المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اقلام واراء عربي 595



Haneen
2014-02-23, 10:23 AM
اقلام عربي 595
13/1/2014

في هـــذا الملف:



الدولة اليهودية من وجهة نظر إسلامية!

أ.د. مصطفى محيلان- الرأي الأردنية


أرقى أشكال المقاومة

صالح القلاب-الرأي الأردنية


استراتيجية الإستئصال

افتتاحية الخليج الإماراتية


محنة الرئيس

عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية


غيبوبة ‘السيد اسرائيل’ ويقظة العرب!

رأي القدس العربي


مات شارون وبقي مشروعه

أمجد عرار-الخليج الإماراتية


سيأتي البطل ولكن... متى؟

محمد صلاح- الحياة اللندنية


طريق الاستفتاء .. إلى الإنقاذ أو الانهيار

جمال سلطان-المصريون
الدولة اليهودية من وجهة نظر إسلامية!
أ.د. مصطفى محيلان- الرأي الأردنية
في مقالة منشورة بصحيفة الرأي للكاتب الكبير الأستاذ طارق مصاروة بعنوان «المعنى الحقيقي ليهودية الدولة!» أوضح صديقنا مشكوراً مخاطر «الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل»، متناول بضعاً من معالم الفكر الإسرائيلي ومن أهمها:
«خصوصية دولة إسرائيل، التي تخلط الدين بالقومية».
«نفي الديانة اليهودية للأديان الأخرى».
وما يؤكد على ذلك هو تبنيهم لفكرة شعب الله المختار التي يعتقدون أنها تمنحهم حق إنكار حقوق الآخر طالما أنه ليس على دينهم، والشاهد على ذلك هو الكنتونات، التي تعني مقاطعة أو إقليم صغير نسبيا من حيث المساحة والسكان، والتي تستخدمها إسرائيل فعلياً عندما تقسم فلسطين إلى أجزاء من خلال الجدار العازل الذي لا يمكن النظر إليه إلا من هذه الزاوية العقائدية لديهم، وما هو إلا ترجمة حية وتفعيل للمبدأين الأساسين الذين يقوم عليهما الفكر اليهودي الإسرائيلي المذكور أعلاه، وهو ما يصر عليه كبار القياديين الإسرائيليين في مفاوضاتهم وهو الاعتراف بهذه اليهودية، وبالتالي توابعها!
وقد ذكر الكاتب أيضاً أن من تبعات اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل هي:
- جعل الفلسطينيبن في «إسرائيل» أسرى في أرضهم.
- شمول الضفة الغربية وغزة باعتبارها أرضا إسرائيلية يعيش عليها العرب.
- أي كيان فلسطيني يجب أن يكون محكوما بدولة إسرائيل.
- «الحدود الآمنة» تبقى في يد الاحتلال، نهر الأردن، وحدود غزة مع مصر، والجولان.
على أرض الواقع هذه مقاتل ليست فقط للفلسطينيين وحدهم وإنما للدول والشعوب المحيطة بفلسطين، وإنني أرى شخصياً، ومن كوني أردنيا أنطلق في رأيي من مبادئ وتعليمات الدين الحنيف، دين الدولة التي تقبل بالآخر ولا تُقصيه، ولا تعزله، ولا تحقِره، وحيث أن هذه القضية دينية بامتياز، ومؤمنا بيقين من أن للفلسطينيين وغيرهم أرضا محتلة، وأنه سيصيبهم الضُر لو نالت إسرائيل مبتغاها بالاعتراف بيهوديتها، وأعلم أيضا أن معاهدات سلام قد أبرمت مع إسرائيل، وأن علاقات دبلوماسية وغيرها قد نشأت وترعرعت بينها وبين العديد من الدول العربية والإسلامية، إلا أن الوضع الآن يختلف، ومرحلة جديدة في طريقا للظهور وهي إقرار دول دينية بصفات نعرف أهدافها وتطلعاتها ونواياها، كالتي أشار إليها الكاتب باختصار، وعليه ومن هنا، فإنني أطلب وأنتظر وأترقب رداً من كل من مجلس الإفتاء الأردني وربما من دائرة قاضي القضاة المراجع الدينية العليا في هذا الوطن الحبيب، يتم من خلاله تفصيل تبعات مثل ذلك الاعتراف، وإجلاء رأي الدين الإسلامي تجاه ذلك ويعلن على الملأ بكافة الوسائل، فيتمكن كل شخص من بناء فكره وقناعاته عليه، بدلاً من أن يكون رأيا شخصياً، فمن غير المناسب ترك أمر جلل كهذا مرهونا بالقناعات الفردية التي قد تتباين بين الناس بمقدار إطلاعهم السطحي على الأمور، ففي إعلان رأي المراجع الديني في هذه الحالة توحيد للصف ودعم لصناع القرار وبذلك يكون الوطن كله على أتقى قلب رجل واحد.

