحرب العالمية الأولى. المدهش، أن مؤسسة الجيش المصري ظلت حية إلى حد كبير، وتظهر النصوص التي استخدمت في تدريب الضباط تبلور ثقافة عسكرية مصرية خاصة، بالرغم من وجود المحتل البريطاني، حملت مؤشرات على وعي إقليمي استراتيجي ووعي بالدور والموقع في بنية الدولة. بعد توقيع معاهدة الاستقلال المشروط في 1936، استعادت الحكومة المصرية سيطرتها المباشرة على المؤسسة العسكرية، فتحت أبواب الكلية الحربية لأبناء الطبقات المصرية الوسطى (بعد أن كانت طبقة الضباط مقصورة على أبناء الارستقراطية الحاكمة)، وأخذت في تنمية مقدرات الجيش.
منذ ولادته، زرعت في الجيش عقيدة الارتباط بصاحب الأمر في البلاد. كان هذا جيش محمد علي باشا وجيش إبراهيم باشا، وهذه هي العقيدة التي حاول فاروق، آخر ملوك الأسرة العلية، تكريسها. ولكن شيئاً ما في هذه العقيدة آخذ في التحلل منذ التحاق أبناء عموم المصريين بسلك الضباط. فبالإضافة إلى أن عدداً من هؤلاء كان مسيساً أصلاً، فإن خلفيتهم الاجتماعية اختلفت إلى حد كبير عن ضباط الطبقة الارستقراطية، أبناء القصور ذات الصلات المختلفة والمتعددة بالأسرة المالكة. من جهة أخرى، ومنذ حادثة 4 شباط/ فبراير 1942 المهينة، أخذت سلطة وصورة القصر في الانحدار. ولم يكن غريباً أن المجموعة الصغيرة من الضباط، التي ستصبح نواة حركة الضباط الأحرار فيما بعد، التحقت بجهاز جماعة الإخوان المسلمين الخاص بعد حادثة 4 شباط/ فبراير بقليل. وبالرغم من أن بعض الضباط الأحرار سيترك الجماعة بعد ذلك إلى تنظيمات سياسية أخرى، والبعض الآخر سيجمد عضويته بعد الصدام الكبير بين النظام الملكي والإخوان في 1949، فإن العلاقة لم تنقطع. عشية انقلاب 23 يوليو، كان الإخوان هم الجهة السياسية الوحيدة التي لجأ إليها الضباط لمساندة حركتهم ضد النظام؛ وبعد نجاح الانقلاب، أصبح الإخوان شريكاً رئيسياً في خطوات حكومة نظام يوليو الأولى. حتى كتاب عبد الناصر الشهير ‘فلسفة الثورة’، الذي أريد به وضع الإطار الإيديولوجي للجمهورية، كاد أن يكون صدى لكتابات حسن البنا وتصوره لمصر والعالم من حولها.
بيد أن سمتين رئيسيتين ستحددان علاقة الإخوان بجمهورية الضباط منذ لحظات ولادتها الأولى: الأولى، أن شعور الإخوان بشراكتهم في النظام الجديد قد بولغ فيه، إلى حد ما، ليصطدم في النهاية بسعي رجل مجلس الثورة القوي، الكولونيل جمال عبد الناصر، للسيطرة على مقاليد الحكم، وإقامة نظام تحكم مركزي، يقود البلاد إلى النهضة، يؤسس لعدالة اجتماعية، ويعزز دور مصر الإقليمي التقليدي. الثانية، أن ضرورات قيام نظام سياسي تحكمي تطلبت حل الأحزاب السياسية الموروثة من النظام الملكي، ووضع نهاية قاطعة للتعددية السياسية بكل صورها. ولأن أغلب أحزاب ما يسمى بالحقبة الليبرالية لم تكن عميقة الجذور، لم يستطع حزب واحد منها الصمود أمام مطرقة الدولة. وحدها الأحزاب الأيديولوجية استطاعت الصمود، ممثلة بالإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري، والتنظيمات الشيوعية الصغيرة الأخرى المنشقة عنه. أقام النظام تنظيماته السياسية، بالطبع، من التحرير إلى الاتحاد القومي إلى الاتحاد الاشتراكي، ولكن هذه التنظيمات لم تستطع مطلقاً التحرر من حبل الحياة السري الذي ربطها بالسلطة الحاكمة. في الواقع، انحصرت الأسس التي استندت إليها الدولة الجمهورية في عقودها الأولى إلى الجيش، الذي أصبح جيش الثورة والجمهورية بعد كان جيش الباشا والملك، وكاريزما الرئيس عبد الناصر، الذي خاض بمصر سلسلة من المعارك المناهضة للسيطرة الإمبريالية على المجال العربي، والمناهضة للأنظمة العربية الملكية المتحالفة مع القوى الغربية؛ إضافة إلى أجهزة مؤسسات الدولة البيروقراطية والأمنية، التي ستأخذ في التماهي التدريجي مع نظام الحكم.
كانت علاقة الشراكة بين الإخوان والضباط قصيرة بالفعل، ولم تستمر سوى عامين فقط. وحتى خلال هذين العامين، لم تخل الشراكة من تدافع وصدامات قصيرة، إلى أن وقع الافتراق النهائي والمؤلم في ربيع وصيف 1954. حسم عبد الناصر الصراع بعد أن كان قد نجح في إحكام قبضته على مقاليد الدولة والحكم خلال العامين من 1952 1954، وأصبحت الدولة، وليس مجموعة الضباط الأحرار، هي أداة الصراع. ولم يكن في ذلك ما هو غريب أو مفاجئ؛ ففي حين نظر جهاز الدولة إلى الإخوان باعتبارهم كياناً غريباً، جاء حكام الجمهورية الوليدة من قلب الدولة، من جيشها، أولى مؤسساتها على الإطلاق. خلال الأعوام القليلة التالية، وبعد أن أخرج الإخوان كلية من الفضاء العام، سيحاول عبد الناصر حل إشكالية علاقة الجيش بنظام الحكم الجديد والدولة. كان المدرس السابق في الكلية العسكرية يدرك أن الانقلاب خلق مناخاً من الفوضى والتسيب داخل الجيش، وأوقع حالة من الخلل في العلاقة بين طبقة ضباط الجيش ومؤسسة الدولة، وأن الانقلاب الأول قد يجر البلاد إلى سلسلة من الانقلابات، ما لم يعاد الجيش إلى ثكناته. ولكن المهمة لم تكن سهلة؛ فعلى نحو ما كان الانقلاب قد كسر براءة جيش الباشا/ الملك. وضع عبد الناصر صديقه، الضابط الشاب، عبد الحكيم عامر، على رأس الجيش، وحاول استيعاب العدد الأكبر من الضباط الأحرار في جسم الحكم الجمهوري. ولأن ولاء الجيش للجمهورية كان ضرورة حيوية لبقائها واستمرارها، غض عبد الناصر النظر عن تحول الجيش إلى مركز قوة لعامر، وفتح أبواب مؤسسات الدولة والحكم لضباط الجيش، طالما قبل هؤلاء بالتخلي عن بزاتهم العسكرية. ولدت الجمهورية على يد الجيش، بقوته وإرادته، وسرعان ما أصبح الجيش صانع الجمهورية وحارسها.
في منتصف السبعينات، وبعد الشرعية التي حققها من خوضه حرب أكتوبر 1973، بدأ السادات خطوات خجولة ومتواضعة نحو بناء تعددية سياسية محدودة ومتحكم بها. وسرعان ما اتضح أن لا أحزاب ما قبل تموز/ يوليو 1952 ولا تعددية الحقبة الليبرالية يمكن أن يعاد انتاجها من جديد. واصل النظام الحكم من خلال حزبه الخاص، الحزب الوطني، الذي لم يكن سوى تجل جديد لسلفه في مرحلة الحزب الواحد، الاتحاد الاشتراكي. وبالرغم من وجود عدة أحزاب أخرى، بما في ذلك إطار سياسي قانوني للحزب الشيوعي المصري، لم تستطع قوة سياسية واحدة أن تنمو بالصورة التي اتسعت فيها فعالية الإخوان المسلمين، الذين لم يفرج عن قياداتهم الرئيسية إلا في 1971. ومع نهاية حكم السادات في 1981، وبالرغم من أن الإخوان لم يستعيدوا حقهم في العمل القانوني، ولا سمح لهم بتشكيل حزب سياسي، كان الإخوان قد أصبحوا القوة السياسية الرئيسية في البلاد، بفارق واسع عن أي حزب سياسي آخر. ليس ثمة شك أن السادات، الذي عرفت مصر في عهده القصير عدداً كبيراً من وزراء الدفاع (احتلوا أيضاً موقع قيادة الجيش)، حرص على توكيد الطابع المدني للحكم. ولكن انتقال الرئاسة في ظل ظروف بالغة الاضطراب من السادات إلى مبارك، كانت مناسبة لإظهار حقيقة خارطة القوى السياسية في البلاد: أن حزب النظام وأحزاب المعارضة الأخرى معدومة التأثير، وأن القوتين الرئيسبتين في البلاد هما الدولة، ممثلة بالجيش، ذراعها الأقوى، والإخوان المسلمون.
يوم الأربعاء، 25 كانون أول/ ديسمبر ، أصدرت الحكومة المصرية المؤقتة قراراً بإعلان الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، أي الذهاب إلى ما هو أبعد من حل الجماعة ومنعها من العمل، لأنه يستبطن الملاحقة الأمنية بكل صورها. بغض النظر عن المسوغات القانونية لهذا القرار، فإن دلالته الوحيدة أن مصر أصبحت دولة بقوة سياسية واحدة: الجيش.
‘ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
بختك السياسي في 2014
الشرق الاوسط / مشاري الذايدي
من المعتاد عند بداية كل عام، خصوصا الميلادي، أن يدلي أصحاب التوقعات الفلكية، بما يرونه سيكون في هذا العام الوليد.
لعبة الكشف عن المستور لعبة رابحة، ومطلوبة، ولها اقتصاديات ضخمة، وفيها نجوم لامعون، على مستوى العالم كله.
الحديث عن الغيب ليس حكرا على العرافين، فرجال الدين من وعاظ وقسس وحاخامات، لهم سهم وافر في هذه اللعبة، وكل حزب بما لديهم فرحون، وكل يرى الغيب المستور بعيون الرغبة، محاولا إلباس هذه الرغبة، رداء التجرد.
طالعوا معي هذه التوقعات «الطازجة» مع بداية هذا العام.
الحاخام الإسرائيلي (نير بن أرتسي)، كبير حاخامي مدينة القدس، توقع أنه خلال عام 2014 سيهلك من في الأرض جميعا إلا اليهود في «إسرائيل». كما قال إن الجوع سيضرب مصر، حتى إن المصريين سيأكل بعضهم بعضا حتى الهلاك، ولن يجدوا من يرفع عنهم هذا العذاب.
وأضاف الحاخام في عظته الأسبوعية، كما جاء في الـ«سي إن إن» العربية، أن «الرب غاضب على مصر، لذلك سلط على المصريين الاقتتال الداخلي، وكذلك انتشار الجوع». وأن هذه المصائب «ستنتقل من مصر إلى جميع دول العالم».
وأشار إلى أن «العالم سيشهد حالا من الفوضى خلال عام 2014، وسيهلك من في الأرض جميعا إلا اليهود في إسرائيل»، مطالبا يهود العالم بسرعة الهجرة إلى أرض الميعاد.
