Haneen
2014-02-23, 10:24 AM
اقلام عربي 596
14/1/2014
في هـــذا الملف:
جذور “الدولة اليهودية”
راي دار الخليج
المصالحة متطلب أساسي لما بعد المفاوضات
طلال عوكل- البيان
لماذا تعثرت الثورة الفلسطينية؟
رادي دار الخليج
جنيف2- لا تتفاءلوا !
صالح القلاب- الدستور
. مأساة مخيم اليرموك
رأي البيان
غيبوبة ‘السيد اسرائيل’ ويقظة العرب!
رأي القدس
خطة أمريكية تفوح منها رائحة عنصرية
علي القزق
شارون أو ماضي الإجــرام الذي لا يمضي
مالك التريكي- القدس العربي
عزيزة يا مصر
ناصر مهنا اليحيوي- عكاظ
الأردن: ‘تسعيرة’ مبكرة لتعويض اللاجئين الفلسطينيين ونقاش خلف الكواليس بالدولارات
بسام البدارين- القدس العربي
جذور “الدولة اليهودية”
راي دار الخليج
عند الكلام الجدّي عن "الدولة اليهودية" المتعاظم فوق شفاه الدول العظمى، تتراجع السياسات الثورية العربيّة بيومياتها القشيبة، وتنبسط أمامك خلاصات 26 قرناً من الجهد اليهودي الدائم الذي لم ينضب منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتّى اليوم أي منذ السبي وبعده . يدأب اليهود تنقية تاريخهم من كلّ ما يلحق به من موجات وتيّارات فكرية جديدة طارئة، ويجهدون إلى زعزعة تلك الحضارات والأفكار الأخرى وتدميرها أو تتفيهها وتفريغها من معانيها وتأثيراتها . واستمرّ الفكر الديني اليهودي بالمهمّة التاريخية التي تفرض عليهم وجوب التفسير لشريعتهم وعدم التوفيق بينها وبين الأعراف والتقاليد والعادات الداخلية والدخيلة . فالعقيدة الراسخة لديهم هي كلمة الله الأولى التي في أذن موسى تتّسع للكلام كلّه، ولا يحفظ نقاوتها الأولى سوى الانتباه واليقظة الدائمة بأنّ لكلّ كلمةٍ سبعين وجهاً من الوجوه أي ما يتجاوز عدد الأسباط لديهم . ومعضلة الأسباط بقيت مرّة تحت ألسنتهم في التاريخ حتّى تحويلها إلى الشعوب والحضارات الأخرى . هكذا تكثّفت لديهم الأدبيات والنصوص والدراسات والتعاليم التوراتية جيلاً بعد جيل، ونجد ملامحها في ميادين التاريخ والفلسفة والاجتماع والعلوم والاقتصاد والسياسة وغيرها من الأنشطة العقلية للحفاظ على جوهر الدين النقي . تستلهم عيون اليهود عزرا الكاتب اليهودي العائد بعد سبيه من أرض بابل في العام 444 ق .م . عندما وضع التوراة بشكلها النهائي الذي قبله اليهود واعتمدوه دستوراً لهم . كان النص عسيراً على فهم العامة، وجاءت الشروح مفعمة بالقصّة والخيال والأساطير التي تروق العاديين وتجذبهم . فالحاخام فوق منصته في السبوت والأعياد والمفسّر الى جانبه يشرح متمكّناً من الأرامية لغة العائدين من السبي، يمتزج واقعهم الشاق بالخيال فيشفّ العذاب وينجلي الإيمان . هكذا تبعث النصوص اليهودية الربّانية القارئ بالذهول والتشويق الذي يوقد العواطف ويشحن الخيال، وهكذا ندرك معنى تزاحم الرواة اليهود لنسج التراث الذي جمع في المدراشيم يحيا عبر أجيالهم منبعاً للفكر العبري والحياة الدينية أكثر ممّا هو سجل لوقائع التاريخ أي تاريخ من سبقوهم في بلاد ما بين النهرين وشبه الجزيرة . ويحمي نواة هذا الخيال العفوي والساذج ما يعرف ب: التلمود مختصراً تراكم الفكر المتعاقب لرجال الدين دارسي التوراة ومفسّريها خلال القرون الخمسة من بدء السنة الميلادية . من يقرأ، مثلاً، قصّة الخلق عند العبرانيين في مراحلها السبع ، يجد نفسه وكأنّه يقرأ ملاحم بابل وأوغاريت، حيث خلق الله "التوراة أوّلاً التي كتبت بنارٍ سوداء على نارٍ بيضاء، ثمّ خلق العرش، فالفردوس، فجهنّم، فالسماء، ثمّ المذبح تحت حرم السماء وفوقه تلمع حبة من الياقوت، وأخيراً الصوت الذي به ينادي على الدنيا" . اللافت في قصّة خلق الأرض أنّ "الله تبارك عمله في نقطة الوسط منها إذ وضع حجر الزاوية للهيكل في "إسرائيل" التي تتوسّط العالم، وفي وسطها مدينة أورشليم ، وفي وسط أورشليم يقوم الهيكل، وعلى حجر الزاوية نقش اسم المخلّص المنتظر بنورٍ مشعٍ ينير العالم" .
وتستمرّ عناصر الجذب في قصص خلق النبات في الفردوس والأرض، أو قصّة خلق حوّاء وآدم وبقيا في سباتٍ عميق حتى فتح آدم عينيه ومال إليها متمتماً" ستكون هذه ناقوسي" . ونستغرق في قصص الحية حاسدة الإنسان على النعيم الذي فيه وعلى منزلته وحوّاء، فكان السقوط في الخطيئة المعروفة، وصولاً الى قصص الطرد ونوح والطوفان وإبراهيم وذرية كنعان بعدما وزّعت الأرض بالقرعة على أبناء نوح الذي اختار جبل لبنان الممتدّ إلى نهر النيل موطناً رائعاً له . وهنا تنكر الأسطورة العبرية على الكنعانيين حقّ السكن في فلسطين ولبنان الذي ذكر وأرزه كثيراً، مع أنّ الكنعانيين كانوا في الجنوب والفينيقيين في الشمال شعباً واحداً أصليين .
الدولة اليهودية هي باختصار طاقة هائلة من الانتماء إلى الفكرة القديمة الحيّة في وجدان اليهود ومحورها "أرض الميعاد" كحقّ تاريخي لهم بأراضٍ بقيت متحولة ورخوة ومطّاطة وتداهمها الحروب اليوم، إلى حدود الخراب الكبير . صحيح أنّه أدب مسكون بنديب طفولة الشعب اليهودي ووعورته في بدائيته الوحدانية الأولى، لكنّه يكشف عن خداع واستغفال نادر في التاريخ يتكرّر مع كلّ حدث .
لماذا هذه المقدّمة الطويلة في القصص اليهودي؟
* أوّلاً: لأنّ الدنيا المغمّسة بالفكر الديني والحروب المذهبية، "اشتعلت" لتصريح محرّف لرأس الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس الأول ينفي فيه وجود جهنم والجنة، ويعتبر كل الأديان صحيحة بينما قصة آدم وحواء هي من الأساطير ولا وجود لمفهوم العقاب عند الله . صحيح أن أوساط الفاتيكان قد أطفأت وهج هذا الاشتعال الذي أدرجه الكثيرون في خانة التجديف le canular عندما أشارت إلى الالتباس في مقالة بعنوان "ثورة فرنسيس . . لقد ألغى الخطيئة رسمياً" نشرها أوجينيو سكالفاري أحد المثقفين الإيطاليين البارزين بعد لقائه البابا فرنسيس، معتمداً على "أسلوب استنتاجي محرّف وغير دقيق نوعاً ما، ذكر فيها أنّ البابا يعتقد أن الخطيئة أو الذنوب غير موجودة، لكنّ البابا قال بالحرف: إنّ رحمة الله ومغفرته أبديّة" . وهنا من المفيد ربّما إيراد ما جاء في التوراة: "يا ربّ العالم . العالم ملك لك تستطيع أن تفعل به ما تشاء، ولكنّ الإنسان الذي ستخلقه واقع في الخطيئة لا محالة، إن كنت لا تعامله بالرحمة والمحبة، فمن الخير له ألاّ يخلق، لأنّك إن عاملته بالعدل هلك"، غير أنّ الله طمأن التوراة بقوله: " . . . إني لن أحكم العالم بالعدل، بل إنّي سأحكمه بالرحمة والمحبة" والمغفرة كما صوّب الفاتيكان .
* ثانياً: للتذكير بالأصابع اليهودية الساهرة قبالة فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وصولاً إلى نهر النيل بهدف نزع ملامح التاريخ القائم فيها ككيانات دينية ودنيوية نزولاً إلى النيل من تاريخ الكنعانيين والفينيقيين السحيق . أين تراث سوريا وبلاد ما بين النهرين وماذا بقي من آثارها على سبيل المثال؟ أين طاقات العرب والمسلمين وما مستقبل فلسطين و"إسرائيل" في منهجيات التاريخ المقارن؟
* ثالثاً: للتذكير أنّ البابا فرنسيس كما أعلن وبعد وقع كلامه المحرّف ، سيقوم بزيارة الأراضي المقدسة 24 و26 مايو/أيار المقبل وتحديداً عمان وبيت لحم والقدس وهي زيارة حج تقليدية يقوم بها باباوات الفاتيكان مرّة واحدة إلى فلسطين . نعم إلى "دولة فلسطين" كما لفظها في فبراير/شباط 2013 وللمرة الأولى شاغل الكرسي الرسولي بعد اعتراف الأمم المتحدة بها كدولة مراقب غير عضو في المنظمة الدولية، ودعا إلى الحوار مع المسلمين، وخلافًا للقانون الكنسي والتقليد قام البابا بغسل الأرجل لاثني عشر شخصًا اثنان منهم مسلمون وتقبيلها . وللتذكير أيضاً أنّ له منذ كان رئيساً للأساقفة، علاقات وثيقة مع اليهود في الأرجنتين، وقد حضر صلوات يهودية في كنيس بيونس آيرس عام 2007 . من المبكر، بالطبع، الكتابة عن تلك الزيارة المنتظرة الحاملة منذ الآن عنواناً لافتاً: "بالمحبّة نواجه التطرّف"، لكنّ الخلفية التي جاء منها ويكشف عنها منذ 13 مارس/آذار ،2012 تضعه مرجعاً بارزاً في التيار الإصلاحي للكنيسة، حيث اختار حياة الزهد ويريد "كنيسة فقيرة، وتدافع عن الفقراء والسلام في عالم تتقاذفه الحروب" .
المصالحة متطلب أساسي لما بعد المفاوضات
طلال عوكل- البيان
المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة ويتجند لها وزير خارجيتها جون كيري، لدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتوقيع اتفاق سلام، تنطوي على إمكانيات التحقق، بغض النظر عن طبيعتها وما إذا كانت تلبي السقوف المتطرفة للسياسة الإسرائيلية، والسقوف المتواضعة للمطالب والحقوق الفلسطينية.
لا يتصل الأمر بما يصدر عن الطرفين الفلسطيني، الذي يواصل شكواه، ويعبر عن حالة من الإحباط، والإسرائيلي، الذي لا يتوقف عن الكلام والعمل على الأرض، بطريقة تتعارض تماماً مع متطلبات تحقيق اتفاق سلام. كيري وحده الذي يتحدث بلغة متفائلة، عن تقدم غير كافٍ تم إحرازه منذ الجولة التاسعة، أي قبل الأخيرة للمنطقة، والوحيد الذي يشيد بشجاعة بنيامين نتانياهو والرئيس محمود عباس، اللذين اتخذا قرارات صعبة، حسب كيري.
ليس ما يقوله كيري هو المؤشر اليتيم على أن المفاوضات تحرز تقدماً، بل إن زياراته للأردن والسعودية تقدم مؤشراً آخر، من حيث أن للأردن علاقة مباشرة بطبيعة مخرجات أي اتفاق، والسعودية هي صاحبة مبادرة السلام العربية، ولكونها الدولة العربية المتعافية التي تحوز إمكانيات التأثير المادي والسياسي والمعنوي، على الطرف الفلسطيني وفي البيئة العربية عموماً.
أكثر من ذلك فإن الأردن شريك فعال في أي تسوية، لا تتوقف شراكته على دعمه للحقوق الفلسطينية، وإنما هو طرف في مسائل الأمن والحدود والمياه والقدس واللاجئين، حيث يحتضن الغالبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.
على أن احتمالات نجاح المسعى الأميركي في دفع الطرفين نحو التوصل إلى اتفاق، لا تستند إلى عوامل تتصل بنضج واستعداد طرفي الصراع لتحقيق سلام، وإنما إلى عوامل خارجية، أهمها توفر الإرادة الأميركية لتحقيق ذلك.
إسرائيل التي تقودها حكومة متطرفة جداً، توصف على أنها حكومة مستوطنين، لا تجد نفسها مضطرة لخوض عملية سلام لا تحقق أطماعها التوسعية ومخططاتها، التي لا تحتمل قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وإنها بما هو عليه حالها وحال المنطقة، تتطلع إلى توسيع نفوذها ومصالحها ودورها في منطقة الشرق الأوسط بكليتها.
على الجانب الآخر، يعاني الفلسطينيون من انقساماتهم ومن ضعفهم ومحدودية خياراتهم، ومن ارتهانهم للوقائع التي خلقتها وكرستها اتفاقية أوسلو، ويعانون أيضاً من انشغال العرب وتشتتهم وضعفهم، ومن ضعف حلفائهم الدوليين، ومن استمرار المخططات الإسرائيلية المكثفة، التي تصادر المزيد من الأرض والمزيد من الحقوق.
الهوة الواسعة بين الأطماع الإسرائيلية والمطالب الفلسطينية، هي المشكلة الكبرى أمام كيري، الذي يسعى لتجاوزها عبر البدء بالقضايا الأسهل، والتدرج نحو القضايا الأصعب، ومن خلال ممارسة الضغط على الطرف الأضعف وهو الفلسطيني، من أجل تقديم تنازلات، وإلا فإن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم بين فكي كماشة قوية، تضعهم أمام خيارين أحلاهما شديد المرارة.
إن وافق الفلسطينيون على اتفاق، سواء كان في شكل اتفاق إطار أو اتفاق دائم، فإنهم سيدفعون أثماناً باهظة قد لا يحتملها الوضع الفلسطيني، وإن رفضوا ذلك فإن عليهم أيضاً أن يتحضروا لضغوط دولية وإقليمية وإسرائيلية هائلة، لا يمكن معها بقاء الحال على حاله.
