تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 593



Haneen
2014-02-23, 10:21 AM
اقلام عربي 593
11/1/2014

في هـــــــــــــــذا الملف:

خطة كيري للسلام: ولادة ميتة أم تحايل خبيث؟
بقلم: نزار حسين راشد عن القدس العربي
المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية
بقلم: صالح عبد الرحمن المانع عن الاتحاد الاماراتية
المعنى الحقيقي ليهودية الدولة!
بقلم: طارق مصاروة عن الرأي الأردنية
حول أطروحة الدولة الواحدة في فلسطين
بقلم: كمال خاف الطويل عن السفير البيروتية
المسلمون مشكلة العالم؟
بقلم: باسم الجسر عن الشرق الأوسط
الإسلام ليس الحل... في تونس
بقلم: بيسان الشيخ عن الحياة اللندنية
الأسد سيربح الانتخابات... شاء من شاء وأبى من أبى ؟
بقلم: داود البصري عن السياسة الكويتية
آخر أيام الإخوان
بقلم: عماد الدين حسين عن الشروق المصرية
السلفية : مشروع الحياة والسياسة والدين
بقلم: مطلق سعود المطيري عن الرياض السعودية
خطة كيري للسلام: ولادة ميتة أم تحايل خبيث؟
بقلم: نزار حسين راشد عن القدس العربي
حين يفتتح وزير الخارجية الأمريكي مشروعه برسالة حمله إياها نتنياهو، الاعتراف بيهودية الدولة أو الدولة اليهودية، يكون قد اختصر دوره منذ البداية إلى مجرد ساعي بريد، وأسقط الورقة التي تؤهله لدور الراعي للمفاوضات، والتي تتطلب حجماً أكبر من ذلك بكثير، والدليل على ذلك أنه سارع في الهروب إلى الأمام للبحث عن مشاركة أردنية أو مباركة سعودية. السعودية الغاضبة من خذلان الأمريكان لها في سوريا وتواطؤهم الصريح مع إيران لن تقْدم على عملية انتحار سياسي بمباركة مانشيت واضح فاضح كالدولة اليهودية، والأردن بالطبع لن يزاود على الموقف السعودي، ولا حتى الفلسطيني، وسينتظر لحين تبلور الموقفين. نتنياهو بدوره يسعى فقط للمناورة وتعظيم مكاسبه الانتخابية من خلال شرعنة المستوطنات ومد أضلاعها إلى أطول بعدٍ ممكن في جسد الدولة الفلسطينية التي أصبحت مثل وعد عرقوب!
طبعاً يتم محاصرة ‘عباس′ من الجبهة المصرية، التي تبنت خصومه’محمد دحلان’و’رشيد أبي شباك’، خاصة وأن دحلان يصرح بنيته الترشح لرئاسة السلطة الفلسطينية!
ولأن عباس اكتشف متأخراً أن الإنقلاب المصري، ليس مصمماً للعب دور الداعم له، بعد أن احتفى بحصاره لغزة، على اعتبار أنه حصار لحماس، ينتهي بإسقاطها لصالح سلطته، حتى ينفرد بالساحة والقرار!
وحين تبين سوء فهمه المتسرع هذا، ها هو يمد على استحياء، يده للمصالحة مع حماس. ولا تدري إن كان ذلك مناورة لإشعار الذين باعوه بالخطر؟!أو أنه محاولة جادة لإنقاذ نفسه من خلال خطوة كهذه؟ أياً كان الدافع فهو نوع من اللعب على حافة الهاوية، فشعور خصومه أنه جاد سيدفعهم إلى تعجيل التخلص منه ومن سلطته التي سيصمونها سريعاً بالإرهاب! وإذا سارع بالتراجع فسيصِم نفسه بالضعف والافتقار إلى الجدية، الأمر الذي سيضيف لرصيد حماس، ويعزز موقفها في مقابل موقفه! فماذا سيكون خيار عباس النهائي؟ الإستجارة بحماس أم القفز من نار الخوف على المصير إلى رمضاء الإعتراف بيهودية الدولة؟!
وفي الحالين فالمصير واحد، لأنني أعتقد أن هدف كيري وحليفه نتنياهو ليس التوصل إلى سلام، بل ابتزاز موقف يهيئ لهم أرضاً جديدة يقفزون من عليها نحو مزيد من ابتلاع الأرض وتكريس الإحتلال. أما الهدف الجديد فهو شرعنة التخلص من الفلسطينيين داخل إسرائيل وتشريدهم إلى لجوء جديد، فهل سيعطيهم عباس هذه الفرصة أم يثبت أنه أكثر جدارة وذكاءً من ذلك ويضع يده بقوة وجدية في يد حماس مخلفاً بذلك ظن الأمريكان واليهود، ومفوتاً على خصومه فرصة استخدامه كقربان، وداخلاً التاريخ من خلال موقف وطني سيسجل له حتماً وبلا مواربة؟!




المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية
بقلم: صالح عبد الرحمن المانع عن الاتحاد الاماراتية
زار وزير الخارجية الأميركي الأراضي الفلسطينية وإسرائيل في الأسبوع الماضي للمرّة العاشرة منذ تسلمه هذا المنصب عام 2013، وقد حاول إقناع نتنياهو بضرورة التوصّل إلى اتفاقٍ إطاري مع الفلسطينيين تُوضع فيه الملامح الرئيسية لاتفاق سلام مستقبلي يقضي بإقامة دولة فلسطينية مستقلّة عاصمتها القدس الشرقية، ولها ممرّ استراتيجي برّي يربط الضفة بغزّة، وتقوم على عودة محدودة للفلسطينيين إلى أراضيهم الأصلية، كما تسمح بمرابطة جنود دوليين على الحدود الشرقية لفلسطين في غور الأردن، مع تبادل للأراضي، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي الفلسطينية.
والحقيقة أنّ هذه الدورة من المفاوضات بدأت في يوليو الماضي، تحت ستار من السريّة، وبإشراف من شخصيتين سياسيتين من اليهود الأميركيين، هما مارتن أنديك، السفير الأميركي السابق في إسرائيل، وفرانك لوينستين.
وفي البداية، حاول الطرفان -الإسرائيلي والفلسطيني- إبداء حُسن النيّة تجاه بعضهما بعضاً، فامتنعت السلطة الفلسطينية عن تقديم طلبات إلى بعض المنظمات الدولية للحصول على اعتراف رسمي بها، مثلما فعلت من قِبل مع هيئة اليونيسكو والجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما قد يعطيها اعترافاً قانونياً دولياً، وإن لم يكن مكتمل الجوانب.