أرقى أشكال المقاومة
صالح القلاب-الرأي الأردنية
يُنْسَبُ إلى وزير خارجية الإتحاد السوفياتي الأسبق أندريه غروميكو أنه قال :«إن مفاوضات سياسية لإثني عشر عاماً أفضل من حربٍ ولو ليومٍ واحد» ويُنْسب إلى المفكر الإستراتيجي العسكري الشهير كارل فون كلاوزفيتز أنه قال :»أنَّ الحرب إمتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى» وهذا يعني أنَّ الذين يتحدثون عن معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية :»وادي عربة» عن أنها «مؤامرة» وأنَّ المفاوضات الجارية الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين برعاية وزير الخارجية الأميركي جون كيري تفريط وإستسلام لا يعرفون من قوانين الصراع شيئاً وأنهم «يثرثرون» بالمقاومة والكفاح المسلح وهم غير معروف عنهم أنهم لم يقاوموا إلاَّ بالمزايدات وبالإنشغال بأمورهم الخاصة وبالطرق والوسائل المعروفة.
إنَّ أرقى أشكال المقاومة عندما تكون موازين القوى «طابشة» لمصلحة الخصم والعدو هي إيقاف هذا الخصم عند اللحظة الراهنة وعدم تمكينه من إستثمار تفوقه لإحراز إنتصارات جديدة وهذا هو القيمة الإستراتيجية لصلح الحديبية الشهير الذي إضطر الرسول محمد عليه صلوات الله لتوقيعه مع مشركي قريش عندما كانت معادلة موازين القوى لمصلحتهم وعندما كان المسلمون بحاجة لإلتقاط الأنفاس بإنتظار تعديل هذه الموازين لمصلحتهم وهذا ما حدث لاحقاً فكان فتح مكة الإنتصار التاريخي الذي بنيت كل التطورات اللاحقة.
في النصف الثاني من أربعينات القرن الماضي ،قبل قيام دولة إسرائيل، بادر الملك عبد الله الأول ،أمطر الله تربته بشآبيب رحمته، إلى الإعلان عن حلٍّ يعطي «اليهود» إثنين وعشرين في المائة من فلسطين ليقيموا فيه حكماً ذاتياً لهم لكن المزايدين وغالبيتهم عربٌ من الدول المجاورة رفضوا إستغلال معادلة اللحظة التاريخية في تلك الفترة المبكرة فأضاعوا فرصة ها هي نتائج ضياعها تتجسد الآن حيث ،بعد كفاح بطولي طويل، يحاول المقاومون الفلسطينيون ،الذين أطلقوا شرارة الثورة المسلحة المعاصرة، إنتزاع إثنين وعشرين في المائة ،من وطنهم الذي إستكمل الإسرائيليون إحتلاله في عام 1967، بشق الأنفس.
وهكذا فإننا لو عدنا إلى عام 1994 فإننا نجد أنَّ فرصة تاريخية فعلية قد لاحت لإنهاء تطلعات أصحاب الرؤوس الحامية من الإسرائيليين إلى الضفة الشرقية من نهر الأردن ولإلغاء شعارهم القائل :»للأردن ضفتين.. هذه لنا وتلك أيضاً» وحقيقة أن قمة المقاومة هي أن الأردن قد واجه كل هذه التطلعات بإبرام إتفاقية وداي عربة التي هي معاهدة دولية تعترف بها وتقرها كل دول العالم وأنه بعد ذلك قد تفرغ لإسناد الأشقاء الفلسطينيين الذين كان توقيع هذه الإتفاقية لمصلحتهم بمقدار ما كان مصلحة عليا أردنية وقومية.
والآن وبينما الوضع العربي والدولي أيضاً هو هذا الوضع فإنَّ قمة وذروة المقاومة هي إنتزاع الأرض التي أحتلت في عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية (العربية) وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها وهنا وحتى يدرك «المزايدون» ومعهم طيبو القلوب كم أنَّ هذه المفاوضات التي تجري الآن ،برعاية الولايات المتحدة ممثلة بوزير خارجيتها جون كيري، أقسى وأشدَّ من الكفاح المسلح الذي خاضه هؤلاء الذين أطلقوا ثورة المعجزات في عام 1965 وأضاءوا برصاصتهم الأولى ظلاماً دامساً كان غيرهم يستسلمون له وكان هناك مزايدون كثر مثلهم مثل الذين يزايدون الآن على (أبو مازن) ورفاقه وعلى المساندين لهم وفي مقدمتهم هذا البلد المملكة الأردنية الهاشمية.