واقعياً، يمكن أن نتخيل موافقة الطرف الفلسطيني على مسألة التنازل عن بعض الأرض في إطار معادلة تبادلية الأراضي، وأن يوافق أيضاً على حل جزئي ورمزي لقضية حق عودة اللاجئين، وعلى حلول منقوصة لقضية القدس، وأن يقبل ببعض الترتيبات الأمنية التي تنتقص من السيادة..
لكن هل يمكن أن يقبل بشرط الاعتراف بيهودية الدولة؟ المشكلة الأساسية أن شرط الاعتراف بيهودية الدولة، لم يعد شرطاً إسرائيلياً فقط بعد أن تبنته الإدارة الأميركية، ولهذا كانت المفاوضات أساساً بين الفلسطينيين والأميركيين، فيما فقدت أهميتها قناة التفاوض الثنائي المباشر بين الدكتور صائب عريقات ووزيرة العدل تسيبي ليفني.
ونظراً لصعوبة النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها المفاوضات الجارية، سواء في حال تم التوصل إلى اتفاق مهما كانت طبيعته أو في حال الفشل، فإن على القيادة الفلسطينية أن تبادر إلى مصارحة الشعب الفلسطيني بالحقائق، حتى لا تتفاجأ بردود فعل تصعب السيطرة عليها.
والحال أن الظروف قد أصبحت ناضجة إلى حد كبير، لدفع عملية المصالحة الفلسطينية التي ينبغي أن توفر الفرصة والإطار الوطني المناسب، لاستيعاب الاختلافات الفلسطينية وتوفر عنصر قوة للمفاوض الفلسطيني، الذي لا يزال في موقع الدفاع عن النفس إزاء التشكيك الإسرائيلي الذي لا يتوقف، عن سلامة ووحدة وفاعلية التمثيل الفلسطيني.
في ضوء خطابات المصالحة التي تطلقها حركة حماس بين الحين والآخر، والتي تعكس لأسباب كثيرة معروفة مصداقية غير مسبوقة تجاه قضية إنهاء الانقسام، فإن الرئيس محمود عباس مطالب باتخاذ مبادرة، في كل الأحوال لا تتطلب شجاعة بمقدار الشجاعة التي تتطلبها مغامرة اتفاق سلام. وطالما أن إمكانية نجاح كيري واردة، فإن ثمة ما يوفر للرئيس الفلسطيني القدرة على تجاوز الاعتراض الأميركي والإسرائيلي على موضوع المصالحة، واستعادة الوحدة.
إن كانت المصالحة الآن مخرجاً لحركة حماس، فإنها مخرج ومتطلب لحركة فتح والقيادة الفلسطينية، لمواجهة سيناريوهات ما بعد المفاوضات الجارية، إن كانت النتيجة اتفاق سلام، أو انتقال إلى مربع الاشتباك والصراع.
لماذا تعثرت الثورة الفلسطينية؟
رادي دار الخليج
في مطلع هذا الشهر احتفل الفلسطينيون ومعهم أحرار العالم بمرور تسعة وأربعين عاماً على انطلاق الثورة الفلسطينية، التي أشعلت فتيلها حركة فتح بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات . بعد عام من هذا التاريخ سيكون قد مضى على انطلاق الثورة نصف قرن من الزمن، دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها، التي عبر عنها البيان الأول لحركة فتح، التي نشأت في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم . فلماذا لم تتمكن الثورة، بعد مضي هذا الوقت الطويل من تحقيق أهدافها؟
ابتداء يجدر التمييز بين انطلاقة الثورة الفلسطينية، وبين تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية . فالثورة الفلسطينية، هي امتداد للنضال الفلسطيني المسلح، الذي بدأت طلائعه في ثورة عز الدين القسام عام 1936 . وقد توقف هذا الكفاح بعد فشل تلك الثورة . وفي الخمسينات، بدأت محاولات لاستعادة روح الكفاح المسلح، مثلته كتائب أبطال العودة، التي أريد لها أن تكون الذراع العسكرية لحركة القوميين العرب، لكنها لم تعمر طويلاً .
منظمة التحرير الفلسطينية أسست بقرار عربي رسمي في القمة العربية الأولى، التي عقدت بدعوة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، للرد على قيام الكيان الصهيوني بتحويل مياه نهر الأردن من الجليل إلى صحراء النقب . وقد صدر عن هذا المؤتمر ثلاثة قرارات رئيسية، الأول تشكيل قيادة عسكرية عربية موحدة، للرد على التحديات "الإسرائيلية"، ومنعها بالقوة من تنفيذ مشروعها في سرقة مياه النهر . والثاني تحويل مياه النهر في الجزء الشمالي لري مشاريع أردنية جديدة، يتكفل القادة العرب بإنجازها . والثالث تشكيل هيئة تمثل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، وتقود نضاله نحو تحرير أرضه .
المقاربة بين الثورة الفلسطينية التي أطلقتها فتح، وبين منظمة التحرير، توضح أن الأولى هي فعل ذاتي فلسطيني مستقل عن الأنظمة العربية، وأنها الرد الطبيعي على رفض الفلسطينيين في الشتات البقاء في المنافي، وتصميمهم على الكفاح من أجل العودة إلى ديارهم . أما منظمة التحرير فقد منحت شهادة الولادة من قبل القمة العربية عام ،1964 والأهم أن القرار بإطلاق الثورة المسلحة، من دون تهيئة مستلزمات ذلك من قبل فتح، كان لخشيتها من أن تخطف منظمة التحرير الفلسطينية التي أطلقها القادة العرب دورها النضالي . بمعنى آخر، أن انطلاقة فتح العسكرية كانت تحدياً وردة فعل على قرار تأسيس منظمة التحرير .
ولذلك اتسمت علاقة الثورة الفلسطينية بدول المواجهة والأنظمة العربية الأخرى بالتوتر منذ الأيام الأولى لانطلاقتها . وكان ذلك أحد أسباب الفشل الذي منيت به الثورة عبر تاريخها الطويل .
لقد شدد البيان الأول لحركة فتح على أن الثورة المسلحة هي طريق العودة والتحرير، "من أجل أن نثبت للمستعمرين وللصهيونية العالمية أن الشعب الفلسطيني يبقى حياً في مواقعه، وأنه لم يمت ولن يموت" . والبيان هنا يطرح قضيتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالهدف وهو تحرير فلسطين التاريخية، والثاني الوسيلة وهي الكفاح المسلح .
ولم يتحقق الافتراق في الأهداف والوسائل، من الكفاح المسلح، إلى العمل السياسي، ومن التحرير الكامل لفلسطين، إلى دولة في الأراضي التي احتلتها "إسرائيل"، في عدوانها عام ،1967 إلا بعد تولي المقاومة الفلسطينية بزعامة عرفات قيادة منظمة التحرير . سيطرة قيادة المقاومة على منظمة التحرير، التي بدت وكأنها أضافت ثقلاً للمقاومة، حملت في جنباتها بعداً آخر . فحركات المقاومة تسلمت منظمة هي من صنع النظام العربي الرسمي، ومظلتها جامعة الدول العربية . بمعنى أن على المنظمة أن تخضع منذ ذلك التاريخ فصاعداً لموقف دول المواجهة من الصراع مع الصهاينة .
لقد تسلمت المقاومة المنظمة، لكن بشروط الأنظمة العربية الرسمية، بما حتم حدوث التغيير في الأهداف والاستراتيجيات الفلسطينية . ولأن شهادة ميلاد المنظمة هي من صنع دول المواجهة، فإن انتقال المقاومة لها، بشروط صناعها، يعني أن المقاومة ذاتها تحولت إلى امتداد للنظام العربي الرسمي، وأنها سوف تغير استراتيجياتها وأهدافها، وفقاً للموقف العربي السائد تجاه الصراع العربي- الصهيوني .
وقد ساعد على تأكيد هذا الجزء من جدلية الصراع ضد الكيان الغاصب، أن منظمات المقاومة، ظلت تنطلق بعملياتها العسكرية، بشكل رئيسي من الأقطار العربية المحاذية لفلسطين، والتي يناضل معظمها لاستعادة أراض تابعة لها، استولى عليها الكيان الغاصب في حرب حزيران ،1967 وذلك يعني أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ستغير أهدافها عندما تغير الدول المحاذية لفلسطين، التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين وعناصر المقاومة الفلسطينية، والمقرات الرئيسية لمنظمة التحرير، سياساتها واستراتيجياتها من الصراع مع الصهاينة .
ولا جدال، في أن المقاومة الفلسطينية، بعد إجبارها على الخروج من الأردن عام ،1970 ومن لبنان عام ،1982 لم يبق لديها قواعد عسكرية آمنة، في بلدان المواجهة، مما عطل من إمكانية قيامها بعمليات عسكرية مؤثرة ضد الكيان الصهيوني، من الأراضي العربية المجاورة . ولذلك فإن المقاومة التي انخرطت بالجملة في منظمة التحرير الفلسطينية، بالقدر الذي تفشل فيه في تأمين قواعد عسكرية آمنة لعملياتها، بالقدر الذي تغير فيه استراتيجياتها، بما يتماهى مع استراتيجيات الدول العربية، التي قبلت بقراري 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي، للتوصل إلى تسويات سلمية للصراع .
يضاف إلى ذلك، أن المقاومة الفلسطينية عجزت عن تحشيد الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة، نحو هدف التحرير الكامل لفلسطين . ولم يقف الفلسطينيون بالضفة والقطاع مكتوفي الأيدي، بل قاموا بانتفاضات واحتجاجات، تطورت لاحقاً في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، إلى انتفاضة أطفال الحجارة . وقد أجبرت هذه التطورات قيادة عرفات على تغيير استراتيجياتها جملة وتفصيلاً . ولم يعد اللاجئون الفلسطينيون في المنافي، الذين مثلوا العمود الفقري للمقاومة، مركز اهتمام الرئيس عرفات .
لقد انتقل مركز الجاذبية في الكفاح الفلسطيني من الشتات، إلى الضفة الغربية والقطاع . وبذلك تحققت مغادرة نهائية في فكرة قيادة منظمة التحرير إلى التسوية السياسية . وكانت تلك هي المقدمة للدخول في مفاوضات مدريد، ثم مفاوضات أوسلو فقيام السلطة الفلسطينية، منقوصة السيادة بالضفة والقطاع .
وكانت التحولات في مجملها حصيلة خلل في توازن القوى، بين مختلف أطراف الصراع، لصالح الكيان الصهيوني، ولسوف تبقى الأوضاع على ما هي عليه، إلى أن يحدث تغيير في موازين القوى لصالح المشروع القومي، وذلك رهن بالوعي والقدرة والإرادة . والموضوع بحاجة إلى المزيد من التفصيل والتحليل .
جنيف2- لا تتفاءلوا !
صالح القلاب- الدستور
مع أن «أصدقاء الشعب السوري» في إجتماعهم الأخير في باريس قد تبنوا قرار مجلس الأمن الدولي 2118 ،الذي بموافقة روسية وصينية، أكد على ضرورة أن يطبق مؤتمر جنيف2 ،الذي من المفترض أن ينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر، ما تم الإتفاق عليه في جنيف الأولى وهو «إنشاء هيئة حكم إنتقالي في سوريا وبصلاحيات تنفيذية كاملة تمهيداً لإجراء إنتخابات تأخذ البلاد إلى المرحلة الجديدة المنشودة» إلاَّ أنه لابدَّ من الحذر وأنه لابد من عدم التفاؤل أكثر من اللزوم فتعقيدات هذه الأزمة كثيرة جداً وصعبة جداً ولهذا فإنه قد تستمر لثلاث سنوات أخرى جديدة.
إنه لاشك في أنَّ قرارات باريس ،أمس الأول، تعتبر تقدماً كبيراً ونوعياً مقارنة بمواقف الولايات المتحدة السابقة ،التي إتسمت بالميوعة والتردد والضبابية، وهذا ما قد يشجع قوى المعارضة ،بما في ذلك الذين إنسحبوا من إجتماع إسطنبول الأخير، على التخلي عن مخاوفهم السابقة وإتخاذ قرارٍ في إجتماع السابع عشر من هذا الشهر بالذهاب إلى جنيف2 على أساس أنَّ البند الرئيسي على جدول أعماله سيكون إنشاء هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة وعلى أساس أنه بدءاً بتشكيل هذه الهيئة أو هذه الحكومة لن يعُدْ لـ»بشار الأسد» أيّ دور لا في حاضر سوريا ولا مستقبلها.
الآن أصبح هناك إجماع على هذه المسألة الجوهرية من قبل أصدقاء الشعب السوري ،الذين من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وعدد من الدول العربية المعنية، لكن المشكلة تبقى أن الروس لا زالوا على موقفهم السابق وأنهم لازالوا يتمسكون بمنطقهم الأعوج القائل :»أنَّ الأولوية في هذه المرحلة ليس لإقصاء بشار الأسد وإنما لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه».. ولكن المشكلة تبقى أيضاً أنَّ الإيرانيين مصرون على القتال دفاعاً عن هذا النظام حتى النهاية.
ولهذا ،ومع ضرورة أنْ تأخذ المعارضة السورية بكل تياراتها وأطرافها قرارات باريس هذه المشار إليها آنفاً بمنتهى الأهمية والمسؤولية، فإنه يجب عدم إنتظار حلول سريعة فالظاهر أنَّ بشار الأسد ،بدفع من الروس والإيرانيين، سيواصل القتل والتدمير حتى وإن لم يبقَ في سوريا حجر على حجر وحتى ولو أصبح الشعب السوري إمَّا من سكان القبور أو من سكان مخيمات الذل في الدول المجاورة والبعيدة وأيضاً حتى لو تشظى هذا البلد وتحول إلى دويلات طائفية متقاتلة.
إنَّ هذا الموقف الذي إتخذه «أصدقاء الشعب السوري» جيدٌ وضروري وهو قد جاء في اللحظة الحاسمة لكن ونحن نعرف أن طريق جنيـف2 لن تكون لا سالكة ولا آمنة فإنه لابدَّ منْ أن يبادر هؤلاء الأصدقاء كلهم إلى الخروج نهائيـاً من المساحات الرمادية والتخلي عن ترددهم ودعْم المعارضة السورية دعماً حقيقياً إن بالأموال وإن بالأسلحة الضرورية اللازمة في هذ المرحلة وإن بالمواقف السياسـية الواضحة والحاسمة التي قد تصل إلى حـد المواجهة الفعلية مع روسيا التي ثبـت أنَّ هذه الحرب على الجانب الآخر هي حربها وأنه لولاها لما إستطالت هذه الأزمـة كل هذه الفترة ولما وصلت أعداد القتلى إلى كل هذه الأرقام الفلكيـة ولما بلغ عدد اللاجئين والمهجَّرين إلى نحو عشرة ملايين ولما كان هناك كل هذا الدمار والخراب.