ومن ناحيتها، وعدت إسرائيل بإطلاق سراح بعض السجناء الفلسطينيين القدامى في السجون الإسرائيلية الذين أمضوا أكثر من عشرين عاماً في سجونها، ويبلغ عددهم حوالي 104 سجناء. علماً بأنّ إسرائيل سبق وأن وافقت على إطلاق سراح هؤلاء السجناء في اتفاقية شرم الشيخ عام 1999، إلا أنها أخّرت الإفراج عنهم في ذلك الحين.
وفي البداية، لم يكن المفاوضون الأميركيون جادّين في التدخّل إلى أن هدّدت السلطة بأنّ المفاوضات يمكن أن تنهار إذا لم يكن هناك تدخّل أميركي فعّال من أجل إنقاذها.
ومن جهتها، وضعت الولايات المتحدة سقفاً زمنياً بحلول شهر أبريل القادم كموعدٍ نهائي لتوقيع اتفاقية إطارية شاملة. ويحاول نتنياهو الاستمرار في بناء المستعمرات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية لوضع المفاوضات في مأزق، وإجبار الجانب الفلسطيني على القبول بوجود هذه المستعمرات. ومن ذلك إعلان نتنياهو بناء تسعمائة منزل جديد في القدس الشرقية، و1200 مستعمرة جديدة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى المستعمرات القائمة. وقد أدانت بعض الدول الغربية، مثل بريطانيا، علناً إنشاء هذه المستعمرات والمنازل الجديدة، باعتبارها عقبة في طريق مفاوضات السلام، بينما اكتفت الإدارة الأميركية بإدانة إنشاء هذه المستعمرات بشكلٍ خجول وعبر الكواليس الدبلوماسية. كما أعلن نتنياهو مؤخراً أيضاً خطّة جديدة لبناء 3500 منزل جديد في المستعمرات القائمة في الضفة الغربية.
وتحاول إسرائيل، عبر بقائها في هذه المفاوضات، أن تبيّن أنها تتماشى مع الرغبات الأميركية في إيجاد حلّ جذري للقضية الفلسطينية. وتنظر الولايات المتحدة للعالم العربي والإسلامي بنظرة استراتيجية، وترى بوضوح أنّ نفوذها يتراجع فيها بسبب مواقفها التاريخية الداعمة لإسرائيل، كما تنظر إلى التغيّرات الجذرية في العالم العربي، ومع أنّ هذه التغيّرات قد تضعف النظام العربي الإقليمي في المدى القصير، إلا أنها قد تؤسّس لقيام نظام إقليمي مستقلّ في المدى الطويل، الذي سيتجاوب مع متطلبات شعبية لتحرير فلسطين بدلاً من قبول طروحات الأمر الواقع والسكون إلى استمرار الاحتلال.
وبين فترةٍ وأخرى، تظهر بعض التصريحات الصادرة عن المفاوضات، وبعضها يُزرع للتضليل. فمثلاً، ظهرت قبل فترة قصيرة تسريبات بفكرة ضمّ أجزاء من شمال فلسطين، أو ما يُسمّى بالمثلث، الذي يضمّ غالبية فلسطينية عربية إلى الضفة الغربية، كجزء من صفقة تقبل السلطة فيها ببناء كُتل استيطانية إسرائيلية ضخمة على أراضيها، وكذلك بقاء هذه المستوطنات الإسرائيلية على أجزاء واسعة من القدس الشرقية.
كما أنّ تعريف القدس الشرقية في المفهوم الإسرائيلي ينطبق فقط على الحرم الشريف، وبعض الأحياء القريبة منه، وليس على كامل المدينة.
وتحاول إسرائيل جاهدة إقناع الجانبين، الفلسطيني والأميركي، بمدّ أمد المفاوضات إلى ما بعد الموعد المضروب لها في أبريل القادم. وهي في الوقت نفسه تقضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتُنشئ المزيد من المستعمرات، وتزرع مستوطنيها على هذه الأراضي، معطيةً إيّاهم محفّزات ضريبية ومالية وتسهيلات كبيرة، هذا إذا لم تكن لديهم أصلاً دوافع دينية وصهيونية للهجرة إليها والاستيطان فيها.
ويبدو أنّ نتنياهو وحكومته غير قادرين على إدراك نقطة جوهرية، هي تحوّل الرأي العام في الغرب، خاصةً في الدوائر المتعلّمة، وفي الجامعات، ضد سياساتها الاستعمارية. وهو ما وضح مؤخراً في تصويت بعض الهيئات الأكاديمية على مقاطعة الجامعات الإسرائيلية، بسبب دعم هذه الجامعات لسياسات الاحتلال والاستيطان.
كما أنّ بعض الجامعات الأميركية قد بدأت منذ عام 2002، بتبنّي سياسات تفرض على إداراتها منع استخدام أموالها في الاستثمار في شركات في إسرائيل. وعلى رغم أنّ هذه الإشارات الإيجابية تبدو رمزيّة في المقام الأول، إلا أنّها تشير بوضوح إلى أنّ هناك تحولاً، وإن كان تدريجياً، في الرأي العام الأميركي، ضد إسرائيل وسياساتها الاستعمارية والتوسّعية.
ومن ناحيةٍ ثانية، فإن عالم اليوم يتطلّع إلى الدبلوماسية، وليس إلى القوة، لحلّ المعضلات القائمة التي تهدد السلم العالمي، ومنها قضية احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
وفي الوقت ذاته، فإنّ الفلسطينيين الذين عاشوا آلام الشتات والعيش تحت ظروف غير إنسانية في مخيمات اللاجئين خلال ستين عاماً لا يستطيعون أن يمضوا بقية حياتهم في هذه المخيمات على أمل تغيّر الرأي العام في الدول الغربية الداعمة لإسرائيل.

المعنى الحقيقي ليهودية الدولة!
بقلم: طارق مصاروة عن الرأي الأردنية
كل هذا النفي الذي اعادته وزارة الخارجية الأميركية مرتين خلال الأسبوع الماضي لا يعني الكثير.. فالصحيح أن الوزير كيري لم يكن يضغط على الأردن والسعودية للضغط، بالتالي، على الفلسطينيين للقبول بيهودية دولة إسرائيل، ولكن من المثير للدهشة أن يبقى نتنياهو يصرًّ، على أن المحور الجوهري للمفاوضات هي الاعتراف بهذه اليهودية!!.