هذا عن التوقعات الغيبية من زاوية إسرائيلية، لنر من زاوية مصرية.
توقعت جوي عياد، وهي كما وصفت «عالمة فلكية»، أن عام 2014 الجديد سيشهد تطورات عالمية كبيرة، قد تؤدي إلى تغيير خريطة العالم، وذكرت أن وزير الدفاع المصري، الفريق عبد الفتاح السيسي، لن يكون الرئيس القادم لمصر. وقالت إن عام 2014 الذي يسمى اسم «سنة الحصان»، سيكون «عام نصر لمصر»، لافتة إلى أن «الحصان» يتميز بالحركة والديناميكية، الأمر الذي يشير إلى صعود دول وتراجع أخرى، على الصعيد العالمي. وأشارت الفلكية المصرية في تصريحات للتلفزيون المصري، إلى أن مجموع أرقام عام 2014 حصيلته ستكون (7)، وعدت هذا الرقم يحمل دلالة كبيرة في الإسلام.
في لبنان، الأمر أكثر تعقيدا واهتماما بالتفاصيل، فحسب قناة «أو تي في» توقع العراف اللبناني مايك فغالي سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية ومن بعده النائب سامي الجميل. كما أن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة إلى آل الجميل.
أما العرافة اللبنانية الأخرى ليلى عبد اللطيف، على قناة «إل بي سي»، وهي ذات هوى سياسي مختلف عن زميلها، فتخبرنا أن الرئيس سليمان لن يمدد ولن يجدد، وبري سيكون عراب انتقال البلاد إلى بر الأمان.
أري عيني ما لم تبصراه
02/01/2014
في هــــذا الملف:
رجلان يتحكمان في مصير تركيا.. فلمن الغلبة؟
الشرق الاوسط / هدى الحسيني
توحيد سورية والعراق ولبنان في «ضرب الإرهاب»
ج الحياة / عبدالوهاب بدرخان
بهجة دبي.. أنين حروب الآخرين.. الحياة تمضي
الشرق الاوسط / بكر عويضة
مهمة جديدة فاشلة لكيري
رأي القدس
أميركا تبتعد أكثر في 2014
ج الحياة / حسان حيدر
مصر المرتبكة
ج الحياة / محمد صلاح
هل تسعى روسيا فعلا لإقامة دولة «علوية»؟
الشرق الاوسط / صالح القلاب
التغيير الذي يحتاج إليه العالم العربي
القدس / د. يوسف نور عوض
الإخوان المسلمون والدولة الجمهورية: شراكة قصيرة وتدافع مرير
القدس / د. بشير موسى نافع
بختك السياسي في 2014
الشرق الاوسط / مشاري الذايدي
رجلان يتحكمان في مصير تركيا.. فلمن الغلبة؟
الشرق الاوسط / هدى الحسيني
المعركة المتوقعة بين الاثنين منذ زمن وقعت، وقد يكون الخاسر فيها رجب طيب إردوغان رئيس الوزراء التركي. أما الآخر، فتح الله غولن، فإنه يعرف مدى شعبيته بين الأتراك في داخل تركيا وخارجها، ويعرف أيضا أنه هو من أوصل إردوغان إلى الحكم.
في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي بدأ غولن حركته بنشر مدارس «بيوت النور»، وحسب من عرفه عن كثب، وهم كثر، فإنه عمل مع وكالة الاستخبارات الأميركية الـ«سي آي إيه» التي كانت تحاول التسبب في مشكلات للسوفيات حيث يوجد مسلمون، ونسقت الوكالة مع غولن لنشر مدارسه «بيوت النور» في جمهورية القرم حيث التتار لزعزعة سيطرة السوفيات عليهم، ولم يتردد الطرفان في استعمال العنف.
من ناحيتها، سمحت الاستخبارات التركية بتوسع نشاط غولن إنما تدريجيا، وذلك لمساعدة الأميركيين، فهي كانت ضد أسلمة الدولة، وعندما انهار الاتحاد السوفياتي أبلغت الاستخبارات التركية الجانب الأميركي أن دور غولن انتهى، فإما أن يجري أخذه إلى الولايات المتحدة، أو تحيله تركيا إلى المحاكمة للتخلص منه بتهمة محاولة قلب نظام الحكم وهذه عقوبتها الإعدام.
وهكذا نقله الأميركيون سرا إلى ولاية بنسلفانيا، ووفروا له مقرا منه طور «إمبراطوريته»، والأثرياء من أتباعه دعموه بالمال الوفير فأصبح القوة الإسلامية الحقيقية في تركيا.
يظن بعض متابعي نشاط غولن أنه اعتمد في حركته الأسلوب الذي تعتمده منظمة يهودية دينية تدعى «خاباد» ترى أنه حيث يوجد يهودي في العالم يجب أن تكون هي هناك، وبالتالي حيث يوجد تركي في العالم (10 ملايين في أوروبا وحدها) فهناك مدرسة أو نشاط لغولن.. هو الأكثر شعبية في تركيا وبين الأتراك في الخارج.
يخبرني صحافي غربي أنه دُعي عام 1993 للمشاركة في ندوة عقدتها صحيفة «حرييت» حول الإرهاب.. لدى وصوله إلى أنقرة أعطي شريطا ليستمع إليه، كانت خطبة لغولن يقول فيها: «إن إعادة ولادة الإسلام في تركيا ستكون دموية، إنما هذا جيد».. اعتمد الفكرة موضوعا لنقاشه، ولم يكن يعرف أن غولن من «المحرمات». بعد ذلك جاء من يقول له إن جماعة غولن ثائرة، وقد تهاجم الندوة، وما كان من الشرطة إلا أن أخذته إلى المطار ليغادر في اليوم نفسه.
وكان أحد الكتّاب الأتراك ألّف كتابا عن مجموعة غولن، فجاءت الشرطة واعتقلته، وهو في الطريق صرخ محذرا: «إن الاقتراب من غولن كالاقتراب من النار». لكن يبقى في حالة وصول إردوغان إلى السلطة أن غولن كان القوة الحقيقية وراء وصوله.
قبل أن يختاره غولن لم تكن هناك من إنجازات تذكر لإردوغان سوى أنه كان رئيس بلدية إسطنبول، وما لا يعرفه كثيرون أن إردوغان عندما كان رئيسا لحركة الثقافة والشباب في «حزب الرفاه» بزعامة نجم الدين أربكان، كتب مسرحية أخرجها ومثل فيها وكان اسمها «ماسكونيا» وهو اختصار لـ(الماسونية والشيوعية واليهود): «ثلاثية الشيطان».وعندما أراد خوض الانتخابات، ولم تكن له بعد أي قوة أو نفوذ، سافر إلى واشنطن، وأراد، بناء على نصيحة، لقاء الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الأب، فرتب له أحدهم لقاء مع ريتشارد بيرل (أمير الظلام)، فسأله هذا: «من تريد أن تلتقي في واشنطن؟» فرد إردوغان: «مجلس العلاقات الأميركية - الإسلامية (يديره الإخوان المسلمون حتى اليوم)» وطلب من بيرل أن يساعده للقاء الرئيس بوش.
يروي بيرل أنه نصح إردوغان بتجنب لقاء أعضاء ذلك المجلس «فهذا خيار خاطئ». في اليوم التالي علم بيرل أن إردوغان عمل بنصيحته، وألغى اللقاء، عندها علق بيرل: «هذا يعني أنه يمكن العمل والتعاطي مع هذا الشخص.. إنه يتعلم وبسرعة قواعد اللعبة وسوف نحصل معه على نتائج»، ونصح بأن يستقبله الرئيس بوش، وكان هذا في حد ذاته إنجازا كبيرا.
من مقره في بنسلفانيا، أنشأ غولن صحيفة «زمان» التركية، ونشر مدارس الدعم المدرسي الخاصة، وعندما وصل إردوغان إلى السلطة شعر غولن بأن الوقت حان ليعود إلى تركيا، لكن إردوغان لم ولا يريده في تركيا.
لكن غولن اختار طريقا آخر لتجميل صورته في العالم، فأقدم اللورد نظير أحمد على دعوته إلى مجلس اللوردات في لندن، ودعته جامعة اسبوزيتو في إيطاليا لمؤتمر حوله وأطلقت عليه لقب الـ«مربي». ومع هذا ظل إردوغان يرفض عودته إلى تركيا.
نشر غولن قوته داخل مؤسسات الدولة، وبالذات الشرطة، ثم قرر التحرك علنا ضد إردوغان، وعندما وقعت حادثة سفينة «مرمرة» انتقده فيها علنيا، وقرر أن يظهر أنه أكثر اعتدالا من إردوغان.
الغريب أن غولن ظل في أميركا لأكثر من 10 سنوات من دون تأشيرة أو إقامة. ربما كان يرغب في العودة إلى تركيا حتى دون موافقة إردوغان لكنه لم يكن يملك أوراقا ثبوتية، والأميركيون لم يعطوه ما يحتاجه، لأنهم كانوا أصبحوا مع إردوغان، وفي نظرهم؛ تقاعد غولن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولم يعودوا في حاجة إليه. نفد صبره، فرفع دعوى في فيلادلفيا ضد الحكومة الأميركية مطالبا بتصحيح وضعه، والحصول على أوراقه الثبوتية.
المتقاعدون في جهاز الـ«سي آي إيه» شهدوا لمصلحته، أما رجال الوكالة الممارسون ولأنهم الحكومة، فقد وقفوا ضده. وفي النهاية كسب القضية؛ إذ بعد مكوثه في أميركا لسنوات طويلة وتحت الحماية لم يستطيعوا أن يقولوا له: لا أوراق ثبوتية لك، أو يطردوه. حصل على ما يحتاجه، ولكن ظل إردوغان على عناده ورفضه. وعندما يردد الأخير «أياد غربية» فإنه يقصد غولن، خصوصا أن الرئيس باراك أوباما يعده (إردوغان) صديقه الوحيد.
قبل أن يحاول إردوغان إغلاق المدارس التي تدر الأموال الوفيرة على غولن، تسربت وثائق لإحدى الصحف تحكي عن محاولات مجلس الأمن القومي التركي عام 2004، وبموافقة إردوغان، لتصفية كل المؤسسات التابعة لغولن. الصحيفة هذه هي نفسها التي نشرت ما سمي لاحقا بالمحاولات الانقلابية التي قيل إن القادة العسكريين الكبار فكروا فيها.. خطة إبعاد العسكر عن الحكم طبخها إردوغان وغولن معا، لكن تسرب الوثائق أخيرا ومحاولة إغلاق المدارس يقف وراءها إردوغان فاشتعلت الحرب بين الاثنين.
قصص الفساد صحيحة.. غولن كان يعرف عنها، إنما ينتظر أن يساوم إردوغان عليها.. من جهته، كان إردوغان يعرف أيضا بتورط بعض وزرائه ورجال حزبه «العدالة والتنمية» في الفساد والصفقات وغسل الأموال، لكنه وصل إلى درجة من الغرور، بأن الرياح تعصف في الخارج، ولا يمكن أن تشلّع ما بناه. رد فعله عندما انكشفت بهذه الطريقة الصارخة كان بطرد 500 من رجال الشرطة، معلنا أن تركيا في حالة حرب، وأنها الحرب الثانية للاستقلال.