لن تكون جنيف2 إلاَّ مجرد محطة على طريق طويل والمؤكد أنَّ لا الروس ولا الإيرانيين ولا بشار الأسد وأخواله وأعمامه ومنْ هُمْ معه من «المؤلفة قلوبهم» سيوافقون على ما تم الإتفاق عليه في جنيف الأولى وأنهم لا يمكن أن يقبلوا بان يبدأ جنيف2 أعماله بـ»إنشاء هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة».. وهذا يتطلب أن تبادر قوى المعارضة السورية إلى توحيد صفوفها والإلتفاف حول برنامج وطني عام وأن يبادر الجيش الحر إلى إحتواء كل هذه المجموعات المقاتلة ويحولها إلى تشكيلات عسكرية تراتبية ترتبط بقيادة واحدة وتعمل وفق خطط تكاملية موحدة.
. مأساة مخيم اليرموك
رأي البيان
مأساة إنسانية يعيشها سكان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة السورية دمشق، آخذة في التفاقم يوماً بعد يوم، حيث تكاد تنعدم المواد الغذائية والاحتياجات الطبية بسبب الحصار المفروض على المخيم منذ نحو سنة، ما يتسبب في ارتفاع حالات الوفاة جوعاً.
ففي «اليرموك»، تجد شهداء دون معارك، في حروب يخوضها من انتزعت إنسانيتهم بحصار الأبرياء، باحثين عن انتصاراتهم على جثث الضحايا، والموت بالجوع أحدث وسائل القتل لديهم، ناهيك عن القنص أو الذبح.
البوابة الشمالية لمخيم اليرموك يسيطر عليها الجيش السوري، وتسانده في ذلك قوات القيادة العامة و«فتح الانتفاضة»، وقوات تابعة للنضال الشعبي المنشقة، بينما تسيطر مجموعات مسلحة فلسطينية أخرى على مساحة واسعة من مخيم اليرموك حتى مقبرة الشهداء.
وهي «كتائب أكناف بيت المقدس» و«لواء العهدة العمرية» و«لواء العاصفة» و«كتيبة الأقصى»، بينما تسيطر «داعش» (الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام)، و«جبهة النصرة» على جنوب مخيم اليرموك وبوابة الحجر الأسود.
ويعيش سكان المخيم بين هذه المجموعات دون أن تكون لهم حرية التنقل والتسوق، ولا حتى الذهاب إلى المستشفيات، وجلب المياه والأدوية، لأن المجموعات المسلحة قامت بتقسيم المخيم إلى قطاعات، كل قطاع تسيطر عليه مجموعة معينة.
لذلك يضطر سكان المخيم لأن يقتاتوا على أوراق الشجر والحشائش والقطط النافقة، في ظل غياب شبه كامل للأدوية وحليب الأطفال وغلاء الأسعار، إذ تجاوز ثمن كيلو الأرز الواحد 40 دولاراً.
وهنالك من يذهب إلى أن فشل المبادرات السياسية في إنهاء أزمة مخيم اليرموك، يعود إلى وجود أطراف تحاول تهجير الفلسطينيين مرة أخرى، وتدفع في اتجاه إفراغ المخيمات لضرب حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
ومهما كانت الأسباب والدوافع، فإن الوضع المأساوي لسكان المخيم لم يعد يحتمل الجدل والمساومات السياسية الرخيصة، ولا بد من الانسحاب الكامل لجميع المسلحين من داخل المخيم، تمهيداً لعودة آمنة لسكانه الذين هجروا منه بسبب الأحداث الدامية، والاستجابة للدعوات الفلسطينية والدولية والعربية لفتح ممرات إنسانية لإغاثة من بقي من سكان المخيم.
غيبوبة ‘السيد اسرائيل’ ويقظة العرب!
رأي القدس
يتشارك الاسرائيليون والعرب، كل بطريقته الخاصة، إرث ارئيل شارون، ورغم النزاع الوجودي بين الطرفين فليست حكاية ‘السيد اسرائيل’ (كما سمّاه رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود اولمرت) أو سفّاح ‘صبرا وشاتيلا’ و’قبيّة’ (كما يتذكّره الفلسطينيون والعرب) انتصارات خالصة لاسرائيل وهزائم متكرّرة للعرب والفلسطينيين، فهذا غير صحيح تاريخياً وغير ممكن بحسب منطق الاشياء والطبيعة.
فالتاريخ نفسه الذي صنع اسم ‘ملك اسرائيل’ في حروب 1948 و1967 و1973 و1982 هو الذي أصابه برصاص المقاومين الفلسطينيين لاحتلال أراضيهم عام 1984 التي شقّت بطنه، وأخرجه مدحوراً عام 2000 من لبنان، وأثار ضدّ غطرسته انتفاضة الأقصى عام 2000 التي خلّفت آلافاً من الضحايا الفلسطينيين لكنها أيضاً كلّفت الجيش الاسرائيلي 334 جندياً (بينهم 58 جندياً قتلوا في معركة مخيم جنين وحدها) وقتلت 735 مستوطناً، ولم يمض على إشراف شارون الانتقاميّ على حصار وإذلال ياسر عرفات ثم تسميمه الذي أدى الى وفاته عام 2004 عامان حتى دخل هو أيضاً غيبوبة لثماني سنوات، كانت أجلى تعبير عن مكر التاريخ وانتقامه من انتصارات الجنرال الوحشيّة على أعدائه: نحن!
حكاية شارون، تلخّص حكاية اسرائيل نفسها وحكاية المقاومة الفلسطينية العربية المستمرة ضدّ آخر مشاريع الاستعمار الاستيطانية العنصرية الباقية على وجه الأرض.
ترافقت لحظة غيبوبة شارون عام 2006 مع دخول النزاع الفلسطيني الاسرائيلي طوراً جديداً، استنفدت فيه اسرائيل، ومن ورائها حلفاؤها الغربيون، مشروعها التوسّعي، فانكفأت الى فكرة حارة اليهود (الغيتو) القديمة مع نصبها جدارها العازل، وصولاً، بعد ذلك، إلى تطرّفها الجنونيّ، مع مشروع ‘الدولة اليهودية’ النقيّة الصافية من الأغيار الفلسطينيين، وهي الفكرة العنصريّة الأقصى التي ستصل، هي أيضاً، إلى فشلها المطلق، لأنها ضد التاريخ والطبيعة والحياة.
يجدر تأمّل ترافق حدث وفاة شارون السبت الماضي مع مرور قرابة ثلاث سنوات على بدء الثورات العربية التي انطلقت في تونس يوم 17 تشرين الثاني/ ديسمبر وفي مصر 25 كانون الثاني/يناير ثم اليمن في 11 شباط/فبراير وليبيا في 17 شباط/فبراير وسوريا في 15 آذار/مارس، فقد دشّنت الثورات العربية إنهيار النظام العربي القديم معلناً بذلك عن قدرة المجتمعات العربية على التغيير ورغبتها العارمة في الخروج من حالة الخراب والموات والدمار المترافق مع محاولات مستمرّة منذ تأسيس اسرائيل لتأبيد حلف الاستبداد والفساد واستتباعه بالمشروع الاسرائيلي الغربي.
ورغم انشغال الشعوب العربية ونخبها ببناء أركانها السياسية المتهالكة، باعتبارها بوّابة الخروج من الاستبداد والفساد، فإن انطلاقاتها المتقاربة في أرجاء الوطن العربي الكبير دليل كاشف على ترابط الشؤون العربية وتداخلها، وفي صلب ذلك، بالتأكيد، تنبض، بهدوء، الاجابة على السؤال الكبير الذي أرق النخبة السياسية العربية: فلسطين.
واجهت الثورات العربية أحلاف الماضي السياسية القارّة والمترابطة المصالح، دولياً وإقليمياً وداخلياً، وفي مواجهتها للثورات استخدم شركاء مصالح وامتيازات الماضي كل عدّة الأيديولوجيا المهترئة بما في ذلك مزاعم الدفاع عن فلسطين، وشارك في ذلك، للأسف، بعض أعلام السياسة الفلسطينية أنفسهم الذين هاجموا الثورات وساهموا بذلك في دعم آلة الطغيان الكاسرة ضد شعوبها الثائرة.
تعاني الثورات العربية مشاكل عضويّة جسيمة، فطول العهدة بالاستبداد، وتداخلات المال السياسي العربي، وضغوط اسرائيل، وتورّط القوى الإقليمية (ايران وحزب الله و’القاعدة’ وبناتها) تحاول جميعها تأجيل حركة التاريخ الطبيعية، لكن هذه الثورات، بفكّها عرى العلاقة المكينة بين أنظمة الاستبداد والدكتاتورية مع مشروعي (اسرائيل امريكا) و(ايران روسيا) للتحكم بالمنطقة العربية هي الإجابة الحقيقية للشعوب العربية على التحدّي التاريخي الهائل القائم. كان شارون، بالنسبة إلينا كعرب وفلسطينيين (العرب كلّهم فلسطينيون بالمعنى العميق لهويّة الضحيّة) هو آلة الموت المشتغلة ضدّنا، والتهام هذه الآلة لأحد مشغّليها الأساسيين ليس فعلاً طبيعياً فحسب بل يحملُ، معنى سياسياً عميقاً.
انتفاضات فلسطين ضد اسرائيل وجنرالها المدلّل كانت مقدّمات لصعود انتفاضة العرب الكبرى ضد جنرالات الدكتاتورية والاستبداد والفساد، وغيبوبة (ثم موت) شارون بالنتيجة معادل رمزيّ لاستعادة العرب شروط عودتهم الى التاريخ وانتصارهم على كل تمثّلات ‘السيّد اسرائيل’ الناطقة بالعربيّة.
خطة أمريكية تفوح منها رائحة عنصرية
علي القزق- القدس العربي
ظهرت في الأيام الأخيرة في الإعلام العربي تساؤلات أثارتها تحركات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة وما يسمى ‘بخطته’ حول تعريف هوية اللاجئ الفلسطيني، والإدعاء بأن من يحمل جنسية دولة أخرى من اللاجئين الفلسطينيين تسقط عنه صفة اللاجئ وحقه في العودة والتعويض.
من المؤسف ان يصل الإستهتار الأمريكي بالعرب وحقوقهم لأن يتجرأ جون كيري بطرح ‘خطة’ تفوح منها رائحة عنصرية مقيتة. فالسيد كيري لا يرفض ‘قانون حق العودة’ العنصري الإسرائيلي الذي يعطي أي يهودي في العالم، فقط لكونه يهودي، حق الهجرة والإستيطان في أراضي وأملاك الفلسطينيين في إسرائيل، ولكنه يحاول منع اللاجئين الفلسطينيين، أصحاب البلد الأصليين، الذين قامت العصابات الإرهابية اليهودية بطردهم من بيوتهم وأملاكهم، من حق عودتهم إلى وطنهم لأنهم يحملون جنسية دولة أخرى. أليس الأحرى بجون كيري أن يرفض هجرة اليهود الذين يحملون جنسيات العالم، بما فيها الجنسية الأمريكية، إلى إسرائيل والسكن ببيوتنا وحقولنا وأملاكنا ومدننا؟
فلماذا مثلاً، أنا اللاجئ الفلسطيني من مواليد حيفا وحامل الجنسية الأسترالية أحرم من حق العودة إلى وطني ومدينتي، واليهودي الأسترالي الذي ولد في أستراليا هو وآباؤه وأجداده يسمح له أن يهاجر إلى إسرائيل ويعيش في مدينتي؟ ولماذا يحرم من يحمل الجنسية الأردنية مثلاً من العودة إلى مدينته التي تبعد عنه بضع كيلومترات ويسمح لليهودي الذي يبعد آلاف الكيلومترات من الهجرة والعيش فيها؟
من نافلة القول أن هذا الطرح والتذاكي الأمريكي/ الإسرائيلي المراوغ مرفوض بشكل مطلق ويجب التصدي له، والتعامل معه بالسخرية والإستهزاء الذي يستحقه لما يمثله من تمادي في إهانة ذكاء العرب والإستهانة بحقوقهم. ولكن من الغريب أن نرى أن بعض المسؤولين العرب ووسائل الإعلام يأخذ هذا الهذيان بشكل جدي ومحاولة إعطائه مصداقية ويتعامل معه وكأنه حقيقة وتحصيل حاصل نازل علينا من السماء لا حول لنا فيه ولا قوة، وكأننا أصبحنا في ورطة وضاعت علينا حقوقنا!!
لذا يستوجب التذكير هنا بحقائق لربما أن تكون غافلة أو نسيت من قبل البعض، وهي أن صفة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض تقوم على أرضية صلبة راسخة في القانون الدولي، وهي مصانة ومضمونة بالشرائع والقوانين الدولية، وليست عرضة لأي تساؤل وتشكيك، إن كان ذلك؛ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، ومبدأ حق تقرير المصير للشعوب على أرضها وفي قرار هيئة الأمم المتحدة المتعلق باللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض رقم 194 الذي عَرَّفَ وحَدَّد من هم اللاجئون الفلسطينيون وذلك بأنهم جميع من طردوا من بيوتهم ووطنهم، وطالب بحقهم في العودة إلى ‘بيوتهم’ والتعويض لهم. كما أن لدى الأونوروا سجلات بمعظم اللاجئين، وهو إعتراف راسخ بأنهم لاجئون، إن كانوا من حملة وثائق سفر أو جوازات سفر وجنسيات أخرى.
كما أن العرب والفلسطينيين أنفسهم يعلمون علم اليقين من هم اللاجئون، وقد حدد ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية من هو الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره على أرضه، حيث جاء فيه ان ‘الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء وأن الإحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وإنتماءه الفلسطيني ولا ينفيانها.’
أضف إلى ذلك أن هناك سوابق عديدة بتحديد من هو اللاجئ بدءً من اليهود أنفسهم لاحقاً للحرب العالمية الثانية في أوروبا، إلى شعوب أخرى مثل لاجئي بوسنيا وتيمور الشرقية وكوسوفو ورواندا وغيرهم، الذين تم حصولهم على حقوقهم كاملة بدعم من المجتمع الدولي في العودة إلى أوطانهم والتعويض. وإن كان تعريف اللاجئ ينطبق على هذه الشعوب فإنه ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين أكثر من أي لاجيء آخر في العالم.