وربما أن هؤلاء المزايدين ومعهم بعض طيبي القلوب الذين يجهلون حقائق الأمور ولا يدركون :»أنَّ من يده في النار ليس مثل الذي يده في الماء» وأن صاحب القضية الوطنية ليس كأصحاب القضايا الخاصة والمصالح الشخصية.. ربما أن هؤلاء لا يعرفون كمْ أنه إنتصار تاريخي أنْ تُنْتزع الأرض التي أحتلت في عام 1967 من بين أشداق غلاة الإسرائيليين ،الذين كانوا قبل إتفاقية وادي عربة يتطلعون أيضاً نحو الشرق عبر نهر الأردن، وكمْ أنه ذروة المقاومة وأنه إنتصار تاريخي أن تقوم دولة مستقلة فوق هذه الأرض للشعب الفلسطيني الذي ،قبل ثورة عام 1965 كان يخيم عليه اليأس والإحباط وكان في حقيقة الأمر بلا هوية وطنية.. وكان يخشى الإعلان عن «فلسطينيته» على معابر حدود الدول العربية وغير الدول العربية.
استراتيجية الإستئصال
افتتاحية الخليج الإماراتية
كلّما أبدى الفلسطينيون ليناً من أجل الوصول إلى التسوية التي تحقق لهم أدنى متطلبات العيش في دولة خاصة بهم، صعّدت القيادة "الإسرائيلية" من مطالبها من أجل المضي في عملية التسوية . وآخر التقليعات الخاصة بنتنياهو مطالبته ليس فقط بالاعتراف بيهودية الدولة، أو الاعتراف بالقدس عاصمة فقط للكيان الصهيوني، وإنما أيضاً أن يلغي الفلسطينيون ذاكرتهم، وأن يستبدلوها بالذاكرة اليهودية .
فهو لا يميز بين الواقع التاريخي، وبين عملية التنازل التي توصل إلى تسوية . فالتسوية عنده ليست فقط بأن يقول الفلسطينيون بأنهم يقبلون بالتنازل عن بعض حقوقهم مقابل الحصول على الحقوق الأخرى، وإنما أيضاً بالاعتراف بأن هذه الحقوق المتنازل عنها لم تكن في يوم من الأيام لهم . بهذه الطريقة تصبح الضحية التي استلبت حقوقها غاصبة لحقوق الجاني . قد يرى البعض في هذا نوعاً من الوقاحة في المفاوضات، ولكنها في حقيقة الأمر نوع من الوقاحة المغروسة في القناعات .
فنتنياهو بهذه المطالب يعرض الرواية الصهيونية بكل بشاعتها ووقاحتها على الملأ . وقد يظن البعض الآخر أنه يريد بذلك إجهاض المفاوضات، وهو أمر صحيح جزئياً . فهو لا يريد المفاوضات إن لم تحقق في نهاية المطاف الاعتراف بمطالبه، وهو يريدها إن أدت إلى الاستسلام . وهو كمفاوض يعرف أنه يسجل نصراً في المفاوضات كلّما أخذ تنازلاً حتى ولو لم يؤد ذلك إلى تسوية نهائية . لأن التنازل الذي يحصل عليه سيكون في النهاية نقطة البداية لأية مفاوضات جديدة .
وما يجري حقيقة يخدم الجانب "الإسرائيلي" ولا يخدم الجانب الفلسطيني . والسبب في ذلك يعود إلى التناقض في إدراك الجانبين لمفهوم المفاوضات . فالجانب الفلسطيني يرى في المفاوضات آلية للوصول إلى تسوية تضمن الحد الأدنى من الحقوق، بينما يرى الجانب "الإسرائيلي" في المفاوضات آلية للوصول إلى أقرب نقطة من مشروعه . الفرق بين الأمرين أن الفلسطينيين يريدون من المفاوضات أن تحقق لهم مطالبهم، بينما يريد "الإسرائيليون" أن تمكنهم من بناء الوقائع التي ستقود في النهاية إلى النقطة الأقرب من مشروعهم الصهيوني التي يصبح من المستحيل تغييرها . فالمفاوضات في هذه الحالة تأكل من المطالب الدنيا للفلسطينيين وتجعل المطمح في إقامة دولة قابلة للعيش أمراً مستحيلاً .
وفي هذه الصورة يقف الوسيط النزيه مسهلاً قيام المشروع الصهيوني، بالزعم أنه غاضب على نتنياهو، وفي الوقت نفسه ضاغطاً على الطرف الفلسطيني حتى يبقى مواصلاً القيام بالدور الذي يشي للعالم بأن كل شيء على ما يرام .
الموضوع بات يحتاج إلى انقلاب جدي لدى الفلسطينيين في الرؤية والمفاهيم .
محنة الرئيس
عريب الرنتاوي-الدستور الأردنية
كمناضل في صفوف فتح والمنظمة، عايش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مختلف الأزمات والمنعطفات التي جابهتها الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها قبل نصرف قرن... وكرئيس للسلطة والشعب و”الدولة”، واجه أبو مازن المحن والأزمات، من عدوانات إسرائيل وجرافاتها إلى مفاوضاتها، ومن “جولدستون” حتى تجربة الانقسام الأخطر في الشعب والجغرافيا والمؤسسات ... بيد أن عباس لم يواجه أبداً “محنة” كالتي تنتظره “الآن وهنا”، تحت مسمى مشروع جون كيري.