يبدو أن غولن مستمر في حملته، ومجرد أن تردد الصحف التركية أن غولن على اتصال بالأحزاب العلمانية المعارضة، فهذا يعني أنه يريد الإطاحة وبسرعة بإردوغان.
يعتقد إردوغان، المقاتل، أنه بنى الاقتصاد التركي، وهو عندما وصل إلى السلطة فعل ما اقترحه قبل سنوات عديدة جون ماينارد كينز.. طبع الأموال. هذا ساعده في بناء ما سماه بعض رجال الاقتصاد: «النمر الأناضولي». كل المشاريع كانت أموالا سياسية نمت في ظلها عدة شركات اقتصادية.. حصل على الأموال الإضافية من دول الخليج ومن الدول الأوروبية، لكن الوقت سيصل عندما ستضطر هذه الشركات إلى أن تعيد هذه الأموال إلى الخزينة، لكنها غير قادرة فقد توسعت كثيرا، وتحتاج الأموال لفترة أطول. كان كثيرون يعرفون أن تركيا على وشك الانهيار اقتصاديا.. الآن قد يحدث هذا، لكن كما يقول البعض فإن غولن أذكى من أن يُتهم بأنه المسبب الرئيسي للانهيار.. يريد أن يضع المسؤولية كلها على إردوغان، خصوصا أن الضرر وقع.
يستبعد بعض المحللين فوز إردوغان في الانتخابات المقبلة.. هناك من يرى سقوطه مدويا، وبمجرد أن يتوجه غولن إلى العلمانيين، فإن هذا يعني نهاية إردوغان. بعض الأتراك بدأ يقلق على مصير تركيا الذي يتحكم فيه حزبان إسلاميان، ويسألون: لكن، من هو خليفة غولن، وماذا سيبقى من حركته إذا ما أصابه مكروه؟
توحيد سورية والعراق ولبنان في «ضرب الإرهاب»
ج الحياة / عبدالوهاب بدرخان
حسم اغتيال الوزير السابق محمد شطح ربط الأزمة السورية بلبنان، وكرّس عملياً «تلازم الأزمتين». لم يكن لدى فريق «14 آذار» أي شك، اذ قال إن القاتل «هو الذي تعرفونه... القاتل هو نفسه، الذي يوغل في الدم السوري واللبناني، هو نفسه من بيروت الى طرابلس الى صيدا وكل لبنان، هو وحلفاؤه اللبنانيون من درعا الى حلب الى دمشق». وللردّ على هذا الاتهام الواضح، حاول النظام السوري وحليفه «حزب الله» توجيه الأنظار الى «التكفيريين» ثم الى جماعات محدّدة هو في الحقيقة من صنعها.
بعد ساعات قليلة على تشييع الراحل شطح، وبالتزامن مع لقاء العاهل السعودي والرئيس الفرنسي في الرياض، أدخل الرئيس اللبناني معطىً ديناميكياً لافتاً الى الأزمة، حين أعلن أن السعودية قدّمت ثلاثة مليارات دولار لتحديث سلاح الجيش اللبناني من فرنسا. هذا أيضاً ردّ قوي، واستراتيجي، على الاغتيال الذي وضعه خبراء ومحللون في سياق الحرب بالوكالة بين سورية والسعودية، لكن يمكن القول بالأحرى انه استثمارٌ في الدولة، تعزيزاً لجيشها على حساب السلاح «غير الشرعي» الذي وفّره النظامان السوري والايراني لـ «حزب الله» وسائر الميليشيات التي تعمل في خدمتهما. لا شك في أن ميشال سليمان وضع نفسه في تحدٍّ صعب. ففي أقل تقدير سيعتبر النظام السوري و «حزب الله»، وهما في أوج التوتر، أنه انحاز الى محور عربي - دولي فيما كانا على يقين بأن لبنان-الدولة مصادرٌ بقوة الترهيب والتخويف لدى المحور السوري - الايراني، المقبل في رأيهما على «انتصار» اقليمي قريب.
لماذا يُقدِم «نظام البراميل» على مزيد من القتل وهو في طريقه الى «جنيف 2»؟ الجواب، وفق الوزير وليد المعلم، لأنه يسعى الى عقد هذا المؤتمر ولديه «رؤية واضحة تنطلق من تطلعات الشعب السوري»، ولم يحدّد عن أي شعب يتحدث، أهو ذلك الذي يرميه النظام بالبراميل المتفجّرة في حلب، أم الذي يساومه في معضمية الشام للسماح بمرور الغذاء اليه، أم الذي يواصل إحكام الحصار عليه، أم هو ملايين المهجّرين والنازحين، أم مئات الآلاف المتروكين في السجون فرائس للموت جوعاً وبرداً ومرضاً. لدى الكثير من أوساط هذا الشعب جواب آخر: فالنظام يقول إنه يريد «جنيف 2» ويتوحّش في القتل لإفشاله قبل عقده، ويفضّل أن يتزامن وصوله الى المؤتمر وقد غيّر الواقع على الأرض أو اختلق وقائع جديدة لاستخدامها في توجيه المفاوضات نحو الأهداف التي رسمها مسبقاً.
جدّد اغتيال محمد شطح في بيروت تأكيد المؤكد، وهو أن النظام السوري وحلفاءه الايرانيين واللبنانيين والعراقيين ليس لديهم سوى «القتل للإخضاع» للتعامل مع من يرفض تسلّطهم وإجرامهم، كأسلوب وحيد مستند الى الرابطة المذهبية أو متنكّر بشعارات «المقاومة» و «الممانعة» للتمويه. لكن الاغتيال في هذا التوقيت، تحديداً، حمل رسائل وإيحاءات سياسية كثيرة، بينها: 1) إن الحرب الاقليمية بالوكالة لا تقتصر على الساحة السورية، وبالتالي فإن أي حل محتمل وأي اعادة رسم لخريطة النفوذ الاقليمي يجب أن يأخذا في الاعتبار أن سورية النظام لا تزال متحكّمة بأمن لبنان واستقراره إمّا مباشرةً أو بواسطة أتباع محليين. 2) إن المشكلة الوحيدة الملحّة الآن هي انتشار جماعات الارهاب التي تروّج مصادر النظام و «حزب الله» أنها وراء اغتيال شطح، وأن تنظيم «داعش» يشمل لبنان طالما أنه يسعى الى «الدولة الاسلامية في العراق والشام». 3) إن قتال «حزب الله» والحرس الثوري الايراني الى جانب قوات النظام لم يسقط الحدود بين لبنان وسورية فحسب، بل «أعادهما» دولة واحدة تمرّ بأزمة واحدة، ولا بد من أن يخضعا في «جنيف 2» لحل يشملهما معاً. وهذا هو تحديداً ما يحتّم مشاركة ايران وحضورها.
لم يكن خطأً موضوعياً أن تتوافق الولايات المتحدة وروسيا على خطورة الارهاب وضرورة محاربته في سورية (وكذلك في العراق ولبنان)، لكنه في صدد أن يكون خطأً تاريخياً جديداً في المنطقة وشعوبها اذا اختصر المسألة السورية بالارهاب، وبالأخصّ اذا قررت الدولتان أن الاعتماد على نظام بشار الأسد ونظام الملالي الايراني و «نظام» نوري المالكي فضلاً عن «نظام حزب الله» في لبنان (أي دول «الهلال الشيعي») هو السبيل الوحيد لضرب الارهاب. وبديهي أن هذه الأنظمة تتوقع مكافآت لقاء هذه المهمة، من دون أن يتوقف الاميركيون والروس عند حقيقة أنها لعبت بـ «ورقة الارهاب» طوال العقد الماضي وصولاً الى هذا الواقع وهذه النتيجة. ولا يبدو أن الاميركيين قد تعلموا شيئاً من تجربة المواجهة مع «القاعدة» في العراق، ومَن في دمشق وطهران هندس دخولها وأدار عملياتها ومَن تولّى حتى إصدار بعض بياناتها ومَن أشرف على تدريب عناصر لها في لبنان.
لعل الحدث الجاري في العراق يعطي ملمحاً وافياً لما يمكن أن تكون عليه الأحوال في سورية (وربما في لبنان) خلال الشهور المقبلة. يذهب نوري المالكي في زيارة الى واشنطن ويتقدّم بمطالب عدة، ثم يقال إنه عاد ممتعضاً لأن الحفاوة كانت متواضعة. بعدها يزور طهران، وغداة عودته تعلن واشنطن أنها وافقت على توفير أسلحة للجيش العراقي لتمكينه من محاربة الارهاب. طوال شهور 2013، لم يمضِ يوم على العراق من دون تفجيرات تساجلت بها «القاعدة» وميليشيا محسوبة على حزب المالكي ووزّعتها على المناطق وفق الهوية المذهبية، مع امتياز انفردت به «القاعدة» بضربها أيضاً تجمّعات للسنّة المصنّفين «متعاونين» مع الحكومة. أخيراً، اختار المالكي أن يعلن من كربلاء بدء عملية «ثأر القائد محمد» (على اسم قائد الفرقة السابعة في الجيش محمد الكروي الذي قتل في احد التفجيرات الارهابية)، ودارت العملية سريعاً في صحراء الأنبار لينتهي أول فصولها بتفكيك خيام الاعتصام في الرمادي واعتقال نائب منتخب كان أحد أقطاب ذلك الاعتصام. أيهما كان الهدف، وأيهما كان الأهم بالنسبة الى المالكي؟ الاثنان معاً، لكن الارهاب كان قاطرة رئيس الوزراء للوصول الى انهاء الاعتصام من دون التعامل مع أسبابه الأساسية، وهي سياسية تتعلّق بأحد مكوّنات المجتمع وتتطلّب أولاً تطبيق الدستور. غير أن نظام المالكي لا يؤمن إلا بأسلوبه، تماماً مثل نظام الاسد.
ليس معلوماً اذا كانت واشنطن ناقشت المالكي في ما يُفترض أن يفعله للخروج من الأزمة السياسية، لكن المتداول أنها ربطت بقاءه في منصبه لولاية ثالثة بنجاحه في احتواء الارهاب في العراق وبتعاونه في محاربته في سورية. معظم شيعة العراق يريدون رحيل المالكي اليوم قبل الغد، والأكراد لا يحبذون بقاءه، لكن المصالح الاميركية - الايرانية ارتبطت به وتتقاطع عند استبقائه، ثم إن «القاعدة» عززت حظوظه، فهي قد تغيب لتعود بعد فترة، لكنه استفاد منها الآن لضرب الاعتصام السنّي. هذا هو النموذج، اذاً، وليس الاسد من سيتوانى في تطبيقه. بل إنه على العكس متعجّل، ويحاول الإيحاء بأن غارات البراميل بمثابة إرهاص للحرب على الارهابيين. والأكيد أنه هو الآخر سيكون هدفه الرئيس توظيف «داعش» وأخواتها لإنهاء انتفاضة شعب سورية عليه. لكنه لا يزال ينتظر اشارة مباشرة - أو من خلال موسكو - بأن الاميركيين يتعهّدون ضمان نظامه مقابل تعهّده القضاء على الارهاب، ولا شروط اخرى لديهم، ما يعني أنه سيكون حرّ التصرف..