أما بالنسبة إلى حمل اللاجئ الفلسطيني لجواز سفر وجنسية أخرى فهذا لا يسقط بأي شكل من الأشكال صفته كونه لاجئ لأن السبب أصلاً في حمله جنسية أخرى هو بسبب طرده من وطنه وحرمانه من العودة إليه وحمل جنسيته الفلسطينية الشرعية، وحقيقة أن حمل فلسطينيين لجنسيات أخرى لم يكن إختيارا طوعيا كأي من المهاجرين الآخرين، وإنما رغماً عنه. لذلك يجب إعطاء اللاجئين الفلسطينيين من حملة جنسيات أخرى حق الخيار بين العودة إلى بيته ومدينته ووطنه وبين قبوله التعويض والإحتفاظ بالجنسية التي يحملها والدولة التي يعيش فيها إن رغب في ذلك، وهو ما يطالب به قرار هيئة الأمم المتحدة 194 وجميع الشرائع والقرارات الدولية.
إن محاولات التذاكي والبهلوانيات الإسرائيلية والأمريكية للإلتفاف على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض لن تنطوي على احد لا على الشعب الفلسطيني ولا على شعوب العالم ومؤسساته القانونية والإنسانية التي تعتني بحقوق الإنسان. لأنه لن يكون مقبولاً أن يكون هناك قانون ينطبق على جميع الدول والبشر وآخر ينطبق على إسرائيل واليهود.
هل يعتقد جون كيري وكبير مساعديه ومستشاريه مارتن إنديك، الذي يفتخر بدون أي خجل بأنه صهيوني، أن الشعب الفلسطيني والعربي شعب من المغفلين الذين سوف يتنازلون عن حقوقهم الشرعية، وينسون عذابهم وتشردهم عن الوطن لأكثر من 65 عام، لمجرد أن أحدهم جاء بهذا التذاكي الصهيوني؟ يكفي أن يمدح المتطرف العنصري ليبرمان خطة كيري ويصفها بأنها ‘أفضل عرض يمكن لإسرائيل أن تحصل عليه.’ لنعلم من تخدم ولمصلحة من هذه الخطة؟
وهل تناست الزمرة الحاكمة في إسرائيل وخدمتها في البيت الأبيض والكونغرس خبرتهم مع الفلسطينيين والشعب العربي، والثورات العربية، ومئات الشهداء الذين فجروا ثورتهم وقدموا أرواحهم ودماءهم من أجل تحقيق حقهم في العودة والإستقلال وتقرير المصير على أرضهم؟
إن دل طرح جون كيري لهذا الهراء الصهيوني عن شيء فإنما يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست جادة في مساعيها لحل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، وبأنها لم تغير لون جلدتها وإنحيازها الأعمى إلى جانب إسرائيل، وبأن سياستها الشرق أوسطية ليست مستقلة، ولا تقوم المبادئ الأمريكية التي تتغنى بها، ولا على الشرائع والقوانين الدولية وإنما تستمر في تبني سياسة إسرائيل الشرق أوسطية.
ولن نتطرق هنا إلى الثمن الباهظ الذي تدفعه أمريكا لتبنيها السياسة الإسرائيلية الشرق أوسطية، فلا طائل من ذلك، لأنهم أصبحوا عبيداً للوبي الإسرائيلي الذي يسحبهم من رقابهم أينما شاء، وهذا ليس تجني ولا تضخيم، ولكنه حقيقة موثقة بعشرات الكتب أصبحت واضحة للعالم قاطبة. فعلى الولايات المتحدة أن تحرر نفسها من هذا اللوبي لكي تستطيع أن تلعب دورا إيجابيا لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط.
إن من يثير هذا التشكيك بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وكأنه يريد ان يدفع أكثر من عشرة ملايين فلسطيني لتفجير ثورة جديدة تحرق الأخضر واليابس في المنطقة والعالم، والتي سوف تطال الجميع ولن يسلم منها أحد.
شارون أو ماضي الإجــرام الذي لا يمضي
مالك التريكي- القدس العربي
يمثل الصراع عامة، والحروب خاصة، شكلا من أشكال الاحتكاك، بل والتواصل، بين الشعوب والأفراد. ولهذا فإن شخصية أرييل شارون المقيم منذ 2006 في برزخ بين الحياة والممات -ماضيا لا يريد أن يمضي- هي بهذا المعنى جزء موضوعي من التاريخ العربي المعاصر. تماما كما أن الاستعمار، الذي حدد هوية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، هو الآن جزء موضوعي من تاريخ الشعوب العربية والعالم الثالث عموما.
ويجدر التنبيه، بداية، أن صفة ‘مجرم الحرب’ التي تطلق على شارون صفة صحيحة، إلا أنها مضللة. لماذا؟ لأنها تعني ضمنيا أنه وأضرابه من قادة دولة إسرائيل لم يجرموا، ولا يجرمون، إلا في الحروب! بينما الحقيقة أن شارون من أعتى مجرمي الحرب بقدر ما هو من أعتى ‘مجرمي اللاحرب’، حتى لا نقول السلم (إذ لا سلم في الوطن العربي كله منذ أكثر من قرن، وبالتحديد منذ الغزو الإيطالي لليبيا عام 1911). ذلك أن مجرد وجود كيان إسرائيل بشكلها الكولونيالي العنصري (الذي لا يخلو من الجنوح الإبادي) المعروف هو عين العنف السياسي الدائم، أي الحرب المؤسسية اليومية ضد شعبنا الأعزل في فلسطين.
وحسبنا في تلخيص شخصية شارون ومنطقه ورؤياه الاستشهاد بما صرح به لمدير ‘لوموند’ الراحل أندري فونتان. قال له بكل جدية: لو كنت أنا المسؤول عن الوجود الفرنسي في الجزائر، لكانت الجزائر لا تزال فرنسية حتى اليوم.
ليس شارون إذن في فهم السياسة، ناهيك عن مادة الزعامة، سوى نقيض لديغول (الذي كان، مثل تشرشل، عسكريا قبل أن يصير سياسيا). أي أنه نقيض أحد ثلاثة أو أربعة من أعظم زعماء القرن العشرين. هنالك طبعا أدبيات غربية ليبرالية تمتدح شارون بالقول إنه آخر العنقود من جيل الآباء المؤسسين، جيل 1948، الذي كان لوحده القادر على تقديم ‘تنازلات مؤلمة’ دون أن ينال هذا من شرعيته التاريخية ومصداقيته الوطنية (على أن بيريس مستثنى من هذه الفئة لأنه لم يكن عسكريا). نيات طيبة وعاطفية معتادة!
ومع هذا، فإن الروائي الإسرائيلي المتميز ديفيد غروسمان قد أصاب بعض الشيء عندما قال عام 2005 إن شارون ‘شخصية روائية’. بمعنى أنه قضى نصف حياته ممثلا شخصية المحارب، بل ‘مجسدا بمفرده الجيش الإسرائيلي (..) لقد كان هو صاحب فكرة المستوطنات. إنه هو الذي أقامها قبل ربع قرن في مواضع جغرافية محددة بدقة بهدف جعلها عقبات ضد أي انسحاب إسرائيلي (..) ولكن ها إن هذا الرمز المتحرك يجد نفسه مضطرا للقيام بأعمال مناقضة (..) لمواقف المعجبين به بل ربما منافية لقناعاته الشخصية (..) ولكني أرى في هذا ضربا من العدالة المحايثة (للمظالم:( ذلك أن هذا الرجل المسؤول عن كامل تعاسة بلاده منذ أربعين سنة والذي بث الشرور في إسرائيل وفي فلسطين يجد نفسه اليوم مضطرا لإصلاح الوضع′.
كان هذا في سياق التعليق على اعتزام شارون سحب قوات الاحتلال من قطاع غزة (النكتة أن نتنياهو استقال آنذاك من الحكومة احتجاجا). مجرد إعادة انتشار صورت آنذاك على أنها من ‘التنازلات المؤلمة’ من أجل السلام! ولكن ضلالات الليبرالية الغربية واليسار الإسرائيلي بشأن شارون تعود إلى ما قبل ذلك. إلى بدايات 2001 بالتحديد.
عزيزة يا مصر
ناصر مهنا اليحيوي- عكاظ
كم نتمنى أن تعود لنا مصر كما عهدناها وعرفناها.. مصر الأمن والأمان.. والحضن الدافئ لطالبي الدفء والمتعة والاسترخاء.. متى تعود مصر الأهرامات والأزهر والنيل والحضارة والآثار والتاريخ.. مصر النكتة.. والمرح وخان الخليلي والحسين.. متى نشاهد شوارعك ومساجدك وحاراتك بدون شغب ومظاهرات ودبابات ورجال شرطة وفوضى (سئمنا من مشاهدتها).. نود أن نرى مصر السلام لا القتل والدماء.. نود أن نرى مصر الوحدة لا مصر الانقسام.. والإقصاء.. والانشطار..
اشتقنا إلى رؤيتك بعد أن تعودت العين على رؤياك.. وعز علينا أن نراك جريحة مكلومة.. ونحن على يقين بإذن الله أن الجرح سيبرأ وستعودين أكثر بهاء وإشراقا..
نحن نكتب من وطن أحبك وما زال يحبك.. عاش وما زال يعيش معك على السراء والضراء.. يقتسم معك الأفراح والأحزان.. يسعده ما يسعدك.. ويسوؤه ما يسوؤك.. نريد لهذا الجرح أن يندمل.. ولهذا الليل أن ينجلي.. وللعقل أن ينتصر..
مصر بالنسبة لنا ولكل عربي ومسلم هي رأس الحربة للعالمين الإسلامي والعربي.. إن قويت كانت مصدر قوة لهما وإن ضعفت خارت قواهما.. ولهذا لن نقبل إلا أن تكون مصر في أوج قوتها ومجدها..
نريد أن يعود السلام والوئام والتناغم والانسجام بين أبناء هذا الشعب الواحد كما كانوا عبر آلاف سنين مضت.. نريد لهذه الفتنة أن تدفن إلى أبد الآبدين بعد أن ناصب الأخ أخاه العداء.. وسكبت بينهم الدماء.. في مشهد يسعد الأعداء ويؤلم الأصدقاء.. التاريخ سيذكر (فقط) وبفخر وإعتزاز من ضحى من أجلها.. وجعل مصلحتها العليا أسمى أهدافه وسيذكر (فقط) بخزي وعار وهوان كل من نظر إلى مصلحته الشخصية وأهوائه ومطامعه بعيدا عن مصلحة أمته وشعبه.. (فالتاريخ لا يرحم).. وأخيرا.. نقول لأهلنا وأشقائنا هناك: إن مصر تستحق منكم التضحية من أجلها.. بعيدا عن الأهواء والمصالح وتصفية الحسابات.. فلا شيء يعلو فوق (الدين والوطن).. فاللهم احم مصر وأهلها من كل سوء.. وأعدها إلينا منارة علم.. ومصدر حضارة.. ودائما وأبدا نقول (عزيزة يامصر).
الأردن: ‘تسعيرة’ مبكرة لتعويض اللاجئين الفلسطينيين ونقاش خلف الكواليس بالدولارات
بسام البدارين- القدس العربي
عمان ـ ‘القدس العربي’: تحرص دوائر القرار الأردنية على إبقاء الجدل السياسي والرسمي بخصوص ملف اللاجئين الفلسطينين بأضيق نطاق ممكن في الغرفة المغلقة ليس فقط بسبب حساسية هذا الملف.
ولكن أيضا بسبب الجدل والتجاذب والإتهامات التي يمكن أن يثيرها على شكل عوائد سلبية شعبيا وإعلاميا على المؤسسة السياسية الأردنية.
رغم ذلك يتفاعل النقاش وسط نخبة مقربة جدا من القصر الملكي في بعض المؤسسات تحاول مرحليا ‘بناء تصور’ متأخر سيطرح على طاولة المفاوضات باسم الدولة الأردنية وهو تصور بدأ الترويج لبعض تفاصيله رئيسي الوزراء والديوان الملكي عبدلله النسور وفايز طراونة.
واضح تماما أن مجلس الأعيان يلعب دورا مهما في مرحلة التقييم خصوصا عندما يتعلق الأمر باستراتيجية استقبال المفاوضات ونتائجها المتوقعة.
وبين الأعيان فريق يبدو مستعدا للعب دور الرديف في تقديم النصيحة للملك والحكومة على أساس قياس الإعتبارات الوطنية عندما يتعلق الأمر بهجمة الوزير الأمريكي جون كيري للسلام وخطته لإجبار الجميع على التفاوض وصولا لتسوية نهائية.
على هذا الأساس ألقى نائب رئيس مجلس الأعيان معروف البخيت محاضرة شهيرة أثارت الجدل عندما شككت باحتمالات وجود قنوات سرية وحذرت من تضليل الأردن بـ’ أوسلو’ جديد.
كما قاد رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي جهدا في نفس السياق عبر لجنة الشؤون الخارجية التي يترأسها في مجلس الأعيان.
المؤسسة الأردنية بوضوح رحبت مبكرا بمبادرة كيري لكنها تتعامل معها بحذر شديد بسبب العوائد المحتملة على المصالح الأردنية من ضعف المؤسسة الفلسطينية كما قال مسؤول بارز لـ’القدس العربي’ وكما ألمح نائب رئيس مجلس الأعيان معروف البخيت عندما استقبل القيادي الفتحاوي البارز عباس زكي.
لكن عند الحديث في التفاصيل لابد من التوقف على محطة ما يتردد حول سباق وتنافس على مبدأ ‘التعويض’ في حال التوصل إلى اتفاق إطار على أساس المبادرة العربية.
هنا تحديدا لدى الحكومة الأردنية مصالح مباشرة على أساس تعويضات الدول الراعية للاجئين وبعض النخب تتجادل بصورة مبكرة ما إذا كان التعويض المادي المباشر الذي تنص عليه قرارات الشرعية الدولية سيشمل جميع الأفراد وفي كل أمكنة اللجوء.
الإنشغال بهذا الموضوع حصريا دفع جميع الأطراف لإجراء دراسات معمقة خلف الستارة لا تنشغل بحق العودة بقدر ما تنشغل بحق التعويض نفسه.
مبكرا بدأ الحديث عن ‘تسعيرة’ محتملة رقميا بدلا من حق العودة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.. الرقم الذي يتداوله بعض السياسيين يتحدث عن 20 ألف دولارا بدل الحق الفردي في التعويض لكل لاجئ مسجل بعيدا عن تعويض الدول الراعية أو عن تعويضات العقارات.
لكن مبدأ التعويض وتفصيلاته لم يتقررا بعد وإن كانت أوساط غربية تتوقع تقديم أربعة مليارات دولار كمقدمة حساب لدولة مثل الأردن تستضيف الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين وهو مبلغ لا يرقى إلى مستوى المتوقع بكل الأحوال حسب خبراء أردنيين.
14/1/2014
في هـــذا الملف:
جذور “الدولة اليهودية”
راي دار الخليج
المصالحة متطلب أساسي لما بعد المفاوضات
طلال عوكل- البيان
لماذا تعثرت الثورة الفلسطينية؟
رادي دار الخليج
جنيف2- لا تتفاءلوا !