إن أحداً لا ينازع في اختيار أي شعب لدينه فهناك بوذيون، ومسلمون، ومسيحيون، ويهود في هذا العالم. وإذا اختار الباكستانيون أن يسموا دولتهم باكستان الإسلامية، أو اختار الإيرانيون تسمية دولتهم بإيران الإسلامية فذلك شأنهم ولا أحد في هذا العالم يخالفهم خياراتهم، وفي كل الدول العربية - كلها تقريباً - تنص دساتيرها على أن دين الدولة الإسلام. لكن إسرائيل شيئاً مختلفاً، فهي البلد الوحيد الذي يختلط به الدين بالقومية، وينفي فيه الدين كل أديان الدنيا باعتبار أصحابها «جوييم»،.. فالمطلوب هو اعتراف الفلسطينيين بالعنصرية الصهيونية. واعترافهم بأنّ فلسطين أرض إسرائيل.. وليست كما تسميها التوراة: ارض كنعان.
لا يمكن للفلسطينيين الاعتراف بيهودية دولة اسرائيل، لان هذا الاعتراف:
- يجعل من مليون وخمس المليون فلسطيني في «اسرائيل» اسرى في ارضهم، لا جنسية لهم، ولا كيانا وطنيا، ولا دينا.
- ولانه يشمل الضفة الغربية وغزة باعتبارها ارضا اسرائيلية يعيش عليها العرب.
وان اي كيان فلسطيني يجب ان يكون محكوما بدولة اسرائيل.. وهو ما تسميه اسرائيل بالحدود الآمنة التي يجب ان تبقى في يد الاحتلال: نهر الاردن، وحدود غزة مع مصر، والجولان.
هذا ما يفهمه المفاوض الفلسطيني الرافض لقصة يهودية الدولة الاسرائيلية، وهذا ما لا يستطيع كيري او اوباما او غيرهما اقناع العرب به.
ليختار الاسرائيليون اسم دولتهم، ودينها، وهم لا يحتاجون لاعتراف احد، لكننا نقف عند يهودية الدولة, فنفسر ذلك كما فسرناه آنفاً. وهذا تفسير واضح لا يمكن لعربي قبوله. او الاعتراف به للوصول الى اطار سلام نعرف جميعاً أن اسرائيل ستفسره بعد عام واحد تفسيراً لا يغير شيئاً من الاحتلال.. الذي فشل الصهاينة طيلة ثلاثة ارباع القرن في جعله حقيقة مقبولة في الشرق الاوسط!
يهودية دولة اسرائيل, هي عنصرية جنوب افريقيا واسوأ. والمطلوب ليس مقارفتها في اسرائيل, وانما فرضها على الفلسطينيين والعرب. وهذا لن يكون!

حول أطروحة الدولة الواحدة في فلسطين
بقلم: كمال خاف الطويل عن السفير البيروتية
يكثر بين الفينة والأخرى الحديث عن انسداد السبل أمام خاتمة للصراع العربي ـ الصهيوني، سوى في قيام الدولة الواحدة على كامل أرض فلسطين.
والحق أن العنوان خلاّب، لكن الأهم هو أن قضية من هذا الوزن تحتاج لتأنٍ في التناول ورويّة في الطرح يتيحان تفحّص مدخلاتها ومخرجاتها بما تستحقّه من تبصّر وأناة.
لنتفق أولاً على انضواء عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية في فلسطين ـ 48 ضمن لوازم أصحاب الطرح، ذلك أن ما دون ذلك تعريفاَ هو «حل دولتين» منضافٌ على تحسين شروط حياة فلسطينيي 48 داخل «دولة إسرائيل» .
نمضي، بافتراض أن الأمر كذلك، إلى تشريح عناصر المسألة واحدة واحدة، بالقول:
1. إن الافتراض الذي يقوم عليه الطرح، بيقينٍ لافت، هو استحالة إخراج الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية لفرط ما زُرع فيها من مستوطنات ومستوطنين، ولهول ما قُضم منها من أرض وما نُصب من جدار ممزق، وعُبّد من طرق سكّينية، ولعظم ما تصرّ عليه إسرائيل من تحكّم بالماء والسماء.
2. إن حل الدولة الواحدة، على عسرته، أقدر ـ في المقابل - على التحقق لتوفّره على مزيّة إحراج الغرب وتأليب أنظمة العرب والمسلمين نصرة له وزرع بذور الفتنة داخل المجتمع الإسرائيلي بدواعي عقلانية الطرح وإنسانيته ورونقه، وتلواً فكل ما يلزمه هو وقت وإصرار وتراكم خبرة.
3. والحال أن أول عورات الطرح هو إغفاله مصيرية العلاقة بين مشروع كوني هيمني ومشروع وظيفي إقليمي، وجدليتها.
ليست إسرائيل، في الحساب الأخير، إلا الامتداد المتقدم للغرب الأطلسي والفاصل بين آسيا وأفريقيا العربيتين، ومشروعٌ ثبتت قدرته على النجاة العام 48، وعلى النفع العام 56، وعلى العطاء عالي المردود العام 67، وعلى تسليم البضاعة العام 77 (أنور السادات وكامبه)، وعلى الإجهاض العام 81، وعلى العقاب والتطويع العام 82، وعلى اختراق القلعة 93 .
والحاصل أن الولايات المتــحدة حــاولت مـرتين - في 91 و2003 - أن تزيل من وجهــه كل عقــبة إقليــمية ذات شأن، سعياً وراء تمكينه ليضــحي الوكــيل الإمبراطوري بامتياز في إقليم يمتد من المتوسط لقزويــن ومــن إسكــندرون إلى عصب، لكنــه، ومنــذ العام 82، دخل في دائرة معيبة من الفشل الذي يلد فشلاً، وتناقص مردوده لحد القصور السياسي والميداني خلال سنوات ثلاث، 06 - 09، عن أداء ما كلّف به من مهام قصفِ عمر مقاومات الشام، بل وصل به الحال لحدّ من الهلع والخوف من المحيط، بل والخوف من الخوف نفسه أحياناً، يقارب الهذيان لا سيّما وهو يرقب بكل حواسّه تعاظم القوة الإيرانية في الشرق القريب.
4. يتأتى من هذه العورة الناتئة أن صاحب مشروع الهيمنة الكوني يجد رويداً في تبنّيه لربيبه الوظيفي الإقليمي وصفة خسارة متنامية في الإقليم ومحيطه وما خلفهما، فإذا أضفنا للحساب حقيقة أن الكبير ذاته دخل في نفق التراجع ولن يخرج منه إلا بالتواضع وتقصير الخطوط وستر مواضع الانكشاف واسترضاء البعض ومهادنة البعض الآخر.. إذاً، نحن أمام مشهدٍ سيضطر معه هذا الكبير الى تراضٍ مع ممانعيه في الإقليم، يتأتى بالضرورة على حساب الربيب الوظيفي الفاشل.