بهجة دبي.. أنين حروب الآخرين.. الحياة تمضي
الشرق الاوسط / بكر عويضة
الثامنة بتوقيت غرينتش مساء أول من أمس (الثلاثاء) خطفت دبي أنظار العالم خمس دقائق في عرض جميل لائق بدخول عام ميلادي جديد (بالتوقيت المحلي)، لكنه في الآن نفسه يليق بقصة تألق عربية غير عادية، يحق لإمارة دبي أن تحمل اسمها، ولدولة الإمارات العربية المتحدة أن تفاخر بها، وجدير بكل معنى بتحقيق حالة نهوض عربية، على امتداد العالم العربي كله، أن يضعها موضع درس علمي تحتاجه مناطق عربية عدة، وتستحقه دولة فتية احتفلت مطلع الشهر الماضي بعيدها الوطني الثاني والأربعين، وجديرة به إمارة بدأت بلا بنى تحتية، وبدخل متواضع، لتغدو بالمثابرة والتخطيط علامة فارقة على خارطة العالم، ليس فقط تجاريا، وإنما أيضا في سياق تنمية التواصل الحضاري بين شعوب القرية الكونية، وذلك واحد من الأبعاد المهمة للفوز باستضافة «إكسبو 2020»، أحد أهم المعارض الدولية.
باهرا بدا مشهد الألعاب النارية المنطلقة من برج خليفة، المبنى الأطول ارتفاعا في العالم، لكن الأهم من جمال تلك الدقائق الأخاذة هو التأمل في كيفية تحقيق دبي، ودولة الإمارات عموما، مستوى من النجاح المشهود له عالميا خلال مشوار ليس بالطويل إذا ما قيس بأعمار الشعوب، وفي منطقة من العالم مشهود لها بفقدان الاستقرار طوال الستين عاما الماضية.
سهل أن يقال ما مضمونه: فتش عن المال، هناك تجد الجواب. لكن ذلك قول فيه تبسيط لعله نتيجة جهل وتكاسل في البحث، أو أنه - ببساطة - يتعمد الاستخفاف والتقليل من شأن تجربة نجاح عربية وسط حالات فشل ذريع انتهت إليها دول عربية كانت في زمن مضى أكثر ثراء من دولة الإمارات وأطول تجربة، لكن الفارق الكبير هو أن تلك الدول شتتت جهودها، وبددت إمكانات شعوبها، في معارك داخلية وخارجية لم تكن مضطرة إليها، فأضاعت حتى ما أمكنها إنجازه خلال فترات التقاط أنفاس بين معركة وأخرى.
هل غريب - إذن - أن يشهد العالم مع دبي احتفالها الجميل بإطلالة السنة الجديدة، بينما مناطق عربية عدة تشد اهتمام أغلب عواصم العالم نتيجة ما تشهده من ويلات حروب السنين الثلاث الأخيرة ومآسيها؟
كلا، ليس في الأمر أي غرابة، النجاح يجب أن يحتفى به، مثلما أن من الواجب أن يهب العالم للوقوف إلى جانب ضحايا آلام الحروب الدائرة في أي مكان، وما يعنينا مباشرة منها هو ما يدور في مناطق عدة من العالم العربي. لكن يبقى السؤال: إلى متى ستظل رحى الحروب تطحن مجتمعات دول عربية؟ ولئن بدا مفهوما خلال النصف الثاني من القرن الماضي أن ثمة دوافع وطنية لتلك الحروب، فكيف يمكن فهم مبرر حروب بغض مناطقي وكراهية طائفية تشتعل في عدد من الدول العربية ويزداد أوار سعيرها يوما بعد آخر؟ وهل ثمة أمل أن يقل العام الجديد دموية عن الراحل؟
رغم أهمية القول بإيجابية التفكير، وتقديم التفاؤل على التشاؤم، فإنه يبقى من المحزن أن أجيب بالنفي، كلا ليست هناك شواهد أن الآتي على مناطق حروب ما بعد «الربيع العربي» أقل فظاعة مما سبقه، بل الأرجح أن تضيف نهاية عام 2014 سنة دموية أخرى إلى ما سبقها وسيليها من سنوات دمار وشتات عربية ليس واضحا، على وجه التحديد، إلى أين منتهاها.
قبل ثلاث سنين، دخل العالم العربي، عبر بوابة تونس، دوامة من الواضح، حتى الآن، أنه لن يخرج منها كما دخلها. لحظة تمكن اليأس من عقل المواطن محمد البوعزيزي، المغلوب على أمره في مواجهة توفير لقمة العيش لأسرته، فأشعل نهار الجمعة 17 ديسمبر (كانون الأول) 2010 نار غضب أكلت معظم بدنه، وقضى في الرابع من يناير (كانون الثاني) 2011. كان هناك من ينتظر اللحظة المواتية لإشعال نيران ستأكل من أبدان أنظمة سرعان ما تهاوت على نحو أدهش في سرعته حتى المطالبين بسقوطها.
كلا، لست ميالا لوجهة نظر تحمل كل ما جرى، بكل دقائق تفاصيله، من تونس إلى مصر واليمن مرورا بليبيا ووصولا إلى سوريا، لمؤامرة خطط لها وينفذها جهاز خفي يدير هذا الجزء من العالم. لكن ذلك لا ينفي وجود من ينتظر لحظة مواتية في أي منطقة وليس في الشرق الأوسط وحده، يعرف أنه إذا أحسن توظيفها فإن احتمال استفادته وارد، مثلما أن إمكانية الخسارة قائمة في حال أساء الحسابات. والطرف المنتظر ليس واحدا، بل مجموعة أطراف، بينها بالطبع قوى محلية لها تطلعاتها الوطنية الطامحة للتغيير، إنما الأطراف الخارجية أكبر من تلك المحلية وأقوى، بالتأكيد، وهذه قد تلتقي مصالحها في مكان وزمان محددين، لكنها تتقاطع في مكان آخر وتوقيت مختلف، وبين التلاقي والتقاطع يحدث مد وجزر في المواقف يترتب عليهما إطالة صراع أو سرعة حسم آخر، فيما الشعوب التي تجري الصراعات في أراضيها تدفع باهظ الثمن.
لكن الفظاعات والمآسي لا توقف عجلة الحياة، حتى حيث تستعر نيران الحروب على أشدها. ورغم ارتفاع منسوب التشاؤم في الكوب، يبقى مدعاة للتفاؤل أن ترقب تلك البهجة في أعين الناس وهي تتابع احتفال دبي الجميل بمطلع العام الجديد. يوما ما، تفرح بمثل تلك البهجة مدن وقرى عربية عدة تئن بجراح حروب دامية منذ سنين طالت، وحتى الآن.
مهمة جديدة فاشلة لكيري
رأي القدس
من غير المتوقع ان يفاجأ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عندما يقدم له وزير الخارجية الامريكي جون كيري، اقتراح اتفاق الاطار، الذي تمت بلورته بعد مجموعة من اللقاءات الطويلة التي عقدها المسؤولون الامريكيون مع نظرائهم الاسرائيليين، لضمان تلبية مطالب تل ابيب.
وليس سرا ان الادارة الامريكية تتبنى موقف الحكومة الاسرائيلية المتطرفة، خاصة فيما يتعلق بما تسميه حاجاتها الامنية، ولكن لا نستبعد ان كيري نفسه سيتفاجأ من مطلبين اسرائيليين جديدين، تم التلويح بهما عشية زيارته، وهما ضم منطقة الاغوار لاسرائيل بدل اقتراح بتأجيرها لفترة طويلة، والثاني قضية تبادل الاراضي والتي تضيف عليها اسرائيل اليوم تبادل السكان.
فبعد عشرين جولة من المفاوضات، لا يبدو انه تم التوصل الى اي تفاهم بين المتفاوضين، على اي من البنود، بل على العكس يتم اضافة بنود ومطالب اسرائيلية جديدة، يبدو ان القصد منها افشال المفاوضات، التي كان من المقرر ان تنتهي في نيسان/ابريل المقبل.
فبعد اضافة بند ‘يهودية’ دولة اسرائيل، تمت اضافة مطلب التواجد الأمني الاسرائيلي في منطقة الاغوار، وعشية وصول كيري صوتت لجنة وزارية بالكنيست على مشروع قرار ضم الاغوار، التي تشكل 29 بالمئة من مساحة الضفة الغربية، متذرعة بحجج أمنية واهية، فالجيش الاسرائيلي يملك احدث الوسائل التقنية التي يستطيع من خلالها مراقبة الحدود دون اي تواجد عسكري. لكن هذه الخطوة التي تتعارض مع القانون الدولي، يبدو ان القصد منها استفزاز الجانب الفلسطيني وتحدي الادارة الامريكية.
اما القضية الاخرى، تبادل الاراضي، والتي وافق الفلسطينيون والعرب على اضافتها للمبادرة العربية، فمن المفترض ان لا تزيد عن واحد او اثنين بالمئة من مساحة الاراضي، لكن اسرائيل تطالب اليوم بأن تصل لعشرة بالمئة، معتبرة ان المهم ان تسلم اراض بحجم الاراضي التي خسرها الاردن في حرب حزيران/يونيو 1976، وقدمت تل ابيب اقتراحا يقضي بضم كتل استيطانية بالضفة الغربية لاسرائيل مقابل تسليم الفلسطينيين جزءا من منطقة المثلث والتي يسكن فيها 300 ألف فلسطيني، في اطار تبادل اراض وسكان، وهو ما لا يختلف كثيرا عن مخطط التهجير الذي كان قدمه وزير الخارجية الاسرائيلي المتطرف افيغدور ليبرمان، ويأتي هذا الاقتراح كخطوة اسرائيلية اولى باتجاه تطبيق شعار ‘يهودية’ دولة اسرائيل.
بعد مرور خمسة شهور على المفاوضات التي تم تمديد فترتها الزمنية بتسعة شهور، يصل كيري حاملا افكارا لاتفاقية اطار، من المفترض ان يعرضها على نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، ويتضمن هذا الاطار تمديد المفاوضات لمدة عام.
12 شهرا من المفاوضات تعني اخبارا جيدة لتل ابيب، فاسرائيل تواصل احتلال الاراضي الفلسطينية، وتستمر بخطط التهويد والتوسع الاستيطاني. بينما بالنسبة للفلسطينيين هي عام جديد من الاحتلال والقمع، فخلال الشهور الخمسة الماضية التي شهدت المفاوضات اعلنت اسرائيل بناء 6200 وحدة سكنية استيطانية جديدة، وخلال سنة جديدة من المفاوضات من المتوقع ان يتضاعف هذا العدد. عام جديد من المفاوضات يعني 12 شهرا اخرى من الانتهاكات والاعتداءات والاعتقالات، فخلال السنة الماضية التي شهدت المفاوضات، قتلت اسرائيل 36 فلسطينيا وهو العدد الأعلى في السنوات الخمس الماضية.
قد لا يستطيع الفلسطينيون وقف هذه الاجراءات لكن ما يستطيعون فعله، هو مقاومتها، والاهم عدم الرضوخ لمطلب تأجيل طلب الانضمام لمنظمات وهيئات الامم المتحدة، فلم يعد امامهم اليوم من سلاح غيره لمواجهة الهجمة الاستيطانية والانتهاكات الاسرائيلية.