صالح القلاب- الدستور
. مأساة مخيم اليرموك
رأي البيان
غيبوبة ‘السيد اسرائيل’ ويقظة العرب!
رأي القدس
خطة أمريكية تفوح منها رائحة عنصرية
علي القزق
شارون أو ماضي الإجــرام الذي لا يمضي
مالك التريكي- القدس العربي
عزيزة يا مصر
ناصر مهنا اليحيوي- عكاظ
الأردن: ‘تسعيرة’ مبكرة لتعويض اللاجئين الفلسطينيين ونقاش خلف الكواليس بالدولارات
بسام البدارين- القدس العربي
جذور “الدولة اليهودية”
راي دار الخليج
عند الكلام الجدّي عن "الدولة اليهودية" المتعاظم فوق شفاه الدول العظمى، تتراجع السياسات الثورية العربيّة بيومياتها القشيبة، وتنبسط أمامك خلاصات 26 قرناً من الجهد اليهودي الدائم الذي لم ينضب منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتّى اليوم أي منذ السبي وبعده . يدأب اليهود تنقية تاريخهم من كلّ ما يلحق به من موجات وتيّارات فكرية جديدة طارئة، ويجهدون إلى زعزعة تلك الحضارات والأفكار الأخرى وتدميرها أو تتفيهها وتفريغها من معانيها وتأثيراتها . واستمرّ الفكر الديني اليهودي بالمهمّة التاريخية التي تفرض عليهم وجوب التفسير لشريعتهم وعدم التوفيق بينها وبين الأعراف والتقاليد والعادات الداخلية والدخيلة . فالعقيدة الراسخة لديهم هي كلمة الله الأولى التي في أذن موسى تتّسع للكلام كلّه، ولا يحفظ نقاوتها الأولى سوى الانتباه واليقظة الدائمة بأنّ لكلّ كلمةٍ سبعين وجهاً من الوجوه أي ما يتجاوز عدد الأسباط لديهم . ومعضلة الأسباط بقيت مرّة تحت ألسنتهم في التاريخ حتّى تحويلها إلى الشعوب والحضارات الأخرى . هكذا تكثّفت لديهم الأدبيات والنصوص والدراسات والتعاليم التوراتية جيلاً بعد جيل، ونجد ملامحها في ميادين التاريخ والفلسفة والاجتماع والعلوم والاقتصاد والسياسة وغيرها من الأنشطة العقلية للحفاظ على جوهر الدين النقي . تستلهم عيون اليهود عزرا الكاتب اليهودي العائد بعد سبيه من أرض بابل في العام 444 ق .م . عندما وضع التوراة بشكلها النهائي الذي قبله اليهود واعتمدوه دستوراً لهم . كان النص عسيراً على فهم العامة، وجاءت الشروح مفعمة بالقصّة والخيال والأساطير التي تروق العاديين وتجذبهم . فالحاخام فوق منصته في السبوت والأعياد والمفسّر الى جانبه يشرح متمكّناً من الأرامية لغة العائدين من السبي، يمتزج واقعهم الشاق بالخيال فيشفّ العذاب وينجلي الإيمان . هكذا تبعث النصوص اليهودية الربّانية القارئ بالذهول والتشويق الذي يوقد العواطف ويشحن الخيال، وهكذا ندرك معنى تزاحم الرواة اليهود لنسج التراث الذي جمع في المدراشيم يحيا عبر أجيالهم منبعاً للفكر العبري والحياة الدينية أكثر ممّا هو سجل لوقائع التاريخ أي تاريخ من سبقوهم في بلاد ما بين النهرين وشبه الجزيرة . ويحمي نواة هذا الخيال العفوي والساذج ما يعرف ب: التلمود مختصراً تراكم الفكر المتعاقب لرجال الدين دارسي التوراة ومفسّريها خلال القرون الخمسة من بدء السنة الميلادية . من يقرأ، مثلاً، قصّة الخلق عند العبرانيين في مراحلها السبع ، يجد نفسه وكأنّه يقرأ ملاحم بابل وأوغاريت، حيث خلق الله "التوراة أوّلاً التي كتبت بنارٍ سوداء على نارٍ بيضاء، ثمّ خلق العرش، فالفردوس، فجهنّم، فالسماء، ثمّ المذبح تحت حرم السماء وفوقه تلمع حبة من الياقوت، وأخيراً الصوت الذي به ينادي على الدنيا" . اللافت في قصّة خلق الأرض أنّ "الله تبارك عمله في نقطة الوسط منها إذ وضع حجر الزاوية للهيكل في "إسرائيل" التي تتوسّط العالم، وفي وسطها مدينة أورشليم ، وفي وسط أورشليم يقوم الهيكل، وعلى حجر الزاوية نقش اسم المخلّص المنتظر بنورٍ مشعٍ ينير العالم" .
وتستمرّ عناصر الجذب في قصص خلق النبات في الفردوس والأرض، أو قصّة خلق حوّاء وآدم وبقيا في سباتٍ عميق حتى فتح آدم عينيه ومال إليها متمتماً" ستكون هذه ناقوسي" . ونستغرق في قصص الحية حاسدة الإنسان على النعيم الذي فيه وعلى منزلته وحوّاء، فكان السقوط في الخطيئة المعروفة، وصولاً الى قصص الطرد ونوح والطوفان وإبراهيم وذرية كنعان بعدما وزّعت الأرض بالقرعة على أبناء نوح الذي اختار جبل لبنان الممتدّ إلى نهر النيل موطناً رائعاً له . وهنا تنكر الأسطورة العبرية على الكنعانيين حقّ السكن في فلسطين ولبنان الذي ذكر وأرزه كثيراً، مع أنّ الكنعانيين كانوا في الجنوب والفينيقيين في الشمال شعباً واحداً أصليين .
الدولة اليهودية هي باختصار طاقة هائلة من الانتماء إلى الفكرة القديمة الحيّة في وجدان اليهود ومحورها "أرض الميعاد" كحقّ تاريخي لهم بأراضٍ بقيت متحولة ورخوة ومطّاطة وتداهمها الحروب اليوم، إلى حدود الخراب الكبير . صحيح أنّه أدب مسكون بنديب طفولة الشعب اليهودي ووعورته في بدائيته الوحدانية الأولى، لكنّه يكشف عن خداع واستغفال نادر في التاريخ يتكرّر مع كلّ حدث .
لماذا هذه المقدّمة الطويلة في القصص اليهودي؟
* أوّلاً: لأنّ الدنيا المغمّسة بالفكر الديني والحروب المذهبية، "اشتعلت" لتصريح محرّف لرأس الكنيسة الكاثوليكية فرنسيس الأول ينفي فيه وجود جهنم والجنة، ويعتبر كل الأديان صحيحة بينما قصة آدم وحواء هي من الأساطير ولا وجود لمفهوم العقاب عند الله . صحيح أن أوساط الفاتيكان قد أطفأت وهج هذا الاشتعال الذي أدرجه الكثيرون في خانة التجديف le canular عندما أشارت إلى الالتباس في مقالة بعنوان "ثورة فرنسيس . . لقد ألغى الخطيئة رسمياً" نشرها أوجينيو سكالفاري أحد المثقفين الإيطاليين البارزين بعد لقائه البابا فرنسيس، معتمداً على "أسلوب استنتاجي محرّف وغير دقيق نوعاً ما، ذكر فيها أنّ البابا يعتقد أن الخطيئة أو الذنوب غير موجودة، لكنّ البابا قال بالحرف: إنّ رحمة الله ومغفرته أبديّة" . وهنا من المفيد ربّما إيراد ما جاء في التوراة: "يا ربّ العالم . العالم ملك لك تستطيع أن تفعل به ما تشاء، ولكنّ الإنسان الذي ستخلقه واقع في الخطيئة لا محالة، إن كنت لا تعامله بالرحمة والمحبة، فمن الخير له ألاّ يخلق، لأنّك إن عاملته بالعدل هلك"، غير أنّ الله طمأن التوراة بقوله: " . . . إني لن أحكم العالم بالعدل، بل إنّي سأحكمه بالرحمة والمحبة" والمغفرة كما صوّب الفاتيكان .
* ثانياً: للتذكير بالأصابع اليهودية الساهرة قبالة فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وصولاً إلى نهر النيل بهدف نزع ملامح التاريخ القائم فيها ككيانات دينية ودنيوية نزولاً إلى النيل من تاريخ الكنعانيين والفينيقيين السحيق . أين تراث سوريا وبلاد ما بين النهرين وماذا بقي من آثارها على سبيل المثال؟ أين طاقات العرب والمسلمين وما مستقبل فلسطين و"إسرائيل" في منهجيات التاريخ المقارن؟
* ثالثاً: للتذكير أنّ البابا فرنسيس كما أعلن وبعد وقع كلامه المحرّف ، سيقوم بزيارة الأراضي المقدسة 24 و26 مايو/أيار المقبل وتحديداً عمان وبيت لحم والقدس وهي زيارة حج تقليدية يقوم بها باباوات الفاتيكان مرّة واحدة إلى فلسطين . نعم إلى "دولة فلسطين" كما لفظها في فبراير/شباط 2013 وللمرة الأولى شاغل الكرسي الرسولي بعد اعتراف الأمم المتحدة بها كدولة مراقب غير عضو في المنظمة الدولية، ودعا إلى الحوار مع المسلمين، وخلافًا للقانون الكنسي والتقليد قام البابا بغسل الأرجل لاثني عشر شخصًا اثنان منهم مسلمون وتقبيلها . وللتذكير أيضاً أنّ له منذ كان رئيساً للأساقفة، علاقات وثيقة مع اليهود في الأرجنتين، وقد حضر صلوات يهودية في كنيس بيونس آيرس عام 2007 . من المبكر، بالطبع، الكتابة عن تلك الزيارة المنتظرة الحاملة منذ الآن عنواناً لافتاً: "بالمحبّة نواجه التطرّف"، لكنّ الخلفية التي جاء منها ويكشف عنها منذ 13 مارس/آذار ،2012 تضعه مرجعاً بارزاً في التيار الإصلاحي للكنيسة، حيث اختار حياة الزهد ويريد "كنيسة فقيرة، وتدافع عن الفقراء والسلام في عالم تتقاذفه الحروب" .
المصالحة متطلب أساسي لما بعد المفاوضات
طلال عوكل- البيان
المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة ويتجند لها وزير خارجيتها جون كيري، لدفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لتوقيع اتفاق سلام، تنطوي على إمكانيات التحقق، بغض النظر عن طبيعتها وما إذا كانت تلبي السقوف المتطرفة للسياسة الإسرائيلية، والسقوف المتواضعة للمطالب والحقوق الفلسطينية.
لا يتصل الأمر بما يصدر عن الطرفين الفلسطيني، الذي يواصل شكواه، ويعبر عن حالة من الإحباط، والإسرائيلي، الذي لا يتوقف عن الكلام والعمل على الأرض، بطريقة تتعارض تماماً مع متطلبات تحقيق اتفاق سلام. كيري وحده الذي يتحدث بلغة متفائلة، عن تقدم غير كافٍ تم إحرازه منذ الجولة التاسعة، أي قبل الأخيرة للمنطقة، والوحيد الذي يشيد بشجاعة بنيامين نتانياهو والرئيس محمود عباس، اللذين اتخذا قرارات صعبة، حسب كيري.
ليس ما يقوله كيري هو المؤشر اليتيم على أن المفاوضات تحرز تقدماً، بل إن زياراته للأردن والسعودية تقدم مؤشراً آخر، من حيث أن للأردن علاقة مباشرة بطبيعة مخرجات أي اتفاق، والسعودية هي صاحبة مبادرة السلام العربية، ولكونها الدولة العربية المتعافية التي تحوز إمكانيات التأثير المادي والسياسي والمعنوي، على الطرف الفلسطيني وفي البيئة العربية عموماً.
أكثر من ذلك فإن الأردن شريك فعال في أي تسوية، لا تتوقف شراكته على دعمه للحقوق الفلسطينية، وإنما هو طرف في مسائل الأمن والحدود والمياه والقدس واللاجئين، حيث يحتضن الغالبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات.
على أن احتمالات نجاح المسعى الأميركي في دفع الطرفين نحو التوصل إلى اتفاق، لا تستند إلى عوامل تتصل بنضج واستعداد طرفي الصراع لتحقيق سلام، وإنما إلى عوامل خارجية، أهمها توفر الإرادة الأميركية لتحقيق ذلك.
إسرائيل التي تقودها حكومة متطرفة جداً، توصف على أنها حكومة مستوطنين، لا تجد نفسها مضطرة لخوض عملية سلام لا تحقق أطماعها التوسعية ومخططاتها، التي لا تحتمل قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وعاصمتها القدس، وإنها بما هو عليه حالها وحال المنطقة، تتطلع إلى توسيع نفوذها ومصالحها ودورها في منطقة الشرق الأوسط بكليتها.
على الجانب الآخر، يعاني الفلسطينيون من انقساماتهم ومن ضعفهم ومحدودية خياراتهم، ومن ارتهانهم للوقائع التي خلقتها وكرستها اتفاقية أوسلو، ويعانون أيضاً من انشغال العرب وتشتتهم وضعفهم، ومن ضعف حلفائهم الدوليين، ومن استمرار المخططات الإسرائيلية المكثفة، التي تصادر المزيد من الأرض والمزيد من الحقوق.
الهوة الواسعة بين الأطماع الإسرائيلية والمطالب الفلسطينية، هي المشكلة الكبرى أمام كيري، الذي يسعى لتجاوزها عبر البدء بالقضايا الأسهل، والتدرج نحو القضايا الأصعب، ومن خلال ممارسة الضغط على الطرف الأضعف وهو الفلسطيني، من أجل تقديم تنازلات، وإلا فإن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم بين فكي كماشة قوية، تضعهم أمام خيارين أحلاهما شديد المرارة.
إن وافق الفلسطينيون على اتفاق، سواء كان في شكل اتفاق إطار أو اتفاق دائم، فإنهم سيدفعون أثماناً باهظة قد لا يحتملها الوضع الفلسطيني، وإن رفضوا ذلك فإن عليهم أيضاً أن يتحضروا لضغوط دولية وإقليمية وإسرائيلية هائلة، لا يمكن معها بقاء الحال على حاله.
واقعياً، يمكن أن نتخيل موافقة الطرف الفلسطيني على مسألة التنازل عن بعض الأرض في إطار معادلة تبادلية الأراضي، وأن يوافق أيضاً على حل جزئي ورمزي لقضية حق عودة اللاجئين، وعلى حلول منقوصة لقضية القدس، وأن يقبل ببعض الترتيبات الأمنية التي تنتقص من السيادة..