ودرءاً لأي تزيّد فما أعنيه هو تراجع المؤسسة الحاكمة في واشنطن عن مقاصدها في السيطرة على الإقليم دونما التفريط في الكيان الإسرائيلي ذاته، ومعطوفــاً عــلى عــدم توفّر معســكر الممانعــة على شرائط قوة تفيض عن منسوب التراجع الأميركي هذا... أي، باختصار، عدم قدرتها على أكثر من استخلاص 67.
5. مع توازن القوى والمصالح هذا تصبح استعادة كامل أراضي 67 أمراً ممكن التحقق، لن تعيقه عقبات الجدار والاستيطان والمصادرة والضم والقضم، بل ويتزاوج مع تلك الاستعادة النأي عن أي مسٍ بملف 48، لا جزءاً ولا كلاً.
ذات التوازن هذا لا يسمح في المدى المستشف (8 ـ 15 سنة) بتجاوز إمكانية 67 إلى ما هو أبعد، حتى بافتراض ترنح الغرب الأطلسي وسوء أحواله.
انه يتيح للممانعة الثبات على سقف هدنة عقد ونصف من السنين، وهي التي لها اتفاقات أبرمت العام 49، ثم ذوت مع هزيمة 67 وإن بقيت على الورق في انتظار غودو.
6. إذا كانت إزالة آثار عدوان 67 تحتاج لكل هذا العناء فكيف هو بالله مطلب الدولة الواحدة، وهو الذي يتطلب تصفية صهيونية الكيان الإسرائيلي، وتذويب الغلبة السكانية اليهودية على أرض فلسطين لحد أقصى هو الثلث، عبر إعادة اللاجئين لديارهم.
ثم أن المسألة ليست في الإقناع... لا للخصم ولا لرعاته ولا «للرأي العام الدولي»، بل في فرض ضرورة التسليم بما نريد على من يقاتلوننا دونه.
7. ليس هناك من تشابه محكم مع الوضع العنصري في جنوب أفريقيا الذي امتد لنهاية الثمانينات... لم يكن هناك من تهجير لسكان البلاد الأصليين وإنما حلول أقلية بيضاء بينهم، بل فوقهم، واستلابها للسلطة والثروة دونما إحلال وإجلاء.. أي هو استيطان موازٍ لا مقتلِع. ثم أن السود حافظوا على أغلبيتهم طوال الوقت ولم تتغير بلدهم من أفريقية لسواها، فضلاً عن أن مثال إيرلندا لا علاقة له البتة بظروف فلسطين.
8. ثم لنتبصّر بماهيّة الدولة الواحدة... إذا اتفقنا على أن إسرائيل هي مشروع وظيفي فمن ثمّ يحتاج أصحاب الدولة الواحدة للحديث عن ضرورة هزيمة هذا المشروع مدخلاً لها ومرساة. هو مشروع مقابل مشروع أليس كذلك؟ ما هو مشروعهم البديل والفائز؟ أدولة فاقدة الهوية، هي خليط من عربية وصهيونية كما يتبدى، أو في أقلّه غير عربية؟
هذا ليس بمشروع ولا بتسوية. التسوية هي وضع تراضٍ مؤقت وموقوت مدعاته عدم قدرة طرف، لأمد يطول أو يقصر، على غلب الآخر بالحسم. ذلك بالتحديد ما قصدته بالهدنة وإحياء اتفاقاتها.
هي بالضرورة انتقالية الطابع، إذ لا تتسع فلسطين ـ والأحرى «الشام» ـ لمشروعين عربي وصهيوني.
للدولة الواحدة في فلسطين عمادان لا تقوم إلا بهما ومعاً: العودة والعروبة ... وبالتأكيد لا يتطلّب ذلك قسر الأشكناز والصابرا - أشكنازية الأصول - على الرحيل أبداً، وإنما يشترط هوية عربية واضحة المعالم لدولة فلسطين، حالُها حال أترابها العربيات.
لا يضير ذلك أن يكون بين مواطنيها خمسة ملايين يهودي ـ بافتراض بقاء الجميـع ـ فأكــثر من نصــفهم هم عرب، على أي الأحوال، زُيّف وعيهم وجُيّرت أهواؤهم.
هنا نحن أمام مشروع عربي يصفّي خصمه الصهيوني ويقوم على أنقاضه. مشروع كهذا ليس في مقدور الأمة العربية في مدى عمر جيل، لاستلزامه أحد أمرين: وحدة عربية، أو انكفاء أميركا كونياً أمام واقع إخفاق مشروع هيمنتها برمّته.
في المقابل فاستخلاص 67 مع هدنةٍ يستلزم تخلّي الولايات المتحدة عن توكيل إسرائيل في الإقليم كلب حراسة إمبراطوري، لفداحة عبئه المتراكم على صاحبه.
حينها يسقط الجدار وتُخلى المستوطنات وتنسحب القوات في شهور.
وللتبيان، فما أتحدث عنه ليس هو «حل الدولتين»، كما هو متعارف عليه من تضمّنه لصلح واعتراف وتطبيع وتصفية لملف 48. على وجه الاطلاق.
لكنه في الحين ذاته يتيح نشوء دولة مستقلة على أرض 67 ـ فلسطين ليس بينها وبين إسرائيل سوى اتفاق الهدنة، الذي ورثته من الأردن، بل ونصب عينيها فك أي ارتباط اقتصادي ومعاشي لها بإسرائيل جملة وتفصيلاً. مع احتمال أن تكون الدولة إياها جزءاً من فيدرالية عربية محيطة تضم مصر وسوريا والأردن، أو أي واحد أو اثنين منهم.
9. يغلب على نمط الحديث عن الدولة الواحدة التلفيق سعياً وراء التوفيق، وبين ماذا ومَن؟ بين عودة وهوية ملتبسة!
والطريف أن بعضهم يحاجج بالقول إن التسوية المؤقتة (تحرير 67 وهدنة 15 سنة) ستؤبِّد المؤقّت.
غاب عنهم أن ألمانيا توحّدت وتشيكوسلوفاكيا انشطرت ويوغوسلافيا تشظّت وبلجيكا تحبل بمولود الانقسام والاتحاد السوفياتي تلاشى وتكساس تلوّح بالانفصال وباكستان انقسمت والآن تتلوث باحتمال الانفلاق.