أميركا تبتعد أكثر في 2014
ج الحياة / حسان حيدر
كادت اخبار الولايات المتحدة تختفي عن شاشات العالم في الاسابيع الاخيرة من العام المنصرم. لم يكن هناك ما يقال عن رئيسها ولا عن سياساتها التي باتت تبنى على حسابات ومفاهيم داخلية بحتة، ومن المرجح ان تكون في العام الجديد اكثر غيابا عن قضايا العالم وهمومه، أولا لان قيادتها قررت الانسحاب من شؤونه، وثانيا لانشغالها بمشكلاتها التي يبدو انها ستتفاقم في وجه اول ملون اختارته رئيسا.
أحدث باراك اوباما هزتين كبيرتين في الشرق الاوسط خلال العام الفائت، اولاهما تراجعه عن توجيه ضربة عسكرية الى نظام الاسد رغم تأكيده المتكرر بأن الاسد هو المسؤول عن الهجمات بالسلاح الكيماوي، بحيث فتح الباب واسعاً امام الافلات من العقاب الذي كان انتقده مرارا ووعد بوقفه، والثانية مفاوضاته السرية المباشرة مع ايران والتي لم تسفر اقليمياً عن اي نتيجة ملموسة توحي بوقف الهجمة الايرانية في المنطقة.
كانت الهزتان النتيجة الواضحة للتحول الكبير الذي اعتمده الرئيس الاميركي في مقاربة السياسة الخارجية: اميركا أولاً واسرائيل ثانياً... ولا ثالث لهما. وهكذا تُرك السوريون لمصيرهم فيما حربهم الاهلية تتأجج اكثر فأكثر بلا اي أمل في حل ممكن، وتواصل ايران وادواتها في المنطقة سياسة قضم الاستقرار واستبدال نفوذها به، وازالة العقبات التي تواجهه واحدة تلو الاخرى، مثلما حصل قبل ايام في لبنان مع اغتيال الوزير السابق محمد شطح.
لم تعد الولايات المتحدة اللاعب الرئيسي الوحيد في العالم، ولم تعد كلمتها مسموعة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي صار الجميع ينتظر موقف واشنطن كلما طرأت مشكلة كبرى في بلد ما. لكن الحال تغيرت بسرعة وصارت هناك بدائل عدة من الاميركيين. اوروبا تتحرك وحدها تقريبا حماية لمصالحها ونفوذها بعدما ادركت ان التباين مع الولايات المتحدة يتعدى التفاصيل الصغيرة الى جوهر العلاقة بين الطرفين، خصوصا بعد فضيحة التجسس على قادتها، وبعدما استنتجت ان الحرص على التشاور قائم من طرف واحد فقط. اما روسيا فلا توفر فرصة لاثبات انها موجودة وبقوة على الساحة الدولية، وانها تنشط بفاعلية لحماية قواعدها الاقليمية مثلما تفعل في سورية واوكرانيا وجورجيا. فيما الصين التي تعمل بصمت تمسك بيدها مقادير اقتصادية هائلة توفر لها حصانة في وجه الاميركيين الذين يحتاجون بلايينها.
اما على الصعيد الاميركي الداخلي، فقد دفعت النتائج الكارثية المتوقعة خلال الولاية الثانية لاوباما بعض الاميركيين الى مقارنتها بالولاية الثانية لجورج بوش الابن التي جرّت ويلات كثيرة على مواطنيه كان ابرزها الانهيار الاقتصادي والمالي الذي ورط بلاده والعالم فيه وسلسلة الحروب الدولية المكلفة وغير المجدية. لكن مشكلات اوباما قد تكون اكبر. فالترجيحات تشير الى ان حزبه الديموقراطي قد يخسر سيطرته على مجلس الشيوخ، وان منافسه الجمهوري سيعزز في الوقت نفسه سيطرته على مجلس النواب، ما يعني ان الرئيس سيواجه في الفترة المتبقية له اكثرية في مجلسي الكونغرس تعارض سياساته وتعرقل مشاريعه المترنحة اصلا. وقد يكون نصيبنا في الشرق الاوسط انعدام اي دور اميركي ضروري لحفظ التوازن ووقف الهجمة المنسقة بين طهران وموسكو.
مصر المرتبكة
ج الحياة / محمد صلاح
حين كانت فضائيات العالم تنقل الاحتفالات الصاخبة بالسنة الجديدة، كانت برامج الفضائيات المصرية تستضيف خبراء مفرقعات ومسؤولين في الدولة سابقين عاصروا حوادث تفجير وتفخيخ سابقة يتحدثون عن تفجير خط الغاز في سيناء وما سبقه من أعمال إرهابية ضربت مدناً مصرية عدة. وتُرجح المؤشرات أن نشاط «الإخوان» في الشوارع وأنصارهم من الإرهابيين في سيناء وغيرها من المدن المصرية، سيزيد بشدة حتى موعد الاستفتاء على الدستور الجديد بعد أقل من أسبوعين، ويوم الاستفتاء سيسعون إلى إفشاله أو تعطيله أو منع الناس من التوجه أو التوقف أمام لجان الاقتراع... ليس في الأمر سراً فالكل الآن «يلعب على المكشوف».
تلك قضية محسومة وأحداثها متوقعة منذ عزل الدكتور محمد مرسي، أما الجديد فيتعلق بتعديل خريطة الطريق السياسية. بعض المتحمسين لترشيح وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي للانتخابات الرئاسية المقبلة يضغطون بهدف إجراء تلك الانتخابات قبل الاستحقاق البرلماني، على خلاف ما ورد في خريطة الطريق التي أعلنها السيسي نفسه عند الإطاحة بحكم «الإخوان» وعزل مرسي، عقب ثورة الملايين في 30 حزيران (يونيو) العام الماضي. ويبدو أن الرئيس المصري عدلي منصور بصدد إصدار إعلان دستوري مكمل يُعدل فيه ما ورد في الإعلان الدستوري الأول لتجري انتخابات الرئيس قبل البرلمان.
وعلى رغم أن برامج الفضائيات استغلت الجدل حول الرئاسية أو البرلمانية أولاً لتفتح «مكملات» أتاحت فيها الفرصة كاملة لشخصيات النخبة التلفزيونية لتُنظر وتشرح للناس فوائد وعيوب التبكير أو التأخير في اختيار الرئيس في ظل مواجهة مع «الإخوان» الذين لا يريدون رئيساً بعد مرسي ولا برلماناً بعد برلمانهم، إلا أن النظرة الهادئة الرصينة أو تلك التي ينظر من خلالها عقلاء السياسة إلى المسألة حققوا إلى توقعات، أو قل احتمالات قوية بأن تقديم الرئاسية على البرلمانية خطأ آخر سيضاف إلى أخطاء وقع فيها الحكم الموقت من دون داعٍ. وغالبيتها نتيجة خضوعه لضغوط الرأي العام أو قل الفضائيات لقرار اعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً من دون أن يكون لدى الدولة في الوقت الحالي الآليات التي تتيح لها مطاردة الجماعة وقادتها وعناصرها والدخول في مواجهات مع الدول التي تؤوي الفارين منهم، أو فرض قيود تصل إلى منع التعامل مع الجهات الداعمة للإخوان أو المساندة لهم، وكذلك قانون تنظيم التظاهر الذي لم يوقف التظاهر أو أعمال التخريب التي يقوم بها شباب وشابات الإخوان خصوصاً في الجامعات.
نعم قد تكون النيات سليمة، والأهداف طيبة، والغرض مواجهة الإخوان والتصدي لنشاطهم المؤذي للمجتمع، لكن الحقيقة تقول إن الدولة إذا فرضت قانوناً أو أصدرت قراراً ولم تستطع تنفيذه فإنها بذلك تضرب هيبتها، بل وتدفع الخارجين على القانون إلى الخروج عليه أكثر، والمخربين إلى التخريب أكثر، و»الإخوان» إلى الشطط أكثر وأكثر.
وبغض النظر عن الجدل حول ترشح السيسي أو الحماس له أو تأييده أو الاعتراض عليه فإن المؤكد أن التبكير بالانتخابات الرئاسية أمر مفيد للإخوان حتى لو كانت الجماعة ضد كل إجراء بعد عزل رئيسها مرسي، إذ ستضرب تلك الانتخابات التحالف المناوئ للجماعة، خصوصاً إذا ترشح السيسي، وحين تأتي الانتخابات البرلمانية، وستأتي، ستلعب الجماعة على التناقضات التي ستنشأ بفعل المنافسة بين القوى الأخرى والخلافات التي ستتفجر بين مؤيدي مرشحي الانتخابات الرئاسية وسيخص الإخوان في الانتخابات البرلمانية ما لم يكونوا هم أنفسهم يتوقعونه لو حافظ التحالف المناوئ لهم على صلابته. ثم أن الفارق الزمني إذا جرى الالتزام بخريطة الطريق وأجريت البرلمانية أولاً بينها وبين الرئاسية لا يتجاوز شهرين فقط ولا يحتاج الأمر إلى المراهنة أو تعديل الإعلان الدستوري فاختيار رئيس حتى لو كان السيسي لن «يعمل من الفسيخ شربات» في فترة وجيزة ولن يغير حال مصر بهذه السرعة، أخيراً فإن من وضع خريطة الطريق هي الجهة نفسها التي ستعدلها ما يرسخ الاعتقاد بأن التسرع كان سمة المرحلة وأن القرارات التي صدرت لم تدرس جيداً ولم تحسب تداعياتها. في كل الأحوال فإن مصر المرتبكة منذ ثورة 25 يناير لا تتحمل ارتباكات جديدة أو تعديل مسارات جرى تحديدها من قبل.. فالسير بصعوبة أفضل كثيراً من التيه!
هل تسعى روسيا فعلا لإقامة دولة «علوية»؟
الشرق الاوسط / صالح القلاب
قبل أيام قليلة من قبول المعارضة السورية، الائتلاف على وجه التحديد، لدعوة روسية بزيارة موسكو عشية انعقاد مؤتمر «جنيف 2»، الذي يبدو أنه ربما لن ينعقد أبدا، تحدث سياسي عربي مرموق، كان شغل موقع رئيس الوزراء في بلده، بمرارة عما سماه إدارة العرب ظهورهم للروس ووضع بيضهم كله في السلة الأميركية.. «ولهذا فإنهم قد وجدوا أنفسهم أمام معادلة بائسة جدا، فهم خسروا فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف، في حين أنهم لم يربحوا باراك أوباما الذي ثبت أن إدارته سبب كل هذه الانهيارات والأوضاع المأساوية التي باتت تعيشها سوريا».
لقد بدا هذا السياسي العربي متشائما وبدا وكأنه قد تخلى عن كل رهاناته السابقة على الولايات المتحدة، إنْ لجهة استقرار الأمور المضطربة جدا في هذه الأيام في بلده، وإنْ لجهة اتخاذ موقف حاسم تجاه المأزق السوري المتفاقم، وأيضا إنْ لجهة الضغط على الإسرائيليين وإلزامهم ولو بالحد الأدنى المعقول من حل يحقق للشعب الفلسطيني تطلعاته في إقامة دولته المستقلة المنشودة.