لكن هل يمكن أن يقبل بشرط الاعتراف بيهودية الدولة؟ المشكلة الأساسية أن شرط الاعتراف بيهودية الدولة، لم يعد شرطاً إسرائيلياً فقط بعد أن تبنته الإدارة الأميركية، ولهذا كانت المفاوضات أساساً بين الفلسطينيين والأميركيين، فيما فقدت أهميتها قناة التفاوض الثنائي المباشر بين الدكتور صائب عريقات ووزيرة العدل تسيبي ليفني.
ونظراً لصعوبة النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها المفاوضات الجارية، سواء في حال تم التوصل إلى اتفاق مهما كانت طبيعته أو في حال الفشل، فإن على القيادة الفلسطينية أن تبادر إلى مصارحة الشعب الفلسطيني بالحقائق، حتى لا تتفاجأ بردود فعل تصعب السيطرة عليها.
والحال أن الظروف قد أصبحت ناضجة إلى حد كبير، لدفع عملية المصالحة الفلسطينية التي ينبغي أن توفر الفرصة والإطار الوطني المناسب، لاستيعاب الاختلافات الفلسطينية وتوفر عنصر قوة للمفاوض الفلسطيني، الذي لا يزال في موقع الدفاع عن النفس إزاء التشكيك الإسرائيلي الذي لا يتوقف، عن سلامة ووحدة وفاعلية التمثيل الفلسطيني.
في ضوء خطابات المصالحة التي تطلقها حركة حماس بين الحين والآخر، والتي تعكس لأسباب كثيرة معروفة مصداقية غير مسبوقة تجاه قضية إنهاء الانقسام، فإن الرئيس محمود عباس مطالب باتخاذ مبادرة، في كل الأحوال لا تتطلب شجاعة بمقدار الشجاعة التي تتطلبها مغامرة اتفاق سلام. وطالما أن إمكانية نجاح كيري واردة، فإن ثمة ما يوفر للرئيس الفلسطيني القدرة على تجاوز الاعتراض الأميركي والإسرائيلي على موضوع المصالحة، واستعادة الوحدة.
إن كانت المصالحة الآن مخرجاً لحركة حماس، فإنها مخرج ومتطلب لحركة فتح والقيادة الفلسطينية، لمواجهة سيناريوهات ما بعد المفاوضات الجارية، إن كانت النتيجة اتفاق سلام، أو انتقال إلى مربع الاشتباك والصراع.
لماذا تعثرت الثورة الفلسطينية؟
رادي دار الخليج
في مطلع هذا الشهر احتفل الفلسطينيون ومعهم أحرار العالم بمرور تسعة وأربعين عاماً على انطلاق الثورة الفلسطينية، التي أشعلت فتيلها حركة فتح بقيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات . بعد عام من هذا التاريخ سيكون قد مضى على انطلاق الثورة نصف قرن من الزمن، دون أن تتمكن من تحقيق أهدافها، التي عبر عنها البيان الأول لحركة فتح، التي نشأت في أواخر الخمسينات من القرن المنصرم . فلماذا لم تتمكن الثورة، بعد مضي هذا الوقت الطويل من تحقيق أهدافها؟
ابتداء يجدر التمييز بين انطلاقة الثورة الفلسطينية، وبين تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية . فالثورة الفلسطينية، هي امتداد للنضال الفلسطيني المسلح، الذي بدأت طلائعه في ثورة عز الدين القسام عام 1936 . وقد توقف هذا الكفاح بعد فشل تلك الثورة . وفي الخمسينات، بدأت محاولات لاستعادة روح الكفاح المسلح، مثلته كتائب أبطال العودة، التي أريد لها أن تكون الذراع العسكرية لحركة القوميين العرب، لكنها لم تعمر طويلاً .
منظمة التحرير الفلسطينية أسست بقرار عربي رسمي في القمة العربية الأولى، التي عقدت بدعوة من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، للرد على قيام الكيان الصهيوني بتحويل مياه نهر الأردن من الجليل إلى صحراء النقب . وقد صدر عن هذا المؤتمر ثلاثة قرارات رئيسية، الأول تشكيل قيادة عسكرية عربية موحدة، للرد على التحديات "الإسرائيلية"، ومنعها بالقوة من تنفيذ مشروعها في سرقة مياه النهر . والثاني تحويل مياه النهر في الجزء الشمالي لري مشاريع أردنية جديدة، يتكفل القادة العرب بإنجازها . والثالث تشكيل هيئة تمثل الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، وتقود نضاله نحو تحرير أرضه .
المقاربة بين الثورة الفلسطينية التي أطلقتها فتح، وبين منظمة التحرير، توضح أن الأولى هي فعل ذاتي فلسطيني مستقل عن الأنظمة العربية، وأنها الرد الطبيعي على رفض الفلسطينيين في الشتات البقاء في المنافي، وتصميمهم على الكفاح من أجل العودة إلى ديارهم . أما منظمة التحرير فقد منحت شهادة الولادة من قبل القمة العربية عام ،1964 والأهم أن القرار بإطلاق الثورة المسلحة، من دون تهيئة مستلزمات ذلك من قبل فتح، كان لخشيتها من أن تخطف منظمة التحرير الفلسطينية التي أطلقها القادة العرب دورها النضالي . بمعنى آخر، أن انطلاقة فتح العسكرية كانت تحدياً وردة فعل على قرار تأسيس منظمة التحرير .
ولذلك اتسمت علاقة الثورة الفلسطينية بدول المواجهة والأنظمة العربية الأخرى بالتوتر منذ الأيام الأولى لانطلاقتها . وكان ذلك أحد أسباب الفشل الذي منيت به الثورة عبر تاريخها الطويل .
لقد شدد البيان الأول لحركة فتح على أن الثورة المسلحة هي طريق العودة والتحرير، "من أجل أن نثبت للمستعمرين وللصهيونية العالمية أن الشعب الفلسطيني يبقى حياً في مواقعه، وأنه لم يمت ولن يموت" . والبيان هنا يطرح قضيتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالهدف وهو تحرير فلسطين التاريخية، والثاني الوسيلة وهي الكفاح المسلح .
ولم يتحقق الافتراق في الأهداف والوسائل، من الكفاح المسلح، إلى العمل السياسي، ومن التحرير الكامل لفلسطين، إلى دولة في الأراضي التي احتلتها "إسرائيل"، في عدوانها عام ،1967 إلا بعد تولي المقاومة الفلسطينية بزعامة عرفات قيادة منظمة التحرير . سيطرة قيادة المقاومة على منظمة التحرير، التي بدت وكأنها أضافت ثقلاً للمقاومة، حملت في جنباتها بعداً آخر . فحركات المقاومة تسلمت منظمة هي من صنع النظام العربي الرسمي، ومظلتها جامعة الدول العربية . بمعنى أن على المنظمة أن تخضع منذ ذلك التاريخ فصاعداً لموقف دول المواجهة من الصراع مع الصهاينة .
لقد تسلمت المقاومة المنظمة، لكن بشروط الأنظمة العربية الرسمية، بما حتم حدوث التغيير في الأهداف والاستراتيجيات الفلسطينية . ولأن شهادة ميلاد المنظمة هي من صنع دول المواجهة، فإن انتقال المقاومة لها، بشروط صناعها، يعني أن المقاومة ذاتها تحولت إلى امتداد للنظام العربي الرسمي، وأنها سوف تغير استراتيجياتها وأهدافها، وفقاً للموقف العربي السائد تجاه الصراع العربي- الصهيوني .
وقد ساعد على تأكيد هذا الجزء من جدلية الصراع ضد الكيان الغاصب، أن منظمات المقاومة، ظلت تنطلق بعملياتها العسكرية، بشكل رئيسي من الأقطار العربية المحاذية لفلسطين، والتي يناضل معظمها لاستعادة أراض تابعة لها، استولى عليها الكيان الغاصب في حرب حزيران ،1967 وذلك يعني أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، ستغير أهدافها عندما تغير الدول المحاذية لفلسطين، التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين وعناصر المقاومة الفلسطينية، والمقرات الرئيسية لمنظمة التحرير، سياساتها واستراتيجياتها من الصراع مع الصهاينة .
ولا جدال، في أن المقاومة الفلسطينية، بعد إجبارها على الخروج من الأردن عام ،1970 ومن لبنان عام ،1982 لم يبق لديها قواعد عسكرية آمنة، في بلدان المواجهة، مما عطل من إمكانية قيامها بعمليات عسكرية مؤثرة ضد الكيان الصهيوني، من الأراضي العربية المجاورة . ولذلك فإن المقاومة التي انخرطت بالجملة في منظمة التحرير الفلسطينية، بالقدر الذي تفشل فيه في تأمين قواعد عسكرية آمنة لعملياتها، بالقدر الذي تغير فيه استراتيجياتها، بما يتماهى مع استراتيجيات الدول العربية، التي قبلت بقراري 242 و338 الصادرين عن مجلس الأمن الدولي، للتوصل إلى تسويات سلمية للصراع .
يضاف إلى ذلك، أن المقاومة الفلسطينية عجزت عن تحشيد الشعب الفلسطيني بالأراضي المحتلة، نحو هدف التحرير الكامل لفلسطين . ولم يقف الفلسطينيون بالضفة والقطاع مكتوفي الأيدي، بل قاموا بانتفاضات واحتجاجات، تطورت لاحقاً في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم، إلى انتفاضة أطفال الحجارة . وقد أجبرت هذه التطورات قيادة عرفات على تغيير استراتيجياتها جملة وتفصيلاً . ولم يعد اللاجئون الفلسطينيون في المنافي، الذين مثلوا العمود الفقري للمقاومة، مركز اهتمام الرئيس عرفات .
لقد انتقل مركز الجاذبية في الكفاح الفلسطيني من الشتات، إلى الضفة الغربية والقطاع . وبذلك تحققت مغادرة نهائية في فكرة قيادة منظمة التحرير إلى التسوية السياسية . وكانت تلك هي المقدمة للدخول في مفاوضات مدريد، ثم مفاوضات أوسلو فقيام السلطة الفلسطينية، منقوصة السيادة بالضفة والقطاع .
وكانت التحولات في مجملها حصيلة خلل في توازن القوى، بين مختلف أطراف الصراع، لصالح الكيان الصهيوني، ولسوف تبقى الأوضاع على ما هي عليه، إلى أن يحدث تغيير في موازين القوى لصالح المشروع القومي، وذلك رهن بالوعي والقدرة والإرادة . والموضوع بحاجة إلى المزيد من التفصيل والتحليل .
جنيف2- لا تتفاءلوا !
صالح القلاب- الدستور
مع أن «أصدقاء الشعب السوري» في إجتماعهم الأخير في باريس قد تبنوا قرار مجلس الأمن الدولي 2118 ،الذي بموافقة روسية وصينية، أكد على ضرورة أن يطبق مؤتمر جنيف2 ،الذي من المفترض أن ينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر، ما تم الإتفاق عليه في جنيف الأولى وهو «إنشاء هيئة حكم إنتقالي في سوريا وبصلاحيات تنفيذية كاملة تمهيداً لإجراء إنتخابات تأخذ البلاد إلى المرحلة الجديدة المنشودة» إلاَّ أنه لابدَّ من الحذر وأنه لابد من عدم التفاؤل أكثر من اللزوم فتعقيدات هذه الأزمة كثيرة جداً وصعبة جداً ولهذا فإنه قد تستمر لثلاث سنوات أخرى جديدة.
إنه لاشك في أنَّ قرارات باريس ،أمس الأول، تعتبر تقدماً كبيراً ونوعياً مقارنة بمواقف الولايات المتحدة السابقة ،التي إتسمت بالميوعة والتردد والضبابية، وهذا ما قد يشجع قوى المعارضة ،بما في ذلك الذين إنسحبوا من إجتماع إسطنبول الأخير، على التخلي عن مخاوفهم السابقة وإتخاذ قرارٍ في إجتماع السابع عشر من هذا الشهر بالذهاب إلى جنيف2 على أساس أنَّ البند الرئيسي على جدول أعماله سيكون إنشاء هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة وعلى أساس أنه بدءاً بتشكيل هذه الهيئة أو هذه الحكومة لن يعُدْ لـ»بشار الأسد» أيّ دور لا في حاضر سوريا ولا مستقبلها.
الآن أصبح هناك إجماع على هذه المسألة الجوهرية من قبل أصدقاء الشعب السوري ،الذين من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وتركيا وعدد من الدول العربية المعنية، لكن المشكلة تبقى أن الروس لا زالوا على موقفهم السابق وأنهم لازالوا يتمسكون بمنطقهم الأعوج القائل :»أنَّ الأولوية في هذه المرحلة ليس لإقصاء بشار الأسد وإنما لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه».. ولكن المشكلة تبقى أيضاً أنَّ الإيرانيين مصرون على القتال دفاعاً عن هذا النظام حتى النهاية.
ولهذا ،ومع ضرورة أنْ تأخذ المعارضة السورية بكل تياراتها وأطرافها قرارات باريس هذه المشار إليها آنفاً بمنتهى الأهمية والمسؤولية، فإنه يجب عدم إنتظار حلول سريعة فالظاهر أنَّ بشار الأسد ،بدفع من الروس والإيرانيين، سيواصل القتل والتدمير حتى وإن لم يبقَ في سوريا حجر على حجر وحتى ولو أصبح الشعب السوري إمَّا من سكان القبور أو من سكان مخيمات الذل في الدول المجاورة والبعيدة وأيضاً حتى لو تشظى هذا البلد وتحول إلى دويلات طائفية متقاتلة.
إنَّ هذا الموقف الذي إتخذه «أصدقاء الشعب السوري» جيدٌ وضروري وهو قد جاء في اللحظة الحاسمة لكن ونحن نعرف أن طريق جنيـف2 لن تكون لا سالكة ولا آمنة فإنه لابدَّ منْ أن يبادر هؤلاء الأصدقاء كلهم إلى الخروج نهائيـاً من المساحات الرمادية والتخلي عن ترددهم ودعْم المعارضة السورية دعماً حقيقياً إن بالأموال وإن بالأسلحة الضرورية اللازمة في هذ المرحلة وإن بالمواقف السياسـية الواضحة والحاسمة التي قد تصل إلى حـد المواجهة الفعلية مع روسيا التي ثبـت أنَّ هذه الحرب على الجانب الآخر هي حربها وأنه لولاها لما إستطالت هذه الأزمـة كل هذه الفترة ولما وصلت أعداد القتلى إلى كل هذه الأرقام الفلكيـة ولما بلغ عدد اللاجئين والمهجَّرين إلى نحو عشرة ملايين ولما كان هناك كل هذا الدمار والخراب.