تحرير 67 مع هدنةٍ خطوةٌ أساس على طريق دولة عربية في كل فلسطين يعيش فيها، مواطنون متساوون، المسلمون والمسيحيون واليهـود من دون حيف ولا ضيم، بل ومـع حقوق ثقافية خاصة لليهود، كوضع انتقالي.
10. من عجبٍ التلويح بالوطن البديل في شرق الأردن كأحد مخاطر النأي عن خيار الدولة الواحدة وفي ضوء «استحالة» حل الدولتين.
هل لعاقل أن يتفكّر في احتمالية دولة فلسطينية على شرق الأردن تواجه اسرائيل على طول 650 كم، حتى ولو قيّدت بخمسين معاهدة سلام؟
11. والحال أن حديث البعض عن قومية يهودية أو إسرائيلية وكأنها قدرٌ مقدور يغفل أن إسرائيل هي حاضنة تخليق قوميةٍ تغلّف المشروع الوظيفي كالتامور، من ثمّ فلا مناص من تفكيك عملية التخليق تلك عبر هزيمة المشروع.
تحرير 67 + هدنة هي مقدمة هزيمته، ودولة عربية في فلسطين كلها هي خاتمتها.

المسلمون مشكلة العالم؟
بقلم: باسم الجسر عن الشرق الأوسط
المشهد العربي - الإسلامي في العالم بات مفجعا، من المحيط الأطلسي إلى باكستان. حرب أهلية هنا وثورات شعبية هناك وتفجيرات وعمليات إرهاب يومية في المدن وتفتيت للمجتمعات الوطنية إلى تكتلات وجماعات سياسية طائفية ومذهبية وعرقية تطالب بالحكم الذاتي أو بالانفصال عن الوطن - الدولة، أو تتقاتل رافعة شعارات تعود بالإنسان العربي أو المسلم ألف سنة إلى الوراء... وكل ذلك بعد أن صفق العالم بأسره لما سمي بـ«الربيع العربي»، كأنما هذا الربيع، بدلا من أن يحرر العرب والمسلمين من الأنظمة السلطوية التي كانت تحكمهم، ألقى بهم في خضم هائج من النزاعات والتناقضات المتفجرة.
لقد كان الإسلام بخير قبل أن ترفع راياته جماعات وتنظيمات تحمل أسماء «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«الإخوان» و«حماس» و«حزب الله» و«طالبان» و«حرام» وسلفيو مالي والمغرب. وقبل أن تحمل هذه الجماعات والتنظيمات والأحزاب السلاح للمزايدة بعضها على بعض ولمقاتلة بعضها بعضا، كان الأزهر والجامعات الإسلامية تحفظ الدين وتخرج مئات الألوف من العلماء الذين يحافظون على الإسلام بوجه كل التحديات التي واجهت المسلمين عبر القرون السالفة. وفي العقود الأخيرة كانت المساجد والمعاهد الدينية الإسلامية تنتشر في العالم بشكل لم يعرف من قبل. وكانت نسبة الأمية تتراجع بسرعة في العالم الإسلامي. ومجتمعات عصرية إسلامية جديدة تبصر النور.. ولم يكن المسلمون بحاجة إلى رشاش من هنا وسيارة مفخخة من هناك أو إلى التطرف والتعصب والتكفير لكي يواصلوا نهضتهم وتقدمهم.
إنه مشهد يوجع العقل ويمزق القلب ما تعيشه مصر وسوريا والعراق ولبنان وأفغانستان وغيرها. وأفدح ما فيه هو أنه مرشح للتمادي سنوات، بل وللتفاقم، وإن الدول الكبرى قد نفضت يدها، إلى حد ما، من هذه النزاعات «الأخوية»، وأعلنت عجزها عن حلها، بالإضافة إلى التناقضات التي تزيدها تعقيدا وصعوبة ودموية؛ فالجماعات الإسلامية المقاتلة في سوريا باتت يقاتل بعضها بعضا، وهناك دول عربية تؤيد الجماعات الإسلامية هنا وتحاربها في مكان آخر، مضيفة إلى المشهد مزيدا من الغموض والرمادية (ترى ألم يحن الوقت لمعرفة مَن، حقيقة وسرا، يمول ويسلح آلاف المجاهدين المقاتلين في العراق وسوريا وغيرهما من الدول؟).
ذات يوم رفع شعار «الإسلام هو الحل». واليوم، وأمام هذا المستنقع الدامي الذي غرق فيه المسلمون، هل تحول الإسلام على يد هذه الجماعات المتقاتلة إلى مشكلة عالمية؟ إخوان يقاتلون سلفيين، وسنة يقاتلون شيعة، و«القاعدة» تحارب حزب الله.. وكل فريق يعتقد أنه يجاهد في سبيل الله، وهو في النتيجة يقتل إنسانا ومواطنا وأخا له في الدين!
السؤال الحقيقي بل الوحيد المطروح هو: كيف الخروج من هذا المأزق المصيري الذي وقع فيه العرب والمسلمون؟ هل بتسليم مقاليد الحكم إلى الجماعات الإسلامية؟ ولكن لأي منها وهي تتجاوز العشرين ويقاتل بعضها بعضا؟ أم بتسليم الحكم إلى العسكر لإعادة الأمن والاستقرار على حساب الحرية؟ أم بالتخلي عن الأوهام السياسية الكبيرة واختيار الوطنية والديمقراطية والتنمية الاقتصادية سبيلا للنهضة والتقدم؟ أم بترك النزاعات والصراعات الدينية والمذهبية والعرقية تجري في أعنتها نحو تفتيت الأمة والأوطان إلى دويلات متعادية؟
أغرب ما في كل ذلك هو موقف الدول الكبرى التي أسهمت في إيصال العرب والمسلمين إلى ما وصلوا إليه من ضياع مصيري، والتي تحاول، أو تتظاهر، اليوم بالتوفيق بينهم على طاولة المفاوضات في جنيف... بينما يشد بعضها خيوط النزاعات من وراء الستار ويعطل فريق آخر مجلس الأمن الدولي. وأفدح من ذلك هو رفض عرب ومسلمين متقاتلين الجلوس إلى طاولة المفاوضات معا!