ويرى هذا السياسي العربي أنه كان على العرب أن يأخذوا العبرة مما فعله الأميركيون في أفغانستان وفي العراق، وأن يدركوا منذ بدايات الأزمة السورية أن هذه الإدارة الأميركية لا يجوز الرهان عليها، وبخاصة بالنسبة لأزمة كهذه الأزمة التي من المؤكد أنه سيتوقف على كيفية حسمها مستقبل الشرق الأوسط بأسره، وهنا فإنه، أي هذا السياسي العربي، قد قال أيضا إن هذا الوضع العراقي المأساوي هو في حقيقة الأمر أحد ارتدادات الزلزال السوري المدمر الذي لن تسلم من ارتداداته أي دولة عربية، سواء كانت مجاورة وقريبة أو نائية وبعيدة، وأيضا وحسب رأي هذا السياسي العربي، فإن المجرب لا يجرب، وإنه ما دام الأميركيون قد سقطوا في امتحان العراق الذي سلموه تسليم اليد لإيران، فليس من الجائز المراهنة عليهم بالنسبة للأزمة السورية، وكان من الضروري الاتجاه إلى موسكو والتفاهم معها على حل معقول يستجيب لرغبة السوريين في التغيير ويحقق للروس مصالحهم القديمة - الجديدة في هذه المنطقة.
لكن ومع كل التقدير والاحترام لهذا السياسي العربي فإنه لا بد من التأكيد أن العرب، مع أن رهانهم الرئيس بالنسبة للأزمة السورية كان على الأميركيين وعلى دول الاتحاد الأوروبي بالدرجة الأولى، فإنهم لم يهملوا روسيا على الإطلاق، وإنهم بقوا يحاورونها ويأخذون رأيها ويرسلون وفودهم إليها ويستقبلون وفودها في عواصمهم، لكن وللأسف، فإنه قد ثبت وبالأدلة الملموسة والقاطعة، أن بوتين وسيرغي لافروف كانا يناوران ويتلاعبان بعامل الوقت من أجل هدف واحد لا غيره، وهو الإبقاء على نظام بشار الأسد لأطول فترة ممكنة، وهو أيضا تمزيق المعارضة السورية وإغراقها بالتنظيمات والمجموعات الإرهابية الوافدة التي ثبت أن بعضها - إن لم تكن كلها - مجرد صناعة مخابراتية إيرانية - سورية مشتركة وبعلم ومعرفة موسكو.
لقد بذلت بعض الدول العربية جهودا مضنية لإقناع الروس بأن مصالحهم مع الشعب السوري ومع العرب ومع أهل هذه المنطقة أهم كثيرا من مصالحهم مع نظام بشار الأسد، لكن ورغم كل الإغراءات الفعلية التي قدمت للرئيس بوتين والوعود التي أعطيت إليه وإلى وزير خارجيته سيرغي لافروف، فإن موسكو لم تتخلَ عن الموقف الذي كانت اتخذته منذ اللحظة الأولى، بل وهي ازدادت صلفا برفع الشعار الذي لا تزال ترفعه، والقائل: «إن الحل المنشود يجب أن يكون بالمفاضلة بين بشار الأسد والإرهاب»!
وهكذا، فإن روسيا لم تغير خط سيرها بالنسبة لهذه الأزمة، وإنها بعد تراجع الأميركيين والأوروبيين باتت تتصرف على أنها اللاعب الوحيد والأوحد في هذا الميدان، فهي التي وقفت خلف فكرة مؤتمر جنيف الأول ومؤتمر جنيف الثاني، وهي صاحبة حل التخلص من الأسلحة الكيماوية، وهي التي دفعت في اتجاه إبرام الاتفاق النووي الذي أبرمته مجموعة الـ5+1 مع إيران الخامنئية، وحقيقة أن الدور الروسي بالنسبة للأزمة السورية قد طغى حتى على دور بشار الأسد نفسه وحتى على دور إيران، فالرئيس بوتين أصبح هو رئيس سوريا، ووزير خارجيته سيرغي لافروف غدا هو وزير خارجية الجمهورية العربية السورية.. وكل هذا بالإضافة إلى تعطيل مجلس الأمن الدولي ومنعه من اتخاذ أي قرار لوضع حد لأزمة باتت أزمة إقليمية ودولية وأصبحت تهدد هذه المنطقة الحساسة والشرق الأوسط كله.
فلماذا يا ترى لجأت روسيا إلى كل هذا الانحياز غير المبرر؟ ولماذا واصلت التصعيد واستمرت بتعطيل أي محاولة لحل سلمي ينهي هذا الصراع ويجنب سوريا خطر التمزق والانهيار؟!
كان انفجار الوضع في سوريا فرصة للقيادة الروسية بقيادة بوتين لاستعادة ولو شيء من الدور الذي كان يلعبه الاتحاد السوفياتي في المعادلة الدولية قبل انهياره، حيث كان هناك معسكر شرقي مركزه موسكو وجناحه العسكري حلف وارسو الشهير، وكان هناك معسكر غربي مركزه واشنطن وجناحه العسكري حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وهكذا فقد كان انحياز دول العالم كلها على هذا الأساس، وذلك رغم أن منظومة عدم الانحياز قد اخترعت اختراعا للضحك على ذقون الذين كانوا يقنعون أنفسهم بأن دول هذه المنظومة غير منحازة!!
والمعروف أنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تحولت روسيا (الاتحادية) إلى مجرد بيدق صغير على رقعة الشطرنج الدولية، وأنها أصبحت بلا أي دور فاعل لا في مجلس الأمن ولا في الأمم المتحدة عموما، وبخاصة بعد أن خسرت أوروبا الشرقية كلها ومعها جمهوريات البلطيق الثلاث ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وهكذا فقد تمادى الأميركيون في التحدي إلى حد تركيز صواريخهم الاستراتيجية، بحجة واهية هي مواجهة الخطر الإيراني الداهم، تحت أنف الدولة الروسية.
ولهذا فقد وجد بوتين أن الفرصة غدت سانحة، بعد مارس (آذار) 2011، لتصفية حسابات بلده مع الولايات المتحدة التي لحسن حظه وحسن حظ روسيا قد ابتليت برئيس متردد وبإدارة هزيلة فسحت المجال أمام موسكو لتصبح هي صاحبة القرار الرئيس، ليس بالنسبة للأزمة السورية فقط، وإنما بالنسبة لما يجري في الشرق الأوسط كله.
إن هذه هي الحقيقة، ولذلك فإن كل ما فعله الروس على مدى الأعوام الثلاثة الماضية لم يكن حبا لا في بشار الأسد ولا في نظامه، وإنما لاستعادة مكانة دولية كانت فقدتها موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في بدايات تسعينات القرن الماضي، والواضح أن بوتين سيواصل هذه «اللعبة» حتى إن لم يبق في سوريا حجر على حجر، وحتى وإن كانت النتيجة النهائية تمزق هذا البلد وتحويله إلى دويلات مذهبية وطائفية ستبقى تتقاتل عشرات الأعوام وإلى ما شاء الله!!
ثم وإن ما يؤكد أنه لا يهم روسيا إلا مصالحها وإلا توجيه المزيد من اللكمات لأنف الولايات المتحدة واستعادة مكانة دولية، كانت خسرتها بانهيار الاتحاد السوفياتي، وأن موسكو قد دأبت على مدى الأعوام الثلاثة الماضية على تعطيل كل محاولات وضع نهاية لهذه الأزمة بالوسائل السلمية، وأنها فتحت المجال لإيران لتحول صراعا بدأ سياسيا إلى حرب طائفية أسهمت فيها عسكريا بـ«فيلق القدس» وبكل هذه التشكيلات المذهبية التي توجد الآن في كل جبهات القتال من ميليشيات حزب الله إلى عصائب الحق إلى فيلق «أبو الفضل العباس» إلى «ذو الفقار».
والسؤال هنا أيضا هو: هل روسيا يا ترى تسعى فعلا لتمزيق هذا البلد وتسعى لإقامة الدولة «العلوية» التي يجري الحديث عنها لتكون قاعدتها وقاعدة أساطيلها المتقدمة على شواطئ البحر الأبيض المتوسط؟!
إنه من الصعب الحسم بهذا الأمر، لكن كل الأدلة تشير إلى أن الروس منهمكون في لعب هذه اللعبة القذرة والدليل هو أنهم قد حصلوا على «امتياز» التنقيب عن النفط والغاز على سواحل البحر الأبيض المتوسط السورية.. وأنهم بعد توقيع اتفاقية مماثلة مع قبرص باتوا يسعون لتحويل هذه المنطقة إلى بحيرة مصالح روسية استراتيجية!!
التغيير الذي يحتاج إليه العالم العربي
القدس / د. يوسف نور عوض
تعرفت على المفكر اللبناني الأستاذ ‘رمضان لاوند’ الذي كان يعمل رئيسا للقسم الثقافي في إذاعة الكويت ، وكنت من وقت لآخر أبدأ معه حوارات فكرية تطورت إلى نحو عشر حلقات مدة كل منها نصف ساعة أذيعت في إذاعة الكويت كما أذيع مثلها في إذاعة أمدرمان ، وذات يوم دخلت عليه في مكتبه وكان في مزاج غير عادي حاولت أن أخرجه منه بفتح موضوع للنقاش ، ولكنه قال لي أرجو ألا تثير معي مثل هذه الموضوعات مرة أخرى ، فقلت له لم؟
فقال أنت تقرأ الكتب والمجلات وتملأ رأسك بالموضوعات ثم تأتي لتناقش بها ، فقلت له وما الضير في ذلك ألا يناقش الإنسان بثقافته وما يكتسبه من معلومات ؟ فقال لي أنا لا أومن بذلك ، لأني لا أحب النقاشات التي تفتقر إلى الرؤية، فقلت له وماذا تعني بذلك؟فقال أنظر إلى الفيلسوف اليوناني ‘أفلاطون’ ، ستجد أنه وضع الفلاسفة في قمة الهرم الفكري، فقلت له وما دلالة ذلك؟ فقال الفيلسوف لا يشحن عقله بالمعلومات بل هو يفكر في الكون وما حوله ثم يخرج بفكرة واحدة تكون ذات قيمة كبيرة ، وتلك هي الرؤية التي يتعامل بها الإنسان في حياته ، يزيد عليها أو ينقصها بحسب تفكيره وخبراته ، ورأيت أن ما قاله الأستاذ ‘رمضان لاوند ‘ عميق ويحتاج إلى التأمل حين التعامل مع قضايا الفكر ،
وفي تلك المرحلة كان الصراع دائرا بين المعسكرين الشرقي والغربي، وكانت كثير من المفاهيم الشرقية تأخذ طريقها إلى العقول دون تأملها بصورة سليمة ، ومن تلك المفاهيم الاشتراكية والتوزيع العادل للثروات دون التفكير في جدوى ذلك ، وأذكر أنني سافرت إلى بريطانيا حيث بدأت مرحلة طويلة من الهجرة ، وأذكر أن أول ما لفت نظري في بريطانيا هو سكن معظم المواطنين في منازلهم الخاصة ، وسألت بعضهم كيف تمكنوا من الحصول على المال الذي اشتروا به المساكن ، فقالوا لم يكن معهم مال ، ولكنهم توجهوا إلى المصارف من أجل الاقتراض من خلال نظام الرهن العقاري، الذي يمكن المواطنين من شراء منازلهم بضمان المنازل ذاتها ، وعند ذلك سألت من أين تأتي المصارف في بريطانيا بالأموال ؟ فعلمت أنها أموال الأثرياء المودعة في المصارف والتي تدخل في الدورة الاقتصادية بحيث يستفيد منها كل فرد ، وعند ذلك قلت لنفسي إذن ما يقوله اليساريون عن استغلال الأغنياء للفقراء ليس صحيحا ، لأن الأغنياء في بريطانيا يضعون أموالهم في المصارف حيث يستفيد منها كل شخص ، وهم بالتالي لا يهربون الأموال إلى خارج البلاد كما يفعل أثرياؤنا، وبالتالي يخرجون الأموال من الدورة الاقتصادية ، ووفق هذا المفهوم يظل حتى الذي يكتسب أمواله بطريقة غير مشروعة ويبقيها داخل النظام الاقتصادي غير ضار بالمجتمع لأن أمواله تظل في خدمة المجتمع وإن لم تكن في يد الحكومة.