لن تكون جنيف2 إلاَّ مجرد محطة على طريق طويل والمؤكد أنَّ لا الروس ولا الإيرانيين ولا بشار الأسد وأخواله وأعمامه ومنْ هُمْ معه من «المؤلفة قلوبهم» سيوافقون على ما تم الإتفاق عليه في جنيف الأولى وأنهم لا يمكن أن يقبلوا بان يبدأ جنيف2 أعماله بـ»إنشاء هيئة حكم إنتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة».. وهذا يتطلب أن تبادر قوى المعارضة السورية إلى توحيد صفوفها والإلتفاف حول برنامج وطني عام وأن يبادر الجيش الحر إلى إحتواء كل هذه المجموعات المقاتلة ويحولها إلى تشكيلات عسكرية تراتبية ترتبط بقيادة واحدة وتعمل وفق خطط تكاملية موحدة.
. مأساة مخيم اليرموك
رأي البيان
مأساة إنسانية يعيشها سكان مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين جنوبي العاصمة السورية دمشق، آخذة في التفاقم يوماً بعد يوم، حيث تكاد تنعدم المواد الغذائية والاحتياجات الطبية بسبب الحصار المفروض على المخيم منذ نحو سنة، ما يتسبب في ارتفاع حالات الوفاة جوعاً.
ففي «اليرموك»، تجد شهداء دون معارك، في حروب يخوضها من انتزعت إنسانيتهم بحصار الأبرياء، باحثين عن انتصاراتهم على جثث الضحايا، والموت بالجوع أحدث وسائل القتل لديهم، ناهيك عن القنص أو الذبح.
البوابة الشمالية لمخيم اليرموك يسيطر عليها الجيش السوري، وتسانده في ذلك قوات القيادة العامة و«فتح الانتفاضة»، وقوات تابعة للنضال الشعبي المنشقة، بينما تسيطر مجموعات مسلحة فلسطينية أخرى على مساحة واسعة من مخيم اليرموك حتى مقبرة الشهداء.
وهي «كتائب أكناف بيت المقدس» و«لواء العهدة العمرية» و«لواء العاصفة» و«كتيبة الأقصى»، بينما تسيطر «داعش» (الدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام)، و«جبهة النصرة» على جنوب مخيم اليرموك وبوابة الحجر الأسود.
ويعيش سكان المخيم بين هذه المجموعات دون أن تكون لهم حرية التنقل والتسوق، ولا حتى الذهاب إلى المستشفيات، وجلب المياه والأدوية، لأن المجموعات المسلحة قامت بتقسيم المخيم إلى قطاعات، كل قطاع تسيطر عليه مجموعة معينة.
لذلك يضطر سكان المخيم لأن يقتاتوا على أوراق الشجر والحشائش والقطط النافقة، في ظل غياب شبه كامل للأدوية وحليب الأطفال وغلاء الأسعار، إذ تجاوز ثمن كيلو الأرز الواحد 40 دولاراً.
وهنالك من يذهب إلى أن فشل المبادرات السياسية في إنهاء أزمة مخيم اليرموك، يعود إلى وجود أطراف تحاول تهجير الفلسطينيين مرة أخرى، وتدفع في اتجاه إفراغ المخيمات لضرب حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
ومهما كانت الأسباب والدوافع، فإن الوضع المأساوي لسكان المخيم لم يعد يحتمل الجدل والمساومات السياسية الرخيصة، ولا بد من الانسحاب الكامل لجميع المسلحين من داخل المخيم، تمهيداً لعودة آمنة لسكانه الذين هجروا منه بسبب الأحداث الدامية، والاستجابة للدعوات الفلسطينية والدولية والعربية لفتح ممرات إنسانية لإغاثة من بقي من سكان المخيم.
غيبوبة ‘السيد اسرائيل’ ويقظة العرب!
رأي القدس
يتشارك الاسرائيليون والعرب، كل بطريقته الخاصة، إرث ارئيل شارون، ورغم النزاع الوجودي بين الطرفين فليست حكاية ‘السيد اسرائيل’ (كما سمّاه رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود اولمرت) أو سفّاح ‘صبرا وشاتيلا’ و’قبيّة’ (كما يتذكّره الفلسطينيون والعرب) انتصارات خالصة لاسرائيل وهزائم متكرّرة للعرب والفلسطينيين، فهذا غير صحيح تاريخياً وغير ممكن بحسب منطق الاشياء والطبيعة.
فالتاريخ نفسه الذي صنع اسم ‘ملك اسرائيل’ في حروب 1948 و1967 و1973 و1982 هو الذي أصابه برصاص المقاومين الفلسطينيين لاحتلال أراضيهم عام 1984 التي شقّت بطنه، وأخرجه مدحوراً عام 2000 من لبنان، وأثار ضدّ غطرسته انتفاضة الأقصى عام 2000 التي خلّفت آلافاً من الضحايا الفلسطينيين لكنها أيضاً كلّفت الجيش الاسرائيلي 334 جندياً (بينهم 58 جندياً قتلوا في معركة مخيم جنين وحدها) وقتلت 735 مستوطناً، ولم يمض على إشراف شارون الانتقاميّ على حصار وإذلال ياسر عرفات ثم تسميمه الذي أدى الى وفاته عام 2004 عامان حتى دخل هو أيضاً غيبوبة لثماني سنوات، كانت أجلى تعبير عن مكر التاريخ وانتقامه من انتصارات الجنرال الوحشيّة على أعدائه: نحن!
حكاية شارون، تلخّص حكاية اسرائيل نفسها وحكاية المقاومة الفلسطينية العربية المستمرة ضدّ آخر مشاريع الاستعمار الاستيطانية العنصرية الباقية على وجه الأرض.
ترافقت لحظة غيبوبة شارون عام 2006 مع دخول النزاع الفلسطيني الاسرائيلي طوراً جديداً، استنفدت فيه اسرائيل، ومن ورائها حلفاؤها الغربيون، مشروعها التوسّعي، فانكفأت الى فكرة حارة اليهود (الغيتو) القديمة مع نصبها جدارها العازل، وصولاً، بعد ذلك، إلى تطرّفها الجنونيّ، مع مشروع ‘الدولة اليهودية’ النقيّة الصافية من الأغيار الفلسطينيين، وهي الفكرة العنصريّة الأقصى التي ستصل، هي أيضاً، إلى فشلها المطلق، لأنها ضد التاريخ والطبيعة والحياة.
يجدر تأمّل ترافق حدث وفاة شارون السبت الماضي مع مرور قرابة ثلاث سنوات على بدء الثورات العربية التي انطلقت في تونس يوم 17 تشرين الثاني/ ديسمبر وفي مصر 25 كانون الثاني/يناير ثم اليمن في 11 شباط/فبراير وليبيا في 17 شباط/فبراير وسوريا في 15 آذار/مارس، فقد دشّنت الثورات العربية إنهيار النظام العربي القديم معلناً بذلك عن قدرة المجتمعات العربية على التغيير ورغبتها العارمة في الخروج من حالة الخراب والموات والدمار المترافق مع محاولات مستمرّة منذ تأسيس اسرائيل لتأبيد حلف الاستبداد والفساد واستتباعه بالمشروع الاسرائيلي الغربي.
ورغم انشغال الشعوب العربية ونخبها ببناء أركانها السياسية المتهالكة، باعتبارها بوّابة الخروج من الاستبداد والفساد، فإن انطلاقاتها المتقاربة في أرجاء الوطن العربي الكبير دليل كاشف على ترابط الشؤون العربية وتداخلها، وفي صلب ذلك، بالتأكيد، تنبض، بهدوء، الاجابة على السؤال الكبير الذي أرق النخبة السياسية العربية: فلسطين.
واجهت الثورات العربية أحلاف الماضي السياسية القارّة والمترابطة المصالح، دولياً وإقليمياً وداخلياً، وفي مواجهتها للثورات استخدم شركاء مصالح وامتيازات الماضي كل عدّة الأيديولوجيا المهترئة بما في ذلك مزاعم الدفاع عن فلسطين، وشارك في ذلك، للأسف، بعض أعلام السياسة الفلسطينية أنفسهم الذين هاجموا الثورات وساهموا بذلك في دعم آلة الطغيان الكاسرة ضد شعوبها الثائرة.
تعاني الثورات العربية مشاكل عضويّة جسيمة، فطول العهدة بالاستبداد، وتداخلات المال السياسي العربي، وضغوط اسرائيل، وتورّط القوى الإقليمية (ايران وحزب الله و’القاعدة’ وبناتها) تحاول جميعها تأجيل حركة التاريخ الطبيعية، لكن هذه الثورات، بفكّها عرى العلاقة المكينة بين أنظمة الاستبداد والدكتاتورية مع مشروعي (اسرائيل امريكا) و(ايران روسيا) للتحكم بالمنطقة العربية هي الإجابة الحقيقية للشعوب العربية على التحدّي التاريخي الهائل القائم. كان شارون، بالنسبة إلينا كعرب وفلسطينيين (العرب كلّهم فلسطينيون بالمعنى العميق لهويّة الضحيّة) هو آلة الموت المشتغلة ضدّنا، والتهام هذه الآلة لأحد مشغّليها الأساسيين ليس فعلاً طبيعياً فحسب بل يحملُ، معنى سياسياً عميقاً.
انتفاضات فلسطين ضد اسرائيل وجنرالها المدلّل كانت مقدّمات لصعود انتفاضة العرب الكبرى ضد جنرالات الدكتاتورية والاستبداد والفساد، وغيبوبة (ثم موت) شارون بالنتيجة معادل رمزيّ لاستعادة العرب شروط عودتهم الى التاريخ وانتصارهم على كل تمثّلات ‘السيّد اسرائيل’ الناطقة بالعربيّة.
خطة أمريكية تفوح منها رائحة عنصرية
علي القزق- القدس العربي
ظهرت في الأيام الأخيرة في الإعلام العربي تساؤلات أثارتها تحركات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة وما يسمى ‘بخطته’ حول تعريف هوية اللاجئ الفلسطيني، والإدعاء بأن من يحمل جنسية دولة أخرى من اللاجئين الفلسطينيين تسقط عنه صفة اللاجئ وحقه في العودة والتعويض.
من المؤسف ان يصل الإستهتار الأمريكي بالعرب وحقوقهم لأن يتجرأ جون كيري بطرح ‘خطة’ تفوح منها رائحة عنصرية مقيتة. فالسيد كيري لا يرفض ‘قانون حق العودة’ العنصري الإسرائيلي الذي يعطي أي يهودي في العالم، فقط لكونه يهودي، حق الهجرة والإستيطان في أراضي وأملاك الفلسطينيين في إسرائيل، ولكنه يحاول منع اللاجئين الفلسطينيين، أصحاب البلد الأصليين، الذين قامت العصابات الإرهابية اليهودية بطردهم من بيوتهم وأملاكهم، من حق عودتهم إلى وطنهم لأنهم يحملون جنسية دولة أخرى. أليس الأحرى بجون كيري أن يرفض هجرة اليهود الذين يحملون جنسيات العالم، بما فيها الجنسية الأمريكية، إلى إسرائيل والسكن ببيوتنا وحقولنا وأملاكنا ومدننا؟
فلماذا مثلاً، أنا اللاجئ الفلسطيني من مواليد حيفا وحامل الجنسية الأسترالية أحرم من حق العودة إلى وطني ومدينتي، واليهودي الأسترالي الذي ولد في أستراليا هو وآباؤه وأجداده يسمح له أن يهاجر إلى إسرائيل ويعيش في مدينتي؟ ولماذا يحرم من يحمل الجنسية الأردنية مثلاً من العودة إلى مدينته التي تبعد عنه بضع كيلومترات ويسمح لليهودي الذي يبعد آلاف الكيلومترات من الهجرة والعيش فيها؟
من نافلة القول أن هذا الطرح والتذاكي الأمريكي/ الإسرائيلي المراوغ مرفوض بشكل مطلق ويجب التصدي له، والتعامل معه بالسخرية والإستهزاء الذي يستحقه لما يمثله من تمادي في إهانة ذكاء العرب والإستهانة بحقوقهم. ولكن من الغريب أن نرى أن بعض المسؤولين العرب ووسائل الإعلام يأخذ هذا الهذيان بشكل جدي ومحاولة إعطائه مصداقية ويتعامل معه وكأنه حقيقة وتحصيل حاصل نازل علينا من السماء لا حول لنا فيه ولا قوة، وكأننا أصبحنا في ورطة وضاعت علينا حقوقنا!!
لذا يستوجب التذكير هنا بحقائق لربما أن تكون غافلة أو نسيت من قبل البعض، وهي أن صفة اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض تقوم على أرضية صلبة راسخة في القانون الدولي، وهي مصانة ومضمونة بالشرائع والقوانين الدولية، وليست عرضة لأي تساؤل وتشكيك، إن كان ذلك؛ في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، ومبدأ حق تقرير المصير للشعوب على أرضها وفي قرار هيئة الأمم المتحدة المتعلق باللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة والتعويض رقم 194 الذي عَرَّفَ وحَدَّد من هم اللاجئون الفلسطينيون وذلك بأنهم جميع من طردوا من بيوتهم ووطنهم، وطالب بحقهم في العودة إلى ‘بيوتهم’ والتعويض لهم. كما أن لدى الأونوروا سجلات بمعظم اللاجئين، وهو إعتراف راسخ بأنهم لاجئون، إن كانوا من حملة وثائق سفر أو جوازات سفر وجنسيات أخرى.
كما أن العرب والفلسطينيين أنفسهم يعلمون علم اليقين من هم اللاجئون، وقد حدد ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية من هو الفلسطيني وحقه في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره على أرضه، حيث جاء فيه ان ‘الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء وأن الإحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وإنتماءه الفلسطيني ولا ينفيانها.’
أضف إلى ذلك أن هناك سوابق عديدة بتحديد من هو اللاجئ بدءً من اليهود أنفسهم لاحقاً للحرب العالمية الثانية في أوروبا، إلى شعوب أخرى مثل لاجئي بوسنيا وتيمور الشرقية وكوسوفو ورواندا وغيرهم، الذين تم حصولهم على حقوقهم كاملة بدعم من المجتمع الدولي في العودة إلى أوطانهم والتعويض. وإن كان تعريف اللاجئ ينطبق على هذه الشعوب فإنه ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين أكثر من أي لاجيء آخر في العالم.