هي لحظة الحقيقة والقرار ... إما “مسايرة” جون كيري والقبول بصفقة مُذلة، لا مطرح فيها لحقوق شعبنا الفلسطيني الثابتة وتطلعاته الوطنية المشروعة، وإما “المقامرة” برفضها وفتح كل الأبواب والنوافذ أمام الجحيم ... ولا شك أن وفاة قاتل عرفات قبل أيام، أعادت شريط الأحداث سريعاً أمام ناظري الرئيس ... لا شك أنه يعرف ما ينتظره، ويعرف جيداً أن بندول الساعة يتراقص سريعاً، وأن لحظة النطق بالموقف التاريخي قد أزفت.
لا نعترف بيهودية إسرائيل ولا نقبلها، هكذا قال ... ولا نقبل بغير القدس الشرقية عاصمة لدولتنا الفلسطينية المستقلة، هكذا صرّح ... ما يعني أن الرجل يقترب من حسم اختياره واتخاذ قراره، وليكن من بعد ذلك ما يكون.
لا شيء يدعو للأمل والتفاؤل في مهمة كيري ... الرجل صمم أفكاره على مقاس أفيغدور ليبرمان، الذي قال مستهجناً بعض الأصوات في حزبه وائتلافه: أن أفكار إسرائيل هي الأنسب لإسرائيل ... لا سيادة للدولة المنتظرة، ولا انسحاب إلى حدود الرابع من حزيران، ولا تماثل أو تساوي عند تبادل الأراضي ... لا قدس شرقية عاصمة لفلسطين، بعد أن “لحظت أفكاره تطلعات الفلسطينيين لعاصمة لها في القدس” ... لا عودة للاجئين، وليذهبوا إلى جحيم شتات جديد، ويفضل ان يكون قصياً، في أستراليا وأكنافها ... حرام على البلابل الفلسطينية الدوح في غور الأردن وباحات الأقصى والمقدسات، حلال للطير من كل جنس... وقبل هذا وذاك، وفوق هذه وتلك، يُطالعنا بـ “يهودية الدولة” التي هي بمثابة احتلال إسرائيلي ثانٍ، ولكن للعقل والذاكرة و”السرد” و”الرواية” الفلسطينية هذه المرة.
إن قبل الرئيس محمود بهذه المقترحات، قامر بغضب الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات عليه ... وسيكون قد أنهى رحلة كفاحه وكفاح شعبه بأسوأ العواقب وأوخمها ... يكون، وهو الذي بلغ الثمانين من عمره إلا قليلا، قد وضع “إرثه” الشخصي والسياسي والتاريخي تحت قدمي الوزير الأمريكي ... ونربأ بالرجل بشخصه وما يمثل ومن يمثل أن يفعل ذلك.
وإن “جازف” برفض هذه الأفكار، سيصبح رجلاً ليس ذي صلة، وستكثر الخناجر التي ستُستل من أغمادها لزرعها في ظهره وخاصرتيه، من الأشقاء قبل الأعداء ومن الدوائر القريبة قبل الدوائر البعيدة، وليس مستبعداً أن يواجه الرجل مصير سلفه الراحل ياسر عرفات، وأن تقيد قضية شهادته ضد مجهول ... أليست هذه هي سيرة الذاتية لكل الكبار من قادة شعب فلسطين؟!
هي لحظة تاريخية بامتياز، فيها تتكشف معادن الرجال والقادة، وهي تختصر سير رجل ومسيرة ثورة وحركة وطنية ... هل تذكرون عبارة ياسر عرفات: شهيداً ... شهيداً ... شهيداً، التي صاح بها من تحت الحصار والدمار، لتجب ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولتنقش اسمه على لائحة الرجال العظام ... أحسب أن لحظة تاريخية لا تقل أهمية وخطورة، تنتظر الشعب الفلسطيني وقيادته، تنتظر الرئيس عباس.
هي لحظة المفاضلة التاريخية بين حسابات الشعب والوطن من جهة ومصائر الأفراد، أياً كان دورهم في صنع التاريخ من جهة ثانية ... ونحسب أن الرئيس عباس سينحاز لشعبه وحقوق وحريته وكرامته واستقلاله الوطني ... نحسب أن “أبو مازن” سيلوذ بشعبه وحركته الوطنية، نحسب أن الرئيس لن يُتم عامه الثمانين، قبل أن يستعيد رايات الوحدة والمصالحة، ويسلمها عزيزة وخفاقة للأجيال القادمة من مناضلي فلسطين وحركتها الوطنية ومقاومتها الشعبية، فمن الأفضل لنا ولقضيتنا ولشعبنا، أن نُبقي صفحة هذا الصراع مفتوحة، على أن نغلقها على هذا النحو المهين والمشين ... من الأفضل لشعبنا أن يبقى تحت الاحتلال وفي الشتات، من أن يسلم “ضميره” و”ذاكرته” وأرضه وحقوقه وكرامته على طبق من فضة لنتنياهو وليبرمان وجون كيري.
غيبوبة ‘السيد اسرائيل’ ويقظة العرب!
رأي القدس العربي
يتشارك الاسرائيليون والعرب، كل بطريقته الخاصة، إرث ارئيل شارون، ورغم النزاع الوجودي بين الطرفين فليست حكاية ‘السيد اسرائيل’ (كما سمّاه رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود اولمرت) أو سفّاح ‘صبرا وشاتيلا’ و’قبيّة’ (كما يتذكّره الفلسطينيون والعرب) انتصارات خالصة لاسرائيل وهزائم متكرّرة للعرب والفلسطينيين، فهذا غير صحيح تاريخياً وغير ممكن بحسب منطق الاشياء والطبيعة.