لو أن التريليونات (آلاف المليارات) التي أنفقتها الدول العربية والإسلامية في الخمسين سنة الأخيرة، على شراء أسلحة، لم يستخدم إلا قليلها في محاربة إسرائيل وخصص معظمها لمقاتلة بعضها بعضا، ولا نتحدث عن التريليونات الأخرى من الخسائر الاقتصادية التي سببتها الانقلابات والحروب أو عن نزوح ملايين الخبراء والأدمغة العرب والمسلمين إلى الخارج هربا من حكم جائر أو طلبا لفرص عمل - وكان بإمكانهم النهوض ببلدانهم ومجتمعاتهم لو أتيحت لهم فرص النجاح والإبداع والنهوض بها -.. لو أن هذه الثروات المالية والبشرية لم تهدر وخصصت للبناء والتنمية الاقتصادية والإنسانية، لما وصل العرب والمسلمون إلى هذا المأزق التاريخي المصيري الذي يعانونه اليوم، ولا يجدون باباً للخروج منه.

الإسلام ليس الحل... في تونس
بقلم: بيسان الشيخ عن الحياة اللندنية
ثمة بصيص أمل في نفق «الربيع العربي» المظلم يأتي، كمثل ذلك الربيع نفسه، من تونس. ففيما تستعد البلاد لإحياء الذكرى الثالثة لرحيل بن علي، وبعد مخاض عسير من التأزم السياسي والتراجع الاقتصادي والفراغ الأمني وصعود الجماعات السلفية، صُوّت بالغالبية على مسودة دستور غير مسبوقة في العالم العربي ولا في تونس نفسها، حتى تكاد تتفوق على دستور بورقيبة نفسه. فإذا كان الأخير «فتحاً ثورياً» في زمانه لجهة تكريس فصل الدين عن الدولة، وفرضه بالقوة أحياناً، فالمسودة الأخيرة التي لا يزال بعض بنودها قيد التشاور تفوقت على نفسها في زمن طغى فيه التدين الاجتماعي والسياسي على ما عداه.
وينص البند الثاني غير القابل للتعديل كعدد من البنود المفصلية في الدستور الجديد، على أن تونس دولة مدنية تقوم على المواطنة وحكم القانون، ما يحسم النقاش نهائياً بشأن جعل الشريعة مصدراً وحيداً أو أحد مصادر التشريع، ويطوي صفحة أثارت نقاشاً طويلاً وخوفاً عميقاً من فقدان التونسيين، لا سيما التونسيات، مكاسبهم. وتكرست تلك المواطنة في منح المرأة حقوقاً وواجبات مساوية للرجل أمام القانون ومنع أي تمييز في حقها بعدما كان نواب حركة «النهضة» اقترحوا جعلها «مكملة للرجل»، ما يهدد مكتسبات مدونة الأسرة والأحوال الشخصية، وعقود من المساواة المعنوية تمتعت بها التونسيات منذ عهد بورقيبة. وإذ لم تكتف الناشطات النسويات بـ «المساواة أمام القانون»، وطالبن بجعلها تمتد الى الحياة الشخصية والأسرية، يبقى أن ما تم تسجيله حتى الآن انجاز حقيقي لم تَلح أي بادرة له في الأفق التونسي قبل أقل من سنة.
لكن البند الأهمّ الذي أقره الدستور الجديد هو «حرية الضمير» التي تتيح للأفراد اعتناق أي دين، أو الـ «لا دين»، وممارسة شعائره ومعتقداته من دون تطبيق أحكام الردة. فإلى ضمان حرية الأشخاص في اختيار مساراتهم، يقطع هذا البند الطريق على كل طامح الى تنصيب نفسه قاضياً على المجتمع وحارساً لنياته، أو أقله، يصعب مهمته ومهمة داعميه من قادة متطرفين. وكانت تونس شهدت في السنتين الماضيتين سوابق كتلك، بررت خلالها «النهضة» ومرشدها راشد الغنوشي هجمات وأعمال عنف نفذها متطرفون مرة بذريعة «حماسة الشباب الطائش» وأخرى بالعجز عن ضبط «عناصر منفلتة».
وإذ لا تقتصر حرية الضمير على المعتقد الديني، فهي إلى ذلك تصون حرية الانتماء السياسي والفكري والأيديولوجي والتعبير عن الرأي بعيداً من «اتهامات التكفير والردة والتحريض على العنف»، وهو مكسب آخر نجحت في تحصيله مجموعات الضغط اليسارية معتمدة على حادثة اغتيال النائب محمد براهمي وقبله الناشط شكري بلعيد على يد متشددين.
والحال أن النضالية التي تتحلى بها مجموعات الضغط العلمانية واليسارية ليست أكثر ما يثير الإعجاب و/أو الملاحظة. فهم أصحاب باع طويل في العمل المطلبي وذوو ثقافة حقوقية ومدنية متجذرة وليس ما يجري اليوم إلا تتمة منطقية لتراثهم النضالي. فشعار «الإسلام هو الحل» الذي رفعته التنظيمات الإسلامية بديلاً من الأنظمة السابقة «العلمانية» لم يخاطب يوماً مزاج التونسيين الذين يمارسون ديانتهم (أو لا يمارسونها) باندفاعة ذاتية. وما تصويتهم لـ «النهضة» إلا انتخاب سلبي ضد بقايا نظام بن علي ونتيجة تشرذم القوى غير الإسلامية.
لكن ما يثير العجب والتساؤل أن يُقر دستور كهذا في برلمان تتمتع فيه «النهضة» بالغالبية ويفترض أنها، كغيرها من احزاب الإسلام السياسي، تسعى الى دولة إسلامية تحتكم للشريعة. فكيف أقر نوابها نصوصاً (بعضها غير قابل للتعديل) تناقض أبسط مبادئهم؟
يسهل القول إن فشل النهضة في تسيير شؤون البلاد، وعدم خبرتها في العمل المؤسساتي، والمعارضة الشعبية التي ثارت ضدها دفعتها الى الاقرار بعجزها وتبني السياسة الواقعية. ويمكن للدروس المستقاة من تجربة الإخوان في مصر، أن تفيد في تفسير تلك الانعطافة. ذاك أن أبغض الحلال عند «النهضة»، يبقى أرحم من تكفير مضاد يشنه العسكر، مهما كانت احتمالاته ضئيلة في تونس. ثم إن صعود القوى «الداعشية» في سورية واقتناصها الثورة الشعبية وضع قوى الإسلام السياسي تحت مجهر محلي ودولي.
ومن دون التقليل من شأن المعارضة المدنية والعلمانية، يبقى أن «النهضة» هي من أقر الدستور وكانت تملك كل أدوات وأده. إنه مؤشر إضافي إلى براغماتية تتمتع بها الأحزاب الإسلامية تجعلها تعرف متى تحني رأسها للعاصفة مقابل حصة من السلطة. وإلى أن تثبت «النهضة» أنها لن تخوض غمار المعارضة السرية، وستقبل بشروط اللعبة التي يقرها الدستور، لا بد من التشبث ببصيص الأمل.