وجعلني ذلك أبحث في كل الأفكار التي تحتوي على رؤية ذات قيمة بالنسبة للمجتمع ، ووقع بحثي في أول الأمر على كتاب ذي قيمة كبيرة وهو كتاب تعليم المقهورين ‘لباولو فرايري’ الذي نقلته إلى العربية، ودهشت من الصدى الذي أحدثته هذه الترجمة في شبكة الانترنت ، وكانت فكرة الكتاب تركز على التفريق بين التعليم المصرفي الذي نحشو به عقول أبنائنا والتعليم الحواري الذي هو الأسلوب الصحيح للتعلم ، ذلك أن التعليم المصرفي يشبه إيداع صاحب المال لأمواله في المصرف دون أن يعلم مصيرها ، بينما التعليم الحواري هو الأسلوب الوحيد للتعلم لأنه يثير في الإنسان رغبة التساؤل، والإجابة التي يحصل عليها من خلال هذا التساؤل هي التي تمثل التعليم الحقيقي ، أما ما نحشو به عقول التلاميذ فهو نوع من التدجين المسؤول عن كل مشاكل مجتمعاتنا في الوقت الحاضر ، وأما الكتاب الآخر الذي اهتممت به ونقلته أيضا إلى العربية فهو كتاب مجتمع بلا مدارس ‘لإيفان إليتش ‘ وهو الكتاب الذي يعتبر المدرسة داء ينبغي التخلص منه لأن أضرارها في عقول التلاميذ أكبر من منافعها بحسب رأي المؤلف.
ومع ازدياد اهتمامي بالرؤية وجدت أن المشكلات القائمة في بلادنا العربية كلها بسبب عدم تبلور الرؤية الكافية عند شعوبنا العربية ، فإذا نظرنا إلى المشكلات القائمة في سوريا أو اليمن أو مصر أو ليبيا وجدنا أنها جميعا بسبب قصور الرؤية ، ذلك أن معظم هذه المشكلات هي بسبب عدم قدرة الكثيرين على تحديد ما يريدونه حقا ، ذلك أن معظم البلاد العربية خضعت في مرحلة من مراحلها للاستعمار الأجنبي، وبصرف النظر عما نقوله عن الاستعمار فإن مفهوم الاستعمار تركز في شيء واحد وهو السلطة ، وبالتالي فعندما قامت الحركات الوطنية في العالم العربي فقد ركزت هذه الحركات على السلطة أي تحويلها من يد الحاكم الأجنبي إلى الحاكم الوطني ، وبالتالي تركز الصراع على السيطرة على السلطة وليس على بناء نظام الدولة ، وهذا هو سر الأزمة القائمة في العالم العربي ، وحتى حين نسمع البعض يتحدثون عن الديموقراطية وإنها تمثيل لإرادة الشعب فإنهم لا يتحدثون عن الديمقراطية بكونها مؤسسة متكاملة تنظم العلاقة بين السلطات القضائية والتنفيذية والسياسية والاقتصادية بل يتحدثون عنها كوسيلة تستخدمها المجموعات القبلية والطائفية والعرقية والأيديولوجية من أجل الوصول إلى السلطة، وإذا قرأنا حال العالم العربي اليوم وجدنا أنه يدور في هذا الإطار، ذلك أن الصراع الدائر في سوريا ليس صراعا بين قوى تريد أن تعمل في إطار نظام الدولة بل هو صراع بين قوى طائفية يرى كل منها أنه هو الأحق بأن يسيطر على السلطة.
وإذا نظرنا إلى الصراع الدائر في ليبيا وجدنا أنه بين قوى شاركت في إقصاء نظام العقيد ، وهي تريد نصيبها من كعكة الانتصار ، أما الصراع في مصر فهو أكثر تعقيدا لأنه صراع بين قوى عسكرية تقليدية وقوى مدنية ذات طبيعة أيديولوجية ، وكما نرى فإن الانتصار في أي بلد من هذه البلدان لن يحقق نظام الدولة الديمقراطية لأن الصراع ليس من أجل إقامة هذه الدولة بل هو صراع من أجل تحقيق النفوذ للقوى المتصارعة على حساب الآخرين وحتى على حساب المصلحة الوطنية .
, ويقودنا ذلك من جديد إلى موضوع الرؤية ، لأنه بدون رؤية صحيحة فلن تكون هناك ديمقراطية في العالم العربي ، ويجب ألا يفهم من ذلك أن مجرد وضوح الرؤية يعني التغيير ، ذلك أن العالم العربي فيه كثير من العقبات ، وأول هذه العقبات صيغ الحكم القائمة ، وهي صيغ لا تقبل التغيير والرؤية الصحيحة فالتغيير لا يعني إلغاء الأوضاع القائمة بل يعني تصحيح البنى الاجتماعية ، لأن شكل الحكم ليس هو الذي يحدد طبيعة المجتمع الديمقراطي لأننا إذا نظرنا إلى سائر الدول الديمقراطية في العالم وجدنا أنها تعمل تحت بنى سياسية مختلفة كما هو الشأن في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانية وأستراليا وغيرها إذ في سائر هذه الدول أنظمة حكم مختلفة ولكن ذلك لم يحل دون إقامة النظم الديمقراطية، فالمهم في النظام الديمقراطي هو الخروج من نظام الحكم التسلطي إلى نظام الحكم الرشيد ، والمقصود بالحكم الرشيد هو معرفة أن الوصول إلى الحكم لا يعني التسلط على الآخرين من خلال الطائفة أو القبيلة أو الأيديولوجية أو المعتقد ، بل يعني فقط خدمة مصالح المجتمع من خلال النظام المؤسسي الذي أشرنا إليه سابقا ، ويحتاج التغيير إلى هذا الواقع تجديد رؤية الكثيرين لطبيعة العمل السياسي التي إذا تغيرت أصبح تداول العمل السياسي إجراء سلميا يتم وفق العوامل الضرورية للممارسة الديمقراطية السليمة .
الإخوان المسلمون والدولة الجمهورية: شراكة قصيرة وتدافع مرير
القدس / د. بشير موسى نافع
أخذت الدولة الحديثة في التبلور على يد والي مصر العثماني، الطموح، محمد علي، منذ العقد الثاني للقرن التاسع عشر. لم تكن مصر هي هدف مشروع محمد علي وطموحه، ولكنها كانت قاعدة المشروع الأساسية. وجه السلطان والي مصر في 1811 للقضاء على الحركة السعودية الوهابية، بعد أن فشل والي بغداد في المهمة وعجز والي دمشق عن القيام بها. وليس ثمة شك أن تجربة القتال الطويلة في الجزيرة العربية، التي امتدت حتى 1818، كانت قاسية وباهظة التكاليف. لحل أزمة العسكرية العثمانية التقليدية، وكما عدد كبير من رجال الدولة العثمانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، عمل محمد على بناء جيش قوى، جيش على النمط البروسي والفرنسي، مستعيناً بضباط وإداريين فرنسيين كانوا اضطروا لهجرة بلادهم بعد هزيمة نابليون في ووترلو.
وسرعان ما أدرك محمد علي أن بناء جيش حديث، وصناعة عسكرية توفر له الدعم الكافي، يتطلب إعادة هيكلة ولاية مصر بصورة شاملة. وهنا بدأت ‘مركزة’ الدولة وبروز الدولة المصرية الحديثة، بما في ذلك بسط سيطرة الدولة على الأرض الزراعية، التجارة، التعليم، القضاء، والتشريع. وبالرغم من أن هدف محمد علي في البداية كان المشاركة في الحكم في إسطنبول ذاتها، فقد اضطر في النهاية، مكسوراً، إلى القبول بالتراجع إلى حدود مصر الحالية. في كلا الحالتين، كان الجيش هو محور المشروع وأداته الرئيسية، وضمانته.
استمر تطور الدولة المصرية بصورة حثيثة خلال القرن التاسع عشر، وحتى بعد أن أجبر محمد علي على تقليص حجم جيشه وتفكيك قطاع ملموس من المنشآت الصناعية التي تخدمه، وبعد الاحتلال البريطاني في 1882، لم تتوقف عملية بناء الدولة. عمل البريطانيون على تعزيز سيطرة الدولة وحافظوا على مؤسسة الجيش. لم يكن للوجود البريطاني في مصر أية صفة قانونية، ولا حتى سنداً قانونياً إمبريالياً؛ وظلت مصر رسمياً ولاية عثمانية تتمتع بقدر واسع من الإدارة الذاتية إلى أن أعلنت بريطانيا مصر محمية بعد شهور قليلة من اندلاع الحرب الأولى في 1914. ما حاولته بريطانيا في العقود الثلاثة الأولى للاحتلال كان توظيف جهاز الدولة لخدمة إدارة الاحتلال، واستخدام الجيش لتحقيق أهداف التوسع البريطاني في إفريقيا، سيما السودان، كما في سنوات الحرب العالمية الأولى. المدهش، أن مؤسسة الجيش المصري ظلت حية إلى حد كبير، وتظهر النصوص التي استخدمت في تدريب الضباط تبلور ثقافة عسكرية مصرية خاصة، بالرغم من وجود المحتل البريطاني، حملت مؤشرات على وعي إقليمي استراتيجي ووعي بالدور والموقع في بنية الدولة. بعد توقيع معاهدة الاستقلال المشروط في 1936، استعادت الحكومة المصرية سيطرتها المباشرة على المؤسسة العسكرية، فتحت أبواب الكلية الحربية لأبناء الطبقات المصرية الوسطى (بعد أن كانت طبقة الضباط مقصورة على أبناء الارستقراطية الحاكمة)، وأخذت في تنمية مقدرات الجيش.