فالتاريخ نفسه الذي صنع اسم ‘ملك اسرائيل’ في حروب 1948 و1967 و1973 و1982 هو الذي أصابه برصاص المقاومين الفلسطينيين لاحتلال أراضيهم عام 1984 التي شقّت بطنه، وأخرجه مدحوراً عام 2000 من لبنان، وأثار ضدّ غطرسته انتفاضة الأقصى عام 2000 التي خلّفت آلافاً من الضحايا الفلسطينيين لكنها أيضاً كلّفت الجيش الاسرائيلي 334 جندياً (بينهم 58 جندياً قتلوا في معركة مخيم جنين وحدها) وقتلت 735 مستوطناً، ولم يمض على إشراف شارون الانتقاميّ على حصار وإذلال ياسر عرفات ثم تسميمه الذي أدى الى وفاته عام 2004 عامان حتى دخل هو أيضاً غيبوبة لثماني سنوات، كانت أجلى تعبير عن مكر التاريخ وانتقامه من انتصارات الجنرال الوحشيّة على أعدائه: نحن!
حكاية شارون، تلخّص حكاية اسرائيل نفسها وحكاية المقاومة الفلسطينية العربية المستمرة ضدّ آخر مشاريع الاستعمار الاستيطانية العنصرية الباقية على وجه الأرض.
ترافقت لحظة غيبوبة شارون عام 2006 مع دخول النزاع الفلسطيني الاسرائيلي طوراً جديداً، استنفدت فيه اسرائيل، ومن ورائها حلفاؤها الغربيون، مشروعها التوسّعي، فانكفأت الى فكرة حارة اليهود (الغيتو) القديمة مع نصبها جدارها العازل، وصولاً، بعد ذلك، إلى تطرّفها الجنونيّ، مع مشروع ‘الدولة اليهودية’ النقيّة الصافية من الأغيار الفلسطينيين، وهي الفكرة العنصريّة الأقصى التي ستصل، هي أيضاً، إلى فشلها المطلق، لأنها ضد التاريخ والطبيعة والحياة.
يجدر تأمّل ترافق حدث وفاة شارون السبت الماضي مع مرور قرابة ثلاث سنوات على بدء الثورات العربية التي انطلقت في تونس يوم 17 تشرين الثاني/ ديسمبر وفي مصر 25 كانون الثاني/يناير ثم اليمن في 11 شباط/فبراير وليبيا في 17 شباط/فبراير وسوريا في 15 آذار/مارس، فقد دشّنت الثورات العربية إنهيار النظام العربي القديم معلناً بذلك عن قدرة المجتمعات العربية على التغيير ورغبتها العارمة في الخروج من حالة الخراب والموات والدمار المترافق مع محاولات مستمرّة منذ تأسيس اسرائيل لتأبيد حلف الاستبداد والفساد واستتباعه بالمشروع الاسرائيلي الغربي.
ورغم انشغال الشعوب العربية ونخبها ببناء أركانها السياسية المتهالكة، باعتبارها بوّابة الخروج من الاستبداد والفساد، فإن انطلاقاتها المتقاربة في أرجاء الوطن العربي الكبير دليل كاشف على ترابط الشؤون العربية وتداخلها، وفي صلب ذلك، بالتأكيد، تنبض، بهدوء، الاجابة على السؤال الكبير الذي أرق النخبة السياسية العربية: فلسطين.
واجهت الثورات العربية أحلاف الماضي السياسية القارّة والمترابطة المصالح، دولياً وإقليمياً وداخلياً، وفي مواجهتها للثورات استخدم شركاء مصالح وامتيازات الماضي كل عدّة الأيديولوجيا المهترئة بما في ذلك مزاعم الدفاع عن فلسطين، وشارك في ذلك، للأسف، بعض أعلام السياسة الفلسطينية أنفسهم الذين هاجموا الثورات وساهموا بذلك في دعم آلة الطغيان الكاسرة ضد شعوبها الثائرة.
تعاني الثورات العربية مشاكل عضويّة جسيمة، فطول العهدة بالاستبداد، وتداخلات المال السياسي العربي، وضغوط اسرائيل، وتورّط القوى الإقليمية (ايران وحزب الله و’القاعدة’ وبناتها) تحاول جميعها تأجيل حركة التاريخ الطبيعية، لكن هذه الثورات، بفكّها عرى العلاقة المكينة بين أنظمة الاستبداد والدكتاتورية مع مشروعي (اسرائيل امريكا) و(ايران روسيا) للتحكم بالمنطقة العربية هي الإجابة الحقيقية للشعوب العربية على التحدّي التاريخي الهائل القائم. كان شارون، بالنسبة إلينا كعرب وفلسطينيين (العرب كلّهم فلسطينيون بالمعنى العميق لهويّة الضحيّة) هو آلة الموت المشتغلة ضدّنا، والتهام هذه الآلة لأحد مشغّليها الأساسيين ليس فعلاً طبيعياً فحسب بل يحملُ، معنى سياسياً عميقاً.