الأسد سيربح الانتخابات... شاء من شاء وأبى من أبى ؟
بقلم: داود البصري عن السياسة الكويتية
هكذا بكل بساطة, حسمها وزير أكاذيب نظام البراميل السوري عمران الزعبي بإعلانه المسبق عن فوز بشار الأسد في الانتخابات المقبلة التي ستعقب مؤتمر "جنيف 2" في حال نجاح انعقاده والاتفاق على تعويم جديد لرئيس النظام المجرم. وكأن كل الجرائم الإنسانية الدائرة منذ ثلاثة أعوام في سورية مجرد نزهة عابرة أو معركة في مقهى, أو حادث سير عادي. وليس ثورة شعبية ورد دموي حاقد وخراب ديار وتشريد شعب وتدمير أمة.
بهذه الطريقة الفجة يفكر نظام دمشق, وكأن العالم طوع بنانه أو لكأن الملعقة الذهبية التي يأكل بها منذ ولادته هي وصية ملزمة لكل العالم وعليه تنفيذها. فبعد كلام وتصريحات الزعبي في مؤتمره الصحافي الأخير يبدو الحديث عن أية مفاوضات أو مؤتمرات سلمية مع النظام المجرم حديث خرافة ومضيعة للوقت ولا جدوى منه, والأفضل التركيز والتصميم على إزاحة النظام وتحقيق الشروط والعوامل اللازمة لمواصلة الثورة وإنهاء الأمر وتقديم النظام لمحكمة جرائم حرب شعبية سورية ستكون جردة حساب ثقيلة لخمسين عاما من تسلط وقهر عصابة البعث السوري.
من الواضح ان نظام البراميل ليس مستعدا للحوار سوى مع نفسه. كما أن الغرور والصلف والتعالي والإفراط في الجريمة هي الصفة الملازمة لذلك النظام وتأبى أن تختفي إلا بانهياره تحت أحذية الشعب السوري الحر, فبعد ثلاثة أعوام من الثورة الشعبية التي دخلت في أنفاق ومنعطفات وتطورات وارتفعت معها خسائر الشعب السوري لدرجات مريعة, وبرز التدخل الإقليمي والتحالف الشيطاني الطائفي الأسود بأبشع معانيه وصوره من خلال تشجيع الحروب الطائفية في المنطقة ومحاولة تشويه سمعة ومسيرة ونقاء وأصالة الثورة السورية, يأتي الزعبي ويتبرع بفوز رئاسي مجاني جديد وخيالي لرئيس عصابته في استفزاز فظ لمشاعر الشعب ولإرادة الأحرار , فبشار سيفوز بالرئاسة في عرف النظام شاء من شاء وأبى من أبى.
فماذا تبقى إذن من أسس وشروط وفرص نجاح لأية مؤتمرات دولية لحل الأزمة؟ ما يحصل على جبهة النظام وإصراره على ركوب رأسه وتوزيع استفزازاته اضافة لرغبة النظام في إدخال النظام الإيراني المحتل في صلب العملية السياسية ماهو في حقيقته إلا تهرب من كل الاستحقاقات التي ينبغي أن يؤديها قبل أن يرحل عن السلطة ويضمن انتقالا هادئا وسلميا لها بعيدا عن حدود وصيغ الانتقام والتدمير الشامل, ولكن الوقائع الميدانية تثبت بالدليل القاطع على أن الفاشيين وعبر التاريخ ليسوا في وارد التخلي الطوعي عن السلطة وتجنيب الشعب المبتلي بحكمهم كوارث دموية مضافة. الفاشيون لايقرأون التاريخ وهم حتى إن قرأوه فهم في حالة عجز عن استيعاب فلسفته وأحكامه, لذلك فلا بديل اليوم أمام السوريين الأحرار سوى مواصلة التضحية والجهاد وسلوك طريق ذات الشوكة والاعتماد على الله أولا ثم النفس والقوى الحرة في العالم لاستكمال إنجاز المهمة. فالتاريخ لن يعود للخلف, والنظام لن ينعم بغنيمته. والدمار والزوال والإذلال سيكون مصيره ومصير كل جبار وطاغوت غشوم.
لقد كانت تصريحات غوبلز الإعلام البراميلي فضائحية في واقعها وتوقيتها, كما أنها رسالة النظام الأخيرة للجميع بأنه سيخوض معركة المصير الفاشي الواحد مع عصابته من غلاة الطائفيين والقتلة والمجرمين وقوى الشر. لذلك لاسبيل من سلوك طريق المواجهة الحاسمة والنهائية, فالقتلة في حالة استمرار في الغي والجريمة وأي حوار مع المجرم هو بمثابة حبل إنقاذ له.
لقد شنق النظام السوري نفسه بحبال كذبه, وصلفه, وغروره, وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

آخر أيام الإخوان
بقلم: عماد الدين حسين عن الشروق المصرية
العنوان أعلاه ليس تنبؤا كما أنه ليس تشفيا والأمر الأخير ليس من طبعى. اختلفت كثيرا مع الإخوان لكن لم أكرههم كما يفعل البعض. العنوان ومضمونه بطبيعة الحال لن يرضى الإخوان أو أنصارهم أو المتعاطفين معهم أو من يحترمونهم، وليت الأمر يقف عند حد عدم الرضا ولا يصل إلى الشتائم البذيئة مثلما صار حال بعض المعلقين على هذا المقال يوميا.
المقصود بالعنوان أننا نعيش الآن أو أننا نوشك على دخول مرحلة جديدة فى السياسة المصرية لن يكون فيها الإخوان فى قلب المشهد السياسى أو حتى جزءا فاعلا فيها. أقصى دور للإخوان فى قادم الأيام أنهم قد يكونون جزءا من المشكلة لكنهم فى كل الأحوال لن يكونوا جزءا من الحل أو المستقبل.
بالطبع الكلام السابق لا يعنى أن الإخوان سوف يندثرون فورا أو يتبخرون لمجرد أن خصومهم يريدون ذلك أو لأن الحكومة أصدرت بيانا إعلاميا يصنف الجماعة باعتبارها إرهابية وشرعت فى عملية ملاحقات أمنية وقانونية ومالية قاسية بحقها.