منذ ولادته، زرعت في الجيش عقيدة الارتباط بصاحب الأمر في البلاد. كان هذا جيش محمد علي باشا وجيش إبراهيم باشا، وهذه هي العقيدة التي حاول فاروق، آخر ملوك الأسرة العلية، تكريسها. ولكن شيئاً ما في هذه العقيدة آخذ في التحلل منذ التحاق أبناء عموم المصريين بسلك الضباط. فبالإضافة إلى أن عدداً من هؤلاء كان مسيساً أصلاً، فإن خلفيتهم الاجتماعية اختلفت إلى حد كبير عن ضباط الطبقة الارستقراطية، أبناء القصور ذات الصلات المختلفة والمتعددة بالأسرة المالكة. من جهة أخرى، ومنذ حادثة 4 شباط/ فبراير 1942 المهينة، أخذت سلطة وصورة القصر في الانحدار. ولم يكن غريباً أن المجموعة الصغيرة من الضباط، التي ستصبح نواة حركة الضباط الأحرار فيما بعد، التحقت بجهاز جماعة الإخوان المسلمين الخاص بعد حادثة 4 شباط/ فبراير بقليل. وبالرغم من أن بعض الضباط الأحرار سيترك الجماعة بعد ذلك إلى تنظيمات سياسية أخرى، والبعض الآخر سيجمد عضويته بعد الصدام الكبير بين النظام الملكي والإخوان في 1949، فإن العلاقة لم تنقطع. عشية انقلاب 23 يوليو، كان الإخوان هم الجهة السياسية الوحيدة التي لجأ إليها الضباط لمساندة حركتهم ضد النظام؛ وبعد نجاح الانقلاب، أصبح الإخوان شريكاً رئيسياً في خطوات حكومة نظام يوليو الأولى. حتى كتاب عبد الناصر الشهير ‘فلسفة الثورة’، الذي أريد به وضع الإطار الإيديولوجي للجمهورية، كاد أن يكون صدى لكتابات حسن البنا وتصوره لمصر والعالم من حولها.
بيد أن سمتين رئيسيتين ستحددان علاقة الإخوان بجمهورية الضباط منذ لحظات ولادتها الأولى: الأولى، أن شعور الإخوان بشراكتهم في النظام الجديد قد بولغ فيه، إلى حد ما، ليصطدم في النهاية بسعي رجل مجلس الثورة القوي، الكولونيل جمال عبد الناصر، للسيطرة على مقاليد الحكم، وإقامة نظام تحكم مركزي، يقود البلاد إلى النهضة، يؤسس لعدالة اجتماعية، ويعزز دور مصر الإقليمي التقليدي. الثانية، أن ضرورات قيام نظام سياسي تحكمي تطلبت حل الأحزاب السياسية الموروثة من النظام الملكي، ووضع نهاية قاطعة للتعددية السياسية بكل صورها. ولأن أغلب أحزاب ما يسمى بالحقبة الليبرالية لم تكن عميقة الجذور، لم يستطع حزب واحد منها الصمود أمام مطرقة الدولة. وحدها الأحزاب الأيديولوجية استطاعت الصمود، ممثلة بالإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري، والتنظيمات الشيوعية الصغيرة الأخرى المنشقة عنه. أقام النظام تنظيماته السياسية، بالطبع، من التحرير إلى الاتحاد القومي إلى الاتحاد الاشتراكي، ولكن هذه التنظيمات لم تستطع مطلقاً التحرر من حبل الحياة السري الذي ربطها بالسلطة الحاكمة. في الواقع، انحصرت الأسس التي استندت إليها الدولة الجمهورية في عقودها الأولى إلى الجيش، الذي أصبح جيش الثورة والجمهورية بعد كان جيش الباشا والملك، وكاريزما الرئيس عبد الناصر، الذي خاض بمصر سلسلة من المعارك المناهضة للسيطرة الإمبريالية على المجال العربي، والمناهضة للأنظمة العربية الملكية المتحالفة مع القوى الغربية؛ إضافة إلى أجهزة مؤسسات الدولة البيروقراطية والأمنية، التي ستأخذ في التماهي التدريجي مع نظام الحكم.
كانت علاقة الشراكة بين الإخوان والضباط قصيرة بالفعل، ولم تستمر سوى عامين فقط. وحتى خلال هذين العامين، لم تخل الشراكة من تدافع وصدامات قصيرة، إلى أن وقع الافتراق النهائي والمؤلم في ربيع وصيف 1954. حسم عبد الناصر الصراع بعد أن كان قد نجح في إحكام قبضته على مقاليد الدولة والحكم خلال العامين من 1952 1954، وأصبحت الدولة، وليس مجموعة الضباط الأحرار، هي أداة الصراع. ولم يكن في ذلك ما هو غريب أو مفاجئ؛ ففي حين نظر جهاز الدولة إلى الإخوان باعتبارهم كياناً غريباً، جاء حكام الجمهورية الوليدة من قلب الدولة، من جيشها، أولى مؤسساتها على الإطلاق. خلال الأعوام القليلة التالية، وبعد أن أخرج الإخوان كلية من الفضاء العام، سيحاول عبد الناصر حل إشكالية علاقة الجيش بنظام الحكم الجديد والدولة. كان المدرس السابق في الكلية العسكرية يدرك أن الانقلاب خلق مناخاً من الفوضى والتسيب داخل الجيش، وأوقع حالة من الخلل في العلاقة بين طبقة ضباط الجيش ومؤسسة الدولة، وأن الانقلاب الأول قد يجر البلاد إلى سلسلة من الانقلابات، ما لم يعاد الجيش إلى ثكناته. ولكن المهمة لم تكن سهلة؛ فعلى نحو ما كان الانقلاب قد كسر براءة جيش الباشا/ الملك. وضع عبد الناصر صديقه، الضابط الشاب، عبد الحكيم عامر، على رأس الجيش، وحاول استيعاب العدد الأكبر من الضباط الأحرار في جسم الحكم الجمهوري. ولأن ولاء الجيش للجمهورية كان ضرورة حيوية لبقائها واستمرارها، غض عبد الناصر النظر عن تحول الجيش إلى مركز قوة لعامر، وفتح أبواب مؤسسات الدولة والحكم لضباط الجيش، طالما قبل هؤلاء بالتخلي عن بزاتهم العسكرية. ولدت الجمهورية على يد الجيش، بقوته وإرادته، وسرعان ما أصبح الجيش صانع الجمهورية وحارسها.
في منتصف السبعينات، وبعد الشرعية التي حققها من خوضه حرب أكتوبر 1973، بدأ السادات خطوات خجولة ومتواضعة نحو بناء تعددية سياسية محدودة ومتحكم بها. وسرعان ما اتضح أن لا أحزاب ما قبل تموز/ يوليو 1952 ولا تعددية الحقبة الليبرالية يمكن أن يعاد انتاجها من جديد. واصل النظام الحكم من خلال حزبه الخاص، الحزب الوطني، الذي لم يكن سوى تجل جديد لسلفه في مرحلة الحزب الواحد، الاتحاد الاشتراكي. وبالرغم من وجود عدة أحزاب أخرى، بما في ذلك إطار سياسي قانوني للحزب الشيوعي المصري، لم تستطع قوة سياسية واحدة أن تنمو بالصورة التي اتسعت فيها فعالية الإخوان المسلمين، الذين لم يفرج عن قياداتهم الرئيسية إلا في 1971. ومع نهاية حكم السادات في 1981، وبالرغم من أن الإخوان لم يستعيدوا حقهم في العمل القانوني، ولا سمح لهم بتشكيل حزب سياسي، كان الإخوان قد أصبحوا القوة السياسية الرئيسية في البلاد، بفارق واسع عن أي حزب سياسي آخر. ليس ثمة شك أن السادات، الذي عرفت مصر في عهده القصير عدداً كبيراً من وزراء الدفاع (احتلوا أيضاً موقع قيادة الجيش)، حرص على توكيد الطابع المدني للحكم. ولكن انتقال الرئاسة في ظل ظروف بالغة الاضطراب من السادات إلى مبارك، كانت مناسبة لإظهار حقيقة خارطة القوى السياسية في البلاد: أن حزب النظام وأحزاب المعارضة الأخرى معدومة التأثير، وأن القوتين الرئيسبتين في البلاد هما الدولة، ممثلة بالجيش، ذراعها الأقوى، والإخوان المسلمون.
يوم الأربعاء، 25 كانون أول/ ديسمبر ، أصدرت الحكومة المصرية المؤقتة قراراً بإعلان الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، أي الذهاب إلى ما هو أبعد من حل الجماعة ومنعها من العمل، لأنه يستبطن الملاحقة الأمنية بكل صورها. بغض النظر عن المسوغات القانونية لهذا القرار، فإن دلالته الوحيدة أن مصر أصبحت دولة بقوة سياسية واحدة: الجيش.
‘ كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
بختك السياسي في 2014
الشرق الاوسط / مشاري الذايدي
من المعتاد عند بداية كل عام، خصوصا الميلادي، أن يدلي أصحاب التوقعات الفلكية، بما يرونه سيكون في هذا العام الوليد.
لعبة الكشف عن المستور لعبة رابحة، ومطلوبة، ولها اقتصاديات ضخمة، وفيها نجوم لامعون، على مستوى العالم كله.
الحديث عن الغيب ليس حكرا على العرافين، فرجال الدين من وعاظ وقسس وحاخامات، لهم سهم وافر في هذه اللعبة، وكل حزب بما لديهم فرحون، وكل يرى الغيب المستور بعيون الرغبة، محاولا إلباس هذه الرغبة، رداء التجرد.
طالعوا معي هذه التوقعات «الطازجة» مع بداية هذا العام.
الحاخام الإسرائيلي (نير بن أرتسي)، كبير حاخامي مدينة القدس، توقع أنه خلال عام 2014 سيهلك من في الأرض جميعا إلا اليهود في «إسرائيل». كما قال إن الجوع سيضرب مصر، حتى إن المصريين سيأكل بعضهم بعضا حتى الهلاك، ولن يجدوا من يرفع عنهم هذا العذاب.
وأضاف الحاخام في عظته الأسبوعية، كما جاء في الـ«سي إن إن» العربية، أن «الرب غاضب على مصر، لذلك سلط على المصريين الاقتتال الداخلي، وكذلك انتشار الجوع». وأن هذه المصائب «ستنتقل من مصر إلى جميع دول العالم».
وأشار إلى أن «العالم سيشهد حالا من الفوضى خلال عام 2014، وسيهلك من في الأرض جميعا إلا اليهود في إسرائيل»، مطالبا يهود العالم بسرعة الهجرة إلى أرض الميعاد.
هذا عن التوقعات الغيبية من زاوية إسرائيلية، لنر من زاوية مصرية.
توقعت جوي عياد، وهي كما وصفت «عالمة فلكية»، أن عام 2014 الجديد سيشهد تطورات عالمية كبيرة، قد تؤدي إلى تغيير خريطة العالم، وذكرت أن وزير الدفاع المصري، الفريق عبد الفتاح السيسي، لن يكون الرئيس القادم لمصر. وقالت إن عام 2014 الذي يسمى اسم «سنة الحصان»، سيكون «عام نصر لمصر»، لافتة إلى أن «الحصان» يتميز بالحركة والديناميكية، الأمر الذي يشير إلى صعود دول وتراجع أخرى، على الصعيد العالمي. وأشارت الفلكية المصرية في تصريحات للتلفزيون المصري، إلى أن مجموع أرقام عام 2014 حصيلته ستكون (7)، وعدت هذا الرقم يحمل دلالة كبيرة في الإسلام.
في لبنان، الأمر أكثر تعقيدا واهتماما بالتفاصيل، فحسب قناة «أو تي في» توقع العراف اللبناني مايك فغالي سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية ومن بعده النائب سامي الجميل. كما أن التاريخ يعيد نفسه بالنسبة إلى آل الجميل.
أما العرافة اللبنانية الأخرى ليلى عبد اللطيف، على قناة «إل بي سي»، وهي ذات هوى سياسي مختلف عن زميلها، فتخبرنا أن الرئيس سليمان لن يمدد ولن يجدد، وبري سيكون عراب انتقال البلاد إلى بر الأمان.
أري عيني ما لم تبصراه