انتفاضات فلسطين ضد اسرائيل وجنرالها المدلّل كانت مقدّمات لصعود انتفاضة العرب الكبرى ضد جنرالات الدكتاتورية والاستبداد والفساد، وغيبوبة (ثم موت) شارون بالنتيجة معادل رمزيّ لاستعادة العرب شروط عودتهم الى التاريخ وانتصارهم على كل تمثّلات ‘السيّد اسرائيل’ الناطقة بالعربيّة.
مات شارون وبقي مشروعه
أمجد عرار-الخليج الإماراتية
هناك من وصف موت أرييل شارون ب "اللحظة التاريخية" . طبعاً هذا التوصيف أصيب بالدوخة الأبدية لكثرة ما تكرر ذكره على ألسن عربية تستسهل تنميق المصطلحات . أعني أن وفاة شارون مريضاً في فراشه نتيجة طبيعية يمكن أن تحصل مع أي شخص سواء أكان مناضلاً أم مجرماً . أحد المثقفين يقترح تحويل يوم موت شارون إلى ذكرى سنوية يحتفل بها الفلسطينيون والعرب . ربما كان هذا بدافع الانفعال اللحظي والعاطفي المستند إلى تاريخ دموي لهذا القيادي الصهيوني والعدو الذي لم يغيّر قناعاته إزاء قضية مخترعة، فيما هناك من العرب من انقلب على قضية عادلة .
في التوصيف السياسي والإنساني والأخلاقي، شارون مجرم ومرتكب مجازر عديدة، وهو يمثّل حركة ساهم في تأسيسها وتنفيذ أيديولوجيتها على أرض فلسطين، سواء من موقعه في العصابات الأولى التي تحوّلت إلى جيش، أو من مواقعه السياسية في أكثر من منصب وزاري ثم كرئيس حكومة . إذاً، لو كانت القضية مع شارون صراعاً مع شخص، لجاز لنا أن نحتفي بموته، ولكانت حلّت أصلاً بموت بن غوريون وغولدا مائير وموشي ديان والإسحاقين شامير ورابين . ولو كانت نهايته في سياق اشتباك نضالي، كما حصل للوزير الترانسفيري رحبعام زئيفي، لكان للاحتفاء معنى، لكنّه نفذ ما تبنى من أفكار ومات ميتة عادية كما يموت أي شخص . وإذا كان عانى على فراش المرض، فإن الكثير من الخيّرين يمرضون أيضاً .
ليس في مصلحة صراعنا مع الكيان الصهيوني أن نمسك بتلابيب رمزية ونبني عليها مواقف احتفالية، فهذا لا يؤسس لمشروع نضالي حقيقي يوصل إلى الأهداف . صراعنا مع حركة صهيونية صلبة ومتماسكة وتعرف ما تريد، مدعومة من قوى دولية نافذة وتدير ماكينة إعلامية ناجحة، حققت نجاحات مبهرة في اختراق الوعي العربي وزرع الشارع العربي ببذور الفتن والصراعات، كما نجحت في إيجاد شريحة عربية واسعة نسبياً من السياسيين والأكاديميين والمثقفين والإعلاميين، تساعدها على تحقيق أهدافها، وبخاصة الآن حيث تحرف وجهة الصراع بعيداً عن هذا الكيان، وجعلت البوصلة لا تشير إلى القدس وفلسطين، والرصاص ينطلق من سلاح العربي إلى صدر العربي، ومن سلاح المسلم إلى صدر المسلم، و"إسرائيل" تمن علينا ب "علاج الجريح" .
شارون ساهم في إنشاء الكيان على أرض فلسطين، وحارب وقصف وأجرم واحتل وبنى مستوطنات ونفذ مجازر، مثل قبية وصبرا وشاتيلا . بدلاً من أن نطلق رصاص الفرح وتعبيراته علينا أن نسأل كيف نواجه المشروع المستمر بعد شارون، كما استمر بعد هيرتزل وبن غوريون . بدلاً من أن نتلهى بعد أن مات من دون تدخّلنا، يجب أن نبحث في ذواتنا عن العوامل التي ساعدت مشروع شارون على الاستمرار والتقدم والتوسع والتمدّد تحت أقدامنا . علينا أن نبحث في أوساطنا عن أولئك الذين يحملون ملامح عربية وأفكاراً شارونية . ينبغي لنا، احتراماً للجدية والموضوعية وصلب القضايا، أن نبذل الجهود في توحيد الفلسطينيين وإنهاء انقسامهم، وفي البحث عن وسائل لوقف الانتحار الذاتي لأمة كاملة مصممة على الخروج من التاريخ والجغرافيا . إذا نظرنا إلى أوساطنا وحدّقنا في شاشاتنا، ونحن نقرأ خبر موت شارون، سنتأكد أن "اللي خلّف ما مات" .
سيأتي البطل ولكن... متى؟
محمد صلاح- الحياة اللندنية