أما بالنسبة إلى حمل اللاجئ الفلسطيني لجواز سفر وجنسية أخرى فهذا لا يسقط بأي شكل من الأشكال صفته كونه لاجئ لأن السبب أصلاً في حمله جنسية أخرى هو بسبب طرده من وطنه وحرمانه من العودة إليه وحمل جنسيته الفلسطينية الشرعية، وحقيقة أن حمل فلسطينيين لجنسيات أخرى لم يكن إختيارا طوعيا كأي من المهاجرين الآخرين، وإنما رغماً عنه. لذلك يجب إعطاء اللاجئين الفلسطينيين من حملة جنسيات أخرى حق الخيار بين العودة إلى بيته ومدينته ووطنه وبين قبوله التعويض والإحتفاظ بالجنسية التي يحملها والدولة التي يعيش فيها إن رغب في ذلك، وهو ما يطالب به قرار هيئة الأمم المتحدة 194 وجميع الشرائع والقرارات الدولية.
إن محاولات التذاكي والبهلوانيات الإسرائيلية والأمريكية للإلتفاف على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض لن تنطوي على احد لا على الشعب الفلسطيني ولا على شعوب العالم ومؤسساته القانونية والإنسانية التي تعتني بحقوق الإنسان. لأنه لن يكون مقبولاً أن يكون هناك قانون ينطبق على جميع الدول والبشر وآخر ينطبق على إسرائيل واليهود.
هل يعتقد جون كيري وكبير مساعديه ومستشاريه مارتن إنديك، الذي يفتخر بدون أي خجل بأنه صهيوني، أن الشعب الفلسطيني والعربي شعب من المغفلين الذين سوف يتنازلون عن حقوقهم الشرعية، وينسون عذابهم وتشردهم عن الوطن لأكثر من 65 عام، لمجرد أن أحدهم جاء بهذا التذاكي الصهيوني؟ يكفي أن يمدح المتطرف العنصري ليبرمان خطة كيري ويصفها بأنها ‘أفضل عرض يمكن لإسرائيل أن تحصل عليه.’ لنعلم من تخدم ولمصلحة من هذه الخطة؟
وهل تناست الزمرة الحاكمة في إسرائيل وخدمتها في البيت الأبيض والكونغرس خبرتهم مع الفلسطينيين والشعب العربي، والثورات العربية، ومئات الشهداء الذين فجروا ثورتهم وقدموا أرواحهم ودماءهم من أجل تحقيق حقهم في العودة والإستقلال وتقرير المصير على أرضهم؟
إن دل طرح جون كيري لهذا الهراء الصهيوني عن شيء فإنما يدل على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست جادة في مساعيها لحل القضية الفلسطينية وتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط، وبأنها لم تغير لون جلدتها وإنحيازها الأعمى إلى جانب إسرائيل، وبأن سياستها الشرق أوسطية ليست مستقلة، ولا تقوم المبادئ الأمريكية التي تتغنى بها، ولا على الشرائع والقوانين الدولية وإنما تستمر في تبني سياسة إسرائيل الشرق أوسطية.
ولن نتطرق هنا إلى الثمن الباهظ الذي تدفعه أمريكا لتبنيها السياسة الإسرائيلية الشرق أوسطية، فلا طائل من ذلك، لأنهم أصبحوا عبيداً للوبي الإسرائيلي الذي يسحبهم من رقابهم أينما شاء، وهذا ليس تجني ولا تضخيم، ولكنه حقيقة موثقة بعشرات الكتب أصبحت واضحة للعالم قاطبة. فعلى الولايات المتحدة أن تحرر نفسها من هذا اللوبي لكي تستطيع أن تلعب دورا إيجابيا لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط.
إن من يثير هذا التشكيك بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وكأنه يريد ان يدفع أكثر من عشرة ملايين فلسطيني لتفجير ثورة جديدة تحرق الأخضر واليابس في المنطقة والعالم، والتي سوف تطال الجميع ولن يسلم منها أحد.
شارون أو ماضي الإجــرام الذي لا يمضي
مالك التريكي- القدس العربي
يمثل الصراع عامة، والحروب خاصة، شكلا من أشكال الاحتكاك، بل والتواصل، بين الشعوب والأفراد. ولهذا فإن شخصية أرييل شارون المقيم منذ 2006 في برزخ بين الحياة والممات -ماضيا لا يريد أن يمضي- هي بهذا المعنى جزء موضوعي من التاريخ العربي المعاصر. تماما كما أن الاستعمار، الذي حدد هوية الثلث الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، هو الآن جزء موضوعي من تاريخ الشعوب العربية والعالم الثالث عموما.
ويجدر التنبيه، بداية، أن صفة ‘مجرم الحرب’ التي تطلق على شارون صفة صحيحة، إلا أنها مضللة. لماذا؟ لأنها تعني ضمنيا أنه وأضرابه من قادة دولة إسرائيل لم يجرموا، ولا يجرمون، إلا في الحروب! بينما الحقيقة أن شارون من أعتى مجرمي الحرب بقدر ما هو من أعتى ‘مجرمي اللاحرب’، حتى لا نقول السلم (إذ لا سلم في الوطن العربي كله منذ أكثر من قرن، وبالتحديد منذ الغزو الإيطالي لليبيا عام 1911). ذلك أن مجرد وجود كيان إسرائيل بشكلها الكولونيالي العنصري (الذي لا يخلو من الجنوح الإبادي) المعروف هو عين العنف السياسي الدائم، أي الحرب المؤسسية اليومية ضد شعبنا الأعزل في فلسطين.
وحسبنا في تلخيص شخصية شارون ومنطقه ورؤياه الاستشهاد بما صرح به لمدير ‘لوموند’ الراحل أندري فونتان. قال له بكل جدية: لو كنت أنا المسؤول عن الوجود الفرنسي في الجزائر، لكانت الجزائر لا تزال فرنسية حتى اليوم.
ليس شارون إذن في فهم السياسة، ناهيك عن مادة الزعامة، سوى نقيض لديغول (الذي كان، مثل تشرشل، عسكريا قبل أن يصير سياسيا). أي أنه نقيض أحد ثلاثة أو أربعة من أعظم زعماء القرن العشرين. هنالك طبعا أدبيات غربية ليبرالية تمتدح شارون بالقول إنه آخر العنقود من جيل الآباء المؤسسين، جيل 1948، الذي كان لوحده القادر على تقديم ‘تنازلات مؤلمة’ دون أن ينال هذا من شرعيته التاريخية ومصداقيته الوطنية (على أن بيريس مستثنى من هذه الفئة لأنه لم يكن عسكريا). نيات طيبة وعاطفية معتادة!
ومع هذا، فإن الروائي الإسرائيلي المتميز ديفيد غروسمان قد أصاب بعض الشيء عندما قال عام 2005 إن شارون ‘شخصية روائية’. بمعنى أنه قضى نصف حياته ممثلا شخصية المحارب، بل ‘مجسدا بمفرده الجيش الإسرائيلي (..) لقد كان هو صاحب فكرة المستوطنات. إنه هو الذي أقامها قبل ربع قرن في مواضع جغرافية محددة بدقة بهدف جعلها عقبات ضد أي انسحاب إسرائيلي (..) ولكن ها إن هذا الرمز المتحرك يجد نفسه مضطرا للقيام بأعمال مناقضة (..) لمواقف المعجبين به بل ربما منافية لقناعاته الشخصية (..) ولكني أرى في هذا ضربا من العدالة المحايثة (للمظالم:( ذلك أن هذا الرجل المسؤول عن كامل تعاسة بلاده منذ أربعين سنة والذي بث الشرور في إسرائيل وفي فلسطين يجد نفسه اليوم مضطرا لإصلاح الوضع′.
كان هذا في سياق التعليق على اعتزام شارون سحب قوات الاحتلال من قطاع غزة (النكتة أن نتنياهو استقال آنذاك من الحكومة احتجاجا). مجرد إعادة انتشار صورت آنذاك على أنها من ‘التنازلات المؤلمة’ من أجل السلام! ولكن ضلالات الليبرالية الغربية واليسار الإسرائيلي بشأن شارون تعود إلى ما قبل ذلك. إلى بدايات 2001 بالتحديد.
عزيزة يا مصر
ناصر مهنا اليحيوي- عكاظ
كم نتمنى أن تعود لنا مصر كما عهدناها وعرفناها.. مصر الأمن والأمان.. والحضن الدافئ لطالبي الدفء والمتعة والاسترخاء.. متى تعود مصر الأهرامات والأزهر والنيل والحضارة والآثار والتاريخ.. مصر النكتة.. والمرح وخان الخليلي والحسين.. متى نشاهد شوارعك ومساجدك وحاراتك بدون شغب ومظاهرات ودبابات ورجال شرطة وفوضى (سئمنا من مشاهدتها).. نود أن نرى مصر السلام لا القتل والدماء.. نود أن نرى مصر الوحدة لا مصر الانقسام.. والإقصاء.. والانشطار..
اشتقنا إلى رؤيتك بعد أن تعودت العين على رؤياك.. وعز علينا أن نراك جريحة مكلومة.. ونحن على يقين بإذن الله أن الجرح سيبرأ وستعودين أكثر بهاء وإشراقا..
نحن نكتب من وطن أحبك وما زال يحبك.. عاش وما زال يعيش معك على السراء والضراء.. يقتسم معك الأفراح والأحزان.. يسعده ما يسعدك.. ويسوؤه ما يسوؤك.. نريد لهذا الجرح أن يندمل.. ولهذا الليل أن ينجلي.. وللعقل أن ينتصر..
مصر بالنسبة لنا ولكل عربي ومسلم هي رأس الحربة للعالمين الإسلامي والعربي.. إن قويت كانت مصدر قوة لهما وإن ضعفت خارت قواهما.. ولهذا لن نقبل إلا أن تكون مصر في أوج قوتها ومجدها..
نريد أن يعود السلام والوئام والتناغم والانسجام بين أبناء هذا الشعب الواحد كما كانوا عبر آلاف سنين مضت.. نريد لهذه الفتنة أن تدفن إلى أبد الآبدين بعد أن ناصب الأخ أخاه العداء.. وسكبت بينهم الدماء.. في مشهد يسعد الأعداء ويؤلم الأصدقاء.. التاريخ سيذكر (فقط) وبفخر وإعتزاز من ضحى من أجلها.. وجعل مصلحتها العليا أسمى أهدافه وسيذكر (فقط) بخزي وعار وهوان كل من نظر إلى مصلحته الشخصية وأهوائه ومطامعه بعيدا عن مصلحة أمته وشعبه.. (فالتاريخ لا يرحم).. وأخيرا.. نقول لأهلنا وأشقائنا هناك: إن مصر تستحق منكم التضحية من أجلها.. بعيدا عن الأهواء والمصالح وتصفية الحسابات.. فلا شيء يعلو فوق (الدين والوطن).. فاللهم احم مصر وأهلها من كل سوء.. وأعدها إلينا منارة علم.. ومصدر حضارة.. ودائما وأبدا نقول (عزيزة يامصر).
الأردن: ‘تسعيرة’ مبكرة لتعويض اللاجئين الفلسطينيين ونقاش خلف الكواليس بالدولارات
بسام البدارين- القدس العربي
عمان ـ ‘القدس العربي’: تحرص دوائر القرار الأردنية على إبقاء الجدل السياسي والرسمي بخصوص ملف اللاجئين الفلسطينين بأضيق نطاق ممكن في الغرفة المغلقة ليس فقط بسبب حساسية هذا الملف.
ولكن أيضا بسبب الجدل والتجاذب والإتهامات التي يمكن أن يثيرها على شكل عوائد سلبية شعبيا وإعلاميا على المؤسسة السياسية الأردنية.
رغم ذلك يتفاعل النقاش وسط نخبة مقربة جدا من القصر الملكي في بعض المؤسسات تحاول مرحليا ‘بناء تصور’ متأخر سيطرح على طاولة المفاوضات باسم الدولة الأردنية وهو تصور بدأ الترويج لبعض تفاصيله رئيسي الوزراء والديوان الملكي عبدلله النسور وفايز طراونة.
واضح تماما أن مجلس الأعيان يلعب دورا مهما في مرحلة التقييم خصوصا عندما يتعلق الأمر باستراتيجية استقبال المفاوضات ونتائجها المتوقعة.
وبين الأعيان فريق يبدو مستعدا للعب دور الرديف في تقديم النصيحة للملك والحكومة على أساس قياس الإعتبارات الوطنية عندما يتعلق الأمر بهجمة الوزير الأمريكي جون كيري للسلام وخطته لإجبار الجميع على التفاوض وصولا لتسوية نهائية.
على هذا الأساس ألقى نائب رئيس مجلس الأعيان معروف البخيت محاضرة شهيرة أثارت الجدل عندما شككت باحتمالات وجود قنوات سرية وحذرت من تضليل الأردن بـ’ أوسلو’ جديد.
كما قاد رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي جهدا في نفس السياق عبر لجنة الشؤون الخارجية التي يترأسها في مجلس الأعيان.
المؤسسة الأردنية بوضوح رحبت مبكرا بمبادرة كيري لكنها تتعامل معها بحذر شديد بسبب العوائد المحتملة على المصالح الأردنية من ضعف المؤسسة الفلسطينية كما قال مسؤول بارز لـ’القدس العربي’ وكما ألمح نائب رئيس مجلس الأعيان معروف البخيت عندما استقبل القيادي الفتحاوي البارز عباس زكي.
لكن عند الحديث في التفاصيل لابد من التوقف على محطة ما يتردد حول سباق وتنافس على مبدأ ‘التعويض’ في حال التوصل إلى اتفاق إطار على أساس المبادرة العربية.
هنا تحديدا لدى الحكومة الأردنية مصالح مباشرة على أساس تعويضات الدول الراعية للاجئين وبعض النخب تتجادل بصورة مبكرة ما إذا كان التعويض المادي المباشر الذي تنص عليه قرارات الشرعية الدولية سيشمل جميع الأفراد وفي كل أمكنة اللجوء.
الإنشغال بهذا الموضوع حصريا دفع جميع الأطراف لإجراء دراسات معمقة خلف الستارة لا تنشغل بحق العودة بقدر ما تنشغل بحق التعويض نفسه.
مبكرا بدأ الحديث عن ‘تسعيرة’ محتملة رقميا بدلا من حق العودة لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.. الرقم الذي يتداوله بعض السياسيين يتحدث عن 20 ألف دولارا بدل الحق الفردي في التعويض لكل لاجئ مسجل بعيدا عن تعويض الدول الراعية أو عن تعويضات العقارات.
لكن مبدأ التعويض وتفصيلاته لم يتقررا بعد وإن كانت أوساط غربية تتوقع تقديم أربعة مليارات دولار كمقدمة حساب لدولة مثل الأردن تستضيف الكتلة الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين وهو مبلغ لا يرقى إلى مستوى المتوقع بكل الأحوال حسب خبراء أردنيين.