المقصود أن أداء الإخوان خلال المرحلة الانتقالية الأولى ثم خلال عام حكمهم الوحيد ــ والأهم أداؤهم الكارثى منذ خروجهم من الحكم وحتى الآن ــ جعل غالبية المصريين مستعدين أن يتحملوا أى شىء بشرط وحيد ألا يعودوا للحكم مرة أخرى مهما كانت التضحيات. الواقع الراهن يقول إن أغلبية قيادات الجماعة صاروا فى السجون أو المنافى. ولم تعد هناك قيادة مسيطرة والحكومة تسعى بدأب نحو تجفيف منابعهم التمويلية والأهم من كل ذلك أنهم صاروا مكروهين شعبيا بصورة غير مسبوقة سواء بفعل حماقتهم أو بفعل اصطياد الحكومة لهم.
فى اللحظة التى سيعلن فيها رئيس اللجنة العليا المشرفة على الاستفتاء النتيجة وبأى نسبة وافق المصريون على الدستور سيكون هو نفسه الإعلان عن بدء أفول دور الإخوان فى السياسة المصرية.
ما السبب فى هذه النهاية المأساوية؟ سؤال جدلى لم تعد الاجابة عنه تفرق كثيرا وربما سوف يجيب عنها المؤرخون.
السؤال الذى قد يكون مهما الآن هو: إلى متى سوف يغيب الاخوان عن الساحة السياسية؟.
الإجابة أيضا غامضة لأنها تتوقف على الطريقة التى سوف يتصرف بها طرفا الصراع. لكن إذا تم القياس على الطريقة التى تصرف بها الطرفان فى الشهور الستة الماضية فإننا ذاهبون برغبة حكومية وتقريبا شعبية محمومة إلى عملية اقتلاع شبه كاملة للإخوان من مجمل السياسة المصرية قد تستمر لفترة يقدرها البعض بين عشر وعشرين سنة.
السؤال المهم الأخير فى هذا الشأن هو هل يصر الإخوان على أن يكون خروجهم الراهن بطريقة «خلع الضرس من دون بنج» ويكبدوا أنفسهم ومعهم المجتمع ثمنا دمويا فادحا أم أنهم يعودون إلى طريقتهم البراجماتية القديمة ويقللون خسارتهم بحيث لا تكون مباراة صفرية بطريقة إما أن نحصل على كل شىء وإما ألا نحصل على شىء بالمرة.
الذى سيغير المشهد تماما ويقلل الخسائر إلى حد كبير هو أن يدرك الإخوان حقيقة ما حدث وأنهم حتى لو كانوا تعرضوا لمؤامرة من خصومهم فإن أكبر متآمر ضدهم كانوا هم أنفسهم وطريقة نفكيرهم والمؤكد نوعية أفكارهم الباطنية.
نعيش الآن بالفعل آخر أيام الإخوان. وهم قد يعودون فى حالة واحدة، كحزب سياسى مدنى وليس كجماعة تؤمن بأنها تحتكر الحقيقة والإسلام والمعرفة.

السلفية : مشروع الحياة والسياسة والدين
بقلم: مطلق سعود المطيري عن الرياض السعودية
في هذا الزمن يُنظر إلى"الدين" في العالم العربي، أنه صلاة، وسيف، وخطاب، عجزت جميع النظريات السياسية والاجتماعية في الكون عن أن تعزله عن الواقع.. نجحت القومية العربية في بداية الخمسينيات لانها استخدمت سيف الدين وضربت به أعناق خصومها، وعندما أرادت أن تتخلى عنه وتجرب سلاحها الخاص الذي ينسجم مع طروحاتها الفكرية ضربها خصومها بسلاح الدين، فانقسمت لجزءين، جزء يتكلم بلسان الدين، وجزء يصلي لإرضاء دعاة الدين، فمات الخطاب وبطلت الصلاة، وبقي السيف بيد دعاة التطرف وأعداء الحياة يضربون به الإيمان والمساجد والمستشفيات والأمن، لكي يبنوا حضارة المقابر والموت، فإن أخطأوا لا حساب في الدنيا لهم بعد ان وضعوا جميع خصومهم في المقابر، وللعدل يكفيهم اعترافهم بذنوبهم والاستغفار، حتى يعودوا للحياة بلا ذنب ولا محاسبة طاهرين كما خلقوا أول مرة.
الغرب قبل وبعد الربيع العربي عرف تأثير سيف الدين وأراد أن يستخدمه لصالحه فدعم جهاد السيف من أجل وصول جهاديي مصالحه للحكم، وإن تمكن من ذلك كفى نفسه شر القتال.
وصل جماعة الإخوان للحكم في مصر وأرادوا أن يكونوا أصحاب سيف لا أهل صلاة أو خطاب، وحدث لهم ما حدث للقوميين العرب ضربوا بسيف الدين وأُخرجوا من الحكم، وبعد الخلع ادعوا انهم اصحاب خطاب شرعي ديمقراطي لا ديني، ففشلت دعواهم لانهم نسوا انهم كانوا اصحاب سيف وسقط، ولم يتبعوا جهادهم الديمقراطي بطهارة صلاة ولا بإصلاح خطاب للحياة.
بقي على الساحة السياسية اليوم "السلف" فلهم صلاة وخطاب وسيف يعمرون به الحياة، فمشروعهم السياسي يحمل كل سماحة الدين "ونور السلف" .. وعندما نتحدث عن السلف نقصد سلف مصر "حزب النور" فقد عرف ان الحياة تقوم على الاختلاف فاحترم اختلاف خصومه له، وعرف ان السياسة مشاركة امينة في الحكم فكان امينا مع الله والشعب، فشارك في كتابة الدستور لكي يكون جزءا من المستقبل وليس حكاية اسطورية وتراثية، فنجحوا فيما فشل الإخوان به، فجماعة الإمام حسن البنا تجيد سياسة المشاجرة وتريد ان تصدر احكاما على الاعمال المنقضية، والاحزاب العلمانية تدين وترفع من شأن الاعمال الحاضرة سياسة اليوم لك وغدا ربما يكون لعدوك، أما حزب النور السلفي فهو ملتزم بقرارات المستقبل التي تضيء على الحياة والدين .
فقد عرف حزب النور السلفي ان صلاح الارض لايستوي مع تدميرها فدان وحشية الجهاديين الملوثين بشهوة السلطة والمال والموت، وبنفس الوقت حافظ على مفهوم الجهاد بمعناه المتسامح والانساني، حتى يبقوا خصومهم احياء يقيمون عليهم الدعاوى القضائية في الخلاف ويدعون لهم في صلاتهم.