يبدو الاعتقاد راسخاً في مصر أن وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وأن فرصه في الفوز هي الأوفر بالنظر إلى الشعبية الجارفة التي يحظى بها، وبغض النظر عن الجدل حول المسألة، والأسباب التي يطرحها معارضو ترشحه، وكلها معروفة وصادرة غالباً عن منافسيه المحتملين، أو من القوى التي أضيرت بفعل انحيازه للشعب في 30 حزيران (يونيو) الماضي، وبغض النظر أيضاً عن سلوك «المطبلاتية» ورجال كل نظام الذين يحجزون لهم أماكن في النظام المقبل بالترويج لمسألة ترشح السيسي، إلا أن شعبية الرجل والآمال المنعقدة عليه أمر لا يمكن إخفاؤه أو التقليل منه، ففارق كبير بين مشاعر المواطنين وأهداف المنتفعين، لكن رغم الإيحاءات والتوقعات والدعوات التي تطالب «البطل» بأن ينزل إلى الساحة فإن الرجل لم يحسم بشكل قاطع تلك التوقعات، وبقى على موقفه من دون أن يندفع مبكراً ليعلن أنه بالفعل سيترشح.
يقولون أحياناً إن التاريخ يعيد نفسه حينما يشيرون إلى تكرار حوادث أو وقائع أو تصرفات رغم البعد الزمني، وربما الجغرافي أيضاً، بينهما، لكن الحقيقة أن التاريخ مسار زمني لا يعود إلى الخلف، ولا يكرر نفسه، ربما تتكرر أثناء سيره التصرفات أو الأخطاء نفسها من صانعيه فتكون النتائج واحدة، فيعتقدون أن التاريخ عاد إلى الوراء، أو كرر نفسه، أو أعاد الأحداث مجدداً. خذ مثلاً عند الإشارة إلى الأخطاء التي وقعت فيها جماعة «الإخوان المسلمين» أثناء وبعد عزل الدكتور محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، يذكرونك بما جرى العام 1954 والخلافات ثم الصدامات التي وقعت طوال العهد الناصري، رغم أن السيسي ليس عبد الناصر، ومحمد بديع ليس حسن الهضيبي، والظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي جرت فيها ثورة 30 حزيران (يونيو) ليست هي التي كانت حينما تفجرت ثورة تموز (يوليو) 1952. والواقع أن «الإخوان» لم يكرروا أخطاءهم فقط بل زادوا عليها باللجوء إلى العنف المنظم، والتحالف مع جماعات أصولية راديكالية، والمضي في طريق الصدام والمواجهة إلى النهاية من دون أن يصدر من داخلهم صوت واحد يطلق صيحة تحذير أو اعتراض، فتكون النتيجة الطبيعية عقاباً وإقصاءً وإبعاداً، ليس من النظام الحاكم فقط، وإنما هذه المرة من فئات الشعب أيضاً. الحال نفسه ينطبق على القوى التي اصطلح على توصيفها بـ «القوى الثورية»، إذ وقعت في أخطاء فادحة، واستمرت منذ كانون الثاني (يناير) 2011 على النهج نفسه من دون أن تدرك أنها ستذهب إلى خارج السياق، وأنها تُفشل بتصرفاتها الثورة، وتكره الناس فيها، وتمضي بالبلاد إلى طريق يؤدي إلى انهيار مؤسساتها وليس إصلاحها، وأن جموع الشعب التي خرجت في ثورة للإطاحة بمبارك لم يكن هدفها هدم الدولة أو بيعها، أو إخضاعها لدولة أخرى أو جماعة أو تنظيم أو بضعة ناشطين! صحيح لم يكن هناك قوى ثورية حقيقية أعقبت ثورة تموز (يوليو) إلا الجيش، لكن في التاريخ كانت هناك تجارب ثورات، بداية من الثورة الفرنسية وما جرى للذين أطلقوها، ومروراً بسقوط المعسكر الشرقي، ونهاية بما حدث في أوكرانيا، لكن ناشطينا اختاروا الفشل.
عودة إلى السيسي، الذي صار بطلاً شعبياً يناديه الناس، هل يكرر تجربة عبدالناصر؟ أو قل هل ستمكنه الظروف والأجواء المحيطة من أن يستغل هذه الشعبية الجارفة، إذا صار رئيساً، في تفادي أخطاء تجربة عبد الناصر؟ هل الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الموعد المناسب للبطل كي ينتقل إلى موقع الرئاسة؟ في كل الأحوال إذا أمد الله في عمره فإن البطل سيأتي ولكن متى وكيف؟ هل نضجت ثمرة الثورة ومعها المجتمع المصري كي يأتي البطل في الأوان؟ إنها بعض الأسئلة التي عليه أن يسألها لنفسه، وليس لغيره، ويجيب عنها، ثم يتخذ قراره. كل المؤشرات تؤكد أنه إذا خاض الانتخابات سيفوز باكتساح، وسيتخطى أي منافسة، وسيصبح مسؤولاً عن تلبية مطالب وطموحات من انتخبوه، ومواجهة من عارضوه، وإعادة بناء مؤسسات الدولة المتهالكة. متى الموعد الأنسب لوصول البطل؟ الانتخابات الرئاسية المقبلة أم التي تليها؟ أغلبهم يتوقعون قراراً منه بعد الاستفتاء بالترشح، لكنه بطل شعبي، فسيدرس وسيبحث وسيحدد متى موعد وصوله. ومن بين سمات كل بطل أنه دائماً يفجر مفاجآت... الطبيعي والمتوقع والعادي أن يخوض السيسي الانتخابات الرئاسية المقبلة... لكن تبقى للبطل مفاجآته!
طريق الاستفتاء .. إلى الإنقاذ أو الانهيار
جمال سلطان-المصريون
التصريحات العسكرية والأمنية التي أطلقت عن عملية تأمين وإدارة الاستفتاء المقبل تكشف عن أن مصر مقبلة على حرب وليس عرسا ديمقراطيا كما هو المعروف في الدول الحديثة ، فنشر صور الاستعدادات القتالية للضباط والجنود والمدرعات والمركبات والمقاتلون بالثياب الحمراء الغربية والحديث عن التضحية والفداء والإصرار على المواجهة أيا كانت التكاليف والتضحيات ، هي لغة حرب ، ولا يمكن أن تكون مؤشرا على أن البلد تمضي في طريق ديمقراطي أو بناء دولة حديثة بالفعل ، وهذا ما يقلق من توابع الاستفتاء أكثر من الاستفتاء نفسه ، وإن كانت هذه اللغة تفيد أن هناك مستويات عالية من العنف من المتوقع حدوثها مصاحبة لعملية الاستفتاء، ومن وجهة نظري أعتقد أنها مبالغات وعمل دعائي أكثر منه حقيقة واقعية ، ولكن ربما كان لدى الأجهزة معلومات استثنائية، هذا ما ستكشف عنه وقائع يومي الرابع عشر والخامس عشر من الشهر الجاري، غير أني أعتقد أن الاستفتاء سيمر ، وأي رصد للواقع الحالي مضافا إليه معالم التصويت التي ظهرت في السفارات للمصريين في الخارج تعطي انطباعا واضحا عن أن نسبة التصويت لن تكون كبيرة ، الموافقة بطبيعة الحال ستكون كبيرة ، لأن كل المعارضين أو الرافضين سيقاطعون من حيث الأساس ، ولكن نسبة المشاركة في التصويت في حد ذاتها من الواضح أنها ستكون ضعيفة ، وأعتقد أن هذا ما أقلق الفريق عبد الفتاح السيسي وجعله يدعو للاجتماع التثقيفي بشكل عاجل وظهوره المفاجئ بدون إعلان مسبق وإلقائه كلمة كان جوهرها القلق من ضعف التصويت باعتبار أن ذلك سيحرج 30 يونيو كما قال الرجل بنفسه في كلمته ومناشدته للمرأة والأسرة والكبار والصغار بالحشد على أبواب اللجان .
أيا كانت النتيجة وأيا كانت النسبة التي ستكشف عنها عملية التصويت، إلا أن عملية إنجاز الدستور الجديد والاستفتاء عليه ستكون نقطة فاصلة في مستقبل مصر ، الدولة والمجتمع والديمقراطية وحتى الجيش وأجهزته، إما أن تنفتح على مستقبل جديد أكثر تفاؤلا وتسامحا وقدرة على بناء الدولة وإنقاذها وتوحدها، وإما أن تدخل في مغارة الخوف والقلق والدم والانهيار المتلاحق ، لا أعرف كيف يفكر الفريق السيسي وعشيرته الآن ، ولكني قلق من تصور أن الأولوية هي رئاسة الجمهورية وحسم المنصب ، هذا يعني ـ في تقديري ـ أن هناك غيابا مقلقا لإدراك حجم الخطر الذي تواجهه البلاد الآن وفي المستقبل القريب ، فلا رئاسة جمهورية ولا برلمان ولا دستور ولا حكومة ولا قوانين ولا أي شيء يمكنه أن ينتشل البلاد من الفوضى والانهيار والدم والأفق المسدود، فقط العقل السياسي الرشيد والمركب والقادر على إدارة الحوار بشكل حقيقي وجاد وذكي من أجل تفكيك أجواء الاحتقان والكراهية في مصر ووقف حالة الانقسام المجتمعي والشعبي المروعة وغير المسبوقة في تاريخ مصر، فقط هذا الجهد وتلك الخطوة هي التي تفتح الآفاق نحو إنقاذ الوطن وتدشين مرحلة البناء العاجل . أعرف أن هناك محرضين يوسوسون للفريق وللجيش وأجهزته بتجاهل فكرة الحوار من أساسها ، ويحرضونهم على مزيد من الدم والعنف، لأنهم تجار حرب ، وقيمتهم ومكانتهم وأرباحهم مرتهنة باستمرار تلك الحرب وانتشار رائحة الدم والكراهية في عموم البلاد، وهم طفيليات فاسدة لن يقدم أحدهم جنيها واحدا لبناء مصر ولن يقدم قطرة دم واحدة من نفسه أو أولاده ، ولكنه يتاجر بدماء الجنود والضباط والشعب ويحتمي خلفها ، ويعرف كيف تتحول عنده إلى مكاسب ومزايا ونفوذ ووجاهة اجتماعية وفضائية وسياسية.
يا سيادة الفريق ، أمامك الاختياران الآن ، وأمامك الفرصة التي يمكن أن يوفرها الاستفتاء بتدشينه شرعية جديدة ولو مجروحة ، وأخشى أننا لو خسرنا هذه الفرصة وتعالينا عليها، واستمعنا لمشورة أهل السوء والفلول والمرتزقة ، يضيع منا المستقبل ، ونبحث عن استعادتها بلا أمل ، لأن الوقت يكون قد فات والمسافات بعدت كثيرا .